الثلاثاء، 31 مارس 2020

ماذا تعرف عن عمان ..؟

ماذا تعرف عن عمان ..؟

   معلومات من العيار الثقيل عن سلطنة عمان قد تفاجئك!   


 بقلم: د. عبدالله النفيسي


(سلطنة عمان) السلطنة الوحيدة المتبقية من سلطنات الجنوب العربي، وقد بلغ عددها يوماً ما (13) سلطنة، تمتد إلى جنوب اليمن الشمالي الحالي، وهي ليست بلد عربي بالمعنى المعروف. فيها ثلاث أعراق تتساوى في الحقوق (العرب، البلوش، الأفارقة الزنجباريين) وعرقيات أخرى كأقليات. 


كان مصطلح عمان يمتد إلى أطراف الإحساء ويضم أيضاً الأمارات العربية وأطرافاً من سواحل تنزانيا؛ والباكستان؛ وكان منها أول سفير في أمريكا من العرب في عام 1390.


وبعد ثورة طويلة ضد السلطان سعيد بن تيمور، انتهت الثورة بإنزال قابوس من طائرة بريطانية في مسقط، وقالوا له: (أنت السلطان) وأبوك الله يخلف عليك.!


وقد كان أبوه سعيد بن تيمور، رجلاً داهية وقوي الشخصية استطاع أن يفرض على زايد استقطاع البريمي ورأس مسندم الذي خول عمان الانضمام فيما بعد إلى مجلس التعاون بحكم أنها تطل على الخليج من جهة رأس مسندم. قام قابوس بالاتفاق مع البريطانيين على كيفية إدارة البلاد، خصوصاً أن عائلته (إباضية) وتتمسك بحكم البلاد وعدم إتاحة المجال لأي من المذاهب الأخرى في حكم البلاد، فعليه تولى البريطانيون إدارة كل مناشط البلد من وزارات وقيادات عسكرية، وغيرها، والعمانيون كانوا متدربين تحتهم، حتى مر عشرون عاماً على تلك الإدارة الطارئة البريطانية، وبدأ العمانيون في تسلم المناصب بأنفسهم، مع مراقبة البريطانيين لكل شيء تحت مسمى الخبراء.


لا يوجد دستور للحكم، ولا يوجد ولي عهد، وقابوس نفسه يقال أنه غير متزوج، وأقرب الناس لخلافته (فهد بن محمود، ورئيس الديوان السلطاني)، وقابوس يعمل يومياً منذ أن تولى السلطة، لمدة (14 - 16 ساعة يوميا)، ويشرف بنفسه على جميع المشاريع في عمان كبيرها وصغيرها حتى تصاميم المباني الحكومية، والأرصفة والشوارع، حتى أصابه السكر جراء الإرهاق، ومن المعلومات المهمة، أن عمان تحتل الأولى عربياً في قلة الفساد الإداري، واحتلت في عام 2006م المرتبة السادسة عالمياً في الشفافية.


السنة ثلثي الشعب العماني، والثلث الآخر معظمهم إباضية، والقليل شيعة، ولا يوجد مفتي للسنة هناك، ومذهبهم غير معترف به رسمياً، ويتعمد المفتي العماني الحالي (أحمد الخليلي) أن يخالف السنة في المملكة في تواريخ دخول رمضان وخروجه، فهو ينتظر حتى تعلن المملكة، فيؤخر يوما أو يقدم يوماً أستباقياً، ويكن (الخليلي) عداء غير مقبول لأبن تيمية تبعاً لمذهبه.


لا تنشئ السلطة في عمان مساجد للسنة، ولاتعطي رواتب لأئمة مساجدهم التي ينشئونها على حسابهم، ولايقبل من السنة أن يناقشوا تفاصيل مذهبهم عبر وسائل الإعلام، فالدين الرسمي للدولة هو (الإباضية)، ولكن بشكل غير معلن، ورغم أن قابوس ينتهج على الأرجح، المنهج العلماني، نتيجة الإدارة البريطانية لبلاده، إلا أنه لا يستطيع الفكاك من تكريس انتهاج الإباضية كدين رسمي.


تنتهج الحكومة العمانية أسلوب التعامل الحذر مع الحكومات السنية المحيطة بها، خوفاً من دعمها لأنتفاضة سنية في بلادهم، بعد سنوات من الاضطهاد للسنة، حتى (أخضعوهم).


عمان تم بناؤها خلال العقود الأربعة الماضية بناءً ناجحاً، ومدنها تتمتع بالتنظيم الرائع، وتوفر أرقى الإمكانيات، وشعبها أصبح مسالم ولطيف، والبلد مفتوح لكل المناشط الأجنبية، ويسري فيها قانون أقرب لقانون العقوبات البريطاني، حيث لا يحق للأخ أن يشكو أي شاب يجده مع أخته، في وضع مخل..! وللأب فقط حق الشكوى.


طبيعة المذهب الإباضي في عمان:


- المذهب موجود أيضا في الجزائر وليبيا وتونس وباكستان.


- الإباضيين خوارج، يكفرون بالمعصية.


- لديهم اعتقاد بأن القرآن ليس كلام الله المُنزل، بل هو كلام مخلوق على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، كما لا يعتقدون بإثبات الأسماء والصفات لله عز وجل، ويأخذون المجاز في القرآن أكثر من الحقيقة.


- يعتقدون أن العبادات الحقيقية هي الزواج وطلب العلم والعمل، أما أركان الإسلام فهي مكملة فقط لشعائر الإسلام.


- لديهم مبدأ التقية (مثل الشيعة) في بعض المبادئ.


- لايعتمدون السنة النبوية كما نعرفها من الصحاح، بل لديهم صحيح يسمونه صحيح (الربيع) وهو مجهول الأسانيد، وأحاديثه غريبة، ولا يمكن أبدا لأي إباضي أن يحدد لك من هو الربيع، فهو مثل مهدي الشيعة، مجهول، (كتاب وجدوه وتوارثوه وخلاص).


- نحن في نظرهم كفار، لأننا نعتقد بإمكانية رؤية الله، ولأننا نثبت الأسماء والصفات لله عز وجل، ولذلك لا يرون صحة الصلاة معنا أو خلفنا، وأن أدوا الصلاة كذلك فمن باب التقية فقط.


- تختلف صلاتهم في الجزئيات، فإقامتهم مثل أذانهم ولايجوز قول آمين بصوت مرتفع، ولا ضم اليدين أثناء الصلاة، وتسليمه واحده فقط، يعقب الصلاة كثير من الأدعية الجماعية.


على كل حال عوامهم لا يعلمون عن تفاصيل المذهب، فلو قلت لأحدهم علمائكم يقولون القرآن ليس كلام الله، لقال لك أعوذ بالله.. كيف هذا.


عمان النظام الاقتصادي والسياسي: 

سياسة عمان الخارجية مرتبطة ارتباطاً كاملا مع بريطانيا، فلا يمكنها، الانضمام لوحدة العملة الخليجية، وقد أعلنت هذا مبكراً، لأنها منضمة فعلاً للوحدة النقدية مع بريطانيا.

لديها مكتب تجاري مع إسرائيل، ولم تعارض اتفاقية كامب ديفيد في وقتها.


أنضمت لمجلس التعاون، ولكنها غير فعالة فيه بسبب تقييد سياساتها، ودائما ما تتحفظ على المشاريع التكاملية، وتقبل، مرغمة بالأكثرية.


ليست منظمة لمنظمة الأوبك، وتبيع نفطها الثقيل، المستخرج من الجبال، وتكلفته عالية، تبيعه في السوق السوداء، وحينما تهدد إيران بإغلاق المضيق، فإن عمان تقول (آمين) رغم أنها البلد العربي الذي يشرف عليه، كون تجارتها النفطية ستزدهر، في ظل إرتفاع أسعار بترول الخليج.


لديها علاقات إستراتيجية ومميزة مع إيران، واستثمارات عمان في إيران بعشرات المليارات.


باختصار: عمان شقيق عربي، يعطي ظهره لأشقائه في جزيرة العرب، ويفتح ذراعيه للآسيويين، والبريطانيين، وهو عضو في منظمة الدول المطلة على المحيط الهندي، وعضو في الآسيان، وتربطه علاقات وثيقة بالهند وماليزيا والصين، وبقية الدول الآسيوية.


الهنود وما أدراك ما الهنود في عمان، الهنود هناك ليسوا كالهنود عندنا، أنهم أرستقراطيين، يمتطون اللكزس والمرسيدس، ويديرون الشركات.


معلومة أخرى عن مركزية قابوس: فهو وزير الخارجية والداخلية والمالية والاقتصاد والإسكان والأشغال.!


لماذا ترفض عمان الاتحاد الخليجي؟!


- سيصبح الإباضية أقلية في الاتحاد وسط بحر سني.


- سيفرض على عمان الانفتاح السياسي والاقتصادي وهذا مايرفضه سلاطينها الذين يفرضون على شعبهم عزلة سياسية تامة عن المحيط الخليجي والعربي.


- إيران هي التي أبقت قابوس على كرسيه عندما تدخل جيشها مع قابوس في السبعينات لضرب ثورة ظفار ذات الطابع السني التي كادت تطيح بعرشه لولا التدخل الإيراني العسكري ولذلك هو يدين لايران بكرسيه.


- نتيجة الاتحاد ستفرض على عمان عملة موحدة واقتصاد موحد سيؤدي بالتيجة إلى تحسين وضع الشعب الاقتصادي وانفتاحا اقتصاديا واستثماريا وهو ما لايريده السلطان الذي يمسك بقبضة حديدية على كل موارد السلطنة المالية ويرمي الفتات فقط لشعبه لابقائه في حالة من الحرمان والتقتير لضمان تبعيته.


- الخوف الذي تشعر به الطائفة الإباضية التي تحكم سيطرتها على نظام الحكم في مسقط من هيمنة السلفية الوهابية التي تحكم السعودية على صنع القرار في الاتحاد والخوف من تغلغل القوة السنية إلى عمان وتغيير الإباضية لمذهبهم وزيادة نفوذ وقوة السنة في عمان.


- لذلك سترفض عمان الاتحاد ولن تنضم اليه حاليآ ولا بعد 50 عاما.




د. عبدالله النفيسي 
 سلطنة عمان لُغز وقامت بدور خطير


كيف كشف فيروس كورونا عن الجانب المظلم لبريطانيا؟

كيف كشف فيروس كورونا عن الجانب المظلم لبريطانيا؟
ديفيد هيرست

على مدى سنوات طويلة، بل وأطول مما قد يتذكر الكثيرون، هيمنت فكرتان على النقاش الوطني العام: أما الأولى فهي أن بريطانيا تغرق في بحر من المهاجرين متدني المهارات، وأما الثانية فهي أن بريطانيا ليست لديها الإمكانية لتمويل الخدمة الصحية الوطنية، والتي لا مفر من أن تتعايش، مثلها مثل الخدمات العامة الأخرى، مع الزمن.

ومن هنا جاءت الخصخصة زاحفة تسطو على مرافق الخدمات، ناهيك عن إغلاق المستشفيات وإضراب الأطباء الشباب وشغور ما يقرب من 44 ألف وظيفة تمريض حتى نوفمبر / تشرين الثاني الماضي.
ما لبث كوفيد 19، ذلك الجزيء الصغير والمنتقل من خفاش في الصين البعيدة، أن أنهى هذا النقاش، والذي تعلق به وتوقف عليه الكثير مما قيل ومورس في السياسة المحلية.

فقدان تام للذاكرة
 
وكأنما فقدان الذاكرة المفاجئ والتام واحد من الأعراض المبكرة للإصابة بالفيروس، يبدو أننا نسينا الآن أن جيريمي هانت، من موقعه كوزير للصحة، كان قد صاغ عقداً جديداً للأطباء الشباب حذف منه أجور العمل الإضافي.

تباهى هانت بانتصاره على الأطباء الشباب الذين شيطنهم تيار اليمين. حينها، قورن انتصاره على الأطباء الشباب بانتصار مارغريت ثاتشر على عمال المناجم، وكان ذلك منطلقه لخوض معركة التنافس على زعامة الحزب. صحيح أن سعيه خاب ولكن المحاولة لم تضره.

يتم التغاضي الآن عن كل ذلك

أولئك هم نفس الأطباء الشباب الذين يخاطرون اليوم بحياتهم في غرف الإنعاش على طول البلاد وعرضها ويعانون من نقص في الأقنعة والمراييل الواقية. وهذا هو نفسه جيريمي هانت الذي وقف لرئيس الوزراء بوريس جونسون يسائله بشأن غياب اختبارات المستضدات ونقص المراييل والأقنعة وأجهزة التنفس الاصطناعي، كما لو كان من أصحاب الاختصاص في هذا الموضوع.

ماذا عساك تصطحب معك لتقرأه وأنت تنتظر في المستشفى إلى أن تظهر نتيجة فحصك لوباء كوفيد 19؟، ولم لا يكون ذلك تلك المطوية التي تحتوي على السياسة التي شارك هانت في وضعها في عام 2005 وطالب فيها بالاستعاضة عن خدمة الصحة الوطنية بنظام تأمين.

الأبطال الحقيقيون

 كما يتم الآن بشكل مشابه مطالبتنا بمسح الذاكرة الجمعية من كل آثار الجدال الذي دار على مدى أربعة أعوام بشأن بريكسيت والذي انصب أساساً على قضية وجود أعداد كبيرة جداً من العمال ذوي المهارات المتدنية الذين يدخلون البلاد، الأمر الذي تمخض عنه تدشين نظام في فبراير / شباط من هذا العام يقوم على النقاط وضعته وزيرة الداخلية بريتي باتيل.

كم عدد هؤلاء العمال من أصحاب المهارات المتدنية الذين يتنقلون يومياً إلى العمل عبر وسائل المواصلات العامة معرضين أنفسهم للإصابة بالفيروس أثناء التنقل؟ كم عدد الذين يسوقون الشاحنات منهم، يقومون بتوصيل الطعام، أو الذين يعملون في المتاجر الكبيرة ويتحملون إساءات المتسوقين الذين أصابهم الهلع، أو يعملون في توزيع الطعام على المحتاجين أو يسكبون الحساء للجائعين، أو يقومون بمختلف المهام غير الطبية الأساسية التي تبقي بريطانيا حية طوال ساعات الإغلاق التام؟
فقط ما مدى اعتماد بريطانيا المغلقة على ما يقدمونه من خدمات؟ أعتقد أنه اعتماد كبير جداً.

في لحظة يعاملون كما لو كانوا بعض رائحة كريهة، وفي اللحظة الأخرى يشاد بهم ويصفق لهم باعتبارهم أبطالاً قوميين؟ فأين هم، هنا أو هناك؟

والآن، لدينا ثلاثة من الأطباء دفعوا حياتهم في سبيل تقديم الخدمة التي نذروا أنفسهم لها. إنهم الدكتور حبيب زايدي، وله من العمر 76 عاماً، وكان يعمل طبيباً عاماً في "ليه أون سي". للدكتور زايدي أربعة أبناء، أحدهم طبيب استشاري في الدم، والثاني جراح تحت التدريب والثالث طبيب أسنان والرابع طبيب عام. والضحية الثانية هو الدكتور عادل الطاير، وله من العمر 63 عاماً، وهو متخصص في زراعة الأعضاء قضى آخر أيامه متطوعاً في قسم الحوادث والطوارئ في منطقة ميدلاندز. والضحية الثالثة هو الدكتور أمجد الحوراني، وله من العمر 55 عاماً، وهو إخصائي أذن وأنف وحنجرة. يذكر أن الضحية الثانية والثالثة كلاهما من السودان.

من جيل إلى الجيل الذي يليه، يشكل هؤلاء الأبطال الحقيقيون جزءاً من جماعة المهاجرين الذي قدموا من آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا، والذين تعتمد عليهم خدمة الصحة الوطنية وتستفيد من خبراتهم.
ما هو حجمهم بالضبط؟

القوة العاملة في خدمة الصحة الوطنية
 
يشكل المواطنون البريطانيون ما يقرب من 88 بالمائة من القوة العاملة في خدمة الصحة الوطنية، بينما يشكل غير البريطانيين ما يقرب من 12 بالمائة، 6 بالمائة من مواطني الاتحاد الأوروبي و 6 بالمائة من خارج الاتحاد الأوروبي. يتباين توزيع هذه النسب من منطقة إلى أخرى داخل بريطانيا، وتحظى لندن بنصيب الأسد من العاملين في القطاع الصحي ممن ليسوا مواطنين بريطانيين حيث تبلغ نسبتهم 23 بالمائة.

فيما لو حللنا نسب العاملين في خدمة الصحة الوطنية على أساس الانتماء العرقي بدلا من الجنسية لبرزت لدينا أهمية العناصر الأسيوية والأفريقية والصينية وغير ذلك من الانتماءات العرقية. من بين العاملين الذين تعرف انتماءاتهم العرقية، يشكل البيض ما نسبته 79.9 بالمائة من القوة العاملة في خدمة الصحة الوطنية، وهذا يشمل العاملين في المجال الطبي والعاملين في غيره.

ولكن عندما تصنف العاملين في خدمة الصحة الوطنية إلى من يعملون في المهن الطبية ومن يعملون فيما سواها، ستتجلى بوضوح أهمية غير البيض من العاملين في هذا القطاع.

يشكل البيض ما نسبته 55.6 بالمائة فقط من العاملين في المهن الطبية، بينما يشكل الآسيويون ما يصل إلى 29 بالمائة، وهي نسبة أعلى بكثير من نسبة من يعمل منهم في المهن غير الطبية (فقط 8 بالمائة). كما أن العاملين في المهن الطبية من الصينيين والأعراق المختلطة وغير ذلك من الانتماءات العرقية يشكلون نسبة أكبر من نسبتهم في المهن غير الطبية.

أضف إلى ذلك أن واحداً من كل خمسة أطباء عموميين تأهلوا ويعملون بشكل دائم في إنجلترا حتى شهر مارس / آذار 2019 حصلوا على مؤهلاتهم العلمية من خارج بريطانيا – وأغلبية هؤلاء من بلدان خارج الاتحاد الأوروبي (16 بالمائة – أغلبيتهم من جنوب آسيا ومن أفريقيا) وأربعة بالمائة من داخل الاتحاد الأوروبي. أول مجموعة من العاملين في القطاع الطبي قضوا نحبهم في القتال ضد فيروس كورونا كانوا جميعهم مسلمين وأصولهم أو جنسياتهم إما آسيوية أو أفريقية.

نشرت صحيفة ذي صان صورة رمزية صغيرة لأحد الضحايا على صفحتها الأولى، وفيما عدا ذلك لم تصل صور أي من الضحايا إلى الصفحات الأولى لصحف الديلي إكسبريس والديلي ميل والديلي تلغراف، وهو أمر يثير الفضول، لأنه عندما يكون المسلم إرهابياً فلن يجد صعوبة في نشر صوره على الصفحات الأولى لهذه الصحف.

وحتى الآن، وحتى اليوم، تطالب صحيفة الصن بترك المسنين يموتون، حيث تتزايد حالات "فرز أجهزة التنفس الاصطناعي"، أي سحب المسنين من أجهزة التنفس الاصطناعي وتركهم يموتون لتوفير العدد القليل المتوفر من هذه الأجهزة لإسعاف المصابين الأصغر سناً. بل إن محررها السياسي تريفر كافاناه توسع في شرح فضائل التركيز على أن يستعيد الاقتصاد عافيته ويقف على قدميه من جديد، قائلاً إن عدد من سيموتون بسبب انهيار الاقتصاد سوف يفوق عدد من يموتون بسبب الفيروس.

كشف الحقيقة
 
لقد كشف كوفيد 19 عن حقيقة قل من يتكلم عنها حول بريطانيا بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي ينأى معظم السياسيين في التيار العام بأنفسهم عن التطرق إليه. هناك رؤيتان لهذا البلد: هل بريطانيا هي صناعة جماعية شارك فيها كل الناس بغض النظر عن المكان الذي انحدروا منه قبل أن يصلوا ويستقروا هنا؟ أم أن رأسمال هذا البلد هو الثروة والأثرياء فيها؟

هل نحن متساوون أما جهاز التنفس الاصطناعي أم أن المسنين لم يعودوا أولوية في زمن العجز والطوارئ؟ أي نوع من المجتمعات هذا الذي نسعى للحفاظ عليه؟ ومن نحتاج لكي يدافع عنا؟

إن خدمة الصحة الوطنية، وليس صحيفة ذي صن ولا هانت ولا جونسون، هي التي ستحمينا من أخطر مهلك يضرب اقتصادنا منذ الحرب العالمية الثانية. عندما نقرأ صحيفة ذي صن، هلا أدركنا على الأقل مدى شيطانية مقالها الافتتاحي الذي نشر يوم 24 مارس 2016 بعنوان "افصلوا الأطباء"؟

لقد أثبت فيروس ضئيل لا نملك الحصانة منه أنه أكثر دماراً لأسلوب معيشتنا من جميع أعداء بريطانيا التقليديين مجتمعين. إن الذي أوقف عجلة الحياة في بريطانيا فيروس مجهول – وليس إيران ولا بوتين ولا تنظيم الدولة الإسلامية، ولا البيروقراطيين في بروكسيل، ولا اللاجئين الباحثين عن ملاذ في أرجاء المتوسط.

لقد علمنا هذا الفيروس قيمة مهاجرينا وأبنائهم، وأن نقدر جهود من يتقاضون أجوراً زهيدة، وأن ندرك حماقة الاختباء وراء الجدران في عالم متصل ومتواصل، بحيث أن ما وقع في ووهان ذات يوم سيقع في اليوم التالي عند زاوية الشارع الذي نعيش فيه.

يوم الحساب
 
ليس هذا بالأمر الجديد. فلكم اعتمدت بريطانيا على غير البريطانيين في أزمنة الطوارئ الوطنية في أزمات سابقة. فعلي سبيل المثال شارك 574 طياراً من بلدان أخرى غير بريطانيا في طلعات جنباً إلي جنب مع 2353 طياراً بريطانياً أثناء معركة بريطانيا. جاء هؤلاء من بولندا ونيوزيلندا وكندا وتشيكوسلوفاكيا وبلجيكا وأستراليا وجنوب أفريقيا. لكم كان سهلاً أن ننساهم جميعاً.

قبل شهور مضت فقط، في أوج الحملة الانتخابية، لم يرغب أحد – ولا حتى قطاعات كبيرة من حزب العمال – في المشاركة في الحملة ضد الجانب المظلم من بريطانيا الحديثة، ذلك الجانب الذي كشفه الآن فيروس كورونا. من أهم ملامح ذلك الجانب المظلم انعدام الاستقرار للعاملين الذين لا يمنحون عقوداً تحفظ حقوقهم، وفي اقتصاد الاستعراض أطفال يعانون من الجوع في فترة الإجازات، والممرضون والممرضات الذين يتركون العمل في خدمة الصحة الوطنية زرافات ووحدانا.

غدا هؤلاء الآن في الخطوط الأمامية يحوزون على اهتمام الجميع، ولكنهم لم يكونوا كذلك من قبل.
كانت للزعيم السابق لحزب العمال جيريمي كوربين رسالة واضحة بشأن بريطانيا ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي. سوف يكون صعباً أن يشرح المرء للمؤرخين كيف يمكن لرجل واحد أن يكون محقاً جداً بشأن القضايا التي ما لبثت أن احتلت موقع الصدارة من الاهتمام في نفس الأسبوع الذي تم فيه استبداله كزعيم لحزبه.

يعامله أقرانه الآن كما لو كان مصدر إحراج لهم، ويعتبرونه أسوأ زعيم منذ مايكل فوت. ومع ذلك، لو أن بريطانيا استمعت له حينما كان يتكلم عن النقص الذي تعاني منه خدمة الصحة الوطنية في العاملين، وحين تحدث عن أصحاب المهارات المتدنية وأصحاب الأجور الزهيدة، وحول اقتصاد الاستعراض، لما كنا اليوم في هذه الحالة من الفوضى العارمة.

إن من ينبغي أن يخجلوا من أنفسهم – ولا أستثني من هم داخل حزبه – هم أولئك الذين اصطفوا في طابور ليغرسوا الخنجر في ظهره. لن يسمح لنا هذا الفيروس بأن نسامح أو ننسى.
سيموت الآلاف بدون أي داع قبل أن تنتهي هذه الأزمة، ثم بعد ذلك سيكون الحساب. يوماً ما.

هل استعد العرب لما بعد كورونا؟

هل استعد العرب لما بعد كورونا؟

من أبرز نتائج وباء كورونا سقوط التحالف الدولي الذي يحارب الإسلام منذ انهيار الاتحاد السوفيتي بأكثر من صيغة
عامر عبد المنعم
يبدو أن معركة دول العالم لمواجهة كورونا ليست سهلة وستحتاج البشرية إلى مدة ليست بالقصيرة للوصول إلى المصل المضاد وتجريبه والتأكد من فعاليته، لكن للفيروس تداعيات أخرى لا تقل خطورة، تحتاج إلى دراسة واعية على أسس علمية، وواقعية لوضع تصورات عبقرية للحلول لتقليل حجم الخسائر.
لم يضرب كورونا -فقط - صحة الإنسان ويهاجم جهازه المناعي، وإنما ضرب الاقتصاد العالمي، وزلزل النظام الدولي، وهزم التحالفات العالمية والإقليمية القائمة على أسس مصلحية أنانية، وكشف ضآلة التفكير الإنساني الذي أنفق الثروات على تطوير الأسلحة للقتل والإبادة، وتصنيع أقمار التجسس لرصد حركة كل ما هو منظور.
فضح الوباء النظام الدولي الذي وقف عاجزا، وسقطت العولمة، وعادت الدول إلى حدودها وممارسة سيادتها وانشغلت كل دولة بمصيبتها، ولم تتصرف الدول الكبرى بمسؤولية، فالصين تتكتم على الحقائق وتتهم الجيش الأمريكي بالوقوف وراء انتشار الفيروس، وترامب يصف كورونا بـ " الصيني" ويدلي بتصريحات متضاربة ومضللة، ودول أوربا تمارس القرصنة وتسرق شحنات الأدوية والتجهيزات الطبية من بعضها!
لقد أثبت "كورونا" أن الأسلحة العسكرية وحدها لم تعد معيارا لقياس قوة الدول، وأن القنابل النووية والصواريخ ومداها وحمولتها وقوتها التدميرية أضعف من مواجهة فيروس لا يرى بالعين ولا ترصده الرادارات المتطورة، وفوجئ العالم من شرقه إلى غربه بأن البشرية أمام هجوم كاسح يجتاح الكرة الأرضية ويخترق قصور الحكم وليس له سلاح مضاد.
لقد تعرض العالم للكثير من الأوبئة على مدار التاريخ لكن حالة الذعر التي نعيشها هذه الأيام غير مسبوقة بسبب قوة الإعلام واقتراب الفيروس من كل إنسان، فالطاعون الأسود ( 1347 – 1350 م) تسبب في وفاة ما يتراوح بين 75 : 200 مليون إنسان في أوربا وأفريقيا، وتسببت الأنفلونزا الإسبانية ( 1918 – 1920 م) في وفاة 50 مليون نسمة في أنحاء العالم، وتسببت الأنفلونزا الآسيوية ( 1957 – 1958 م) في وفاة مليوني إنسان في الصين وسنغافورة.
رغم أن أرقام المصابين والضحايا حتى الآن أقل بكثير من ضحايا الأوبئة الشهيرة التي ضربت العالم فإن الرعب من الفيروس نتج عنه إجراءات صارمة على كل الأرض المعمورة، فتوقفت حركة المواصلات الجوية والبرية والبحرية وتم إغلاق الحدود وحصار المدن، وحبس الشعوب في المنازل، ونزلت الجيوش إلى الشوارع لفرض حظر التجوال في أغرب عملية عسكرية.
التداعيات الاقتصادية الأخطر
تسبب الفيروس في خسائر اقتصادية هائلة للدول وللشعوب، فقد انهارت البورصات العالمية وفقدت الشركات أسهمها، وتسبب الإغلاق الكلي والجزئي في توقف عجلة الاقتصاد وتسريح قطاعات كبيرة من العمالة، ونتج عن حظر التجوال الإجباري والطوعي والتزام السكان في كل دول العالم بيوتهم وتضرر الكثير من الأسر.
وعندما قررت الحكومات اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة كورونا تم تنفيذ الأجندة الأمريكية الرأسمالية الجشعة، واستمر نفس النهج الخاطيء الذي يحابي نسبة الـ 1% على حساب الغالبية الـ 99% والذي سيزيد من حجم الخسائر إن لم يتم التصحيح.
 لقد ذهبت معظم المخصصات إلى تعويض رجال الأعمال والشركات الكبرى، وخصصوا القليل للرعاية الصحية، ولم ينظروا إلى المواطنين الأولى بالدعم، وهم ليسوا فقط الفقراء والعاملين باليومية وإنما كل طبقة الموظفين والعاملين الذي أنفقوا كل مدخراتهم لتحصين أنفسهم وعائلاتهم وتضاعف إنفاقهم على الدواء والغذاء بسبب الوباء.
الأزمة الأكبر التي سيدخل فيها العالم هي نقص الغذاء، فالإغلاق والخوف سينتج عنه تراجع التصنيع والزراعة، كما أن سياسات عزل الدول والمدن والشلل في حركة المواصلات سينتج عنها توقف حركة تدفق السلع والاحتياجات بين الدول، بل ستمتنع بعض الدول عن تصدير منتجاتها الزراعية والغذائية لتحقيق الاكتفاء الذاتي لشعوبها.
في ظل الأنانية الدولية التي ظهرت مع الضربات الأولى للفيروس فإن الدولة التي ستتأخر في وضع استراتيجية طويلة المدى لنفسها ستدفع الثمن غاليا، ولن تجد من يمد لها يد العون، وإن لم تضع خططها الوطنية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء والضرورات الصحية ستنهار مع انفجار قنبلة الجائعين؛ فالناس قد يصبرون أسبوعين أو شهرين لكن لن يستطيعوا الصبر شهورا.
نظام دولي جديد
كورونا رغم كل هذه الخسائر سيعيد رسم خارطة التوازن العالمي، وسينهي النظام الدولي الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية، وكما كان شكل العالم يتغير بعد الحروب الكبرى فإن حرب كورونا لها تداعيات أكبر وأوسع، وهذه المرة فرصة المسلمين للفكاك من الهيمنة الغربية متاحة، إذا حدث التغيير المنشود في العالم العربي، واختفى الحكام التابعون لأمريكا وإسرائيل، وجاءت حكومات مستقلة مخلصة تعتز بدينها ولديها طموحات تليق بشعوبها.
من أبرز نتائج وباء كورونا سقوط التحالف الدولي الذي يحارب الإسلام منذ انهيار الاتحاد السوفيتي بأكثر من صيغة، والذي أطلق عليه مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق لترامب مايكل فلين بـ "تحالف القرن الحادي  والعشرين لمحاربة الإسلام" وحشدوا من أجله الجيوش والثروات، وشارك فيه حكام وملوك عرب، وبسببه دمروا دولا إسلامية وشردوا بعض شعوبنا، ويحاصرون للآن دولا أخرى.
لقد اكتشف العالم أن الإسلام الذي احتشدوا لحربه ليس هو الخطر فسمحوا بالتكبير والأذان وطلبوا الدعم من المسلمين، واكتشفوا أن الفيروس لا يفرق بين الأديان، وتبين لهم أن الأوهام التي عاشوا فيها خدعتهم فأنفقوا أموالهم في غير محلها وعندما جاءهم الفيروس لم يجدوا ما يواجهون به المرض.
سواء سقط ترمب في الانتخابات المقبلة  أو بقي فإن العالم بعد كورونا ليس كما كان قبله، فالحكومة الأمريكية وقفت عاجزة فاشلة، وأصبحت الولايات المتحدة الدولة الموبوءة رقم واحد في العالم وأسوأ من الصين، وكما كانت نهاية بريطانيا بعد فشلها في حرب السويس فإن أمريكا كإمبراطورية عظمى سقطت أمام كورونا وبدأت شمسها تغيب.
 لقد فشل الاتحاد الأوربي في مواجهة الكارثة، ولجأت الدول الأوربية إلى الصين وتم انزال علم الاتحاد الاوربي في إيطاليا ونعى الرئيس الصربي أوربا، واستقبلت البعثات الصينية باحترام وتقدير من إيطاليا إلى إسبانيا، ولم يطلب الأوربيون أي دعم من أمريكا الغارقة.
لقد تسبب فشل وانهيار النظام الدولي في اختفاء كل الأشكال الجماعية وظهرت النزعة الفردية، والعزلة، وانكفاء كل دولة على نفسها وانشغالها بانقاذ شعبها، وهذا بقدر ما يراه البعض سلبيا فإن المحنة ستجبر دولنا على تصحيح نفسها والتخلص من الفاسدين والعودة إلى الثوابت والبحث عن المصالح.
علينا أن نبحث عن مكاننا في الترتيبات الجديدة، وألا نسير خلف المتخاذلين والمنهزمين وقصيري النظر الذين أدمنوا العبودية، ويريدون لنا  أن نستبدل التبعية للصين بالتبعية للغرب ، فالطريق مفتوح لاستعادة الوحدة مع المسلمين وإحياء قلب الأمة وحجز المكان الذي يليق بالعالم الإسلامي.

رينيه غينون .. عقل فرنسا المسجون

رينيه غينون .. عقل فرنسا المسجون


مهنا الحبيل
(يرى غينون أن الحضارة الغربية هي الحضارة الوحيدة التي خلقت نمطاً من العلم، الذي لا يهدف إلا إلى المصلحة المادية، وتكديس الثروة وتطوير الأدائية، وقصر اهتمامها على الأهداف الصناعية، والاختراعات الميكانيكية. 
ويتهم غينون بحسره، الفلسفة الغربية الحديثة، بوضع حدود تعسفية والاهتمام بأمور دقيقة غير ذات قيمة. 
وقد منعت الدراسات الاستشراقية عن الإسلام، كل سبل الوصول إلى هذا الفهم لغينون، في ضوء أفكاره عن الثبات والاستقرار والتغير، كقوة لا نظير لها في الحضارة الإسلامية..).. وائل حلاق.
يُقال إن ديغول رد على طلب الإذن باعتقال ميشيل فوكو، في أحداث جامعة فنسن، بأنه لن يفعل(حتى لا يُقال إن فرنسا تعتقل عقلها)، والحقيقة أن دور فوكو الضخم في التأثيرات الفكرية أو مكانة الحفر التفكيكي، ضمن المنظومة اليسارية أو حتى داخلها، حقق سمعة كبرى لفرنسا باسم حرية المعرفة، وقد أعلنت باريس بالفعل اعتبار مؤلفات فوكو ثروة وطنية لقوميتها. وباتجاه معاكس عبر تقييم الفكر يبدو أن باريس حيّدت الفيلسوف الفرنسي رينيه غينون، حتى في لغة الترجمة عنه، من الرواق الأكاديمي حتى تعريف ويكيبيديا، إذ أن إسلام رينيه غينون وتمسّكه بنزعته الصوفية حتى الرحيل، أسقط الميزان العلمي والفكري المفترض أن يتم التعامل معه، مع أفكار رينيه غينون، المستشرق الفرنسي الذي قرّر أن يستقر في مصر في العام 1930 ويتزوج منها، على الرغم من أنه كتب قبل رحيله أكثر من أربعة مؤلفات  

رئيسية، ضمن النقد الفلسفي الآخر الذي لا تعترف به أوروبا، خصوصا كتابه "أزمة العالم الحديث". وفي حين رفض العودة الى باريس، عاش غينون حالة متقشفة بسيطة، وأعلن استقلاله عن الأكاديمية الغربية التي كان من الممكن أن تُمطر عليه ثروة ومنصباً، لو تحول إلى فيلسوف يعرض الشرق بمرجعية الاستشراق الفرنسي، كما فعل رينان وماسينيون، فيضمن حضوراً فخماً في أوروبا، ومرجعية تفرض نفسها على أروقة الشرق (المتخلف) الذي يوضع دائماً في مقام التلمذة، أمام الأكاديمية الغربية. وهي تلمذة قهرية، ليست بسبب فشل النظام الرسمي في الشرق، منذ تخلّف العثمانيين حتى استبداد العرب الجديد، بعد تقسيم أقاليمهم، ولكنها سياسة كولونيالية قائمة منذ عهد الاستشراق الأول، فمن النادر أن تشجع الأكاديمية الغربية روح الفلسفة الأخرى القادمة من الشرق، فضلاً عن النزعة المعرفية الإسلامية المجادلة فلسفياً للغرب. وبحسب وائل حلاق، هناك اهتمام غربي جديد خلال العقد الأخير بالنزعة الغزالية في الفلسفة التي طوّرها في الرواق الجديد غينون، في النصف الأول من القرن العشرين، وبالتالي يعود بعض الباحثين إليه اليوم.
وفي الحقيقة هنا وقفة مهمة للغاية في التأمل في التاريخ الاجتماعي للمؤلف ومعيارية التقييم، لا يمكن أن نغادرها اليوم، إذا كانت هناك إرادة معرفة حرّة بالفعل، تسعى إلى العودة إلى التشريح المنطقي لخلاصات الفلاسفة المعاصرين، وفهم لماذا تصدّرت رؤيتهم ولماذا طُمرت الرؤى الأخرى. ونحن هنا أمام مثالين مهمين، على الرغم من التفاوت الزمني البسيط، حيث رحل فوكو في 1984 وسبقه غينون في 1951، غير أن الفارق المنهجي الرئيسي هنا يُعطي أهمية بالغة لطرح رؤية غينون في مقابل رؤية فوكو، وكون أن الظرف النفسي، في حياة  


الشخصيتين والسلوك الحياتي، والنهاية الأخيرة، هي ضمن أدوات التفكيك الضرورية، فلا يجوز أن تغيب اليوم، ويثبت إغفالها وكأنه متطلب للدراسات الأكاديمية، أو يبرّر بأنه احترام للاختيارات الشخصية للفيلسوف والمؤلف، فنحن اليوم بحاجة إلى سوسيولوجيا حياة المؤلف للفهم العلمي، وليس لتحقيره أو تعظيمه الشخصي. بل إنه في حالة ميشيل فوكو، ظلت ممارساته متعدّدة المنعطفات، ضمن ما قال رفاقه إنها تجربة أداتية فلسفية أيضاً، لأفكاره، خصوصا تاريخ الجنسانية. 
وفي حالة غينون الذي نعرض لفلسفته مستقبلاً، سننظر هل بالفعل كانت فلسفة مكتملة الأركان بغض النظر عن صوابها أو خطئها، أم أنها كانت مجرد طلاسم أو تدوينات في علم غيب الأرواح ونعتها بالميتافيزيقيا، الموظفة في مصادر توصيف مؤلفات غينون، وبالتالي أُخرج غينون من ميدان الفهم الإنساني، والتشريح النقدي لمآلات العالم الحديث.
وهذا كله لا يعني مطلقاً أن نعتبر الجهد الذي انتهى إليه فوكو محض خطيئة، بناءً على سلوكه، ولكنه أيضاً، يعيد تذكير العالم بأحد أهم مقدسات الغرب الفلسفية التي سادت وظروف تأليفها، حين كتابتها. ومنتصف الطريق المهم للغاية في معادلة فوكو، في النظر إلى المعرفة، بمعزل عن القوة المهيمنة، هو متحد مع رينيه غينون، ولكن سؤال النصف الآخر، هو المغزى الأصلي لعالم اليوم.
سواءً استحضرنا إغراق رينيه غينون في التفسير الروحي، وفي قراره الذاتي لحياته الشخصية،  


أو استحضرنا منعطفات فوكو ونهايته، فنحن هنا نحترم المفكر، ونحترم الحقيقة التي سعى إليها، ونفهم كيف أخفق في ذلك، وكما قال أرسطو: أحبّ أفلاطون ولكن الحقيقة أحب إليّ منه... فإقدام فوكو على محاولة الانتحار، ثم توسّعه في السادية المثلية، وصولاً إلى دعم عريضة رفع الحماية عن القُصَّر، بدعوى قبولهم، ووضعهم تحت الممارسات المثلية السادية التي كثف ممارستها، في تهديدٍ مروّع لعالم الطفولة، ثم إغراقه، في مستقره الأميركي الأخير، في ممارسة السادية المثلية بعد جرعة مخدرات خطيرة، وخلال موسم إلقاء محاضراته، قبل أن يصاب بالإيدز في سان فرانسيسكو، ويموت بسببه، هي متداخلة بعمق مع ثقافةٍ تسود الغرب اليوم للتفسير الجنساني للعالم، وإسقاط الأسرة.
فإذا كان هذا التصوف والانقطاع الروحي والزواج والقناعة به في البيئة المصرية، حتى أن غينون سمى بيته حباً لزوجته المصرية دار فاطمة، وآخر كلمة نطق بها قبل الرحيل (الله)، كان ضمن مسببات تحييد فلسفة كتبه عن الاستحقاق البحثي، فإن القاعدة نفسها، ولأهمية أكبر، تقودنا إلى النظر في إرث فوكو الذي أعطيت كل المنابر له، وعزل عقل غينون في سجن الحقيقة.

كورونا.. السيناريو الأخطر الذي لا تخبرنا به الحكومات!

كورونا.. السيناريو الأخطر الذي لا تخبرنا به الحكومات!

فراس أبو هلال
إذا كنت ممن يقرأون الجملة الأولى من المقالات فالسيناريو الأخطر هو انهيار الدولة، وعودة المجتمعات لعصر "ما قبل الدولة"، ولكنه سيناريو يمكن تجنبه لو التزم الناس بإجراءات منع العدوي والتباعد الاجتماعي.

مات فقط اليوم الإثنين الثلاثين من آذار 2020 حوالي 18500 إنسان من الجوع في العالم، فيما مات هذا العام حتى الآن أكثر من 119 ألف إنسان بسبب الإنفلونزا الموسمية، وأكثر من 412 ألف بسبب الإيدز، وأكثر من 613 ألف بسبب شرب الكحول، وأكثر من مليون و226 ألف بسبب التدخين، وأكثر من 331 ألف قتلوا في حوادث الطرق حتى الآن هذه السنة في أنحاء العالم.

الأرقام أعلاه من موقع وورد ميتر "مقياس العالم"، وهو مصدر يعتمد على مصادر وطنية وعالمية لحظة بلحظة.

عند قراءة مثل هذه الأرقام يتساءل المرء وحق له أن يتساءل،
فلماذا كل هذا الذعر في العالم بسبب كورونا الذي لم يتسبب خلال أربع شهور إلا حوالي 35 ألف إنسان حول العالم؟! 
البعض سيجد في الأرقام أعلاه دليلا قاطعا على نظرية المؤامرة، وأن الفيروس هو من صنع دولة ما أو مجموعة دول، قاموا بتسريبه للبشر لأسباب مختلفة، بعضها يتعلق بتوفير الإنفاق على المرضى والعجزة (نظرية داروين البقاء للأقوى) حيث أن المرض سيقتلهم ويوفر على الدولة نفقات علاجهم ورعايتهم، وبعضها يتعلق باستفادة دولة ما على حساب دول أخرى، وغيرها من الاحتمالات.

لكن ثمة تفسير بعيد عن الاحتمالات التآمرية التي نعتقد أنها غير صحيحة، وربما سيكون لنا عودة لنقاشها بالتفصيل
(إذا لم يقتلنا الفيروس!)، وهذا التفسير ينطلق من تداعيات انتشار فيروس كورونا على بنية الدولة والمجتمع كما بتنا نعرفها منذ القرن التاسع عشر، وهي البنية التي أسست على أن الدولة هي من تحتكر تنظيم حياة الناس -وفق قوانين ودستور طبعا- ولكنها في نهاية الأمر هي من تقود المجتمعات وتحتكر التنظيم وسن القوانين والتشريع والأهم أنها تحتكر العنف وتطبيق القانون.


ما تخشاه الحكومات ولا تعلنه هو أن انتشار المرض بطريقة أفقية في أسوأ الأحوال قد تصل لنسبة 60-80 بالمئة من البشر، سيؤدي بلا شك إلى انفجارات اجتماعية قد تؤدي لانهيار الدولة تلقائيا. لنتخيل السيناريو الأسوأ وهو إصابة هذه النسبة بالمرض، ولتسهيل الأمر دعونا نأخذ أي بلد يعيش فيه 100 مليون مواطن، وفي هذه الحالة سيصاب 60 مليون إلى 80 مليون بالفيروس. سيحتاج منهم حسب النسب المعلنة حتى اليوم 10 بالمئة للدخول للمستشفيات وهو ما يعني أن 6-8 مليون سيحتاجون المستشفى في فترة واحدة محدودة تمتد لحوالي 3 أشهر، وبالتأكيد فإن هذه الأعداد لن تستطيع أي دولة في العالم أن تتعامل معه، لأنه لا يمكن لأي نظام طبي مهما كان قويا أن يستوعب هذا السيل الجارف من المرضى في وقت واحد.

إذا حصل هذا السيناريو، سيلجأ الناس لأساليب "ما قبل الدولة" للحصول على حقهم بالعلاج، وسيمارس العنف ضد الأطباء والممرضين الطواقم الطبية، وسيخشى هؤلاء من ممارسة عملهم، وستعجز الشرطة والأمن عن إعادة الأمور إلى نصابها، وسيختل الأساس الأهم لتأسيس الدولة الحديثة وهو "احتكار العنف"، لأن الدولة ستصبح عاجزة عن أداء واجباتها، وهذا السيناريو سيرفع نسبة من يموتون بالمرض التي تتراوح الآن بين 2 و 10 بالمئة إلى أضعاف لا يعلمها إلا الله.

تخشى الحكومات من إعلان هذا السيناريو لمنع إثارة الذعر، وهي محقة في ذلك، ولكنها في نفس الوقت تضغط لتطبيق التعليمات والإجراءات التي لا يستطيع الكثيرون تفهم أسبابها. بعض التداعيات بدأت بالفعل، فقد أعلنت بريطانيا اليوم مثلا أن الشرطة لن تكون قادرة على متابعة بعض الجرائم الصغيرة بسبب انتشار الفيروس، فيما اضطرت بعض الدول لاستخدام الجيش في تطبيق التعليمات، وقام بعض المواطنين في الدول التي يسمح فيها بترخيص السلاح بالتهافت على شراء الأسلحة لحماية عائلاتهم إذا وصلت الأمور للسيناريو الأسوأ لا قدر الله.


هذا السيناريو الذي تخشاه الحكومات يجب أن نخشاه نحن أيضا، ففي ظل الواقع الحالي فإنه لا يوجد نظام بديل للدولة الحديثة لإدارة حياة الناس، ولم يعد البشر جاهزين للعودة لمرحلة وأعراف وآليات سابقة على تأسيس الدولة الحديثة.

السيناريو الأسوأ يمكن تجنبه بالالتزام قدر الإمكان بالإجراءات التي تعلنها الحكومات في كل بلد، والابتعاد عن الإغراق في تفاصيل "المؤامرة" لدرجة تمنع التركيز على محاولة منع انتشار الفيروس، والامتناع عن التصرف وكأن عدم الاستجابة للقرارات الحكومية الآن هو تمرد ورجولة، فالتمرد هو برفض الظلم والفساد والاستبداد وليس برفض الإجراءات التي تحمي الناس والبلاد، والناس يحتاجون في الأزمات للثقة بالحكومات حتى لو كانت لا تستحق الثقة!

الاثنين، 30 مارس 2020

أمريكا والإبادات بأنواعها!



رفع الوعي العام مسؤولية كبرى في عنق القادرين عليه، وهو أولى في حق مثقفي الأمة ووسائل إعلامها. وإن إجادة لغة أجنبية، مع الجلد في البحث والتقصي لمما يسهم في رفع مستوى الإنتاج العلمي والثقافي؛ وتزينه النية الصادقة، والغايات النبيلة، ثم حسن تقديمه للناس وعرضه عليهم كي يستوعبوا عبره، وتستبين لهم السبل؛ والسبل مظلمة ما لم يحمل أهل العلم مشاعل الإنارة، ومصابيح التنوير.
وقد بذل الباحث الدكتور منير العكش أستاذ اللسانيات واللغات الحديثة، ومدير البرنامج العربي في جامعة سَفُك ببوسطن - وهو سوري المولد فلسطيني الاختيار -، بذل جهوداً مضنية، وصرف أوقاتاً طويلة في البحث والتنقيب عن تاريخ الهنود الحمر في البقعة التي تعرف الآن بأمريكا؛ حتى وضع ثلاثة كتب أشبه بالشهادات التاريخية الموثقة. وإنّ نهمه وإصراره لموضع شكر؛ حيث أفاد أبناء أمته التي يُكرر معها السيناريو ذاته الذي قضى على أمم وشعوب تقدر بمئات الملايين.
وفيه استقرأ المؤلف خمسة ثوابت رافقت التاريخ الأمريكي منذ النشأة حتى اليوم، وحددها كما يلي:
- المعنى «الإسرائيلي» لأمريكا.
- عقيدة الاختيار الإلهي والتفوق العرقي والثقافي.
- الدور الخلاصي للعالم.
- قدرية التوسع اللانهائي.
- حق التضحية بالآخر.
وأورد الباحث قصة وصول البيض للعالم الجديد في القرن السادس عشر وإبادة 112 مليون إنسان على الأقل ينتمون لأربعمئة شعب؛ لم يتبقَ منهم في إحصاء عام 1900م سوى ربع مليون نسمة! وتنوعت وسائل الإبادة ما بين قتل، وسلخ فروات الرؤوس، وصلم الآذان، وبقر بطون الحوامل، وهشم رؤوس الرضع، ونشر الأوبئة والجراثيم، وإحراق المحاصيل، وتدمير المنازل والقرى، ويكفي من شر سماعه!
ومع قبح هذه الجرائم فقد كان المحتل الأبيض يراها «أضراراً هامشية» استلزمتها أعمال نشر الحضارة وتمدين الشعوب! فاللهم أجر أهل الأرض قاطبة من تمدين كهذا! والذي يزيد مرارة هذه الاعتداءات أن هذه العمليات الشنيعة كانت تمول من ريع بيع المختطفين من أطفال الهنود ونسائهم؛ فأي عذاب كهذا؟ وأي خسة تنافس خساسة البيض الغادرين؟
ويترافق مع هذا الإثم الكبُّار تزوير منظم؛ فالضحية تشاع عنها أوصاف الهمجية والبربرية والتوحش، بل يلقى في روع الجند أن هذه الشعوب ليست بشراً، وإنما شياطين تستحق السحق، ولذا تنتفي أي مشاعر إنسانية تجاههم. وبالمقابل تصف الثقافة الأمريكية القتلة الأوائل بأنهم «حجاج» و«قديسون»، وتطلق أسماءهم على المدن والميادين، وتضع صورهم بإخراج جميل على الدولار بفئاته وكأنهم فرسان نبلاء.
ويحتفل كل بيت أمريكي بعيد الشكر في الخميس الرابع من شهر نوفمبر سنوياً، وهو عيد ديني وطني أقدس من غيره، وقلما تجتمع الأسرة الأمريكية كلها في وقت واحد في غيره، وفيه يذبحون ثلاثين مليون «تركي» قرباناً واحتفاء بأسطورتهم التاريخية؛ فهل يعلم القارئ أمة تتخذ من ذكريات القتل والحرق والإفساد والنهب يوم سرور وفرح؟ وأي سفول تنحدر فيه حضارة وأمة إذا كان هذا يوم عيدها وبهجتها؟
ويختصر المؤلف الفكرة التي تقوم عليها أمريكا، وهي مشابهة لفكرة إسرائيل التاريخية؛ وتعتمد على ثلاثة عناصر هي:
1- احتلال أرض الغير.
2- استبدال سكانها بآخرين غرباء واستعباد من يظل حياً من أهلها.
3- استبدال ثقافتها وتاريخها بثقافة المحتلين وتاريخهم.
وكل ما سطره الباحث في هذا الكتاب «المخيف» ليس تاريخاً مضى، بل إنه ركن أساسي في الثقافة الأمريكية، وفي عقيدة ساستها وعساكرها، ومازال اللاحق يتعلم من السابق، وجرائم الحاضر تؤكد استمرار تلكم المجازر التاريخية، فمن ذا يزيل عن عيون أمتنا الغشاوة؟
وفيه ينقل الباحث نصاً لتوماس مكولاي مهندس سياسة التعليم الإنكليزية للشعوب المستعمرة، حيث يقول: «لا أظن أننا سنقهر هذا البلد ما لم نكسر عظام عموده الفقري التي هي لغته، وثقافته، وتراثه الروحي»، وفهم هذا النص الخطير يفسر لنا سر الهجمة الأمريكية الشرسة على مناهج التعليم ومنابر الجمعة، وصدى هذه الهجمة لدى الأتباع ضد الدعاة والقنوات ووسائل التوجيه التي تمثل مقاومة ثقافية للذوبان في مستنقع الغرب الآسن الوحل.
وقد وعى المحتل أن خير طريقة لإفساد ثقافة الشعوب المستضعفة تكمن في استعمال طائفة غير محمودة من أبناء هذا الشعب، يحملون الأسماء ذاتها، ويتكلمون اللغة نفسها، لكنهم يفكرون بعقلية المحتل، ويختارون ما يوافق رغباته. وإنّ جريمة هؤلاء الخونة في حق أممهم من الشؤم بحيث تنتج جيلاً رخواً لا يعرف عدوه من صديقه، وينسى تاريخه وتراثه، وينغمس في ترهات لا تفيد، وحال الشعوب المحتلة ثقافياً أكبر برهان، فاللهم استنقذ أجيال المسلمين من خبل العملاء وإرجاف المفسدين.
ووصف المؤلف المدارس التي أنشئت لتفريغ أطفال الهنود ونزع تراثهم منهم، ولعمر الله إنها لسجون ومعسكرات ومواضع سخرة وليس فيها من التعليم إلا أقل القليل، ونظراً للإهانات البغيضة التي تعرض لها الأطفال، وشملت حتى الاعتداء الجنسي؛ فقد تتابعت عمليات الانتحار بعد فشل محاولات الهروب، وقضى نصف أطفال الهنود داخل هذه المدارس، ودفنوا في المقابر الملحقة بها، ووريت أجسادهم في قبور حفروها بأيديهم الصغيرة، بعد أن كدوا وعملوا ما جلب الثراء للمحتل، حتى إن دخل بعض المدارس زاد عن أضعاف مصاريفها، وبالمقابل لم يجد الأطفال معاملة حسنة، ولا طعاماً سائغاً، وحرموا من الحديث بلغتهم، ومن ارتداء ملابسهم، وحلقت شعورهم حتى تنطمس هنديتهم. إنّ النفوس التي تستعذب فعل ذلك في الأطفال الأبرياء لنفوس متوحشة منزوعة الإنسانية، وإن تنفخوا بها.
وفكرة الكتاب منبثقة من وثيقة عثر عليها المؤلف أثناء بحثه، وقد كتبها هنري كيسنجر عام 1974م بأمر من الرئيس فورد، وكانت سرية حتى عام 1989م، وتهدف إلى قطع نسل نساء 13 بلداً خلال ربع قرن، وهذه البلدان هي: بنجلاديش، باكستان، نيجيريا، إندونيسيا، مصر، تركيا، الهند، المكسيك، البرازيل، الفليبين، تايلاند، الحبشة، كولومبيا.
واقترحت الوثيقة ابتعاد أمريكا من الصورة نهائياً تجنباً لإحراج هذه البلدان وقادتها، مع ضرورة تكليف صندوق الأمم المتحدة للسكان بتنفيذ هذه المهمة، واشترطت أن يدير هذا الصندوق رجل ملون حتى لا يثير الشبهة! وما أدق تفاصيل مكرهم، وأجلدهم على ارتكاب الموبقات.
ومع مرور عقود على هذه الوثيقة، إلا أن المؤمنين بها وبأساسها الذي بنيت عليه لا يزالون يتسنمون أعلى الوظائف العلمية في البيت الأبيض وأخطرها، وقد اقترح أحدهم برنامجاً لتعقيم النساء في العالم يتكون من الخطوات التالية:
1- ضرورة سيطرة الدولة على الخصوبة بالتدخل الطبي سواء بالجراحة أو بالعقاقير.
2- إرغام النساء الحوامل على الإجهاض.
3- تنفيذ عملية تعقيم جماعي للبشر عبر معالجة المنتجات الغذائية شريطة ألا تؤثر على خصوبة الحيوانات!
4- فرض نظام كوكبي لوضع سقف مقبول للتكاثر؛ ويجب على الحكومات أن تتنازل عن سيادتها لهذا النظام، وإلا كانت عرضة للتدخل والعقاب.
واستثمر الأنجلوسكسون النظريات التي جاء بها دارون، وتوماس مالتوس، وغريغور مندل، وهنري سبنسر، وبعض هؤلاء كان للإجرام أقرب منه للعلم، وأبرز مثال الاقتصادي مالتوس الذي لم يرَ بأساً في قتل الضعفاء، ومنع المساعدات الخيرية للفقراء، وكان نصيراً لنشر الأوبئة الفتاكة في أوساط الأعراق الأخرى، ويعتبر موت مواليد الفقراء نعمة إلهية! ولهذا الرجل تأثير كبير على كثير من الساسة الكبار في بريطانيا وأمريكا، وحالياً يتولى الشؤون العلمية والتقنية في البيت الأبيض رجل متأثر به وبأفكاره ولا يتخذ أوباما قراراً بهذا الخصوص قبل استشارته!
وتحت مظلة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية - وهي ذراع لوزارة الخارجية ولوكالة الاستخبارات المركزية -، وباسم الرحمة والمساعدات الإنسانية سعت أمريكا لتخفيض سكان العالم الثالث، ونفذت إجرامها في عدة بلدان في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية والوسطى، ورصدت لهذا العمل ميزانيات ضخمة، وجندت له جامعات عريقة، وكليات طب متقدمة، بل وأسهمت المؤسسات الخيرية المانحة! بدعم سخي - غير محمود - لهذه البرامج.
وذهبت بعض الدراسات إلى أن التعقيم شمل نصف نساء الشعوب الهندية خلال ست سنوات بدءاً من عام 1970م، واكتشفت طبيبة هندية تعمل في مستشفى بولاية أوكلاهوما أن جميع النساء اللاتي جرى تعقيمهن ينتمين للهنود فقط! وأثبتت رسالة ماجستير نوقشت بجامعة أمريكية ارتفاع ميزانية برنامج التعقيم من 51 مليون دولار عام 1969م إلى 250 مليون دولار عام 1974م، وبناء على ذلك ارتفع عدد الضحايا الهنود من 63 ألف امرأة بين عامي 1907-1964م إلى 548 ألف امرأة بين عامي 1970-1977م، وهي زيادة تبلغ تقريباً تسعة أضعاف الرقم خلال مدة زمنية أقصر بكثير.
وفي آخر الكتاب يجزم المؤلف بأن الهولوكست الأنجلوسكسوني هو المثال المحتذى عند النازية، وبينما يحتكر اليهود مظلومية حرائق النازية مع أنها وقعت على غيرهم من الشعوب ولم يختصوا بها؛ نجد أن المظلومين من جرائم أمريكا وبريطانيا لا بواكي لهم، مع أن الجرائم الأنجلوسكسونية هي الأطول والأكثر ضحايا.
وتتميز هذه الكتب بأن جميع معلوماتها موثقة من مراجع بعضها صادر عن جامعات عريقة أو مراكز معتبرة، وجل هوامش الكتب الثلاثة لا يستغني القارئ المتعمق عن النظر فيها والإفادة منها، وبعض الهوامش تستحق أن تفرد في مقالة أو بحث، وقد أشار المؤلف إلى عناوين كتب ومقالات وأبحاث كثيرة جداً، وبعضها جدير بالترجمة من مؤسسات الثقافة أو مراكز الفكر في عالمنا، ولا تخلو هذه الكتب المهمة للعكش من مصطلحات وتعابير قد يعسر فهمهما دون الرجوع إلى تفسيراتها في مظانها، وكل كتاب من كتب د. منير العكش السالف استعراضها يهم طائفة ممن يقاومون التغول الأنجلوسكسوني في عالمنا؛ فالأول مهم للمجاهدين بالمال والسلاح وللساسة، والثاني ضروري للمرابطين على حماية حياض التعليم والثقافة، والثالث يفيد الأغيار على الأسرة والمرأة والطفل، وجميعها مما يناسب المثقفين والمفكرين والكتاب والعلماء.
وبعد هذا الاستعراض السريع: أيبقى مفتون بمنظومة الحقوق التي يتبناها الغرب في الظاهر؟ وهل يصدق أحد وعودهم أو يبني آمالاً على اتفاقيات معهم؟ وهل تسكت الشعوب المستهدفة عن جيش - من العسكر أو من العملاء - يحمل مثل هذه العقيدة العنصرية الاستعلائية، ولا يرى بأساً في قتل الآخرين، واستعبادهم، واغتصاب الأطفال والنساء، وإفساد ثقافة المجتمع، وتعقيم الرجال منهم بعد تعقير النساء؟