الاثنين، 30 سبتمبر 2019

الحراك الشعبي في مصر ومحنة الإخوان!

الحراك الشعبي في مصر ومحنة الإخوان!
نشر بتاريخ 25 سبتمبر 2019


أحمد الهواس 
لم تثر دعوة الفنان والمقاول المصري محمد علي الشعب المصري فحسب، بل تجاوزت ذلك بأن تحوّلت لقضية رأي عام عالمي حول حقيقة فساد السيسي وأسرته.
لم يعد مهمًا من يكون محمد علي، ولا الجهة التي تقف وراءه أو تتقاطع مصالحها معه، والجهة هنا بالقطع جهة سيادية في الدولة المصرية، ولكن المهم أنّ هذه الدعوة لاقت قبولًا وحرّكت الجماهير في حين فشلت كل الدعوات من قبل، سواء التي تبناها سياسيون أو مفكرون أو علماء دين أو إعلاميون، نعم فقد فشلت على مدى ست سنوات، ولم يستطع الإعلام المعارض أو المحسوب على الثورة المصرية أن يفعل واحد بالمئة مما فعلته فيديوهات محمد علي عبر جهازه المحمول وباستخدام وسائل التواصل الاجتماعي!
لا شك أنّ مصر يختلف حالها عن بقية الدول العربية التي في غالبها لم تصل بعد لمفهوم الدول، فهي الدولة العربية الأعرق التي حملت صفة دولة مبكرًا، وهي التي صبغت العالم العربي بطابعها التربوي والتعلمي والفني والإداري والديني، والأهم الطابع السياسي وظلّت ملهمةً لبقية البلاد العربية سلبًا وإيجابًا.
ولا شك أنّ الدول العربية ما زالت مشكلتها أنّها دول ما قبل الدول، وإن كانت المشكلة في مصر تبدو مختلفة أيضًا عن بقية الدول العربية، وهي قضية ربما تتفرد بها مصر، وهذه المشكلة أنّ مصر ليست دولة يحكمها العسكر أو أنّها دولة بوليسية، بل هي دولة عسكرية لها رعايا مدنيون! أو كما يقول الأستاذ محمد القدوسي: كل دولة في العالم تملك جيشًا إلا مصر جيش يملك دولة!
هذه المعادلة المقلوبة هي التي تجعل من المتناقضات واقعًا ومن اللامعقول معقولًا، وإذا أراد أصحاب الدولة تغيير من (يديرها) سيفعلون وإن احتاجوا للعنصر المغيّب الشعب فلن يعدموا الوسيلة!
صحيح أن مصر الحديثة "دولة محمد علي باشا" هي دولة الفرد العسكري، ثم أعادت شبابها عبر انقلاب 1952، ولكن الثابت الوحيد أنّ الجيش لم يتنازل عن حكم مصر منذ ذلك الانقلاب الذي تحوّل إلى ثورة، وإن كانت صفة الثورة تلطيفًا للانقلاب إلاّ أنّ الواقع الذي أفرزته كان ثورة بكل المقاييس سواء في شكل الدولة أو نظامها أو اقتصادها وانعكاس ذلك على بنيتها الاجتماعية!
وقد تمخضت عقيدة العسكر عن أنّ الحاكم ابن المؤسسة العسكرية، وليس مهمًا أن يتفق جميع القادة معه، ولكن المهم ألّا يؤول الحكم لمدني، ولعل خلاف - عبد الناصر محمد نجيب - كان بسبب رغبة الرئيس محمد نجيب تسليم السلطة للمدنيين، فكان أن عُزل وعُوقب وغيّب في الحياة، ولم يُذكر في كتب التاريخ الحديث كأول رئيس مصري بعد الإطاحة بالملكية!
جاءت ثورات الربيع عبر حادثة البوعزيزي في تونس وهروب بن علي، ووقوف الجيش التونسي على الحياد، لتبعث الأمل في نفوس العرب بأنّ التغيير ممكن، وكان أول مكان انتقل إليه بعد تونس مصر، ولا يخفى على متتبع لحال الدولتين أنّ تونس ومصر هما أكثر البلاد العربية انسجامًا، بل هما فقط من يصنفان كدول منسجمة اجتماعيًا في العالم العربي، وذلك لغياب العشائرية والطائفية والمذهبية والعرقية، والأقليات فيهما ضمن بحر متماوج بشريًا متشابه في كل شيء، ولهذا كان دأب كل من حاول السيطرة عليهما بأّنه سعى للتنافر المناطقي وليس المذهبي أو الطائفي أو العرقي، فضلًا عن تشابه آخر وهو وجود دولة عميقة في كلا البلدين حيث دولة الباي في تونس، ودولة محمد علي في مصر!
لا أحد يستطيع أن يحدد سبب انطلاق الثورة المصرية في 25 يناير وهو اليوم الموافق لعيد الشرطة، ولا أحد يستطيع أن يعرف محركي الثورة، ولكن قراءة سريعة لواقع ما قبل الثورة يمكن أن نصل لنتيجة أن ثمة جهة داخلية لها مصلحة بالإطاحة بمبارك، وثمة شعورٌ ثوريٌ قد سيطر على الشارع المصري، فكنّا أمام حالتين متناقضتين نصف ثورة ونصف انقلاب فإمّا أن تكتمل الثورة فستقط دولة الفرد "الجنرال" التي وصل عمرها لمئتين وخمس سنوات أو أن يكتمل الانقلاب فتعيد دولة الفرد تحت رداء قديم جديد "الثورة" وهنا كان صراعٌ جديد، صراع الإرادات، صراع للأسف سقطت فيه القوى الثورية بامتياز بعد أن انحازت فئات لمصالحها، وأخرى التجأت للمؤسسة المتربصة بالثورة!
لم يكن حسني مبارك ليحسب حساب أي طرف مدني في مصر، ولا حتى الإخوان الذي بدا أنّه على نوع من المهادنة معهم بعد أحداث التسعينيات أو ما بات يُعرف في مصر بأحداث الجماعات الإرهابية، حيث أدّى ذلك لكي يظهر الإخوان نشاطًا اجتماعيًا غير عادي، بل إن الزلزال الذي ضرب مصر كان حجم مساهمة الجمعيات التابعة للإخوان فيه يفوق حجم ما قدمته الدولة المصرية، وفي انتخابات برلمان 2006 كانت المفاجأة التي جعلت النظام يعيد حساباته فيما يسمى بالديمقراطية الجزئية أو هامش الحرية الممنوح، حيث اكتسح الإخوان مقاعد مجلس الشعب بتسعة وثمانين معقدًا رغم كل ما يحصل من تدخلات أمنية وتزوير في الأصوات، ما أدى لتخوف "الوريث" المحتمل جمال مبارك، وإعلانه أنّ جماعة الإخوان غير قانونية في مصر بل هي جماعة محظورة، ولم يتأخر انتقام "النظام" من الجماعة بل من التيار الإسلامي حين انتهت انتخابات 2010 إلى أن يكون البرلمان دون أعضاء من الجماعة!
ظلال من الحرب الخفية بدت تطفو على السطح بين الإخوان والنظام، والأدق بين النظام الجديد المرشح لقيادته جمال مبارك والإخوان، أمر كان يراقبه "العسكر" بشكل جيد، أو الدولة الحقيقية والفعلية، أمر لو تمّ بأن تنتقل السلطة بالتوريث لمدني فإنّها ستعني بداية نهاية معادلة بناء مصر الحديثة! فكانت مصلحة المؤسسة العسكرية إنهاء التوريث "المحرّم"من عسكري لمدني وإن جاء تحت مسمى التطور الحزبي "الحزب الوطني الحاكم" ولكنه "مسموح" بتوريث السلطة من عسكري لعسكري وإن جاء من خلال حراك مدني يشرف عليه الجيش وأفرعه المخابراتية!
يُعرف عن الجيش المصري كرهه للداخلية واعتبارها أقلّ مستوىً في كل شيء، وقد كانت حقبة حبيب العادلي الأسوأ من حيث صعود نجمه و"بلطجة" أفراد الداخلية على الشعب المصري، فكان الاختيار ليوم 25 يناير بدقة بغية إذلال هذا الجهاز وربما انهياره، وهذا يعني ببساطة تدخل الجيش! لم يكن حراك يوم الخامس والعشرين من يناير الذي دعا إليه ناشطون عبر "الفيس بوك" كافيًا لإذلال الشرطة، بل لم يصل الحراك لأن يشكل كتلة حرجة يصعب التعامل معها، فكان لا بدّ من تطوير الحراك الجماهيري وكان ذلك في جمعة الغضب في 28 يناير هذه الجمعة التي انضم إليها الإخوان والجماعات الإسلامية فشكّلوا الكتلة الصلبة التي كسرت الداخلية، وشجّعت آلاف الشباب للانضمام للثورة، وبدت مصر على موعد مع الثورة، ثورة يحميها الجيش ولا يتدخل في منع الناس من التعبير!
الشيء غير المتوقع من جانب راسم الأحداث أن تتطور الأمور إلى ثورة، فكان لا بدّ من الموازنة في عدة أمور، وأهمها الخيار بين مبارك والنظام، الخيار بين التراجع خطوة - حتى يتمكن النظام من إعادة انتاج نفسه أو المواجهة مع الثورة التي قد تغير الواقع تمامًا - خيار التراجع والعمل على الخداع الاستراتيجي، ولا بدّ لكي يتم ذلك من اللجوء للقوة الناعمة التي تعمل تحت عين الجيش والمخابرات: الإعلام، شيوخ الدين المصنعين أمنيًا، المعارضة التقليدية التي كانت تشكل ديكورًا للدكتاتور وهي المحلل الشرعي - أمام العالم - لحكم غير شرعي!
حددت المؤسسة العسكرية منذ تطور الثورة المصرية الطرف الذي سيتم التفاوض معه، فكان الإخوان في التحرير، وتحديدًا كان الحوار بين مبعوث المؤسسة العسكرية اللواء السيسي وبين د. سعد الكتاتني، ولا بدّ أن كلًا منهما يحمل شيئًا ما تجاه الآخر، وكان أن تنحى مبارك وأسقط معه نائبه الذي جاء متأخرًا ورحل مبكرًا بعد أن فوّض المجلس العسكري بإدارة شؤون اليلاد.
احتاجت المؤسسة العسكرية لمن يملأ الفراغ ويدير الدولة ريثما تستعيد عافيتها، فوجدت أن كل القوى المدنية إمّا ضعيفة أو أنّها مصنّعة على عين النظام ولا ثقل لها في الشارع المصري، وكان الخيار المرّ "الإخوان" وحيث إن الإخوان صدقوا أنّ الثورة نجحت وسقط النظام، فقد أعادوا خطأ 1952 بالتحالف مع العسكر أو الوثوق بهم لا يهم، وهكذا انصرف المصريون من الميادين غير مبالين بتحذيرات الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل أن ترك الميادين سيعيد النظام بشكل أسوأ!
كانت مرحلة د. محمد مرسي – رحمه الله- مرحلة تصفية حسابات بكل ما تعني الكلمة من معنى، فقد بدا من تسليم العسكر السلطة لحاكم مدني فاز بانتخابات حرّة ونزيهة أن ثمة علاقة جديدة ستنشأ بين الجيش والسلطة المدنية، وأن ثمة تداولًا للسلطة سيحصل في مصر، لكن في الكواليس كان ثمة تخطيطًا يتم بأنّ الصراع تحت الأرض متعب للطرف القوي "الجيش" وكان لا بدّ من أن يخرج التنظيم الذي عمل تحت الأرض لعقود طويلة - حتى بات ظهوره استثناءً - وأن تُعرف مكامن قوته ومناطق ضعفه، ويتم شيطنته وعرقلة عمله وهو في رأس السلطة.
تمّ للمؤسسة العسكرية ذلك، وجهّز المسرح في 30 يونيو/ حزيران للانقلاب على الحكم المدني بعد عام واحد في السلطة، وتمّ ذلك تحت غطاء ثورة شعبية للإطاحة بحكم الإخوان! نجح العسكر بالانقلاب، واستطاع وزير الدفاع خداع الرئيس الذي اختاره ومن ثم الانقلاب عليه، وأن ينهي الاعتصام السلمي في رابعة والنهضة بمجازر لم يعتد المصريون عليها من قبل جيشهم، ليصل "الجنرال المنقذ" للسلطة بعد أن وضع في واجهة الحكم شخصًا مدنيًا مدة سنة واحدة.
لم يكن السيسي استثناءً بما فعل، ولكن الاستثناء هو غياب الحاكم العسكري عن دولته، ولهذا تم القضاء على الحكم المدني تحت ذريعة أخونة الدولة وحكم المرشد والتنظيم العابر للحدود، والتخويف من الإرهاب المحتمل!
المتتبع للجرائم التي حصلت وتحصل للإخوان ومنها تصفية الرئيس المنتخب داخل محبسه وبعده ولده، وحفلات الإعدام التي لا تتوقف يجد أن من يفعل ذلك لا يحسب لهذه "الجماعة" التي يشيطن بها أي حساب، بل إن ما يفعله يصبّ في تخويف الشعب، ولهذا كانت القرارات المقزّمة لمصر كموافقة السيسي على سد النهضة وما يمثل ذلك من تهديد لمصدر الحياة وسبب وجود مصر "النيل" كذلك بيع تيران وصنافير وجعل الممر المحلي ممرًا دوليًا، ناهيك عن تبديد ثروة مصر وإفقارها وتحميلها ديون طائلة وانهيار قيمة الجنيه، وبيع الناس الوهم بحياة أفضل، كل هذا في ظل حكم استبدادي فاق كل عصور من سبقه، حكم يعد على الناس أنفاسهم.
في هذه الظروف الصعبة ظهر محمد علي المقاول المصري الشاب الذي فضح فساد السيسي وأسرته، وتحوّل لمفجر ثورة جديدة في مصر.
نحن لسنا أمام ثورة ثانية، وإنّما نحن أمام سيرورة ثورية وهذه طبيعة الثورات فهي تتعرض في غالبها لثورات مضادة تكون في طبيعتها دموية، وتعمد للانتقام من أهل الثورة، ثم تنتهي تلك الموجة وتعود الثورة مرّة أخرى للحركة وهذا أمر يتوقف على وعي الجماهير ومقدار ثبات الثورة المضادة، ولا شك أنّ الحالة المصرية معقدة سواء في موقع مصر الجيوسياسي أو ارتباط جيشها عضويًا بجيش الدولة العظمى في العالم أو تقزيم مصر اقتصاديًا سواء من خلال النهب المنظّم لثرواتها أو الفساد المقونن الذي نشأ نتيجة زواج السلطة والثروة في زمن مبارك أو التحول الذي جرى في عهد عبد الناصر أو الانفتاح الذي جاء ردّا على اشتراكية ناصر زمن السادات. عدا عن أهمية مصر عربيًا وإسلاميًا وأفريقيًا، هذه العوامل ربما دفعت وما زالت تدفع قوى إقليمية ودولية لمنع التغيير في مصر لأنّ هذا التغيير سوف ينهي البناء العربي الرسمي ويفرض واقعًا جديدًا، لا سيما أنّ الربيع العربي جاء متزامنًا مع الصعود التركي في ظل حزب العدالة والتنمية.
يبدو أن المشكلات التي أورثها السيسي لمصر فاقت قدرة الدولة "المنهوبة" على التحمل، وبات "صاحب الدولة" المؤسسة العسكرية في ترقب لحدث جلل قد ينهي وجود المؤسسة أو ربما يتعدى ذلك لكي يلغي مصر كدولة إذا ما انفجرت الأمور عبر ثورة جياع، أو احتراب مجتمعي لا سيما أنّ السيسي قد جعل الشعب المصري شعبين وأباح لشعبه "الشرفاء" قتل الشعب الثاني! فكان لا بدّ من الموازنة التي حصلت من قبل وهي التخلي عن الرأس مع مجموعة عملت معه عبر ثورة شعبية يكون مشرفًا عليها، وأن تتم إدارة البلاد فيما بعد بالالتجاء للمدنيين ولكن ضمن المحددات التي عمل عليها من قبل الجيش التركي حين توصل في عام 1998 أنّ البلاد على وشك الانهيار اقتصاديًا وأن الاتحاد الأوربي رأى أن تركيا تحتاج لمئة وخمسين مليار دولار لكي تتخلص من أزمتها الاقتصادية ولكن وجود العسكر والفساد المنظم يمنع الاتحاد الأوربي من دعم تركيا، هذا الواقع المرّ شكّل دافعًا قهريًا للمؤسسة العسكرية أن تتراجع خطوة أمام المدنيين، خطوةً أفضت لعودة الإسلاميين بعد ذلك من خلال العدالة والتنمية 2002.
تبدو الظروف الحالية محيّرة للإخوان فهم إن شاركوا بالحرّاك سيقال إنّهم "ركبوا الموجة" وإن امتنعوا سيقال "حلفاء العسكر" فما المطلوب منهم؟
التجربة السابقة لهم توضح أنّ مشاركتهم غيّرت المعادلة كما أسلفنا، وحاجة العسكر لإدارة الدولة دفعت للاستعانة بهم ريثما يتم افتراسهم وقد حصل ذلك، وإن أرادوا أن يكسبوا في هذه الجولة فعليهم أن يعلنوا تأييدهم لأي حراك شعبي وأن يعودا للعمل الخيري والدعوي وأن يتعهدوا بعدم العمل السياسي خمس سنوات كحد أدنى، وهنا ستتم التفاهمات بين العسكر وبعض المدنيين حيث تعود الحياة في مصر ربما لحالة تشبه حكم مبارك أو متقدمة قليلًا، وأن يستثمر المصريون ذلك المناخ كما استثمره الأتراك وبقية الدول التي خرجت من حكم العسكر والاستبداد بالبرامج الانتخابية والعمل على توعية الشعب بأن الديمقراطية سباق بين البرامج الأفضل ضمن مدة زمنية تنتهي ويأتي الأصلح وهكذا.
وفي ظل الواقع الحالي فمن مصلحة الشعب أن يساهم في التغيير أو لنقل ليختصر الوقت ويقلل الخسائر، وإذا كان من تفاهمات تسمح بهامش جيد من الحرية وإطلاق سراح المعتقلين ومحاسبة المجرمين وعودة المهجرين، وبدء حياة سياسية قد تنتهي إلى ما بشبه الديمقراطية التركية في نهاية التسعينيات - كما أسلفنا -  فذلك شيء أخاله معقولًا.

عملية تحرير السيسي!

عملية تحرير السيسي!

سليم عزوز
عندما جرى اختطافه، تم استدعاء قوات الاحتياط لتعمل على تحريره، فتحولت الأبواق والأذرع الإعلامية للانقلاب العسكري إلى قوات كوماندوز، قامت بعملية إنزال بهدف انتشال السيسي وتحريره!

عقب عملية الإنزال كان تحرك هذه القوات بدون وعي، ليتم اختزال المشكلة في أن محمد علي لص، قام بالسطو على مال شقيقه المتوفى. 
وتراوحت الاتهامات بين كونه ملحدا، وكونه منتمياً لجماعة الإخوان، وبين أنه عميل للمخابرات التركية والقطرية، ورميه بالعمالة للمخابرات الإسبانية والإسرائيلية. 
كما تم اختزال المشكلة في حرمان بعض المستحقين من بطاقات التموين، وعليه فقد عبّر عبد الفتاح السيسي عن أنه يتفهم هذا، وأنه يتابع بنفسه الإجراءات التي كانت سبباً في تأثر المستحقين سلباً، لحرمانهم من هذا الحق!

واختزلت المشكلة السياسية في الحديث عن إصلاحات سياسية، تم الدفع بياسر رزق (كليم السيسي) للتبشير بها، في مقابلة تلفزيونية قال إنها ستتم في عام 2020، أي بعد الانتخابات البرلمانية، دون تحديد معالم هذه الإصلاحات، وعندما لم تؤثر الرسالة في الناس، جاء من جديد وفي مقابلة أخرى، ليتحدث عن إصلاح سياسي على الأبواب، لم يحدد معالمه كما لم يحدد موعده، وأبدى أسفه لاعتقال من ينتمون لمعسكر 30 يونيو. 

وفي صباح اليوم التالي، كان اعتقال أحد الذين ينتمون لهذا المعسكر، وهو الناشط السياسي علاء عبد الفتاح!

محاولة فاشلة:
وكأن الأزمة التي أحدثها الفنان والمقاول محمد علي يمكن حلها في الإفراج عن بعض المعتقلين من قوى 30 يونيو، أو أنها بسبب اعتقالهم، أو أنها يمكن أن تحل بإعادة تسليم البطاقات التموينية لبعض المستحقين الذي جرى حذف أسمائهم، أو أنها تحل بحوار يجريه عبد الفتاح السيسي مع المعارضة الرسمية، ينتهي بتعيين بعضهم في المجالس النيابية! الأمر الذي يؤكد أننا حيال محاولة إنزال فاشلة، لن تتمكن من تحرير السيسي وإن اعتمدت النصب والتلفيق، كما يفعل بعض الإعلاميين، تنفيذاً لخطط أمنية فاشلة، مثل القبض على بعض السائحين وتصويرهم على أنهم جزء من مؤامرة كونية تستهدف الإطاحة بعبد الفتاح السيسي، بالمشاركة في المظاهرات ضده!

وكأن الأزمة في الحكومة، حتى يتم الترويج لأخبار عن تعديل وزاري وشيك، وحركة تغييرات واسعة في المحافظين، فتحل الأزمة، وتتوقف الدعوة للتظاهر ومطالبة السيسي بالرحيل!

إنه العبث بشحمه ولحمه، ذلك بأن الأزمة كما حددها المقاول والفنان محمد علي؛ هي في شخص عبد الفتاح السيسي، وأن عملية الإفقار بسبب سوء إدارته للدولة المصرية؛ تتجاوز فكرة استبعاد بعض الأسماء من الحق في الحصول على سلع تموينية شبه مدعومة، أو حتى في إنقاص أسعار المحروقات قليلاً.

قنبلة محمد علي التي فجرها في وجه أهل الحكم، تتمثل في إهدار موارد الدولة المصرية على بناء قصور رئاسية، تكلفت المليارات بدون ضرورة أو بدون الحاجة إلى ذلك، ومن الإسكندرية، إلى القاهرة، إلى العلمين، انتهاء بالعاصمة الإدارية الجديدة. وإن كان السيسي قد اعترف بذلك، فقد أكد أن الأمر ليس له نهاية، فهو بنى وسيبني، بحجة أن مصر دولة كبيرة. فمن أعطاه الحق في أن يبني قصورا رئاسية في دولة فيها ثلاثين قصراً، ولم يقم أحد من رؤساء مصر السابقين ببناء قصور جديدة، ولم يهبط هذا من قيمة مصر؟ فقد قال السيسي في دفاعه: إن مصر بلد كبير. وبعيداً عن أن هذا يتناقض مع مقولاته السابقة من أنها شبه دولة، وأنها بلد العوز والفقر الذي يجب على أبنائها التبرع لها ولو بجنيه، فلا نعرف من قال له إن قيمة الدول تستمدها من وجود أكبر عدد من القصور الرئاسية؟!

الانتشال من الورطة:
وإذ ظهر للعيان تهافت دفاع السيسي عن نفسه، فقد تدخلت قوات الكوماندوز لانتشاله من هذه الورطة، فاختزل أحدهم كل ما قاله محمد علي عن القصور في قصر واحد هو المنتزه، فقال إنه أعيد تجهيزه قبل سنة 2011، بينما قال آخر إنهم اضطروا إلى إعادة بنائه في سنة 2017 بعد تعرض السيسي لمحاولة اغتيال، وكأن هذا مبرر ليكلف قصرا في بلاد العوز إلى قرابة النصف مليار جنيه، ليبيت فيه ليلة واحدة!

وإذا سلمنا بصحة الروايتين، الأولى للقاضي خالد محجوب رئيس اللجنة المشرفة على جرد القصور الرئاسية بعد الثورة، والثانية لعمرو أديب، فهل يعني هذا أن قصر المنتزه أعيد ترميمه قبل 2011، ومع هذا تم هدمه وإعادة بنائه من جديد في سنة 2017؟!

لقد اختزل أحد قوات الكوماندوز (عبد الحليم قنديل) موضوع القصور الرئاسية في قصر وحيد هو قصر العاصمة الإدارية الجديدة، وعاد وزاد، ولت وفت في أنه كيف لا يكون في هذه العاصمة قصرا للحكم، فمن أين سيحكم السيسي بعد انتقاله إلى هناك؟ مع أن محمد علي لم يتطرق لهذا القصر في حديثه، والذي تبين أنه يعادل في مساحته عشرة أمثال مساحة البيت الأبيض. فقصر هذا للحكم أم متحف لتخليد روحه ولسكنه بعد البعث والنشور، بحسب استعداد قدماء المصريين من ملوك الفراعنة لهذه العودة الميمونة للحياة؟!

إن حديث محمد علي يدور حول قصور أخرى ذكرها، وهي التي قامت شركته (أملاك) ببنائها، ومن الزيتون، إلى الهايكستب، إلى المنتزه، فضلاً عن قصر العلمين، ولم يذكر قصوراً أخرى علمها عند ربي، قامت بها شركات أخرى.

 ولا يجوز هنا الدفع بأنها مملوكة لمصريين، فما هو وجه الاستفادة من القصور القائمة للمصريين، وهناك دعوة قديمة بالتصرف في كل هذا العدد من القصور لعدم الحاجة إليه، ومن يحدد لمصر أولوياتها؟ ولماذا كانت هذه القصور تتم في السر، حتى يعتبر نشر صورة لقصر من الأمور المزعجة للحكم؟!

لقد تحدث محمد علي عن واقعة تعميد شركته الطريق لمقابر عائلة السيسي التي سيمر منها لتشييع جثمان والدته بما يليق بإمبراطور، ولم ينكر السيسي نفسه هذا، وإن كان قد فكر في أن ينفي أن الإنفاق تم من ميزانية الدولة، فقد تراجع عندما وجد أن المبلغ المصروف أكبر من أن يدعي ملكيته له (مليونين و300 ألف جنيه)، ولو صرف إنسان هذا المبلغ من ماله الخاص على عمل كهذا، لكان من حق الورثة أن يحجروا عليه، وأن يمنعوه من التصرف مع أنه يتصرف في ماله الخاص!

قصة الفندق:

ثم أين هو الرد على بناء فندق بتكلفة ملياري جنيه، بدون دراسة جدوى، وبدون معنى، وفي منطقة لا يقبل عليها سائح عاقل، إلا إذا كان الأمر مجاملة للجنرال صديق السيسي، ففي بلد العوز والفقر، تكون المجاملة من قبل السيسي لأصدقائه بالمليارات!

لقد تطوع واحد من فريق الإنزال، وقال إنه فندق خاص بضيوف القوات المسلحة من الدول الأجنبية، وكأن مصر لم تكن تستقبل قبل هذا عسكريين أجانب.. والفنادق في مصر كثيرة، وفنادق القوات المسلحة ونواديها تتسع لأي عدد من الضيوف. وما هي المشكلة في اختلاط العسكريين الأجانب بالعامة في الفنادق السياحية؟!

ومهما يكن، فقد قمت عبر موقع بوكينج بالحجز في هذا الفندق، الذي وجدته مفتوحا للجميع وليس قاصرا على العسكريين، وخريطته موجودة وليس منطقة عسكرية يُمنع الاقتراب منها والتصوير!

وعموما، فمن الواضح أنه تطوع بالدفاع بدون اتفاق مسبق، فأوقع القوم في حرج فقاموا بوقف برنامجه التلفزيوني، أقصد بذلك مصطفى بكري!

دولة أم شركة مقاولات؟

إن مما ذكره محمد علي، وكان على درجة من الأهمية، هو هيمنة جهاز المشروعات بالقوات المسلحة على أعمال البناء والتشييد والمقاولات في طول البلد وعرضه، وفي عمليات يحصل عليها بالأمر المباشر، ويسندها لشركات عدد من الأفراد المحظوظين أيضاً بالأمر المباشر، ليكون ما تحصل عليه هو من باب الجباية بقوة السلطة، وهو ما يفسر كيف تحوّل مجمل الإنجاز في مصر، إلى بناء الطرق والكباري. وإذا كان مبارك اعتمد على الاقتصاديين لرئاسة الحكومة، فقد اعتمد السيسي على من لهم علاقة بهذا القطاع، فكان إبراهيم محلب رئيس شركة المقاولين العرب، ومصطفى مدبولي القادم من وزارة الإسكان، والحاصل على شهاداته الجامعية في الهندسة المعمارية.. فدولة هذه أم شركة مقاولات؟!

ومن المؤسف أن تكون هذه الهيمنة من دولة فيها شركات عملاقة في مجال المقاولات، مثل شركة مختار إبراهيم، وشركة المقاولون العرب صاحبة الأيادي البيضاء في البناء والتشييد بدول كثيرة، ويمثل اسمها وحده علامة على الامتياز والجدية.. فمن أنتم؟!

الحقيقة أننا أمام عملية تحرير فاشلة لعبد الفتاح السيسي، وإن أعاد كل البطاقات التموينية المسحوبة لأصحابها، وإن أعاد تشكيل الحكومة من جديد!

لقد فشلت عملية الإنزال، ولا أمل إلا بالتضحية بالجنين، من أجل حياة الأم!

المشهدّية لقاء خاص

   المشهدّية  لقاء خاص    

  رسام الكاريكاتير البرازيلي كارلوس لاتوف  

حين منع العثمانيون الدولة البرتغالية من سرقة قبر الرسول!

حين منع العثمانيون الدولة البرتغالية من سرقة قبر الرسول!


صهيب المقداد

تاريخ الدولة العثمانية حافل بالإنجازات والمعارك التي خاضتها في سبيل الدفاع عن بلاد المسلمين في شمال البلاد وجنوبها وغربها وشرقها وكان للعثمانيين دور كبير في صد هجمات أوروبا على العالم الإسلامي والبلاد العربية؛ حيث قادت العالم الإسلامي لقرون من الزمن وحافظت على البلاد والعباد ومن المعارك التي خاضتها الدولة العثمانية دفاعا عن الإسلام والمسلمين، معاركها ضد الدولة البرتغالية والتي قامت بتحريك الحملات نحو المغرب الأقصى والمحيط الأطلسي، وكان لهذه الحملات أهداف عدة، منها:
1- الهدف الأساسي، محاربة العالم الإسلامي في كل مكان وبكل الطرق الممكنة(1).
2- سرقة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في يوميات البوكيرك: إن الهدف الأول من الالتفاف حول العالم الإسلامي، هو إقتحام المسجد النبوي وأخذ رفاة النبي محمد رهينة؛ لنساوم عليها العرب من أجل استعادة واسترداد القدس(2).

بدأت الحملات البرتغالية في عام 1514م بزعامة هنري الملاح وكان قائد الحملة على الخليج العربي يدعى "أفسونو دا بوكيرك" والتي يظهر من أهدافها أنها قامت للقضاء على العالم الإسلامي بشتى الطرق الممكنة، والتي إحداها سرقة قبر الرسول الكريم، لما يحمله من رمزية وقيمة لدى المسلمين، ومع بدأ الحملات كان العالم الإسلامي يتمثل بثلاث دول إسلامية (الدولة العثمانية، دولة المماليك، الدولة الصفوية) وكانت دولة المماليك في ضعف شديد وغير قادرة على الدفاع عن العالم الإسلامي، فقد هزمت من قبل أمام البرتغال في معركة «ديو» سنة 1509م (3) وضلت دولة المماليك في حالة اضطراب وضعف سياسي واقتصادي.
قتال الدولة العثمانية ودفاعها عن الأراضي المقدسة وخوضها للمعارك، يجعلنا نكن الاحترام والتقدير لما قامت به من أعمال، فماذا لو بقيت دولة المماليك المتهالكة وحدها في الصراع؟ هل كنا لنصل في يوم من الأيام وقبر رسولنا الكريم في أيدي غير المسلمين
أما الدولة الصفوية فقد كانت على خلاف مذهبي -فالدولة الصوفية ذات مذهب شيعي- مع دولة المماليك والدولة العثمانية، لذلك فضلت الوقوف جانبا على مساندة المماليك الدولة التي يقع قبر الرسول ضمن أراضيها وتحت سيطرتها، وأما الدولة العثمانية كانت هي الدولة الإسلامية الأقوى وحاولت مساعدة المماليك، فقد أرسل السلطان بيازيد الثاني عدة سفن بمعداتها العسكرية إلى المماليك سنة 1511م، غير أنها لم تصل بسبب إعتراض القراصنة الصليبيين لها، فاستطاع البرتغاليين أن يسيطروا على البحرين ومسقط وقريات وعدن (4) وحاول البرتغاليين التوسع داخل أراضي الخليج العربي والوصول إلى قبر الرسول، إلا أن الدولة العثمانية أسقطت المماليك في معركة مرج دابق 1516م.

إن تدخل العثمانيين في هذا الوقت الحرج لا يدل إلا على وعيهم بخطورة الموقف وضرورة تنحية المماليك لتقوم الدولة العثمانية بقيادة العالم الإسلامي بدل أن تكون مجرد لاعب يكتفي بدعم المماليك، فأصبحت الدولة العثمانية على مواجهة مباشرة مع البرتغال، بعد أن ضمت إليها مصر والشام، لتبدأ الدولة العثمانية نضالها الأسطوري في الدفاع عن بلاد الإسلام ورسولنا الكريم، وإعادة ما خسرته الدولة المملوكية، فقد تمكنت من هزيمة البرتغاليين، وإرسال القوات بأمر من سليمان القانوني الذي أمر سليمان باشا والي مصر بالتوجه إلى جدة ثم عدن، سنة 1538م، ضمت الحملة 20 ألف رجل و74 سفينة، لتخضع اليمن للحكم العثماني، وتقوم بإنهاء خطر البرتغاليين على الدول الإسلامية والأماكن المقدسة، وإفشال جميع مخططاتهم ومساعيهم.

إن قتال الدولة العثمانية ودفاعها عن الأراضي المقدسة وخوضها للمعارك، يجعلنا نكن الاحترام والتقدير لما قامت به من أعمال، فماذا لو بقيت دولة المماليك المتهالكة وحدها في الصراع؟ هل كنا لنصل في يوم من الأيام وقبر رسولنا الكريم في أيدي غير المسلمين يساوموننا عليه؟ لقد حفظت الدولة العثمانية للأمة الإسلامية كرامتها وعزتها، وأظهرت للبرتغاليين صلابة وقوة المسلمين، في ضل ضعف دولة المماليك وإنحياز بل وخيانة الدولة الصفوية للعالم الإسلامي، وارتباطهم بمعاهدة مع البرتغاليين جاء فيها: توحيد القوتين في حالة المواجهة مع الدولة العثمانية عدوهم المشترك (5).

المصادر:
1- آسيا الوسطى الغربية، ص 24، 25
2- الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها (698/2)
3- بدائع الزهور في وقائع الدهور (142/4)
4- بدائع الزهور في وقائع الدهور (142/4)
5- التيارات السياسية في الخليج العربي، صلاح العقاد، صفحة 98

أقرأ أيضاً

نهاية ترمب وصبيانه

نهاية ترمب وصبيانه

عجلة التغيير في مصر دارت، ولم يعد ممكنا أن يستمر السيسي طويلا بعد أن سقطت هيبته، وفقد كل مبررات وجوده كرئيس،
عامر عبد المنعم
دارت الدوائر على ترمب وصبيانه في العالم العربي، وانقلب الهدوء والاستقرار الزائف الذي كانوا يتسترون خلفه إلى نيران تحاصرهم من كل جانب، وانشغل كل منهم بنفسه عن الآخرين، وتصاعدت موجات من الغضب الشعبي تبدد غطرستهم، وتهدد استمرارهم، وظهرت المؤشرات تلو المؤشرات على أن موجة التغيير القادمة ليست عربية فقط.
هذه الشبكة التي تضم بجانب ترمب كلا من: محمد بن زايد ومحمد بن سلمان وملك البحرين وعبد الفتاح السيسي وبنيامين نتنياهو العقل المفكر الذي يوظفهم جميعا لتنفيذ أجندة إسرائيلية تواجه موجة عنيفة من الرفض والاستنكار وتحركات مؤثرة لإزاحتهم والتخلص منهم.
الرئيس الأمريكي انقلب على الإدارة الأمريكية، وتجاهل الوكالات الأمريكية، وحاول رسم سياسة جديدة تعتمد على شخصه وبضعة أشخاص من أقربائه ورموز اليمين المتطرف، وتجاهل الأمم المتحدة في إدارة النظام الدولي، وتصرف وكأنه زعيم مافيا، يمارس الزعامة ويلوح بالعصا الغليظة يمينا وشمالا.
لم يتعامل ترمب مع العالم العربي كدولة، من خلال وزارة الخارجية الأمريكية ولا تقديرات وزارة الدفاع كما دأب سلفه من الرؤساء الأمريكيين، وإنما شكل خليه برئاسة زوج ابنته جاريد كوشنر لتحقيق المصالح الإسرائيلية على حساب المصالح الأمريكية.
أجندة الإسرائيليين
حاول ترمب استثمار حالة الضعف والتبعية في العالم العربي بسرقة الملف الفلسطيني واستبعاد كل الشركاء الدوليين والإقليميين، والإجهاز على القضية بضربة خاطفة أطلقوا عليها صفقة القرن، وفوض صهره بالقيام بالمهمة لكنه تعثر لأن القضية أكبر منه، ولقوة المقاومة على كل الصعد.
وبطلب إسرائيلي اندفع ترمب لتحجيم المشروع النووي الإيراني ولم يراع الاتفاق النووي الذي وقعه الأوربيون وأوباما مع الإيرانيين، وورط أمريكا في معركة خاسرة، كشفت الضعف الأمريكي وقضت على الهيبة العسكرية الأمريكية كقوة مهيمنة.
حاول ترمب استعراض قوته فصفعه الإيرانيون على وجهه، ونقلوا المعركة إلى أمن الملاحة في الخليج وهددوا بضرب الوجود العسكري، وأسقطوا أحدث طائرة استطلاع أمريكية بدون طيار بمنظومة دفاع جوي محلية الصنع فأجبروه على التراجع والبحث عن التفاوض.
ولمزيد من الإذلال ضرب الإيرانيون أهدافا داخل المملكة السعودية تؤثر على إمدادات النفط العالمية، لإحراج الرئيس الأمريكي الذي طالما تفاخر بأنه يحمي المملكة، وأن الجيش الأمريكي يوفر الأمن للسعوديين، وكان من نتائج ضرب شركة أرامكو تأليب الدول الصناعية التي تعتمد على النفط السعودي.
وانكسر جنون ترمب باستجداء الحوار مع الإيرانيين وطلب من الأوربيين التدخل للوساطة، والبحث عن مخرج يحفظ ماء الوجه، لكن يبدو أن الإيرانيين المتأكدون أن أمريكا لن تدخل في حرب مع إيران يواصلون الإذلال حتى يصلون إلى لمس الأكتاف.
عصابة إسرائيل
الظاهرة الملفتة أن ترمب وعصابته يتعرضون لضربات موجعة، وخسائر كبيرة في وقت متزامن، فالرئيس الأمريكي يتم التحقيق معه في الكونجرس تمهيدا لعزله، بسبب استغلال منصبه في الضغط على رئيس أوكرانيا لاتهام نجل منافسه المرشح الديمقراطي جو بايدن بالفساد، وإذاعة نص المكالمات وأدلة إدانته.
وفي إسرائيل فشل بنيامين نتنياهو الذي يحرك شبكة ترمب في تحقيق الأغلبية البرلمانية التي تجعله يشكل الحكومة منفردا وهذا يجعله تحت التهديد بقضايا الفساد التي تلاحقه وتنتظر خروجه من السلطة لسجنه والقضاء على أحلامه.
وفي السعودية يعيش محمد بن سلمان في رعب ويحاصره دم جمال خاشقجي الذي لا فكاك منه، فالجريمة ثابته وهو المتهم الرئيسي رغم كل المحاولات للهروب، ولم ينقذه ترمب من الحبل الذي يضيق كل يوم حول رقبته، لكن الأخطر الآن هو الانهيار العسكري والاقتصادي والنتائج الكارثية لتخريب المجتمع تحت عنوان نشر الترفيه.
ابن سلمان هو المسؤول عن الهزيمة العسكرية في اليمن ويقف عاجزا عن التصدي لضرب المنشآت داخل حدود المملكة في الشرق والغرب والجنوب، ويلهث خلف الحوار مع الإيرانيين (من خلال وساطة رئيس الوزراء الباكستاني) وهذا الانهيار العسكري المصحوب بخيانة الشرعية في اليمن سيطيح بالحد الجنوبي ويفتح الباب أمام اقتطاع جنوب المملكة.
أما الإمارات فقد انكشف دورها التخريبي، وتطاردها لعنات الشعوب، وتواجه انتكاسة كبيرة، ففي اليمن ترفض الحكومة الشرعية وجودها في جنوب اليمن، ويصطف اليمنيون ضدها، في كل الساحات داخليا وخارجيا، وأصبح التوصيف المعتمد لدى اليمنيين لها بأنها قوة احتلال وهذا يعني اقتراب نهايتها وطردها غير ماسوفا عليها.
وفي ليبيا فشل المشروع الإماراتي المتحالف مع الفرنسيين في غزو العاصمة الليبية، وتعرض لانتكاسة عسكرية مع ضرب غرفة العمليات الإماراتية في قاعدة الجفرة وقتل 6 من كبار ضباطها، الأمر الذي جعلها تلجأ إلى استقدام مرتزقة روس بعد استنزاف مليشيا حفتر القادمة من الشرق الليبي، ووضع الليبيين أمام عدو أجنبي واضح، وهذا يعجل بنهاية هذا المشروع الصهيوني قريبا.
البحرين لا وزن لها في الصراع وهي مجرد تابع بالأمر السعودي، وملك البحرين هو أول الخاسرين لأنه أعلن الحرب على الإخوان في بلد أكثر من 60% من سكانه من الشيعة التابعين لإيران، ومثله مثل من يذبح نفسه بالسكين ليظهر أمام نفسه أنه يواجه الإرهاب!
مصر وحل العقدة الكبرى
أما مصر فهي العقدة الكبرى التي بدأت تنفك، وعادت الثورة إلى الشوارع من جديد، وتبدد حلم عبد الفتاح السيسي في البقاء، وهو الذي غير الدستور ليستمر في الحكم حتى 2034، واستطاع الفنان المقاول محمد على أن يهز عرشه، ويفضح مشروعاته، التي طالما كان يضحك بها على بعض البسطاء، وأثبت أنها غير منتجة وعبارة عن قصور وفيلات ومجاملات لأعوانه وأصدقائه فتزلزلت مصر.
لم تعد مصر كما كانت، وانقلب السحر على الساحر، وبدأ بركان الغضب الشعبي ينفجر رغم القمع والقبضة الخشنة، وبدا التصدع داخل دوائر السلطة، وتسبب الذعر الذي سيطر على الحكم في اتخاذ إجراءات قمعية، وإغلاق الميادين لمنع الشعب من التظاهر في فضح حالة الاستقرار المصطنع وغير الحقيقي أمام الخارج، وبدأ الإعلام الدولي يفتح النار على السيسي بما يشبه الأيام الأخيرة من حكم مبارك.
عجلة التغيير في مصر دارت، ولم يعد ممكنا أن يستمر السيسي طويلا بعد أن سقطت هيبته، وفقد كل مبررات وجوده كرئيس، فقد ظهر أمام الرأي العام مفسدا فاشلا، ينفق المليارات ببذخ على رفاهيته وأهل بيته، في وطن يعاني من الانهيار الاقتصادي والفقر يطرق كل باب.
هذا الانهيار الجماعي لترمب وعياله يشير إلى أن المنطقة على موعد مع تغيير قادم، يعطي مزيدا من الأمل في انتهاء أسوأ حقبة تاريخية عاشتها الشعوب العربية، والخلاص من الاختراق الإسرائيلي للسلطة وقصور الحكم الذي حقق لبني إسرائيل في أعوام قليلة ما لم يكونوا يحلمون بتحقيقه في عشرات السنين.

مقالات الكاتب عامر عبد المنعم

ستواصل تركيا جهودها لتسليط الضوء على مقتل خاشقجي


ستواصل تركيا جهودها لتسليط الضوء على مقتل خاشقجي
قتل خاشقجي في قنصلية بلاده في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2018- واشنطن بوست
بقلم رجب طيب أردوغان
29 سبتمبر 2019

ترجمة جوجل

كان مقتل جمال خاشقجي ، الكاتب الصحفي المشارك في صحيفة بوست ، أكثر الحوادث تأثيراً وإثارة للجدل في القرن الحادي والعشرين ، باستثناء هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية. لم يشكل أي حدث آخر منذ أحداث 11 سبتمبر تهديدًا خطيرًا للنظام الدولي أو تحدّي الاتفاقيات التي اعتبرها العالم أمراً مفروغاً منه. بعد مرور عام على ذلك ، ما زال المجتمع الدولي لا يعرف إلا القليل عما حدث مصدر قلق بالغ. ما إذا كانت جميع جوانب وفاة الصحفي السعودي ستظهر على الإطلاق ستحدد نوع العالم الذي سيعيش فيه أطفالنا.


فريد ريان: لماذا لن ننسى رعب مقتل خاشقجي

كارين عطية: خاشقجي يفهم قوة اللغة العربية. هل نحن؟

هاتيس جنجيز: استمر بحثي عن العدالة لخطيبي



في أعقاب وفاة خاشقجي ، تبنت حكومتي سياسة الشفافية. خلال العام الماضي ، تعاونت وكالات الاستخبارات وإنفاذ القانون في تركيا ، إلى جانب الدبلوماسيين والمدعين العامين ، عن كثب مع نظرائهم واتخذت خطوات لإطلاع الجماهير الوطنية والدولية على علم بذلك. شاركت السلطات التركية نتائجها مع المملكة العربية السعودية بالإضافة إلى دول أخرى ، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة. كما تعاوننا مع التحقيق الدولي بقيادة أغنيس كالامارد ، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو الإعدام التعسفي. أخيرًا ، طلبنا من المملكة العربية السعودية تسليم قتلة خاشقجي إلى تركيا ، حيث ارتكبوا الجريمة.


يعتمد رد تركيا على مقتل كاتب العمود في صحيفة The Post المساهمة في رغبتنا في دعم النظام الدولي القائم على القواعد. لذلك رفضنا السماح بتصوير جريمة خاشقجي كنزاع ثنائي بين تركيا والمملكة العربية السعودية. لطالما رأت تركيا ، ولا تزال ترى ، المملكة صديقها وحليفها. ولذلك ، قامت إدارتي بتمييز واضح لا لبس فيه بين البلطجية الذين قتلوا كاشقجي والملك سلمان وأتباعه المخلصين.

لكن صداقتنا الطويلة الأمد لا تستتبع بالضرورة الصمت. بل على العكس تماما ، كما يقول المثل التركي ، "الصديق الحقيقي يتحدث عن حقائق مريرة".

فرقة الاغتيال المكونة من 15 عضواً والتي قتلت خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول وقطعت جسده إلى أجزاء خدمت مصالح دولة الظل داخل حكومة المملكة - وليس الدولة السعودية أو الشعب السعودي. لو كنا نعتقد خلاف ذلك ، فإن هذه الفظاعة كانت ستُعامل بالفعل كمشكلة ثنائية. ومع ذلك ، ما زلنا نرى ما حدث كمسألة تتعلق بالعدالة وليس بالسياسة ، ونؤكد أن المحاكم الوطنية والدولية وحدها يمكنها أن تحقق العدالة.


كان اغتيال خاشقجي مأساة ، ولكنه كان أيضًا انتهاكًا صارخًا للحصانة الدبلوماسية. إن القتلة سافروا بجوازات سفر دبلوماسية وتحولوا مبنى دبلوماسي إلى مسرح جريمة - وكانوا يساعدون فيما يبدو في محاولة للتستر من قبل أكبر دبلوماسي سعودي في اسطنبول - يشكل سابقة خطيرة للغاية. ولعل الأخطر هو الإفلات من العقاب الذي يبدو أن بعض القتلة يستمتعون به في المملكة.

ليس سراً أن هناك العديد من الأسئلة حول إجراءات المحكمة في المملكة العربية السعودية. عدم وجود شبه كامل من الشفافية المحيطة المحاكمة، و عدم وصول الجمهور إلى جلسات الاستماع و ادعاء أن بعض القتلة خاشقجي تتمتع بحكم الأمر الواقع حرية تفشل في تلبية توقعات المجتمع الدولي وتشويه صورة المملكة العربية السعودية - شيء أن تركيا، كما صديقها وحليفها ، لا ترغب.

هناك جهود جارية لتبرير هذا النقص في الشفافية فيما يتعلق بالأمن القومي. هناك خط سميك للغاية بين القيام بكل ما في وسع المرء لتقديم الإرهابيين إلى العدالة وارتكاب جرائم القتل العمد بسبب الآراء السياسية للهدف. كان اختطاف مجرم الحرب النازي أدولف ايخمان ، على سبيل المثال ، مشروعًا تمامًا. ومع ذلك ، سيكون من السخف الإشارة إلى أن مقتل خاشقجي خدم قضية العدالة بأي شكل أو شكل أو شكل.

للمضي قدما ، تتعهد تركيا بمواصلة جهودها لتسليط الضوء على مقتل خاشقجي. سنستمر في طرح نفس الأسئلة التي طرحتها في مقال افتتاحي لهذه الصحيفة العام الماضي: أين بقايا خاشقجي؟ من وقع على مذكرة وفاة الصحفي السعودي؟ من الذي أرسل القتلة الخمسة عشر ، بمن فيهم خبير في الطب الشرعي ، على متن الطائرتين إلى اسطنبول؟

من مصلحتنا ومصلحتنا الإنسانية أن نضمن عدم ارتكاب مثل هذه الجريمة في أي مكان مرة أخرى. مكافحة الإفلات من العقاب هي أسهل طريقة لتحقيق هذا الهدف. نحن مدينون لعائلة جمال.


ترجمة وتحرير:عربي21
كان مقتل جمال خاشقجي، الكاتب الصحفي المشارك في صحيفة "واشنطن بوست"، أكثر الحوادث تأثيرا وإثارة للجدل في القرن الحادي والعشرين، باستثناء هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 الإرهابي. لم يشكل أي حدث آخر منذ أحداث 11 سبتمبر تهديدا خطيرا للنظام الدولي أو تحدّيا للاتفاقيات التي اعتبرها العالم أمرا مفروغا منه مثل ما حدث بجريمة خاشقجي. 

بعد مرور عام على الجريمة، ما زال المجتمع الدولي لا يعرف إلا القليل عما حدث بالفعل، والأمر مقلق جدا، إذا ما كانت جميع جوانب قضية الصحفي السعودي ستظهر على العلن، بحيث أن وقوع ذلك من عدمه سيحدد نوع العالم الذي يعيش فيه أطفالنا.

في أعقاب وفاة خاشقجي، تبنت حكومتي سياسة الشفافية. خلال العام الماضي، تعاونت وكالات الاستخبارات وإنفاذ القانون في تركيا، إلى جانب الدبلوماسيين والمدعين العامين، بشكل وثيق، مع نظرائهم، واتخذوا خطوات لإطلاع الجماهير الوطنية والدولية على القضية.

شاركت السلطات التركية نتائجها مع المملكة العربية السعودية بالإضافة إلى دول أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة. كما أننا تعاونّا مع التحقيق الدولي بقيادة أغنيس كالامارد، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء والإعدام التعسفي. وطالبنا مؤخرا المملكة العربية السعودية بتسليم قتلة خاشقجي إلى تركيا، المكان الذي ارتكبوا فيه جريمتهم.

يستند رد تركيا على مقتل خاشقجي، إلى رغبتنا في دعم النظام الدولي القائم على القواعد والقوانين. لذلك رفضنا السماح بتصوير جريمة خاشقجي على أنها نزاع ثنائي بين تركيا والمملكة العربية السعودية. لطالما رأت تركيا، ولا تزال ترى في المملكة صديقة وحليفا. 

ولذلك، قامت إدارتي بتمييز واضح لا لبس فيه بين البلطجية الذين قتلوا خاشقجي والملك سلمان وأتباعه المخلصين.

لكن صداقتنا الطويلة الأمد لا تعني بالضرورة الصمت. بل على العكس تماما، كما يقول المثل التركي: "الصديق الحقيقي يتحدث عن حقائق مريرة".

فرقة الاغتيال المكونة من 15 عضوا التي قتلت خاشقجي داخل قنصلية المملكة العربية السعودية في إسطنبول وقطعت جسده إلى أجزاء، خدمت مصالح دولة الظل داخل حكومة المملكة وليست تخدم الدولة السعودية أو الشعب السعودي. 

لو كنا نعتقد خلاف ذلك، فإن هذه الفظاعة كانت ستُعامل بالفعل كمشكلة ثنائية. ومع ذلك، ما زلنا نرى ما حدث مسألة تتعلق بالعدالة وليس بالسياسة، ونؤكد أن المحاكم الوطنية والدولية وحدها يمكنها أن تحقق العدالة.

كان اغتيال خاشقجي مأساة، ولكنه كان أيضا انتهاكا صارخا للحصانة الدبلوماسية. إن القتلة سافروا بجوازات سفر دبلوماسية وحوّلوا مبنى دبلوماسيا إلى مسرح للجريمة -ويبدو أنهم تلقوا المساعدة في محاولة التستر من أكبر دبلوماسي سعودي في إسطنبول- ما يمثل سابقة خطيرة للغاية. ولعل الأخطر هو الإفلات من العقاب إذ يبدو أن بعض القتلة تمكنوا من ذلك بالفعل في المملكة.
ليس سرا أن هناك العديد من الأسئلة تدور حول إجراءات المحكمة في المملكة العربية السعودية. إن الافتقار شبه التام للشفافية المحيطة بالمحاكمة، والافتقار إلى الوصول العلني إلى جلسات الاستماع، والادعاء بأن بعض قتلة خاشقجي يتمتعون بحرية فعلية، فشل في تلبية توقعات المجتمع الدولي، وفيه تشويه لصورة المملكة العربية السعودية، وهو الأمر الذي لا ترغب فيه تركيا صديقة المملكة وحليفتها.

هناك جهود جارية لتبرير هذا النقص في الشفافية. هناك خط سميك للغاية بين القيام بكل ما في وسع المرء لأجل تقديم الإرهابيين إلى العدالة، وبين ارتكاب جرائم القتل العمد بسبب آراء سياسية للأشخاص. كان اختطاف مجرم الحرب النازي أدولف إيخمان، على سبيل المثال، مشروعا تماما. ومع ذلك، فإنه سيكون من السخف الإشارة إلى أن مقتل خاشقجي خدم قضية العدالة بأي شكل كان.

للمضي قدما، تتعهد تركيا بمواصلة جهودها لتسليط الضوء على مقتل خاشقجي. سنستمر في طرح نفس الأسئلة التي طرحتها في مقال افتتاحي لهذه الصحيفة العام الماضي: أين رفات خاشقجي؟ من وقع على مذكرة وفاة الصحفي السعودي؟ من الذي أرسل القتلة الخمسة عشر، بمن فيهم خبير في الطب الشرعي، على متن الطائرتين إلى إسطنبول؟

من مصلحتنا ومصلحة الإنسانية أن نضمن عدم ارتكاب مثل هذه الجريمة في أي مكان مرة أخرى.

مكافحة الإفلات من العقاب هي أسهل طريقة لتحقيق هذا الهدف. فنحن مدينون لعائلة جمال خاشقجي بذلك.
المصدر:  نيويورك تايمز

تنظيم ولاية السيسي

تنظيم ولاية السيسي

وائل قنديل

تساءلت قبل أربع سنوات: ماذا بقي من ممارسات مليشيات الإرهاب والعصابات لم يفعله نظام عبد الفتاح السيسي؟ 

الآن السؤال: هل بقي شيءٌ من ملامح الدولة في ظل الإدارة المليشياوية التي يخنق بها السيسي مصر؟

في الدول، باختلاف درجاتها على مقياس التحضر والتخلف، يمارس المواطنون أشكالًا من الاحتجاج والتظاهر ضد سياساتٍ تخنقهم أو إجراءات تجلد ظهورهم.. تجد ذلك في الشرق والغرب والشمال والجنوب، إلا مصر التي تنفرد عن غيرها بأن النظام الحاكم فيها ينظّم تظاهرات ضد المواطنين، ويسلك مثل مليشيا مسلحة ضد الجماهير، يمارس الخطف والقنص والتشهير بأفراد الشعب الذين يحاولون ممارسة الحد الأدنى من التعبير والهتاف.

أدوات الجماهير في التظاهر هي الهتاف والكتابة والرسم، أما نظام السيسي فيستخدم أدواتٍ مختلفًة في التظاهر، هي المدرّعات والجرافات وحشود من طلاب الكليات العسكرية، وجنود الأمن المركزي، يتم شحنهم تحت الحراسة المشدّدة للهتاف ضد الشعب، أو جموع الشعب التي تطالب بحقها في كرامة إنسانية وعدالة، ومواطنة تليق بالبشر، كما يستخدم منصات إعلامية تطلق خطابًا دمويًا، على موجاتٍ فاشية ومكارثية لم يعرف لها التاريخ مثيلًا.

بموازاة ذلك، لا يتورّع صاحب السلطة عن ارتكاب مذابح ضد تابعيه، لكي يستخدمها أدلة اتهام وإدانة ضد معارضيه، وتصوير كل أشكال الاحتجاج على سياساته، بوصفها نشاطًا إرهابيًا، وهي المعادلة التي تضمن له استمرار حبس الداخل في قمقم الخوف والفزع، واستدرار مزيد من دعم الخارج وعطاياه، هذا الخارج الذي يستثمر في تجارة الحرب على الإرهاب التي تضمن لها حلب ضروع أنظمة الوفرة المالية، عن طريق إرهابها بفزّاعة دعم الإرهاب.

قلت سابقًا إنه من التجنّي على ما تعارف عليه العالم الحديث من علوم سياسية أن نطلق اسم "النظام" على "تنظيم" فكل ما يدور على أرض مصر، منذ اليوم للانقلاب، يقول إن "مليشيا" اختطفت وطنا، واتخذت سكانه رهائن للخوف والجوع، فمنذ اللحظات الأولى يعمدون على السيطرة على الجماهير، بفزّاعات الهلاك جوعا وعطشا، إن لم يحكموهم، والفناء إرهابا وعنفا، إن لم يحذفوا مفردات مثل "الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان" من قاموسهم، مشعلين أزمات الاقتصاد والسياسة، ومفجّرين آبار العنف، ومصنّعين الإرهاب في مطابخهم.

لا تحتاج إلى كثير من تدقيق في الرصد، لتكتشف أن عفريت الإرهاب يسكن في فانوس السيسي السحري، يستحضره وقت الحاجة، فيأتيه حثيثًا، مثلما حدث مع حادث كمين سيناء الأخير، المتزامن مع تسيير السيسي التظاهرات ضد مجموعاتٍ من الشعب المصري، استجابت لدعوة المقاول الممثل محمد علي للخروج والمطالبة برحيل الجنرال.

تكرّر هذا الأمر في مناسبات كثيرة، السمة الأبرز فيها هي توقيت دخول "التنظيم الإرهابي" على الخط، بما يجعل المسافة بينه وبين النظام صفراً، فالوشائج بين التنظيم والنظام لا تنقطع، فوجود أحدهما مرتبط بالآخر، ناهيك عن التشابه الكبير في الممارسات.

في إطار نشاطه مثل عصابة أو مليشيا، لا يستشعر نظام السيسي، أو بالأحرى"تنظيم ولاية السيسي" أدنى حرج، وهو يعتقل المعتقلين أصلًا، ويحبس المحبوسين في زنازينه، كما جرى مع الناشط السياسي علاء عبد الفتاح، الذي تم اعتقاله من داخل محبسه في قسم الشرطة، وهو ما حدث مع شبّان آخرين، كانوا يقضون عقوبة السجن الليلي، فلما طلع عليهم النهار تبخروا، واختفوا قبل أن يظهروا في نيابة أمن الدولة، متهمين في جرائم، جديدة، لفقت لهم بينما هم قيد الاعتقال.

السيدة علا القرضاوي، مثل آخر أكثر وطأة، ظلت قيد الحبس الاحتياطي أكثر من عام، ولمّا صدر قرار بإخلاء سبيلها في مايو/ أيار الماضي، أعادوا اعتقالها من داخل المعتقل مجدّدًا، ملفقين لها اتهامًا بارتكاب جريمة، بينما هي داخل زنزانتها الانفرادية، محرومة من أبسط حقوق السجناء، إذ لا ماء ولا هواء ولا اتصال بالعالم.

قبيل اعتقاله من داخل محبسه، حيث يقضي عقوبة المراقبة الليلية، غرّد علاء عبد الفتاح على"تويتر" يقول "قول ما تخافشي الشعب لازم يمشي"، فما بالك لو كان قد هتف مع الغاضبين "العسكر أو السيسي لازم يمشي"؟

الحاصل أنه لم يعد ثمة سقف لجنون "ولاية السيسي"، فإن تكلمت أو لجأت إلى السكوت ستعتقل، وإن سخرت أو تحدثت بجدّية فأنت أيضًا معتقل، ذلك أن المطلوب الآن، ضمانًة وحيدًة للبقاء على قيد الحياة داخل حدود "تنظيم ولاية الجنرال"، أن تكون ضد كل من يعارضه، وقبل ذلك تلتزم بنصوص وثنية الجنرال السماوي.

الأحد، 29 سبتمبر 2019

قل هو من عند أنفسكم

قل هو من عند أنفسكم


عبدالله زين العابدين

لم تكن مجرد هزيمة لحقت بجيش الإسلام في معركة أحد، إنما هي عاصفة داهمت الشعور وأيقظت الانتباه للتفتيش عن جوهر القضية، فقد مر عام على انتصارهم في موقعة بدر، وهم لا يزالون على الإيمان كما هم، وأعداؤهم لا يزالون على الكفر كما هم، فما الذي تغير؟ كيف انهزم جند الإيمان والتوحيد وقُتل منهم سبعون رجلًا وضُرب النبي صلى الله عليه وسلم فشُجّ وجهه وكسرت رباعيته؟ كيف؟
يتنزل القرآن بالسؤال والإجابة الشافية الكافية معًا {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [آل عمران: 165].

إنه الدرس المُكلّف، والذي ستظل كلفته محفورة في الأذهان للأمة ما دامت تطالع هذه الآيات، تربية للشخصية الإسلامية لتدرك جيدًا تأثير علاقتها بالله على مسار الحياة، وتعلم أن النصر قرين الطاعة، والهزيمة قرين المعصية، وأن الخير إنما هو من عند الله، وأن الشر إنما هو من ذوات أنفسنا، أراده الله قدرًا لكننا جعلنا من أنفسنا أسبابا له وأبوابًا إليه.

الهزيمة في أحد كانت نصرًا معرفيًا وإدراكيًا، حيث أيقن المسلمون أن عصيان القلة يجد العموم مغبته، فخمسون من الرماة خالفوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم ونزلوا من على الجبل لجمع الغنائم دون إذنه، تسببوا في جراح الأمة بأسرها، فهكذا هي أمة الإسلام جسد واحد، فكما أن التلف في أحد أعضاء الجسم يؤثر على سائر الجسد، وكما أن الإنسان يعاقب في النار بجسده كله على ما اقترفته بعض أعضائه من آثام، فكذلك يتأثر بقية الجسد الإسلامي بصنيع عضو منه، ولذا أفاض ابن القيم رحمه الله في كتابه “الجواب الكافي” البيان حول عقوبات الذنوب والمعاصي، كان منها ما يمتد أثره إلى غيره، فيقول رحمه الله “ومنها: أن غيره من الناس والدواب يعود عليه شؤم ذنبه فيحترق هو وغيره بشؤم الذنوب والظلم. 
قال أبو هريرة إن الحُبارى (نوع من الطيور) لتموت في وكرها من ظلم الظالم. 
وقال مجاهد: إن البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطر وتقول هذا بشؤم معصية ابن ادم. 
وقال عكرمة: دواب الأرض وهوامها حتى الخنافس والعقارب يقولون منعنا القطر بذنوب بني آدم فلا يكفيه عقاب ذنبه حتى يبوء بلعنه من لا ذنب له”.
تعلم المسلمون من هذه الهزيمة أنه لا يكفي للمسلم أن ينتمي إلى الحق، فمجرد انتماؤه للحق لا يكفل له التمكين والنصر، بل لابد من العمل بمقتضى هذا الانتماء للمنهج، والذي يتمثل في طاعة الله فيما أمر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، فهكذا كان الحال معهم في معركة أحد، كانوا على الحق لكنهم لم يأخذوا بأسباب النصر، بل بدَرَ منهم ما يستدعي الهزيمة وهو مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان هذا قد حدث مع مجموعة من الرماة لم يقصدوا الخروج على طاعة نبيهم وإنما رأوا ما يحبون من الغنائم بعد فرار المشركين فظنوا أن القتال انتهى، فإن كان هذا قد حدث معهم فكيف بمن يغرقون في المخالفة ليلا ونهارا عن غير اجتهاد أو ظن منهم؟
فالنصر يأتي مع الطاعة، والهزيمة تأتي مع المعصية، ولذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “وَإِذَا كَانَ فِي الْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ وَكَانَ عَدُوُّهُمْ مُسْتَظْهِرًا عَلَيْهِمْ كَانَ ذَلِكَ بِسَبَبِ ذُنُوبِهِمْ وَخَطَايَاهُمْ ؛ إمَّا لِتَفْرِيطِهِمْ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَإِمَّا لِعُدْوَانِهِمْ بِتَعَدِّي الْحُدُودِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا”.

تعلم المسلمون أن الكبوة والأزمة هي موطن تعلم واعتبار، لا ينبغي أن يجعلها المسلم قرارًا له ويغرق في آثارها، بل عليه أن ينهض من جديد، ويستدرك ما فاته، ويتفادى أخطاء التجربة الأليمة، ولقد جاء التعقيب القرآني بعد الهزيمة ليؤكد على هذه الحقيقة، فكما كان العتاب كانت التسلية واستنهاض العزم، ومن ذلك تذكيرهم بأنهم الأعلون مهما ألمت بهم الملمات {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [آل عمران: 139]، ومنها تذكيرهم بمُصاب أعدائهم أيضًا، فليسوا وحدهم من أُثخن فيهم، وأن الأيام دولٌ بين الناس، إضافة إلى التذكير بحكمة الله من تلك الابتلاءات، والتمحيص، واتخاذ شهداء منهم لله تعالى {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 140].

إن أحداث ونتائج هذه المعركة يأخذ بتلابيب أفكارنا إلى أن نتعامل في حياتنا بمنطق العضو في الجسد، فكل ما يصدر عن المسلم من سلوكيات وأنماط معيشية إنما يصب في النهاية في المسار العام للأمة بأسرها، فكل أعمال الطاعة والإصلاح هي خير للأمة، وكل أعمال العصيان والفساد هي شر للأمة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مدن "الكوباوندز" و"الهيلز"...أي مصر هذه؟

​​مدن "الكوباوندز" و"الهيلز"...أي مصر هذه؟


د.شيرين حامد فهمي                                    26-01-2011  
"بالم هيلز".."بيفيرلي هيلز".."دريم لاند"..."ماونتين فيو".."ياسمين فيلليج"...إنها مدن مصرية، على أراضٍ مصرية، يسكنها مصريون. إذا دخلتها، تشعر أنك انتقلت إلى بلدٍ آخر. وتشعر أن ما سواها في مصر – من أحياءٍ قديمة مثل "الدقي" و"المهندسين" و"الزمالك" و"جاردن سيتي" – قد أصبح دون المستوى. فما بالك بالمناطق العشوائية؟

يلفت انتباهي أن تلك "الهيلز" منبتة الصلة عن مصر الثقافة والحضارة والتاريخ والمجتمع. فبدايةً من أسماء تلك القرى والمنتجعات التي نست أو تناست العربية، إلى ملامحها ومبانيها التي لا تشي بشيء عن تاريخنا أو حضارتنا، إلى المكون السكاني الذي لا يمثل المجتمع المصري أو أي مجتمع صحي وحقيقي، يتواجد فيه الغني بجانب الفقير، وليس الغني بجانب الغني.

سؤالي هو: هل إذا دخلت أي منتجع من تلك المنتجعات... تستطيع أن تُخمن إن كنت في مصر أو أي دولة أخرى؟ هل تستطيع أن ترى سمتاً حضارياً لأيٍ من تلك القرى "الذكية"؟
ما هو مستقبل الأطفال الذين يترعرعون في تلك المنتجعات منزوعة الهوية والتاريخ والثقافة...بل منزوعة الحياة الحقيقية بحلوها ومرها، بغناها وفقرها؟




نظرية الفوضى.. كيف تسبب فراشة باليابان بإعصار بأمريكا؟!

نظرية الفوضى.. كيف تسبب فراشة باليابان بإعصار بأمريكا؟!

28/9/2019
بشار قصاب
طالب طب
لنفترض أنك رميت قطعة زهر وحصلت على رقم 4، وحصل أنك أردت أن تكرر الحصول على الرقم 4 مرة ثانية، فما ستقوم بفعله أن تحاول مسك الزهر بنفس الوضعية وترميه بنفس القوة والاتجاه كما في المرة الأولى، وبغض النظر عن النتيجة، هنالك سؤال مهم.. هل فقط العوامل التي تعرفها مسبقا وأخذت بأسبابها في الرمية لمحاولة تكرار النتيجة هي المتحكمة الوحيدة فيها؟ أم أن عوامل أخرى لا تبدو لك أن تصنع الفارق مثل حالة الجو وقت الرمي وحالة السطح الذي سيرمى عليه تصنع فارق؟ أم أن عوامل أخرى ليست معروفة علميا بعد تصنع فرق إضافي؟

وبلغة أكثر قربا للواقع، هل فكرت بماذا كان سيحدث لو أنك لم تشاهد التلفاز البارحة وقمت بنشاط آخر، أو تعرضتَ لحادث السيارة الذي تفاديته في وقت سابق، ماذا لو ولدت في مستشفى غير ذلك الذي ولدت فيه بالفعل؟ وحتى بالخوض في الحياة الجنينية قبل الولادة.. وعلى نحو مخيف وأكثر استحقاقا للاهتمام، ماذا لو أنك لم تكن النطفة الأسرع ونتيجة لذلك دخلت البويضة نطفة أخرى؟ كيف يمكن لتلك التغييرات البسيطة أن تبدأ سلسلة أحداث طويلة تجعل مستقبلك يأخذ مسارا مختلفا على المدى البعيد؟
لم ينف الإسلام نظرية الفوضى، بل وتحدث عن واقعيتها، ففي البداية اليقين في الإسلام عن قدرة الله على فعل أي شيء، في قوله تعالى وهذا الفكرة تؤيد النظرية من كونها تتحدث عن القدر كونه فكرة إرادة ونية
تاريخيا وبالعودة إلى حزيران 1914 حيث لم تكن الظروف السياسية في أفضل أحوالها، تعرض ولي عهد النمسا فراند فيرديناند لعدة تهديدات بالاغتيال، فحَدَثَ أنه خرج في أحد الجولات وبسبب ضلال سائق سيارته للطريق المفترض أن يذهب فيه لوجهته وسلْكِه لطريق فرعي، كان يترصده فيه أحد المحاولين لاغتياله، فقُتِل آنذاك وأعلنت على إثر ذلك الحدث الحرب العالمية الأولى وبسبب تبعاتها نشأت الثانية، وتبعات الأخيرة بسيطرة الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي أَنشأت الحرب الباردة التي نلمس آثارها اليوم. وكل تلك الأحداث الكبيرة كانت بسبب ضلال سائق سيارة عن الطريق الصحيح! وتاريخيا أيضا رَفْضُ معهد الفنون في النمسا لهتلر وموهبته في الرسم كان قد أخرج "موهبة" الديكتاتورية من داخله، فلو أنه قُبِل في ذلك المعهد لربما كان لن يفكر ببساطة أن يصير جنديا ويقاتل في الحرب العالمية الأولى وما كان لذلك أن يلعب دورا في طريق إشعاله للحرب العالمية الثانية كقائد لألمانيا.
تاريخ النظرية
بعدما افترض نيوتن ولابلاس عدم صحة النظرية باعتقادهم أن مبدأ الحتمية هو الذي يسود كافة القوانين الفيزيائية والرياضية للعالم، والحتمية التي يطرحونها تعني أن العالم يمثل نظام محكم يعمل كآلة ميكانيكية لا يحدث فيه أي حدث غير قابل للتفسير، وأن كل حدث يبتع قانون رياضي خاص به والإلمام بتلك القوانين سيكون سبب كافي لا لفقط التنبؤ بالمستقبل بل القيام بتغييره أيضا عبرها! عارض العالم بونماري الحتمية التي افترضها نيوتن ولابلاس من زاوية مهمة وهي علم الطقس، وانطلق من أن علماءه يجدون صعوبة كبيرة في التنبؤ الحتمي بحالته على مدى أشهر أو حتى على مدى أيام، وأن العواصف تكون غير قابلة للتوقع لدرجة أنها تبدو محض صدفة!

كانت تلك الزاوية التي لفت بونماري الانتباه إليها منطلق مهم لعالم رياضيات والأرصاد الجوية إدوارد لورانس، حيث أعد نموذج للتنبؤ بالطقس وهو عبارة عن مجموعة من المعادلات الرياضية التفاضلية المعقدة تمثل التغيرات في درجة الحرارة والضغط وسرعة الرياح، خرج مع تلك المعادلات بالنموذج القابل للتجريب، اختبره في 1961 عمليا وذلك بإدخال نفس القيم الرياضية الدقيقة في تجربتين منفصلتين ومتابعة النتائج التي يفترض أن تكون نفسها في كليهما بناء على المعطيات، لكن ما حدث أن النتائج اختلفت والمسؤول عنه هو عدم دقته في إدخال الأرقام ففي المرة الأولى أدخل 0.506127 وفي المرة الثانية أدخل 0.506 بإهمال مراتب عشرية غاية في الصغر، لكنها تلك التي كانت المسؤولة عن التغييرات الكبيرة على المدى البعيد، وهذا محور نظرية الفوضى.
أثر الفراشة
تطرح النظرية أن تحريك فراشة لجناحيها في مكان ما سيساهم على المدى البعيد بتغيرات في الطقس من خلال إحداثها تموجات مهملة وصغيرة جدا في البداية، لكنها مع الوقت ستسبب إعصار في مكان آخر! دون أن يعني ذلك المثال حرفيا ما يطرحه، فالمثال يتحدث عن مساهمة دون سببية حتمية بين حركة الفراشة والإعصار، فالحديث عن ملايين الفراشات حول العالم قد يكون هو المتسبب بذلك الإعصار أو حتى منعه! الحدث المتسبِّب بدوره قد يكون مختلفا ربما يكون إقلاع طائرة أو حركة عصا بيسبول! "The butterfly effect" أحد أكثر الأفلام مشاهدة على شبكة netflix هو فيلم خيال علمي يجسد بشكل درامي هذه النظرية، المميز في هذا الفيلم أنه يجسد حدث مختلف في بدايته وبالتالي يصور في كل اختلاف الحاضر المختلف لكل واحدة من تلك البدايات، ومن ثم مستقبل مختلف، فيظهر للفيلم في نهاية الأمر أربع نهايات مختلفة.
يكتشف بطل الفيلم إيفان بعد عدة تجارب أن تغيير الماضي يغير الواقع أيضا، وأن النتائج ليست جيدة في كل الأحيان. ولإسعاد نفسه وأصدقائه يحاول إيفان تصحيح الماضي، ولكن لكل حقيقة جديدة هناك جانب مظلم، فيجد إيفان نفسه غير قادر على إعادة الماضي لما كان عليه. المغزى من استعمال مصطلح "أثر الفراشة" هو الحديث عن جملة من الأحداث المتتابعة المتلاحقة المختلفة عن غيرها التي شرعتها بداية مختلفة بسيطة في بادئ الأمر.
نظرية لو
لم ينف الإسلام نظرية الفوضى، بل وتحدث عن واقعيتها، ففي البداية اليقين في الإسلام عن قدرة الله على فعل أي شيء، في قوله تعالى وهذا الفكرة تؤيد النظرية من كونها تتحدث عن القدر كونه فكرة إرادة ونية أكثر من كونه مجموعة من الأحداث التي لم يكن ليحصل أحداث غيرها على الإطلاق، وبالتالي تتحدث عن سيناريو محتمل كان ممكن لأن يحصل ولكنه لم يشأ له الحدوث. وفي حديث النبي محمد عليه الصلاة والسلام "وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان" كان يطرح فكرة أن القدر الحاصل لأي إنسان هو طريق من عدد من الطرق اللامتناهية التي كانت لتحصل لو لم يرتضي الله أن لواحد منها فقط للحصول، وحكمة الحديث في النهي عن استعمال لو في التحسر كان لجعل الإنسان المسلم أكثر إقبالا على الحياة، فهي لا تفيد شيئاً وإنما تفتح باب للندم والسلبية.

وأخيرا يقول عمر رضي الله عنه ثاني الخلفاء الراشدين الإسلاميين "لو عرضت الأقدار على الإنسان لاختار القدر الذي اختاره الله له" والقول الذي يتحدث عن سيناريوهات أخرى غير الحاصلة المقدَّرة، والحكمة مفادها أن حصول الأحداث السيئة تجعل أي إنسان يتمنى عدم حصولها، ولو أُفتُرِضَ ذلك كان ليؤدي لأحداث أكثر سوءا، وهذا المراد بقوله "لاختار القدر الذي اختاره الله له" ولربما وبعد تناول نظرية الفوضى دينيا وتكاملها مع ذلك الإطار يمكن أن نطلق عليها نظرية "لو".

مناقضة النظرية
الفكرة التي يلوح بها معارضو نظرية الفوضى أن علم الفضاء مثلا قابل للتنبؤ وفق علاقات رياضية وفيزيائية محددة، حيث يمكن للعلم حاليا تحديد موقع كوكب معين في وقت معين إذا ما عرفت سرعته، والحديث أيضا عن الانتظام السنوي بتغير التوقيت الشتوي مقارنة بالصيفي في ساعات النهار والليل تبعا لموقع الأرض على مسارها البيضوي حول الشمس ودوران الأرض حول نفسها، ولكن الحديث عن الفضاء عموما وعن كواكبه التي تسير وفق قوانين متوقعة أمر يجعل من التنبؤ بـ"مستقبلها" أمر ممكن، لكن ما تناقش فيه نظرية الفوضى هو سلسلة الأحداث المبنية على حدث يكون من سلوك إنسان أو ظاهرة طبيعية، وغيرها مما يقاس عليها من الأمور الغير قابلة للتوقع.

وجانب آخر يناقشه معارضوها أن فكرة أثر الفراشة تجعل النظرية تبدو وكأنها لا تناقش سوى علم الطقس المعروف يقينا بتقلباته، لكنها في الواقع تناقش علوم أخرى كثيرة، فهي مثلا تناقش علم الاقتصاد الغير قابل للتنبؤ أيضا ويظهر ذلك جليا عند حدوث أزمات اقتصادية عالمية كثيرة دون سبب واضح لها، وتناقش كذلك علم الطب الحاوي على الكثير من المتلازمات الغير قابلة للتفسير حاليا، وعلم الحروب الذي يصعب فيه تحديد الغالب والمغلوب دوما رغم مناقشة منطقية لمعطيات المعركة، وغير ذلك من العلوم التي تتناولها نظرية الفوضى. هنالك حكمة إنكليزية قديمة تناولت نظرية الفوضى قبل الجميع بمفهوم بسيط، مفادها عند ضياع مسمار حدوة الحصان ضاعت الحدوة وثم الحصان وضاع بدوره الفارس المفترض أن يركب عليه ليوصل رسالة المعركة، فضاعت رسالته فضاعت المعركة فضاعت المملكة، وكل ذلك بسبب مسمار حدوة لا يتجاوز 60 ملم!