الثلاثاء، 21 مايو 2024

الأناجيل.. نسيج من الرقع!

 الأناجيل.. نسيج من الرقع!

أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية


لا توجد أية عبارة يمكنها التعبير عن كلمة «الأناجيل» إلا: «نسيج من الرقع».. نسيج من الرقع المخاطة بالخيط الأبيض، أي إن رقعها شديدة الوضوح. وسواء نظرنا إلى تلك النصوص نظرة تفصيلية أو إجمالية وإلى تاريخ تكوينها وتكوين عقائدها، فذلك لن يغيّر شيئا من هذا التشبيه لرقع رخيصة متراكمة على بعضها، تمت حياكتها بخيط أبيض، أي أنها رقع شديدة الوضوح. لأن النصوص التي تكونها عبارة عن نسيج من أشياء مستبعدة الحدوث، غير متناسقة، ومتناقضة.


إن يسوع لم يترك شيئا مكتوبا، وكان يتحدث بلغة شعبية أو بالأمثال. وبالتدريج، وبعد أكثر من خمسين عاما بدأ تجميع هذه الحكايات من الذاكرة، في كتاب، ووضعوا له عنوان: «العهد الجديد». وقام قساوسة الكنيسة بإضافة النص الشفهي المتراكم الأقاصيص والأغراض، للنص الذي كتبوه، ليجعلوا منه قانون الإيمان الراسخ، الذي لا يمكن المساس به. واحتل التراث الشفهي والتجميع المكانة الأولى. وهكذا تكون التفسير الديني التقليدي أو التراثي، على أن يتقبله الأتباع صاغرين شاكرين وإلا تم اعتبارهم من الهراطقة، والنتيجة معروفة..

إن يسوع وحوارييه كانوا من اليهود، ولا يتحدثون سوى الآرامية، ومع ذلك فإن كافة الأصول المسيحية باللغة اليونانية، أي لا أصول أصلية لها إلا باللغة اليونانية، ثم تمت ترجمتها إلى اللاتينية ومنها إلى غيرها.. وقد قامت الكنيسة بمحو كل ما كان يعترض مسيرتها التحريفية الانتقائية، ثم تحايلت للاحتفاظ بما صاغه علماؤها أو قلفطوه، ليطلقوا عليه كلمة “ديناً”! وفيما يلي بعض النماذج:

النصوص

في القرن الثالث تحديدا تدخلت السياسة بصورة فعالة أثناء تشكيل المسيحية التي كانوا يشقون طريقها بين جماعات متحاربة مخرّبة. فوفقا للقس آلبيوس ثيودوريه، «حوالي سنة 225 كانت هناك أكثر من مائتين صيغة مختلفة للأناجيل بين هذه الجماعات».

وإذا افترضنا جدلا، كما يقترح البعض، إن نقص أو عدم وجود أي نص أصلي على الإطلاق بالآرامية، يرجع إلى أن يسوع كان يعلن لأتباعه عن اقتراب ملكوت الرب ونهاية العالم، وإن المحيطين به سيشهدونه في حياتهم ـ ولا زالوا ينتظرون تحقيق هذا الوعد حتى يومنا هذا، لكنه لا يبرر عملية التخلص الإجرامية من النصوص المحرجة. ويكفي الإشارة إلى ما قامت به كنيسة روما سنة 1415 وأبادت كل ما كان موجودا من مراجع ووثائق يهودية تعود للقرن الثاني، وأحرقت كتابين عبريين كانا يحتويان على اسم يسوع الحقيقي. ثم قام البابا إسكندر السادس بتحطيم كل نسخ التلمود عن طريق رئيس محاكم التفتيش، توما دي توركميدا (1420ـ 1498)، المسئول عن حرق ستة آلاف مخطوطة في مدينة سلمنك وحدها.

وفي حياة بولس الرسول، كانت المسيحية ـ التي لا يعرف عنها يسوع أي شيء، قد وُلدت وسط المعارك الطاحنة والانقسامات والمنازعات والعداوات وتبادل اللعنات بالحرمان. وقد وصل عدد هذه الفصائل إلى إثنين وعشرون ألفا في الإمبراطورية الرومانية، تلاشى أو انضم الكثير منها لتنتهي إلى 349 كنيسة مختلفة عقائديا، تمثل مجلس الكنائس العالمي الحالي.. إن تطور العقائد المسيحية على أيدي رجال الكهنوت والسلطة المستبدة للأباطرة الرومان في القرون الأولى، كانت تتم في نفس الوقت مع هذه المعارك الدائرة.

ومنحت المجامع البابوية نفسها سلطة صياغة أو نسخ عقائد الإيمان. وكانت العقائد والمذاهب الأولى تتولد وهي تتناقض أو تكمل بعضها البعض وفقا لقرارات المجامع والآباء.

وقد اعتادوا احتلال الصدارة فوق سلطة النصوص، ويكفي أن نطالع بعض النماذج:

العذرية الدائمة لمريم

إن كافة العقائد المسيحية قائمة على فكرة الترجيح والاحتمال جدلا، إضافة إلى أخطاء الترجمة أو النقل من ديانات وعقائد وثنية موجودة أو سابقة. وقد قام فيلون السكندري، المرتبط بجماعة الآسينيين ومخترع كلمة «اللوغس»، في القرن الثاني، بإضافة كلمة “تجسد” ليتحدث عن «لوغس» سوف يأتي روحيا. وهو ما يتناقض مع ما تم فرضه فيما بعد، بقول إن يسوع سوف يعود بلحمه ودمه في نهاية الزمان ليحاكم العالم.

إن كافة عقائد الإيمان تقول ان يسوع قد وُلد من عذراء، وهي فكرة تعتمد على نص يشوع (7: 14)، حيث إن الكلمة العبرية «امرأة شابة» قد تمت ترجمتها خطأً في النسخة السبعينية بكلمة «عذراء».

وقد قام چوڤيانوس بمعاتبة القديس چيروم لتركه هذا الخطأ في ترجمته الشهيرة التي أعاد فيها ترجمة وصياغة عدة ترجمات سابقة ليكوّن «الڤولجات» أو النص الرسمي للأناجيل (سبق وتناولت اعترافات القديس جيروم)، لكن يبدو أن «التزوير الورع من أجل مجد الله»، على حد قول القديس بولس، كان منتشرا ولا يزال.. إلا إن المجامع قد قامت بفرض العذرية الدائمة لمريم قبل وأثناء وبعد الحمل!!

وبينما تنص عقيدة الإيمان التي صاغها أوريچين، تقول، هي فقط، أنها حملت عن طريق الروح القدس! وظلت الآراء تتضارب حتى القرن الثالث ولم تكن قد استقرت هذه العقيدة بعد، وقام مجمع نيقية الأول سنة 325 بفرضها. ومن الطريف ملاحظة أنه بينما كان إغنسيوس وترتوليان وكيرولس القدسي يؤكدون إن تجسد يسوع تم بفعل الروح القدس؛ فإن إيريني يقول إن مريم حملت من الآب؛ أما چوستين وكليمون السكندري وأطنازيوس يؤكدون أنها حملت من اللوغس شخصيا؛ بينما يقول أغسطين أنها حملت من الأقانيم الثلاثة المكونة للثالوث. وهو ما يعني ضمنا أن يسوع له دور في أبوة نفسه، لكي لا نقول شيئا عن أية علاقة غير شرعية!! أما وفقا لإنجيل يوحنا (1: 13) فإن الله شخصيا هو الذي أنجب ابنه الوحيد، يسوع المسيح، بلا أم طبعا! ووفقا لإنجيل لوقا فإن مريم كانت حامل عندما خطبها يوسف النجار، ووفقا لليهود فإن يسوع ابن الجندي الروماني ݒانتيرا.. وأيا كان الأمر فإن عبارة “أبوك وأنا كنا نبحث عنك” (3: 46) تستبعد فكرة أي ميلاد عذري، لكيلا نقول شيئا عن إخوته وأخواته المذكورين بوضوح في الأناجيل وفي أعمال الرسل.

تأليه يسوع

في يوم 21 يونيو سنة 325 اجتمع أكثر من الفين أسقفا في مدينة نيقيه للفصل في عقيدة الإيمان الرسمية للمسيحية، والنصوص التي يجب الاحتفاظ بها، ومن هو الإله الذي يجب أن يتبعوه.. ويقول توني باشبي في كتابه «تحريف الكتاب المقدس»: «ان أولي محاولات اختيار ذلك الإله ترجع إلى سنة 210، حينما كان على الإمبراطور أن يختار بين يهوذا كريستوس أو أخيه التوأم ربى يسوع. أي إن يسوع أو الشخص الآخر، موضحا أنه حتى عام 325 لم يكن هناك للمسيحيين إله رسمي»! إن هذه المتناقضات لا يمكن تفسيرها إلا بوجود طبقات من الكتابة المتتالية المتراكمة، دون حتى الاهتمام بالتوفيق بينها. أما القديس چيروم فيقول في المقدمة التي كتبها لترجمته وإعادة صياغة الأناجيل: «توجد ترجمات وأخطاء بعدد النسخ المنسوخة»، أي أنه لا حصر لها.

بدعة الثالوث

إن يسوع لم يقل أبدا أنه ذو طبيعة إلهية أو ابن الله، ولم يقل شيئا عن الثالوث، ولم ينشئ أية كنيسة. كل ما طلبه من الأتباع هو أن يصلوا في غرفهم (متّى 6: 6 ـ 8)، وألا يقلدوا الوثنيين في لغوهم أو بذخ معابدهم. بل والأكثر من ذلك، نطالع أكثر من مرة إن يسوع نبي مقتدر، ثم قام علماء الكنيسة بتحويله إلى ممسوح ومسيح، ثم المسيح ثم ابن الله، ثم الله شخصيا. ثم بدأت مشكلة طبيعة واحدة أم طبيعتان (إلهية وبشرية)، ثم إرادة أو إرادتان، ثم جعلوه الإله الوحيد، المتفرد، في محاولة خبيثة لسد الباب أمام الإله الحقيقي الذي ليس لكثله شيء.

وقد اعترف بزيل القيصري (329ـ379) بأن عقيدة عبادة الروح القدس لا وجود لها في الكتاب المقدس، ورغمها، أقام العقيدة بلا أي تردد أو خجل، ليثبت المساواة بين الأقانيم الثلاثة المكونة للثالوث. وهذا المثال الذي يمثل نموذجا واضحا لكيفية اختلاق العقائد وفقا للطلب، وكأنها «دليڤري»، يمثل مرحلة حاسمة على طريق تعريف التشابه الكينوني بين الروح القدس والله والمسيح وفقا لما فرضه مجمع نيقيه الأول سنة 325، ثم أكدها مجمع القسطنطينية سنة 381 بتأكيد المساواة التامة بين الأقانيم الثلاثة..

زواج يسوع بالكنيسة

إن عملية تزويج يسوع للكنيسة تعد من أكبر الفريات التي اقترفتها الكنيسة لترسيخ كيانها، والتي دفع كثير من المسيحيين حياتهم ثمنا لها، أو لإقرار معادلة حسابية معوجة تقول: يسوع = الكنيسة = الباباوات = الله. علما بأن الأبحاث الحديثة تؤكد أن يسوع كان متزوجا وله ذرية.

الروح القدس

منذ ابتداع فكرة الروح القدس، جعلوه أولا هو ملهم كتابة نصوص الأناجيل، وذلك يعني ـ وفقا للحالة التي عليها الأناجيل حاليا، إن ذلك الروح القدس المسكين يخطئ، وأنه من أكبر الكذابين، ويتناقض في أقواله بصورة واضحة! إن الموسوعة البريطانية كانت تشير قديما إلى وجود أكثر من 150000 خطأ وتناقضا. وقد تضاعف هذا العدد بفضل أعمال النقد الحديثة. ولكي ندرك كم هذه الأخطاء ومدى تنوعها ومختلف مجالاتها، تكفي الإشارة إلى أنها تتعلق باللاهوت وبالجغرافيا والتاريخ والعادات والتقاليد وأسماء المدن أو الأماكن التي لم تكن موجودة آنذاك، بخلاف عمليات النقل من الأساطير والديانات الوثنية القائمة آنذاك. وتكفي الإشارة إلى الإفخارستيا المنقولة من أسطورة الإله ميترا، وهي عقيدة تحول الأتباع إلى فئة من آكلي لحوم البشر، إذ يجب عليهم عند تناولها أن يؤمنوا إيمانا راسخا أنهم يأكلون لحم المسيح ويشربون دمه..

وبعد أن تم فرض صفة الإلهام والتنزيل الإلهي لكل هذه المتناقضات في مجمع ترانت (1546)، وتأكيد أنها منزلة من عند الله، حتى على حساب اغتيال ملايين الأتباع لفرضها، قام مجمع الفاتيكان الثاني (1965)، باكتشاف إن هذه النصوص ليست إلهية، وقرر بلا أدنى حرج أو خجل، إن الذين كتبوها بشر، وأسماء أخرى غير تلك التي هي معروفة بها.. ومن أجل مداراة هذه التلاعب الجديد أضاف النص الفاتيكاني: «لكنها كتبت بوحي من الروح القدس»! وإن كان بها بعض «الأخطاء أو الأفكار البالية، فذلك لا يمنع من كونها دروس تعليمية إلهية».

هروب العائلة المقدسة

يمثل هروب العائلة المقدسة إلى مصر نموذجا حياً لعملية التحريف وكيفية الصياغة المزورة للمسيحية. وقد سبق أن تناولت موضوع هروب العائلة المقدسة، لكنني أشير هنا اختصارا: إن متّى وحده هو الذي يتحدث عن هذا الهروب، بينما لوقا يقول عكس ذلك وأنهم عادوا إلى بلدهم. أي إن القصة وفقا لمتّى تقول: إن يوسف النجار قد حلم بملاك الرب ثلاث مرات: في المرة الأولى طلب منه الملاك أن يأخذ الطفل وأمه ويهرب إلى مصر؛ وفي المرة الثانية طلب منه الملاك أن يعود إلى الوطن؛ وفي الرؤية الثالثة قام الملاك بتعديل خط سير العودة بناء على اقتراح يوسف النجار.. وبعد أربعة قرون تقريبا، وفي محاولة مخادعة لتنصير القطر المصري، قام ثيوفيلس، بطريرك الإسكندرية، برؤية حلم تقص له فيه السيدة العذراء تفاصيل رحلة الهروب إلى مصر! وفي الصباح قام ثيوفيلس بتدوين رؤيته هذه في مذكراته الشخصية.. وبقدرة كنسية ألعوبانية، تم تحويل هذه الرؤيا إلى حقيقة، وقامت الكنيسة القبطية بفرض هذه الأحلام على مصر، ببناء سيناريو متكامل الأركان وآثار مختلقة لهذه الرحلة المزعومة، وفرضت رؤيتها على مصر والمصريين وعلى السياح السذج الذين لا زالوا يؤمنون بهذه الخدع والاحتيالات..

صلب يسوع:

من الثابت علميا إن عملية صلب يسوع منقولة بوضوح صارخ من الأساطير اليونانية القديمة وباتت تمثل أحد العناصر الأساسية للمسيحية. وهي في نفس الوقت دليل آخر على عمليات النقل والتلفيق الممتدة المأخوذة من الأساطير والديانات الوثنية القائمة آنذاك. فالصورة التي على اليسار تمثل صَلب الإله أورفيوس ديونيزيوس، الذي تم صلبه ودفنه ثلاثة أيام ثم بعث من الموت في اليوم الثالث، وفقا للأسطورة اليونانية. وعلى اليمين صورة ليسوع تؤكد بوضوح عملية النقل أو الترقيع في العقائد بالاختلاس.. بما إن النصوص الكنسية تقول إنه صُلب ودُفن ثلاثة أيام، ثم بُعث في اليوم الثالث.. وإن كانت مراجعتها تؤكد أنه أمضى نهارين وليلة واحدة..

وقد تكون الصورة صادمة للمسيحيين، أن يروا إلى أي مدى أساس عقيدتهم منقول ويثبت يقينا أنه بمثابة ترقيع لنصوص تلك العقيدة، وكيف إنها عبارة عن نسيج من الرقع المرقعة وتمت خياطتها بالخيط الأبيض، أي إن هذا الترقيع شديد الوضوح..

تبرئة اليهود:

قام مجمع الفاتيكان الثاني (1965)، دون خجل أو مراعاة لمشاعر أتباعه، وأدار ظهره لكل ما فرضه على مدى ألفى عام تقريبا، ضد اليهود واتهامهم بأنهم «قتلة الرب»، متناسيا تلك الصلوات التي تسبهم وتدعوا عليهم وتدعوهم للتنصير، وكل الخطابات الرسولية التي صاغها الباباوات ضدهم. بل وكل ما يحفظه التاريخ من حصار مفروض عليهم وأزياء وعلامات بعينها، وراح المجمع المبجل يبحث في أعماقه، كما قال رسميا في نصوصه، ليكتشف براءتهم فجأة!! والأدهى من ذلك، قام هذا المجمع بنفس الحركة الانقلابية، ليس على القرارات السابقة فحسب، فالقائمة جد طويلة كاشفة، تلك التي اتهموا بها اليهود طوال تلك القرون..

واكتشف المجمع المبجل في نفس الوقت إن هؤلاء اليهود هم «إخوته الأكبر منه»، ثم قام بتقديم الاعتذارات الرسمية عن كل ما عانوه، ثم بدأت التنازلات، ثم توالت التنازلات لتصيب صلب العقائد، ثم أصبح اليهود اليوم هم الذين يقودون الفاتيكان وكرسيه الرسولي..

خلاصة القول:

ما أكثر عدد الذين تركوا طاحونة التزوير تلك، التي ظلت ولا تزال تبدل وتعيد صياغة نصوصها، مما أدى إلى تلك العبارة الشهيرة في الغرب: «النزيف الصامت للكنيسة»، ورغمها، فهي لا تزال تستميت بكل الوسائل لفرض نفسها.. فعلى الرغم من كل ما تم كشفه من تاريخها، وكل ما به من متناقضات ونقل وتحريف، فإن الكنيسة المبجلة تواصل تقديم المسيحية على أنها الديانة المطلقة، المنزلة، الوحيدة التي يتقبلها «الله ـ يسوع» الذي اخترعته ظلما وغشاً، لتنصير العالم بأي ثمن وبأية وسيلة.. وهو مطلبها القديم الذي جدده مجمع الفاتيكان الثاني بضراوة تنفيذية.

وبعد تقديم تلك الشذرات القليلة، من غثاء جد كثير، فإن تاريخ المسيحية وكيفية تكوين عقائدها لا يسمح لها على الإطلاق بهذا الادعاء، لأنه تاريخ يدين كل علماؤها وقديسيها، بكل فرقهم، واختلافاتهم وتناقضاتهم وحروبهم، وهم يؤكدون اليوم ما سوف ينكرونه غدا.. فهل من ضرورة لإضافة: كيف يمكن لمثل هذه البنيان القائم على الأكاذيب، أن يقوم بشيطنة الإسلام والمسلمين ومحاولة اقتلاعهم لفرض نسيج مهلهل من الرقع المرقعة الشديدة الوضوح؟

واشنطن بوست توثق 90 حادثة استهدف فيها الاحتلال مستشفيات غزة

 

واشنطن بوست توثق 90 حادثة استهدف فيها الاحتلال مستشفيات غزة


   تقرير إعداد
  سمير يوسف

رئيس منظمة “إعلاميون حول العالم

أمريكا وقنابلها واسلحتها المدمرة للأخضر واليابس… تسوِّق الأن لكذوبة حماية المدنيين… وهدفها فناء جميع الفلسطينيين

السيناتور ليندسي غراهام الجمهوري يقارن القنابل الأمريكية النووية على هيروشيما وناغاساكي بحرب غزة

 أدلى عضو جمهوري أمريكي في مجلس الشيوخ الجمهوري مرة أخرى بتصريحات يوم الأحد برر فيها القصف الذري الأمريكي عام 1945 على مدينتي هيروشيما وناغاساكي اليابانيتين.

وعندما سألته مديرة الحوار كريستين ويلكر عن السبب الذي يجعل من المقبول أن يحجب الرئيس رونالد ريغان أسلحة معينة عن إسرائيل خلال حربها في لبنان في الثمانينيات، ولكن من غير المقبول أن يهدد بايدن بفعل ذلك الآن، أثار غراهام مرة أخرى الحرب العالمية الثانية.

وتساءل غراهام ”هل يمكنني أن أقول هذا؟،  لماذا من المقبول أن تقوم أمريكا بإسقاط قنبلتين نوويتين على هيروشيما وناغاساكي لإنهاء حرب التهديد الوجودي بينهما؟ لماذا كان من المناسب لنا أن نفعل ذلك؟. “أعتقد أنه أمر مقبول، كان هذا هو ااعلاملقرار الصحيح”
وأضاف: “لذا، يا إسرائيل، افعلي كل ما عليك فعله للبقاء على قيد الحياة كدولة يهودية. كل ما عليك فعله”

كررت الولايات المتحدة ومعها دول غربية عديدة شعار ضرورة حماية المدنيين في قطاع غزة، وهو الشعار الذي كررته أمريكا بصيغ مختلفة قبل اجتياح إسرائيل لرفح، وطالبتها بحماية المدنيين، واعتبرت أنها لا تبذل الجهد الكافي لحمايتهم، وفي الوقت نفسه، رفضت أن تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية، أو أنها تتعمد استهداف المدنيين. التعبيرات الرقيقة والجمل التي من نوع مطالبة إسرائيل بمزيد من الحذر للحفاظ على أرواح المدنيين، أو ضرورة زيادة حجم المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، تبدو في الحقيقة شكلية ومنفصلة تماما عما يجري في الواقع من إبادة جماعية، ومن استهداف متعمد للمدنيين الفلسطينيين. أتفهم أن يكون هناك موقف أمريكي/ غربي داعم لفكرة هزيمة حماس وتفكيك قدراتها العسكرية، إنما أن يتفرج على مشروع إسرائيلي متكامل قائم على قتل المدنيين والانتقام والتنكيل من الأبرياء، وتكتفي أمريكا بشعار «بذل مزيد من الجهد لحماية المدنيين» أمر غير مقبول. خطورة هذا الموقف أنه لم يقتصر على انحياز سياسي معتاد لإسرائيل، وتحالف بين غرب له تاريخ استعماري مع دولة استعمارية جديدة، وإنما وصل إلى تمييز بين أرواح البشر على أساس حضاري وثقافي، تمثل في الفارق الهائل بين التعامل مع المدنيين الإسرائيليين الذين سقطوا في عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتعامل مع المدنيين الفلسطينيين الذين بلغوا حتى الآن أكثر من 35 ضعف من سقطوا للجانب الإسرائيلي.

لقد قسمت أمريكا شعوب العالم إلى «أولى» تنتمي لمنظومتها الثقافية والسياسية، تستحق الحياة والحماية، و«ثانية» لا تنتمي لمنظومتها الحضارية والسياسية، لا تستحق الحياة وبلا حقوق، إلا من بعض شعارات إبراء الذمة مثل «بذل مزيد من الجهد لحماية المدنيين». أمريكا ومعها دول غربية كثيرة استعادت مع حرب غزة مخزونا ثقافيا غربيا استعماريا كامنا في أوقات السلم، لكنه يخرج في أوقات الحرب ويحمل فيه كثير من «أهل الغرب» نظرة دونية تجاه من هم خارج الحضارة الغربية، ويعتبرون دماء الرجل الأبيض سواء كان في إسرائيل أو أوروبا أو الولايات المتحدة «درجة أولى»، وأكثر أهمية وأكثر قيمة من دماء أصحاب البشرة الملونة «الدرجة الثانية»، سواء كانوا في افريقيا أو آسيا، أو حتى أمريكا الجنوبية، وهو أمر يتجاوز مسألة الدعم العسكري أو التحالف السياسي والاستراتيجي ليصل إلى نظرة تمييزية عميقة تجاه الشعوب والثقافات الأخرى. صحيح أن هناك من داخل الغرب من ينتقد هذه العقلية، ويسعى لتغييرها أو التخفيف من وقعها، وشاهدنا مظاهرات الرفض للجرائم الإسرائيلية، وأصوات الضمير التي يطلقها كتاب وفنانون وأدباء وسياسيون وطلاب في وجه هذه المنظومة السياسية الحاكمة، إلا أنها لم تنجح حتى اللحظة في تغييرها. سيبقى شعار حماية المدنيين الذي رفعته أمريكا منذ الشهر الثاني لحرب غزة تطبق إسرائيل عكسه في الواقع ودون أي محاسبة.

وثقت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، الثلاثاء، 90 حادثة لاستهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي المستشفيات في غزة في إطار العدوان الوحشي المتواصل ضد القطاع المحاصر للشهر الثامن على التوالي.

وقالت الصحيفة إن جيش الاحتلال الإسرائيلي “جعل من المستشفيات هدفا رئيسيا لحملته العسكرية في قطاع غزة”، مشيرة إلى أنها “رصدت 90 حادثة موثقة شملت استهداف القوات الإسرائيلية المستشفيات في غزة منذ بدء الحرب”.

وأضافت أن من أصل 36 مستشفى في غزة تعرضت لأضرار أو خرجت من الخدمة جراء القصف الإسرائيلي على القطاع.

ومنذ بدء العدوان في السابع من تشرين الأول /أكتوبر الماضي، تعمد الاحتلال شن هجمات وحشية على المستشفيات والمراكز الصحية في قطاع غزة تحت مزاعم احتماء مقاتلي حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بها، إلا أن عدوان الاحتلال على المجمعات الطبية لم يسفر عن دلائل تدعم ادعاءاته.

وتسبب عدوان الاحتلال الإسرائيلي على مستشفيات قطاع غزة في مجازر مروعة بحق المدنيين والمرضى والكوادر الطبية.

وفي السياق ذاته، شددت “واشنطن بوست” على أن “الأدلة الإسرائيلية لا تدعم ادعاءات إسرائيل بشأن استخدام حماس المستشفيات لأغراض عسكرية”.

وفي وقت سابق الثلاثاء، بدأ مستشفى كمال عدوان شمالي قطاع غزة إجلاء المرضى والأطقم الطبية بعد تعرضه لقصف مدفعي من الجيش الإسرائيلي المتمركز في محيطه، خشية تجدد قصفه أو اقتحامه كما حدث في كانون الأول / ديسمبر الماضي.

وقام جيش الاحتلال الإسرائيلي بقصف قسم الاستقبال والطوارئ في مستشفى كمال عدوان بقذيفة مدفعية ما أدى إلى دمار كبير في القسم المخصص لاستقبال الجرحى.

ولليوم الـ228 على التوالي، يواصل الاحتلال ارتكاب المجازر، في إطار حرب الإبادة الجماعية التي يشنها على أهالي قطاع غزة، مستهدفا المنازل المأهولة والطواقم الطبية والصحفية.

وارتفعت حصيلة ضحايا العدوان المتواصل على قطاع غزة إلى ما يزيد على الـ35 ألف شهيد، وأكثر من 79 ألف مصاب بجروح مختلفة، إضافة إلى آلاف المفقودين تحت الأنقاض، وفقا لوزارة الصحة في غزة.

دفنوا أحياء.. تقرير أممي يكشف فظائع الاحتلال في “مستشفى ناصر” بخانيونس

كشف مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، عن انتشال جثامين 20 شهيدا يعتقد أنهم دفنوا أحياء في مجمع ناصر الطبي بمدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، الذي شهدا عدوانا وحشيا من جيش الاحتلال الإسرائيلي قبل أن ينسحب منه دون تحقيق أهدافه.

وذكر التقرير الأممي أنه جرى التعرف على 165 جثة فقط من أصل 392 تم انتشالها من المجمع الطبي، ونقل عن الدفاع المدني في غزة أنه “لم يتم التعرف على الجثث الـ227 المتبقية لأسباب منها تغيير علامات الجسم، أو التشويه، أو التحلل الكبير الذي تفاقم بسبب وضع بعض الجثث في أكياس بلاستيكية على عمق ثلاثة أمتار”.

ودعا المكتب الأممي الدفاع المدني الفلسطيني إلى التحقيق بشكل مستقل وإجراء فحص الطب الشرعي لما يقرب من 20 جثمانا يرجح أن الاحتلال الإسرائيلي دفنها وأصحابها على قيد الحياة.

وأوضح المكتب في تقريره، أنه “جرى اكتشاف ثلاث مقابر جماعية في مجمع ناصر الطبي، واحدة أمام المشرحة، والثانية خلفها، والثالثة بالقرب من مبنى غسيل الكلى”.

وفي السابع من نيسان/ أبريل الجاري انسحب جيش الاحتلال من خانيونس بعد 4 أشهر على إطلاق عملية برية كانت تهدف إلى استعادة المحتجزين الإسرائيليين لدى حركة حماس، إلا أنه خرج من المدينة دون تحقيق أهدافه.

الاضطراب المنهجي والخلل السياسي في حركات التغيير الإسلامي.. الإخوان المسلمين نموذجا! (1)

استفهامات وإضاءات منهجية في مسارات الحركات الاسلامية

الاضطراب المنهجي والخلل السياسي في حركات التغيير الإسلامي.. الإخوان المسلمين نموذجا! (1)
مضر أبو الهيجاء

لم يخل زمان معاصر ولا جغرافيا عربية أو إسلامية من تواجد أحد فروع الإخوان المسلمين فيها، وذلك في سياق الدعوة والاصلاح والتغيير.

وقد توسعت امتدادات الإخوان المسلمين للدرجة التي لا يمكن للعاملين في حقل الدعوة والاصلاح والتغيير الاسلامي من تجاوزها بسبب موجوديتها وتاريخيتها وقدرتها على التحشيد وامتلاكها وسائل قديمة وحديثة تجعلها متقدمة وطليعية أكثر من غيرها، لاسيما أنها أصابت أهم جزء فاعل في التغيير، وهو العمل السياسي في قضايا الأمة، وعلى وجه التحديد تحرير البلاد من المحتلين واستهداف اقامة الدولة واسترداد الحكم المغصوب كوسيلة لازمة لتمكين وحراسة الدين ورعاية أحوال العباد وحماية البلاد.

إن كل تلك الأهداف المشروعة والوسائل المعاصرة التي امتلكتها جماعات التغير لم تحدث نقلة نوعية في واقع المسلمين في عموم بلاد العرب والمسلمين، بل بقي صوت الكفر وسطوة المستبدين هو المتقدم في عموم الساحات، فما هو السبب الرئيس؟

إن خيبات وفشل تجارب حركات الإخوان المسلمين المتكررة والمتعاقبة والمتشابهة لا يمكن تفسيرها بالاقتصار على العناصر الموضوعية التي تتهم قوى الكفر العالمي والاقليمي ووكلائها المحليين بالتسبب في افشال حركات التغيير واهراق دماء شبابها دون تحصيل نتائج موازية تلك التضحيات!

إن العنصر الذاتي المتعلق بإشكالات حركات الإخوان المسلمين -كما غيرها من الحركات- هو المسؤول الأول والأكبر والدائم عن ذلك الفشل المتعاقب في كل الساحات!

وإذا تجاوزنا إشكالية الوعي السياسي المتدني عند القيادات، ووجود اختراقات حقيقية في وسط قيادة بعض الحركات على مستوى الصف الأول والثاني والثالث للصفوف القيادية من قبل أجهزة الاستخبارات العربية والغربية، فإن من الواجب علينا التوقف أمام معضلة الخلل المنهجي والسياسي التي تكفي وحدها لتدمير أكبر حركات التغيير، وذلك بحرفها عن الجادة أو هدر جهودها وتضحياتها ودماء شهدائها دون نتائج موازية عملية يمكن أن تراكم عليها الشخصيات العلمائية والاصلاحية وحركات التغيير الاسلامي حتى من غير تنظيم الإخوان المسلمين!

إن الخلل المنهجي في مشاريع التغيير والعمل السياسي عند عموم حركات الإخوان المسلمين لا يمكن وصفه بأقل من كلمة كارثي وجحيم!

ومن المناسب اليوم أن نعرض مثالا واحدا من بين عشرات ومئات الأمثلة التي تشير لخيبة قيادات حركات الإخوان المسلمين في عموم تجارب دول وشعوب المنطقة وحقبها المختلفة، على تفاوت بين تنظيم وتنظيم، وبين جانب ومنحى الى جانب ومنحى مختلف، ومن تجربة سابقة الى تجربة أشد خيبة ومعاصرة!

قدر الله مقتل الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي المشهور بإعدام ثلاثين ألفا من الايرانيين، والمساهم بشكل مباشر في مجازر العراق والشام، كما قدر الله هلاك وزير الخارجية الايراني عبداللهيان، والذي لا توجد مصيبة سياسية تطعن في شعوب الأمة ودولها إلا وكان عرابا لها أو منسقا لها أو مشاركا فيها، فماذا كان موقف حركات الإخوان المسلمين السياسي في واقعة سقوط الطائرة الرئاسية الايرانية على حدود أذربيجان وإيران بتاريخ 19/5/2024 والتي أدت لهلاك رئيس الدولة ووزير خارجيته؟

ما أن أعلنت إيران رسميا بتاريخ 20/5/2024 عن مقتل رئيسها ووزير خارجيتها وبعض ضباط الحرس الثوري، حتى سارعت قيادة ومكتب الإخوان المسلمين المصريين بتقديم العزاء والتضامن مع الحكومة الإيرانية معبرة عن أسفها الشديد لمقتل قاتل العرب والمسلمين!

لكن تنظيم الإخوان المسلمين السوريين كان له رأي وموقف آخر، حيث وقف الى جانب مظلومية شعبه ولم يعبر بالمطلق عن تضامنه مع إيران، بل اعتبر قيادتها في خانة الأعداء والمجرمين.

فيما أسرفت حكومة غزة المعبرة عن تنظيم الإخوان المسلمين بالتضامن والعزاء لإيران، منددة ومهددة لكل من شهر وفضح ونشر وأعلن موقفه المعادي لإيران بالعقوبة والوعيد!

من الملاحظ فيما سبق أن لكل فرع من فروع الإخوان المسلمين موقف مختلف في مضمونه وشكله تجاه العدو الايراني الذي يستهدف تفتيت وحدة الأمة وشعوبها المنسجمة ثقافيا ومذهبيا، فما هو مرد هذا التناقض والتفاوت والخلل المنهجي والسياسي والأخلاقي لدى حركات اسلامية تعتبر موحدة الخلفية الفكرية والقيادة المركزية تجاه نفس العدو وتجاه نفس المشروع المعادي وفي نفس حقبة الاعتداء المشهود؟

السؤال المطروح:

ما هي أسباب تناقض رؤى ومواقف فروع حركة الإخوان المسلمين تجاه إيران والمشروع الإيراني المعادي، رغم وضوح آثار مشروعه على الأمة ودولها وشعوبها وعلى دينها خلال عقود وفي جغرافيا متعددة، وذلك برغم أن فروع الإخوان تنتسب لمرجعية فكرية واحدة ولها قيادة دولية مركزية؟

المدخل:

إن اختياري لإشكالية العلاقة والمواقف تجاه إيران ومشروعها السياسي في منطقتنا العربية والاسلامية ليس مقصودا لذاته -لاسيما أنني بحثته في مقالات عديدة منشورة-، وإنما المقصود منه هو ابراز الاضطراب المنهجي والسياسي عند الحركات والقيادات الاسلامية بل وعند كثير من الدعاة والكتاب وبعض العلماء المبرزين.

كما أن اختياري لنموذج الإخوان المسلمين جاء باعتبار أنهم أقدم حركات التغيير الاسلامي والأوسع انتشارا والأقوى تأثيرا في خيارات التغيير السياسي، ولكن تبقى العبرة بعموم الطرح المقصود لا بخصوص التنظيم الإخواني، الأمر الذي يمس كثير من الحركات الاسلامية غير الإخوانية في جانبي التنظيم والمرجعية الفكرية.

الجواب:

بالنظر لمسألة العلاقة والموقف والحلف بين الحركات الاسلامية وإيران السياسية فإن حجم التناقض والاضطراب في رؤى ومواقف واجتهادات قيادات تلك الحركات في بلاد متعددة، يوحي إلى أنه ليس هناك مرجعية فكرية حقيقية تلتقي حولها فروع حركة الإخوان المسلمين، لاسيما وبعض حركات الإخوان كفرع سورية يرى وجوب قتال إيران ويعتبر قادتها السياسيين مجرمين، فيما يرى الإخوان المسلمين في فلسطين أن الحلف مع إيران واجب المرحلة وعين الصواب والحكمة وأنه لازم ويقود لتحرير فلسطين وأقصى الموحدين، كما ترصد لدى الإخوان العراقيين تيارين وموقفين متناقضين انطلاقا من تجويز وتحريم العملية السياسية في ظل المحتل الأمريكي وعلى أرضيته التي مكن فيها إيران من حكم العراق والتحكم بمفاصله، وأما إخوان مصر فهم يقفون في الوسط الذي يشعرك بأن فهمهم ومواقفهم بلا طعم ولا لون ولا رائحة!

إن الجواب على السؤال والاستفهام الأساس يوجب تحديد مرتكزات الخلل عند عموم الحركات الاسلامية وخصوص الحركات الإخوانية التي لا يخلو منها بلد ولا ميدان عمل سياسي، فما هي تلك الجوانب ومرتكزات الخلل في العمل الاسلامي؟

أولا: نضوب العلم والعلماء.

يستطيع المراقب والمطلع على تجربة الإخوان المسلمين أن يرصد ضعف العلم وقلة العلماء، حيث يتقدم الوعظ والارشاد والاصلاح على قيمة العلم ومضمونه الواسع والتأصيلي العميق، كما يحل الدعاة والوعاظ مكان العلماء ويأخذون دورهم، وقد برزت كثير من الشخصيات الاصلاحية لتأخذ دور ومكانة العلماء في معظم فروع الحركة، فيما تكررت الحالات التي فارق فيها العلماء الحركات التي انتسبوا اليها، كما هو حال الغزالي والقرضاوي -على سبيل الذكر لا الحصر- رحمهما الله.

وقد أبدعت الحركات الإخوانية في استخدام قيمة العلماء المبرزين دون دلالة الطاعة ولا الانقياد، ولعل المتابع لسيرة الشيخ عمر الأشقر والشيخ عبدالله عزام -على اختلاف قيمتهم ودرجتهم العلمية- لا يجد أثرا حقيقيا لمناهجهم في تنظيم الإخوان الفلسطيني -على وجه الخصوص في تصوراته ومواقفه السياسية- والذي أفرز وأنتج حركة المقاومة الاسلامية حماس، بل إن الحركة فارقت وناقضت منهج الشيخين وتوجههما العلمي الشرعي السياسي تجاه مشاريع الباطل كالمشروع الإيراني، وظلت قيمة الشيخين محفوظة لصناعة قدسية الحركة وقيادتها، وللتجمل والترويج والقفز عن الأخطاء!

ثانيا: اختطاف التنظيم الحركي للجماعة المسلمة.

عندما قام المؤسس الشهيد حسن البنا رحمه الله بتأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وتأثر به أبو الأعلى المودودي في الهند ثم باكستان -مع تفوق الأول في جهد الدعوة وتفوق الثاني في حجم الابداع العلمي والكتابة-، فإن الرجلين كانا ينطلقان من نفس الهم الاسلامي الرسالي الذي يستهدف اصلاح الفرد والجماعة والمجتمع، كما كانا يستهدفان استرداد مكون الدولة الاسلامية -بعد أن حطمها وأزالها الغرب- كوسيلة تقوم على حراسة الدين وحفظ الرعية والحفاظ على بلاد وبيضة المسلمين.

وحتى تتحقق تلك الأهداف كان لابد من تشكيل التنظيم، والذي يشكل الآلية التي تجمع وتنظم الجهود، كما تشكل إطارا رسميا يتصدر للتعبير عن أهداف الجماعة في المساحات الجيوسياسية المستهدفة، وفي التعبير عن الحق والهدى والصواب الذي تؤمن به الجماعة في قضايا الشأن العام، وعلى وجه الخصوص السياسي منها.

فهل حقق التنظيم ما طلبته منه الجماعة التي أفرزته؟ أم أنه اختطفها لصالح قوامه ونفوذه وتموضعه الجديد؟

إن خير نموذج يمكن رصده ليتبين من خلال تجاربه أن التنظيم الوليد -كآلية لازمة لتحقيق أهداف الجماعة- قد اختطف الجماعة لصالح تجذير مكونه ومد نفوذه والحفاظ على مكتسباته هو التنظيم الاخواني المصري والسوري والتونسي والجزائري!

إن مرارة تجارب حركات الإخوان المسلمين الفاشلة في مصر وسورية وتونس والجزائر والسودان وغيرها لا تحيط بها أوراق معدودة ولا حتى كتب محدودة، بل هي تحتاج إلى مجلدات لتروي كيف نجح التنظيم في اختطاف الجماعة وأسرها ليستفيد دوما من أركانها دون أن يكون وفيا لأهدافها أو منسجما مع مبادئها أو ملتزما بقيمها وضوابطها.

ولعل تجربة الإخوان المسلمين في تونس تعطيك نموذجا صارخا في تجاوز التنظيم لهدف الدعوة والاصلاح مقابل تحقيق مكاسب سياسية على حساب مبادئ وأحكام شرعية، وقبول مهين بما لا يقبل به عالم ولا داعية ولا حتى واعظ على المنبر مسكين، ويا ليتها نجت بل سقطت وأسقطت معها الجماعة وشعب تونس الأمين!

كما أن التجربة الإخوانية في سورية تفطر قلب المطلع عليها، لاسيما حين يرى كيف اختطف التنظيم الجماعة ومزقها حتى تشظت بسبب اختلاف المصالح والانتماءات الجهوية لقيادات التنظيم المتنفذين، حتى نحرها حافظ الأسد بسكين البعثيين والنصيريين، ونحر المشروع الطائفي كل أهل السنة وألحقهم بالإخوان المسلمين، وسقط مشروع الجماعة في واد سحيق، حتى لا يسمع له صوت إلا من صدى آت من بعيد!

وإذا نظرت لتنظيم الإخوان في الجزائر وكيف تعامل مع فرصة النهضة التاريخية التي أبرزت بعض شخصيات جمعية علماء المسلمين وصنعت منهم رموزا ناجعة في التحشيد، كالشيخ عباس مدني الذي شكل جبهة الانقاذ، فباتت أكبر خصوم الإخوان المسلمين، حيث يقبل التنظيم اللقاء مع أركان النظام الذي يبطش بالجزائريين ولا يقبل الجلوس والتنسيق مع الجبهة الاسلامية للإنقاذ، وذلك لأنها سبقته في الانجاز وحازت على شعبية مذهلة ستسحب من تحت أرجله البساط، فكان لابد للتنظيم من الاحتراب، متجاوزا أهداف الجماعة ورافضا تحققها على أيدي رموز الجبهة الاسلامية، لئلا ينحسر التنظيم ويخسر مواقعه ونفوذه ومكاسبه العلية!

وهكذا يمكنك أن تتابع النظر حتى تصاب بالإغماء حين تعلم أن تنظيم الإخوان المسلمين في السودان اختطف الجماعة ووضعها في السجن ونسي معاني الأخوة وأهداف العلماء المصلحين، حتى خرج من السجن التنظيم الموازي ففرط عقد الجماعة وتحالف ضد اخوانه مع الكفار والمجرمين، حتى شق السودان وسلم قسمها الغني للنصارى والغربيين، ثم نحر كل منها الآخر، ليس بسبب اختلاف الجماعة بل لأجل تناحر التنظيمين اللذين يريد كل منهما وضع الجماعة وأهدافها في جيبه الصغير، لينتعش وينتفش سياسيا حتى لو أزهق أرواح الأتباع الصادقين والمصلين، فانتهت تجربة امتلاك السلطة من قبل الإخوان المسلمين لتفريط بجميع مبادئ الجماعة، ثم تقسيم السودان الموحد العظيم، حتى باتت سداحا مداحا يلهو بها الأمريكان والاسرائيليين، فتارة يدعمون البرهان وتارة ينفخون الروح في حميدتي ليفتت أصلاب السودانيين فيقتل رجالهم ويستحيي نساءهم، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

أخير وليس آخرا لا يمكن فهم كل هذا الضياع والفشل والخلل بشكل مفصول عن الحركة الأم في مصر، والتي برع قادة التنظيم فيها بتكرار الأخطاء دون مراجعة، فانتهوا للتفريط بالجماعة ومصر وانقسم التنظيم الأم بسبب تنافس وتناحر طالبي النفوذ والباحثين عن المال والسلطان والتفرد بالقرار، ولم يكن الخلاف الأخير الذي مزق الجماعة وأنهى مستقبلها بسبب افتراق في الجماعة بل هو تناحر براغماتي مصلحي نفعي بين قيادات التنظيم، حتى نسي بعضهم أصل وقيم وأهداف الجماعة، ورحم الله مرسي الشهيد الذي زهقت روحه في سياق مغامرات القاصرين والباحثين عن السلطان بحبل من الله وحبل من الجيش وراعيه الأمريكي الماكر اللعين!

وبكلمة يمكن القول إن العمل التنظيمي اللازم والمشروع لتحقيق أهداف الجماعة قد شكل إطارا ابتلع الجماعة، وذلك بعدما ارتبطت به وبقياداته مصالح وتموضع سياسي ونفوذ مالي ووجاهة اجتماعية، حتى بات الفرع هو الأصل، وغابت فاعلية الأصل والجماعة.

ولعل تلك النقطة الثانية تستحق أن يفرد لها بحث خاص، ليبحث المرتكزات والضوابط والمحددات التي تحول دون النهاية المأساوية المتكررة في ابتلاع التنظيم للجماعة الرسالية ومخالفة أهدافها ومنطلقاتها التأسيسية.

ثالثا: العصبية التي أفرزت آفتين سامتين.

إن العصبية فطرية النشوء وتلقائية التكوين، وهي ممدوحة في معناها الطبيعي الذي يدفع كل راع للمسؤولية والمحافظة على رعيته، كما يحفظ المكون الأسري والعائلي من التصدع أمام الإشكالات، كما يدفع كل منتسب لشركة لرفع أسهمها وتطويرها، وهكذا دواليك.

لكن العصبية مذمومة في الأعمال الاسلامية الدعوية والسياسية والحركية، حيث تعمي صاحبها عن رؤية الحق، كما تحول دون الواجب الشرعي القرآني في النظر والتدبر والمراجعة.

وقد أفرزت العصبية في الحركات الاسلامية الإخوانية -كما بعض الحركات السلفية- آفتين خطيرتين سامتين هما:

1/ غياب منهج العلم والعلماء والدين في الجرح والتعديل!

2/نشوء طبقة علماء التنظيم وحلولهم بدل علماء الدين، ليمارسوا دورا أسوأ من دور علماء السلاطين!

أين الأزهر من الكذب على الله ورسوله؟

 أين الأزهر من الكذب على الله ورسوله؟ 


ذكر العلامة الشيخ "أحمد شاكر" رحمه الله في كِتابه (كلمة الحق): كان "طه حسين" طالبا في الجامعة المصرية القديمة، وتقرر إرساله في بعثة إلى أوروبا فأراد حضرة السلطان حسين رحمه الله أن يكرمه بعطفه ورعايته، فاستقبله في قصره استقبالا كريما، وحباه هدية قيمة المغزى والمعنى. 

وكان من خطباء المساجد التابعين لوزارة الأوقاف خطيب فصيح متكلم مقتدر، هو الشيخ "محمد المهدي" خطيب مسجد عزبان، وكان السلطان حسين رحمه الله مواظبا على صلاة الجمعة. 

فصلى الجمعة يوما ما، بمسجد المبدولي القريب من قصر عابدين العامر، وندبت وزارة الأوقاف ذلك الخطيب لذلك اليوم وأراد الخطيب أن يمدح عظمة السلطان، وأن ينوه بما أكرم (طه حسين) وحق له أن يفعل، ولكن خانته فصاحته وغلبه حب التعالي في المدح، فزل زلة لم تقم له قائمة من بعدها. 

إذ قال أثناء خطبته "جاءه الأعمى فما عبس في وجهه وما تولى" وكان من شهود هذه الصلاة والدي الشيخ محمد شاكر وكيل الأزهر سابقا رحمه الله فقام بعد الصلاة يعلن الناس في المسجد أن صلاتهم باطلة، وأمرهم أن يعيدوا صلاة الظهر فأعادوها، ذلك بأن الخطيب كفر بما شتم صلى الله عليه وسلم تعريضا لا تصريحا.

ولكن الله لم يدع لهذا المجرم جرمه في الدنيا قبل أن يجزيه جزاءه في الأخرى فأقسمُ بالله: لقد رأيته بعيني رأسي بعد بضع سنين وبعد أن كان متعاليا متنفخا مستعزا بمن لاذ بهم من العظماء والكبراء؛ رأيتهُ مهينا ذليلا خادما على باب مسجد من مساجد القاهرة، يتلقى نعال المصلين يحفظها في ذلة وصغار حتى لقد خجلت أن يراني، وأنا أعرفه وهو يعرفني، لا شفقة عليه فما كان موضعا للشفقة ولا شماتة فيه، فالرجل النبيل يسمو على الشماتة، ولكن ما رأيت من عبرة وموعظة!!

كالعادة زعيم عصابة الانقلاب استغل مناسبة عيد الأم المزعوم، للنيل من الإسلام ورموزه، فقد تعرض لقصة الصحابية الجليلة، (خوله بنت ثعلبة) وحاول تحريفها، ليثبت كذبه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حضور مشايخ وحريم السلطان من الراقصات والساقطات!! فأتى بقصة محرفة، وفي حضور وزير أوقاف الانقلاب الذي ظل يضحك ويصفق لهذه التخاريف الانقلابية.

فقد أورد البخاري عن عائشة رضي الله عنها، قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادِلة تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها}.

وقد دفعتِ الجرأةُ زعيمَ عصابة الانقلاب إلى الكذب على رب العزة، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الصحابية الجليلة خولة بنت ثعلبة الأنصارية، التي زعم أنها مصرية!

وقصة الصحابية خولة بنت ثعلبة، التي جاءت شاكية إلى النبي صلى الله عليه وسلم، من حادثة وقعت بينها وبين زوجها وجاءت لتسأل عن حكم الشرع، فقد راجعت زوجها أوس بن الصامت بشيء فغضب فقال: "أنت علي كظهر أمي"، ثم خرج الزوج بعد أن قال ما قال فجلس في نادي القوم ساعة ثم دخل عليها يريدها عن نفسها، ولكنها امتنعت حتى تعلم حكم الله في مثل هذا الحدث. 

فقالت: كلا والذي نفس خولة بيده، لا تخلصنّ إليّ وقد قلتَ ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه، وخرجت خولة حتى جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلست بين يديه فذكرت له ما لقيت من زوجها، وهي بذلك تريد أن تستفتيه وتجادله في الأمر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما أُمرْنا في أمرك بشيء، ما أعلمك إلا قد حرمت عليه))، والمرأة المؤمنة تعيد الكلام وتبين لرسول الله ما قد يصيبها وابنَها إذا افترقت عن زوجها، وفي كل مرة يقول لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ما أعلمك إلا قد حرمت عليه))، وهنا رفعت يديها إلى السماء وفي قلبها حزن وأسى، وفي عينيها دموع وحسرة قائلة: اللهم إني أشكو إليك ما نزل بي.. وما كادت تفرغ من دعائها حتى تغشّى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه عند نزول الوحي، ثم سُرِّي عنه. 

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا خولة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرأنا)، ثم قرأ عليها: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير) إلى قوله: (وللكافرين عذاب أليم). 

ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم كفارة الظهار. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقى به عنه، ثم استوصي بابن عمك خيرا) لم يُشح النبي صلى الله عليه وسلم، بوجهه عنها. (ولكن الكذاب الأشر الذي يكذب متعمدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مدعيا أنه أشاح عنها بوجهه وتأتيه هي من كل اتجاه، وأن المرأة مصرية، وكيف تكون مصرية، ومصر لم تكن فتحت بعد!! ثم أي قانون غيرته هذه المرأة، كما زعم هذا الكذاب، والقضية كلها تدور حول الظهار، الذي لم يكن قد نزل فيه حكم شرعي بعد!! وإنها قالت لربنا "جئت لاشتكي رسول الله، فرسول الله صلى الله عليه وسلم ماوجدش. فاني أشكو إليك رسول الله.. ياااه علشان تعرفوا... الدين كبير قوي.. وسهل قوي. قوي قوي!

ومما يؤكد تحريف زعيم عصابة الانقلاب، ومحاولة النيل من رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ما ورد بشأن السيدة خولة بنت ثعلبة الأنصارية رضي الله عنها: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مر بها في زمن خلافته وهو أمير المؤمنين، وكان راكبا على حمار، فاستوقفته خولة طويلا ووعظته. وقالت له: يا عمر قد كنت تُدْعَى عميراً ثم قيل لك: يا عمر ثم قيل لك يا أمير المؤمنين، فاتق الله يا عمر فإن من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب. فقيل له: يا أمير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الموقف؟ قال رضي الله عنه: (والله لو حبسَتْني من أول النهار إلى آخره ما زُلْتُ إلا للصلاة المكتوبة، إنها خولة بنت ثعلبة، سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر.

وهنا ترتج القاعة بالتصفيق من العمائم الوضيعة وغيرهم من المرتزقة وحريم السلطان من الجواري والغانيات، وهم يعبرون عن رضاهم التام بإهانة نبيهم صلى الله عليه وسلم!!

والسؤال المُلِح هو أين الأزهر، وأين أدعياء السلفية، وهل مازال محمد حسان فى الإنعاش؟ أين هم من هذه التخاريف، وإلى متى يستمر الوضع هكذا؟؟؟


إلى متى الصمت ياأمة المليارين؟!

 

 إلى متى الصمت ياأمة المليارين؟!


- د.عز الدين الكومي
( إعلامي حر )

في الوقت الذي تهافت فيه عدد من سفراء أنظمة الانبطاح والتطبيع على مائدة وزير الخارجية الصهيوني "جابي أشكنازي"، من الأردن ومصر والإمارات والمغرب، وخلال مائدة الدم .. خاطب وزير الخارجية الصهيوني سفراء التطبيع قائلاً : "إن شهر رمضان هو شهر السلام ، ولقد أحضر معه هذه السنة نقطة ضوء للسلام في الشرق الأوسط ، وأنه يحدوه  أمل خلال السنوات المقبلة أن (ينبطح) المزيد من الدول أمام نصب التطبيع" .
هذا المشهد المقزز أثار الشعب الأردني الرافض للتطبيع مثله مثل بقية الشعوب الأبية، فكتب "أحمد عكور" في موقع "جو24" تحت عنوان "الأردن الرسمي يشبع كيان الاحتلال شتما .. وسفيرنا يحضر إفطاراً رمضانيا لرئيسهم "رؤوبين ريفين" 
" فبينما كان وزير الخارجية أيمن الصفدي يمطر دولة الاحتلال بعبارات الإدانة والاستنكار المكرورة والفاقدة لمعناها ودلالتها ، تنديداً بالعدوان الصهيوني على المصلين في المسجد الأقصى .. كان سفير الأردن "غسان المجالي" في الكيان الصهيوني المحتل يتناول الطعام على مائدة  رئيس كيانهم الطارئ "رؤوبين ريفين".
إذن فوزير الخارجية الأردني _ أو للدقة_ الموقف الرسمي الأردني يشبع دولة الاحتلال الصهيوني شتما.. في حين أننا نجد ممثل الأردن (دولة الوصاية على المقدسات) يجلس على طاولة طعام واحدة مع رئيس الكيان المحتل !! ، في الوقت الذي تمعن فيه ماكينة الاحتلال العسكرية في قتل واعتقال الفلسطينيين المرابطين للدفاع عن المقدسات في مدينة القدس، وفي الوقت الذي يخرق فيه كيان الاحتلال كل الاتفاقيات الموقعة مع الأردن، وينتهك كل الأعراف والمواثيق الدولية جهارا نهارا .
فماذا يمكن أن نفهم من هذا التناقض؟ أليس هذا استخفافا بعقول الأردنيين وكل العرب والمسلمين ؟!!".
بينما نجد في المقابل.. المغني البريطاني الشهير "روجر ووترز" عضو فرقة الروك "بينك فلويد" ينتقد الإخلاء القسري للفلسطينيين الذين يعيشون في حي الشيخ جراح بالقدس من قبل المستوطنين اليهود ! ، واصفا الاحتلال بأنه "دولة فصل عنصري".
وقد نشر مقطع فيديو بعنوان (إسرائيل دولة فصل عنصري) عبر حسابه على "تويتر " يتضامن فيه مع أهالي حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، وأن طرد العائلات الفلسطينية من حي الشيخ جراح يتم بطريقة تشبه ممارسات الإبادة الجماعية، وأنه تلقى رسائل من أصدقائه الذين يعيشون في بلدان مختلفة من أمريكا الجنوبية، أخبروه فيها أنهم سيذهبون إلى حي "الشيخ جراح".
كما هاجم الرئيس الأمريكي الذي أعرب عن دعمه للكيان الغاصب "في جميع الظروف" ، فخاطبه قائلاً : "أنتم تدعمون إخلاء الناس من منازلهم بطريقة مثل الإبادة الجماعية، ما هو شعورك يا جو .. أن تكون جالسا في منزلك الذي تعيش فيه عائلتك لمئات السنين.. ثم يأتي بعض الأشخاص القذرين ليستولوا عليه؟؟! ".
ودعا ووترز الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" والاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا" إلى عدم السماح للكيان الصهيوني بالمشاركة في المنافسات الكروية .
أيها المسلمون: المسجد الأقصى يصرخ فيكم اليوم، ولكن لايجيبه إلا أقل القليل . 
من منكم سيرد على رسالة الأقصى التي بعث بها إلى صلاح الدين قبل قرابة ألف سنة قائلاً فيها : 
يا أيها الملك الذي  لمعالم الصلبان نكس

 جاءت إليك ظلامة تسعى من البيت المقدس

 كل المساجد طهرت  وأنا على شرفي أنجس

فبعد هذه الرسالة قام صلاح الدين بإعداد حملة لتحرير بيت المقدس، وشحذ الهمم، فمنع المزاح في جيشه، ومنع الضحك، وهيأ الأمة لاسترداد المسجد الأقصى الأسير من أيدى الصليبيين يوم ذاك .
 ولكن الصليبيين بعد وفاة صلاح الدين عادوا فاحتلوا المسجد الأقصى وذهبوا إلى قبر صلاح الدين وركلوه بأقدامهم قائلين : ها قد عدنا يا صلاح الدين ، ها قد عدنا يا صلاح الدين . 
الأمة اليوم  عاجزة، لا تغضب، ولا تثور؛ برغم تدنيس مقدساتها، بل تهرول للتطبيع مع الصهاينة !! .
وما أقوى وأوقع ما قال الشيخ "محمد الغزالي" رحمه الله :
 "الويل لأمة يقودها التافهون، ويُخزى فيها القادرون. إن زوال "الكيان الصهيوني" لابد وأن يسبقه زوال أنظمة عربية عاشت تضحك على شعوبها ، ودمار مجتمعات عربية فرضت على نفسها الوهم والوهن" . 
ونقولها للعرب اليوم بصوت عال : إن فلسطين لن يحررها إلا جيش مسلم، أما تجمع العرب بلا دين فلن يحرر جحر نملة !!
ويجب أن يكون ولاؤنا للإسلام جادا متقدما على كل ولاء آخر للتراب أو للدم .
وليس هناك أغرب من أمة تهتاج لهزيمة رياضية، ولا تهتز لها شعرة لهزائمها الحضارية والصناعية والاجتماعية !! 
وإني لأعجب اليوم من أمة المليار وهى تثور عبر صفحات التواصل الاجتماعي (التى يتحكم فيها الصهاينة وأتباعهم فتقوم بإيقاف أي نشاط يسلط الضوء على فلسطين أو القدس والمسجد الأقصى) .
فماذا تنتظر الأمة  والمسجد الأقصى يتم اقتحامه تحت سمع وبصر الأمة الإسلامية كلها ؟؟؟ . 
حتى الشجب والاستنكار الذي كان يصدر سابقا من المسئولين.. تحول اليوم إلى انبطاح وتطبييع وذلة ومهانة .
لكن _ ولحسن الحظ _ فإن المقدسيين (رجالا ونساءا شيبا وشبانا وأطفالا) لم يعودوا يعولون كثيرا على أمتهم التى خذلتهم، فقاموا بالرباط في المسجد الأقصى والدفاع عنه بصدورهم العارية وأيديهم الفتية .
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول : "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك" قالوا : يا رسول الله وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس".
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يعجل بتحرير بيت المقدس من دنس الصهاينة المعتدين، وأن يرزقنا صلاة فيه . 

  

التصورات الساذجة عن “اليوم التالي” للحرب في غزة

 

التصورات الساذجة عن “اليوم التالي” 

للحرب في غزة  

عامر عبد المنعم


يلهث الإسرائيليون ومن خلفهم الأمريكيون خلف هدف مستحيل، وهو القضاء على حركة حماس وتشكيل إدارة تابعة للاحتلال تدير غزة، وتضجّ الفضائيات والصحف ومراكز الأبحاث الغربية بمناقشات حول التصورات لليوم التالي للحرب، وكيف سيكون شكل القطاع حسب التصور الصهيوني وكأنه قطعة من العجين يسهل تقطيعه وتشكيله.

يعيش الإسرائيليون ومعهم الطبقة السياسية الأمريكية المؤيدة للاحتلال في وهم كبير، فحماس لن تستسلم وتلقي السلاح كما يتمنى نتنياهو وبايدن، ولا الشعب الفلسطيني ينتظر خيرا من مصاصي الدماء الذين يقتلونه بالمجاعة إن أفلت من القصف بالقنابل، وكانت عمليات المقاومة في جباليا والزيتون هذا الأسبوع أبلغ رد على هؤلاء الواهمين.

بعد ثمانية أشهر من حرب الإبادة وإعلان جيش الاحتلال أنه قضى على حماس في شمال ووسط القطاع، وأنه لم يبق إلا رفح للقضاء على ما بقي من كتائب القسام؛ قوبل الإسرائيليون بعاصفة مزلزلة من المقاومة في رفح والشمال، تكبد فيها الاحتلال خسائر كبيرة وكأنه في بداية الحرب، وقد أعلن أبو عبيدة أن المقاومة دمرت في 10 أيام فقط أكثر من 100 دبابة وآلية.

كل الخطط عن اليوم التالي تبني أفكارها على أسس خيالية ساذجة، وهي أن حماس ستختفي وأن الشعب الفلسطيني سيقبل أن يحكمه جيش الاحتلال، الذي لن يخرج من غزة بل سيبقى لحماية الإدارة العميلة، التي ستتكون من عملاء فلسطينيين، وتحميها جيوش عربية وشركات المرتزقة التي توظف العسكريين الأمريكيين السابقين.

اليوم التالي لن يأتي

خطأ الحسابات الإسرائيلية والأمريكية أن حماس حركة يمكن عزلها عن الحاضنة الشعبية بالضغط على المدنيين بالقصف والقتل والتهجير والتجويع، لكن أثبت سير المعركة أن المقاومة هي الجهاز العصبي للجسد الفلسطيني، وهي طليعة مقاتلة ابنة مجتمعها، وجذورها ضاربة في أعماقه، وهي متجددة ولا نهاية لها، وكلما زاد القتل ولد المزيد من المقاومين الذين يخرجون من تحت الأنقاض يبحثون عن الثأر.

تعتمد التصورات الصهيونية على خونة فلسطينيين يكونون في الواجهة، وهم من الطابور الخامس الذي تم إعداده في دولة خليجية وفي سلطة رام الله، لكن يفوتهم أن جرائم الإبادة التي تجري في غزة والضفة خلقت رغبة في الانتقام لن ترحم المحتل، ولا عملاء المحتل حتى لو تسموا بأسماء فلسطينية، بل تم اختراق هذا الطابور بطريقة عكسية، وقام أصدقاء حماس بتسريب خطة إدخال العملاء عبر شاحنات المساعدات فتم القبض عليهم في غزة، فردا فردا كالفئران المذعورة.

تتحدث خطط اليوم التالي عن استدعاء قوات عربية من تحالف أبراهام، وكأن حكام هذه الدول مجرد أدوات في يد نتنياهو، وحتى إن كان التقييم الصهيوني فيه شيء من الصحة بناء على ما يقال في السر والغرف المغلقة، فإن جيوش هذه الدول ليست بالصورة التي يتخيلها البيت الأبيض وحكومة الحرب الإسرائيلية، وهناك خطوط لا يمكن للخيانة -إن وجدت- تجاوزها.

وحتى إن تقرر إمداد الاحتلال بقوات عربية تحت أي ذريعة، أو بقوات غير نظامية فإن الجنود ليسوا آلات يمكن برمجتها، وإنما هم بشر ومسلمون لن يقبلوا أن يكونوا حماة للاحتلال المجرم، وستتحول بنادقهم اتجاه الإسرائيليين بكل تأكيد، ومن يقبل منهم طاعة الأوامر فلن يكون أكثر تسليحا وجرأة من الجندي الإسرائيلي الذي داسته المقاومة بالأقدام وسفكت دمه.

لن يشعر الإسرائيليون بالأمن إلا بوجود القوات الأمريكية، سواء الجيش الأمريكي أو الشركات الأمنية الخاصة التي توظف المرتزقة، ووفقا للصيغة الممكنة، والوضع العسكري على الأرض في غزة والمناخ الدولي، وحسب المقترحات فستكون لهم القيادة والسيطرة لمعاونة الاحتلال في حماية الإدارة البديلة، ولكن حتى هؤلاء سيعاملون -كما قالت حماس- كقوة احتلال مصيرهم مثل الإسرائيليين.

المساعدات حصان طروادة

يتفق الأمريكيون مع الإسرائيليين في القضاء على حماس وإزالة التهديد وضمان عدم تكرار هجوم طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، ورغم ما يبدو من خلافات حول بعض القضايا الهامشية فإنهم متفقون على عدم وقف الحرب حتى تتم السيطرة على القطاع، وبينما يقوم الاحتلال بالجهد العسكري بالقنابل والأسلحة الأمريكية فإن مهمة بايدن وإدارته إعادة هندسة القطاع باستخدام ورقة المساعدات.

في الخطة التي أعدها المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي صاحب فكرة إنشاء “صندوق دولي لإغاثة وإعمار غزة” فإن المساعدات وإعادة الإعمار هي “حصان طروادة لإدامة الانقسام الفلسطيني ومنع إعادة توحيد غزة”، وتطرح مراكز الأبحاث الأمريكية عشرات الخطط التي تهدف إلى إزاحة حماس وتفجير غزة من الداخل عن طريق التحكم في المساعدات!

يراهن القادة الأمريكيون على كسر غزة بالجوع، والتلويح بالطعام يوما بيوم حتى يرضخ الفلسطيني؛ لذا فإن المهمة الأساسية المعلنة للرصيف العائم الذي أقامه الجيش الأمريكي ليست لتقديم كميات كافية من الطعام للتخزين وعودة الحياة الطبيعية، وإنما وجبات يومية للترويض والتطويع وكأنهم في سجن؛ يستخدمون الوجبة اليومية للضغط عليهم، واستمالة بعضهم وقطعها عن الآخرين.

ولأن الخطة الأمريكية لن تنجح في ظل فتح المعابر البرية، وفي مقدمتها معبر رفح وفي وجود الأونروا ومنظمات الأمم المتحدة، فقد أيدت إدارة بايدن إغلاق المعابر، وأعطت الضوء الأخضر لاحتلال معبر رفح، ليكون الرصيف العائم هو الطريق الوحيد المفتوح للمساعدات وتحت السيطرة الإسرائيلية، أي أن الحل الأمريكي المعلن هو في الحقيقة المزيد من الحصار والمزيد من التجويع.

تعمل الولايات المتحدة الآن على إلغاء كل ترتيبات الأمم المتحدة في غزة التي نشأت بقرارات أممية، والتأسيس لنظام جديد بعيدا عن النظام الدولي، يعيد السيطرة الإسرائيلية على قطاع غزة، ويعطي الاحتلال صلاحيات وسلطات تعينه على إخضاع الفلسطينيين، ومنع حماس من حكم القطاع مرة أخرى، لكن لم يعد الوقت في صالح الخطة الأمريكية الإسرائيلية، فالاحتلال لم ينجح عسكريا، وبايدن محاصر من طلاب الجامعات، ويزداد ضعفا مع اقتراب الانتخابات.

كل الخطط الصهيونية الأمريكية فشلت أمام الصمود الفلسطيني وصلابة المقاومة، ورغم ما يمتلكه الكيان الصهيوني من أسلحة ومساندة أمريكية وأوروبية فهو مهزوم ومفكك يتصارع قادته أمام الشاشات، وفي المقابل غزة موحدة متماسكة خلف حماس، والفلسطيني بأسلحته البسيطة استطاع أن ينتصر ويحافظ على انتصاره، وهو مستعد للقتال مدة طويلة.

فئة غريبة!

فئة غريبة!

محمد إلهامي

باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية




من أغرب الناس الذين تجدهم في مواقع التواصل الاجتماعي هذه الفئة التي تمارس "النهي عن النهي عن المنكر"!!

شعاره: دع الخلق للخالق، ولكنه لم يدع الخلق للخالق، بل سارع للإنكار.. الإنكار على من ينكر المنكر!! لا على من فعل المنكر!!

يقول لمن ينهى عن المنكر: ربما يكون صاحب هذا المنكر أحسن منك عند الله.. ولم يتذكر هو أن الذي ينكر المنكر ربما يكون أفضل منه هو عند الله، وأفضل منهما معًا!

وهذه الفئة الجديدة ليست هي الفئة التي حدثنا القرآن عنها في بني إسرائيل.. فبنو إسرائيل حين نهاهم الله عن الصيد يوم السبت، انقسموا ثلاثة فرق:

1. فرقة عصت أمر الله وتحيلت على ذلك وصادت
2. وفرقة أنكرت عليهم المعصية ونصحتهم
3. وفرقة ثالثة أنكرت على الذين أنكروا.. فصرفوا طاقتهم لا في النهي عن المنكر، بل في تثبيط الذين ينكرون المنكر، وقالوا لهم {لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا}

وهذه الفرقة الثالثة، هي أفضل من أولئك الذين نتكلم عنهم الآن.. فهذه الفرقة كانت تعرف من الذي على الحق ومن الذي على الباطل، ولكنها يئست من هداية المبطلين.

أما من نتكلم عنهم الآن، فلا يعرفون الحق من الباطل، بل يزيلون الحد بين الحق والباطل، بين المعروف والمنكر، فيجعلون المعروف منكرا والمنكر معروفا..

فالدياثة والتعري والرقص وأمثال ذلك من المحرمات التي لا شك فيها، تتحول عندهم إلى حريات شخصية، وحقوق إنسان، ويسفكون طاقتهم في إعذار أصحابها وفي التلبيس على أنها محرمة أصلا.

ضلال وإضلال معا.. ثم تخلف عقلي ونفسي معا!!

فلئن كنت ضالا، فكن ذا عقل، واجعل قواعدك في الحياة مفهومة ومنسجمة ومضطردة.. أما أن تنكر على من ينكر المنكر، بدعوى أن دعوا الخلق للخالق، ولست أنت من يحاسب... فهذا خطل وغباء معًا!

جيل أفسده التعليم المنهار في المدارس!!