الاثنين، 31 أكتوبر 2022

المسألة المثلية... المعيار الإنساني المعتقل

 المسألة المثلية... المعيار الإنساني المعتقل

18C96C38-2AC9-45FF-A3F4-89E11ED2B781
مهنا الحبيل

نعيش جولة شرسة لقوى الحداثة الغربية، ولا نقصد بها حداثة التطوّر العلمي والتقدّم، ولكن حداثة الآلة الرأسمالية المقترنة، بقضية استبدال الإنسان بالجندر الجديد، وبعثرة أي أساس أخلاقي ولد مع الطبيعة البشرية، وأي رابط ورثته الأسرة في قوامها الفطري، حيث تتبنّى الحداثة إعادة تعريف ذات الإنسان، كمادة تخضع لمفاهيمهم وُلدت في طقوس فلسفية مختلّة، سبق أن شرحها الكاتب في نظرية فوكو الجنسانية، ثم اُطلقت النزوات لتفسّر الأفكار التي يسعى الغرب إلى فرضها قوانين ملزمة لبقية العالم، وللمهاجرين إلى دوله من بقية الأمم. وتستثمر هذه القوة الهجومية المدعومة التصدّع الإنساني في الشرق الذي تأثر من غياب سلطة قانون أخلاقي يحمي الضعفاء، ويعزّز حقّ المرأة الطبيعي، ورابطتها مع الرجل ومع أطفالها، وليس تحويل الأنثى إلى عالم صراع مع عالم الرجل، ثم نزع صفة الأنوثة أو الذكورة، ورمي المجتمع في قعر اضطراب فكري، يحاصر الطفولة ويغتال براءتها، وخصوصا أن حوادث الاعتداء على النساء لا تزال تضرب في المجتمعات المسلمة التي يغيب عنها الخطاب التأهيلي الضروري، لتضامن الأسرة والإحسان بينها، في عالم مخيف.

لقد أسقط الإسلام ثقافة الجاهلية الاجتماعية، والعنف والتعسّف ضد المرأة، لكن المشكلة هنا تخلّف المسلمين عن رسالتهم، واستغلال الغرب هذه الخطايا الكبرى ضد المرأة والطفولة. 
ولكن فلنلاحظ هنا مسألة مهمة في نقطتين:
الأولى: أن حالات العنف الأسري والمواجهات باتت عابرة للقارّات، وهي كذلك، في آخر إحصائيات راجعتُها للولايات المتحدة، فلم يتوقف العنف ضد المرأة ولا حوادث إيذاء الطفولة، وازدادت عمليات القتل الجماعي، في صور مروّعة، حيثُ تُستهدف مدارس وأحياء، بسبب ثقافة الإحباط والتنمّر التي تُعبّر عن أزمتها النفسية بالسلاح، وهذا يعني أن الخطاب الحداثي البديل لإيجاد العداء بين المرأة والرجل، وإسقاط الهوية الفِطرية لم يحل الأزمة المستعصية.

يجري تركيز ممنهج على عالم الطفولة، لإحداث اضطرابٍ نفسيٍّ مبكّر في وجدان الأطفال، يدمر استقرارهم النفسي

الثانية: أن كثيرين يعتقدون أن الأمر في الغرب الجديد، ومشروعه الحداثي في الأسرة، يقتصر على جملة مفاهيم وقناعات، ومنها ميول الذات الشخصية وحياته المثلية، وهذا غير دقيق أبداً، فالأمر يتطوّر بصورة كارثية، وشمل فتح القوانين أمام الأطفال للذهاب إلى العيادات والمشافي، من دون علم والديهم، ومحاسبة والديهم لو حاولوا صرفهم، فإلى أين يذهبون؟
يتعاطى الفتى في سن الثانية عشرة، وممكن أقل، هرمونات ذكورية مكثفة أو أنثوية، ويُغيّر أعضاءه فيستأصل ويضيف، في عمليات خطرة جداً، وهي غير مأمونة طبياً مطلقاً، وتتسبّب في مضاعفات خطرة للغاية. 
ومع ذلك تُشرّع القوانين، لفتح أبواب هذه العمليات التي تضخّ أموالاً ضخمة، وعقاقير فاحشة السعر. 
وتُقيّد مقاومة الأسرة والوالدين المثلية القهرية، وتُمنع وجهات النظر العلمية من الوصول إلى الفتى أو الفتاة، حتى لو كان الأمر مجرّد مشاعر عابرة تعرّض لها الأطفال أو الفتيان، في ظل الضخّ المجنون، لتشكيك الإنسان بهويته الجنسانية في الإعلام. تقول له إن تخَلقُه العضوي البيولوجي الواضح قد ظهر مصادفة، وإن الأسرة تشكّلت بطريقة أسطورية كخرافة، لا شرعية إنسانية لها، ولك أن تتصوّر أن هذه المفاهيم تُشرّع في قوانين، وتُحمَى بالقوة. 
أليست هذه صورة لحرب شيطانية، تعادي الفطرة والحقوق الإنسانية، القرآن الكريم يُحدد هدف الشيطان هنا: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا﴾.
وُلدت أفكار هذه الآلة الضخمة التي تهاجم العالم الجديد في أروقة الفلسفة الغربية المعاصرة، ثم التقطتها عجلة التوحّش الرأسمالي، وجعلتها شريعة عالمية، فأين الحقيقة؟ تقتضي مواجهة هذه الحملة العالمية اليوم، بالضرورة، تحالفاً إنسانياً لا بد من أن تحمله دولٌ، لأن إمكانيات الدولة مختلفة عن الشعوب، وهي قضية تتصاعد في أفريقيا، وصداها حاضر في أوروبا الشرقية، لكن لا يوجد رابطة حقوق إنسانية لها، لتُعيد تعريف صفة الأسرة، بما اتفقت عليه قوانين الطبيعة التي فطرها الله، وقالت به الديانات السماوية، بل والعقائد الروحية، وقيم الإنسان أينما كان.

سياقاتٌ مفهومةٌ ترد على نسب قليلة جداً، تعالج بصورة ودّية عبر قناعاتهم واحترام أسرارهم، ولا يُدعَى إلى أي عنف ضدهم

وهناك قوى أممية ضخمة معزّزة بقناعة شعوبها، وخصوصا أفريقيا السمراء التي تخوض معركة الدفاع بانفراد، وهناك مقترحاتٌ فعّالة ممكن أن تصنع تغييراً، كتبنّي الدول المسلمة مع الدول الأفريقية وآسيا مؤتمراً موضوعياً، يُعيد تعريف الأسرة وحقوق الطفولة ويُطرح في الأمم المتحدة ليكون ميثاقاً أممياً للتوافق، يواجه به التطرّف الغربي ضد الأسرة، ثم يُعمل على نشر الحقائق المتعلقة بالمصير النهائي للمثلية القهرية، ومآل الإنسان والطفولة تحتها. 
ولا بد هنا من التذكير بأمرين مهمين لنجاح المقاومة الإنسانية ضد التطرّف الحداثي: 
الأول، أن هذا المفهوم يجب أن تُحصر فيه الطاولة العالمية وفعالياتها، ولا تُخلط معه الجوانب السياسية للصراع الداخلي بين المعارضات الديمقراطية ومؤسسات الحكم، فالجميع إلا ما شذّ يؤمن بحق الأسرة الفِطرية، فلا يجوز استخدام هذا المنبر لأجل مساحات صراع خاصة.
الثاني، التفريق بين نزعات الفرد مما يطرأ عليه، في قضية المثلية أو الشعور الأنثوي، وهي سياقاتٌ مفهومةٌ ترد على نسب قليلة جداً، تعالج بصورة ودّية عبر قناعاتهم واحترام أسرارهم، ولا يُدعَى إلى أي عنف ضدهم، فالقضية هنا رفض هذا التفويج الضخم المتعدّد الذي لا يهدأ لفرض تصوّر الحداثة المادية عن ماهية الفرد والأسرة، وإضعافها في الضمير العالمي.
وما يجري هو تركيز ممنهج على عالم الطفولة، لإحداث اضطرابٍ نفسيٍّ مبكّر في وجدان الأطفال، يدمر استقرارهم النفسي، وقد بدأت بعض العيادات والأطباء والمشافي في الغرب، بالفعل، تطرح على الطفل في عيادة الأطفال وهو في سن الخامسة، من دون مقدّمات ولا شكوى عن جنسه، فيبهتُه الطبيب، هل أنت ولد أم بنت، بماذا تريد أن أُصنّفك؟ وهو بالضبط ما يتطابق مع سياسة شركة ديزني وغيرها المنتجة لمواد الأطفال، فمسرح المؤامرة انكشف اليوم، ولكن السؤال في حماية الإنسانية منها.

تواصلت 85 سنة وقادها أجلّاء من الصحابة والتابعين ودعمها الإمامان مالك وأبو حنيفة..

تواصلت 85 سنة وقادها أجلّاء من الصحابة والتابعين ودعمها الإمامان مالك وأبو حنيفة.. ثورات المحدِّثين لإسقاط أنظمة الطغيان

براء نزار ريان

لا يكادُ المثقف المعاصر يعرف عمن ينتسبون إلى "أهل الحديث" من المعاصرين إلا الاستكانة للسلاطين، والتسليم لأمرهم والفُتيا على رغبتهم، وتحريم معارضتهم ولو بالقول، بل والتبليغ عن معارضيهم للحاكم حتى يسجنهم وينكّل بهم؛ فهل كان أهل الحديث الحقيقيون -الذين ينتسب إليهم هؤلاء- على مثل مذهبهم في "مجاملة" الحكام ومداهنتهم وإن ظلموا وفجروا وارتكبوا الموبقات كما يزعم بعض المنتسبين إلى أهل العلم الشرعي؟

كما لا تنقضي عجائب فتاوى "المحدِّثين المعاصرين" -إن صحّ التعبير- في نُصرة الحاكم مهما ظَلَم؛ فبينما كان الأقدمون من أهل الحديث -كالحسن البصري (ت 110هـ/729م) وسفيان بن عُيَيْنَة (ت 198هـ/814م) وغيرهما- يُفتون بأن "لا غيبة لثلاثة" ويذكرون منهم: "الإمام الجائر"؛ نجد أن بعض "المحدّثين الجُدُد" شرّعوا النميمة والتخابر على الناس لصالح الحكّام الظَّلَمة، رغم الحديث النبوي الثابت والقاطع بأنه "لا يدخل الجنّة نمّام"!!

عوامل مؤطرة
والحقُّ أن السلف لم يكونوا على مذهب واحد في التعامل مع الحاكم الظالم؛ إذ اختلف الأقدمون في حكم الخروج عليه بـ"السيف"، ثمّ رأى أكثرهم تحريم الخروج المسلّح عليه، دون أن يتخلّوا عن وجوب إنكار منكره ومعارضة ظلمه بغير القتال. ولأهل الحديث خاصّة تاريخٌ عريقٌ في المعارضة السياسيّة للحكام، سنحاولُ -في هذه المقالة- عرض طرف منها، مع كلمة في فهم الأسباب الموضوعية التي جعلت المتقدمين من "أهل الحديث" على مسافةٍ من أصحاب السلطة، أو على يسارهم إن صحّ التعبير.

وأوّلُ عاملٍ يمكن أن يُذكر في تأسيس بُعد المحدّثين عن السلطان هو مبدأ "النقد" الذي قامت عليه أصولُ علم الحديث، فعلمُ الحديث نقديٌّ وغايتُه كما ذكروا في كتب مصطلح الحديث: "تمييز الصحيح من السقيم من الحديث"، وهذا لا يتأتى إلا لمن تحلّى بروحٍ نقديّة عالية، تتناولُ الرجال والأسانيد والمتون، فتتجاوز الأدبيات الإسلامية التقليدية في ذمّ الغيبة وغضّ الطرف عن المعايب إلى وجوب تبيان أحوال الرواة؛ وهذا ينمّي في قلب المشتغل به المَلَكَة النقدية الفطرية، ويورثه جرأة على الصدع بالحقّ المُرّ أمام المخطئين.

وربما كان من أسباب بُعد المحدّث عن السلطان كذلك أنهم كانوا يرون في القرب منه طعنًا في العدالة، التي هي الشرطُ الأول من شروط توثيق الراوي، فالقريبُ من السلطان ينتفعُ بماله المشبوه، ويُخشى عليه من آثار ذلك المال الذي كثيرا ما أخلّ بمبدأ استقلالية العلماء في الرأي والفتوى والموقف.

ولذلك فإن كتب الجرح والتعديل طافحةٌ بذمّ من أخذ "جوائز السلطان"، ومن تقرّب منه أو دخل في شيء من "عمل السلطان"، حتى رووا أن الإمام أحمد بن حنبل (ت 241هـ/855م) كان لا يصلّي خلف عمه إسحق بن حنبل ولا يكلمه هو ولا ابنيْه لأنهم أخذوا جائزة السلطان.

ومن الأسباب المحتملة لجفاء المحدّث الطبيعي للسلطان عيشُه مع ميراث النبوة؛ فهو يتأملُ سيرةَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، و"الخلفاء الراشدين المهديين" من بعده، ويرى بُعد الشقّة بينها وبين صورة أمراء عصره الظلمة الفَسَدة اللاهين، فتكون الصورة الناصعة الحاضرة في قلبه وحديثه تذكيرًا دائمًا بقبح سلاطين زمانه.

معارضة مبكّرة
من النماذج المبكرة لجنوح حمَلَة الحديث إلى انتقاد السلطة السياسية ما سجلته تراجم محدّثي الصحابة من صدعهم بكلمة الحق بين أيدي الحكام، كلما رأوا منهم انحرافا عن جادة الطريق التي تركهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنعرض هنا لصور منها مبتعدين عن الدخول في أحداث ما عُرف بـ"الفتنة الكُبرى" بين الصحابة أواخر عهد عثمان بن عفان (ت 35هـ/656م).

فقد عُرف أبو ذر الغفاري (ت 32هـ/654م) –الذي بلغت أحاديثه في مسند الإمام أحمد نحوًا من ثلاثمئة- بأنه صاحب أشهر معارضةٍ سياسية بين الصحابة قبل وقوع الفتنة الكُبرى، وذلك بانتقاده لموقف عثمان بن عفان وواليه على الشام معاوية بن أبي سفيان (ت 60هـ/681م) من مسألة كنز الذهب والفضة؛ إذ أخرج الإمام البخاريّ (ت 256هـ/870م) -في كتابه ‘الجامع الصحيح‘- بإسناده عن زيد بن وهب (ت 96هـ/716م)، قال:

مررتُ بالرَّبَذة (= موضع شرق المدينة المنورة بنحو 200كم) فإذا أنا بأبي ذر رضي الله عنه، فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: "كنت بالشأم، فاختلفتُ أنا ومعاوية في [قوله تعالى]: «الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله» [التوبة: 34]. قال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم، فكان بيني وبينه في ذاك، وكتب إلى عثمان رضي الله عنه يشكوني، فكتب إليَّ عثمان: أن اقدُم المدينة فقدمتُها، فكثُر عليّ الناسُ حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذاك لعثمان فقال لي: إن شئت تنحَّيتَ فكنتَ قريبًا. فذاك الذي أنزلني هذا المنزل، ولو أمّروا عليّ حبشيًّا لسمعتُ وأطعت".

وقد حصل موقفٌ شبيهٌ بهذا بين الصحابيّ الزاهد المشهور أبي الدرداء (ت 32هـ/654م)؛ إذا اختلف هو ومعاوية في بيعٍ من البيوع، فذكر حديثًا سمعه من النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقال مُحتجًّا: "من يعذرني من معاوية! أنا أُخبرُه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويُخبرُني عن رأيه، لا أُساكنُك بأرضٍ أنت بها".

وأما أبو هريرة (ت 59هـ/680م) الذي هو أكثر الصحابة حديثًا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان على عكس ما يُشيعه متأخرو الشيعة وغيرهم من أنه كان مداهنًا لبني أميّة، وألمح كثيرًا إلى اعتراضه على حكمهم وعدم رضاه عنه، لكنه لم يصرّح لخوفه على نفسه من بطش سلطتهم، رغم أنه صار أجرأ وأصرح في آخر عهد معاوية. فقد روى البخاريّ بإسناده إلى أبي هريرة أنه قال: "حفظتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءيْن: فأما أحدهما فبثثتُه، وأما الآخرُ فلو بثثتُه قُطعَ هذا البُلعوم".

قال الحافظ ابن حجر العسقلانيّ (ت 852هـ/1448م) -في ‘فتح الباري‘- شارحًا الحديث السابق: "وحمل العلماءُ الوعاءَ الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم، وقد كان أبو هريرة يكني عن بعضه ولا يُصرّحُ به خوفًا على نفسه منهم، كقوله: «أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان»، يشيرُ إلى خلافة يزيد بن معاوية (ت 64هـ/685م) لأنها كانت سنة ستين من الهجرة، واستجاب الله دعاء أبي هريرة فمات قبلها بسنة".

ثورات الصحابة
وقد بلغت مواقفُ الصحابة المعارضة للسلطة غايتَها بحادثة خروجُ الحسين بن عليّ (ت 61هـ/681م) –وهو صحابي جليل وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم- على يزيد بن معاوية سنة 61هـ/682م.

وبذلك افتتح الحسين -رضي الله عنه- سلسلة من الثورات المسلحة قادها العلماء وكانوا وقودها، وامتدت -على موجات متعاقبة وإن كانت متباعدة أحيانا- نحو 85 عاما ما بين سنتيْ 61-145هـ/682-764م، ولم يحُلْ فشل إحداها دون اندلاع أخرى تليها ولو بعد سنين.

فبعد ثورة الحسين؛ جاءت ثورة الصحابيّ سليمان بن صُرَد الخزاعي -وله أحاديثُ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم- الذي قاد "جيش التوابين" من العراق لمقاومة ظلم بني أمية سنة 64هـ/685م، وبلغ عدد قواته أربعة آلاف مقاتل.

ومن ذلك أيضا مجابهة الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير بن العوام (ت 73هـ/693م) لعبد الملك بن مروان (ت 86هـ/706م) وواليه الحجاج بن يوسف الثقفي (ت 95هـ/715م)؛ وغيرها من الأحداث والثورات العظيمة التي أخذت اهتمامًا كبيرًا من المؤرّخين والباحثين.

على أن كبرى الثورات الساعية لتغيير الحكم بالقوة في عهد الصحابة كانت ثورة أهل المدينة –وهي عاصمة أهل الحديث- سنة 63هـ/684م على يزيد بن معاوية، الذي قال عنه الإمام الذهبي (ت 748هـ/1347م) في ‘سير أعلام النبلاء‘: "وخرج عليه غير واحد -بعد الحسين- كأهل المدينة؛ قاموا لله" إنكارا للظلم ودفعا للطغيان!!

انتهاكات فظيعة
سُميتْ ثورة أهل المدينة هذه: "ثورة الحَرَّة"، وكانت بقيادة كل من عبد الله بن مطيع العدوي (ت 73هـ/693م) أميرا على المهاجرين، وعبد الله بن حنظلة الأنصاري (ت 63هـ/684م) أميرا على الأنصار، وذلك بعد أن شهد وفد منهم برئاسة ابن مطيع على يزيد بأنه "يشرب الخمر ويترك الصلاة ويتعدى حكم الكتاب"؛ حسب رواية للإمام ابن كثير (ت 774هـ/1372م) في ‘البداية والنهاية‘.

وهكذا خلع أهل المدينة بيعة يزيد وبايعوا عبد الله بن مطيع عند منبر النبيّ صلى الله عليه وسلم، وجعل مسجدَه مقرّه، وخرج معه أكثر أهل المدينة لقتال جيش يزيد القادم من الشام؛ فقد نقل ابن كثير عن الإمام ابن شهاب الزهري (ت 124هـ/743م) أنه سُئل عن عدد "القتلى يوم الحرة [فـ]ـقال: سبعمئة من وجوه الناس من المهاجرين والأنصار ووجوه الموالي، وممن لا أعرف من حُرّ وعبْد وغيرهم عشرة آلاف".

وبسبب فظائع وقعة الحرّة؛ ساءت علاقة محدّث المدينة وإمامها سعيد بن المسيّب (ت 94هـ/714م) ببني أميّة، وكانت له مواقف شجاعة في انتقاد حكمهم دفع ثمنها ضربًا حتى قارب الموت.

وكان من محدّثي مشاهير قادة ثورة أهل المدينة الذين قتلوا في أحداثها: معقل بن سنان الأشجعي (ت 63هـ/684م) الذي قال عنه الذهبي في ‘سير أعلام النبلاء‘: "له صحبة ورواية، حمل لواء أشجع يوم الفتح…، وفد على يزيد [بن معاوية] فرأى منه أمورا منكرة، فسار إلى المدينة وخلع يزيد وكان من كبار أهل الحرة".

ومنهم عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري (ت 63هـ/684م) الذي ذكر الإمام أبو نعيم الأصبهاني (ت 430هـ/1040م) أنه "شهد بدرا"، وأفاد الذهبي -في ‘السِّيَر‘- بأنه "صاحب حديث الوضوء". وكذلك مسروق بن الأجدع الهمداني الذي ترجم له ابن سعد (ت 230هـ/845م) في كتابه ‘الطبقات‘، وقال إن "له أحاديث صالحة"، ووصفه الذهبي بـ"الإمام القدوة العلَم".

ثورة القرّاء
أما زمن التابعين فهو زمنُ المحدّثين الثوار بلا منازع؛ فقد كانت فيه ثورة أهل الحديث الكُبرى التي عُرفت بـ"ثورة القـُـــرّاء"، ومصطلح "القراء" حينها كان يطلق على علماء الشرع مطلقا، إذ لم تكن تخصصات الفقه والإقراء والتحديث قد تمايزت آنذاك حقولا منفصلة، ولذلك كان أكثر المشاركين فيها محدّثين وفقهاء ومقرئين.
وقد تفجرت أحداث هذه الثورة في العراق وتحديدا في مصريْه الكبيرين البصرة والكوفة، فخرج كثيرٌ من علمائهما ثائرين مع القائد العسكري عبد الرحمن بن الأشعث الكِنْدي (ت 84هـ/704م) لـ"خلع عبد الملك ونائبه [على العراق الحجاج]…، فبايعهم على كتاب الله وسنة رسوله وخلع أئمة الضلالة وجهاد الملحدين"؛ على ما ذكره الإمام ابن كثير الذي يفيدنا بأن ابن الأشعث "سار معه ثلاثة وثلاثون ألف فارس ومئة وعشرون ألف راجل". وقال أيضا: "كان جملة من اجتمع مع ابن الأشعث مئة ألف مقاتل ممن يأخذ العطاء، ومعهم مثلهم من مواليهم".

وعن أسباب ثورة هؤلاء العلماء؛ يقول الإمام الذهبيّ في ‘السِّيَر‘: "وقام معه (= ابن الأشعث) علماءُ وصلحاءُ لله تعالى لِمَا انتهك الحجاجُ من إماتة وقت الصلاة، ولجوره وجبروته". ويحدد المؤرخ المحدِّث خليفة بن خياط (ت 240هـ/854م) عددَ العلماء في هذا الجيش بقوله -في ‘تاريخ خليفة بن خياط‘ روايةً عن التابعي مالك بن دينار (ت 127هـ/746م)- إنه "خرج مع ابن الأشعث خمسمئة من القرّاء كلهم يرون القتال".

سيطر العلماء الثوار على البصرة والكوفة، وطردوا منهما الإدارة الأموية بزعامة الحجاج وكادوا أن ينتزعوا منه العراق بأجمعه، بعد أن زلزلوا الحُكم الأمويّ زلزالًا عظيمًا عبر سلسلة من المعارك كانت فيها "الدائرة (= الغلبة) لأهل العراق على أهل الشام في أكثر الأيام"؛ كما ذكر ابن كثير.

ومن مشاهير أئمة المحدّثين الذين خرجوا في ثورة ابن الأشعث: الصحابيّ الجليل أنسُ بن مالك (ت 93هـ/713م) الذي يُعدّ في الصحابة المكثرين من رواية الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد خرج مع جُملة علماء ومحدثي التابعين الذين ثاروا مع ابن الأشعث، وكان عمره قد جاوز التسعين!!

بسالة لافتة
وكان ضمن الثائرين أيضا ابنه النّضر بن أنس (ت نحو 110هـ/729م) وهو الآخر من أهل الحديث؛ ومنهم محمّد بن سعد (ت 83هـ/703م) نجل الصحابيّ المشهور سعد بن أبي وقاص (ت 55هـ/676م)، وقد روى له البخاريّ ومسلم (ت 261هـ/875م) وأكثرُ المصنّفين في الحديث. وقال فيه الذهبيّ في ‘السِّير‘: "الإمام الثقة…، روى جُملة صالحة من العلم، ثم كان ممن قام على الحجاج مع ابن الأشعث، فأُسِر يوم [معركة] دَيْر الجماجم فقتله الحجاج".

ومنهم أبو عبيدة عامر ابن مسعود (ت 81هـ/701م) نجل الصحابيّ المشهور عبد الله بن مسعود (ت 32هـ/654م)؛ ومجاهد بن جبر (ت 104هـ/723م) شيخ القراء وإمام المفسرين والمحدثين؛ والإمام الكبير عمرو بن دينار (ت 126هـ/745م) "شيخُ الحَرم في زمانه"؛ وفقا لوصف الذهبي في ‘تاريخ الإسلام‘.

وكان من هؤلاء العلماء الأجلاء أيضا القاضي عامر بن شراحيل الشَّعبي (ت 106هـ/725م)؛ والفقيه المشهور الحافظ المحدّث عبد الرحمن ابن أبي ليلى. ومنهم الإمام الكبير الصادع بالحقّ سعيد بن جبير (ت 95هـ/715م) الذي قتله الحجاج في قصة مشهورة. وكلّ من له علاقةٌ بالحديث وكتب الحديث يعرفُ وزن هذه الأسماء في طبقات أعلام الحديث.

وما من هؤلاء أحدٌ إلا روى له أصحاب "الكتب الستة" في الحديث النبوي (البخاريّ ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه) وغيرهم من مصنفي الحديث، وأحاديثهم مستفيضةٌ فيها، وأسماؤهم تلمعُ في سلاسل الذهب من الأسانيد، مذكِّرة بهم وبفقههم وببسالتهم، وأكثرُهم قضوا شهداء في هذه الثورة على الظلم.

ومن صور استبسالهم في معارك الثورة مقولة قائد "القرّاء" في الميدان جَبَلَة بن زَحْرٍ الجُعْفي (ت 82هـ/702م) التي رواها عنه الإمام ابن كثير في ‘البداية والنهاية‘: "أيها الناس ليس الفرار من أحد بأقبح منكم؛ فقاتلوا عن دينكم ودنياكم.

وقال سعيد بن جبير نحو ذلك، وقال الشعبي: قاتلوهم على جورهم واستذلالهم الضعفاء وإماتتهم الصلاة". ويتضح من هذا أن دوافع منازلة الطغيان السياسي وإزالة الحيف الاجتماعي كانت هي المحركَ الأساسي لهؤلاء العلماء المحدثين في ثوراتهم التي أوقدوا نارها وخاضوا غمارها.

وقد كانت موقعة دَيْر الجماجم سنة 83هـ/703م خاتمةَ سلسلة معارك طويلة بدأت عام 81هـ/701م وقيل إنّها جاوزت ثمانين موقعة، وكان النصرُ في أغلبها حليفا لجيش القُرّاء/الفقهاء وابن الأشعث، حتى هُزموا الهزيمة الحاسمة في دير الجماجم فانتهت بذلك ثورتُهم.

دعم للثورات
يكاد يكون زمن طبقة كبار التابعين مرحلةً فاصلةً في الموقف السنّي العام من الظلم والثورة المسلحة عليه، إذ عصفت هزيمةُ "القُرّاء/الفقهاء" على يد الحجاج في "دير الجماجم" بجدوى مجابهة الظلم بالسيف، وراجت بعدها فتاوى تحرّم الخروج على أئمة الجور، وانتشر مذهب "الجبريّة" وعقيدة "الإرجاء"، كانتكاسةٍ وتراجع فرضته الهزيمةُ المُرّة.

ورغم ما حلّ بفكرة المقاومة المسلحة بعد الهزائم المنكرة المتتالية للثورات التي أيّدها العلماء؛ فقد بقي مبدأ المعارضة السياسية للحكام حاضرًا عملًا بفريضة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وأخذًا بعزيمة "الصدع بكلمة الحق بين يديْ إمام جائر"، حتى عند مَن اختار مسالمة الحكام وكرِه منابذتهم، كما يُعلم ذلك من مواقف الإمام ابن شهاب الزهريّ –وهو إمام أهل الحديث في زمانه- الذي تصالح مع الأمويين رغم تاريخ عائلته المعادي لهم.

وهكذا؛ فإنّ الأمور –منذ أواخر عهد التابعين- كانت تسيرُ شيئًا فشيئًا إلى الاكتفاء بالمعارضة السياسية "السلمية" -إن صحّ التعبير- دون الثورة المسلّحة؛ غير أن جماعةً من أهل الفقه والحديث كأنهم ظلّوا على الرأي الأول.

فقد وقف الإمام أبو حنيفة النعمان (ت 150هـ/768م) -مؤسس المذهب الحنفي وصاحب "مسند أبي حنيفة"- مع ثورة الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ت 122هـ/741م) -الذي يُنسب إليه المذهب الزيدي الفقهي- في الكوفة سنة 122هـ/741م ضدّ الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك (ت 125هـ/744م).

وكان من دوافع موقف أبي حنيفة هذه أن الإمام زيداً "كانت بيعته التي يبايع عليها الناس: إنا ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وجهاد الظالمين، والدفاع عن المستضعفين، وإعطاء المحرومين…؛ فبايعه خمسة عشر ألفاً وقيل: أربعون ألفاً"؛ وفقا للإمام المؤرخ والمحدِّث عز الدين ابن الأثير (ت 630هـ/م) في كتابه ‘الكامل‘.

إسناد متجدد
وبعد فشل ثورة زيد؛ ساند أبو حنيفة ثورة الإمام المحدّث (خرّجت روايتَه سننُ أبي داود والترمذي والنسائي) محمد بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الملقب بـ"النفس الزكيّة" (ت 145هـ/763م) على حكم المنصور العباسي (ت 158هـ/776م)، وكانت ثورته عليه سنة 145هـ/763م.

وقد جاء في "مسند أبي حنيفة" أنه روى عن الإمام عكرمة (ت 105هـ/724م) عن عبد الله بن عباس (ت 69هـ/689م) عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه".

وضُرب أبو حنيفة غير مرّة على أن يتولّى القضاء فما رضي؛ ففي الدولة الأموية "ضربه ابن هبيرة (الفَزاري والي العراق ت 132هـ/750م) على القضاء، فأبى أن يكون قاضيا"؛ وفقا للذهبي -في ‘السير‘- الذي يحدثنا أيضا أنه في الدولة العباسية طلب المنصور أبا حنيفة لتولي منصب القضاء فرفضه "فضُرب وحُبس ومات في السجن"!! ويقال إنه مات بسُمّ دسّه له المنصور انتقاما من معارضته له ورفضه تولي المناصب في سلطته!

أما الإمام مالك بن أنس (ت 179هـ/795م) –وهو صاحبُ المذهب المالكي ومصنّف ‘الموطّأ‘ الذي هو أول مدونات الحديث الموجودة تصنيفا- فقد أيّد ثورة الإمام "النفس الزكية" وكان يُحدّث بحديث: "لا طلاق لمُكرَه". وهو يلمّح بذلك إلى أن الناس أكْرِهوا على بيعة المنصور العباسي بجعلهم يقسمون بالطلاق على ألا يخلعوا بيعته، والبيعة بالإكراه باطلة، وبالتالي فلهم الحق في أن يبايعوا الإمام "النفس الزكية" مختارين إن شاؤوا.

وقد اعتَقل والي المدينة الإمام مالكاً بسبب ذلك، وأمر بضربه حتى انخلعت كتفُه وحُمل مغشيا عليه، لكنه رفض التراجع عن موقفه وقال في ذلك مقولته التي سجلها التاريخ في وجوب معارضة العلماء للسلطة إذا انحرفت: "ضُربت فيما ضُرب فيه سعيد بن المسيب ومحمد بن المنكدر (ت 130هـ/749م) وربيعة [بن عبد الرحمن (ت 136هـ/754م)]، ولا خير فيمن لا يُؤذَى في هذا الأمر"؛ وفقا لما رواه الذهبي في ‘تاريخ الإسلام‘.

آراء ثورية
وأما الإمام الشافعيّ (ت 204هـ/819م) -وهو صاحب المذهب الشافعي وقد جُمع له "مسند الشافعي" من الأحاديث الواردة في بعض كتبه- فتُجمعُ مصادرُ الشافعيّة على أنّ الخليفة الرشيد العباسي (ت 193هـ/809م) أرسل إليه يطلبه من اليمن حوالي سنة 184هـ/800م، وحبَسه وهمّ بأن يفتك به بسبب وشايةٍ من بعضهم تقول إنه كان يخطط للثورة على الرشيد انطلاقا من اليمن.

ولا عجب أن ينقُم أيُّ سُلطان على الشافعي؛ فقد كانت آراؤه الفقهية السياسية بالغة التحرر، فهي تكفلُ الحق في المعارضة السياسية السلمية لأي شخص مهما كان حتى يمتنع أصحابها بالسلاح ويقاتلوا، وإن حملوا السلاح طلبًا لمظلمةٍ بيّنة فإنّ الشافعيّ يرى ردّ مظلمتهم لا قتالَهم، ولا يُقاتَلون إلا إذا قاتلوا ظُلمًا وعدوانًا، فإن تركوا القتال –لأي سبب- فلا يحلُّ قتالُهم.

وقد اشترط لقتلهم شروطًا عسيرة بأن يكونوا "مقبلين ممتنعين مريدين [للقتال]، فمتى زايلوا هذه المعاني فقد خرجوا من الحال التي أبيح بها قتالهم"؛ طبقا لما في كتاب ‘الأم‘ للشافعي. وقد أجاز شهادة من عُرف بالصدق منهم، وحكم لهم بنصيبهم في بيت المال، فلم يُهدِر شيئًا من حقوقهم المادية ولا المعنوية، متأسيًا بعليّ بن أبي طالب (ت 40هـ/662م) وعمر بن عبد العزيز (ت 101هـ/720م)؛ طبقا لما رواه عنهم في كتابه ‘الأم‘.

وهكذا فكأن أهل العلم –وخاصّة في القرن الأول الهجري/السابع الميلادي- كانوا يرون الثورة المسلّحة أوّلًا، ثم تفرّقوا بعد ذلك –في القرن الثاني- بين مؤيّد للخروج المسلّح ومكتفٍ بالمعارضة السلمية متمثلة في الصدع بكلمة الحق، ولم يظهر فيهم من يدعو إلى موالاة الحكام الظلمة ومناصرتهم والدفاع عن أخطائهم وتبريرها، ولا من يبيح دماء المعارضين حتى وإن كانوا على غلط وضلال.

بل إنّ أكثرهم ظلّ على تحفظه وتوجّسه من أي علاقةٍ مع الحكام، ويُحّذرون من قربه، فيوصي بعضهم بعضًا قائلا: "لا تدخل على السلطان، وإن قلتَ: آمرُه بطاعة الله"، وذلك خشية أن يفتنهم بسيفه وذهبه. وكانوا يقولون: "ما أقبح بالعالم أن يأتي الأمراء"، وما أحسن ألا "يتلطّخ بشيء من أمر السلطان"، ويحبون للعالم أن "لا يقبل جوائز السلطان" لأنّ ماله مشبوه ومظنّة فساد.

وقد ترك بعضُ أئمة العلماء والمحدّثين أحاديثَ أناسٍ من مشاهير الرواة الثقات لأنهم دخلوا في شيء من "عمل السلطان" أي مناصب السلطة، وأخذوا على سفيان بن عيينة (ت 198هـ/814م) -وهو من هو في الإمامة في الحديث والفقه- أنه "تلطخ.. بشيء من أمر السلطان"؛ وفقا للذهبي في ‘تاريخ الإسلام‘.

محنة وثبات
أما القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي -وهو العصر الذهبيّ للسنّة جمعاً وتنقيحاً وتدويناً- فقد شهد صفحة خالدةً من تاريخ أهل الحديث في مواجهة السلطان، إذ تزعّموا ركب المعارضين وحملوا لواء المُنكِرين، بسبب اعتناق الخلفاء العباسيين مذهب المعتزلة ومحاولتهم حملهم الناس عليه بقوة السلطة، وخصوصًا قولهم في القرآن "إنه مخلوق"، وذلك فيما عُرف بـ"فتنة خلق القرآن" أو "محنة خلق القرآن"، التي كان عنوانَ مواجهة المحدثين لأزمتها إمامُ أهل الحديث في زمانه أحمد بن حنبل.

وكانت المحنة ابتدأت آخر زمن المأمون (ت218هـ/833م)، واشتدّت زمن المعتصم (ت227هـ/842م) ثم أيام الواثق (ت 232هـ/847م)، وانتهت بداية عهد المتوكّل (ت 247هـ/861م). 
والعجيبُ أن من تصدّر اضطهاد أهل الحديث في ذلك الوقت هم المعتزلة، وهم الذين كانوا تعرّضوا لاضطهاد على الرأي بلغ حدّ القتل قبل عقود يسيرة من ذلك، بتأييد ومباركةٍ من بعض المحدّثين!

فإذا جعلنا المحدّثين مكان ما يُسمّى "تيار الإسلام السياسي" اليوم، والمعتزلة مكان ما يُسمّى "التيار المدني" مع التنبه للفرق الكبير بينهما المتمثل في اعتناق المعتزلة للمرجعية الشرعية الإسلامية؛ فكم ستظهر المقارنة مُرّة وصادقةً وهزليّة، حين نرى السلطة منذ ذاك الزمن تُقرّب هؤلاء مرة وتذبح الآخرين، ثم تأتي سلطة أخرى، أو السلطة ذاتُها فتقرّب مُضطهَدي الأمس وتذبحُ مخالفيهم!

وقع الاضطهادُ على "أهل الحديث" إذن، وسيقوا بالسلاسل حتى مات بعضُهم فيها، وصمد الإمام أحمد صموده المشهود، ورُويت في تلك المحنة قصص عظيمة، منها قصّة وفاة الإمام البُوَيْطِيُّ المصري (ت 231هـ/846م) تلميذ الإمام الشافعيّ الذي أخِذ من مصر إلى العراق مقيدا بسلاسل الحديد فسُجن هناك حتى مات، ولكنه قبل أن يموت ترك لنا كلمته الخالدة: "والله لأموتنّ في حديدي هذا، حتى يأتي من بعدي قومٌ يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن قومٌ في حديدهم"!!؛ كما في كتاب ‘مناقب الإمام أحمد‘ لابن الجوزي (ت 597هـ/1202م).

أجيال متعاقبة
وقصصُ "محنة خلق القرآن" تطول خاصّة أنها جرت على المحدّثين؛ غير أنّ قصّة منها تستحقُّ التأمل والنظر، وهي قصّة أحمد بن نصر الخُزاعي (ت 231هـ/850م) الذي وصفه الذهبي بأنه "الإمام الكبير الشهيد". فقد أسس الخُزاعيّ حركةً سياسية سرية مسلحة بتمويلٍ من بعض أنصاره، وكانت تحضّر للثورة على الخليفة العباسي الواثق، فكُشف أمرُها وأُخذ الخزاعي وقُتل بين يديْ الواثق.

بل إن الحافظ الخطيب البغدادي (ت 463هـ/1071م) يورد -في ‘تاريخ بغداد‘- رواية تقول إن الواثق نفسه هو من قتل الإمام الخزاعي بيده في قصره بسامراء، ثم "أمر بحمل رأسه إلى بغداد، فنُصب في الجانب الشرقي [منها] أياما وفي الجانب الغربي أياما، وتتبع رؤساءَ أصحابه فوُضعوا في الحُبوس (= السجون)"!!

والمهمُّ في قضية الخزاعي هو موقفُ أهل الحديث منه؛ فرغم أن معظمهم لم ير الثورة الشاملة على السلطان، فإنّهم حمدوا موقفه وعظّموا تضحيته، فقال فيه أحمد بن حنبل وفقا للخطيب البغدادي: "رحمه الله، ما كان أسخاه! لقد جاد بنفسه"، وأما إمام علماء الجرح والتعديل يحيى بن معين (ت 233هـ/847م) فكان يترحم عليه ويقول: "ختم الله له بالشهادة".

فكأنّ أهل الحديث في القرن الهجري الأول كانوا ثوّارًا مسلّحين؛ ثم في القرن الثاني صاروا مترددين بين الثورة المسلّحة والمعارضة السلمية؛ ثم استمرّوا على هذا التردد في القرن الثالث، مع ميلٍ أكبر نحو المعارضة السلميّة وترك التغيير بالسلاح.

والذي أراه أن غلبة مذهب مَن رأى ترك السلاح في مواجهة قوة السلطان منطقيٌّ جدًا بعد تجارب الثورات الفاشلة المُرّة؛ لكنّ غير المنطقيّ هو أن يتحوّل "أهلُ الحديث" إلى تأييد السلطان وموالاته والدفاع عنه وعن أفعاله، وإن جار وظلم وفعَل ما فعَل. ويبقى تاريخ "أهل الحديث" السابقين مع السلاطين شاهدا على الهوّة العميقة بينهم وبين كثير ممن ينتسبُون إليهم من المعاصرين

براء نزار ريان

1/10/2019


شروط الثورة..

شروط الثورة..
الدكتور عطية عدلان
مدير مركز «محكمات» للبحوث والدراسات – اسطنبول

الحمد لله.. والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد..

ليس الحديث هنا عن شروط نجاح الثورة، فلهذه الشروط موضع آخر وسياق مختلف، إنّما الحديث هنا عن شروط قيامها واندلاعها، فهذه هي المعضلة الآنية على وجه التحديد والدقة، لماذا هي عَصِيَّيةٌ وأَبِيَّة؟! لماذا كلّما اشتعل عود الثقاب انطفأ لتَوِّه قبل أن يبزغ منه اللهب؟! لماذا تمرّ السَّحابة الحُبْلَى فترعد وتبرق وتظلم الأجواء ثم تمضي دون أن تَبِض بقطرة؟ لقد تنامى الوعي بالظلم الواقع على العباد، وتنامى معه الغضب وبلغ ذروته، والغضب الصاعد والوعي الواعد هما الشرط الأول والأكبر لاشتعال الثورة؛ فما الذي يؤخرها؟ وما السر في هذا الجمود الذي يوشك أن تتحطم على صخرته كل الآمال؟!

أهو الخوف والإرهاب يلف البلاد بغيومه السوداء، ويغلف القلوب بغشاء الرهبة فلا يغشاها بريق من الأمل ولا يثقبها شعاع من الرجاء؟ أم هي الدنيا تهيمن على الكينونة البشرية فتَتَقَلَّص بآمالها في محضن الأنا وتَتَقَبَّض بأحلامها في عش الذات؟ أم تراها التجارب السابقة قد خيمت على عقول الناس بما تحمله من مرارة الفشل ولوعة الهزائم؟ أم إنّ ما يجري حولنا في ديار الإسلام وأصقاع المسلمين يثير حالة من التوجس تقف حائلًا دون التقدم والاندفاع؟

هذه هي المادة التي يقتاتها العقل الجمعيّ في أرض الكنانة، وهذه هي الخواطر التي تجول وتصول في الخيال العام والأثير المحيط، ولا أحسب أنني أضفت جديداً سوى إظهارها وبلورتها في جمل تخرجها من العقل الباطن ليدركها العقل الواعي، وتثيرها من مكامن وزوايا ودروب غائرة في النفس لتطفو على السطح وتتناولها الأنظار والأبصار؛ فالآن ما هو الحل؟ وما هي شروط الخروج من هذا الصمت المميت؟

بداية ينبغي أن نقرر ونؤكد على أنّ تعانق الوعي والغضب هو الشرط الأكبر والأول لاندلاع الثورة، فبدونه لا تقوم ثورة من حيث الأصل، لكنّ هذا الشرط ليس هو الشرط الوحيد ولا المقوم الفريد، إنّ طبيعة الشروط أنّها إذا تعددت وجب استيفاؤها، ولم يجز تجاهل شرط واحد منها؛ إذ إنّ الشرط هو ما يلزم من عدمه العدم، فكل شرط معدوم يعدم المقصود كله، وهذا هو الفرق بين الشروط وبين الأسباب والعوامل والمقومات، وحتى لا ننزلق إلى جدلية كلامية هيّا بنا ندلف إلى صلب موضوعنا وهو الشروط.

إنّ الثورة لا تقوم – وإذا قامت لا تدوم – ما لم تتحول الرغبة في التغيير إلى عقيدة، هذه العقيدة الثورية شرط لا بد منه لأي ثورة، ولست أعني بها معنى من المعاني التي تتبادر إلى الذهن بمجرد النطق بكلمة عقيدة؛ فهي أبسط بكثير مما قد يذهب إليه الظن المندفع في سرعته الطائش في إصابته، إنّها ليست سوى الأفكار التي يقتاتها الوعي العام، غير أنّها بعد أن تتفاعل مع ثقافة الأمة وهويتها تتحول من مجرد أفكار تسكن العقل البارد إلى حزمة من الطاقة الشعورية الواعية مسكنها القلب والشعور والوجدان، فأفكارنا عن الظلم والطغيان، وعن سرقة مقررات البلاد ومقدرات العباد، وعن الغش والكذب الذي تمارسه الطغمة الحاكمة على الشعب عبر وسائل إعلام تحتكرها وتمنع وتقمع كل صوت يشذ عن طريقها، وعن العمالة والنذالة التي أوفت على الغاية وبلغت المنتهى؛ هذه الأفكار يجب أن تمد جسور التواصل مع ثقافة الأمّة وشريعتها؛ لتتحول من أعواد مرصوصة في الوعي البارد إلى وقود مشتعل وطاقة محركة؛ لذلك يجب تفعيل الخطاب الإسلاميّ البسيط العام.

فالظلم والطغيان والغش والخداع والنهب والسرقة وغير ذلك محرمات تستوجب الإنكار شرعاً، ولاسيما إذا صدرت من حاكم تجاه شعبه، والدفاع عن الدين والعرض والحرمات واجب يفرضه الإسلام وتوجبه الشريعة، ومقاومة الاستبداد والفساد نوع من الجهاد الذي ينال المرء عليه أعلى الدرجات في جنات النعيم، والسكوت إذا عمّ وطمّ صار خطيئة لا ينعتق الناس من مغبتها، والأمّة الإسلامية مدعوة للقيام بواجبها المقدس في دفع الظلم ورفع الإصر والعنت، ولا سبيل لها إلا بالاستعانة بالله والالتزام بمنهجه، والحياة كلها في نظر الدين المنزل من رب العالمين صراع بين الحق والباطل، والمسلم لا قيمة لوجوده بغير انحيازه للحق وانضمامه لكتائبه، والدنيا هذه صغيرة حقيرة لا تستحق أن يؤثرها المرء على مطالب الحق، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، وإن الدار الآخرة لهي الحياة الحقيقية، وطوبى لمن بذل نفسه في سبيل خلاص الأمة من الأسر وفكاكها من القيد، وإنّ لنا في رسول الله والذين معه أسوة.

هذه ببساطة ودونما تعقيد هي عقيدة الأمّة، وليس في هذا أدلجة للثورة ولا تحويل لها من ثورة شعبية إلى ثورة دينية، فالشعب مسلم بطبيعته، مؤمن بفطرته، ورث الإسلام عن مجتمع ضارب بجذوره في التربة الإسلامية العريقة، فإذا انطلقت الثورة من بين دفتي المصحف فليس في هذا إقحام لأيدلوجية ولا تمييز بدين، وإنّما هو الشعب المسلم في سجيته وتلقائيته.

نحن لا نتحدث عن مشروع إسلاميّ ولا عن دولة خلافة ولا عن عموم رسالة، وإن كانت كل هذه المعاني متجذرة في نفوس المسلمين، وليست بغريبة عن ثقافتهم، لكنّ الحديث عنها لا يكون في سياق ثورة شعب ينشد حريته، وإنّما يكون في كل زمان بحسبه، وأحسب أنّها في هذا الزمان تأتي في سياق مشاريع سياسية يقدمها المؤمنون بها في ظل تنافس شريف وصريح بين التكتلات السياسية المختلفة.

ولم نشهد في التاريخ المعاصر ثورة استغنت عن وقود مستمد من ثقافة أمتها وهويتها الحضارية، نحن فقط الذين يراد لنا الانسلاخ عمّا لا قيمة لوجودنا ولا معنى لحياتنا إلا به؛ لا لشيء إلا لخوفهم على أيديولوجياتهم الدخيلة من الانكشاف والتعري والهزيمة أمام عقيدة الأمة وثقافة الشعب، فهل من العقل الالتفات لمثل هذا الإرهاب الفكريّ الذي يمارس علينا باسم مقاومة الإرهاب الفكريّ؟!

ولا ريب أنّ أبناء الشعب في تبنيهم لهذه العقيدة وتأثرهم وانفعالهم بها يتفاوتون تفاوتاً عظيماًـ وهذا شيء طبيعيّ؛ وهذا هو ما يدعونا إلى ضرورة بناء قاعدة صلبة تحمل البناء الشعبيّ، أو نواة صلبة تتراكم على متنها شرائح الشعب، كل بحسب درجة قربه أو بعده من الدائرة الأكثر قدرة على الاستمرار، هذه القاعدة شرط آخر من شروط قيام ودوام الثورة، وعامل مهم من عوامل استمرارها واستقرارها، إنّها هي المحرك الحقيقيّ للشارع، والمقياس الحقيقيّ لقوته وتأثيره، وعليها تتكاثف الكتلة الحرجة المنتظرة، وبدونها تذوب الكتلة الحرجة تحت حرارة الأحداث، ويتمزق شمل الجموع الثورية تحت مطارق الفتن وعواصف المحن، فيلزم أن يوجدوا، ومع ذلك فوجودهم سهل وقريب، ليس علينا إلا أن نضع برنامجا نحيي به الأمل في نفوس أبناء رابعة والنهضة، الذين صنعتهم المحنة صناعة خاصة، وما صرفهم عن الاستمرار إلا غياب الرؤية وافتقاد البوصلة، وهذا شرط آخر.

ما رؤيتنا في التغيير نفسه؟ – لا بعد التغيير – ما حجمنا وما الحجم الحقيقيّ لعدونا؟ وما هي الوسائل والأدوات التي يجب أن تتوفر لمواجهة هذا العدو؟ وكيف وبأي طريقة ووفق أي استراتيجية تستثمر هذه الأدوات، وما هي التوقعات لردود الأفعال على المستوى المحلي والإقليمي والدولي؟ كل هذه الأسئلة لا يصح للكبار أن يهربوا منها ويجفلوا عن مواجهتها، وإلا ستكون دعوتهم للشباب نفخاً في رماد، إنّ الإجابة على هذه الأسئلة مسؤولية المسؤولين، وإلا فليرحلوا ويزولوا من سماء هذه الأمّة حتى ينكشف لها الطريق.

إنّ الشعب لن يتبع داعيًا إلى ثورة – فرداً كان أو كياناً أو غيره – حتى يسكنه الشعور بأنّه قادم، وليس عند الشعب استعداد لأن يجرب؛ فكيف السبيل إلى طمأنة الشارع وإشعاره بأنّ الذي يهتف بهم للخروج قادم وبقوته وقدرته جاثم، كيف السبيل إلى وضع النظام في حالة تجرئ الناس عليه وتشعرهم بقرب سقوطه وبهوانه على الله وعلى الناس، هل تصدق أنك يمكن أن تدفع الناس لخطر المواجهة وأنت غير قادر على حمايتهم ولو نسبياً؟! فما هي أدوات الحماية والنكاية، الحماية للثوار والنكاية في الأنذال؟

لم نتحدث عن أهمية وجود قيادة للثورة، ولا عن ضرورة وجود جهاز إداري يكون في حالة انعقاد دائم، ولا عن مشروع كامل للتغيير، ولا عن كثير من الأمور المهمة؛ لأنها شروط نجاح الثورة، ونحن لا نتحدث إلا عن شروط قيامها واشتعال جذوتها، فهل نحن قادرون؟ نعم.. إن شئنا.. والله المستعان.

في مثل هذا اليوم: وفاة الأديب الطبيب المفكّر العبقري د. مصطفى محمود

في مثل هذا اليوم: وفاة الأديب الطبيب المفكّر العبقري د. مصطفى محمود



وكانت سهرة الإثنين، عندما تلتفّ الأُسَر حول التليفزيون، الساعة التاسعة مساءً، وصوت الناي الحزين يدغدغُ المشاعر، ويهدهدُ القلوب، ويجلس الجميع وكأن على رؤوسهم الطير،

لا كلام..

لا حركة..

الصمتُ هو السيّد..

حتى يطلّ الدكتور مصطفى محمود: (أهلا بيكم)

(مصطفى كمال محمود حسين محفوظ)

الميلاد: 27 ديسمبر 1921م،  شبين الكوم، المنوفية (مصر).

الوفاة: 31 أكتوبر 2009م، القاهرة.

– ينتهي نسبه إلى (علي زين العابدين)..فهو من الأشراف الذين ينتهي نسبهم للنبي (صلى الله عليه وسلم)

– درسَ الطب وتخرّجَ عام 1953م، وتخصَّص في الأمراض الصدرية، ولكنه تفرّغَ للكتابة والبحث عام 1960م.

– ألَّفَ 89 كتابًا، منها الكتب العلمية والدينية والفلسفية والاجتماعية والسياسية، إضافة إلى الحكايات والمسرحيات وقصص الرحلات، ويتميز أسلوبه بالجاذبية مع العمق والبساطة.

– قـدّمَ الدكتور مصطفى محمود 400 حلقة من برنامجه التليفزيوني الشهير (العلم والإيمان)، وأنشأ عام 1979م، مسجده في القاهرة المعروف بـ “مسجد مصطفى محمود”.. ويتبع له ثلاثة مراكز طبية تهتم بعلاج ذوي الدخل المحدود، ويقصدها الكثير من أبناء مصر، نظرًا لـ(سُمعتها) الطبية الرائعة، بالإضافة إلى القوافل الطبية التي تجوب جميع أنحاء مصر.

– كانت العُزلة المبكرة للعبقري مصطفى محمود، سببًا رئيسًا في تميّزه العقلي عن أقرانه، فقد كان مختلفا في كل شيء، سابقا لجيله وزمانه، مُحبًا للعلوم، عاشقا للقراءة.

– بدأ حياته متفوّقـًا في الدراسة، حتى ضربه مدرس اللغة العربية؛ فغضب وانقطع عن الدراسة مدة 3 سنوات، إلى أن انتقل هذا المدرس إلى مدرسة أخرى، فعاد مصطفى محمود لمتابعة الدراسة.

– في منزل والده أنشأ معملاً صغيرًا يصنع فيه الصابون والمبيدات الحشرية ليقتل بها الحشرات، ثم يقوم بتشريحها، وحين التحق بكلية الطب اشتُهر بـ”المشرحجي”، نظرًا لوقوفه طوال اليوم أمام أجساد الموتى، طارحًا التساؤلات حول سر الحياة والموت، وما بعدهما.

– كان صديقــًا شخصيًا للرئيس السادات، ومن المقـرّبين جدا للرئيس الراحل الذي كان يثق فيه بشدة ويطلعه على أدق أسراره التي كان يخفيها عن الجميع بلا استثناء، وكان هذا (يضايق) حاشية الرئيس ورجال السياسة في القصر.. ومات الدكتور مصطفى محمود ولم يذكر كلمة واحدة عن حواراته وجلساته مع السادات، بل لن تجد صورا تجمعهما،

ولم يحزن الدكتور مصطفى محمود على أحدٍ مثلما حزنَ على الرئيس السادات، وكان السادات قد عرض عليه الوزارة كثيرا، ولكنه كان يرفض بإصرار.

– عندما سأله الموسيقار “محمد عبد الوهاب” في موضوع الدين والفن، قال له: (ليس من الطبيعي أن يقابل الفنان ربه بمجموعة أغاني،، ولاعب الكرة هيقابل ربنا يقوله: أنا جايلك بشويّة إجوان.. يجب أن يلاقي كل منّا اللهَ عز وجل بأعمال أخرى تكون في ميزانه عند الحساب).. فبكَى محمد عبد الوهاب، عندما سمع هذا الكلام، لذلك كان حريصا في أواخر أيامه على الإكثار من الابتهالات الدينية، رغبةً في عمل شيء يقربه من الله.

– كانت الزيارات لمنزل الدكتور مصطفى محمود لا تنقطع طيلة الليل والنهار، أجانب، وعرب، وفنانون، وبسطاء الناس،، وأسلمَ على يديه المئات من جميع أنحاء العالم.

– كان يرى أن الإيمان بالله هو الحل الأمثل لكل شيء، ولذا كانت مقولاته الخالدة:

1- كُن كما أنت، وستهديك نفسك إلى الصراط.

2- العلم والإيمان هما وجه الإنسان الكامل.

3- هناك حل، وهناك مَخرَج؛ طالما هناك إيمان.

4- مركبك إلى الله هي سجادة صلاتك، بقعة الأمان الوحيدة في هذه الأرض.

5- فليعكف كلٌ منّا على نفسه، يروّضها، ويربّيها، ويزكّيها، ويكافحها، فذلك هو الجهاد الأكبر الذي صنع الفرد المؤمن.

6- الصلاة الإسلامية هي رمز لهذه الوحدة التي لا تتجزأ بين الروح والجسد، الروح تخشع، واللسان يسبّح، والجسد يركع.

7- لو كانت الأشياء المادية أهم من المعنوية؛ لمَا دُفنَ الجسد في الأرض، وصعدت الروح إلى السماء.

8- الكراهية تُكلّف أكثر من الحُب، لأنها إحساس غير طبيعي، إحساس عكسي، مثل حركة الأجسام ضد جاذبية الأرض، تحتاج إلى قوة إضافية، وتستهلك وقودا أكثر.

– تُوُفيَ الدكتور مصطفى محمود في الساعة السابعة والنصف من صباح السبت 31 أكتوبر 2009م، الموافق 12 ذو القعدة 1430هـ، بعد رحلة علاج استمرت عدة شهور عن عُمرٍ ناهز 88 عامًا، وقد تم تشييع الجنازة من مسجده بالمهندسين، ولم يزره أي أحد من المشاهير، أو المسؤولين في فترة مرضه، أو حتى حضور جنازته، ولم تتحدث عنه وسائل الإعلام، وذلك بسبب مقالاته عن اليهود التي تسببت في أزمة بين إسرائيل ونظام مبارك، وتم منع الدكتور مصطفى محمود من الكتابة في الأهرام.

————–

المصدر: 

موسوعة (شموسٌ خلفَ غيوم التأريخ – الجزء الأول – يسري الخطيب)

الأرمن والحملة الصليبية الأولى

الأرمن والحملة الصليبية الأولى

د. علي محمد عودة

الأرمن شعب نصراني كان يعيش في هضبة أرمينية الكبرى، وللأرمن كنيسة وطقوس خاصة بهم  مستقلة عن الكنيسة الأرثوذكسية في القسطنطينية وعن الكنيسة الكاثوليكية في روما ورئيس الكنيسة الأرمنية يُسمى كاثوليكوس.

وقد فتح المسلمون هضبة أرمينية في العصر الراشدي،

ولكن الروم والأرمن تمكنوا من الاستيلاء على هضبة أرمينية الكبرى في العصر العباسي الثاني،

وبعد ذلك تراوح الأرمن ما بين الخضوع للروم والاستقلال عنهم.

وفتح السلطان السلجوقي ألب أرسلان هضبة أرمينية الكبرى سنة 456 هجرية،

وترتب على فتح ألب أرسلان لأرمينية هجرة أعداد كبيرة من الأرمن إلى جنوب آسيا الصغرى

وبخاصة في قيصرية وإلى منطقة الثغور الشامية والجزرية واستقروا في مدن ملطية والرها والمصيصة وطرسوس وعين زربة وأنطاكية،

ومناطق أخرى في شمال الشام في منطقة قيليقية جنوب جبال طوروس.

وقد زادت هجرة الأرمن إلى هذه المناطق بعد انتصار السلاجقة في معركة «ملاذكرد» سنة 463 هجرية،

وقد اختار الأرمن هذه المناطق لوعورتها وبعدها عن الطرق التي سلكها السلاجقة وقبائل التركمان في فتوحاتهم لبلاد الروم.

وحين وصلت الحملة الصليبية إلى قيصرية في آسيا الصغرى وشمال الشام،

وجد الصليبيون أمامهم شعباً نصرانياً يرحب بهم ويقَدِّم لهم المؤن والطعام والأدلاء هم الأرمن،

واستطاع الصليبيون السير بسهولة عبر هذه المناطق، بسبب المساعدات التي قدَّمها الأرمن لهم.

وقد تمكن القائد بلدوين البولوني من تأسيس أول إمارة صليبية في الرها حين استدعاه المتغلب عليها ثوروس الأرمني وتبنُاه،

فدبر بلدوين مؤامرة راح ضحيتها ثوروس، وانفرد بحكم الرها.

كما تمكن الصليبيون من حصار أنطاكية زمناً طويلاً بسبب المؤن والمساعدات التي قدّمها الأرمن لهم.

وسقطت أنطاكية بيد الصليبين بسبب خيانة فيروز الارمني الذي كان يحرس أحد أبراج السور.

وهكذا قام الأرمن بدور حاسم في قيام إمارتين صليبيتين في شمال الشام والجزيرة الفراتية.

كما تجند الأرمن في جيوش الإمارتين وقاموا بدور كبير في قتال المسلمين وقامت إمارات أرمنية عديدة في منطقة قيليقية،

وتطورت إلى أن أصبحت مملكة في منتصف عصر الحروب الصليبية عرِفت باسم «مملكة أرمينية الصغرى».

                         د. علي محمد عودة

أستاذ متخصص في تاريخ الحروب الصليبية،
وتاريخ العدوان الفكري الغربي على الإسلام

الغرب والإسلام.. الدبلوماسية والسياسة اكتشاف أم استيلاء؟

الغرب والإسلام.. الدبلوماسية والسياسة اكتشاف أم استيلاء؟

 كانت كلية الإلهيات (الشريعة) بجامعة سيرت على موعد مدة يومين في الفترة من 21 إلى 23 أكتوبر/ تشرين الأول مع المحفل العلمي والفكري الموسوم بـ”المؤتمر الدولي الأول للاستغراب”، ويعد هذا المؤتمر هو الأول من نوعه في تركيا.

وفي إطار الحديث عن الاستغراب لا يمكن التغافل عن الاستشراق والإعجاب الغربي بالعالم الإسلامي رغم ما يدور حول ذلك الاستشراق من تصورات سلبية عامة. وفي هذا السياق، كانت الأندلس هي المحطة الأولى لتعرف الغرب على العالم الإسلامي عن قرب، وبعد ذلك صارت الحضارة الإسلامية الواسعة الانتشار في بغداد والمدن الإسلامية الأخرى محل اهتمام الغرب، بالإضافة إلى ما خلفته الأخبار والأفكار المتوافرة عن تلك الحضارة الإسلامية عند الغرب من صور أسطورية عن المسلمين.

الإسلام الذي يسحر الغرب

ولهذا فقد كانت طموحات الذين يسعون لاكتشاف الشرق والاستيلاء على الثروات التي تستند إليها تلك الصور الأسطورية التي كانت بمخيلتهم، هي المحفز الأساسي وراء اندفاع الحروب الصليبية. كما كانت هناك مهمات عديدة للاستشراق الذي كان نوعا من التطور الطبيعي خلال فترة الحروب الصليبية. فمعرفة الغرب بالإسلام كما يذكر المستشرق الفرنسي ماكسيم رودنسون في كتابه “الإسلام الذي يسحر الغرب” ليست مجرد معرفة تهدف إلى التزوير والإنكار والإهانة والتهميش. وإذا كان الاستشراق قائما على هذا النحو فقط، فلن يحافظ على قوته ليستطيع الاستمرار.

ومما هو معلوم أن الاستشراق قد ظهر نتيجة لقاءات متعددة بين الطرفين الشرقي والغربي. ويتبع كل لقاء تولُّد رؤى وتصورات وانطباعات في ذهن كل طرف عن الآخر. وتختلف هذه التصورات وتلك الانطباعات باختلاف حالة كل من الطرفين. فاللقاء يعني وجود طرفين على الأقل. وقد كانت الحروب الصليبية رغم كل شيء نوعا من اللقاء والمواجهة بين طرفيها، وقد أسس الجانب الإسلامي بكل مكوناته العربية التركية الكردية الفارسية من هذا اللقاء انطباعا ورسم في فكره صورة عن الفرنجة الذين شاركوا في هذه الحملات الصليبية. ويمكننا القول بأنه ربما تشكلت النواة الأولى للاستغراب، أي النظرة الشرقية للغرب من خلال المؤلفات والأدبيات التي عرضت لتلك الرؤى والانطباعات. وتعد أعمال الأديب اللبناني أمين معلوف، ولاسيما كتابه “الحروب الصليبية كما رآها العرب”، من الأمثلة التي تؤيد وجهة النظر هذه.

وكما كانت النظرة الأولى من الغرب للمسلمين، جاءت نظرة المسلمين للفرنجة الغزاة فوصفوهم بأنهم برابرة همجيون. وكان ينظر إليهم على أنهم جحافل من الجماعات البربرية التي اتجهت إلى الشرق لتدمير الحضارة التي أسسها المسلمون بعناية على مدار قرون عديدة، والاستيلاء على ثرواتها. فمصطلح الاستغراب بهذا المعنى مماثل لمقابله وهو الاستشراق، فالاستغراب ليس تخصصا دقيقا له حدود راسخة ومعرفة موثقة. فالواقع يشير إلى أن المسلمين لم يكونوا يرون الصليبيين غربيين ولم يرسموا لهم تلك الصورة الغربية من قبل، بمعنى أنه لم تؤسَّس فكرة الهوية الغربية التي تقتضي ظهور مصطلح الاستغراب وخطابه الفكري.

فالاستشراق في نهاية المطاف، هو اسم يطلق على مجموعة كاملة من التصورات والتساؤلات. وهذا خطاب يشكله الاضطراب والإشكالات المؤسِّسة للفكرة ذاتها. ومع ذلك، هناك مادة تدل على مصطلح هو الاستشراق، وإذا كان ذلك الاستشراق يمثل قوة أو تأثيرا ما، فلا يمكن القول إن مقاومة تلك القوة ومواجهة ذلك التأثير لا يمكن أن يكون إلا بالقيام بالعكس، أي إنتاج مادة تحت مسمى الاستغراب؛ لأننا إذا انطلقنا في هذا الطريق من هذه الزاوية فلن نصل إلى شيء ذي قيمة.

الركائز التاريخية

في الحقيقة لقد ظهر الاستشراق في صورة مشكلة، لكن ذلك لا يعني الاقتصار على أنه مجرد خطاب لا غير. فالاستشراق هو تراكم للخطاب والحوار الذي يرافقه تراكم للقوة وتكدس للتأثير. كما أنه خلال المراحل الأولى لتكوُّن هذا الخطاب وتزايد معطياته، ظهرت عدة مواقف نابعة من عقدة النقص إلى جانب نوع من الإعجاب ومحاولة لفهم الآخر، بدلا من أن تنطلق من دراسة منهجية وصفية تؤسِّس سلطة موجهة للمسلمين.

ولو تجاهلنا هذه الأمور في نظرتنا إلى الغرب، وأعدنا سباقنا معه وبدأنا من المستوى الخطابي، نكون قد بذلنا جهدا كبيرا، لكنه غير ذي فائدة. وإذا كانت هناك ضرورة لتصفية الحسابات مع الغرب، فإنه يجب البدء بتحدي قوة الهيمنة الغربية. وبكل تأكيد يتطلب هذا التحدي منا أن نمتلك القوة. فأثناء تراكم القوة وتجمع التمكين سيتراكم الخطاب وحيثياته تلقائيًّا.

ومع ذلك، إذا كان الأمر يتعلق بتحديد الركائز التاريخية لموضوع الاستغراب، فيمكننا القول إنّ التصورات الأولى عن الحروب الصليبية هي التي شكَّلت أول المعطيات الحقيقية عن الغرب والاستغراب. وحينما تحرك المسلمون فاتحين لم يكن لديهم أيّ تصور في تقسيم العالم إلى الشرق والغرب.

ليس الأمر هكذا فقط، بل شكلت الفتوحات الإسلامية أيضًا تصورات أكثر ديناميكية فيما يخص تلك المرحلة، حيث إن الخطاب الإسلامي السليم بطبيعته لديه رؤية شمولية، فإنه لا يحصر نفسه في الجغرافيا ولا يقتصر على محور الشرق والغرب. ومن الأمثلة على ذلك نجد الأندلس التي هي منطقة في أقصى الغرب، ورغم ذلك فقد سطَّر المسلمون معظم صفحات الحضارة الأكثر إشراقًا في تاريخهم في هذه المنطقة الجغرافية. وإذا كان الخطاب الإسلامي محصورًا في حدود جغرافية ضيقة، فإن تصور الآخر الذي تم التعبير عنه في محور الشرق والغرب، كان سيخلق تصورات محدودة وضيقة في الفكر الإسلامي لعدة قرون.

ومن ناحية أخرى، فإن الأمر اللافت للنظر هو أن الغربيين الذين التقى بهم المسلمون، كان لديهم منذ البداية اهتمام بتراث الحضارة الإسلامية، رغم عدم اهتمام المسلمين أنفسهم بذلك التراث في ذلك الوقت. وبعد ذلك وبسبب أنشطة الترجمة الكثيفة، تُرجمت إلى اللغة العربية العديد من الكلاسيكيات اليونانية لأرسطو وأفلاطون، وحظيت برؤية جديدة وإطار جديد في العالم العرب 

مقدمة في علم الاستغراب

وخلال الدولة العثمانية، استمر الأتراك على حدود أوروبا في جمع المعلومات اللازمة عن أوروبا. وفي تلك الأثناء، أسهمت روايات المسؤولين الحكوميين والمسافرين الذين ربما لم يسافروا إلى أوروبا إلا قليلا، في وضع صورة عن الحياة الأوروبية الفرنجية. ومما يمكن اعتباره أحد أهم المصادر لأدب الرحلات والمعلومات عن الغرب، كتاب الرحلات (سياحت نامة) للرحالة أوليا شلبي. فعندما تقرأ بدقة ما قاله عن بعض المدن الأوروبية، وبخاصة فيينا، لن تجد لغة استحقار أو إهانة في كلماته وتعبيراته، بل على العكس من ذلك ستقرأ عبارات لطيفة.

إذا اعتبرنا أن الاستغراب نظام غربي منهجي، فإن ما يمكن أن نقوله عنه سيكون مختلفًا بكل تأكيد. ولمرة واحدة، لمَّا يتشكل مثل هذا التخصص العلمي الغربي. فأمثلة الاستغراب وموضوعاته تتطور كرد فعل يستند إلى طريقة مواجهة الغرب والموقف المعتمد في اللقاء معه: إما الرد على الإمبريالية، ومواجهتها، ومعاداتها، أو على العكس من ذلك، النظر إليها على أنها حقيقة موجودة في الواقع والإعجاب بها، والتودد إليها، وغض النظر عما تحويه من شرور.

وتلك كلها مواقف ممكنة، وكلها تنتج تصورات مجملة عن الغرب، لكن التصور الغربي على النقيض غير مماثل للاستشراق وهو لا يزال مستمرًّا في إنتاج الاستشراق. وهناك من يتبنى هذا التصور وسيلةً لفهم انتقامي. وعلى سبيل المثال نجد الفيلسوف والمفكر المصري حسن حنفي قدم للمكتبة أعمالا بارزة توضح هذا الموضوع، ولا سيما كتابه “مقدمة في علم الاستغراب” لكنه لا يقدم شيئًا سوى إعادة إنتاج الاستشراق. وفي الواقع تدعو جميع انتقاداته الموجهة إلى العالم الإسلامي إلى استيعاب بعض القيم الغربية، ويعتبر “الاستغراب” حركة حرية أو استقلال جاءت تنافسًا انتقاميًّا من الاستشراق، ومن المستبعد أن تكون لهذه الحركة أي عواقب أخرى