الاثنين، 31 أغسطس 2020

تجارب الإسلاميين مع الديمقراطية رغم هذا لم نستوعب الدرس

تجارب الإسلاميين مع الديمقراطية رغم هذا لم نستوعب الدرس

تجربة الإخوان المسلمين في مصر


انطلقت هذه التجربة منذ أواخر عهد أنور السادات أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات. فعندما أتى السادات إلى الحكم بعد اغتيال عبد الناصر قرب إليه الإخوان المسلمين لأجل التصدي للشيوعية والناصرية. ذلك بهدف خلق حالة توازن مع باقي التيارات وبعد أن اطمأن الإخوان لمكر السادات، واطمأنوا لـ 8 مقاعد حصلوا عليها ضمن 52 مقعد للمعارضة مقابل أكثر من 460 مقعدا لحزب السادات الحاكم ، فاجأهم بحملة اعتقالات كبيرة في سبتمبر 1981 اعتقل خلالها 1536 فرد من مختلف القوى المعارضة وقام بإغلاق جميع الصحف المعارضة ومصادرة أموالها.

وبعد اغتيال السادات واستلام حسني مبارك الحكم، تعلم جيدا الدرس فبدأ مشوراه بالتشديد على كل ما هو إسلامي سواء السلفيين الجهاديين أو الإخوان، ولكن اقتصر في حمل السلاح على الجماعات الجهادية فقط، فنجح في تحييد الإخوان وهدّأ بذلك شريحة واسعة من الشعب المصري بمباركة النظام العالمي.

وفي ظل هذا الانشغال بقمع السلفية انتهز الاخوان الفرصة بدورهم في إعادة البناء الداخلي للجماعة حيث عمدوا إلى تغيير بعضا من الفكر القطبي بحجة أنه لا يساير واقع الثمانينات، وتحولوا من مرحلة المفاصلة بين الجاهلية والإسلام التي قاد لوائها سيد قطب إلى المهادنة والتساكن مع العلمانية والديمقراطية التي قاد لواءها القادة الجدد للإخوان، ووصل بهم الحال إلى إعلان الجهاد من أجل الديمقراطية!

ولا شك أن هذا التحور الفكري والسياسي أدى إلى تغيير كبير في وجهة الجماعة وكسبوا من ورائه مقاعد برلمانية وكرسوا جهدهم ووضعوا ثقلهم في زيادة حضورهم السياسي باعتبار المشاركة السياسية السبيل الوحيد للإصلاح التدريجي، ولينتقلوا بذلك من حالة الجهاد ومواجهة الحكام الظلمة إلى الانخراط في نظام هؤلاء الحكام.


وبعد أن ازدادت قوة الإخوان داخل الشارع المصري واستشعر النظام خطر ذلك التمدد فزع لمراقبة الجماعة خشية شروعها في أي عمل سري، وفي بداية الألفية الثانية اشتد تضييق النظام على الإخوان من خلال أذرعه الأمنية إلى جانب الأذرع الإعلامية.

ويجدر الإشارة إلى أن نشاط الإخوان في عهد مبارك لم يكن تحت اسم حزب ديني لأنه أمر محظور وفق الدستور المصري، بل فعّلوا نشاطهم من خلال التحالف مع الأحزاب العلمانية، فمرة مع حزب الوفد ومرة مع حزب العمل. وخرج فريق من شباب الإخوان فشكل حزب “الوسط” وهو حزب غير ديني ولإثبات ذلك أدخل فيه بعض النصارى والنساء. ورغم ذلك لم يزل الإخوان يتنقلون بين البرلمان والمعتقلات إلى يومنا هذا . واستمرت سلسلة التنازلات، ولكن دون أي فائدة أو جدوى تذكر.

ولعل أبرز صورة لفشل الديمقراطية التي رفع شعارها الإخوان في مصر كانت بعد أن وصل ممثلهم محمد مرسي إلى مقاليد الحكم بانتخابات أثارت الكثير من الجدل، ورغم الفرحة العارمة للوصول إلى سدة الحكم فإن أهداف مسلسل التنازلات الإخوانية أجهضت بمجرد إعلان الانقلاب العسكري والزجّ بالرئيس الجديد في غياهب السجن، وليرض من يرضى وليسخط من يسخط، ذلك أن هناك خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها في نظر الغرب ونوابه في المنطقة وأعتقد أن تجربة مثل تجربة الإخوان مع وصول مرسي لكرسي الحكم لهي بمثابة الدليل الدامغ على فشل هذه السبيل وبرهان أكيد على أنها طريق مسدود يسهل خلاله تبديد أحلام أصحابه في طرفة عين من قبل قوى الظلم والطغيان والكفر بمجرد انقلاب حكم.

تجربة الإتجاه الإسلامي في تونس


وهو الاتجاه الذي تحول إلى حزب النهضة في نفس الفترة. والذي حصد نجاحا كبيرا في مقاعد الانتخابات التمهيدية حيث فاز بأكثر من 86% في أواخر الثمانينيات . وكان جزاءه أن حل الحزب وطورد شيخه الغنوشي ودعمت أمريكا من جهتها نظام علي زين العابدين الديكتاتوري الذي أعلنها حربا ضد الإسلاميين وطاردهم حتى لجأوا إلى الهجرة للغرب. ثم شاهدنا النتائج الخيالية للانتخابات الرئاسية في 2004 والتي فاز فيها علي زين العابدين بنسبة 95,96 % لتعكس حجم “الديمقراطية” أقصد الدكتاتورية على أصولها في تونس وبمباركة غربية. واليوم نشاهد التاريخ يعيد نفسه فبعد ثورة الربيع العربي التونسي كان الجميع يتوقع قفزة قوية للإسلاميين لاسترجاع مكانتهم في تونس، لكننا رأينا نوعا آخر من الظهور، إنه ظهور للغنوشي بمقاسات أمريكية، ومبادئ معاقة إذا ما قارناها مع مبادئ القوم في بداياتهم. وهكذا تمت دمقرطة الإخوان وتحويلهم لجماعة وظيفية تماما كما تم توظيف الحكام في الأنظمة الوظيفية ثم الطامة إن تعرض حكمهم للانتقاد فهو للأسف انتقاد للحكم الإسلامي الذي هو منهم براء وهذا تحديدا ما يسعى له الغرب ـ خلق تلك القناعة في نفوس الناس أن الحكم الإسلامي فاشل فيعزفون عنه ويرضون بالأدنى!

تجربة الجبهة الإسلامية للإنقاذ


حقيقة لا أبالغ إن قلت أن تجربة الجبهة الإسلامية للإنقاذ كانت ألمع تجربة وأقواها للإسلاميين الذين ينتهجون طريق الديمقراطية في تحقيق أهدافهم بل وأقلها انحرافا أو زيغا، كان ذلك في أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات. عندما أعلن الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد في سنة 1989 بعد مظاهرات الخبز الشهيرة سياسة للإصلاح كان على رأس أولوياتها إطلاق حرية الأحزاب وإلغاء سياسة الحزب الواحد .. فانتهز الإسلاميون من مختلف التيارات الفرصة وسارعوا في تشكيل الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي ضمت كامل الطيف الإسلامي تقريبا ولم تكن وحدها فقد تجمع الإخوان المسلمون بصفة مستقلة في جماعة الإخوان و وجماعة النهضة الإسلامية المحلية ودخلوا جميعا في منافسة مع الحزب الحاكم الذي كانت تمثله جبهة التحرير الوطنية القوة الرئيسية الوحيدة في البلاد إلى ذلك الوقت منذ الإستقلال في 1962 ، كانت المفاجأة كبيرة لحجم إقبال الجمهور الجزائري على جبهة الإنقاذ الإسلامية التي فازت في الإنتخابات البلدية بنسبة أكثر من 85% وبسبب تمتعها بشعبية عريضة مكنها 3.5 مليون ناخب من أن تدخل الإنتخابات البرلمانية بقوة أواخر سنة 1990 وتكتسح الأغلبية الساحقة في الدور الأول. لقد حققت كذلك تفوقا ساحقا في الدور الثاني في مطلع 1991 ونجحت بلا منازع وبمباركات الشعب الجزائري لأن تكون مرشحة لتشكيل الحكومة الإسلامية الموعودة بشكل مستقل كما ردد ذلك مرارا زعيميها البارزين عباسي مدني وعلي بلحاج بأن هدفها الحكم بالشريعة الإسلامية .. لكن لأن هذا الطريق مسدود، ولأن الغرب عموما وفرنسا خصوصا لن ترضى عن مثل هذا الحكم في الجزائر، هدد الرئيس الفرنسي ميتران بالتدخل العسكري إن لزم الأمر للحيلولة دون هذا النجاح الباهر للإسلاميين في وصولهم للحكم .. وقال بكل وضوح:”إذا فاز الإسلاميون في الانتخابات في الجزائر سأتدخل عسكرياً كما تدخل بوش في بنما”[1] فكانت النتيجة تدبير الانقلاب العسكري مطلع 1991 الذي سجّل نهاية الجبهة الإسلامية بطريقة بشعة جدا، وسجن زعماءها واختفى عشرات الآلاف من أنصارها بعد أن غيّبوا في المعتقلات الصحراوية ولا زالت تتردد قصص مهولة للتعذيب والترويع الذي دفع ثمنه الشعب الجزائري فقط لأنه طالب بحكم إسلامي. وهذا كان السبب الأول وراء اشتعال جذوة الجهاد في الجزائر، وأعقبه أعمال عنف وحرب أهلية دامية راح ضحيتها أكثر من 150 ألف شخص. وتحولت التجربة الديمقراطية في الجزائر إلى حالة دموية مشهودة.

فأي أمل يبقى لدعاة الديمقراطية في سلوك هذه الطريق بعد مشاهدتهم للطريقة القبيحة التي أجهضت بها جهود الجبهة الإسلامية للإنقاذ رغم حجم الدعم الشعبي الذي كانت تحظى به!

فمن يؤمن بعد هذا بإمكانية الوصول لحكم إسلامي عن طريق سلوك طريق الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي! إنهم إن فعلوها فلن تكون إلا ديمقراطية بلا إسلاميين وتحت شروط العنت لتخرج  لنا جيلا جديدا يرضى بالكفر دينا!

تجربة الإخوان المسلمين في اليمن


ترجع هذه التجربة إلى مطلع التسعينيات وهي قصة حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي خاض أول انتخابات قامت بعد الوحدة سنة 1993 بعد الثورة الشعبية التي كانت تطالب بوضع كلمة ( الشريعة هي المصدر الأساسي للتشريع ) في مقدمة الدستور العلماني والقانون الوضعي للبلاد وهذه من المفارقات العجيبة. وقد شهدت شوارع اليمن خروج أكثر من مليون مسلح في تظاهرات مهيبة للاحتجاج أمام القصر الرئاسي. لكن الغريب والصادم أن قيادات الإخوان أقنعوا الناس بالعودة لبيوتهم خشية من الفتنة.!

وكانت سياسة علي عبد الله صالح مثل سياسة السادات في بداياته، وهي تقريب الإسلاميين من أجل كسر شوكة الاشتراكيين الشيوعيين القادمين من الجنوب مع الوحدة. فانتعش لذلك نشاط الإسلاميين، حتى أصبح حزب التجمع اليمني للإصلاح ثاني أقوى حزب في البلاد. وشارك في حكم اليمن الموحد عبر المجلس الرئاسي بمشاركة أحد أعضائه.

لكن هذا الصعود لحزب الإصلاح، كان له تداعيات أهمها حصار الجنوبيين في البرلمان. والذين رفعوا شعار الانفصال وحظوا بدعم دول مجلس التعاون الخليجي والسعودية فكانت النتيجة الحرب التي أدت إلى سيطرة اليمن الشمالي على الجنوبي وتحديدا بفضل الدور المحوري الذي لعبه الإخوان والإسلاميون في المجهود الحربي. لكن ما أن استتب الحكم للرئيس صالح بعد أن وضعت الحرب أوزارها عمد إلى تقليص دور الإسلاميين ليصبحوا مجرد كتلة برلمانية محدودة . وليتفاجأوا بفوز حزبه في دورة 1996 وما تلاها في 2003. وبأغلبية ساحقة تجاوزت الـ 70% وتم تقليص حجم الإصلاح كثيرا. وإثبات أن طريق الإخوان كان مسدودا في اليمن.

تجربة تركيا

انطلقت تجربة تركيا منذ مطلع الستينات مع حزب السلامة الإسلامي التركي بزعامة البرفسور نجم الدين أربكان الذي نجح في الفوز عبر الانتخابات في الوصول إلى منصب نائب رئيس الحكومة في أواخر الستينات.. ولكن كما أثبتت التجارب السابقة فإن هذا الصعود أجهض بانقلاب عسكري وأثبت فشل التجربة الديمقراطية في تركيا وعاد بالبلاد إلى حكم العسكر.

وبعد حظر حزب السلامة غير اسمه وأعاد المحاولة من جديد تحت اسم حزب الرفاه .. وعلى طول عقد من الجهود المضنية تمكن في النهاية من إحراز الأكثرية النسبية في انتخابات 1996 البرلمانية بنسبة 21% من مجموع الأصوات يليه أكبر الأحزاب العلمانية بأكثر من 18%. وهي النتيجة التي أثارت استياء الغرب. ورغم قيام أربكان بإنشاء وزارة ائتلافية استجاب فيها لجميع الضغوطات كان منها التوقيع على التعاون العسكري مع إسرائيل، إلا أنه لم يستمر إلا سنة واحدة .. وانتهى به الأمر بانقلاب سياسي من العلمانيين اتهم فيه أربكان وحزبه الرفاه خلالها بتهم ملفقة أدت إلى نفيه عن السلطة وحلّ حزب الرفاه ومنع رجالاته من مزاولة العمل السياسي.

لم يتعلم الإسلاميون في تركيا من هذا الدرس وأصروا على إعادة التجربة، ليظهروا من جديد باسم حزب الفضيلة والذي بقي يمثل أقلية وانتهى به الأمر للحظر والوأد مرة ثالثة.

ثم ظهر أحد أعوان أرباكان وهو رجب طيب أردوغان بحزب العدالة للتنمية وحمل شعار علمانية إسلامية وتمكن من الفوز في انتخابات 2002 بأغلبية كبرى 36% من مقاعد البرلمان خولته من تشكيل حكومة تسبح بحمد العلمانية ليل نهار، وتتماشى والسياسات الأمريكية في المنطقة.
وانحصرت إنجازات التجربة التركية العلمانية “المؤسلمة”، في بعض التصريحات والمظاهر، وبعض الخدمات للمساجد ومدارس القرآن، بينما في الجهة المقابلة ظهر أصحابها وهم يحتسون الكؤوس مع قادة اليهود ويرسلون المساعدات لإطفاء حرائق إسرائيل، واشتركوا في الحرب التي يخوضها حلف النيتو ضد المسلمين بل وتسلموا زعامة النيتو في أفغانستان، وفتحوا قواعدهم العسكرية للجيوش الصليبية وقدموا الدعم المتواصل للغزو الأمريكيو أوروبي للعراق فضلا عن الدعم الاستخباراتي وتسليم المعتقلين المسلمين للسجون السرية الأمريكية، لقد قدم الأتراك الكثير من القرابين لأجل إرضاء الأمريكان ولا زالوا، وسفك بسبب دعمهم للغرب الكثير من الدماء المسلمة في العراق وسوريا وأفغانستان كلّ هذا وهم يرددون العلمانية لا تعارض الإسلام فلم يبقوا للإسلام إلا اسمه.

لقد فشلت تجارب الإسلاميين مع الديمقراطية ليس فقط فيما سبق بسطه من أمصار، ولكن أيضا في الأردن والكويت وفي باكستان والسودان وفي العراق وفلسطين حيث أضحت الديمقراطية في الأخيرتين مجرد مشروع تطويع الإسلام السياسي للدخول في أنفاق سلطة خدماتية ما قامت إلا عبر اتفاقيات أمنية تحفظ أمن الاحتلال.

الخلاصة


وإن تكرر فشل هذه التجارب في انتهاج سبيل الديمقراطية لإقامة الحكم الإسلامي إنما هو دليل صارخ على أن طريق الإسلاميين طريق مسدود تماما، إما بوأده بالانقلابات وقوة السلاح أو بإجهاضه بالعمد وتبديد قواه قبل أن يرى النور وإما بسلخه تماما ليخرج من دائرة الإسلام! هذا إن قبلنا مزاعمهم في أنه أمر مقبول شرعا، فكيف إذا أضفنا لهذا الفشل حرمته شرعا ومناقضته للإسلام جملة وتفصيلا!

ثم بقراءة عميقة في هذه التجارب الفاشلة نستخرج حقيقة مهمة جدا، ألا وهي حقيقة صحوة إسلامية حقيقية تنشدها الشعوب المضطهدة رغم جميع محاولات السلخ من الدين التي سلطتها الأنظمة الوظيفية لتغريب الناس عن دينهم، وهذا ما يفسر نتائج الانتخابات بالأغلبية لكل ما يحمل اسم إسلامي.

كما نخرج بقاعدة أخرى مهمة جدا أيضا وهي أن التدخل الغربي وأنظمته الوظيفية أمر مسلم به ونتيجة حتمية أمام كل تجربة ديمقراطية للإسلاميين، لضمان تحجيمهم ولجم مشاركتهم إما قبيل استلامهم السلطة كما حصل في تجربة الجزائر أو بعد وصولهم لها كما حصل في تركيا ومصر أو بنسف جهود أصحابها قبل أن ترى النور كما حصل مع بقية التجارب ، ثم لن يرضوا عليهم إلا إذا انسلخوا تماما من دينهم وصاروا تبعا لهم بشكل كامل فيسقط عنهم توصيف “إسلاميين”. ويصدق فيه قول الله تعالى (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ).

وقد تكرر أمام أعيننا مسلسل التنازلات المخزي الذي قدمه الإسلاميون لتجاوز عنت السلطة و تلاعباتها لأجل حفظ حق ممارسة ما يمكن ممارسته من العبث الديمقراطي المهين. فأي إسلام بعدها يمثلون؟!

كما أن جميع الاسلاميين الذي قبلوا بشروط اللعب في حقل الديمقرطية كشفوا عن استعدادهم لأن يكونوا جزءا من السلطة عبر انتمائهم لأجهزتها التشريعية وجزءا من جهاز الحكم عبر تسلمهم الوزارات بل وصل الأمر إلى الانضمام لتحالفات السلطة من أجل محاربة التيارات المعارضة والنخبة الثائرة على الحكام وأعوانهم المستعمرين في الأمة. فكانت صورة بشعة بحق بل مجرمة بحق الإسلام في سبيل الحكام الطواغيت.

هذا المسلسل في التنازل المخزي لم يقف عند هذا الحد بل أفضى إلى قبولهم الانضمام لحلف قوى النظام العالمي الجديد عن علم أو بسذاجة ليصبحوا مجرد أتباع لمتغلب كافر.

الإسلاميون المعتدلون وفق المعايير الغربية

وإن كنت سأوظف مصطلحا معاصرا يناسب الإسلاميين الذين ينادون بالديمقراطية المفلسة كمنهج لحكم المسلمين، فإن أنسب مصطلح لهم هو “الإسلاميون المعتدلون وفق المعايير الغربية” ذلك أنهم الأقدر على مغازلة الغرب، والخضوع لمنظومته وقوانينه، وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتتبعُنَّ سَنَنَ من كان قبلكم شبراً بشبرٍ، وذراعاً بذراعٍ، حتى لو دَخلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لا تَّبعتُموهُم» قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال «فَمَنْ» ؟.

نعم لقد تتبع دعاة الديمقراطية بشعارات إسلامية خطا الغرب الكافر فوصلوا للحكم ولم يصل معهم الإسلام ذلك أنهم باعوه بثمن بخس حين أخضعوه لرغبات البشر، ولتجاربهم الفاشلة فشلا ذريعا، وكلما قدموه هو إعادة استنساخ الأنظمة الغربية العلمانية بعباءة إسلامية، وزادوا الطين بلة والمصيبة بلاء، حين أصبح أي فشل لهم ينسب للإسلام بينما هو في الواقع فشل أسملة العلمانية أو دمقرطة الإسلام لا غير.

فلا غرابة من أن يحظى هؤلاء الإسلاميون المعتدلون وفق المعايير الغربية بتشجيع ودعم الدولة الغربية ذلك أنهم الوسيلة الأفضل لقطع الطريق أمام العاملين لوصول الإسلام النقي من كل شوائب على خطى السلف الصالح لسدة الحكم ليسوس المسلمين كما يحب الله ويرضى، فآن الأوان على أقل تقدير أن نطوي سجل التجارب الفاشلة الثقيلة هذه بمقطاعة تامة لأي مشروع ينادي بالديمقراطية الإسلامية لأنها مجرد كذب وخداع وتلاعب بالدين لا يقدم مصلحة للأمة فضلا لأصحابها ولنخرج بشكل تام من دائرة التيه والعبث التي تستنزف وقتنا وجهودنا وأرواحنا في ما لا ينفع بل يضر ولنبحث عن طريق مفتوح يشع منه نور الإسلام ونحن نعلم يقينا أن نور الله لا يهدى لعاصي.



المصادر:

[1] “الجزائر.. بلد يحكمه سفاحون”


الجزء الأول

تجارب الإسلاميين مع الديمقراطية: الطريق المسدود


هل مات الحق ودفنت الحقيقة؟

هل مات الحق ودفنت الحقيقة؟
انفجار بيروت على اليمين، وقبلها بسبعة أشهر انفجار سوريا
أ. د. زينب عبد العزيز

أستاذة الحضارة الفرنسية
في الرابع من شهر أغسطس 2020 تم تفجير ميناء بيروت، وبعدها بيومين نشر موقع "فولتير" مقالا تحت عنوان "إسرائيل تهدد بيروت الشرقية بسلاح جديد". أما الخبر فيبدأ بعبارة تقول: "إن رئيس الوزراء الإسرائيلي أعطي الأمر بهدم مخزن سلاح تابع لحزب الله في بيروت بواسطة سلاح جديد. وبما ان هذا السلاح غير معروف وقد أدي إلى خسائر فادحة في المدينة بقتل أكثر من مائة شخص وجرح خمسة آلاف، وهدم العديد من المباني وهذه المرة سيكون من الصعب على نتنياهو أن ينكر فعلته".
ثم يواصل المقال ليؤكد: أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أعطي الأمر بضرب مخزن سلاح لحزب الله بواسطة سلاح جديد تمت تجربته في سوريا منذ سبعة أشهر. ولا يعلم أحدا نوع السلاح المستخدم في تفجير ميناء بيروت، إلا أنه قد سبق لإسرائيل تجربته في سوريا في يناير 2020. وهو سلاح يتضمن رأسه مكَّواً نووي يتسبب بنشر دخان مميز الشكل على هيئة نصف دائرة، وهي التي تميّز انفجار الأسلحة النووية".
وبادر الصهاينة بتفعيل قدراتهم والسيطرة على المواقع الإعلامية والإلكترونية للمداراة على جريمتهم وتبني نشر فكرة انفجار عفوي، وقع نتيجة سوء التخزين، تمويها على جريمتهم. إلا أن صورة الانفجار النووي تبدو جد مميزة ولا تخطئها عين إذ أنها تكوّن سحابة على هيئة نصف دائرة. وهو الشكل المعروف منذ قنبلتي هيروشيما ونجازاكي. ولقد أدي الانفجار في بيروت الي رج الأرض على نطاق 200 كم بارتداد 3,5 درجة ريختر، وفقا لمركز العلوم الجغرافية الألماني (GFZ). وهذا الارتجاج الأرضي هو الذي هدم العديد من أحياء المدينة. كما أن المحكمة الخاصة بالأمم المتحدة التي كانت ستنعقد من أجل لبنان يوم 7/8/2020 قد تم تأجيلها.
وتحت عنوان غريب، لافت للنظر، نشر موقع (المحاربون القدامى) (Veteranstoday.com) يوم 28/8/2020 يقول: "إسرائيل تضرب بيروت بقذيفة نووية، ترامب والحكومة اللبنانية يقرّان". ويبدأ المقال بتحديد "ان ترامب أكد أنها كانت قذيفة وليست حادثة بالصدفة. إلا أن سرعان ما انكتم صوته بالصحافة الممالأة لإسرائيل". وكاتب المقال هو المحارب المتقاعد جوردن داف، الشهير بدقة أبحاثه هو وجميع العاملين في الموقع، وهو بالفعل من أشهر المواقع الجادة التي تعتمد علي أكبر قدر من الوثائق بمختلف أنواعها، خاصة في مثل هذه المقالات المصيرية.
وبما أن هذا المقال شديد الطول، ملئ بالوثائق والصور والفيديوهات التقليدية وفيديوهات بالأشعة تحت الحمراء، والعديد من الاستشهادات، والوثائق وتعليقات انتشرت على تويتر وغيرها من وسائل النشر أو برامج الاتصال على تويتر وغيره، فلا يمكنني تلخيصه قطعا لعدم استبعاد كل ما يضمه، وبالتالي ولا حتى ترجمته، لذلك أكتفي مجبرة بهذا القدر من المعلومات الأساسية، الواردة بالمقال المحاربون القدامى، والروابط بأسفل هذا المقال لمن يود الاطلاع عليه.
ومن أهم الوثائق التي أوردها الموقع في رابط آخر، حديث لنتنياهو في بار فينيكس في القدس، سنة 1990، وقد استشهد الكاتب بجزء منه يقول فيه:
"إن أمريكا بقرة حلوب وسوف نمتصها حتى تجف، ونقطعها، ونبيعها قطعة قطعة حتى لا يبقي هناك إلا أكبر حالة مصلحة للعالم والتي سوف نخلقها ونسيطر عليها.. ذلك هو ما نفعله بالبلدان التي تكرهنا. نحن نهدمها ببطء شديد".
وفيما يلي لقطة من ذلك الحديث الذي نشره موقع المحاربون يوم 12/3/1015...
ويبقي السؤال مطروحا بكل مرارة حول جبروت الصعلكة الاستفزازي، من جهة، وذلك الخنوع أو التضامن، أو الصمت المهين وكأنه صمت القبور؟ كيف يكون الصمت هو الرد على جرائم ذلك الكيان الذي يقوم بوحشية بجرائمه على مرأى ومسمع من العالم أجمع.. بينما الجميع يعلم أنه لا حق له: لا تاريخي، ولا أثري، ولا ديني، في هذه الأرض التي اقتلعها بألاعيب وحيل سياسية معروفة، بل ولا يتوقف عن محاولات إبادة البقية الباقية من شعب فلسطين، المكافح عن أرضه فيما بقي له منها.. ما الذي يخشاه العالم من تلك الحفنة التي لعنها الله ؟

زينب عبد العزيز
30 أغسطس 2020


https://www.voltairenet.org/article210672.html
https://www.veteranstoday.com/2020/08/28/breaking-israel-nukes-beirut/
http://survivingintheusa.com/israel-a-detriment-to-the-us/
 

العالم إلى أين؟

«تستعبط»... اركب الدورية!

«تستعبط»... اركب الدورية!

خواطر صعلوك
محمد ناصر العطوان
في عام 1998 كان عمري 14 عاماً، وكان مصروفي اليومي «ربع دينار»، وكنت أحب قراءة الصحف والمجلات، ولكني أيضاً كنت أحب السينما، وشراء ألبومات الأغاني الجديدة التي كانت تباع في أشرطة الكاسيت، فتوصلت إلى طريقة أستطيع من خلالها أن أدخر مصروفي لكي أذهب إلى السينما في نهاية الأسبوع، وفي الوقت نفسه أقرأ ثلاث جرائد كل يوم، ومجلتين كل أسبوع من دون أن أشتريها.
بجانب منزلنا كانت هناك بقالة، تفتح أبوابها في السادسة صباحاً، ولكن الجرائد كانت تصل في الرابعة والنصف فجراً، لذلك كنت أستيقظ في الخامسة، وأذهب هناك حيث أعرف المكان السري الذي يضع فيه المُوزع الجرائد، أقرأ... أتصفح... أضحك... أندهش... أتمنى لو كنت كاتباً صحافياً، ثم أطوي الجرائد التي قرأتها كما كانت وأعيدها مكانها، وأعود إلى البيت، أرتدي ملابس المدرسة، وأمر على «مكان الجريمة» لأتأكد أن صاحب البقالة قد وضع الجرائد مكانها على الرف المخصص، وكل شيء على ما يرام، وأنه لم يلاحظ شيئاً.
وذات يوم وفي فترة كأس العالم، كانت الجرائد - وما زالت - تخصص ملحقاً رياضياً لمتابعة الحدث، فانهمكت في القراءة حتى وجدت أن هناك ضوءاً أصفر قوياً قد باغت المكان، واعتقدت أن الشمس قد أشرقت مبكراً على غير عادتها، وعندما التفت فإذا بسيارة شرطة تقف أمام البقالة المغلقة، والتي يقف أمامها مراهق في الرابعة عشرة من عمره، وتبدو عليه ملامح الريبة والخوف.
- شقاعد تسوي هني؟
- أقرأ الجريدة...
- هاهاهاها... تستعبط... تعال اركب.
عزيزي القارئ، كنت قبل أن أقرأ الملحق الرياضي أتصفح صفحة اخبار، ووجدت فيها هذا الخبر.
«أجرى رئيس بلد ما اتصالاً هاتفياً مع رئيس بلد آخر... حيث تبادلا الرأي في أحوال المنطقة، وعلى هامش المكالمة تطرقا إلى بحث العلاقات بين البلدين».
ما الذي لاحظته أيها القارئ اللبيب من هذا الخبر؟
انه يقدم لك «اللاشيء» مغلفاً في خبر صحافي... وهذا هو تماماً احساسي عندما بدأ الشرطي يستجوبني عن أسباب وقوفي أمام بقالة مغلقة في الخامسة والخمس وأربعين دقيقة فجراً.
قررت أن أخبره الحقيقة... ولا شيء سوى الحقيقة، فأقسمت له بوعد وقانون الكشافة أن مصروفي «ربع دينار» وأن شراء الجريدة الواحدة يعني أن أفقد تقريباً نصف ثروتي كل يوم، وأنه ينبغي لي أن أرحل الآن قبل أن يصل صاحب البقالة لكي أتمكن من قراءة الجرائد غداً!
- هاهاهاها... تستعبط؟! تعال أركب.
عندها فقط تعلمت أهم درس في حياتي الصحافية كلها... وهو أن أنسب صيغة للشعوب لإخبارهم بالحقيقة هي كالتالي:
- أجرى رئيس دولة ما اتصالاً هاتفياً مع رئيس دولة أخرى، حيث تبادلا الرأي في أحوال المنطقة، وعلى هامش المكالمة تطرقا إلى بحث العلاقات بين البلدين.
ظل الشرطي يستجوبني ولم يقتنع أبداً... حتى أشرقت الشمس كعادتها هذه المرة، ووصل صاحب البقالة ليفتح أبوابه، وشعرت بالخجل... من كل شيء، من نفسي ومن صاحب البقالة ومن مصروفي الصغير ورغباتي الكبيرة في أن أقرأ الجرائد كلها وأذهب للسينما... وقبل أن أركب وأفتح باب «الدورية» أجرى الشرطي محادثة مع صاحب البقالة تبادلا الرأي في أحوال المنطقة، وتطرقا إلى بحث العلاقات الثنائية بين الجهتين.
الدرس المستفاد من هذا المقال هو ألا تقرأ شيئاً لم تدفع ثمنه، وألا تقف أمام بقالة في الساعة الخامسة قبل أن تفتح أبوابها، وأن تعذر الصحافة عندما لا تخبرك بالحقيقة، لأنك ربما عندما تعرف حقيقة تبادل الرأي في أحوال المنطقة وطبيعة العلاقات بين البلدين ستقول:
- هاهاهاها... تستعبط!
وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

كافور بين هجاء المتنبي وحقيقة التاريخ


كافور بين هجاء المتنبي وحقيقة التاريخ



مَن يقرأ المتنبي فلن تَغيبَ عنه أبياتُ الهِجاء التي قالها في كافور، وربَّما لم يحفظ بعضُهم عنه إلا تلك الأبيات، ومَن سمِع بكافور مِن طريق المتنبي فقد لا يُسلِّم أن يكون من الغاوين إن لم يتساءلْ عن الحقيقة، أين تكون؟ 
أما لو قرأنا التاريخ، وعرَفْنا ما كان عليه أبو المسك كافور بن عبد الله الأخشيدي، لتملَّكَنا بعض الحياء مِن تلك الأبيات المقذعة، ولاستبدلْنا الثناءَ عليه بالهجاء، وأعقبْنا ذلك بالدعاء له بالرحمة والرضوان.
إنَّ التأريخ لا يسلم مِن التزوير حينما يُؤخَذ مِن أفواه الشعراء، ولا سيَّما أولئك الذين يتَّخذون مِن شعرهم مصدرًا لنيل المجد وتحقيق الملذَّات النفسية؛ ذلك أنَّ تقييم أولئك لمن يتقصَّدونهم مِن أصحاب الرِّئاسة وذوي الشأن لا يتمُّ إلا مِن خِلال نافذة الوصْل والعطاء؛ ﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴾ [الشعراء: 224]، وإذا كان تعييرُ المتنبي لكافور بأنَّه عبد دميم قد بِيع في الأسواق، فإنَّ هذا ليس باختياره، ولا يُلام الإنسانُ على ما كتَبَه الله عليه قدرًا، وإذا أردْنا البحْث عن عيوب الرِّجال المكتسبة، فإنَّ شاعرًا كالمتنبي – في الوقت الذي كان يفوق شعراءَ عصره جزالةً ومعنًى – لم يكن إلا مرتزقًا من الطراز الأول، فحياتُه التي تنقَّل فيها ما بين الشام ومصر والعراق وفارس لم يكن له هدفٌ غير انتقاء الولاة البارزين والاتصال بهم – حيث مكنته موهبةُ الشِّعر من ذلك؛ طمعًا في كسب المال والجاه والقُرْب، ولا نعلم أنَّ للمتنبي هدفًا غير ذلك!
إنه لم يكن يحمِل همَّ أمَّة أو دِين، ولم يكن معنيًّا بمذهب أو عدْل مَن يتَّصل به من الولاة، فقد اتَّصل بسيف الدولة الحمداني، ورغم شجاعته وعطائه إلا أنه كان شيعيًّا كثير الضرَر بأهل السُّنة، قال ابنُ كثير واصفًا حال حلب عندما غزاها الدمستق:
“…وكذلك حاكمهم ابن حمدان كان رافضيًّا يحب الشيعة ويبغض أهل السُّنَّة، فاجتمع على أهل حلب عِدَّة مصايب”؛ [البداية والنهاية (11/255)] ، وقد يجوز لنا إضافة المتنبي إلى قائمة المصايب تلك؛ لأنَّه آلة الإعلام التي كانتْ تُبجِّل الحاكم وتُخفي عيوبه.
ثُم قصَد المتنبي بعد ذلك (كافورًا) في مصر، وقدْ مدحَه بأنفس القصائد، فلمَّا رأى أنه لم يجد بُغيتَه عنده هجاه بأقذعِ ما أملتْه عليه موهبتُه الشعرية مِن هجاء، ثم لاذ بالهرَب من مصر خفية، واتَّصل بعد ذلك بعضد الدولة البُويهي، الذي تمكَّن من حكم بغداد في تلك الفترة، وقال فيه شعرًا رائقًا، وعضد الدولة كان شيعيًّا رافضيًّا يَكْرَه أهل السنة ويُحيي البدع، حتى تلقَّب بما لا يَنبغي من الألقاب فلُقِّب بـ(شاهنشاه)، وهي تعني: (ملك الملوك).
ونعود إلى كافور الإخشيدي لنرَى: هل كان أهلاً لهجاء المتنبي اللاحِق، أم كان أهلاً لما سبَق من الثناء؟ إذا نظرْنا من جانب الاقتدار والمواهب ومِن جانب التديُّن، فنحن أمام رجل (كان شهمًا شجاعًا، ذكيًّا، جيِّدَ السيرة، مدَحَه الشعراء)؛ هكذا قال ابنُ كثير عنه في تاريخه.
ولو لَم يكن كافور الإخشيدي حاكمًا مُقتدرًا بارزًا في عصْره لما قصده المتنبي في مصر، وكفَى بهذا مكرمةً، ولو لم يكن كافور من الفِطنة والاقتدار في الحُكم، لَمَا مدحه المتنبي بأفضل شعرِه، فإنَّ ما قاله المتنبي في كافور مِن مدح وثناء يتجاوز رونقًا وجمالاً ما قاله في غيره، فيا ليتَ شِعري أنُصدِّق المتنبي في ثنائه السابِق أم في هجائه اللاحِق؟
وليس في عبوديةِ كافور من عيْب إذا علمنا أنَّ يوسف – عليه السلام – وهو الكريم ابنُ الكريم قدِ ابتلاه الله بشؤمها، فبِيع في مصر بثمن بخْس دراهمَ معدودة، ثم يتحوَّل بعد ذلك إلى الحاكِم الفِعلي في مصر، فإنَّ لكافور الإخشيدي تجربةً مشابهةً في كسر حَواجِز العُبودية وقُبْح المنظر، حتى اعتلى سُدَّة الحُكم في مصر، فقد بِيع في مصر بثمانية عشرَ دينارًا، وإذا ابتلي بالعبودية فإنَّ الله قد امتنَّ عليه بمواهبَ خارقة، تجعل مِن هذا العبد مقرَّبًا ومصطفًى لدَى السلطان محمد بن طغج، الذي اشتراه بذلك المبلغ الزهيد، حيث أُعجِب باقتداره وتمكُّنه، ثم جعله (أتابكًا) حين ملك ولداه، ثُم استطاع هذا العبدُ الحقير باقتدار وحِكمة أن يستقلَّ بالأمور في مصر بعدَ موتهما، وأصبحتْ له مملكة مستقلَّة ودُعي له على المنابر المصرية والشامية والحجازية، وحَكم مصر سنتين وثلاثة أشهر حتى تُوفي عام [357 هـ].
ولولا هجاءُ المتنبي لكانتْ شخصية كافور مثلاً فريدًا للطموح والتحدِّي، راق طرْحها في دورات التنمية الذاتية؛ إذ كيف يتمكَّن عبدٌ حقير – يُباع بدنانير معدودة – من أن يصبح مقرَّبًا من الحاكم المصري، ثم يستطيع باقتدار أن يتولَّى زمام الأمور بعدَ موته، وليس هذا فحسبُ، بل كسب حبَّ الناس، ورِضاهم بعدله وإدارته الحكيمة، بل ويُدعى له في الحرمين الشريفين والمنابِر الإسلامية المشهورة.
وإذا كان عمرُ بن الخطَّاب – رضي الله عنه – بابًا دون الفِتن الكُبرى التي حلَّتْ بالأمة الإسلامية بعدَ موته، فقد كان كافور الإخشيدي – في زمن آخَر – سدًّا وبابًا منيعًا دون فِتنة الفاطميِّين، فقد كان الفاطميُّون الذين تمكَّنوا من حُكم المغرب العربي يرون أنَّ “كافور الإخشيدي” ذلك السدَّ الذي يحول بينهم وبين الاستيلاء على مصر والحجاز، وقد باءتْ كل محاولاتهم التوسعيَّة في مصر بالفشل، ولم يتمكَّنوا مِن الاستيلاء عليها إلا بعدَ أن تُحقِّقوا من موت كافور، بعدَ ذلك أرسل المعزُّ الفاطمي إلى مصرَ جوهر الصِّقلي عام [358هـ]؛ حيث مهَّد لسيطرة الفاطميِّين عليها.
وكان كافور – إضافةً إلى ما اشتهر به مِن شجاعة وعدْل وشَهامة – رجُلاً حليمًا، فحينما هجاه المتنبي كان في إمْكانه وهو يحكُم مصر والحجاز إذ ذاك – وله الكثيرُ مِن الأعوان والأتْباع والجواسيس – أن يُرسِل في أثره مَن يأتي به أو يقتله حيثما وجدَه، ولكنَّه لم يفعل شيئًا مِن ذلك! 
ومَن يدري لعلَّ (كافورًا) اكتفى بالدُّعاء على المتنبي؛ إذ قُتِل المتنبي شرَّ قتلة في حياة كافور، وكان قتله بإيعاز مِن قبل عضد الدولة البويهي الحاكِم الذي قصدَه المتنبي بعدَ كافور، حيث ورد في تاريخ ابن كثير: “أنَّ عضُدَ الدولة دسَّ إليه مَن يسأله أيما أحسن عطايا، عضد الدولة بن بويه، أو عطايا سيف الدولة بن حمدان؟ فقال: هذه أجزل وفيها تكلُّف، وتلك أقل ولكنَّها عن طيب نفْس مِن معطيها…. فذُكِر ذلك لعضد الدولة فتغيَّظ عليه، ودسَّ عليه طائفة من الأعراب، فوقَفوا له في أثناء الطريق وهو راجعٌ إلى بغداد، ويُقال: إنَّه كان قد هجا مُقدَّمهم ابن فاتك الأسدي… فأوْعز إليهم عضدُ الدولة أن يتعرَّضوا له فيقتلوه” [البداية والنهاية (11/273)].
والآن بعدَ معرفة كافور الإخشيدي عن قُرْب، هل يجوز لنا أن نُكرِّر أبيات الهجاء في حاكِم شهْم عادل كما وصفَتْه كتب التاريخ؟ هل نتغنَّى بأبيات المتنبي في رجل استطاع أن يحقِّق النجاح بطريقةٍ غير عادية، ونحن نعْلَم أنَّ المتنبي ومَن معه مِن الزوَّار على الحكَّام لم يتمكَّنوا مِن الوصول إلى ما وصَل إليه كافور؟ هل نهجو مسلِمًا سُنيًّا صدَّ هجمات الفاطميِّين، وكان سدًّا دونهم على مدَى ثلاث وعشرين سنة؟ (سنوات حُكمه مضافًا إليها تلك السنوات التي كان فيها أتابكًا).
لقد تناقَض المتنبي بين مدْحِه وهجائه، ولا نُريد أن نكونَ من الغاوين الذين يُنكِرون حقائقَ التاريخ، ويتبعون هجاءَ المتنبي، فالأقرب إلى الصواب ما قاله في مدْحه؛ لأنَّه يوافق ما أسدَتْه إلينا كتب التاريخ من سِيرة عطرة وثناءٍ حَسن، فقد صدَق حينما قال:
تَرَعْرَعَ الْمَلِكُ الأَسْتَاذُ مُكْتَهِلاً

قَبْلَ اكْتِهَالٍ أَدِيبًا قَبْلَ تَأْدِيبِ
مُجَرَّبًا فَهَمًا مِنْ قَبْلِ تَجْرِبَةٍ
مُهَذَّبًا كَرَمًا مِنْ غَيْرِ تَهْذِيبِ
حَتَّى أَصَابَ مِنَ الدُّنيَا نِهَايَتَهَا
وَهَمُّهُ فِي ابْتِدَاءَاتٍ وَتَشْبِيبِ
يُدَبِّرُ الْمُلْكَ مِنْ مِصْرٍ إِلَى عَدَنٍ
إِلَى العِرَاقِ فَأَرْضِ الرُّومِ فَالنُّوبِ
يُصَرِّفُ الْأَمْرَ فَيهَا طِينُ خَاتمِهِ
وَلَوْ تَطَلَّسَ مِنْهُ كُلُّ مَكْتُوبِ
إِذَا غَزَتْهُ أَعَادِيهِ بِمَسْأَلَةٍ
فَقَدْ غَزَتْهُ بِجَيْشٍ غَيْرِ مَغْلُوبِ
أَوْ حَارَبَتْهُ فَمَا تَنْجُو بِتَقْدِمَةٍ
مِمَّا أَرَادَ وَلاَ تَنْجُو بِتَجْبِيبِ
أَضْرَتْ شَجَاعَتُهُ أَقْصَى كَتَائِبِهِ
إِلَى الحِمَامِ فَمَا مَوْتٌ بِمَرْهُوبِ

لقدْ حظِي المتنبي بالإكْرام والعطاء عندَ كافور كما دلَّتْ على ذلك أبيات شِعْره، ولكن أطماع المتنبي ورَغائبه في الوصول إلى ما لا يستحقُّ جعلتْه يتنكَّر لكلِّ ذلك.

" الملل "

" الملل "
" الملل " من أقوى جنود الشيطان
من أبرز سمات الشيطان أنه لا يملّ أبداً ، فقد أدرك منذ البداية أن ملله = نجاة بني آدم من مكائده وخططه ، وبواره بلا ثمن . لذلك فهو يرضى من ابن آدم أن يكون ملولاً حتى لو كان صالحاً ، لأن الملل سيقطعه سريعاً عن طرق الخير .
فترى العبد إذا كان ملولاً لا تثبت قدمه على عمل صالح أو علاقة طيبة أو سبيل نافع ، يفنى عمره في التجارب ، تارة سلفياً وتارة إخوانياً وتارة صوفياً وهكذا ، تارة شعلة نار في الدعوة والحركة ، وتارة منكب بكليته على العمل الخيري متفرغاً له تماماً ، وتارة منعزلاً عن الجميع ، وتارة منهمكاً في التجارة والعمل ، عنده مكتبة كبيرة وكتب كثيرة ما قرأ منها إلا العناوين والفهارس ، لم يكمل كتاباً قط ، وما أتم علماً يوماً ، دينه التنقل ، منبت عن كل شيء وأي شيء .
بقاؤك بلا خطة ولا أهداف يجعلك فريسة سهلة للملل ، فيمضي عمرك بلا إنجاز ولا أثر كأنك لم تكن ، دخلت فلم يشعر بك أحد ، وخرجت فلم يفتقدك أحد

لماذا لا يصدّق السيسي أنه رئيس دولة؟

لماذا لا يصدّق السيسي أنه رئيس دولة؟

وائل قنديل 
في كل خريف، منذ اختطف السلطة في مصر، يبدو عبد الفتاح السيسي في حالةٍ من الإنفعال الهيستيري، تتّخذ طور الذعر من القادم، على نحوٍ يجعله يتصرّف، وكأنه يخوض حربه الأخيرة من أجل البقاء.
الأداء المرتعش، المشحون بكل عناصر القلق والخوف الذي سيطر على السيسي، وهو يتحدّث أول من أمس، يجسّد مرحلةً هي الأوضح والأخطر في شعوره بالخطر والخوف من شيءٍ مجهول، يدفعه إلى أن يتورّط في استعمال مفرداتٍ لا يفهم منها سوى أنه مسكونٌ بالهلع من الشعب المصري، الأمر الذي يجعله يُفرط في لغة التهديد والوعيد، وادّعاء القدرة على إخضاع كل من يفكر في رفض سياساته وإجراءاته.
طوال الأعوام الخمسة الماضية، كان السيسي يقدّم وجهًا خريفيًا غاضبًا، على غرار "خريف الغضب" الأخير لأنور السادات، والذي من خلاله وضع نفسه في حالة عداءٍ مع مختلف مكونات المجتمع المصري، أجهزت عليه وأنهت فترة حكمه، بشكل تراجيدي مثير.
في العام 2015، كانت أولى علامات الخريف المبكّر تعرف طريقها إلى أداء عبد الفتاح السيسي وخطابه، عقب عودته من شرم الشيخ، حيث عقد مؤتمرًا دوليًا للمانحين، من رعاة انقلابه ومتعهدي سلطته، من الأطراف الإقليمية والدولية.
في ذلك الوقت، سجّلت أوجه شبه بين خريف السادات وخريف السيسي المبكّر، إذ عاد السيسي من مؤتمر المنح والعطايا والهدايا في شرم الشيخ، مسكونا بهاجس أنه طفل العالم، والمنطقة، المدلل، تماما كما رجع السادات من مؤتمر كامب ديفيد في 1978بتصوّر أن الدنيا كله معه وطوع أنامله.
كلاهما تلبسته حالة من البرانويا وجنون العظمة، لم تستطع أن تخفي إحساسه بالذعر من الداخل، فكان أن لجأ كل منهما إلي استخدام خطاب سياسي وإعلامي، يمنّ فيه على المصريين بأنهم لم يكن لهم قيمة، حتى جاء هو إلى الحكم، وأن مصر لم تكن دولة إلى أن تفضّل سيادته وصار رئيسًا عليها.
السادات في حوار متلفز، مع مذيعته المفضلة همّت مصطفى، قال بالنص "أنا بأقول أن في العشر سنين الماضية اللي توليت فيها.. كانت تصحيح للمائة وحداشر سنة الماضية أو لمائة سنة وواحد سبقوها.. خلاص.. بدأنا عصر النهضة.. عصر الحياة الشريفة.. حياة الفرد يعمل من أجل العائلة.. من أجل بنائنا لأجيالنا المقبلة، من أجل أن تحتل مصر مكاناً عالياً مشرقاً علي طول الزمان".ذهبت خمر الرخاء برأس السادات، فقرر في ضربة واحدة سبتمبر/ أيلول 1981 أن يشحن كل أشكال المعارضة إلى المعتقلات، مستبقيا بعض الوجوه الأليفة من اليسار واليمين، ممن يؤمنون به نبيا للرخاء والسلام. 
السيسي أيضًا، يردّد النغمة ذاتها" لولا وجودي رئيسًا لما كانت هناك دولة اسمها مصر".
 يتحدّث منذ اليوم الأول لتسلّطه باعتباره منقذ مصر من كوارث ومشكلات عصورها السابقة، ذاهبا بها إلى عالم الأساطير، أو كما قال أول من أمس بصريح العبارة إن مصر من دونه خراب، والشعب بغير تسلّطه عليه هو والعدم سواء، قبل أن يستدعي لغة الإبتزاز ذاتها، مهدّدًا الشعب بالفناء، إن فكر في رئيس غيره، منهيًا وصلة البارانويا بالقول "لو عايزيني أمشي اعملوا استفتاء وهاتوا حد غيري يخرّبها".
ليست هذه المرّة الأولى التي يقايض فيها السيسي المصريين على وجودهم: أنا رئيسكم.. أو الخراب والفناء، حيث سبق له في ديسمبر/ كانون أول 2015 أن ردّد الكلام ذاته" أنا لو حسيت بس إن الشعب عايزيني أمشي أنا همشي على طول، الكرامة الوطنية والأخلاقية والإنسانية ما تخلينيش أقعد ثانية واحدة ضد إرادة الناس، أنا بقول كلام واضح والله والله والله ولا ثانية واحدة ضد إرادة الناس".
هذا ما كان في 2015، ولكن في 2020 تختلف اللغة واللهجة، إذ يهدّد الشعب بالجيش، ولا يتورّع عن التلويح بإبادة آلاف القرى المصرية .. صحيح أن السياق كان حديثًا عن إزالة مخالفات بناء على أراضٍ زراعية، غير أن الهدف كان توجيه رسالة شديدة الوضوح والجنون بأنه لن يتورّع عن الزج بالجيش لمحاربة الشعب، إن ارتأى ذلك.
هنا يبتعد السيسي تمامًا عن مفهوم رئيس الدولة، إذ يكاد لا يصدّق أنه رئيس دولة بحجم مصر وقيمتها، ويتحدّث بوصفه زعيم عصابة أو قائد أمن مجموعة استثمارية تدافع عن مصالحها، وأظنها السابقة الأولى في تاريخ مصر أن يلوّح حاكم بحشد الجيش ضد الشعب، ذلك الشعب الذي أغرقه السيسي بمعسول كلام البدايات "الشعب الذي لم يجد من يحنو عليه" صار الآن هو الخطر على مصر.
لا يمكن النظر إلي هستيريا الخطاب الغاضب للسيسي، وهو يتوّعد الشعب بالجيش، من دون الوضع في الاعتبار صدمة أرقام الذين أداروا ظهورهم لعروضه الانتخابية الفقيرة، وسخروا منه ومنها بمقاطعتها، ليفيق على الصدمة المروعة: ما نسبته 85% من القاعدة الانتخابية للمصريين لا يثقون بالنظام السياسي القائم، ولا يعترفون بانتخاباته، ولا أطره السياسية. وبالتالي، كانت نبرته العدوانية الواضحة وهو يخاطب الجماهير، انعكاسًا لفقدان الشعور بأن ثمّة من يصدقه، ولعل في ذلك تفسير لتلويحه بالرحيل المشروط هذه المرّة باستفتاء عليه، وأظن أنه سيذهب إلى هذا الإجراء، لكي يصنع أرقامًا ونسبًا مغايرة، يرضي به جنونه، ويبلسم بها جرح مقاطعة انتخابات مجلس شيوخ سلطته، ويثأر من الشعب الذي يسخر منه.
هذا الكائن المرعوب من الخريف منذ إطلالته الأولى، يبدو في خريف 2020 أكثر إحساسًا بالخطر، وكأن سبع سنواتٍ من ممارسة التسلط، داخل حضانة إقليمية ودولية تهدهده وتغذّيه وتدعمه، ليست كافيةً لمنحه الشعور بأنه رئيس دولة مستقلة.

الأحد، 30 أغسطس 2020

"برنار ليفي" .. عرّاب الفتن والفوضى والخراب


  أحمد مصطفى الغر                                               
2020/08/01 
أثارت زيارة الصحفي والمفكر الفرنسي "برنار ليفي" إلى ليبيا قبل أيام قليلة، ردود فعل غاضبة وأحدثت جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والشعبية هناك على مختلف مشاربها، وأعادته هذه الزيارة الخاطفة إلى واجهة الأخبار مجددًا، فأينما وُجِدَ هذا الرجل تتواجد الفوضى والخراب والفتن، في سيرته السياسية يمكن تعريفه بأنه جنرال عسكري يمهد الميدان للمعركة، فهو صاحب نظرية الحرب من أجل التغيير، فمن هو "برنار ليفي"؟

وُلِدَ "برنار هنري ليفي"، في عام 1948م لعائلة يهودية ثرية كانت تعيش في مدينة بني صاف بالجزائر، هاجرت عائلته إلى فرنسا بعد ولادته بأشهر قليلة، وهناك تلقى تعليمه في المدارس الفرنسية اليهودية، حيث درس الفلسفة في معاهد باريس، وقد نفسه على أنه أحد الفلاسفة الجدد، اشتُهِرَ في مقتبل حياته كصحفي، حيث ذاع صيته كمراسل حربي من بنجلادش خلال حرب انفصالها عن باكستان عام 1971م، وكانت هذه التجربة مصدر إلهام لكتابه الأول (بنجلادش.. قومية داخل الثورة)، وفي عام 1981م نشر كتابه المثير للجدل عن (الإيديولوجيا الفرنسية)، وفيه قدم صورة قاتمة عن التاريخ الفرنسي، وهو ما عرّضه للانتقاد بشدة من قبل الأكاديميين الفرنسيين نظرًا للنهج غير المتوازن والقراءة الانتقائية والاختزالية في صياغة التاريخ الفرنسي.

في عام 1985م؛ وقّع "ليفي" على عريضة لدعم القوات المتطرفة في نيكاراغوا، كما برز اسمه كداعية لتدخل حلف الناتو في يوغوسلافيا السابقة وروّج لتفكيكها، وكان من أوائل الداعين إلى ضرورة التدخل الأوروبي والأمريكي في حرب البوسنة عام 1990، تعددت زياراته إلى بؤر الصراع الساخنة ودول صناعة القرار، زار أفغانستان وباكستان والهند ومختلف دول أوروبا والولايات المتحدة، كتب أشياء غير حقيقية، بعضها تمّ كشف زيفها لاحقًا، ولعل أبرزها ما كتبه عن "دانيال بيرل"، صحفي جريدة "وول ستريت جورنال" الذي تمّ اغتياله في باكستان، واضطرت أرملة الأخير إلى وصف ليفي بأنه "دمر نفسه بالأنا الخاصة به"، واتهمته بالكذب وتزييف الحقائق، فضلا عن أن المؤرخ البريطاني "وليام دالريمبل"، الذي دان "ليفي" كونه يكتب أشياء من خياله، ويقنع الناس بها باعتبارها حقائق!، وفي عام 2008م؛ زار أوستيا الجنوبية، وقابل رئيس جورجيا "ميخائيل سكاشفيلي"، خلال الحرب التي جرت مع روسيا وقتها، كما كان من أكبر الداعين للتدخل الدولي في دارفور غرب السودان، هذا إلى جانب دعمه لثورات إيران ومصر وتونس وسوريا واليمن وليبيا وكردستان العراق وأوكرانيا، ومن المعروف أن الدعم الذي كان يقدمه "ليفي" لهذه الثورات كان دعمًا للفوضى قبل أن يكون دعمًا لهذه الأوطان لتحقيق أهدفها بوطن أفضل.

يجمع "ليفي" في شخصيته العديد من المفارقات والأضداد، فبينما كان ينشر كتاباته على أنه يساري، ولكنه في نفس الوقت نجده يعارض الاشتراكية إبّان فترة السبعينيات، وبالرغم من أن الصهيونية العالمية قد أشهرته على أنه فيلسوفًا ومفكرًا يساريًا، فإن كل أفعاله تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أنه يميني صهيوني متعصّب لإسرائيل على صعيد المواقف والممارسة السياسية، وكان من أبرز الموقّعين على بيان في عام 2006م بعنوان "معا لمواجهة الشمولية الجديدة"، ردًا على مظاهرات شعبية واسعة في دول العالم الإسلامي احتجاجًا على الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، والتي نشرتها آنذاك صحيفة دنماركية. وبينما كان ينتقد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشدة في بدايات ظهوره، هاهو الآن يمتلك 7 شركات لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وله استثمارات واسعة في هذا المجال، حيث وصلت ثروته، عام 2004، إلى 150 مليون يورو. وبينما يرى في نفسه مناصرًا لحقوق الإنسان والحريات وداعية ضد التسلط، فإن خصومه يصفونه بأنه خير مثال لبورجوازية مخملية تتبادل المصالح والصداقات والخدمات وتمارس الضغط، ربما يبدو ظاهريًا من خلال كتاباته أنه يقوم بدور الباحث اليائس عن الإسلام المتنور، لكنه في الحقيقة يحمل كرهًا دفينًا للشريعة الإسلامية، ويرى في تطبيقها شكلًا من أشكال التخلف والرجعية، وهو من أشد منتقدي الحجاب وتعدد الزوجات وضد تزايد عدد المسلمين في أوروبا، هذه التناقضات التي يجمعها في شخصيته دفعت فلاسفة فرنسيون كبار، من أمثال "جيل دولوز" وأستاذه "جاك دريدا" والمؤرخ "بيار فيدال ناكيه"، إلى وصفه بـ"الخديعة الثقافية"، كما أسماه الفيلسوف "كورنليوس كاستورياديس" بـ"أمير الفراغ".

يُعرف "ليفي" بمواقفه شديدة العداء للعرب والمسلمين، ولا شك في ذلك لكونه من أشرس المدافعين عن إسرائيل، فهو أول من دخل إلى مدينة جنين محمولًا على ظهر دبابة إسرائيلية ليبدي إعجابه بتفوق الجيش الصهيوني في التطهير العرقي والإبادة الجماعية بحق شعب فلسطين، كما أن "ليفي" من أبرز المشاركين في حملات تبييض سمعة إسرائيل أمام المجتمع الدولي، ودائما ما يقدم النصائح وينسق المؤتمرات الخطابية ويدلي بالتصاريح لوسائل الإعلام الشهيرة وينشر المقالات التسويقية التي تعيد تسويق إسرائيل مجددًا، حيث روّج مرارًا لـ"الهولوكوست" تحت شعار حريات الشعوب، وفي نهاية التسعينات أسس مع يهود آخرين معهد "لفيناس" الفلسفي في القدس المحتلة، وهو صاحب مقولة أن "الجولان أرض إسرائيلية مقدسة"، وفي كثير من مقالاته وتصريحاته كان يرفض أن يتم وصف حروب إسرائيل على غزة بـ"الإبادة". وفي عام 2010م؛ دافع عن بابا الفاتيكان "بنيدكت السادس عشر" في وجه الانتقادات الموجهة إليه، معتبرًا إياه صديقًا وفيّا لليهود. وفي نفس العام وخلال زيارته لتل أبيب؛ أكد "ليفي" أن "الصهيونية هي الحركة العظيمة الوحيدة في القرن العشرين التي نجحت ولم تتحول إلى كاريكاتير بفضل الشعب اليهودي الذي بنى إسرائيل قادمًا من ظلام النازية والشيوعية والشعوب العربية الشمولية"، كما أطرى على الجيش الصهيوني معتبرًا إياه أكثر جيش ديموقراطي وأخلاقي في العالم!

في عام 2011م؛ كان "ليفي" مرشحًا ليصبح رئيسًا للكيان الإسرائيلي، ولا عجب في ذلك كونه من أشد المساندين لفكرة توسع إسرائيل على كامل تراب فلسطين التاريخية، وداعم لعمليات تهويد القدس وتوحيدها تحت السلطة الإسرائيلية لتكون عاصمة أبدية للدولة اليهودية، بالإضافة إلى عدم اعترافه باحتلال أراضي الضفة الغربية والجولان، وفي فبراير 2016؛ نشر كتابه "روح اليهودية"، حيث تحدث فيه عما أسماها "العبقرية اليهودية"، ويستكشف الكتاب اعتبارات وجودإسرائيل، كونها اختبارًا لليهود، فضلًا عن جذور معاداة السامية وأسبابها. وفي كتابه "يسار في أزمنة مظلمة موقف ضد البربرية الجديدة" يزعم أن اليسار بعد سقوط الشيوعية قد استبدل قِيَمهُ بكراهية مَرضيّة تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل واليهود، وأن النزعة الإسلامية لم تنتج من سلوكيات الغرب مع المسلمين، بل من مشكلة متأصلة لدى المسلمين أنفسهم، وأن النزعة الإسلامية تهدد الغرب تمامًا كما هددتها الفاشية يومًا ما، مؤكدًا على أن التدخل في العالم الثالث بدواعي إنسانية ليس مؤامرة إمبريالية بل أمر مشروع تمامًا، أما في كتابه "الحرب بدون أن نحبها"؛ يؤكد "ليفي" أن فرنسا قدمت بشكل مباشر أو غير مباشر كميات كبيرة من الأسلحة إلى المجموعات المسلحة في بعض مناطق النزاع، وإنه صاحب الفضل في إقناع الرئيس الفرنسي السابق "نيكولا ساركوزي" بتنفيذ ضربات في ليبيا، وهناك ادعاءات قوية بأنه يؤدي دورًا مهمًا في التواصل بين سياسيين ومثقفين وأثرياء فرنسيين مع الموساد الإسرائيلي.

بالرغم من أن كتبه قد تجاوزت الـ38 مؤلفًا، إلا أن جميعها بالكاد تُباع، وبالرغم من هزلية كتاباته وضحالتها إلا أن الصحف والمجلات الغربية دائما ما تفتح أبوابها أمامه لنشر أراؤه ومقالاته، وفى عام 1997م قرر أن يخوض تجربة الكتابة والإخراج السينمائي، وذلك عبر فيلم تمّ عرضه لأول مرة في مهرجان برلين السينمائي الدولي، وكانت المفاجأة أن الأغلبية الساحقة من النقاد صنفوا هذا الفيلم باعتباره أسوأ فيلم لعام 1997م، وذهب بعض النقاد باعتباره أسوأ فيلم فرنسي منذ عام 1945م. لكن بالرغم من فشله الأدبي والفني الذريع، إلا أنه لا يمكن بأيّ حال الاختلاف على نجاحه الباهر في تأجيج الفتن والطائفية أينما حلّ، فحيثما مـرّ تفجرت حروب أهلية وتقسيم ومجازر مرعبة وخراب كبير، ولا عجب أن تضعه صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية في مرتبة متقدمة على لائحتها لأكثر 50 يهوديًا مؤثرًا في العالم. 

                                           

قالــــوا

قالــــوا

"لما جمعتُ كتابي المسمى [المنتظم في تاريخ المُلوك والأمم] اطّلعت على سير الخَلق من الملوكِ والوزراءِ والعلماء والأدباء والفقهاء والمحدثين والزُهاد وغيرِهم، فرأيتُ الدنيا قد تلاعبتْ بالأكثرين تلاعباً أذهبَ أديانهم، حتى كانوا لا يؤمنون بالعقاب ".
ابن الجوزي

قالــــوا

"إذا أردت قول الحقّ ، فاجعل نفسك على قنطرة بين الدنيا والآخرة ، تنظر إلى الدنيا خلفك ولا تستطيع الرجوع وتنظر إلى الآخرة أمامك تستقبلك"
عبدالعزيز الطريفي



قالــــوا
"كنا سعداء بتركيا قبل وصول رجب طيب أردوغان عندما كان الأتراك يأكلون بعضهم بعضًا بالانقلابات العسكرية. أنا خائف من تعاظم قوة هذا الرجل.. كيف استطاع أن يحشد حب شعبه وحب الشعوب الإسلامية؟".

الصحفي اليوناني تيروني سييرا

السبت، 29 أغسطس 2020

تجارب الإسلاميين مع الديمقراطية: الطريق المسدود

تجارب الإسلاميين مع الديمقراطية: الطريق المسدود

الطريق المسدود

دعونا نلقي نظرة على أرشيف الديمقراطيات في بلادنا العربية والإسلامية، وكيف صفّق لها الدعاة لها بحرارة وحماسة جعلتها تبدو في مرتبة النظام الأنجح لريادة الأمة، وما أقصده تحديدا هم الإسلاميون الذين جمعوا بين النقيضين ، الإسلام والديمقراطية ودعوا لتطبيقها كنظام حكم جديد وتأنقوا في بحث أسباب التوطئة لها والتبرير لطاماتها وسقطاتها وفشلها المتكرر. دعونا في هذه الصفحات إذن نسلط الضوء ليس على اضمحلال الديمقراطية في بلادنا العربية والإسلامية بل على فشلها فشلا ذريعا لنخلص في نهاية الأمر لتقييم هذه التجربة بشكل نهائي بلا تزويق ولا ضبابية لا تليق ومستوى الخطر الذي يهدد هذه الأمة الحنيفية المسلمة.

مصطلح إسلاميين

لا شك أن ظهور مصطلح “إسلاميين” قد ارتبط ارتباطا مباشرا مع ظهور الديمقراطية بمسميات إسلامية، كنوع من إزالة الحواجز النفسية بين العلمانية وبين الشريعة الإسلامية، وتمهيدا لخلق ذلك التقبل الفكري لسلخ المسلمين من إسلامهم بغزو العلمانية في وقت لا زالوا مقتنعين أنهم يمثلون عقيدة الإسلام! وهذا ما يفسر توظيف الغرب لشخصيات معدّة لحمل ثقافة الغرب العلمانية وترويجها في الأمة بعباءة إسلامية، وتمكن الغرب بهذه الخطوة من خلق التصنيف الغريب للإسلاميين بجعلهم معتدلين ومتطرفين، فمن آمن بالديمقراطية وبناتها الفكرية من التعددية والمواطنة والتداول على السلطة. فهو في خانة المسلم المعتدل، أما من حمل مبادئ عودة الإسلام الحق والحلم بخلافة إسلامية، فهو مسلم متطرف ولو لم يكن له نشاط عسكري أو حمل سلاحا.

مفهوم الديمقراطية عند الإسلاميين

حسنا دعونا نبدأ بتلخيص مفهوم الديمقراطية عند الإسلاميين الديمقراطيين أو بالأحرى عند “المعتدلين” في نظر الغرب:

الديمقراطية لا تناقض الإسلام

إن ما تم رصده عند الديمقراطيين الإسلاميين على اختلاف أنواعهم هو اعتقادهم بأن الديمقراطية لا تناقض الإسلام. ومنهم من يرى أصلها من الإسلام أساسا فيقول: ” الديمقراطية بضاعتنا ردت إلينا”. ومنهم من يقول: ” الديمقراطية هي الشورى الملزمة”. وآخر يقول عن منهجهم “الشورقراطية”! واعتبر الغنوشي أحد منظري المدرسة الديمقراطية الإسلامية الصناديق حكما بينهم كإسلاميين وبين خصومهم من الأحزاب العلمانية في تونس. فإذا الشعب اختار حكمهم بالإسلام. سمحوا للكفار بأن تكون له أحزابهم وصحفهم وإذا الشعب اختار الأحزاب العلمانية رضوا بحكم الكفر لأن الله تعالى قال:(لا إكراه في الدين ).!

وسنجد هذه الأفكار منتشرة في العديد من البلاد الإسلامية ولا سيما في السودان وشمال أفريقيا وفي أوساط الصحوة الإسلامية في الغرب.

منهج التوفيق والترقيع

ويتصور فريق من الإسلاميين الديمقراطيين أن عليهم أن يأخذوا من الديمقراطية ويمارسوا ما لا يتعارض مع أصول السياسة الشرعية وينهجون لأجل ذلك منهجا توفيقيا ترقيعيا لإنتاج نظريات ديمقراطية – إسلامية في آن واحد رغم التناقض الكبير بين المقامين. ليصلوا في الأخير لما يسمونه فقه برلماني للتحايل على ما تحمله النظرية السياسية والدستورية للديمقراطية الغربية من إلحاد وشرك وكفر أكبر. ولا يرون بأسا من الانتماء للسلطة التشريعية عبر الديمقراطية كمعارضة بحيث لا يوافقون إلا على ما تجيزه الشريعة.

الديمقراطية تناقض الإسلام
وهناك فريق آخر وهم قلة، يصرح بأن الديمقراطية بمفهومها الأساسي تناقض الإسلام وأنه ليس هناك إشكالية شرعية في ممارسة المعارضة في البرلمان . ولا يجيزون لأنفسهم أن ينتقلوا إلى السلطة التنفيذية لأن ذلك سيدخلهم في دائرة الحكم بغير ما أنزل الله بحسب القوانين المعمول بها في عموم بلاد المسلمين ويعتبرون أنفسهم أنهم في البرلمان لإقامة الحجة وإيصال صوت الحق وتحقيق بعض المصالح الشرعية للمسلمين وقد نجد هذا السبب لوحده دافعا عند بعضهم لدخول حقل الديمقراطية دون أي طموح في السلطة.


الديمقراطية كفر بالله

أما الفريق الرابع فيصرح صراحة بأن الديمقراطية كفر بالله وأن مبادئها تقوم على الشرك به والإلحاد في ألوهيته سبحانه. وأنهم يمارسونها في حدود حالات الاستضعاف التي تمر بها الصحوة. وأنهم لا يدخلون البرلمان إلا كأكثرية حيث هدفهم الأول تشكيل حكومة تحكم بالشريعة. وإلغاء العمل بالديمقراطية بمفهومها الغربي. وأبرز نموذج لهذا الفريق نموذج جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر.

ثم إن هذا التمايز والتنوع في فرق الإسلاميين الديمقراطيين يعكس اختلافا بينهم في مفهوم السيادة والحاكمية والمبادئ والمصطلحات الدستورية والمواقف من كفر الحاكم وإسلامه وكذلك الحكم على النظام ومؤسساته وهذا ما يفسر الكثير من الضبابية والتلون والباطنية والتذبذب في المواقف لمن يتابعهم، لكن

في النهاية تتفق هذه الفرق جميعا في الاعتراف بشرعية النظام وشرعية الحاكم وكل ما يدور في فلك القوانين الوضعية وواجب احترامها،
وكذا قوانين النظام الدولي بما فيها من مساواة في الدين أو الجنس أو المعتقد أو أي اعتبار آخر. والاعتقاد بمبدأ الأغلبية بغض النظر عن شرعيتها في ضوء الإسلام. أضف لذلك اعتناقها شروطا أخرى كمنع تشكيل الأحزاب على أساس ديني مثل في مصر. وكالاعتراف بالعلمانية مثل تركيا ومنها من يصل لدرجة قبول الاحتلال المباشر كما في فلسطين والعراق.

ولا يختلف عاقلان في أن الديمقراطية مناقضة صريحة لقيم الإسلام الحنيف وأحكامه، بل إن الإسلام يكفر بالديمقراطية ولا يمكن الجمع بينهما البتّة مهما حاول أصحاب هذا التيار تلميع تبريراتهم وتمييع المبادئ التي يقوم عليها هذا الدين القويم


مظاهر حرمة المشاركة في المؤسسات الديمقراطية
فالديمقراطية تعطي لكل مواطن حرية الاعتقاد والتفكير . حتى إن وصل الأمر إلى تبديل معتقده و قناعاته بحسب هواه وآرائه الشخصية وهذا ما يتنافى مع الإسلام جملة وتفصيلا فنحن قوم نتبع منهجا ربانيا ولا نزيغ عنه بالرأي والهوى.

وتعطي الديمقراطية للإنسان حق التعبير عما شاء بما شاء كيفما شاء ومتى شاء عبر كافة وسائل التعبير من كتابة وخطابة وإشارة وصحافة وغير ذلك.. حتى إن كان في ذلك تجاوزا لحدود الله وهذه حرية ظالمة يرفضها الإسلام.

كما تستند الديمقراطية على مبدأ المساواة المطلقة بين البشر بصرف النظر عن العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو العلم أو غيرها من الفوارق .. فكيف نساوي بينهم وقد أعطى الله كل ذي حق حقه، (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَاالأُنْثَى) ، و(أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ).

وتعطي الديمقراطية لنواب الأمة في البرلمان حقا زائدا من الحصانة في التعبير والإدلاء بآرائهم وتعفيهم من المتابعة والمقاضاة تبعا لما يصرحون به من آراء ، والإسلام لا يعرف حصانة عند إقامة العدالة.

وتنص مبادئ الديمقراطية والفقه الدستوري المنبثق منها على أن التشريع يأخذ مشروعيته من وجود أغلبية مؤيدة وأقلية معارضة.. وينصون على أن لا دستورية لقانون بغير حق معارضة..وهذا تشريع لا يحكم بما أنزل الله بل بما أبدعه البشر.

ثم تأتي النقطة القاصمة والتي تعتبر من أعظم مظاهر حرمة المشاركة في المؤسسات الديمقراطية وعلى رأسها البرلمان. إذ تنص الديمقراطية على التزام جميع الأعضاء في المؤسسات الديمقراطية وعلى رأسها البرلمان بمبدأ حرية تأييد أو معارضة أي تشريع أو قانون أو قرار مطروح للتصويت. ولكن يقر الجميع سلفا بمبدأ دستورية أو مشروعية أي قرار وأخذه قداسة التشريع حال التصويت عليه بالأغلبية. وإلزام الأمة به بصفته حلالا صوابا واجب تطبيقه على جميع أفراد الأمة .. بمن فيهم من أيده أو عارضه. وهذا ما يتنافى وتعاليم الشريعة الإسلامية جملة وتفصيلا، ويناقض مبدأ الحاكمية، فالتشريع لله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له.

ودون أن ننسى أن الديمقراطية البرلمانية ومبادئ سيادة الأمة وحكم الشعب والمؤسسة الدستورية التشريعية والتنفيذية والقضائية. تنص على الاحتكام للدستور. لا لشريعة الله.

ومن هنا نبصر الفرق الشاسع بل التناقض الصارخ بين الديمقراطية والإسلام، وبطلان صياغة (ديمقراطية إسلامية) أو (إسلاميين ديمقراطيين). ذلك أن مقتضى الديمقراطية بحسب فحواها هو انتزاع حق السيادة والتشريع من الله سبحانه وتعالى علوا كبيرا ثم إعطائه للبشر المخلوقين أو إشراكهم معه في هذا الحق الإلهي وأن هذا الاعتقاد يجعل صاحبه عبدا لطواغيت البشر طوعا أو كرها.

هنا وصلنا لنهاية الجزء الأول من بحثنا “الديمقراطية .. الطريق المسدود”، فانتظرونا مع الجزء الثاني حيث سنستعرض تجارب ممارسة الديمقراطية خلال الربع قرن الأخير لنخرج بتقييم نهائي لهذه التجارب وبشكل حاسم.

فقه الأولويات.. أولويتك!

فقه الأولويات.. أولويتك!

يشاهد الشباب المسلم مشهد الصراع تندفع رحاه في كل يوم، يبصر تلك المواجهة بين الإسلام والغرب، يستطيع أن يميّز الحق عن الباطل في كثير من الأحيان ويتألم للظلم والاستضعاف وأثقال الذلة والهوان التي أنهكت جسد أمته. هذه حال الكثير من شباب المسلمين اليوم.
فهو يحمل في قلبه حلمًا عظيمًا وأماني كثيرة، يود تحقيقها معتزًا بدينه شامخًا بإيمانه ولكنه لا يدري من أين يبدأ، فتاريخه مشغولٌ بالكسل والجهل وربما الظلم لنفسه وغيره، وحاضره مكبّلٌ بالعجز والتشاؤم وربما ضعف الهمة والسعي، ينظر للمستقبل بنظرة الكآبة ويستسلم لكل فكرة هدامة، مع أنه ابن أمةٍ دينها عظيمٌ ومنهج الحياة فيه يرتكز على نظم مستنيرة بنور الكتاب والسنة لا يسقط أبدًا من مضى متمسكًا به.
فمن أين نبدأ المسير، وجراحات المسلمين في كل زاوية من عالمنا الإسلامي تنزف؟ قد تناثرت مآسيهم مستضعفين، وتشتت قواهم على طول مساحة مجد تليد تحطم.
لهذا أصبح الإحساس بالمسؤولية وحمل همّ هذه الأمة أولوية قصوى كما هي الفطرة السليمة في كل أمة.
دعونا نسلط الضوء على المحطة الأولى التي على المسلم والمسلمة البدء بها لركوب قطار التغيير والارتقاء من مرحلة الضعف لمرحلة القوة، من مرحلة السكون لمرحلة الإنتاج، من مرحلة المشاهدة لمرحلة العمل، بدايةً على الشباب المسلم ضبط ميزان الأولويات وتسطير جدول يصنف الأهم فالأهم، ولتكن مرحلة الاستدراك السريع، حتى لا يسبقه قطار العاملين فيلحق بالركب أسرع ما يكون بأقل خسائر.

الأولوية الأولى: علاقة المرء بربه

إن أولى أولويات المسلم علاقته مع ربه ابتداءً، فقبل أن يفكر في إحداث تغييرٍ ملموسٍ ويتحول إلى شخص ناجح ومؤثر، عليه أن يدرك يقينًا أنه لن يُوفّق في عملٍ ولا في تحقيق غاية حتى يوفقه الله لها، وحتى يكسب معية خالقه ومعونته قبل أي معية أو معونة.
وبقدر متانة علاقتك بربك بقدر ما يمنّ عليك بتوفيقه وتأييده لك، وهنا تتجلى قاعدة (إياك نعبد وإياك نستعين)، فمن الناس من يجسد بشخصه مؤسسة أو جيشا ويكون فقدانه في الأمة ثُلمة لا تُسد، ومنهم من يؤتيه من واسع بركته وفضله فيترك الأثر في كل ميدان وساحة وكل أعماله صدقات جاريات. ومنهم من يقدم في الخفاء لا يشعر بعطائه أحد لكنه عند الله المعروف وأجره مضاعف محفوظ. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وعلاقة المرء مع ربه تبدأ بمعرفة عقيدته، بمعرفته أركان الإيمان والدين فيحفظها ويرسّخ معانيها، ويجتهد في ضبط فهمه للإسلام والإيمان والإحسان وفق الكتاب والسنة، يتعلم فروضه وكيفية أدائها، فيبدأ بالصلاة في وقتها وبحقوقها، ويجتنب المسارعة إلى أداء بعض النوافل والمستحبات حين يكون التفريط فتاكا في الفرائض والواجبات. عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أسوأ الناس سرقة الذي يسرق صلاته، قال: وكيف يسرق صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها، ولا سجودها”.
وغالبا ما يبدأ المرء متحمسا يريد تحقيق كل شيء وهو غير قادر على تحقيق أهم شيء.
فتحقيق تغيير في حياتك يأتي رويدًا رويدًا وكما قيل، قليلٌ دائمٌ خيرٌ من كثيرٍ منقطعٍ، ولعل أهم سبب لانتكاسة بعض الشباب في بلوغ أهدافهم هو الانطلاق المتحمس الذي يغفل فقه الأولويات ويركز على الفاضل ويترك المفضول، كمن يبني السقف قبل أن يبني الأساس.
ولابد أن يحرص المرء في نفس الوقت الذي يتعلم فيه دينه على التوقف عن المعاصي والانتهاء عنها، فلا يمكن لمقبل على رحلة العمر والارتقاء لمراتب السعداء أن يدخلها وهو مثقل الكاهل بالأوزار، وهذا يعني أن يطهر ماله من الربا كأولوية. فعن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم، أشد من ستة وثلاثين زنية”.
ويعني أن ينتهي عن الكذب فيطهر لسانه وقلبه منه ويعود نفسه على تحري الصدق، ويعني أن يكفّ عن قطع رحمه فيصله مسارعًا يبتغي رضا ربه، وما كان من ظلم وهضم للحقوق فليُرجع لكل ذي حقه حقه وليبرأ ذمته حتى لا تكون حائلًا بينه وبين ما يرمو إليه من خير، ذلك أن الله سبحانه قد حذرنا في كتابه العظيم بآية منذرة قال تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) وخاب من كسب ظلما. وتأمل معي هذا الحديث فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رجلٌ: يا رسول الله، إن فلانة يُذكر من كثرة صلاتها، وصيامها، وصدقتها، غير أنها تُؤذي جيرانها بلسانها، قال: “هي في النار”، قال: يا رسول الله، فإن فلانة يُذكر من قلة صيامها، وصدقتها، وصلاتها، وإنها تصدق بالأثوار من الأقط، ولا تُؤذي جيرانها بلسانها، قال: “هي في الجنة”. فتأمل هذه المعاني النورانية.
وبعد ضبط علاقتك بربك وفق الكتاب والسنة، وتأدية الفروض وتقوية وصالك بالسماء،  تأتي أولوية الإعداد العقلي والروحي، والذي يتطلب تحصيل نصاب العلم الشرعي، لا أقول كن ابن حنبل ولا أقول كن ابن تيمية رحمهما الله، ولكن كن العارف بنصاب العلم الشرعي الذي يؤهلك لأن تعرف ما لك وما عليك، قال ابن حجر -رحمه الله-:”والمراد بالعلم: العلم الشرعي الذي يُفيد معرفة ما يجب على المكلَّف من أمر دينه في عباداته ومعاملاته، والعلم بالله وصفاته وما يجب من القيام بأمره وتنزيهه عن النقائص، ومدارُ ذلك على التفسير والحديث والفقه.
فطلب العلم الشرعي واجبٌ على كل مسلم ومسلمة، ويدخل في هذا الإلمام بأساسيات العقيدة من توحيد وكشف للشبهات إلى الفقه وحديث وما تيسر منه لتعبد ربك عن دراية وعلم.
ثم (قُل هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)، فالعارف بأصول دينه لا يستدرجه دجاجلة العصر ولا يخلطون له الأوراق فيتوه في ظلمات البدع والمحدثات، ذلك أنه مستندٌ لأصلٍ ثابتٍ، مستند لمعرفة لا تتزحزح ولا تتلجلج بفضل من الله سبحانه.
ولعل أهم ما يجب تنبيه شباب المسلمين عليه هو ألا يشغلوا بالهم بالاختلافات في فروع الدين لأنها من الأمور الثانوية خاصة حين تكون ديار المسلمين تئن وطأة الاحتلال والهيمنة والظلم والطغيان! 
بل وجب التركيز على نقاط الوحدة والاتفاق والكليات المشتركة، فالإسلام يسع كل العاملين له وإن اختلفوا في الفروع، وهي أولوية تقديم المتفق عليه على المختلف عليه.

الأولوية الثانية: الإعداد

بعد تحسين العلاقة مع ربك، وأداء الفرائض كما يجب، وبعد الإحاطة بنصاب العلم الشرعي الواجب على كل مسلمة ومسلمة، تأتي مرحلة تلميع هذا العقل وتهيئته لتوسيع مداركه وتقوية بصيرته، وهي مرحلة الإعداد؛ وهي مرحلة الإحاطة بما يجري في عالمك وما يجب عليك معرفته، سواء كان تاريخ أمتك أو واقعها المعاصر أو نبوءات النبي صلى الله عليه وسلم وما سيكون في آخر الزمان.
لاحظ أنك ستنخرط في الصراع بمجرد أن بلغت درجة من الوعي بماضيك وحاضرك ومستقبلك.
وتوازي أولوية توسيع المدارك أولوية لا تنفك عنها، هي تغذية الروح، بزيادة في الطاعات والقربات، وأقصد كل أنواع العبادات التي يقدر عليها المرء ويواظب عليها، وأرى الاهتمام بأعمال القلوب قبل أعمال الجوارح ويكون الذكر على رأس هرم الأولويات، فكلما ازداد ذكرك لله وتعلقك بالقرآن كلما فتح الله لك الفتوحات فتبصر الدنيا بعين الحكيم لا بعين الجاهل ولا تسأل بعدها كيف تتذلل لك العقبات.
وحين تصل لهذه المرحلة ستكتشف هداية الله للأعمال الصالحة بحسب صدقك وإخلاصك في الفرار إليه، فبعضهم يفتح الله عليه في القرآن وآخر في الصدقات وآخر في قيام الليل وآخر في الاستغفار وغيره. وهذه العبادات هي بمثابة وقود قلبك لتجاوز شراك الشيطان المتربص بك لزامًا، وللثبات في الملمات والمدلهمات وما ضاقت به نفسك من ابتلاءات، ومخطأٌ من ظن التوفيق حليفه وهو بعيد عن وصال ربه يلتمس منه النصر والمدد، ومن ضيّع الأصول حرُم الوصول. 
ولابد أن ينظر المرء في مصادره ومن أين يتلقى المعلومة وكيف يبني رصيده الثقافي والمعرفي، خاصة في عالم يعجّ بالغث والسمين والدجاجلة والمصطنعين، وهذا الأمر تكفله فراسة المسلم التي سيكتسبها مع الوقت، وبالتجارب والاحتكاكات، وكلما زاد اطلاعك وسلمت مصادر بحثك كلما كانت خلاصاتك قوية متينة يمكنك البناء عليها، ولا تنسى قاعدة “تبينوا” في هذه المسيرة، ذلك أننا نعيش في عالم بشع تضخّ فيه الافتراءات والبهتان والإفك بلا رقابة أو حسيب أو يقظة ضمير، فلا تكن ضحية دعاية بائسة أو إعلام أجير.
والإعداد يدخل فيه كل ما أمكنك تعلمه وإتقانه مما ينفعك وينفع أمتك، وقد يكون بالدراسة المنتظمة أو بالاكتساب وتحصيل المهارات بدورات تخصصية وتدريبية موجهة، واليوم توسعت دائرة التعلم وتحصيل الخبرات فلا تحرم نفسك من إعداد تشق به ظلام الأسى.

الأولوية الثالثة: رفقة المسير

بعد هذا الكمّ من الأولويات لدينا أولوية أخرى وهي الصحبة والرفقة التي بها يكتمل العطاء، فلا تصاحب إلا طيب القلب الصالح، صاحب الهمة الذي يحثك على الخير وإياك والنمّام ومن يشغل وقتك بالسيئات والترهات وسفاسف الأمور، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “شرار أمتي الثرثارون، المتشدقون، المتفيهقون، وخيار أمتي أحاسنهم أخلاقًا”.
 فإن لم تجد رفقة صالحة فلا أفضل من كتاب أو مواطن العلم والفوائد المرجاة. قال الله سبحانه وتعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾.
ويدخل في أولوية الرفقة، الأسرة والأقرباء، ويعني هذا حسن الصحبة والإحسان ودعوتهم للخير وصالح الأعمال، فـ (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وإن شئت الجنة وسعيت لها سعيها، فلابد أن تتمناها لأسرتك وتشد على أيديهم كي يسعوا لها سعيها. وهذه وظيفة الداعية وهي وظيفة كل من علم أن يبلِّغ.

الأولوية الرابعة: أولوية العمل

ها قد تعلمت وأعددت فآن أوان العمل، ومن فقه الأولويات أن تسد ثغرًا في بنيان الأمة لا أن تنشغل بما يضيع أوقاتك ويهدر طاقاتك، أن تجعل خططك وجهودك في سبيل غاية نبيلة وأهداف عظيمة وهل هناك أعظم من غاية الإسلام وخدمة قضاياه والمسلمين! فإن اخترت هذا المقام وانبريت له فلا تدخل في مسائل جزئية أو خلافية لم يحسمها كبار أهل العلم منذ أول الزمان.، وركز في رحلة عملك على سد الثغرات الأولى فالأولى، وما أكثر الثغرات وما أحوج أمتك لإقبالك.
فانظر كيف يمكنك إحراز موطأ قدم في مسيرة النهوض التي نعيشها اليوم، وفق قدراتك وظروفك وطموحاتك وما تيسر لك من أسباب أو نلته من توفيق.
ومجالات العمل كثيرة وقائمتها تطول، فعلى كل مسلمٍ ومسلمةٍ أن يُتقن في ميدانه، حتى نرسم مشهد بنيان متراص من الخبرات، تصطف لنهضة هذه الأمة بكل تناغم وانسجام، تجمعها المحبة والأخوة في الله والرحمة والحلم وخفض الجناح للمؤمنين ووحدة الهدف والإسلام.
ولا تفكر في العواقب ولا تأسى كثيرًا على النتائج فمن سلك طريق المثابرين هانت في عينيه المصاعب والابتلاءات لأن أولى أولوياته أن يُعذر عند ربه ويحظى بالقبول ومراتب النجباء. وإن تعطلت مسيرتك لسبب أو لآخر فاستجمع قواك وانهض وقاوم أي سقوط ذلك أن لكل فارس كبوة وأنت المسلم الأبي في يده سلاح الاستغفار والتكفير عن ذنوبه والهمة ذاتية الشحن.
ولو أتقنت فقه الأولويات في هذه الحياة ستحقق سبقًا وتكسب وقتًا وتدخر جهدًا، وهي طريقة الأذكياء في كل مجالات الحياة سواء في المسابقة بالعبادات من حيث أداء الأنسب من ناحية الوقت والأجر والذكر، أو من حيث تلبية حاجات هذه الأمة التي تبصرها ويمكنك العمل على سدها متبعًا قاعدة الأولى فالأولى، ومن فاز بالبركات جادت نفسه بالعطاءات وكان من (أُولِي الأيْدِي وَالأَبْصَارِ).
هذا غيضٌ من فيضٍ وملخص فقه الأولويات الذي على كل مسلم ومسلمة الإحاطة به والله يؤتي فضله من يشاء والله واسع عليم.