الثلاثاء، 31 مايو 2022

محاضرة للشيخ عبدالعزيز الطريفي بعنوان: استعن بالله ولا تعجز

 استعن بالله ولا تعجز


محاضرة الشيخ عبد العزيز الطريفي 

 الاثنين 13-5-1434 هـ






الإسلام الأصولي (3)

 الإسلام الأصولي (3)

فاتن فاروق عبد المنعم

بعين إدوارد سعيد، المفكر الأمريكي، فلسطيني الأصل والذي يعيش في أمريكا منذ أن كان عمره خمسة عشرة سنة، ما يعني أنه لم ينشأ في حضن ثقافة إسلامية أثرت عليه على نحو ما، وهو أكثر موضوعية ومنطقية من برنارد لويس، هذا الأخير يكتب بعقل متآمر، بينما سعيد يكتب بعقل متحرر من البنود المدونة مسبقا ضد الإسلام والمسلمين، قد نختلف معه وهذا لا ضير فيه ولكن هذا لا ينفي موضوعيته التي عدمها مهندس خريطة الدم، خادم الصهيونية والماسونية.

يخلص سعيد إلى نتيجة هامة جدا ترسخت بصورة أو أخرى بفعل المستشرقين بالطبع، في نهاية القرن الثامن عشر إلى كون العالم ينقسم إلى قسمين، الغرب ويطلق عليه الأمريكيون عالمنا، والشرق وهو القسم الأكبر وينظر لسكانه بأنهم تخريبيون، ولأن الإسلام دين الأغلبية فإنه يتحمل النصيب الأكبر من كونه مرجعية التخريب الذي يزعمه المستشرقون الأفاقون بالدليل الماحق للأفك الذي يمارسونه دون خجل منذ الخطو الأول لهم في بلادنا وحتى اللحظة الراهنة باستثناء القلة القليلة جدا منهم التي تأبى عليهم عقولهم أن تغشي الشمس عيونهم ثم ينكرونها، تلك القسمة الضيزى هي التي جعلتهم ينظرون إلى الإسلام بنوع متميز جدا من العداء والخوف.

وقال سعيد نصا:

«ولا يغيب عن بال أحد أن الكثير من الدوافع الدينية والنفسية والسياسية تقف وراء هذا الموقف، لكن هذه الدوافع جميعا تنبثق من الشعور بأن الإسلام لا يمثل منافسا رهيبا فحسب، بل إنه يمثل تحديا متأخرا للمسيحية»

أما الغرب المسيحي

طبقا لتوصيفهم فقد رضع على أيدي قادتهم الدينين اعتقادا جازما بأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو نبي كذاب داعية تفرقة عميل للشيطان وتهيمن عليه الشهوانية والنفاق،

يدعم تلك الفكرة ويؤصلها الفتوحات الإسلامية التي قام بها المسلمون الأول والتي هددت أوروبا لمئات السنين،

تلك الفتوحات انطلقت من جيوش تحمل في صدور جندها عقيدة الجهاد يرافقها ويتوازى معها انطلاق حركة الكشوف والمخترعات العلمية

دون قيد أو شرط مما دفع الباباوات إلى أن ينسبوا الكثير من المخترعات العلمية لأطباء وعلماء مسلمين إلى غيرهم وقد سبق أن تعرضت هنا بإسهاب في هذا الشأن خاصة.

أما الصورة الذهنية

التي رسمها الباباوات والمستشرقين فإنها متأصلة في الثقافة الغربية ومن ثم الوعي الجمعي من خلال مختلف أنواع الكتابات لديهم (رواية وقصة وشعر ومقال) والدراما والسينما والخطاب الإعلامي،

جميعها تصب في بوتقة واحدة لا جديد فيها ولا ابتكار يذكر، فالمسلم هو مورد للنفط غوغائي إرهابي متعطش للدماء،

في المقابل

فإن نفس الشيء تفعله نخبة العار التي زرعها المستشرقون وأصبحوا جيلا يسلم الجيل الذي يليه في بلادنا دون الحاجة لأن يقيم المستشرقون بيننا كما كانوا في مهدهم، فقد تخطوا تلك المرحلة،

ولا غرو من تصدر المشهد للمرتدين والفساق والزنادقة من أدعياء المثقفين أو الذين أضلهم الله على علم،

أولئك الذين إذا تم تناول شخصية المسلم الملتزم بالإسلام فإن الصورة لا تختلف مطلقا عن كتاب الغرب (الذين أكلوا وشربوا على أدمغتهم)الذين يلصقون كل نقيصة ومذمة في المسلم فقط،

أما غير المسلم بين أقلام هؤلاء (والذين هم بأسماء إسلامية) فإنه ملاك يكال له المدح والثناء الذي قد لا يقال إلا في نبي،وتضيق الصفحات والشاشات عن وصف صفاته وأخلاقه ومناقبه،

إنه إعلام بلادنا إعلام الرايات الحمر الذي يفرد الساعات تلو الساعات لسب الإسلام فقط وتابعيه، فلماذا نستغرب ما يعرضه هذا الإعلام،

ولكن أذكركم بأننا السبب لأننا أفرطنا وفرطنا ورضينا بالهوان تلو الهوان فعاقبنا الله بتلك الشرذمة الضالة والتي مافتئت تتقيأ علينا صديد عقولها.

ثم يعزي سعيد

مصدر قلق الغرب من الإسلام كونه متاخما لأوروبا أكثر من عقائد الصين والهند

لدرجة أنهم عندما ارتفع سعر البترول في سبعينيات القرن المنصرم

فإن الخوف التقليدي من الإسلام تجدد لدى الأوروبيين مرة أخرى،

وذلك لأنه لم يخضع لأوروبا خضوعا مطلقا من قبل.

 ورغم التلويح الآني من قبل روسيا والصين بقوتهما الصاعدة وطريق الصين الحريري،

فإنه طلبا لتوازن القوى قد تحدث تحالفات جديدة من قبل الغرب المسيحي مع المسلمين لمواجهة التنين الصيني والدب الروسي.

في عام 1980 قام (ف. س. ينبول) بإعداد كتاب عن الإسلام وقال:

«إن المبادئ الأساسية في الإسلام تفتقر إلى المضمون الفكري، لذلك لابد أن ينهار»

ورغم غموض وضيق العبارة فإن سعيد الذي فسر هذا التصريح بأنه يفتقد الكثير من الشروح إلا إنه يقصد به الحركات المناوئة للإمبريالية

التي قامت في العالم الإسلامي في أعقاب الحرب العالمية الثانية والتي كان ينبول يكن لها نفورا عميقا.

هذا الكاتب له روايتين عن الفساد السياسي والفكري الذي حدث في آسيا وأفريقيا وأوعز هذا الإخفاق إلى الإسلام وحده،

والحقيقة أنني بحثت عن هذا الكاتب فلم أجد له أي مطبوعة باللغة العربية ورقية كانت أو إلكترونية ولكني أثق في مصداقية إدوارد سعيد.

ولنا هنا حق الرد لأن الفساد الذي عم بلادنا سببه البعد عن الإسلام الذي ينسب إليه هذا الكاتب كل نقيصة.

أما كونه يكتب روايتين

يخلص فيهما إلى هذه النتيجة لهي الإشارة إلى المترسب في الوعي الجمعي لدى الغرب بعامة، ولدى المثقف أو الكاتب الذي يكتب رواية،

فنان، والفنان يعبر بشكل تلقائي وعفوي من خلال ما ترسب في اللاوعي عنده،

ما يعني أن هذا الفكر أصبح من المسلمات لديهم ويورثونه لبعضهم البعض،

في المقابل عندنا كما ذكرت آنفا فإن النخبة المتصدرة للمشهد هي امتداد طبيعي لهم، صنعوهم على أعينهم،

بوقهم الناطق بما يريدون بيننا، بل هم أكثر كرها منهم للإسلام والمسلمين.

ثم أوجز سعيد في القول

بعدم موضوعية تحميل سلوك فرد أو جماعة على الدين نفسه لأنه سيؤدي بالضرورة إلى كوننا كمسلمين سنفعل الشيء نفسه مع الغرب المسيحي،

فيصبح سوء فرد أو جماعة هو من سوء الدين نفسه،

وهذه موضوعية إدوارد سعيد التي يفتقر إليه الكثير،

ثم ينتهي إلى مغزى موجز وهام جدا إلى كون العداء بين الغرب المسيحي والإسلام هو عداء الغرب وليس المسيحية للإسلام،

وهو بذلك يعني أن الغرب يستخدم المسيحية نفسها كقومية مقابل الإسلام وليست المسيحية كدين،

وبذلك فإنهم هم أنفسهم من قزموا دينهم، لأنهم يرون أنفسهم أكبر من الدين نفسه!!

يستمر سعيد

في إيضاح كيف أن الصورة العامة عن المسلمين في الوعي الجمعي الأمريكي هي مغلوطة عن قصد أو عمد فلا يهم،

ولكنه أوضح الفرق بين أمريكا وأوروبا في الاستشراق على وجه التحديد،

إذ أن التناول من قبل أوروبا بعامة كان قائم على منهج علمي حقيقي من قبل مستشرقين علماء ومفكرين حقيقيين خاصة الرعيل الأول الذين كانوا معنيين بجدية

وإن اكتنفت كتاباتهم لي عنق الحقيقة في غالب الأحوال وتأثير التعلم في أروقة الكنيسة على آرائهم

التي ساقوها في كتاباتهم ولكن أفلت من قبضة التآمر المسبق البعض منهم ممن أنصفوا الحضارة الإسلامية بل والبعض منهم أشادوا بالدين نفسه،

والتأثر بالأدب العربي لدى بعض كبار الأدباء لديهم أيضا أمثال جوتة وتوليستوي ولوركا وبيركون وفلوبير وماسينيون.

على النقيض من أمريكا

فالاستشراق لديهم لا يعرفونه إلا لما وأن الأساتذة الذين عملوا بالجامعات الأمريكية هم أوروبيون

والذين أعقبوهم يكتفون بما قام به الأولون فتصبح دراساتهم نقلا عن نقل من آخرين لا تسلم كتاباتهم من الهوى،

والأمريكيون لا يقبلون على مثل هذا النوع من الدراسات،

وتظل الصورة النمطية ممتدة ومتجذرة دون تماس حقيقي على الأرض،

يستثني من ذلك المستشرق الأمريكي مارشال هودجسون الذي كتب مغامرة الإسلام في ثلاث كتب،

لذا فإنه لا يثار الحديث عن الإسلام والمسلمين في الإعلام الأمريكي إلا من خلال الحديث عن النفط، والإرهاب، وقمع المرأة!!

والفساد السياسي والاقتصادي من قبل إعلاميين يتناولون الأمر بصورة مسطحة

مما يساهم في تأصيل هذا اللغط في مختلف الدوائر ليصبح الأمر أكثر تعقيدا.

وبقي السؤال،

الاستشراق في الغرب هو عمل مؤسسي ضخم، يرد على مزاعم القائمين عليه فرادى منا فلماذا لا يقابل العمل المؤسسي بعمل مؤسسي من جهتنا؟

خاصة وهم يعملون كخبراء ومستشارين في دوائر صنع القرار في بلادهم،

وهذه هي الصفة التي يعرفون بها بيننا ولكن من المؤكد أن ما يفعلونه ببلادنا لن يكون إلا لخدمة الأهداف

التي انطلق من أجلها الاستشراق بالأساس وهي الاستعمار والتنصير بصور شتى مقنعة.

وللحديث بقية إن شاء الله

الإسلام الأصولي «1»


الإسلام الأصولي (2)

سفر الحوالي.. سلطان العلماء

 سفر الحوالي.. سلطان العلماء


عبد الرحمن قارف

الحمد لله رب العالمين.. و بعد:
إنَّ الذي يُطالع مختلف حِقَب التاريخ الإسلامي سيخرج من مطالعته تلك بطائفة عظيمة من أسماء العلماء المسلمين الذي سطَّروا أسماءهم في سجل التاريخ بحروف من نور، و لكنَّ شعورا سينتابه بأن أولئك العلماء هم علماءٌ فوق العادة و لن يخلق الله أمثالهم إلى يوم القيامة، و أنَّهم قد حازوا علوم الأولين و الآخرين مما قد يصعب جدا على مَن يجيء بعدهم أن يحوزه.. 
و ذلك الشعور قد انتباني أنا الآخر، على أنني سرعان ما علمتُ أنه شعورٌ خاطئٌ بعد اطلاعي على أسماء بعض العلماء المعاصرين ممن لا يُقارنون إلا بعلماء الإسلام الكِبار في التاريخ.
نعم يا إخوة كما أقول لكم، و لستُ أبالغُ في مقالي.. إنَّ في هذا العصر الذي نشهده علماءً عظماءً لا يُستهان بهم إذا ما وُضعت أسماؤهم بجانب أسماء العلماء المشهورين في الماضي على غرار ابن القيم و ابن كثير و السُّبكي و السخاوي و السيوطي و غيرهم.
و من أكبر أولئك العلماء المعاصرين رجلٌ عُرِف بمواقفه الصلبة تجاه كثير من قضايا الأمة السياسية الكبرى في العقود الأخيرة، و اشتهرَ بشجاعته في قول الحق و الصدع به و لو كلَّفه ذلك السجن و التعذيب و التشويه الإعلامي، و ألَّف كُتُبا كثيرةً انتشر بعضُها بين الناس انتشار النار في الهشيم… هو رجلٌ لم يقبل بأن يُحصَر في زاوية الفتاوى الفقهية المتعلقة بالعبادات، أو مسائل العقيدة المرتبطة بعبادة القبور و الأضرحة، فهو أبى إلا أن يُبيِّن للناس الحقَّ كاملا دون أدنى تجزيء له و تبعيض، فلا فرق عنده بين الفتوى في الشؤون السياسة و الاجتماعية و الاقتصادية و الفتوى في العبادات و الفقهيات المشهورة، أو بين الفتوى في توحيد الربوبية و الألوهية و الأسماء و الصفات و الفتوى في توحيد الحاكمية و مركزية التشريع… 
هو رجلٌ قال عن نفسه بأنه “ليس عدوا إلا للباطل أينما كان، و صديقا للحق أينما كان” ثم أثبتت مواقفه و أفعالُه صدق قوله لذلك.
ذاك هو العلامة الحجازي الكبير سفر بن عبد الرحمان الحوالي الملقَّب بـ “سلطان العلماء”.. و أعظِم به من لقبٍ لا يستحقِّه سوى أمثاله.. نعم لقد بلغ هذا العالم النحرير منزلةً عظيمة من العلم و الصلاح، و لكنه لم يستحق ذلك اللقب إلا لأنه سار عكس اتجاه علماء السلطان، فكان للحكام المعاصرين ناصحا أمينا، و واجه بعضَهم بأخطائهم دونما خوفٍ و لا وجل، بل و تعدى ذلك إلى بعض حكام الدول الأوروبية و أمريكا حيث دوَّن إليهم رسائل نصحٍ و دعوة إلى دين الله تعالى، و لذلك فهو لم يجعل علمه محصورا في نفع العوام و البسطاء من الشعب.. 
و نحن هاهنا بصدد ذِكر أهم النقاط -بإيجاز- حول حياة و مسيرة العلامة سفر الذي بلغ إلى حين كتابة هذه السطور 66 سنةً من عُمُره:
1- أول ما نذكره عن الشيخ سفر الحوالي هو بلوغه مرتبةً عالية من التحصيل العلمي سواء داخل الإطار الأكاديمي الرسمي أو خارجه، فهو قد حصل أولا على شهادة الماجيستر عن رسالته الموسومة بـ(العلمانية نشأتها وتطورها وأثرها)، و حصل ثانيا على الدكتوراه عن رسالته (ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي)، و في المقابل فهو قد طلب مختلف العلوم الشرعية على يد العشرات من العلماء و المشايخ الكِبار في بلاد الحرمين و خارجها، على غِرار ابن باز و ابن عثيمين.
2- للشيخ سفر مؤلفات يزيد عددها عن العشرة، و لكن ثلاثةً من تلك المؤلفات نالت النصيب الأكبر من الشهرة و الانتشار؛ و هي كتابه (القدس بين الوعد الحق و الوعد المفترى) الذي تعرض فيه بشكل أساسي للقضية الأولى على مستوى الأمة و نسف الكثير من الشبهات و الأباطيل حولها، و كتاب (الانتفاضة والتتار الجدد) الذي بسط فيه الحديث عن الانتفاضة الفلسطينية المباركة و الدور المحوري الذي يلعبه الأمريكان المقصودين بوصف التتار الجدد عن الشيخ سفر، أما الكتاب الثالث فهو (المسلمون و الحضارة الغربية) الذي تم حظره من النشر في بلاد الحرمين بعد قليل مِن صدوره، و لكن قد تم نشره الكترونيا و وقع في أيادي عشرات الآلاف من المسلمين، و هو كتاب يزيد عن 3000 صفحة هي -حسب رأيي- عُصارة قراءات العلامة سفر الحوالي و مطالعاته و زُبدة معارفه عن الواقع المعاصر و حقيقة الحضارة الغربية و موقف المسلمين منها، و قد ألَّفه على امتداد سنوات طويلة حتى انتهى منه عام 2018.
3- ارتبط اسم الشيخ سفر بشيء اسمه (تيار الصحوة)، وهو التيار الذي قاده هو وطائفةٌ من العلماء و الدعاة المؤثِّرين كسلمان العودة و عوض القرني خلال سنوات التسعينات، و قد ضاقت أمريكا بهذا التيار ضرعا و كذلك حكام السعودية يومئذ، فسُجِن رموز الصحوة و ووجِهوا بالانتقاد، و لكن رغم أنَّ الشيخ سفر و من معه من قادة التيار الصحوي خفَّفوا من نبرتهم الخطابية تجاه العائلة المالكة السعودية إلا أنهم لم يُخففوها تجاه أمريكا و الحضارة الغربية ككل بما تحمله من تيارات فكرية و مذاهب سياسية لا تتفق مع الإسلام في شيء.
4- المستوى العلمي الذي بلغه الشيخ أهَّله لكي يكتشف كثيرا من الأخطاء التي وقعها فيها أئمة كِبار في مقدمتهم العلامة الحدث الألباني، و قد ساق جملةً مِنها في كتابه (المسلمون و الحضارة الغربية)، كما أنه فاق العالِمين الكبيرَيِن ابن باز و ابن عثيمين في إدراك خطورة الأمريكان و الهدف البعيد و الخفي وراء وجودهم في الشرق الأوسط، و أدرك بدقة ما يترتب عن استجلاب العائلة المالكة في بلاد الحرمين للقوات الأمريكية و أنَّ ذلك سيعقبه شرٌّ للمنطقة، و هذا ما نُشاهده اليوم واقعا حقيقيا.
و بعد… فهذه نقاطٌ أربعةٌ ذكرتها على عُجالة و بإيجاز عسى أن تتضح صورة سلطان العلماء سفر الحوالي لدى القارئ الكريم، فهو رجلٌ من أعظم علماء الإسلام في العصر الحديث حفظه الله و رعاه.

 
اونلاين





مقالات المؤرخ محمدإلهامي (1)

 مقالات المؤرخ محمدإلهامي

باحث في التاريخ والحضارة





الشذوذ الجنسي والبلاء الذي حل على البشرية!

 الشذوذ الجنسي والبلاء الذي حل على البشرية!

الدكتور عزت السيد أحمد


سأبدأ مما قبل النهاية وأقول بداية: لقد بلغ السيل الزبى، بلغت الأمور منتهاها, وصارت البشرية تحت سيطرة قوم لوط الجدد. وعقيدتهم وسلوكياتهم بكامل تفاصيلها وفي ذروة طغيانها وجبروتها، ووصولهم إلىٰ حد قولهم علناً كما قال قوم لوط: «أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ».
بمنتهى الوقاحة، بمنتهى السَّفاهة، بمنتهى القذارة يقولون: هٰذا شخص طاهر يجب طرده من العمل، يجب طرده من المدينة… 
قديما في هٰذا الزمان يلفقون لشخص أو مجموعة تهمة الخيانة أو الفساد أو السرقة أو الفاحشة ويطالبون بمحاكمته أو طرده… يلفقون تهمة شائنة لطرد الشخص أو المجموعة. الآن انقلبت الموازين انقلاباً لك يحدث إلا مع قوم لوط، يقولون جهاراً نهاراً وعلىٰ الملأ: هٰذا شخص محترم، طاهر، يجب طرده أو محاكمته أو قتله.

هٰذه حقيقة لا مبالغة نعيشها اليوم بتفاصيلها العلنية، وآخرها قبل أمس اللاعب السنغالي الذي يلعب في فريق باريس سان جيرمان، رفض المشاركة في مباراة تدعم اللواطة والمثلية الجنسية وتشجع عليها فقامت الدنيا عليه تريد محاكمته، وتم فتح تحقيق معه، ووضع شروط ومطالب، ولذٰلك ربَّمَا يطرد من النادي أو يتم إنهاء مسيرته إذا لم يعتذر للواطيين، للمثليين الجنسيين، ويعلن تأييده لهم.
لولا أنَّ القرآن الكريم هو الذي حدثنا علىٰ قوم لوط وأَنَّهُم فعلوا ذٰلك وقالوا ذٰلك لما صدقناً أَنَّهُ يمكن أن يوجد بشر بهذه الأخلاق والقيم والأفعال. دعك من الجانب الديني، أتكلم من الجانب المنطقي والفطري وحَتَّىٰ العلمي، من غير ا لممكن أن تصدق أَنَّهُ يوجد فعلاً أناس يفعلون ذٰلك ويقولون ذٰلك. لا أتحدث عن وجود الشُّذوذ فهو محتمل في كلِّ زمان ومكان، ولٰكن أتحدث عن المجاهرة به بهذه الطَّريقة، وعن الفجور الذي لا حدود له في إعلان محاربة شخص لأَنَّهُ طاهر وشريف… حَتَّىٰ في الخيال لا يمكن تخيل ذٰلك. وأكرر لولا أنَّ القرآن الكريم هو الذي أخبرنا ذٰلك لما صدَّقنا. 

بل ولولا أنَّ لدينا من القرآن خبر لما صدقنا ما تتداوله وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي عن محاكمة إدريس غاي لأَنَّهُ رفض المشاركة في مباراة تدعم الشواذ جنسيًّا.

والأخطر من ذٰلك في هٰذا الأمر أنَّ إدريس لم يصدر بياناً بذلك، ولم يعلن أن هٰذا هو السبب في رفضه اللعب في المباراة، وإنَّمَا سألوا المدرب فقال: ليس لديه عذر صحي… لم يشارك لأمر شخصي. فاستنتجوا لأَنَّهُ مسلم، واستنتاجهم صحيح، أَنَّهُ يرفض دعم المثليين جنسيًّا.


الأمر مع إدريس لم يعد أَنَّهُ طاهر بل تعدى سلوكهم معه سلوك قوم لوط ذاتهم، إِنَّهُ يريدون إجباره علىٰ المشاركة في دعم اللواطة والمثلية الجنسية. هنا تقف العبارات عاجزة عن الشكوى.
الخطير جدًّا في الأمر أن يصل الأمر إلىٰ أنَّ بابا الفاتيكان، الذي هو رسول الله في العقيدة النصرانية، يؤيد المثلية الجنسية ويباركها، فقد قال في الفيلم الوثائقي عن سيرته الذي عرض في مهرجان روما للأفلام يوم الأربعاء 21 تشرين الأول 2020م:«للمثليين حقٌّ في تكوين أسرة». 

وأضاف: «إِنَّهُم أبناء الرَّب ولهم حقَّ تكوين أسرة. لا ينبغي طرد أحد أو تحويله إلىٰ بائس بسبب ذٰلك». بل دعا أيضاً إلىٰ صياغة قانون شراكة مدنية يمنحهم الغطاء القانوني.

وهو فيما بدا من سيرته مناصر للمثلية الجنسية قبل الباباوية بزمن طويل، فقد قال إِنَّهُ دعم المثلية الجنسية في السابق، إشارة إلى الفترة التي ترأس فيها أساقفة بوينس آيرس، عندما دعم توفير نوع من الحماية القانونية للمثليين. وقد عرض الفيلم مقطعاً له وهو يشجع رجلين مثليين على زيارة الكنيسة.
هل هٰذه المباركة البابابوية مبرر لقيام سلطة ديكتاتورية لنشر الشذوذ والدفاع عنه وتشجيعه والوصول إلىٰ حد محاربة الطاهرين وملاحقتهم، بل ومحاربة الذي يرفضون دعم الشاذين؟!
المسألة فيما يبدو مسألة جماعات معينة تقود السياسة العالمية بهذا الشأن وليس بابا الفاتيكان إلا حلقة من هٰذه الدائرة، أو أداة من أدواتها.
ظهر في الآونة الأخير إعلامي إنجليزي في لقاء تلفزيوني منتشر ومشهور في اليوتيوب، تحدث عن أديب إنجليزي مشهور يحمل حقائبه ويريد الهجرة، فسأله صديق له:
ـ ما هٰذا؟ لماذا تحمل حقائبك؟
فقال هٰذا الأديب:
ـ قبل الحرب العالمية الأولى كانوا إذا أمسكوا لواطيًّا أعدموه.
وبعد عشرين سنة صاروا إذا أمسكوا لواطيًّا سجنوه وغرموه مئة ألف جنيه.
وبعد عشرين سنة صاروا إذا أمسكوا لواطيًّا غرموه خمسين ألف جنيه.
وبعد عشرين سنة صاروا إذا أمسكوا لوطيًّا حلقوا شعر رأسه فقط.
والآن اللواطيون يتظاهرون في الشوارع بحرية يطالبون بحق الشذوذ.
والآن أنا مهاجر
فقال صديقه مستغرباً:
ولماذا تهاجر؟ ما علاقتك بهم؟
فقال الأديب:
ـ من المؤكد أَنَّهُم بعد سنوات قليلة سيجعلون اللواطة إجباريَّة علىٰ الجميع.


لم يصلوا بعد إلىٰ هٰذا الحد ولٰكنَّهُم يقتربون منه كثيرا. وأصلاً فإنَّ ما يفعلونه من نشر ثقافة الشذوذ الجنسي والتشجيع عليها علىٰ نحو مباشر وغير مباشر ومحاكمة من يعترض علىٰ الشذوذ الجنسي أو يسيء لهم أو يحكي عليه كلمة سوء أو ينظر إليهم نظرة غريبة… لا يقل عن إجبار الناس علىٰ الشذوذ الجنسي.
بل حَتَّىٰ تكتمل الصورة يجب أن نتذكر محاربة الأسرة الشرعية وتشجيع الناس علىٰ عدم الزواج وعدم تكوين الأسرة، وهٰذه الحالة التي تعيشها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، تجد أنَّ المعادلة تتكامل مع بعضها.
ولتزداد الصورة اكتمالاً يجب أن نتذكر حربهم علىٰ اللباس الإسلامي متمثلاً بداية بالنقاب ثُمَّ الحجاب… وحَتَّىٰ ما يسمى البوركيني الذي هو أصلاً غير مقبول شرعاً للمرأة، فهو أيضاً ممنوع، يجب أن تتعرى المرأة كلها حَتَّىٰ يسمحوا لها بالسباحة.
سكتت الشعوب خطوة خطوة، أخذتها الدنيا وشهواتها، سروا بما يخطط لهم، وها قد وجدواً أنفسهم وجهاً لوجه أم فرض العهر، فرض الشذوذ، محاربتك بلقمتك عيشك إن لم تدعم الشذوذ الجنسي. فهل يا ترى ستنتف البشرية أم ستظل نشوانة سكرانة حَتَّىٰ تقوم عليها القيامة؟!

في تفكيك العولمة

 في تفكيك العولمة

علي أنوزلا



أعادت الحرب الروسية على أوكرانيا، وقبلها أزمة جائحة كورونا، النظر إلى مقولة تفكيك العولمة كنظرية بدأت تأخذ حيزا في التفكير السياسي والاستراتيجي لمفكرين اقتصاديين واستراتيجيين كثيرين، فقد أبانت هذه الحرب مدى حاجة الدول إلى تحقيق اكتفائها الذاتي، واعتمادها على مواردها الخاصة داخل حدودها، لتحقيق استقلالها وضمان حفظ أمنها واستقرارها. وقبل ذلك، كانت أزمة جائحة كورونا أكبر اختبار عالمي لجميع الدول لتحقيق اكتفائها الذاتي، عندما أغلقت جميع الدول حدودها فجأة، وبدون سابق إنذار، مددا غير محدّدة. وبلغت حدة التنافس اللا أخلاقي بين كبريات الدول، بما فيها تلك الديمقراطية، إلى حد قرصنة الطائرات التي كانت تقلّ كماماتٍ واقية من الوباء للاستئثار بها دون غيرها.

ظهر مفهوم تفكيك العولمة للجواب على تراجع العولمة وعدم تمكّنها من تحقيق التنمية المستدامة للدول التي وجدت نفسها منجرفةً داخل هذا السيل العالمي الجارف، وذلك عكس ما كان يرسمه منظّرو العولمة من أحلام رومانسية ستحققها الظاهرة لشعوب الكون. ويُعتقد أن أول من بدأ استعمال مفهوم "تفكيك العولمة" هو عالم الاجتماع الفيليبيني، والدن بيلو، قبل أن يطوّره اقتصاديون ومفكّرون مؤثرون، ومنهم جاك سابير، صاحب كتاب "تفكيك العولمة" الصادر عام 2011. ويختلف هذا المفهوم عن مفهوم مناهضة العولمة الذي تبنّاه مناهضو هذا النظام منذ ظهوره نهاية القرن الماضي، ويتردّد صداه في كل الملتقيات الاجتماعية العالمية التي تشهد المكسيك حاليا نسختها الجديدة.

يختلف مفهوم تفكيك العولمة عن مفهوم مناهضة العولمة الذي تبنّاه مناهضو هذا النظام منذ ظهوره نهاية القرن الماضي

يطالب منظّرو هذا المفهوم بإعطاء الأولوية لإنتاج الأسواق المحلية على حساب الاستيراد. وعلى عكس النظام الذي يمنح الامتيازات للإنتاج المخصّص للتصدير. وبدأ هذا المفهوم بالتبلور في عالم الاقتصاد في خضم الأزمة المالية عام 2008 التي أدّت إلى تراجع حجم التجارة على نطاق العالم، وتسبّبت في انكماش الطلب على السلع، ما أثر على حركة عولمة السوق. وفي المقابل، بدأ ترويج مفهوم مناهضة العولمة في إطار المنتديات الاجتماعية المفتوحة منذ بداية الألفية الحالية، وكانت ترفعه حركات ذات توجهات يسارية راديكالية، وحركات يمينية متطرّفة، كلٌّ لأغراضٍ تخصّ أيديولوجيته التي يدافع عنها.

والعودة إلى إثارة هذا المفهوم اليوم مرتبطة بما يشهده العالم من تحوّلاتٍ استراتيجيةٍ كبرى ستتمخّض، لا محالة، عن الحرب الروسية على أوكرانيا، وما راكمته شعوب الدول من دروس استنتجتها من أزمة جائحة كورونا بكل مآسيها. ففي كلا الحالتين، سقطت أسطورة "العولمة السعيدة"، وبات على الدول، خصوصا النامية منها، واجب البحث عن مقدّرات ذاتية لضمان استمرار تنميتها الاقتصادية والاجتماعية.

مصطلح تفكيك العولمة (وفق منظّريه)، لا يعني العودة إلى الحمائية القديمة، بقدر ما يهدف إلى إعادة تنظيم العالم

كانت العولمة ظاهرة اقتصادية عالمية فرضتها عوامل تاريخية ساهمت في نشأتها وبلورتها، واعتُبرت نهاية الحرب الباردة نهاية ثمانينيات القرن الماضي، التي وصفها المؤرخ الأميركي، فوكوياما، بتعجّل كبير، "نهاية التاريخ" في كتابة الحامل العنوان نفسه، والصادر مطلع تسعينيات القرن الماضي، بمثابة تبلور هذا المفهوم تتويجا لانتصار الرأسمالية نظاما عالميا بات يفرض نفسه على أنماط الاقتصاد الأخرى. عندها، قليلون هم الذين كانوا يشكّون في أن العولمة يمكن أن تكون مجرّد "حالة تاريخية"، مثل حالاتٍ أخرى كثيرة سبقتها، يمكن تجاوزها عبر تطوير بدائل اقتصادية عالمية، ولن تكون النظام الوحيد والنهائي الذي سيحكُم العلاقات الاقتصادية الدولية كما كان، وما زال، يروّج ذلك منظّروها والمدافعون عنها.

اليوم، يعود مفهوم تفكيك العولمة، جوابا عن الأزمات التي تعرّض لها العالم مرورا بأزمة كورونا وحرب أوكرانيا التي يعتقد مفكّرون أنها أنهت العولمة التي عرفها العالم منذ ثلاثة عقود، وقد تكون آخر مظاهرها القاتلة، وهذه مفارقة غريبة، هي عولمة التضخّم الذي تعاني منه اقتصادياتٌ كثيرة في العالم اليوم. أما الآتي فسيكون أصعب، وربما أسوأ، ما يدفع كثيرين إلى التفكير بجدّية في الاعتماد على الذات أكثر، لتحصين أمن شعوبهم الغذائي والطاقي، ووحدة أراضي دولهم واستقلال أنظمتهم السياسية وصيانة سيادة دولهم.

تحوّلات استراتيجية كبرى ستتمخض، لا محالة، عن الحرب الروسية على أوكرانيا

وعودا على بدء، يجب القول إن مفهوم تفكيك العولمة، بحسب منظّريه الجدد، لا يعني القضاء نهائيا على مظاهر العولمة الحالية، لأن أنصاره ليسوا بالضرورة ضد زيادة الدول والأشخاص ثرواتهم، وإنما هم مع تقاسم هذه الثروات بشكل عادل، فالمفهوم لا يعني العودة إلى الحمائية القديمة، بقدر ما يهدف إلى إعادة تنظيم العالم، وتقسيمه إلى مناطق جغرافية متماسكة ومتكاملة ومستقلة.

طبعا، لا يجب إنكار ما للعولمة من إيجابيات كبيرة على دول وشعوب كثيرة كانت تعيش في عزلة قاتلة، وما زالت هذه الظاهرة تحمل بين طياتها إيجابياتٍ كثيرة كالحرية وحقوق الإنسان في مفهومها العام وحرية المبادرة ورقمنة الاقتصاد، والتدفق الحر للمعلومات، إن جرى استغلالها والاستفادة منها بالشكل الصحيح والجيد، فمفهوم التفكيك لا يعني بالضرورة القضاء على الشيء، وإنما إعادة تركيبه، لإعادة صياغته بما يناسب الدول والشعوب ويخدم مصالحها.

ما يدفع إلى الحديث بإلحاح عن مفهوم تفكيك العولمة هو الاتجاه نحو ظهور حربٍ باردةٍ جديدةٍ باتت ملامحها تلوح في أفق نهاية الحرب الروسية على أوكرانيا، وهو ما سيؤثر سلبا على العولمة، خصوصا في طابعها النيوليبرالي، لكن خيار الدول النامية المستقل هو الذي سيحسم فيما سيكون عليه المستقبل، لأن إعادة تقسيم العالم مرّة أخرى إلى معسكرين سيجعل هذه الدول هي الأكثر تضرّرا من انهيار نظام العولمة القديم. 

ومن هنا وجوب التفكير مسبقا بتفكيك هذه الظاهرة قبل سقوطها على رؤوسنا، لأن ذلك سيكون أسلم وأنفع.