الجمعة، 28 فبراير 2014

مصر تقترب من الانهيار لأسباب اقتصادية



مصر تقترب من الانهيار لأسباب اقتصادية

عامر عبد المنعم
يبدو أن مصر تقترب من لحظة الانهيار التام، وهذه المرة لأسباب اقتصادية وهي التي ستسقط الانقلاب بالضربة القاضية.
هذه اللحظة تستوجب من المخلصين الراغبين في حكم مصر التفكير والدراسة الجادة لأنها قد تداهمنا في وقت قريب جدا.

1- لقد نقل حسنى مبارك مقدرات وممتلكات الدولة إلى حفنة من رجال الأعمال (الخصخصة) فأصبحت الدولة مجرد خادم لرجال الأعمال وتخلت عن دورها في خدمة المواطن في التوظيف والتسكين والتعليم والعلاج إلخ....
2- استولى رجال الأعمال الفاسدون على كل شيء وكان هدفهم الربح ولم يخدموا المواطن ولا الدولة فتهربوا حتى من دفع الضرائب، وتنافسوا في ظهور أسمائهم في قوائم أغنى أغنياء العالم.
3- بدأ رجال الأعمال يخرجون الأموال من مصر بحجة الاستثمار في دول أخرى، وأخذوا أيضا أموال البنوك المصرية وأخرجوها.

4- النتيجة:
-دولة بلا مقومات، نهبت وتم تجريدها من أملاكها.
-رجال أعمال لصوص رتبوا أنفسهم للهرب في أي لحظة.
-شعب جائع يعاني ولا يجد من يحن عليه.
- عصابات مصالح متنفذة تعمل بشكل فئوي تستغل ضعف الدولة للاستيلاء على الأراضي والمقدرات.

ما وصلنا إليه حصاد تخطيط وتآمر دولي عبر عقود وحكم سلم رقبته للهيمنة الخارجية، وعملاء ووكلاء نفذوا ما طلب منهم بكفاءة.
الموضوع ليس سهلا ولا يجب الاستهانة به، فمصر أمامها تحديات كبيرة في بيئة عدوانية خطرة، داخليا وخارجيا.

بناء الاتحاد الخليجي يبدأ بتصحيح الخطأ في مصر



بناء الاتحاد الخليجي يبدأ بتصحيح الخطأ في مصر

أحمد بن راشد بن سعيّد

شكّل الاتفاق النووي الأخير بين الغرب وإيران ضربة قوية للعلاقة الدافئة بين واشنطن والرياض، بعد سلسلة من الإحباطات التي مرت بها هذه العلاقة لاسيما ما عدّته الرياض تخلياً من واشنطن عن الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك.
وبعد انتخاب الرئيس محمد مرسي المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين رئيساً لمصر في يونيو/حزيران 2012، لم تتلق السعودية ودول خليجية أخرى الحدث بارتياح، ونظرت إليه بوصفه خذلاناً أميركياً آخر لحلفائها التقليديين في المنطقة، واختطافاً "إخوانياً" لأكبر دولة عربية. 
عملت السعودية والإمارات على تغيير المشهد في مصر لصالح قوى النظام القديم الذي حكم مصر مند مطلع الخمسينيات. 
لم يستتب الأمر لأول رئيس منتخب، ولم يكد يكمل عاماً في الحكم حتى انقلب عليه وزير دفاعه، عبد الفتاح السيسي، في مطلع تموز/يوليو 2013، وسارعت بضع دول خليجية إلى مساعدته ببلايين الدولارات. 
كان إسقاط مرسي حدثاً مدوّياً، أشبه بالزلزال، ولم يكن قط "قطعة من الحلوى" كما تخيّل داعموه في الخليج.
كانت "الحكمة التقليدية" تقضي بأن الانقلابات العسكرية في المنطقة العربية تنجح: ينزل الجيش إلى الشوارع، يسيطر على المواقع المفتاحية بالدبابات، يضرب المعارضين بعنف مرسلاً إشارات صدمة وترويع إلى الجميع، وما لا يُحل القوة، يُحل بمزيد من القوة. 
أخطأ الانقلابيون وداعموهم الحساب، ورفض الضحايا الاستسلام، في عصر لم يعد ممكناً فيه تسويق الانقلابات العسكرية، لاسيما أن الشعب المصري ذاق حلاوة الحرية، ومارس لأول مرة في تاريخه عملية ديموقراطية حقيقية، شملت انتخابات مجلسَي الشورى والشعب، وانتخابات رئاسية، وتشكيل جمعية لكتابة الدستور، واستفتاء على هذا الدستور، ثم تصديقه رئاسياً. 
وفي غمضة عين، يُوأد كل شيء، ويُجهَض الحُلُم.
واحتشد المعارضون في ميدانَي "رابعة" و "النهضة" رفضاً لسرقة أصوتهم، وازدراء إرادتهم، وخيانة قائدهم الذي انتخبوه انتخاباً حراً نزيهاً.
استمر الاعتصامان الشهيران أكثر من 40 يوماً، وكانا أول إعلان صارخ بفشل الانقلاب، وخطأ داعميه.
ولأن الانقلابات عادة تفضل دائماً خيار القوة، لافتقارها بطبيعتها إلى الخيارات السياسية، فقد تحركت طغمة الانقلاب بدباباتها وبلطجيتها سافكة دماء المتظاهرين في القاهرة والمنصورة والإسكندرية، ثم اعتدت على المعتصمين السلميين في "رابعة" و "النهضة"، فقتلت الآلاف منهم، في أكبر مذبحة جماعية تشهدها مصر في تاريخها الحديث (قد يظل عدد شهداء هذا العدوان مجهولاً إلى الأبد).في غضون ذلك، لم تنقطع المساعدات "البليونية" من الخليج.
كان تدفق المساعدات خطأً استراتيجياً آخر واكب خطأ الجيش في قمع معارضي انقلابه.
كلنا يعرف بقية القصة: استمرار القمع؛ انتهاك حرمة المساجد والجامعات؛ كتابة دستور جديد "ينسف" إرادة المصريين التي عبروا عنها في عام 2012 بنسبة غير مسبوقة: 64 في المئة؛ اعتقال طلاب في جامعة الأزهر، والحكم عليهم بالسجن 17 عاماً؛ اعتقال بنات حركة 7 الصبح، والحكم عليهن بالسجن 11 عاماً، ثم إلغاء الحكم بعد إدانة دولية؛ استمرار انتهاك حرمة جامعة الأزهر، وقتل طلابها بدم بارد.
فشل كئيب آخر يأبى مهندسو الانقلاب وداعموه إلا إعادة إنتاجه في بلد هو الأكبر عربياً، ولا مصلحة ألبتة للدول الخليجية في زعزعة استقراره، أو تمزيق نسيجه الاجتماعي.
وكان لهذا الموقف المؤسف تداعياته الكارثية على علاقات الدول الداعمة للانقلاب بتركيا، الدولة السنية المهمة في المنطقة، والتي استنكرت الانقلاب، ورفضت التعامل مع الواقع الذي أفرزه.
لكن هذا الفشل لم يكن الوحيد الذي مُني به الداعمون. كان بعض صُنّاع القرار في الخليج (ومازالوا بالطبع) يريدون إسقاط الدكتاتور بشار الأسد، وإنقاذ الشعب السوري من حرب الإبادة التي يتعرض لها منذ 3 سنوات. 
عوّل هؤلاء على "يقظة" أميركية توقف حمّام الدم الذي طال نزفه، وأحجموا طويلاً عن تزويد الثوار بأسلحة نوعية رضوخاً لضغوط واشنطن. 
ولما ارتكبت عصابة الأسد المذبحة الكيميائية المروّعة في ريف دمشق أواخر آب/أغسطس الماضي، استبشرت الرياض بإعلان الرئيس باراك أوباما، ووزير خارجيته جون كيري، خطة لضرب قوات الأسد، وكانت فيما يبدو مستعدة لتمويل العملية. 
لكن أوباما تراجع فجأة، وانهمك في ترتيبات مع روسيا للتخلص من الأسلحة الكيميائية في سوريا، في ما بدا أنه خذلان آخر للعلاقات الأميركية بالخليج. 
عبّرت السعودية عن غضبها من موقف أميركا "المتواطئ" مع حرب الإبادة في سوريا، ومن تفضيلها المقاربة الدبلوماسية مع إيران، برفض وزير خارجيتها، سعود الفيصل، إلقاء كلمة بلاده أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو تسليم نسخة منها.
نواف عبيد، المستشار في السفارة السعودية بلندن، علق على إلغاء كلمة الفيصل بالقول: "هذه الإشارة القوية ليست رمزية فقط، إذ ستواكبها تغييرات وتعديلات سياسية جذرية" (موقع المونيتور، 17 تشرين الأول/أكتوبر 2013).
وبلغ التذمر السعودي من الأمم المتحدة أوجه عندما رفضت الرياض شغل مقعد مجلس الأمن الذي حصلت عليه، مبررة ذلك بتبني المنظمة الدولية (والمقصود واشنطن تحديداً) معايير مزدوجة تجاه ما يجري في فلسطين وسوريا، وفشلها في إخلاء منطقة "الشرق الاوسط" من الأسلحة النووية.
استمر مسلسل الإحباطات في العلاقات بين واشنطن وحلفائها الخليجيين، لاسيما السعودية، حينما انخرط المفاوضون الغربيون والإيرانيون في محادثات عميقة وشاقة أسفرت عن اتفاق "أولي" حول البرنامج النووي الإيراني، يعيق تقدم البرنامج، مقابل تخفيف العقوبات المفروضة على إيران.
في البدء عبّرت الرياض عن صدمتها من الاتفاق، وأبلغ نواف عبيد، اجتماعاً لأحد مراكز التفكير في لندن، أن الغرب خدع المملكة باتفاقه سراً مع إيران، وأنها قررت الرد على ذلك بانتهاج سياسة خارجية مستقلة تتجاوز رد الفعل إلى الانهماك النشط، مضيفاً: "لقد كُذب علينا، لقد أخفيت عنا أشياء. المشكلة ليست في الاتفاق الذي أُبرم في جنيف؛ المشكلة في طريقة إبرامه" (الديلي تلغراف، 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2013).
لكن الاتفاق لم يكن آخر الإحباطات، إذ فوجئت السعودية أن سلطنة عمان، عضو مجلس التعاون الخليجي، هي عرّابه وراعيه، حين استضافت مسؤولين أميركيين وإيرانيين على طاولة واحدة مرات عدة خلال الأشهر الثلاثة التي سبقت الاتفاق. ولما جددت السعودية دعوتها إلى قيام كيان خليجي يتجاوز مرحلة "التعاون" إلى "الاتحاد"، بادرت عمان إلى رفضه، ما أثار القلق حول مستقبل المجلس برمته.
في غضون ذلك، تسعى إيران إلى الاستفادة من الزخم الذي أمدها الاتفاق به، فتعلن مد يدها إلى دول الخليج، وتستقبل وزير خارجية الإمارات، ثم يطير وزير خارجيتها إلى الإمارات وقطر والكويت وعمان، في "اندفاعة" محمومة لتحسين العلاقات مع هذه الدول.
تسعى السعودية، بصفتها أكبر أعضاء الأسرة الخليجية، إلى التقاط البقايا، والانطلاق نحو أفق آخر تصحح فيه كثيراً من أخطاء الماضي، وتعيد رسم سياستها الخارجية. 
الاعتراف بالأخطاء هو الطريق الأمثل لتقويم الرؤية، وتصحيح المسار، ولا ريب أن لدى صانع القرار السعودي والخليجي فرصة للقيام بذلك
يقول نواف عبيد إن ثمة تغييرات جذرية في السياسة الخارجية السعودية تتجاوز رد الفعل إلى الفعل. حسناً، يجب ألا يكون الاتحاد رداً على الحالة التي خلقها الاتفاق النووي مع إيران.
التغيير يبدأ من تصحيح الموقف من الانقلاب في مصر الذي أساء كثيراً إلى الرصيد السياسي والأخلاقي لداعميه، لاسيما في ظل تداعي طغمة العسكر وفشلها الذريع، وإدخالها مصر في نفق مظلم. 
ولا ريب أن إصلاح الموقف من مصر سيقود إلى ترميم العلاقة مع تركيا التي لا غنى عنها في ترتيبات إقليمية جديدة يمكن من خلالها تنسيق دعم حقيقي للثورة السورية متحرر من الشروط الأميركية، وصد اندفاعة إيران نحو الهيمنة على المنطقة وإثارة القلاقل الطائفية فيها.
يبقى أن يجسد مشروع الاتحاد نبض شعوب المنطقة، فليس منطقياً أن يصرح تركي الفيصل أو نزار مدني أو عبد اللطيف الزياني أن الاتحاد هو رغبة الشعوب.
متى استُفتيت الشعوب، ولماذا يتجاهل صانع القرار رأيها في حاضرها ومستقبلها؟
يجب أن تنخرط دول الخليج، حتى وهي تعلن ميلاد اتحادها، في عملية تغيير حقيقية ومتكاملة تشمل المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، واحترام حقوق الإنسان، وإصلاح الاقتصاد، وبناء منظومة دفاعية قادرة على حفظ كياناتها.
وعندما تمتلك دول الاتحاد الخليجي الرؤية السياسية الواضحة، المستندة إلى تمثيل شعبي، فإنها حتماً ستحظى بقوة ناعمة، وستفرض احترامها إقليمياً ودولياً. حينها ستبادر عُمان وغيرها إلى تقديم أوراقها للانضمام إلى الاتحاد.

معتقلات مصريات يروين تجربتهن

شهدن مجزرتي فض رابعة ورمسيس قبل أن يعتقلن    

معتقلات مصريات يروين تجربتهن 
الأخوات الثلاث اعتقلن لأكثر من ثلاثة أشهر وما زال شقيقهن معتقلا (الجزيرة)

محمد أمين-لندن
سمية وفاطمة وأميمة، ثلاث أخوات كن على موعد مع تجربة صعبة بدأت بالتعرض للموت ثم الاعتقال. 
الشقيقات الثلاث وفي أول حديث لهن عقب وصولهن لندن للمشاركة في فعاليات ضد الانقلاب العسكري في مصر، يروين شهادتهن عن مجزرة فض اعتصام رابعة العدوية، ومجزرة رمسيس، إضافة لما تعرضن له في المعتقلات، وما زال شقيقهن الرابع معتقلا حتى الآن.
تبدأ سمية حديثها بالقول إنها كانت دوما تحلم بالعودة لبلادها، فهي تقيم مع عائلتها منذ سنوات في إيرلندا ويحملون جنسيتها إلى أن تحقق الحلم.
وتضيف أنها عقب عودتها بثلاثة أشهر، وقع الانقلاب في مصر، وقادهن الغضب من تدخل الجيش في السياسة إلى ميدان رابعة العدوية للمشاركة في التعبير عن رفضهن تعطيل الديمقراطية وحملات الاعتقالات والتنكيل.
تقول فاطمة إنها بدأت تشعر بالقلق من التهديدات اليومية باقتحام الاعتصام، حتى جاء يوم مجزرة فض الاعتصام، حيث بدأ إطلاق الغاز وسمعن أصوات طلقات الرصاص بعد صلاة الفجر، وهنا قررن البقاء في خيمتهن حتى يتبين ما يجري، وبعد ساعة بدأت الأخبار ترد أن الاعتصام يتعرض لهجوم.
تقول فاطمة -الفتاة العشرينية- إنها بدأت تشاهد جثثا على الأرض، ومسجد رابعة العدوية ينهار أمامها، ما دفع شقيقتها سمية لاقتراح أن يخرجن لتقديم المساعدة للمصابين، فتوجهن للمشفى الميداني لكنهن صدمن بمشهد تكدس الجثث بجانب بعضها البعض وصيحات الجرحى، وطلب الشباب المتواجدين منهن المغادرة فورا، لأن الرصاص بدأ يستهدف المشفى الميداني.
ويضفن "قابلنا على الباب ضباطا وقلنا لهم حرام تحرقوا المسجد هناك جرحى فأخرج أحدهم مسدسه وأطلق النار على بعض الجرحى وقال لنا هكذا أصبحوا موتى هل هذا أفضل لهم من الحرق؟!، 
وتقاطعها سمية لتقول إنه فجأة توقف الرصاص والغاز وظننت أن الحرب انتهت "إلا أن هذه الساعة كانت استراحة غداء نزل فيها المجندون من الدبابات لتناول الطعام، بينما الجثث من حولهم".
تتذكر سمية سيدة من "الربعاويات" كما يحلو لها وصف من كانوا في ميدان رابعة، تدعى أسماء صقر كانت تتطوع في توصيل الماء للمعتصمين بالميدان وعرفت بـ"الساقية"، تذهب للتعبئة وتعود ودوما تبتسم، كما تروي سمية التي تصف ابتسامتها بابتسامة المودع، "وبالفعل فإن أسماء هذه انتهت قتيلة برصاص الأمن والجيش عند المكان المعتاد الذي تحضر منه الماء".
تنهي أميمة قصة رابعة بالقول إنها أصيبت عند مغادرتها رابعة بـ25 طلقة خرطوش، وأن الممر الآمن الذي أعلن عنه لم يستمر أكثر من خمس دقائق، وأعلن عنه بعد انتهاء المجزرة.
قوات الجيش والشرطة لدى اقتحامها
لمسجد الفتح بميدان رمسيس (الجزيرة)
حصار الفتح
بعد يوم من هول مجزرة رابعة، قررت الأخوات الثلاث الذهاب لمظاهرات ميدان رمسيس التي عرفت وقتها بجمعة الغضب الثانية لتغطيتها إعلاميا وتوثيق ما يجري.
بدأت قوات الأمن إطلاق الرصاص والخرطوش فتدافع الناس ودخل بعضهم لمسجد الفتح المجاور، ووجدت الأخوات الثلاث أنفسهن محاصرات داخله في محاولة للاحتماء من الرصاص والغاز والبلطجية. 
وبدأت هنا قصة جديدة حيث دخل وقت حظر التجوال، فقرر المحاصرون البقاء داخل المسجد حتى انتهاء الحظر، لكن المسجد أحيط بالبلطجية الذين بدؤوا بتهديد كل من في الداخل بالقتل على مرأى الشرطة والجيش، وتشير الفتيات الثلاث إلى أنه كان داخل المسجد غرفتان، واحدة فيها 600 شخص وهي لا تتسع إلا للعشرات، وفي الثانية كانت فيها الجثث التي أدخلت من الخارج والمصابون.
وتجمع الأخوات الثلاث على أنه عقب حصار المسجد، فإن القرار الذي كان لدى الأمن والبلطجية هو اقتحامه وحرق كل من فيه -بحسب حديث مسؤول أمني لهن- إلا أن تمكن إحدى الفتيات من نقل ما يحدث داخل المسجد على الهواء مباشرة عبر قناة الجزيرة وغيرها بواسطة الإنترنت جعل الأمن يعيد حساباته فتأجل الاقتحام.
وخلال 17 ساعة كان البلطجية يهددون المحاصرين من خلال الشبابيك، بينما الأمن يطلق الغاز من حين لآخر، فضلا عن محاولة إيقاف البث التلفزيوني القادم من المسجد، وبمجرد توقفه بدأ الاقتحام.
وتروي الأخوات قصة سيدة لم تحتمل الغاز داخل المسجد فأصيبت بالإغماء، وبعد مفاوضات مع أحد البلطجية لإحضار الحقنة اللازمة لإنقاذها مقابل مبلغ مالي، لكنه أخذ المال ولم يعد، فماتت السيدة.
وأخيرا اقتحمت قوات الجيش والشرطة المسجد واعتقلت كل من فيه، وتؤكد سمية أنها رأت كيف قامت عناصر من الجيش والأمن بإدخال أسلحة للمسجد، ليقوم التلفزيون المصري بعدها بالتصوير "مدعيا أن لدى المحاصرين بالمسجد أسلحة"، وتضيف الغريب أنهم قالوا في الإعلام المصري إنهم أنقذوا "العائلة الإيرلندية من الإرهابيين، بينما ما جرى أنهم أرهبونا واعتقلونا واقتادونا للسجون".
الشيخ حسين حلاوة قال السلطات المصرية ساومت الحكومة الإيرلندية على أبنائه (الجزيرة)
إلى السجن
وبعد الاعتقال تفرقت الأخوات، أميمة وفاطمة رحلتا أولا ولحقت بهما سمية، ورحل شقيقهن إبراهيم في سيارة أخرى، ونقل الجميع مكدسين في سيارات الترحيل إلى سجن طرة، حيث احتجز 600 رجل في غرفة لا تكفي لسبعين، مع "حفلة" من الضرب والشتم والركل. وتصف الفتيات التحقيق بالمهزلة حيث وجهت لهن 16 تهمة جاهزة.
وبحسب روايتهن فإن المحقق بعد الانتهاء من توجيه التهم قال لهن "انتهيت من الفيلم الخاص بكم، الآن سأنتقل لهذا المعتقل التركي لأكتب له مسلسل تهم بنكهة المسلسلات التركية".
تصف الأخوات الثلاث أشكالا من التعذيب النفسي اليومي والإهانة تبدأ بالتفتيش المهين بإجبارهن على خلع ملابسهن كاملة، إضافة إلى تهديدات السجينات الجنائيات ومسؤولات العنابر لهن، إلى ما يسمى بفحص الحمل والعذرية، أما الطعام فهو خبز ممزوج بالحشرات وجبنة لا تصلح للأكل.
مؤكدات أنهن كن يستمعن لأصوات التعذيب التي يتعرض لها الشباب، فضلا عن تعرية الرجال أمامهن، وهنا يروين مشاهدتهن الوحيدة لأخيهن إبراهيم وهو في حالة صعبة، ولم يشاهدنه بعدها أبدا.
مساومة
والد الأبناء الأربعة هو الشيخ حسين حلاوة إمام أكبر مسجد في إيرلندا وأمين عام المجلس الأوروبي للإفتاء. 
الرجل كان يتابع مع الحكومة الإيرلندية أحوال أبنائه، ويروي أن أحد المسؤولين أخبره أن حكومة الانقلاب بمصر تساوم الحكومة الإيرلندية أن تعترف بالانقلاب مقابل إطلاق أبنائه الأربعة.
ويشير الشيخ حلاوة إلى أنه كان بين نارين، نار الأبوة والخوف على الأبناء من جهة، ومسؤوليته كمسلم عن أمته وحرية بلاده من جهة أخرى، وانتهى إلى الخيار الثاني أن حرية بلاده وشعبه وتسعين مليون أهم من مصير أبنائه فرفض كل المساومات.
المصدر:الجزيرة

حدث في مثل هذا اليوم


قصتي مع الكتاب!


قصتي مع الكتاب!



الجمعة 28 ربيع الثاني 1435 الموافق 28 فبراير 2014
د. سلمان بن فهد العودة
من أثمن ما أحتفظ به (ختم طفولي) كنت أدمغ فيه الصفحة الأولى من كل كتاب أمتلكه (مكتبة عبد الله الفهد العودة وإخوانه)!
يرى علماء النفس أن الأطفال الذي يقرؤون مبكرًا أو يقرأ لهم تكون نفسياتهم أفضل، لقد وجدت هذا حتى حين كنت أسكب الدموع سرًا وأنا أقرأ قصة حزينة!
حين أقرأ كتابًا اعتدت أن أمضي إلى نهايته مهما تغير رأيي فيه.
حين أقرأ لمؤلف فيعجبني أسعى لامتلاك كتبه كلها حتى الممنوع منها أو المفقود، وكل ممنوع مرغوب. عشت صبيًا مع كتب الوعظ (التبصرة، قرة العيون المبصرة، الكبائر..) أتلوها على أبي بين العشاءَيْن.
ألتقي بالكتب صدفة كما ألتقي بالأصدقاء، و"رُبَّ صدفةٍ خيرٌ من ميعاد"، وأعز الأصدقاء تعرفت عليهم بجوار رفوف المكتبات.
النظم الشمولية تخشى القراءة، وفي ساحات المدارس والسجون تجري مراقبة الحرف بعين الارتياب!
كانت أمي تحب أن أَكْبَر، ولكنها تقلق عندما ترى أكوام الكتب أو تسمع صبيها يتغنى بقصيدة.
كان يقلقها أن تجد كتابًا من عشرة أجزاء، بنفس اللون والشكل وتقترح الاكتفاء بواحد!
كل شيء قابل للقراءة، ما الذي يحدث عندما تواجه نصًّا؟
التفاعلات الكيميائية تحول الحرف إلى معنى ثم تحدث التفاعلات معه، أو تحول الرسم أو الصورة أو الوجه أو الشخص أو الظل أو الصوت..
النصوص التي نقرؤها تخضب عقولنا بالألوان المناسبة.
لا تصدق أنك لم تفهم، ستكتشف أنك فهمت بعض النص أو كله عند مناسبة ما، أو عندما تقرؤه في موضع آخر، سيظل كامنًا بدرجة أو أخرى في ذاكرتك.
قلت مرة لشيخي: قرأت الكتاب ولم يعلق شيء منه بذاكرتي؟
مدّ لي تمرة وقال: امضغها، ثم سألني: هل كبرت الآن؟ قلت: لا، قال: ولكن هذه التمرة تقسمت في جسدك فصارت لحمًا وعظمًا وعصبًا وجلدًا وشعرًا وظفرًا وخلايا!
أدركت أن كتابًا أقرؤه يتقسم، فيعزز لغتي، ويزيد معرفتي، ويهذب أخلاقي، ويُرَقِّي أسلوبي في الكتابة والحديث ولو لم أشعر.
الكتاب صنع عاداتي اللغوية، دربني على تجاوز ضمائر التعاظم، فهمت؟ أنت معي؟ واضح لك؟ وتجاوز خشونة الألفاظ وحدتها وما يوحي بازدراء الغير، أو مجاراة الجاهلية في عنصريتها أو ازدرائها للأنثى (أعزك الله!).
الكتاب حفزني لأحاول لغة محتشمة تكسو الألفاظ العارية بما يزينها، وتعرّض عما تستحي من ذكره، وتتأسى بالكتاب الأعظم (أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ) (النساء:43).
لوثة الروايات الضاربة على وتر الإثارة الجنسية (الخبز الحافي - محمد شكري - وبعض روايات محفوظ والحكيم) كانت معاناة يألفها مراهق لم يعرف من الإثارة سواها!
عودني على سهولة التعبير وتجنب الضغط على الحروف أو التفاصح والتنطع في المخارج، كما كان يوصي به أئمة اللغة كأبي عمرو بن العلاء والأصمعي.
الكتاب يعتمد على سخاء القارئ الذي يبديه تجاه النص! قرأت كتابًا واستغلق عليّ فهمه، طلبت من صديق أن يشرحه لي فاكتشفنا معًا أن ترتيب صفحات الكتاب كان مغلوطا.
أحيانًا يكفي أن تمر على الكلمات مرور الكرام، وأحيانًا تحتاج أن تجري حفريات عميقة، وبعض النصوص يتحول إلى جزء من شخصيتك، روح القارئ الإيجابية هي التي تستنطق النص وتضفي عليه الحياة وتجعله ناطقًا وجميلا.
القراءة في الطائرة، أو كرسي الانتظار، أو سرير النقاهة، استثمار في الزمن والحال.
الإنسان ينجذب عادة إلى الكتب التي تمثل شخصيته.
حين تشاهد شخصًا يقرأ كتابًا سبق لك أن قرأته أو أنت تقرؤه الآن، تشعر بوشيجة بينك وبينه.
مكتبة المنزل ليست ديكورًا لبرنامج تلفزيوني أو للمباهاة، هي جزء من أساسيات التربية.
أشعر باعتزاز أنني ولدت في بيت تعمر كواته المصاحف ورياض الصالحين وزاد المعاد وفقه السنة وقصص الأطفال.
كنت أقف على رأس أخي في انتظار أن يَخْلص من الكتاب فأستلمه..
أبناء سنّ معينة تعودوا على الكتاب الورقي يشمّونه ويلمسونه بأيديهم ويديرون فيه عيونهم ويحضنونه كحبيب لا يمل، آخرون وجدوا في الكتاب الإلكتروني سهولة المحمل والاقتناء والتعامل، نحن في الطريق إلى (الكتاب الذكي) الذي يتفاعل معك ويغير الألفاظ والأساليب التي تستغلق عليك!
حين أستغني عن كتاب لأي سبب كان فإن شيئًا ما يموت بداخلي.
الكتب المستعارة التي لم تعد لا تزال وشمًا حزينًا لا أنساه، خصوصًا حين يكون مجلدًا له عشرة إخوة فينخرم تسلسلهم!
وجد أحدهم في طرة كتاب: (من يسرق كتابًا أو يستعيره ويجحده عسى أن يتحول الكتاب في يده إلى أفعى رقطاء، وعسى أن يصاب بشلل ارتجافي قاهر، وعسى ألا تنقطع آلامه حتى يتحول إلى رمة متفسخة، وأن تعشش الديدان في أحشائه، وعندما يمثل يوم القيامة تلتهمه النار إلى الأبد!).
أي طبعات الكتاب أفضل؟
إنها الطبعة التي أمتلكها وعشت معها عشرين سنة وقلبت صفحاتها وشاهدت تجليدها كثيرًا وكتبت على حواشيها بعض الملاحظات!
هذا ما حدث لي بفضل ربي مع كتب السنة النبوية التسعة والحاكم وابن أبي شيبة وعبدالرزاق والبيهقي وأجزاء حديثية خلال تحضيري للماجستير، ومع كتب التفسير خلال إلقائي لدروس (إشراقات قرآنية).
حركات معروفة؛ سحب النظارة من مكانها، تنظيف بالمنديل أو بطرف الغترة، وضعها على الأنف أو خلف الأذن، إلقاء نظرة تجريبية على الصفحة، تحريك النظارة قليلا..
أن تكون القراءة (عادة) كوجبة طعام لا يمكنك العيش بدونها.

حقيقة الصراع مع الأخوان



حقيقة الصراع مع الأخوان

ناصر الدويلة
عضو مجلس الأمة الكويتي2008

العالم متحد شرقه وغربه امريكا و روسيا العلمانيه و الليبراليه و العرب و اسرائيل و دعاة حقوق الانسان و رعاة الطواغيت كلهم متفقون على الاخوان ..
ليس كل العالم فقط متفق على خطر الاخوان المسلمين على مستقبل الحضارة الانسانيه بل حتى ايران الاصوليه و تيار سلفي قوي والجاميه و داعش والقاعده ..

لم يشهد التاريخ تكالب الامم...المتضاده كما نشهده اليوم من وقوف ملة الكفر و بعض التيارات السلفيه والشيعيه الاصوليه صفا واحد ضد جماعه الاخوان ..

المراقب المنصف يحتار في فهم الحقيقه لماذا هذا الاجماع الدولي على خطر الاخوان رغم انهم متهمون بالتسامح و عدم التشدد في الدين هناك شيء نعم شي ..
ان مأساة الرئيس مرسي ومظلمته كشفت للناس جوانب مخفيه من حقيقة حركة الاخوان المسلمين هذه الجماعه التي تدعو الى اصلاح الفرد والاسرة والمجتمع ..

اعتقد ان اخطر ما في فكر الاخوان المسلمين هو في منهجهم التربوي الذي يهدف الى تأسيس مجتمع مسلم عبر الدعوة الى الله بالحكمه والموعظة الحسنه .. هذا المنهج خطير جدا لأنه سيؤسس بؤرة مجتمعيه تؤمن " الله غايتنا و الرسول قدوتنا و القرآن دستورنا و الموت في سبيل الله اسمى امانينا" ..

جماعة الاخوان المسلمين خطيرة جدا جدا على الانظمه القمعيه و على عباد الرموز و على اصحاب الاهواء والمصالح الدنيويه جماعه تريد الاصلاح الرباني ..

لا يحتاج الانسان الى كثير علم و طول مراقبه حتى يكتشف انها الجماعه الاخطر في نظر الشرق و الغرب لانها تؤمن بالجهاد و التربيه و مكافحة الفساد ..
الاخوان جماعه دعوية بدأت في المساجد و هدفها المجتمع و منهاجها الكتاب و السنه واعضائها هم جميع اطياف المجتمع لذلك هم الاخطر على العلمانيه ..

في جماعة الاخوان ظاهره غريبه ان المنشقين عنها لا يهاجمون منهاجها ابدا و انا منهم فرغم خصومتي السياسيه الشديده للاخوان الا انني اعترف بصدقهم ..

يقول بعض الناس ان ناصر الدويله من اشد المدافعين عن الاخوان واقول كنت ولازلت من اشد منتقدي سلوكهم السياسي في الكويت وهذا سر عظمة هؤلاء الرهط .. 
الرجل المنصف ذو العقل الراجح يعرف ان ما حصل في مصر انقلاب امريكي عربي يهودي روسي ايراني وان الله غالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون ..


مسلمو القرم (بأوكرانيا).. دائما ما يدفعون الثمن

مسلمو القرم (بأوكرانيا).. دائما ما يدفعون الثمن


موقع المسلم

ككل القضايا في هذا العصر التي يكون المسلمون أحد عناصرها تقدم رقابهم لتوضع على المذبح!

قواعد الاستراتيجيات تقضي بهذا؛ فالعنصر الأضعف في أي صراع هو المرشح دوماً لتكون كل التسويات على حسابه؛ فالأضعف يخسر عادة بينما أطراف الصراعات تتفاوت في معايير المكاسب والخسائر! وإذا كان المسلمون اليوم لا يملكون من أسباب القوة ولا يستندون إلى دولة كبرى تدافع عن حقوقهم مثلما هو الحال بالنسبة للآخرين فمن الطبيعي أن تقهرهم أي تسوية.

في أوكرانيا،
وفي اللحظات الأولى لإطاحة الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش واختفائه، ترددت الأنباء القائلة بأن الرجل قد فر إلى إقليم القرم، أحد أهم معاقل الروس في أوكرانيا، فالإقليم يمثل الروس أكبر كتله يليهم الأوكرانيون ثم المسلمون التتر الذين كانوا يمثلون أغلبيته قبل تهجيرهم قسراً منذ سبعة عقود، ثم بدأت الاضطرابات تحصل في الإقليم والأخبار تتوالى بأن الإقليم سيفصله الروس عن أوكرانيا تمهيداً لإلحاقه أو تبعيته للروس.

وما كان يتردد همساً علا حتى أصبح حقيقة؛ فالرئيس المعزول قال مؤخراً لوكالة "انترفاكس"الأوكرانية إنه "واثق بأن القرم وشرق أوكرانيا معه"، وقبل تصريحه كانت قوات مظلية روسية ـ على ما يبدو ـ مسلحة وترتدي ملابس مدنية قد سيطرت على مبنيي برلمان وحكومة القرم الذاتية الحكم في مدينة سيمفروبول (عاصمة الإقليم أو آق مسجد بحسب التسمية التترية لها) بعد أن طردت حراسهما، والذي تريد روسيا من البرلمان أن يعلن انفصاله عن أوكرانيا.. 
المسلمون هبوا لمنع البرلمان من عقد جلسته الاستثنائية وانتظم أكثر من عشرين ألفاً منهم أمام بوابته، لكن يبدو أن قوتهم الفاعلة أضعف من التصدي لهذه الهجمة الروسية، وما يفيدهم فقط هو أن النظام الجديد في أوكرانيا يرفض الانفصال ولا يريد للروس أن يستأثروا بشرق وجنوب البلاد.

مسلمو القرم بالجنوب، ومسلمو الدنباس بالشرق، يخشون الآن من أن تفضي الأحداث الجارية في أوكرانيا إلى وقوعهم تحت نير احتلال روسي خبروا مغباته على مر القرون؛ فعندما كانت الدولة العثمانية كان الإقليم الاستراتيجي الذي يشرف على بحري الأزوف والأسود ضمن أملاك الدولة العثمانية، ثم طالبت روسيا القيصرية في أعقاب حرق الأسطول العثماني قبل أكثر من قرنين بانفصال الإقليم، ثم لما ضعفت الدولة العثمانية أكثر ضمته روسيا إليها.

هذا السيناريو الذي تكرر في بلدان إسلامية كثيرة، منها دول وجمهوريات القوقاز على سبيل المثال تريد روسيا تكراره اليوم بضم الإقليم إليها وكذا شرق أوكرانيا الذي يضم التتر الدونباس المسلمين، والمسلمون البالغ عددهم نحو مليوني نسمة ونيف ينتابهم قلق عميق خشية تكرار الماضي حيث أرغم أربعة ملايين مسلم على الهجرة من ديارهم، وقبل سبعين عاماً كان أكثر من 300 ينقلون بطريقة ليست آدمية لخارج وطنهم ما أودى بحياتهم جميعاً.

للمسلمين أن يخشوا من مغبة انتقال الصراع إلى حالة عسكرية قد تفضي إلى إعادة تهجيرهم أو حتى قتلهم، ولا تعويل على فكرة "تحضر" أوروبا أو عدم سماحها بمثل هذه الجرائم؛ فما يعايشه المسلمون في سوريا مثلاً وحتى دول القوقاز يسمح للخيال بتذكر مآسي التاريخ.

لكن حتى لو لم تكن الأمور سوداوية هكذا؛ فالأمر يتعلق بتسوية لا تأخذ المسلمين باعتبارها، وبالتالي فربما ستصير الأوضاع إلى ما هو أسوأ من الحالي لو ظلت الهيمنة الروسية على مناطق المسلمين. أما إذا ظلت أوكرانيا موحدة وذات توجه أوروبي؛ فلربما تحسنت الأحوال وشعر المسلمون بحرية وانطلاق أكبر في ممارسة شعائر دينهم وإعادة كثير من إخوانهم المهجرين إلى ديارهم، وتحسن أحوالهم المعيشية..

وإذا كان علينا أن نتفاءل في وسط هذه الأجواء الغائمة؛ فإن مما يبعث على ذلك تصريح وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو الذي قال إنه يعتزم زيارة إقليم القرم ضمن زيارته القادمة لأوكرانيا إن "تركيا مع وحدة الأراضي الأوكرانية" فـ" القرم مهم بالنسبة لتركيا، إذ يقطن شبه الجزيرة أحد الشعوب التركية وهم التتار".

القرم مهمة لتركيا.. مهمة لكل مسلم أيضاً..

صورة اليوم




أعتذر عن هذه الصورة 





دا واحد من الارهابيين!!!!
اللهم انا نشكوا اليك قلة حيلتنا وضعف قوتنا وهواننا على قادة الانقلاب القتلة المجرمين

اللهم أرنا في القتلة عجائب قدرتك ... اللهم اجعلهم يتمنون الموت ولا يدركونه ... اللهم انتقم ... اللهم انتقم ... اللهم انتقم .

الخميس، 27 فبراير 2014

الهروب من هموم مصر إلى وجع صدّام حسين!



الهروب من هموم مصر إلى وجع صدّام حسين!

شريف عبدالغني

هل زهقتم مثلي مما يحدث في مصر؟!
صراحة «أنا فاض بيا ومليت» كما قالت الست أم كلثوم. نفسي أفصل ولو بمقال واحد عما يحدث في المحروسة، خصوصا أن المشهد واحد: شعب يهيم عشقا في «الدكر» ويفقد إنسانيته كل لحظة، وشعب يتعرض للقتل والاعتقال ووضع المواليد بـ «الكلابشات» لأنه لا يذوب حبا في نفس «الدكر»، وهي جريمة خيانة عظمى حاليا في مصر السعيدة بدكرها وطرطورها وإلهامها ويسراها وليلاها وسماها ولميسها.
سأكتب عن بلد أحبه..
العراق.. درة تاج العرب التي ضاعت بين «إيوان كسرى» و «القبعة الأميركية». 
أمس الأول الأربعاء 26 فبراير، يكون مر 23 عاما على خروج العراق من الكويت. 
كانت مأساة نفسية مروعة بدأت مع كارثة الاحتلال وضم الكويت لتكون المحافظة العراقية الـ19، وانتهت مع إذلال العرب بنحر «صدام» صبيحة عيد الأضحى ونزع عروبة العراق وإلقائه في المزرعة الإيرانية.
المأساة بدأت رسميا 2 أغسطس 1990. في هذا اليوم، بدأت حلما انتهى بكارثة. المقدمة كانت وردية حسب تفكيري الساذج وقتها بحكم فترة مراهقتي العُمرية والسياسية، لكن محطاته كانت كوابيس مفزعة، أبرزها رجل يتقدم بثبات إلى «المشنقة» ليترك أمة مشوّشة الحكم عليه، بعضها يصب اللعنات كلما ورد اسمه، وبعضها الآخر يضعه في مصاف الشهداء والصديقين.
صباح ذلك اليوم الصيفي البعيد وكان الخميس، كنت كالعادة أستمع إلى «بي بي سي». جاء صوت المذيع أكثر جدية: «القوات العراقية تدخل الكويت، وتولى السلطة لحكومة برئاسة عقيد في الجيش الكويتي».
وقتها لم أتمهل لسماع التفاصيل، أيقظت شقيقي من نومه: «العراق دخل الكويت، وأقام حكومة ثورية». هللنا سويا. ولم لا؟ كنا نحلم بزعيم يشبه عبدالناصر الذي لم نعش عصره، لكن انتشينا بخطاباته الحماسية.
شعرنا -كما رسم ناجي العلي- أن براويز قادة الأمة بقيت خالية من الصور بعد غياب ناصر. في تكويننا نريد من يملأ هذا الفراغ..
إذن إنه صدام الذي ألهب حماسنا ووصل بنا إلى ذرى الجبال حينما هدد قبل نحو 10 أيام من غزو الكويت بتدمير نصف إسرائيل بالأسلحة الكيماوية. رحنا نتذكر ما يحكيه عنه المصريون البسطاء الذين نشلهم من الفقر والبطالة، وكثير منهم زعم أنه التقاه شخصيا وسلم عليه وأنه حمله السلام أمانة للشعب المصري كله. 
إذن كنا مؤهلين لتقبل أي شيء من هذا الزعيم الذي يهدد إسرائيل ويتحدى أميركا ويدعم الغلابة. ليس مهما أن يغزو شعبا مسالما ولا دولة مستقلة أسهمت بأحد أعظم مشروعات الثقافة العربية «مجلة العربي».
طوال نفس اليوم «2 أغسطس» تسمرنا حول الراديو والتلفزيون.. القوات العراقية تسيطر في ساعات على كامل الأراضي الكويتية، الولايات المتحدة ترفض الغزو وتدرس الموقف، دول عربية تشجب وغيرها تطالب بالتعامل مع الأمر بحكمة. العراق يؤكد تسلم حكومة «العقيد علاء حسين» السلطة في قصر دسمان.
كل شيء على ما يرام، وصدام قادر على مواجهة الأعداء. هكذا قلنا لأنفسنا قبل أن نحضر عصر نفس اليوم في دار مناسبات العائلة عقد قران أحد الأقارب. الكل حتى العريس يتحدث بإعجاب عن صدام المغوار.
ودارت العجلة سريعا.. قمة عربية طارئة في القاهرة تطالب العراق بالانسحاب الفوري دون قيد أو شرط.
مبارك يحذر صدام من «الصورة القاتمة» المقبلة. 
مجلس الأمن يجتمع وقبل أن يصدر قرارا تبدأ الولايات المتحدة تحريك قواتها باتجاه الخليج.
صدام -كما ذكر محضر رسمي لحكومته بعد ذلك- تأكد أن هدف تلك القوات ليس إخراجه من الكويت وإنما تدمير العراق وأن الحرب واقعة لا محالة، ومن هنا تم الإعلان سريعا: «الكويت المحافظة العراقية الـ19»، ليدافع عنها الجندي العراقي باستماتة باعتبارها أرضه.
لفظنا الإعلام الحكومي الذي أعلنها حربا شرسة ضد العراق، لجأنا لكتابات الراحل عادل حسين في جريدة «الشعب» الذي أكد قدرة صدام على دحر الأعداء.
رسمت وقتها كاريكاتيرا يصور السكين الأميركي وهو يستعد لذبح العراق وسط فرحة من أشخاص يمثلون الأنظمة الرسمية العربية، وأرسلته لنفس الصحيفة فسرق رسامها الفكرة وأعادها بريشته موقعا اسمه عليها.
«الحرب تندلع في الخليج».. هكذا أعلن مذيع الـ «بي بي سي» ليلة 16-17 يناير 1991.. الطائرات تدك العراق.. 
ياسر عرفات بصوته مساء: «العراق امتص الضربة الأولى، وقادر على النصر بقيادة الفارس صدام».
عادل حسين يكتب في اليوم التالي «أيها العرب.. أيها المسلمون.. إخوانكم يبادون فهبوا إلى نجدتهم».
42 يوما وفكرنا الضحل لا يشكك في انتصار الأشاوس.. وفجأة راديو «مونت كارلو» ينقل صوت الزعيم نفسه وهو يطالب «القوات العراقية البطلة بالانسحاب من الكويت»، وسريعا يرسل مندوبه ليوقع «وثيقة الاستسلام» في خيمة «صفوان» على الحدود الكويتية.
على هذا الحال استمر الأمر حتى 2003، في كل مرة يبشرنا فيها صدام بقمة المجد، نجد أنفسنا في جُب الانكسار.
بعد سقوط تمثال «الزعيم القائد» في ميدان الفردوس كنت من أوائل الصحافيين المصريين والعرب الذين ذهبوا للعراق، هالني ما سمعت ورأيت عن المآسي الإنسانية في عهد صدام.
كل السقوط النفسي الذي سببه لي وللعرب، جعلني أصمم على كرهه. حاولت.. وفشلت!
تعاطفت مع صدام الطفل الصغير ابن السنوات العشر، الذي كان زوج أمه يضع قطعة من إسفلت الشوارع في نهاية عصا ليضربه على رأسه، فيهيم على وجهه في البرية، وفي طريق عودته للمنزل في قريته «العوجة» يقابله الصبية الأشقياء فيضربونه. لم يستطع التحمل.. ضرب في المنزل وخارجه.
عقد العزم وأحضر سيخا حديديا وانهال به على أحد الصبية في بطنه، ويقال إنه قتله. خافت عليه أمه فذهبت به إلى بغداد عند شقيقها خير الله طلفاح. رأى صدام ابن خاله ذا الستة أعوام يكتب، بينما هو لا يعرف، وأدرك خاله ماذا يريد الصبي، فأدخله سنة أولى ابتدائي وقد تخطى عامه العاشر، ورسم له خريطة العراق بعد أن ضم إليها حدود الكويت، ليضع هذا الخال اللبنة الأولى في عقلية ابن أخته، لكنه في الوقت نفسه رسم له طريق النهاية!
ودارت الأيام دورتها وأصبح صدام قائدا، وأتى بابن خاله الذي سبقه في التعليم «عدنان خير الله» ليكون وزير دفاعه.
اندهشت من إقدام صدام الشاب وهو يشارك في عمر التاسعة عشرة في محاولة اغتيال عبدالكريم قاسم، ثم يهرب إلى سوريا ليلتقي مؤسس «البعث» ميشيل عفلق، فيعجب هذا المفكر والمنظر الكبير بجرأة ذلك الشاب الصغير، وفي الوقت نفسه ينبهر الشاب بثقافة المفكر ويقرر أن يقرأ ليكون مثله.
تمنيت أن أرى صدام لأواسيه في الحدث الجلل الذي يهز أعتى الجبال.. مقتل ولديه عدي وقصي وحفيده مصطفى بعيدا عنه في الموصل.
احترمت اختياره المأساوي برفض العرض السخي من الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بترك السلطة والعيش معززا مكرما هو وعائلته في الإمارات. رفض لأنه قرر أن يبقى وجعنا الذي لن يطيب.
المفارقة أن قريبي الذي تزوج يوم غزو الكويت، لم ينجب حتى الآن، وكأنه تعبير عن «العقم» الذي أصاب الأمة منذ ذلك اليوم المشؤوم!!

شريف عبدالغني
shrief.abdelghany@gmail.com

مجاز "وحيد القرن" في مصر


مجاز "وحيد القرن" في مصر


دلفاين ميناوفب* – (النيويورك تايمز)
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
القاهرة- مرت الذكرى السنوية الثالثة لثورة العام 2011 في مصر في أواخر الشهر الماضي، بينما كنت قد انتهيت لتوي من إعادة قراءة "وحيد القرن"؛ المسرحية التي كتبها يوجين أيونيسكو في العام 1959. وبالنسبة لشخص يعيش في القاهرة في هذه الأيام، فإن التماثلات بين رموز المسرحية الفرنسية-الرومانية من أدبيات منتصف القرن العشرين، والتي تتحدث عن صعود الفاشية وتطابقها مع الستالينية في أوروبا، وبين نمو الهستيريا الجماهيرية -إن لم تكن الغرائبية- التي تحيط بارتقاء المشير عبد الفتاح السيسي إلى السلطة في مصر، تبعث هذه التماثلات على الصدمة.
في مصر، تعج نوافذ دور المقاهي بصور الرجل الذي أطاح بالرئيس الإسلامي المنتخب، محمد مرسي، والذي أصبح ينظر إليه فعليًّا على أنه الزعيم التالي لمصر. ويستطيع المرء أن يشتري من وسط القاهرة علب شوكولاته تحمل صورته. فيما تعرض المحطات التلفزيونية على مدار اليوم مقتطفات من خطاباته، ممزوجة بالأناشيد الوطنية. وفي حفل زفاف أقيم حديثًا في فندق فخم يطل على نهر النيل، بدأ الضيوف بالتهافت على ساحة الرقص بمجرد أن شغل "الدي جيه" أغنية" تسلم الأيادي"، وهي أغنية وطنية قديمة، والتي حولتها العديد من المجموعات المؤيدة للسيسي إلى قصيدة غنائية مهداة للرجل، حتى أنهم جعلوها نغمة الرنين على هواتفهم الخلوية. وقد وصف الصديق المصري الذي أخذني معه إلى الحفل هذا الهوس بالسيسي بأنه "وباء حقيقي"، فيروس يصيب حتى الشباب الذين كانوا ذات مرة ثوريين، والذين ملأوا جنبات ميدان التحرير قبل ثلاثة أعوام.
قبل أيام قليلة، وخارج قاعة المحكمة التي كان يحاكم فيها السيد مرسي، وضعت فتاتان حذاءين عسكريين على رأسيهما بافتخار، في إيماءة إذعان للمشير السيسي -تمامًا مثل الشخصيات في مسرحية ايونيسكو الذين نمت في جبهاتهم، الواحد تلو الآخر، أورام انتهت لتكون مثل قرون وحيد القرن.
في المرة الأولى التي قرأت فيها مسرحية “وحيد القرن”، كنت طالباً في المدرسة الثانوية في باريس. وقال لنا أستاذنا في حينه إن المسرحية تصف جذور ومخاطر الفاشية، وكيف يمكن لإيديولوجية ما، إذا ترافقت مع عقلية منصاعة، أن تعيد تشكيل أفكار الناس. وكانت المسرحية التي تشكل واحدة من كلاسيكيات مسرح العبث تشير بوضوح إلى صعود نزعة الحزب الحاكم الواحد في عموم أوروبا، وظواهر الخضوع والخوف والأمراض النفسية الجماعية التي تأتي معها.
يقول لو لوجيسيان، إحدى شخصيات المسرحية: “إن الخوف هو شيء غير عقلاني. لكنه يجب أن ينصاع للعقل”.
في الفصل الأول، يثير الظهور المفاجئ للعديد من حيوانات وحيد القرن في بلدة صغيرة في فرنسا قدراً من الخوف والشك أكثر مما يثير من الاندهاش. ومع دخول الفصل الثاني، يشرع الناس بالإصابة بالتلوث بفيروس الكركدن (وحيد القرن). هذه هي حالة بوتار، إحدى الشخصيات التي ينتهي بها المطاف بعد أن يناضل الوباء الذي يصفه بأنه وحشي إلى أن يتكون لديه قرن في جبهته. ومع دخول الفصل الثالث، تتحول كل الشخصيات -باستثناء شخصية واحدة، بيرينير- إلى وحوش.
اليوم، يذكرني الليبراليون واليساريون في مصر غالباً بيوتار. فبعد مقاومة محاولات الجيش استغلال الأوضاع طوال عامين ونصف العام، خضع العديد منهم لإرادة العسكر رغم معاناة الضغط والإذلال. ومثل بوتار، أصبحوا يبدون وأنهم فقدوا حسهم بالمقاومة.
في خط مواز للحملة الثقيلة ضد الإخوان المسلمين والثوريين، وصلت جماعة المشير السيسي إلى درجة من الجنون الجمعي. ففي منتصف كانون الثاني (يناير)، عندما دعي المصريون للتصويت على الدستور الجديد، تحولت مراكز الاقتراع إلى حشود مؤيدة للجيش، والتي ساد فيها الهرج والمرج وتوزيع الحلويات -في الوقت الذي أُبعد فيه المعارضون عن الحشود، واختبأوا في زاويتهم الصغيرة. وعلى محطات التلفزة، تحول مذيعو الأخبار إلى وكلاء لبث الحقيقة من وجهة النظر الرسمية: إن الجيش يقاتل الإرهاب، ويجب على المتشككين أن يحموا ظهورهم. المشير السيسي هو رجل الساعة.
في مواجهة هذا الاتجاه السائد، ومع تنازلهم عن حرية أفكارهم الشخصية، تبنى العديد من المصريين هذه الرواية على أنها أمر مسلّم به. ويلخص “دودا” وهو “وحيد قرن” آخر في المسرحية، هذه الحالة بشكل كامل، حين يقول إن رغبته أصبحت الانضمام إلى “العائلة العالمية”.
ببعض الطرق، تتردد الدعاية المنتشرة على نطاق واسع كنسخة سيئة لمسرح العبث. ففي الشهر الماضي، تم وضع دمية تظهر في إعلان تجاري لشركة فودافون رهن التحقيق، بعد أن اتهمها أحدهم بالتخطيط سراً لتمرير تعليمات إرهابية. حتى أن طبيب الأطفال جيد التعليم ومتعدد اللغات الذي يعالج ابنتي أصيب بالعدوى هو الآخر. بالنسبة له، فإن الجيش لا يفعل شيئا أكثر من حماية البلد من “مخطط أميركي” كبير يستهدف إضعاف المنطقة وتحطيم القوات العسكرية.
لعل مما ينطوي على مفارقة أن المتحولين الجدد إلى كركدانات في مصر هم نفس الأشخاص الذين دأبوا على اتهام مؤيدي الإخوان المسلمين بأنهم ليسوا أكثر من قطيع أغنام. وكما تقول شخصية في المسرحية: “عليك أن تذهب مع التيار”.
من الطبيعي أن تكون لمصر قصتها الفريدة من نوعها. إنها بلد تربى فيه الشعب على حب حقيقي للجيش، وعلى شوق وحنين للقومية الهادرة لجمال عبدالناصر. لكن فيها بالتأكيد أنماط متأصلة في الدول الفاشية: الخضوع الأعمى للسلطة، واضطهاد الذين يفكرون بشكل مختلف، والميل إلى الاتحاد ضد عدو مشترك -في هذه الحالة، الإخوان المسلمين.
بالنسبة للعديدين، يشكل امتلاك قرن الكركدن الغريب راحة أكثر من المجازفة بخسارة كل شيء باسم الحرية.
يوم 25 كانون الثاني (يناير)، في ذكرى الثورة، تتبعت المئات القليلة من الثوريين السابقين الذين تجمعوا أمام نقابة الصحفيين في مواجهة زخات الغاز المسيل للدموع. وعلى بعد قواطع قليلة، تجمع عشرات الآلاف من الكركدنات في ميدان التحرير بالغ الرمزية -حيث كان الناشطون قد واجهوا قوات الرئيس حسني مبارك قبل ثلاثة أعوام- مبتهجين ببطلهم الجديد، المشير السيسي.
وسط الحشد، ميزت الصحفي والناشط خالد داود، وهو الذي كان ذات مرة معارضاً للإخوان المسلمين وأصبح راهناً منتقداً بارزاً للجيش. لكنه أصبح يعتبر بالنسبة للعديد من المصريين غريباً. واستفسرت منه عما إذا كان لديه أمل في تعافي بلده، فأجاب “نعم” من دون تردد. وقال “طالما بقيت أشاهد هؤلاء الشباب في الشوارع، فإن الثورة لم تنته بعد”.
معتصماً بحبه لشخصية أخرى في المسرحية، بالإضافة إلى إيمانه العميق بالتفكير النقدي، يتمكن بيرنغر أيضاً من مقاومة التدافع الجماعي.
يقول بيرينغر قبل إسدال ستارة الختام: “أنا آخر إنسان تبقى، وسأبقى كذلك حتى النهاية! إنني لا أذعن ولا أستسلم”.
*مراسل الشرق الأوسط في صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية.

"توحيد الكنائــس"، معناها وخباياها




"توحيد الكنائــس"،
معناها وخباياها


الدكتورة زينب عبدالعزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية

لأول مرة فى مصر، أقيمت فى النصف الأول من شهر فبراير 2014 ، من 7 إلى 14، صلاة جماعية فى الكنائس المختلفة لمدة أسبوع، من أجل توحيد كافة الكنائس المنشقة عقائديا منذ قرون، ودمجها فى كيان واحد. 

وقد مر الحدث وغطته وسائل الإعلام بأنواعها، مجردا فى حد ذاته، دون أن يتسائل أحدا عن سبب هذا الإحتفال ولا عن معناه، بل ولا حتى عن مغزاه فيما يتعلق بمصر أو إنعكاسه عليها بما أن الجهة التى أقامته هنا هى الكنائس المصرية.

أقيم هذا الأسبوع تحت رعاية "مجلس كنائس الشرق الأوسط"، التابع بدوره "لمجلس الكنائس العالمى". 
كما أعلنت المواقع الفرنسية الكنسية أنه ستقام أيضا يوم 7 مارس 2014 صلاة للمسيحيات فى مصر والعالم خاصة فى فرنسا، من أجل توحيد الكنائس، بمبادرة من الكنائس الفرنسية مع توضيح أنها "مع ومن أجل المرأة المسيحية فى مصر"، تحت عنوان له مغزاه : "ستتدفق المياة فى الصحارى"..

ولمن لا يعرف الموضوع، فإن فكرة "توحيد الكنائس" بدأت بإنشاء المجلس العالمى لتوحيد الكنائس سنة 1948، فى أمستردام، وإن كانت إدارته توجد فى جنيف بسويسرا. وسنة 2010 أصبح يضم عضوية 349 كنيسة من الكنائس المنشقة أو المختلفة عقائديا. إلا أن مجمع الفاتيكان الثانى (1962ـ1965) هو الذى تبنى فكرة التطبيق الفعلى وحددها كبرنامج عمل وقرار لا رجعة فيه، ليتم تحت لواء كاثوليكية روما.

وهذا المجمع قرر من ضمن ما قرر
: "تبرأة اليهود من دم المسيح"، بعد أن ظلت الكنيسة تلعنهم على مدى الفى عام تقريبا. وهو ما يوضح أن التلاعب بالعقائد فى المؤسسة الكنسية شئ مألوف، من أجل السياسة والمصالح، وما من أحد يمكنه المناقشة أو الإعتراض.
كما قرر ذلك المجمع الفاتيكانى الثانى "تنصير العالم"؛ وقرر إنشاء "المجلس البابوى من أجل توحيد الكنائس"؛ و"المجلس البابوى من أجل الحوار بين الأديان". وهو ما يوضح أن هذا القرار مثله مثل كل قرارات ذلك المجمع هى قرارات لا رجعة فيها ولا نقاش. ولم أذكر هنا إلا القرارات المتعلقة بموضوع هذا المقال.
ومن البديهى أن قرار "تنصير العالم" يعنى ضمنا قرار "إقتلاع الإسلام".. 
ويكفى إلقاء نظرة على ما يتجرعه المسلمون فى العديد من البلدان وخاصة فى بورما أو فى إفريقيا الوسطى ذات الأغلبية المسيحية ومحاولات إقتلاع الإسلام والمسلمين لندرك حقيقة ما يدور وسط صمت العالم الغربى والفاتيكان المحركان لهذا الإقتلاع ..

وتأكيدا لعملية "تنصير العالم" التى بدأ الإعلان عنها على استحياء عند إنتهاء المجمع الفاتيكانى سنة 1965، أعاد البابا يوحنا بولس الثانى إعلانها رسميا، من مدينة شانت يقب فى إسبانيا سنة 1982، ثم أورد معناها صراحة فى كتاب "الجغرافيا السياسية للفاتيكان"، موضحا : "أنه لا بد من توحيد كافة الكنائس للتصدى لموجة المد الإسلامى".
وهو ما يوضح الهدف الأساس من عملية توحيد هذه الكنائس وخاصة إنعكاسها على مصر المسلمة..
وإذا ما رجعنا إلى قرارات أخرى لنفس مجمع الفاتيكان الثانى لرأينا أنه قرر "فرض المساهمة فى عملية التنصير على كافة المسيحيين فى العالم، الكنسيين منهم والمدنيين" وهى أول مرة فى التاريخ يصدر فيها الفاتيكان قرارا متعلقا بالمدنيين ؛ كما قرر "فرض المساهمة فى عملية تنصير العالم على كافة الكنائس المحلية فى العالم".
وهو ما عبّرت عنه آنذاك قائلة أكثر من مرة : "أن الفاتيكان بهذا القرار يضع الكنيسة وأتباعها فى مصر فى موقف "الخيانة" بالنسبة لمصر المسلمة وللمسلمين جميعا". الأمر الذى يكشف أهمية وضرورة أن يدرك ويعى الجميع، مسلمين ومسيحيين، حقيقة ما يدور فى العلن وفى الخفاء.

وترجع أولى محاولات الكنيسة المصرية للإندماج فى عملية "توحيد الكنائس" والخروج عن تعاليم عقائدها إلى البابا شنودة الثالث، عندما سافر إلى الفاتيكان سنة 1973، بعد عام من إنتخابه رئيسا للبطرياركية المصرية، وكان أول مسئول فى الكنيسة المصرية يسافر فى زيارة رسمية منذ سنة451 ، أيام مجمع خلقيدونيا الذى أقر أن المسيح، "النبى المقتدر" كما تقول الأناجيل، الذى تم تأليهه فى مجمع نيقيه الأول سنة 325 ، هو : "إله ذو طبيعتان"، وهو ما يخالف عقيدة الكنيسة القبطية التى تؤمن بأن له طبيعة واحدة، إضافة إلى أكثر من خمسة عشر خلافات اخرى ، وتمت القطيعة بين الكنيستين.

وعندما التقى البابا شنودة الثالث بالبابا بولس السادس أصدرا بيانا مشتركا يوم 10 مايو 1973، أعربا فيه على إستمرار "الخلاف اللاهوتى" بينهما وأكدا على الإيمان المشترك بين المؤسستين بمعنى إيمانهما بأن المسيح إلهاً، واتفقا على وقف التراشق بينهما أو إستقطاب الأتباع والعمل على توحيد الكنائس، كما أن شنودة الثالث قد اعترض على تحديد الفاتيكان بأن "كنيسة المسيح الوحيدة هى الكنيسة الكاثوليكية"، رغم التعديل الذى ادخله الفاتيكان بدلا من عبارة "هى"، وكتب بدلا عنها عبارة (Subsistit in)، وتعنى "قائمة" وهى رغم التغيير أشد فى المعنى من حيث أنها تعنى "قائمة دائمة". وبهذه الإتفاقية وضعا حدا لخمسة عشر قرنا من المعارك اللاهوتية بين الكنيستين إعتمادا على التحايل والتغاضى...

ويقول البيان فى إحدى فقراته : "بالفعل، منذ 451 م إنبثقت بيننا خلافات لاهوتية استمرت وتفاقمت بسبب عوامل غير لاهوتية. وهى خلافات لا يمكن تجاهلها. ورغمها، مع ذلك، نعيد اكتشاف أنفسنا ككنائس لها ميراث مشترك ونجاهد بإصرار وثقة فى الرب أن نصل إلى كمال وإكتمال هذه الوحدة التى هى هبة منه". 
أى أن البابا شنودة يقر بوجود خلافات لكنه يتنازل ويوافق ويجاهد لتحقيق وحدة الكنائس !

وأنهيا البيان المشترك بعبارة لها مغزاها فى قضية أخرى : "وبينما ننعم بأن الرب قد وهبنا نِعَم هذا اللقاء فإن أفكارنا تتجه إلى آلاف الفلسطينيين الذين يعانون ولا مأوى لهم. ونندد بأى استخدام تعسفى لإستخدام أدلة دينية من أجل غايات سياسية فى هذا المجال. فنحن نرغب بشدة ونبحث عن حل لأزمة الشرق الأوسط".. وهو ما معناه أن الكنيسة بعامة، سواء الفاتيكان أو فى مصر، تعلم أن اليهود لا حق دينى أو شرعى فى أرض فلسطين لكن للأغراض السياسية أحكام !..

وهناك اتفاقيات أخرى تمت آنذاك فبعد عودة شنودة الثالث إلى القاهرة تم إنشاء لجنة مشتركة من القبط والكاثوليك لمواصلة الحوار بينهما ودراسة مجالات التراث الكنسى والآباء والعبادات واللاهوت والتاريخ والمشاكل العملية وكل الخلافات بين الكنيستين بحيث يمكنهما "التعريف بالإنجيل بصورة تتفق ورسالة الرب الحقيقية وإحتياجات وتطلعات عالم اليوم".. وهو ما يشير بوضوح إلى قضية تنصير العالم. وتوالت الزيارات المتبادلة بين مسئولى الكنيستين.
وفى عام 1974، أيام الأسبوع الدولى السنوى للصلاة من أجل اتحاد الكنائس، أعلن البابا شنودة الثالث قائلا : "العالم المسيحى بأسره شغوف ليرى وحدة الكنائس. أن المسيحيين يدفعون رؤساء كنائسهم للعمل على وحدة الكنائس وأننى لعلى يقين من أن الروح القدس يدفعنا لتحقيق ذلك".

وعبارة "أن المسيحيين يدفعون رؤساء كنائسهم" هى عبارة تقليدية يتذرع بها كل بابا من البابوات بأنه يقوم بتحقيق طلب الطرف الآخر أو الأتباع التى تستجديه لتنفيذ مطلب معيّن، أى أن المبادرة ليست ناجمة عنه وإنما من الأتباع. 
وهنا، فيما يتعلق بموضوع توحيد الكنائس تلبية لمطلب الفاتيكان للتصدى للمد الإسلامى، لا أعتقد أن المسيحيين فى مصر، بكل فرقهم، يستجدون أو يطلبون من رئاستهم أن تخرجهم عن عقيدتهم إرضاءا لبابا روما أو أن يقوموا بحرب أهلية لتنصير المسلمين !!

ونفس الصياغة نراها تتكرر عند زيارة البابا تواضرس الثانى للبابا فرنسيس فى الفاتيكان ، إذ قالت وكالة أنباء "فيديس" التابعة للفاتيكان يوم 4/5/2013 ، أن تواضرس الثانى هو الذى أعرب عن رغبته للذهاب إلى روما، وذلك عند إستقباله مندوب الفاتيكان فى مصر بكاتدرائية سان مارك. وقد تناولتُ هذه الزيارة آنذاك بمقال بعنوان : خلفيات تواضرس الثانى والفاتيكان .
وعند إنتخاب البابا تواضرس الثانى يوم 4 نوفمبر 2013 أرسل إليه البابا بنديكت 16 رسالة تهنئة ودعاه للحوار وإلى وحدة كافة المسيحيين فى كنيسة واحدة.وقد تناولت هذه الزيارة بإنعكاساتها آنذاك فى مقال آخر بعنوان : زيارة تواضرس الثانى للفاتيكان ..

وإذا ما أخذنا فى الإعتبار موقف الكنيسة القبطية فى مصر، وكل ما انجرفت إليه من أحداث ومواقف غير أمينة ، إعتمادا على التواطؤ مع الغرب ومع الفاتيكان، والوقوع فى شراك مخططاتهما المدمرة لكيان البلدان المسلمة وشعوبها، وليس هذا الموقف بجديد أو مرتبط بالبابا تواضرس الثانى منذ توليه منصب البابوية وحده، وإنما هو تاريخ ممتد تورط فيه البابا الراحل شنودة الثالث، وما أكثر الأحداث التى تكشف عن إن النوايا غير مطمئنة وغير أمينة، ولا أذكر منها هنا إلا الإصرار المتعصب الذى لا مبرر له على تنصير شكل الدولة المسلمة ببناء المزيد من الكنائس، علما بأن السيد المسيح قد طالب بأن تكون الصلاة فى الغرفة بالبيت وغلق بابها، أى عدم الإستعراض والتباهى بالصلاة ؛ والإستيلاء على أراضى الدولة لبناء الأديرة، وآخرها الإستيلاء على محمية وادى الريان فى محافظة الفيوم. وهى الواقعة التى نشرتها جميع الصحف حتى جريدة الأهرام، الشديدة الحرص فيما تنشره، موضحة أن الجيش مُنع من إختراق الأسوار الخرسانية !.. 
وقد تناولت بعض هذه المواقف فى مقالين آنذاك أحدهما بعنوان : خطاب مفتوح إلى البابا شنودة الثالث ، 
والمقال الآخر بعنوان : 

لا أكتب إستفزازا لأحد ولا لإثارة البلبلة، وإنما هى محاولة جادة بكل ما تحمله من آلام ومعاناه لنتدارك الموقف، فالإطار العام لكل ما دار ويدور ، فى العلن وفى الخفاء، يحتم علينا جميعا إعادة النظر فى مختلف المواقف المتعددة التى ستؤدى بحالها الراهن إلى الإنفجار حتما، والرصاص أو القنابل حين تتساقط لا تفرق بين مسلم ومسيحي.

ليت إخواننا المسيحيين يقرأون النصوص والوثائق، بموضوعية وأمانة، والتعاون بصدق على حل مشاكل مصر بدلا من الإنصياع لبعض القيادات أو القساوسة المنفلتة والتى لا يعنيها إلا تأجيج الفتنة فى مصر بين المسلمين والمسيحيين، وأذكر ، على سبيل المثال لا الحصر، كتاب الأنبا يوحنا قولته الذى تناولته فى مقال بعنوان نفس الكتاب وهو : 
المسيحية والألف الثالثة ..

25 فبراير 2014

* رابط إتفاقية البابا شنودة والبابا بولس السادس يوم 10 مايو 1973:
http://www.vatican.va/roman_curia/pontifical_councils/chrstuni/anc-orient-ch-docs/rc_pc_christuni_doc_19730510_copti_fr.html

25 فبراير 2014

قرية اللفيتات بسيناء.. لم يبق سوى الشاة والطير


قرية اللفيتات بسيناء.. لم يبق سوى الشاة والطير



منى الزملوط-سيناء
تدخل قرية اللفيتات جنوب مدينة الشيخ زويد في شبه جزيرة سيناء، لا تجد من تتحدث إليه، تصادفك شاة تهرول هائمة بعدما تركها أصحابها, أو طير يترقب حال القرية بعد خلوها من البشر والحياة, فالمنازل مدمرة، وبقايا أثاثها أو متعلقات أصحابها محروقة.
هذه القرية التي شهدت لأيام متتالية قصفا عنيفا وحملات أمنية شنها الجيش المصري, فر سكانها وهجروا منازلهم وأرزاقهم ولجؤوا إلى أماكن أكثر أمنا، علها تحميهم من قصف جيش بلادهم، كما يقولون.
وبعد ساعات من البحث لسؤال أحد سكان القرية عما حصل فيها، التقت الجزيرة نت عجوزا تدعى أم سليمان (نحو مائة عام)، تؤكد أنها لا تستطيع الهجرة أو الخروج من القرية، ولا تملك بديلا آخر, وتشير إلى حيواناتها من الماعز والدجاج، وتقول باكية "كيف أذهب وأترك ما أملكه؟".
أما أين ذهب أهل القرية؟ تجيب العجوز بأنهم فروا خوفا على حياتهم وحياة عائلاتهم، أما "أنا فقد فقدت صحتي ونظري ولا فرق بين الموت من القصف أو في مكان آخر.. لن أرتاح بعد ما رأيته من تدمير وتخريب إلا في القبر".
القوات الدولية
فقط ثلاث عائلات بقت في القرية لأنها تعيش قرب المراكز الدولية لقوات حفظ السلام التي فرضتها معاهدة كامب ديفد. ومع تجريف أشجار الزيتون وتدمير المنازل، أصبح العقاب جماعيا دون التأكد إن كان المعاقَبُ "إرهابيا أم مواطنا صالحا".
وفي أطراف هذه القرية تتمركز إحدى نقاط هذه القوات, حيث لم تسلم من القصف والتدمير سوى المنازل القريبة منها، ويعزو السكان هذا إلى خشية الجيش من سقوط صاروخ أو إصابة الجنود الدوليين إذا قصفوا هذه المباني.
ورغم ذلك فهم لا يأمنون غدر توقيت القصف كما ذكروا للجزيرة نت، ويقول شاهد عيان من سكان هذه البيوت القريبة من النقطة الدولية إنهم رغم القصف الليلي وخطورة التنقل، يحملون أمتعتهم وأطفالهم ليلا للنوم في حماية النقطة الدولية ويعودون في الصباح إلى منازلهم.
حال مزرية
أحد سكان قرية اللفيتات ويدعى سالم، يلفت إلى أن قربهم من مركز القوات الدولية أبعد عنهم شبح النزوح، وحَمَى منازلهم من الدمار كما حصل لمنازل القرية الباقية.
بعض الأهالي يدفنون ملابسهم في حفرة
خشية احتراقها أثناء قصف المنزل
(الجزيرة نت)
وفوق ركام منزلها، كانت زينب تنتحب وتودعه بالبكاء، كأنها تلقي عليه النظرة الأخيرة، وتحمل ما تستطيع نقله خارج القرية في سيارة صغيرة.. خبأت ملابسها في حفرة كبيرة بجوار البيت حتى لا تحرق مع المنزل إذا ما عاود الطيران قصف المنزل.
محمد السيناوي، أحد سكان القرية والنازح إلى مدينة العريش مع والدته، يسأل عن مستقبله بعد مقتل أخويه ووالده في غارة للجيش المصري استهدفت منزلهم، ويضيف "أصبحت مشردا أعيش مع أصدقائي, ووالدتي غادرت إلى منزل ذويها، ولم نعد نملك شيئا بعدما تركنا قريتنا ومنزلنا الذي دمر بشكل كامل".
وبالتعبير عن اليأس من الأحداث والخشية من عودة قوات الأمن إلى سيناء، لأن "الكلفة الباهظة تدفعها المنطقة من حياة أبنائها"، يختم محمد حديثه.

المصدر:الجزيرة

تونس والتجربة المصرية.. زاوية فكرية

تونس والتجربة المصرية.. زاوية فكرية
 

في ظل الأوضاع التي تعيشها المنطقة لما بعد الربيع العربي وحركة الحصار الشرسة التي تعرضت لها دوله, وأجواء المقاومة في داخل المُسقط منها أو الصامدة لبناء حياة دستورية تضمن الاستقرار الوطني والحريات المدنية مع حق تمسكها بالهوية العربية الإسلامية، تأكد دور البعد الخارجي الشرس المهاجم لحركة الربيع.
هذا البعد تحالف بقوة مع عناصر الفساد والدكتاتورية في عقود الخريف ذات الجذور العميقة، سواء في أنظمة الحكم العربية أو في ثقافة المجتمع وقدرات وعيه أمام برنامج إعلامي عنيف في رفض الرأي المعارض وموجّه ماليا لأهداف سياسية.

هذه المقدمة صدّرناها لتأكيد الوعي بعناصر التأثير على حركات التحرر العربي -خاصة الإسلامية- من خارجها، في مواجهة هذه التجارب ومبادرات التجديد السياسي للحياة العربية.

لكن المؤكد أن هذا البعد ليس الوحيد في استعراض التجربة السياسية، وأن البعد الذاتي داخل هذه الحركات وخزينة وعيها السياسي ومنظومة التفكير والعلاقات الاجتماعية بالحياة المدنية الشعبية والوطنية السياسية تحتاج قبل الربيع وبعده إلى مراجعات ضرورية في نقد ذاتها واستكمال وعي أساسيات التحول من الحزبية الدعوية إلى الحركة الوطنية.

تحمل التجربة التركية دروسا لم تعبر إليها الحركات العربية التي تحتاج إلى مصارحات عميقة، ومع تفهّم وضع القمع الذي تواجهه فإن ذلك لا يلغي ولا يخفف من ضرورات النقد للخطاب والتجربة السياسية
وهذا لا يعني بالمطلق تحميل الضحايا من هذه الحركات أو المجتمعات الإسلامية مسؤولية بطش الدكتاتوريات العائدة وخطط المَحاور الإقليمية والدولية، ولكنها مادة رئيسية للوعي ولتجنب الحركة الإسلامية مواجهات تصرم جذور التحرر الوطني للشعب وللسيادة التي أُنجزت في مدارات الربيع وغيره، أو في مساحة الاستقرار الاجتماعي الذي يسعى خصوم الربيع العربي إلى تفجيره اليوم وليس الوطن السياسي فحسب.

هذه القاعدة من التفكير ببعدها العميق والهادئ في حوار العقل هي حاجة ذاتية للحركات الإسلامية, لها عدة أبعاد في إعادة فهم مصادر الوعي الإسلامي ومساحة الاجتهاد أمام التجارب السياسية وفق الأصول الشرعية المنضبطة المنتمية إلى آفاق التجديد لثروة الفقه الإسلامي في المغرب والمشرق.

وأيضا العودة بها إلى تسلسل حركة الإحياء الإسلامي وأطروحات المجددين المنتقاة، والتي عُزلت مصادرها العديدة لوعي منهاج أهل السنة بعد التقوقع في أيقونة الخطاب الدعوي ضيّق الأُفق أو هيمنة السلفية الطائفية على الخطاب الشرعي وإقصائها مدارس سنية غنية وواسعة الرأي.

هذا من جانب، والجانب الآخر هو كيف تصنع الحركة مشروعا وطنيا سياسيا عبر آليات العمل السياسي والاندماج المجتمعي، وكيف تقرأ تجربة حزب العدالة وشخصية أردوغان في هذا التجديد، وهو الذي يحظى بثناء كثير من الحركات الإسلامية في بلدان الوطن العربي، لكنها لم تطبق أساسيات التغيير التي انتهجها أردوغان وشركاؤه وعلاقته بالبعدين اللذين ذكرتهما آنفا.

وهذا لا يعني ضرورة تطابق التجارب والبلدان، ولا القطع بأن مشروع حزب العدالة وشخصية أردوغان لن يواجها أزمات ولا معضلات، لكن تظل هذه التجربة تحمل دروسا لم تعبر إليها هذه الحركات العربية التي تحتاج إلى مصارحات عميقة مع تفهّم وضع القمع الذي تواجهه، وحركة القتل والمطاردة، والتسليم بحقيقة الموقف العالمي من أي نهوض للشرق الإسلامي ودوله، والعلمانية التكفيرية والطائفية المتحالفة معه, لكن كل ذلك لا يلغي ولا يخفف من ضرورات النقد للخطاب والتجربة السياسية السابقة.


هذه الزاوية هي أهم المعالم في قراءة الموقف الذي اتخذته حركة النهضة التونسية مقابل تجربة الإخوان المصرية، ومن أهم ما يلفت نظر الباحث نزعة الغيرة أو التذمر التي اشتعلت في أوساط بعض شخصيات أو جمهور وأنصار التجربة المؤلمة للإخوان من مسار النهضة الذي انتهى إلى وقف عملية الانقلاب ونجاتها من استنساخ التفجير الاجتماعي الذي نفذه المشير السيسي في مصر بالتحالف مع  القوى ذاتها.

إن هذه الروح التي تهمين عليها نزعة الغيرة أو خشية التفات الرأي العام أو النخبة المثقفة للمقارنة بين التجربتين -وبالتالي نقد الإخوان- لا يجوز أن تترعرع في روح أي مشروع وطني تقوده الحركات الإسلامية في الوطن العربي، وهي أخلاقية غير راشدة ونموذج نفس محتقنة لا يمكن أن تتلمس مواضع الخلل وتصححه.

وهذا لا يعني بالضرورة نجاح المشروع الوطني الاجتماعي للنهضة، فالتجربة أمامها صعبة وستعبر  منعطفات خطيرة، ولربما لوحظ أن خطاب الشيخ راشد الغنوشي يحتاج إلى توازن الوجدان وإنصاف الحالة الإسلامية وحقوقها بوضوح أكبر.

هذا مع تقرير أن مبادرتها كانت ضمن سياق توافق وطني قَبِل بقواعد اللعبة لإنقاذ تونس رغم حقها في صناعة المشروع الديمقراطي برؤية النهضة الإسلامية وأفقها الحضاري وخوض التجربة السياسية وترك الشعب يحكم فيها.

قطاع من
سلفيي مصر صعّدوا على مرسي وخضع لهم الإخوان في خطاب تطبيق الشريعة بالمفهوم والمصطلح الخاص بهم، ثم نفضوا اليد منهم وشاركوا العسكر في شرعنة إقصائهم
ومع أن خطاب الشيخ راشد يطرح هذه الزاوية، إلا أنه يضعف كثيرا في التمسك بها ويغيّب حق الوجدان الإسلامي المؤمن بالشراكة الإنسانية وفكرتها الديمقراطية الذاتية المنصفة للمجتمع، والتي اتضح سموها على العلمانية العربية، وهو ما يركز عليه أردوغان بأنه ابن مدرسة الأئمة والخطباء وأنه يعبر إلى تركيا الديمقراطية بهذه الروح لكل إنسان في تركيا، وإقصاء الشيخ راشد أو النهضة للوجدان الإسلامي سيكلفهما كثيرا، ولن يُرضي عنهما العلمانية التكفيرية.

لكن الحكم على هذا الأمر مبكر، ولا تزال تجربة تونس غضة ولم يخفض سلاح الانقلاب إلا من أسابيع محدودة، ولذلك فإن تقييم ومراجعة موقف النهضة يقومان على هذا المخرج الذي قادته، وهو منع انزلاق تونس في حرب اجتماعية مسلحة يقودها الجيش كما جرى في مصر وحفظ التوازن والاستقرار للحياة الاجتماعية للشعب الخطر جدا غيابها على كل تونس وليس إسلامييها فقط.

إن النظرة هنا تقوم على مراجعة واقعية لما تملكه الحركة بيديها وما تملكه وفقا لعملية سياسية هشة، نعم أتت بخيار ديمقراطي لكن دون أي حماية لهذا الخيار الديمقراطي، وبالتالي هي سحابة صيف قد تتحول إلى ريح عاتية فتسقط الربيع فوق حكومة النهضة وبرلمان تونس ليكون نسيا منسيا.

والثاني هو أن النهضة تدخل -لو بقيت في الحكم- تحت مسؤولية الرصد والنقد والتحري الشرس لا الموضوعي الذي سيحمّلها تبعات كل فشل ولن ينسب إليها أي فضيلة تصل إليها ولو كانت تحت أهداب عينها.


أما العنصر الثالث فهو تجنب النهضة التفاعلات العنيفة لحصارها سياسيا ومجتمعيا، وتحريك مشاعر الشعب المغبون من التردي الاقتصادي أو أزمات المعيشة في الوقت ذاته الذي يُمنع عنها أي تعاون وتفتح أمامها حركة الإضرابات ويحرّض عليها الخارج، لأجل إفشال تجربتها وليس لمصالح وطنية أو نقابية.

ولربما كان هناك بعض النقد تجاه موقف حركة النهضة من مواد ذات علاقة بحق الشعب التونسي في هويته الإسلامية ومرجعتيها الدستورية التي تعطي المواطنة كامل حقها وتُبقي حدود الشريعة الكبرى كحق دستوري كباقي الأمم، لكن هذا السياق ينظر له في مدار حماية حرية الشعب والعمل المدني بمن فيهم الإسلاميون الذين لهم الحق في المشاركة السياسية والبناء الدستوري والسياسي للمؤسسات بعد الفترة الانتقالية، وشرح مضامين الفكر الاسلامي للدولة والمجتمع الذي شُوّه في عقول شرائح بأنه حدود مقطوعة ومعزولة عن حق الشعب الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ومساحة حرياته الفردية، دون أن يعني ذلك تشريعا قانونيا للنيل من الإسلام ورموزه.

وهذه المعادلة الصعبة/السهلة تحتاج إلى عمل فكري وتوعية وشراكة سياسية في الدولة تضمن حماية حق المجتمع الانتخابي دون تعرضه لحصار يحصده ويحصد حقه الوطني، ويهدّئ تلك الحملات العنيفة التي تخلط الأوراق على كل مفهوم إسلامي وتستدعي نماذج مشوهة وتلصقها به، أو على الأقل تفويت الفرصة لاصطياده، في حين لم ولن تضمن مواد تفصيلية في تطبيق الشريعة بمفهوم فقهي لفظي حقا أساسيا هو حرية الشعب وكرامته وحكمه بالسيادة التي يرتضيها فينسف الدستور وصوت الشعب كما جرى في مصر.

عبرت النهضة من وضع صعب وأمامها مرحلة مهمة تحتاج وعيا وموازنات دقيقة لإقامة تونس الحرة الجديدة بخطاب الحقوق الوطنية للجميع ووجدان الضمير الإسلامي الرشيد
وهو ما يستدعي قضية موقف قطاع من سلفيي مصر صعّدوا على الإخوان والرئيس مرسي وخضع لهم الإخوان في خطاب تطبيق الشريعة بالمفهوم والمصطلح الخاص بهم، ثم نفضوا اليد منهم وشاركوا العسكر في شرعنة إقصائهم.

إن عودة أردوغان إلى إحياء المفاهيم والوجدان الإسلامي والتضامن مع الشرق جنبا إلى جنب مع الحق المدني والسياسي للمواطن يشرح هذا البعد، والقول إن القبول بدستور توافقي لا يقصي الشريعة ولا يتضمن نصوصا قد يكون من حق الشعب إقرارها، لكنّ هناك التباسا في فهم الناس لها، هو مجافاة للشريعة وظلم كبير.

ففقه العبور بالإرادة السياسية للأمة أو الشعب مدار فتوى لا ينظر لها بهذا الأفق المحدود، وقد يُرفع تطبيق الشريعة كشعار وتذبح شعائر الإسلام في الحقوق والسيادة تحت ردائه.

في كل ذلك، فإن النهضة عبرت من وضع صعب للغاية وحرج، وأمامها مرحلة مهمة تحتاج إلى هذا الوعي اليقظ والموازنات الدقيقة لإقامة تونس الحرة الجديدة، بخطاب الحقوق الوطنية للجميع ووجدان الضمير الإسلامي الرشيد.

المصدر:الجزيرة