الاثنين، 31 أغسطس 2015

كيف تدمر إنساناً مصرياً؟


كيف تدمر إنساناً مصرياً؟
عفوا مريم: لا يوجد مستقبل

وائل قنديل

تصلح قصة
"صفر مريم" مثالاً نموذجياً لكيف تهزم المواطن المصري في إنسانيته، وتحيله إلى كائن محطم، لا يساوي جناح بعوضة.
مريم ملاك، هي خالد سعيد الحي، الثاني قتلوه تعذيباً على أيدي أفراد "الداخلية"، ثم قالوا إنه ابتلع لفافة من مخدر البانجو، أما مريم فإن عملية قتلها تجري الآن، على أيدي جهاز حكومي يكره التفوق والنجاح، ويزيّف في درجات الحرارة وحالة الطقس، فكيف لا يزيّف نتيجة امتحان طالبة في الثانوية العامة.
أداة القتل المستخدمة في الحالتين واحدة، هي إدارة ضخمة، اسمها مصلحة الطب الشرعي، كما زيّفت تقرير وفاة خالد سعيد، وفصلته على مزاج وزارة الداخلية، زيّفت تقرير نتيجة امتحان مريم في الثانوية العامة، وأصرت على أنها جديرة بدرجة "الصفر"، على الرغم من أن درجاتها في العام السابق، والمراحل التعليمية السابقة، كانت تلامس المائة بالمائة.
هم لا يكرهون مريم، بشخصها، لكنهم لا يطيقون أن ينتصر المواطن المصري في مواجهة إرادة الحكومة، فما بالك والأرقام الكاذبة لعبتهم المفضلة، منذ فرض تقديراتهم المجنونة لحشود الثلاثين من يونيو/ حزيران، وحتى مهزلة المائة مليار، دخلا لتفريعة قناة السويس.
ولو وضعت في الاعتبار أن دولة الصفر"صفر المونديال الشهير" عادت إلى مقاعدها وقواعدها الآن، يمكنك أن تتخيل الدوافع النفسية والوجودية التي تجعل الحكومة تخوض المعركة ضد طالبة الثانوية العامة، بالشراسة نفسها التي حاربت بها في قضية خالد سعيد.
انتصر خالد سعيد، ميتا، في الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011، انتصر حين كسرت صفحته الإلكترونية الدولة العسكرية المتغطرسة التي تضخمت على مدار عقود، انتصر حين تفوق الحلم على آلة القمع، وخلع قائدها، بعد ثورة الكرامة الإنسانية، وانهزمت دولة تزوير الانتخابات وتزييف أسباب الوفيات، والنظر إلى المواطن باعتباره دابة في مراعي الاستبداد.
 وعلى ضوء ذلك، يمكنك استيعاب هذا التوحش الانتقامي، من "دولة الصفر"العائدة، ضد" إنسان يناير"، تقتله على الهوية، تحرقه حياً، ثم تجبر أهله على الإقرار بأنه مات منتحراً، وإلا سترمى جثته للكلاب، وتعتقله وتسحله وتسجنه وتعذبه، وتأتي بـ" حانوتي حقوق إنسان"، مثل حافظ أبو سعدة، ليدبج تقريرا عن حالة المحبوسين في السجون، لا يختلف عن تقرير وفاة خالد سعيد، أو نتيجة مريم.
 بهذه الكيفية، مات أحمد سيف الإسلام كمداً، بعد أن شطروا قطعتين من لحمه، سناء وعلاء، وألقوا بهما في غيابة السجن، ثم مات مئات المساجين، أكاديميون مرموقون ومحامون وسياسيون محترمون وشبان نابغون، تعذيباً ونهشاً بالمرض والرطوبة، وكثيرون آخرون ينتظرون.
بهذه الرغبة المتوحشة في الانتقام والإذلال والقهر، يعامل عصام سلطان وعلاء عبد الفتاح والبلتاجي وأحمد ماهر والخضيري وإسراء وصهيب وعمر وعادل ويارا وأبو إسماعيل وأبو البخاري وعشرات آلاف، اعترضوا على مشيئة "دولة الصفر".
على أن سيكولوجية التدمير والقهر لا تتوقف على المصري المعارض، فقط، بل تأخذ في حسبانها تدمير المؤيدين أيضاً، من خلال حقنهم بجرعاتٍ لا تتوقف من الوهم والكذب والبلادة، وتسييد نمط من القيم، وصنف من الوطنية المتحللة، يقتل الوعي والحلم والأمل بالتغيير، ويقضي على غدد الفهم والتمييز بين الخير والشر، الحق والباطل، القبح والجمال، والعدو والصديق، والشقيق والغريب، والعالي والواطي، والشريف والمنحط، بحيث لا يرى إلا ما يراه جنرالات دولة الصفر، ولا يعتنق إلا ما يريدونه.
وفي وضعية مثل هذه، من الطبيعي أن ينكسر العالم الفيلسوف الدكتور حسن الشافعي، رئيس مجمع اللغة العربية، ونائبه الدكتور محمد حماسة، أمام رئيس "جامعة الصفر" القاهرة سابقاً، ويصبح من مستلزمات البقاء على قيد الحياة، والنجاة من توحش السجن، أن يتخلص المواطن من جنسيته المصرية، ويتنازل صاغراً عن ممتلكاته وحقوقه وجذوره الممتدة في عمق الزمان والمكان.
 قالها صلاح عبد الصبور ورحل: في بلد لا يحكم فيه القانون/ يمضي فيه الناس إلى السجن بمحض الصدفة/ لا يوجد مستقبل في بلد يتمدد فيه الفقر/ كما يتمدد ثعبان في الرمل/ لا يوجد مستقبل. عفواً مريم: لا يوجد مستقبل.

الأوثان الوطنية .. !!

الأوثان الوطنية .. !!



ا.محمد إلهامي

باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية

منذ دخل الاحتلال بلادنا سعى في تأسيس هويات أخرى لشعوبنا ليقضي من خلالها على هويتنا الإسلامية الجامعة، فبعث من تحت الرقاد هويات الفراعنة والآشوريين والفينيقيين والبابليين.. إلى آخره، وصار كل شعب مغرما بأجداده المصطنعين الذين لا يستطيع أحدهم أن يحقق نسبه إليهم ولا حتى احتمالا لتطاول الزمان وتغير الأحوال وموجات لا تعد ولا يمكن ضبطها من الهجرات والتغيرات البشرية.
لم تكن المشكلة فقط في كون هذه الهويات تمثل حدودا تمزيقية لوحدة أمتنا وتُطرح كبديل لهويتنا الجامعة، بل المشكلة الأكبر أنها تؤسس للعنصرية والعرقية، وهي- بهذا- تمثل نقيضا للهوية الإسلامية وتفتح بابا واسعا لهدر الإنسانية.
فالإسلام يحملنا على حب موسى وهارون عليهما السلام ومن اتبعهما (وهم غير مصريين) وعلى كره فرعون ومن أتبعه (المصريين)، ويحملنا على حب بلال (الحبشي) وسلمان (الفارسي) وصهيب (الرومي) وعلى كره الوليد بن مغيرة وعتبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام (وهم العرب الأقحاح صرحاء الأنساب)، ويحملنا على حب صلاح الدين (الكردي) ومحمد الفاتح (التركي) ضد كل من فرطوا في مصالح الأمة وإن انتسبوا إلى بني هاشم!
فخلاصة الأمر أن المرء يفخر بما فعله لا بما لم يفعله ولم يختره، ومجرد الفخر بالعرق أو النسب أو اللون أو الوطن شيء لا يد لأحد فيه، ولا يملك أحد أن يغيره، فهو فخر عنصري بغيض!
على كل حال: نجحت خطة الاحتلال بنسبة كبيرة، واعتنقت كثير من الشعوب هذه العقيدة الوطنية، وجعلت من حدود سايكس بيكو التي رسمها العدو معايير مقدسة، حتى اختلف الحال، فمن بعد ما خرج الفتى الحلبي من الشام بتحريض من شيخ في غزة ليقتل قائد الحملة الفرنسية في مصر، استطاع كل مستبد في بلد أن يعتبر شعبه ملكا له يقتل كما يشاء ولا يحق لأحد أن يتدخل فيما يصنع ما دام داخل حدوده “المقدسة”، وقد بذل إخوانه المستبدين جهدهم في إقناع الشعوب أن ما يجري من مذابح إنما يجري في بلد آخر لا علاقة لنا به، ويكون استقبال اللاجئين المطحونين ليس واجبا يأثم من لا يفعله بل هو عمل عظيم ومنة كبرى، وإذا شئنا رفعنا في وجههم شعار “الأمن القومي” الذي يمكنه منع لاجئ من السفر للتداوي حتى يموت على المعابر من أجل عيون “الأمن القومي!
بعد قليل رسخت هذه القناعة لدى الشعوب بينما ركلها الحكام، وصاروا يتعاونون على مكافحة الإرهاب دون أي اعتبار للحدود “المقدسة”، ويحاكمون الإرهابيين العائدين من الجهاد رغم أنهم –بمعيار الحدود المقدسة- لا يجوز محاسبتهم لأنهم لم يرتكبوا شيئا داخل البلاد، ويتبادلون المعلومات والمحققين ووسائل التعذيب لمن لم يحترم الحدود المقدسة التي لم يحترمونها هم أنفسهم.
وإذا أخذنا المصريين كمثال، فنجد أن الوثن الوطني لم يعد مقتصرا على الفخر بأن حضارة الفراعنة هي أعظم حضارة في التاريخ، بل امتد حتى وصل إلى طرائف مضحكة من نوع: الطفل المصري أذكى طفل في العالم!!
حتى منتخب الكرة أيام كان يحقق الإنجازات كان يُرى أن ذلك من بركة الفراعين التي بقيت في أحفادهم عبر السنين!
لم يتوقف أحد ليسأل نفسه: ما هي حدود الدولة الفرعونية؟ وهل هي ذات الحدود بين العريش والسلوم وأسوان؟!
إن هذا السؤال مؤرق لقداسة الحدود التي صنعها الاحتلال، ولذلك لا يطرحه أحد، وعليه فعليك الإيمان بشيئين متناقضين معا: نحن أحفاد الفراعنة العظماء نعم لكننا ملتزمون بالحدود التي رسمها لنا الاحتلال، والهدف واحد: إيجاد هويات بديلة عن الهوية الإسلامية الجامعة.
إلا أن “الوثن الوطني” كانت له تجليات أخرى داخلية، فما زال الذين عبدوا هذا الوثن يؤمنون أننا نمتلك أحسن شيء في العالم: خير أجناد الأرض، وأعرق قضاء “شامخ” في العالم، والأزهر عندنا ما يزال كعبة طلاب العلم، والإعلام عندنا حر ونزيه وجرئ.. وهذا ما نتناوله في المقال القادم إن شاء الله، فالله المستعان.

حماية دولية للجيش والمخابرات مكافأة على تدمير سوريا

حماية دولية للجيش والمخابرات 


مكافأة على تدمير سوريا


د. فيصل القاسم

لا بد أن تقلب على ظهرك من الضحك عندما تسمع النظام السوري وحلفاءه من روس وإيرانيين وعراقيين ولبنانيين وحتى عرب وأمريكيين وهم يصرون على أن أي حل أو اتفاق سلام في سوريا يجب أن ينص على الحفاظ على مؤسستي المخابرات والجيش.
طبعا لسنا متفاجئين من إصرار جماعة النظام على حماية تلك المؤسستين تحديدا دون غيرهما في سوريا.
والسبب يعرفه كل السوريين، وهو أنه لولا الجيش والأمن لما استطاع النظام أن يدوس على رقاب السوريين لعقود وعقود، ويكتم أنفاسهم، ولولاهما لما استطاع أن يسحق الثورة، ويشرد غالبية الشعب السوري، ويدمر بيوته فوق رؤوسه.
لا عجب أبدا في أن يصر النظام في مفاوضاته مع العالم على حماية الجيش والأمن، لأنه لولاهما لما استطاع أن يصمد شهرا واحدا بعد أن هب السوريون في وجهه قبل حوالي خمس سنوات.
لقد كانت أجهزة الأمن تحديدا تتمتع بحصانة تحسدها عليها كل أجهزة الأمن في العالم. 
فكما هو منصوص عليه في الدستور السوري منذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة، فإن رجل الأمن السوري له كامل الحرية والصلاحية بأن يفعل ما يشاء بالسوريين قمعا واغتصابا وابتزازا وقتلا، دون أن يستطيع المواطن السوري أن يصرخ في وجهه، فما بالك أن يقاضيه، لا سمح الله.
لقد حمى الدستور السوري أجهزة الأمن من الملاحقة القانونية حماية مطلقة. وإذا ما تجرأ سوري على الشكوى على رجل أمن قضائيا، فعليه أن يحصل على إذن خاص مباشرة من رئيس الجمهورية تحديدا. لاحظوا كم هي سهلة عملية الحصول على موافقة من الرئيس لرفع دعوى على رجل أمن. طبعا بالمشمش.
لقد وضع نظام الأسد أجهزة المخابرات فوق الجميع، لا بل إن رجل الأمن باستطاعته أيضا أن يدوس حتى الشرطي في الشارع، لأن السلطة الأولى والأخيرة في البلاد في أيدي الأجهزة حصرا.
وكل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في قبضة الأجهزة تحديدا، فهي التي تعين موظفي الدولة من كناس المدرسة إلى رئيس الوزراء.
لا بل إن البعض يسخر أصلا من وجود مؤسسات في سوريا، فلا قيمة لأي مؤسسة في البلاد إلا لأجهزة الأمن ومن بعدها الجيش.
والمؤسستان الوحيدتان اللتان يمكن أن نسميهما «مؤسستين» فعلا هما الجيش والأمن.
أما باقي المؤسسات، فهي عبارة عن توابع، ودكاكين رخيصة لا علاقة لها بالمؤسساتية لا من بعيد ولا من قريب، وهي أشبه بحارة «كل مين إيدو إلو».
أضف إلى ذلك أن القسم الأكبر من الميزانية السورية يذهب منذ عقود للأمن والدفاع. 
والمقصود هنا ليس طبعا أمن الشعب والبلاد، بل أمن النظام، وليس طبعا الدفاع عن الوطن، بل حماية النظام من غضب الشعب.
الكل يعلم أن الجيش السوري الذي دفع عليه السوريون المليارات من قوت أولادهم ظنا منهم أنه سيحميهم من الأعداء الخارجيين، وخاصة إسرائيل، لم يطلق على الإسرائيليين منذ أربعين عاما رصاصة يتيمة.
وكلنا يشاهد كيف تعتدي الطائرات الإسرائيلية على المواقع السورية بين الحين والآخر دون أن يتجرأ الجيش على إطلاق صاروخ واحد عليها، بينما يوفر كل أنواع الأسلحة المحرمة دوليا لمواجهة السوريين. مع ذلك يريدون من الشعب السوري أن يحتفظ بالجيش الذي قتل منه أكثر من مليون شخص، ودمر ثلاثة أرباع البلاد، وارتكب ألوف المجازر الفاشية.
لقد اعتقد السوريون بعد الثورة أن يخفف النظام من حمايته لأجهزة الأمن، وأن يخضعها للمحاسبة نزولا عند رغبة السوريين الذين ثاروا تحديداًعلى ممارسات الأجهزة الأمنية التي كانت تتدخل حتى في إقامة حفلات الأعراس وبيع المازوت على ظهر البغال.
فذات يوم حاول شخص في قريتنا أن يبيع المازوت على ظهر بغل، فقالوا له بأنه يحتاج إلى موافقة أمنية. وقد اضطر الرجل للانتظار أكثر من ستة أشهر حتى جاءت الموافقة على استخدام البغل في بيع المازوت في شوارع القرية.
لاحظوا المفارقة الكبرى أن النظام وكل من يشد على يده في الحفاظ على الأجهزة الأمنية والجيش في أي اتفاق سلام في سوريا، لاحظوا أنهم يريدون حماية من تسبب أصلا في اندلاع الثورة السورية، ألا وهي أجهزة المخابرات، وأيضا حماية من يسمون زورا وبهتانا «حماة الديار».
إنها نكتة كبرى فعلا. أجهزة الأمن ظلت تنكل بالسوريين لعقود وعقود حتى جعلتهم يثورون على النظام، وعندما ثار السوريون، أنزل بشار الأسد «جيشه» إلى الشوارع بعد شهر فقط لقمع المتظاهرين وسحقهم.
وعندما رفض الشعب الرجوع إلى البيوت، بدأ باستخدام كل الأسلحة ضد الثوار. وقد وصل الأمر بقيادة الجيش السوري إلى استخدام السلاح الكيماوي لتركيع الشعب الثائر، ناهيك عن البراميل المتفجرة وصواريخ سكود والطائرات. لقد كان الجيش السوري على مدى أربع سنوات وأكثر قليلا وسيلة النظام الأوحش لمواجهة السوريين وإعادتهم إلى بيت الطاعة.
وبدلا من أن يطالب العالم، وخاصة أمريكا، بمحاسبة ذلك الجيش الذي نافس النازيين في جرائمه، ها هي أمريكا وروسيا وإيران تناصر النظام في ضرورة الحفاظ على المؤسستين الأمنية والعسكرية، مع أنهما سبب الثورة وتبعاتها الكارثية.
طبعا هذا لا يعني أبدا أننا لا نريد بأن يكون لسوريا جيش وأمن قويان. على العكس تماما، فإن قوة أي بلد من قوة جيشه وأمنه، على أن يكون جيشا وطنيا، لا سلطويا أو طائفيا. إن كل من يدعو للإبقاء على الجيش والأمن السوريين بشكليهما الحاليين اللذين دمرا سوريا، وشردا شعبها، إنما يريد الإمعان في تخريب سوريا والاستمرار في ذبح شعبها، لا إنقاذها، كما يدعي الروس والإيرانيون وكل من تحالف مع بشار الأسد من عرب وجرب.
أليس من المستحيل لملايين السوريين الذين دمر الجيش مدنهم وقراهم، وذبحهم، وشرد أهلهم أن يتصالحوا معه ومع أجهزة الأمن؟ هل سأل الذين يريدون الحفاظ على جيش الأسد أنفسهم هذا السؤال البسيط؟
نعم لجيش سوري وأجهزة أمن سورية جديدة، لكن بشرط أن يكون الجيش والأمن في خدمة الوطن والشعب، وليسا أداتي قتل وإجرام في يد النظام لإذلال الشعب وسحقه كما كان الحال في سوريا على مدى عقود.

الثورة العميقة في مواجهة الدولة العميقة


الثورة العميقة

في مواجهة الدولة العميقة


د.أحمد موفق زيدان

ما تراكم من استبداد ومستبدين، وما تجذر من أجهزة عقيمة في الدول الاستبدادية الشمولية الديكتاتورية على مدى عقود،
كل ذلك أفرز دولة عميقة ومتجذرة في كل مناحي الحياة مما يتعذر خلعها بالسهولة التي يتمناها أصحاب الثورات والنوايا الطيبة، وما لم يتكاتف ويتحالف الجميع في مواجهة الدولة العميقة كل بحسب موقعه وقدراته وإمكانياته، لحشد المجتمع كله في مواجهتها، مع توفر رأس يفكر لها ويوظف الجميع من أجل الهدف الأسمى والأعلى وهو خلع الاستبداد فسيظل الطريق طويلاً والتضحيات عظيمة أمام الثوار والمجاهدين في أحسن الأحوال، وإلا فإن الفشل والتفشيل سيكون حليفهم في مواجهة شراسة محلية وعالمية، إذ إن الدولة العميقة تستمد عمقها أيضاً من نظام عالمي عميق وعقيم تأسس في منطقتنا العربية ولمجابهة هذا الاستحقاق يوما ما وقد حان.

الدولة العميقة هي عبارة عن تبادل الدولة العميقة للمصالح والحماية، مع شراء الولاءات والفوضى، فلديها رموز وإدارات في كل مناحي الحياة وهو ما تجلى وظهر بوضوح في سوريا ومصر واليمن وغيرها، تبدأ هذه الدولة العميقة من المؤسسة العسكرية والأمنية ومعها القطاع الخدماتي كله، حيث تقطع الكهرباء أو الغاز في الوقت المحدد من أجل تحريك الشارع ضد المنتخبين أو ممثلي الشعب كما حصل مع مرسي، وكذلك تصل أذرع الدولة العميقة إلى التعليم والإعلام والفن ورجال الدين، فالكل له مصالح عند هذه الدولة العميقة لا يستطيع أن يتخلى عنها، وإلا فقد تتهدد حياته الشخصية، ولنتذكر تدخل أجهزة المخابرات وهي أعمق ما في الدولة العميقة في كل شاردة وواردة من حياة الناس ببعض هذه الدول.

الرد الثوري الجهادي على هذه الدولة العميقة هو بتجذير الثورة وتعميقها وتوسيعها بين كل شرائح الشعب المنتفض ضد الظلم والاستبداد وحين سأل هرقل أبا سفيان عن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام هل أتباعه يزيدون أم ينقصون؟ رد عليه بصدق بل يزيدون، فقال له هرقل وتلك سنة الأنبياء، وسيملك أي النبي عليه الصلاة والسلام، ما تحت قدمي، إذن أدرك هرقل أن الثورة المحمدية تتعمق وتتوسع وبالتالي بقدر ما تتمدد يتقلص الحكم القبلي العميق ويتآكل، وقد كان..
وحين اختلفت قريش على من يحمل الحجر الأسود دخل النبي عليه الصلاة والسلام بفكرته الرائعة الممثلة بوضعه في ردائه الشريف لتحملها كل القبائل المتنازعة، ليؤكد من جديد أن الكل ينبغي أن يشعر بحجمه وأهميته وضرورته، وألا يقتصر الأمر على جماعة وتنظيم، وهذا في حمل حجر الأسود فما بالك في انتزاع صخرة دولة كالشام من نظام عالمي مجرم احتلها لعقود فكانت واجهته العصابة البرميلية فقط، ويظن صاحب الجماعة المسكين أنه بحوله وقوته سيزيح النظام أو يفرض مشروعه، وإن أصر على موقفه هذا متجاهلاً إخوانه وشعبه
فسيتذكر قول النبي عليه السلام «فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى».

النوافل حين فرضت كما يقول الأصوليون كانت لحماية الفرائض وبقدر أداء المسلم للنوافل بقدر حماية الفرائض من أن تنتقص، ولو تخلى المسلم عن النوافل فإن أي نقص قادم سيكون للفرائض، وهو ما ينطبق تماماً على الثورة والثوار فإن رأس المال هم الثوار المدافعون عن الثورة ولكن مع مرور الوقت لا بد من تشكيل الأطر والأجهزة والإدارات الحياتية الخادمة للثورة من أجهزة مشيخية وثقافية وإعلامية ونسوية وفنية، وحقوقية، وتعليمية، ونقابات خدماتية، وعمالية وفلاحية وتجارية، وبالطبع عسكرية وسياسية وعلاقات دولية وغيرها من شؤون الحياة، بحيث لا نغفل شريحة مجتمعية دون أن نؤطرها في إطارها فالكل له دوره، والكل سنحتاجه يوماً ما، وبقدر توسيع دائرة المستفيدين من الثورة بقدر ما نقلّص من دائرة المتضررين منها.

نرى اليوم مثلاً ساطعاً حين يبتعد أو يتأخر علماء الشام مثلاً عن دورهم في تبيان حقيقة ما يقع على الأرض كيف يتقافز بعض المشايخ من خارج الحدود ليفتون لصالح تنظيم أو مجموعة لا يدرون أن خطر ذلك سيكون كارثياً على الثورة والثوار ومصير الشام وأهلها، فلا يزال البعض يفكر بعقلية غيتو التنظيمات والجماعات، ولم يكسر حاجز التنظيم لينطلق إلى رحابة الأمة التي انتفضت شيبها وشبانها على الظلم والظالمين والاستبداد والمستبدين.

وحين ضرب ربنا مثل الشجرة الطيبة
«أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ» كان التأكيد على الثبات، فالأصل هو العمق في كل شيء، وإن تباعدت الفروع والأغصان فإن جذور الأشجار متقاربة في الأرض، فلا تحكم على عمل واحد للشخص أو للجهة، وإنما لا بد من فهم وفقه مقاصده ومراميه وأفكاره، وإلا فسيكون حالك كمن قال ربنا تبارك وتعالى «يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا».

ما زلت أتذكر ما قاله لي أحد السياسيين المعروفين حين التقى الرئيس العراقي الراحل صدام حسين فقال الأخير حين قمنا بانقلابنا وجدنا أن معوقات عملنا هم المراسيل بين الوزارات حيث لا يزالون على ولائهم الملكي القديم، فأقمنا جامعة البعث لتخريج الخريجين بسرعة من أجل خدمة الدولة والنظام الذي نريده، فلك أن تتخيل دور مرسال في تعويق ثورتك ونظامك، فما بالك بأجهزة متجذرة عميقة وخطيرة لها مصالح وعلاقات داخلية ودولية، وهنا تستطيع فهم إصرار العالم المجرم كله على فرض مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية السورية على الثورة السورية.

فلباب النصر مفاتيح عسكرية وسياسية وثقافية وفكرية وعلمية ومشيخية وغيرها، وللمفاتيح أسنان، ولا يمكن فتح الباب إلا بمفتاحه وأسنانه، ومن لم يتواضع في البحث عن المفتاح صاحبة الأسنان الخاصة بذاك الباب، فإنه سيضيع ويضيع معه جهود كل من بذلوا دماءً وآهات وتشرد لا يعلم بها إلا الله تعالى في الشام وغيرها، فالحكمة الحكمة، والحزم الحزم.

@ahmadmuaffaq

محمد سلطان: صوت المعتقلين المصريين في الخارج

محمد سلطان: صوت المعتقلين المصريين في الخارج

نيويورك تايمز
إدارة التحرير في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية


"كنت محظوظا بتجربة الحرية والديموقراطية في أمريكا، واستطعت تحويل غضبي من فقدانهما للإضراب عن الطعام"

محمد سلطان كان يدرك بأن الشيء الوحيد الذي كان من الممكن أن يدعمه عندما دقت الشرطة المصرية على بابه، يتمثل بكونه من مواطني الولايات المتحدة، فهو مولود في ولاية أوهايو الأمريكية، ولكن هذا الأمر لم يكن يعني الكثير حينما اقتحمت الشرطة المصرية منزله في مصر بحثًا عن والده، صلاح سلطان، العضو البارز في جماعة الإخوان المسلمين، وعندما لم يجد العناصر سوى محمد سلطان وثلاثة من أصدقائه، قاموا باعتقالهم بدلًا من اعتقال الأب، جنبًا إلى جنب مع عشرات الآلاف الآخرين الذي يُعتقد بأنهم من المعارضين الإسلاميين أو الليبراليين الذين تم اعتقالهم إبان الانقلاب العسكري الذي وقع في مصر قبل عامين.
جنسية محمد سلطان الأميركية شجعته عندما تم اعتقاله، وكان حينئذ يبلغ 25 ربيعًا، لتنفيذ إضراب مفتوح عن الطعام لمدة 16 شهرًا خلال الـ21 شهرًا التي قضاها في المعتقل، مما أدى إلى خسارته لأكثر من 70 كغ من وزنه الذي كان يبلغ حوالي 123 كغ قبل الاعتقال، مخاطرًا بذلك بوصوله إلى حالة فشل الأعضاء الكلي، حيث نفذ إضرابه إيمانًا منه بأن حكومة الولايات المتحدة ستهب لنجدته.
جلبت الجنسية الأمريكية لسلطان نوعًا خاصًا من العذاب الذي خصه به سجانوه، كالعذاب الذي قاساه عندما تم حبسه ليوم كامل في غرفة مع رجل يحتضر ويصرخ من الألم، ومن ثم تم تركه وحده مع الجثة خلال معظم اليوم التالي.
 صورة ملتقطة لمحمد سلطان أمام منزله في أمريكا الأسبوع الماضي في منطقة فولز تيرتش
بالمحصلة، ضمنت له جنسيته الأمريكية ترحيلًا من السجون المصرية إلى منزله في الولايات المتحدة في يوم 30 مايو 2015، وذلك بفضل الضغوط التي مارسها البيت الأبيض على الحكومة المصرية، كما يوضح سلطان والدبلوماسيون الأميركيين.
اليوم يحاول سلطان استثمار محنته التي عاشها ليسخرها في دور جديد لمناصرة عشرات الآلاف من الإسلاميين واليساريين والليبراليين الذين لا يزالون يرزحون تحت وطأة العذابات في السجون المصرية؛ ففي الاجتماعات الأخيرة التي تم عقدها في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية، روى سلطان تجاربه الخاصة سواء أثناء عيشه كطفل ومراهق في الغرب الأوسط الأمريكي، أو أثناء احتجازه كسجين سياسي في سجون القاهرة، وانتهى إلى القول بأن ممارسات الاعتقالات الجماعية التعسفية المصرية تضر بمصالح واشنطن، كونها تعمد إلى بث التطرف والعنف في نفوس الشباب اللاعنفي سابقًا، لتحويلهم إلى مسلحين مناهضين للولايات المتحدة.
"لقد كنت محظوظًا لأنني اختبرت الحرية والديمقراطية هنا في الولايات المتحدة، لذلك كنت قادرًا على ترجمة غضبي إلى حملة إضراب عن الطعام"، قال لنا سلطان في مقابلة عبر الهاتف من واشنطن، وتابع موضحًا "لكن عشرات الآلاف من السجناء الشباب الآخرين سيكونون أكثر عرضة لتوجيه غضبهم نحو الاتجاه الآخر".
"الجهاديون التابعون لفرع الدولة الإسلامية (داعش) في مصر، يجوبون السجن حاملين تبريراتهم التي تبرر حمل السلاح، حيث يقولون للسجناء الآخرين، هؤلاء المرتدون في الحكومة لا يحترمون شيئًا على الإطلاق سوى المقاومة العنيفة، هم لا يفهمون إلا لغة السلاح"، يقول سلطان، ويتابع سلطان موضحًا "الشيء الوحيد الذي يشترك فيه جميع من في السجن، رجال الدولة الإسلامية، رجال الإخوان المسلمين، الليبراليون، الحراس، والضباط، هو أنهم جميعهم يناصبون العداء لأمريكا، وفي بلد فتيّ مثل مصر، المصالح الأمريكية تتهدد، بسبب اطراد المشاعر المعادية للولايات المتحدة في جميع أنحاء الطيف الأيديولوجي في مصر، وهذا ليس أمرًا محمودًا بالنسبة لأي أحد".
على الجانب الحكومي الأمريكي، يبدو أن المسؤولين يلقون آذانًا صاغية لما يقوله سلطان؛ فبعيد اللقاءات التي أُجريت مع سلطان، ردد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري علنًا بعضًا من المخاوف التي أشار إليها سلطان، وذلك ضمن تصريحاته المرتجلة خلال زيارته إلى القاهرة، حيث قال كيري خلال لقائه مع الصحفيين بأنه نقل إلى نظرائه المصريين مخاوفه واسعة النطاق حول "التطرف الذي قد يتنامى من خلال الاعتقال ومن خلال الحبس، وهو نوع من دورة الإرهاب المتجددة".
بلهجته الغربية الأمريكية، وابتسامته الواسعة التي تظهر جميع أسنانه، يبدو سلطان وكأنه وجه علني غير معتاد لضحايا القمع في مصر، والذين هم في معظمهم، كوالده، من الإسلاميين، وفي بعض الأحيان، يبدو كما لو أن سلطان يفضل أن يتحدث عن فريق ولاية أوهايو باك آيز، ويسترجع ذكريات مباريات كرة القدم، أكثر من رغبته بالتحدث عن السياسة والسجون.
بالنسبة لسلطان، فإنه لا يؤيد شخصيًا الرئيس المخلوع محمد مرسي التابع لجماعة الإخوان المسلمين، "أنا ليبرالي للغاية بالنسبة للإسلاميين، ومتديّن للغاية بالنسبة لليبراليين"، يقول سلطان، ولكنه من وجهة النظر الديمقراطية، انضم سلطان إلى الاحتجاج الإسلامي الرئيسي المعارض للإطاحة بمرسي لأنه يخالف المبادئ الديمقراطية، وعمل في مصر كمترجم للصحفيين الغربيين هناك، وشهد ممارسات قوات الأمن المصرية في 14 أغسطس 2013، عندما عمدت إلى قتل نحو ألف متظاهر في إطلاق نار شامل، فيما بات يعرف باسم مجزرة رابعة.
خلال تواجده في ميدان رابعة، اخترقت رصاصة إحدى ذراعي سلطان، واضطر الأطباء لادخال قضبان معدنية لدعم العظام، وألقت الشرطة القبض على سلطان أثناء تعافيه من الإصابة بعد بضعة أيام، وتم إلقاء القبض على والده بعد شهر من ذلك.
بدأ سلطان حياته بالسجن من خلال مروره أولًا بطقس قياسي معروف باسم "الترحيب"، حيث يتم إدخاله، عاريًا إلا من ملابسه الداخلية، ضمن صفين طويلين من الحراس الذين يقومون بضربه وضرب باقي السجناء الجدد لمدة ساعتين بالهراوات والأحزمة والسياط.
وعندما أصبح داخل السجن، قام أحد الأصدقاء بتغيير الضمادة الموضوعة على ذراعه بكرة من القطن المتسخ، وفي وقت لاحق، تعاون زملاؤه السجناء على الإمساك به أثناء قيام أحد الأطباء المسجونين باستخدام شفرة حادة لإزالة القضبان المعدنية المزروعة داخل ذراعه.
بعد وصوله إلى وجهة اعتقاله النهائية داخل مجمع سجون طرة في القاهرة، تم وضعه في زنزانة صغيرة مع حوالي 25 سجينًا سياسيًا، يتنوعون في معتقداتهم ومشاربهم، ويشكلون مزيجًا من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، الجهاديين المتشددين، ذوي الميول اليسارية أو النشطاء العلمانيين، وهناك، بدأت فكرة الإضراب عن الطعام تراود فكر سلطان كبديل عن إلحاح الجهاديين لانضمامه إليهم.
"السجانون يجردونك من حريتك، يمسحون بكرامتك الأرض، ويحطمون ما تبقى لديك من إرادة" يقول سلطان، ويتابع "ولكن الإضراب عن الطعام يعكس هذه العملية".
بعد قيام شقيقه باستشارة عائلات المواطنين الفلسطينيين الذين نفذوا إضرابًا عن الطعام في السجون الإسرائيلية، وبناء على نصائحهم، توقف سلطان تدريجيًا عن أكل اللحوم، ثم عن الكربوهيدرات، ومن ثم توقف عن تناول منتجات الألبان على مدى نحو ثلاثة أشهر، وأخيرًا بدأ إضرابه الشامل في 26 يناير 2014.
كان يشرب الماء فقط، وأحيانًا يقوم بإضافة الملح إليه، كما يتناول الفيتامينات التي تقدمها له عائلته، وبعد الـ15 يومًا الأولى، بدأ بفقدان وعيه في كثير من الأحيان، بما في ذلك حادثة فقدان وعي طويلة الأمد في 23 مارس، وكانت سلطات السجن في بعض الأحيان تعمد إلى وضعه في جناح بالمستشفى لإعطائه حقنًا بالوريد متضمنة الجلوكوز والمياه المالحة لانعاشه.
حاول عدد من السجناء المصريين ممارسة الإضراب عن الطعام في تلك السنة، ولكن سلطان استطاع الترويج إعلاميًا لحملته من خلال إرساله لرسائل مفتوحة يستذكر ضمنها حياته في ولاية أوهايو، تم نشرها في صحيفة نيويورك تايمز وغيرها من الصحف العالمية.
قامت سلطات السجن بوضعه في معتقل انفرادي ضمن غرفة بالمستشفى بدون نوافذ، وبعد أيام قليلة من الصمت المطبق، انهار سلطان تمامًا، وقام بضرب رأسه على باب معدني حتى نزف بما فيه الكفاية ليتطلب وضعه المعالجة الطبية، وعلى إثر ذلك، كما يقول سلطان، بدأت سلطات السجن بتشجيعه على قتل نفسه، حيث كان حراس السجن يرمون له بالشفرات الحادة من تحت باب المعتقل، أو يتركون الأسلاك الكهربائية مكشوفة داخل الغرفة، ويستذكر سلطان ما قاله له أحد كبار مسؤولي السجن، والذي يدعى محمد علي "أرحنا وأرح نفسك من وجع الرأس هذا".
ثم حاولت سلطات السجن إكراه سلطان على إنهاء إضرابه عن الطعام من خلال سياسة الحرمان من النوم، ففي البداية أبقوه مستيقظًا جرّاء صرخات الألم التي يطلقها المعتقلون الذين يتم تعذيبهم أمام باب معتقله تمامًا، ومن ثم تم وضعه تحت الضوء بشكل مستمر على مدار 24 ساعة، وأخيرًا وضع الحراس في غرفته ضوءًا قويًا وامضًا أبقاه مستيقظًا لمدة ثلاثة أيام، وانتقامًا من ذلك، رفض سلطان السماح لأطباء السجن بقياس مؤشراته الحيوية، حتى قام حراس السجن بتكبيل يديه إلى كرسيه المتحرك وضربوه لإجباره على الخنوع.
في يناير، وبعد 11 شهرًا من بدء إضرابه عن الطعام، أقنعته شقيقته، هناء، بأن الدبلوماسيين الأمريكيين باشروا بالعمل في قضيته، وحينها تحول إلى الإضراب الرطب عن الطعام، حيث تناول الحليب واللبن الزبادي والمشروبات.
في أحد الأيام، وبعد بضعة أسابيع، أحضر أحد الحراس مع أحد الممرضين مريضًا معتقلًا إلى مستشفى السجن، يدعى رضا، ووضعاه في غرفة سلطان، وأوصيا الأخير برعايته، وأغلقا الباب ورائهما.
رضا كان يصرخ من أوجاعه وعذابه وآلامه، وحينها ضرب سلطان على الباب بقوة ولأكثر من مرة طلبًا للمساعدة، ولكن أحدًا لم يأتِ، وتوفي رضا أمام عيني سلطان، ولم يفتح الحراس الباب مرة أخرى حتى الساعة الثالثة من ظهر اليوم التالي، "لم تطرق الباب بقوة كافية" قال له الحراس والأطباء وكبار الضباط، وتابعوا "كيف لك أن تدع هذا الرجل يموت؟ كيف يمكنك أن تفعل هذا!".
طبيب السجن أوضح لسلطان لاحقًا بأن رضا كان يعاني من مرض سرطان متقدم، وكان وضعه ميؤوسًا منه، ولكن مع ذلك يقول سلطان "ما زلت أعاني من كوابيس حول تلك الليلة".
الأصدقاء الثلاثة الذين اعتقلوا مع سلطان ما زالوا يقضون أحكامًا بالسجن مدى الحياة، ووالده محكوم عليه بالإعدام.
"الإضراب عن الطعام لا يعد التصرف الأكثر منطقية الذي يمكنك القيام به" يقول سلطان، ويتابع "ولكن داخل السجن، أو بالأحرى في مصر بشكل عام، كل شيء محكوم بمنطق القوة، ويمكن للسلطة أن تفعل أي شيء تريده، وهذه الأشياء لا تحتاج إلى تبرير منطقي".

العالم يصمت مجددا أمام جرائم ميليشيات الحشد الشعبي في العراق بحق السنة


العالم يصمت مجددا أمام جرائم ميليشيات الحشد الشعبي في العراق بحق السنة


خولة سليمان – التقرير

أثارت حادثة حرق شاب سني وتقطيعه بالسيف في العراق، موجة من الغضب والاستياء بين النشطاء والمغردين على موقع التواصل الاجتماعي تويتر. حيث قام المدعو “أبو عزرائيل” القيادي في “ميليشيا كتائب الإمام علي” بالقرب من سامراء، بحرق شاب سني وتقطيع لحمه بالسيف، ثم نشر مقطعًا مصورًا يوضّح ارتكاب هذه الجريمة النكراء على صفحته الرسمية من أجل تأجيج الطائفية كما يرى النشطاء.



حيث يظهر في الفيديو، القيادي “أيوب فالح حسن الربيعي” الملقب بـ”أبو عزرائيل” وهو يُقطّع أوصال شاب ادّعى أنه من عناصر تنظيم “داعش” بالسيف، بعد تعليقه من قدميه وحرق جسده وقال في التسجيل -الذي لم يتنسى لأحد معرفة تاريخ أو مكان تصويره- : “أليس هذا من النخبة الذين بعثهم الدواعش؟ فهذا ما سيحل بهم.. القص“.


"أيوب فالح حسن الربيعي" المعروف بـ”أبو عزرائيل"

المغردون أطلقوا وسمًا تحت عنوان “#حرق_سني_وتقطيعه_بالسيفاستنكروا فيه الحادث البشع ونددوا فيه بالطائفية البغيضة التي تأكل في الجسد العراقي مُخلّفة مثل هذه الجرائم التي لا يقبلها بشر.

الكاتب والإعلامي القطري “عبدالعزيز المحمود” يقول أن العالم يُعامِل هذا المجرم وكأنه بطل. ففي الوقت الذي لم تضع دولة اسمه على قوائم الإرهاب، يُقبّل رئيس الوزراء العراقي رأسه:


“زكي سفر” يتعجب من صمت نشطاء الشيعة الذين يدعون اعتدالهم على مثل هذه الجرائم البشعة:


الكاتب “عبدالله الملحم” يقول إن الإرهاب والإجرام الشيعي، لا يحظى باستنكار دولي أو إدانة من الغرب:


الأمر نفسه الذي يؤكده “د. وليد الهويريني”، حيث يرى أن مثل هذا الإرهاب يُمارس بقيادة إيران ورعاية ومباركة الغرب، ويجب التصدي له عبر تحالف أممي إسلامي:


وبدعوى كونه “داعشي لا سنّي” يقول “مناور سليمان” أن الميلشيات الموالية لإيران تقترف مذابح نكراء بحق السنة في العراق:


المغرد “بن قفيط” يتعجب من صمت المراجع الشيعية التي تتغنى بحقوق الإنسان على مثل هذه الجرائم البشعة:


ويعود ويقول بأسى أن الكلاب والحيوانات الضالة تعيش بأمان في العراق، في حين أن السنة لا يأمنون على نفس أو عرض:


أستاذ العقيدة المشارك بجامعة الملك سعود “د. محمد عبدالله الوهيبي” يقول باستهزاء إن تعريف الطائفية لدى بعض الفئات هي الصمت عمّا ترتكبه الميليشيات الشيعة من قتل وحرق واغتصاب، لذا وجب الصمت وغض البصر عن هذه الجرائم كي لا نكون طائفيين:


أما ” عبدالرحمن سعود البلي” فيرى أن الغرب هو من وضع تعريف الطائفية التي تقتضي الصمت عن قتل وتهجير واغتصاب أبناء طائفتك:


وفي الوقت الذي ينشر فيه المغردون صورًا تُظهر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وهو يُقبّل رأس هذا المجرم الإرهابي، يُطالبه مغرد بالقبض عليه فورا وتقديمه لمحاكمة عسكرية:


"رئيس وزراء العراق "حيدر العبادي" يُقبّل رأس القيادي بميلشيات الإمام عليّ "أبو عزرائيل"

الناشط اليمني “مصطفى العمراني” يسأل لماذا تخرس الألسنة عندما يكون المجرم غير سني؟


المغرد “واحد من الناس” يضرب مثلا بما تصدح به الألسنة عندما تُقترف جريمة على يد سني:


لقطة مأخوذة من المقطع المصور توضّح "أبو عزرائيل" وهو يقطع بسيفه جثة الشاب السني

وتجدر الإشارة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي ترتكب فيها هذه الميليشيات مثل هذه الجرائم البشعة، فقد قامت قبل ذلك بحرق شاب سني بمنطقة ذراع دجلة (شمال شرق الكرمة) بمحافظة الأنبار، وانتشر الخبر آنذاك تحت هاشتاق باسم  (#حرق_شاب_سني)  وكُتب عنه في صحيفة التقرير تحت عنوان إرهاب الميليشيات في العراق: أمثلة مرعبة لتوحش الإنسان



الأحد، 30 أغسطس 2015

الإخوان والفكر الثوري

الإخوان والفكر الثوري
عصام تليمة

يدور جدل في هذه الآونة، حول موقف الإخوان من الفكر الثوري، وهل هو دخيل على أدبياتها، أم أنه أصيل في مناهجها؟ وقد ذكرت من قبل: أن هناك من يظن أنه يحافظ على منهج الإخوان، وأن ما سواه دخيل عليها، بينما ستكشف له مطالعة منهج الجماعة أنه في واد ومنهجها في واد آخر، وبالعودة إلى منهج البنا والجماعة قبل السبعينيات، سيلحظ الباحث الراصد ملاحظة مهمة، أن ما بعد محنة الإخوان في سجون عبد الناصر مختلف تماما عما قبله وبخاصة في أيام البنا.

أما نظريا من حيث أدبيات البنا وموقفه من الثورة، فكتب مقالات تدور في فلك الثورة والعمل لها، والإعداد الكامل لها على كل المستويات، وبخاصة بعد تجربة الإخوان السياسية والدستورية في سوريا سنة 1947م، بترشح عدد من الإخوان في سوريا، فقد دار حوار مهم جدا أتمنى أن أجد مساحة لنشره، بين حسن البنا، ومحب الدين الخطيب، بين له فيه خطأ اعتماده التغيير عن طريق النضال الدستوري البرلماني فقط، وأنه لا بد من إعداد وتهيئة مناخ شامل لهذه الثورة والتغيير، وذلك في مقال كتبه محب الدين الخطيب تحت عنوان:
(متى وكيف يكون الحكم الإسلامي؟!)
 في مجلة (المسلمون) في السنة العدد الأول من السنة الثانية الصادر في ربيع الأول سنة 1372هـ ـ نوفمبر سنة 1952م، ص: 44 - 47.

أما ما يثار من أدبيات الإخوان من الموقف من الثورة، وأننا لسنا دعاة ثورة، فمقصود بها الثورة التي لا قواعد لها تسندها، والتي تأتي من فوق، والتي يكون عمادها قوة مسلحة فقط ليست لها خطط وبرامج وجماهير واعية تحافظ عليها، وترشد مسيرتها.

ودليل ذلك أشهر رسائل حسن البنا والإخوان، والتي لا يدخل إخواني التنظيم دون مروره عليها، وهي رسالة (التعاليم) وفي ركن العمل، يقول حسن البنا: (ومن حقها - متى أدت واجبها - : الولاء والطاعة، والمساعدة بالنفس والأموال.

فإذا قصرت: فالنصح والإرشاد، ثم الخلع والإبعاد، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق). فهل ستخلع الأنظمة بدون ثورة، أو حراك ثوري شامل؟! أي كلام يحوم خلاف هذا الكلام فهو ضرب من العبث الفكري، ولي لعنق الكلام الواضح.

وكان من منهاج الإخوان الثقافي سنة 1939م، وهو منهج تكويني لدعاة الإخوان، ولا يحق لأحد أن يكون من دعاة الإخوان إلا من اجتاز هذه الكتب بمراحلها، منها كتابان لجوستاف لوبون، وهما: روح الثورات، وسيكولوجية الجماهير. وفيها أكثر من كتاب عن تاريخ الثورات الأوروبية.

هذا بالنسبة لمناهج الإخوان الرجال، أما منهج الأخوات، فأنصح بالرجوع لرسالة مهمة هي أولى رسائل قسم الأخوات المسلمات، تحت عنوان: (مع المرأة المسلمة)، والتي صدرت في أكتوبر سنة 1947م، وورود كلمات الثورة، ضد الأنظمة السياسية والاجتماعية الظالمة بكثرة فيها، ووضوح لا يحتمل اللبس.
لقد آمن البنا بالتغيير، بما يعنيه مفردة التغيير المتاح بكل وسيلة، فسعى لامتلاك كل أدوات التغيير، فأنشأ مؤسسات مدنية تقوم بدور كبير في التغيير من القاعدة، من حيث إنشاء المستوصفات والهيئات الدعوية، والمجالات الاجتماعية وغيرها.

وعلى الإطار الآخر أنشأ هيئات أخرى تعين على التغيير من أعلى، فأنشأ حسن البنا ثلاثة تنظيمات تحت اسم (النظام الخاص) فأنشأ تنظيما يضم المدنيين، وهو (التنظيم الخاص) وكانت أهدافه كما أوضحها الشيخ القرضاوي في مذكراته ثلاثة أهداف:
1ـ محاربة الإنجليز.
 2ـ الدفاع عن فلسطين ضد اليهود.
 3ـ حماية الدعوة من أي عدوان.

وأنشأ الإخوان تنظيما داخل الجيش المصري، وهو ما كان نواة لتنظيم الضباط الأحرار، والذي أسسه الصاغ محمود لبيب، وضم فيه من الإخوان: عبد المنعم عبد الرؤوف، وأبو المكارم عبد الحي، ومن خارج الإخوان وقتها: جمال عبد الناصر، وأنور السادات، وخالد محيي الدين، والفنان أحمد مظهر.

وأنشأوا كذلك تنظيما ثالثا داخل وزارة الداخلية، وكان يسمى (قسم الوحدات) وكان مسؤوله الأستاذ صلاح شادي وكان ضابطا في وزارة الداخلية. فهل كان إنشاء الإخوان وحسن البنا لهذه الكيانات الثلاثة، لأجل قراءة المأثورات والأذكار داخل وحدات الجيش والشرطة؟! أما أنها كانت تكملة لجهود الحراك الثوري على كل الأصعدة، وهو ما ظهر في مشاركة الإخوان في ثورة 23 يوليو سنة 1952م.

ومن التجارب التي يجهلها البعض، تجربة ثورية بامتياز قام بها حسن البنا والإخوان، وفيها خلع لحاكم مستبد، وهي تجربة (الثورة اليمنية)، بما فيها من صواب وخطأ، لكن دلالاتها القوية لتفكير البنا وتوجههه، وتفكير الجماعة معه، فقد أرسل البنا كلا من: الفضيل الورتلاني، وعبد الحكيم عابدين، وعبد المعز عبد الستار، وغيرهم، إلى اليمن، بعد تواصل لفترة طويلة مع أهلها، وبلغ ظلم الإمام يحيى بن حميد حاكم اليمن مبلغا من الاستبداد والتخلف، وكان من ضمن الإخوان وقتها أحد أبنائه، مؤيدا لهم في ثورتهم، وكان من اليمنيين: عبد الله بن الوزير، والشاعر محمد محمود الزبيري، وغيرهما، وكان سبب فشل هذه الثورة: خطأ قام به إعلاميو الإخوان من باب السبق الصحفي، فنشروا خبر قيام الثورة قبلها بيوم في جريدة الإخوان المسلمين اليومية، فقامت القوى الإقليمية بإجهاضها. يراجع في ذلك مذكرات عبد الله الوزير، وغيره ممن كتبوا عن ثورة الإخوان في اليمن.

هذه لمحات دون دخول في تفاصيل، تبين بجلاء ووضوح أن الخط الثوري أصيل في جماعة الإخوان، وليس معنى ذلك أنه خط عنف أو إرهاب، بل هو خط ثوري بكل ما تعنيه وتحويه كلمة (ثورة) من مقاومة للاستبداد وعدم الاستسلام له، وإنهاء لحكمه بكل وسيلة مشروعة.


Essamt74@hotmail.com

اعتذار إلى "المزز"

اعتذار إلى "المزز"
وائل قنديل


البراميل المتفجرة بالبذاءة والقبح التي ألقيت، من القاهرة، على سيدات وفتيات بيروت المشاركات في تظاهرات واعتصامات
"ريحتكم طلعت"، ليست تعبيراً عن حالة سعار ذكورية، لا ترى في المتظاهرات إلا مجموعة من "المزز"، كما أنها لا تعبّر بحال عن عداء اصطناعي، لدى أردأ ما في الشعب المصري، تجاه الشعب اللبناني، بالكيفية نفسها التي حاول بها إعلام حسني مبارك صناعة مناخ عدائي عام بين المصريين، ضد الشعب الجزائري، لمناسبة مباراة في كرة القدم.
هي حالة عداء وكراهية، من مجموعات بعينها، ضد فكرة الثورة والتغيير والتظاهر ضد الفساد وضد الظلم، تجعلهم يهبطون إلى قاع "البهائمية"، ليغترفوا السخائم والبذاءات، ويلقوها في وجه كل من يجرؤ على هز وضعية السكون والبلادة والتكلّس التي علّمتهم حكومتهم أن يطلقوا عليها "الاستقرار".
وقد عانت النساء المصريات المشاركات في الوقفات والتظاهرات الاحتجاجية ضد الاستبداد والفساد قبل ثورة يناير وفي أثنائها وبعدها، كثيراً، من هذا الروث القيمي، وتلقين كميات هائلة من قمامة القول والفعل، صادرة من صحف ومحطات تلفزيون حكومية، ونقابات مهنية وشبكات تواصل اجتماعي.
ومنذ الوقفات الاحتجاجية على سلالم نقابة الصحافيين في العشرية الأخيرة من حكم حسني مبارك، مروراً بالتظاهرات والوقفات المصاحبة لانتفاضة عمال المحلة الكبرى، ثم الاحتجاجات على مقتل الشاب خالد سعيد، وانتهاءً باعتصامات ثورة يناير واختراع السلطة العسكرية فضيحة "كشوف العذرية"، ثم تعرية المتظاهرات وسحلهن بالشوارع، واستخدام الأسلحة الجرثومية، يتم بكثافة لضرب التجمعات المعارضة والمطالبة بالتغيير.
وما تُرمى به اللبنانيات المتظاهرات الآن سبق استخدامه بالطريقة نفسها، وربما من دون تغيير في المصادر والألفاظ، ضد وقفة شاركت فيها المصريات بكثافة، بحضور الدكتور محمد البرادعي، ضد قتل شهيد الشرطة خالد سعيد في الإسكندرية، حيث تحوّلت صحف نظام مبارك إلى منصات لإطلاق الاتهامات غير الأخلاقية، والطعن في السيدات والفتيات المشاركات.
وكما سجلت في ذلك الوقت، كان الأسوأ من المخبرين المتهمين بتعذيب خالد سعيد وقتله، العيون الوقحة التى راحت ترصد وتدقّق في تفاصيل أزياء السيدات النبيلات المحترمات، اللاتي شاركن في مسيرة الاحتجاج مع البرادعي، تلك العيون المسكونة بغباء أمني جعلها ترى في الآلاف الغاضبة مجرد مئات، ودفعها إلى أن تتحرّش صحافياً، بكل صفاقة، بمسيرة الغضب النبيل التي لم تجد فيها إلا وليمة لهواة التحرش بالنساء. هل نبكي خالد سعيد، أم نبكي على صحافة حوّلها بعضهم إلى فتاة ليل ساقطة؟
 في ذلك الوقت، أجمعت صحف الجمهورية والمساء، الحكوميتان، والوفد المسماة معارضة، على رواية واحدة ساقطة تقول "حضر د. البرداعي متأخراً عن موعده الذي كان مقرراً له قبل صلاة الجمعة، ما دفعه إلى الصلاة في مسجد سيدي جابر الشيخ، وهاجم أتباعه إمام المسجد، لأنه أطال في خطبته. الأمر الذي تسبب في إصابة البرادعي بالملل"!
وعزفت الجوقة أيضاً "البرادعي اضطر إلى التجوّل على كورنيش النيل معظم الوقت بصحبة زوجته ومجموعة من النساء اللاتي حضرن معه بملابس صارخة، لا تتناسب مع الموقف المحزن لأهالي قتيل البانجو الذين زارهم البرادعي، وقام بالتصوير في الشقة بجوار سرير الضحية كنوع من الشو الإعلامي".
وفي ما بعد، ومع اندلاع ثورة يناير، ومشاركة المرأة المصرية فيها بكثافة، تم التصويب على الاعتصامات بالأسلحة القذرة نفسها، حيث كان النهش في سيرة المتظاهرات على أشدّه، فضلاً عن إطلاق قطعان من الذئاب المتحرشة لبث الرعب في التجمعات. هذا القبح الذي طال نساء مصر سابقاً، هو الذي لحق باللبنانيات حالياً، مأخوذاً عن سينما عادل إمام التي قدمت النموذج في تسفيه التظاهر، سلاحاً شعبياً نبيلاً، من خلال احتقار المرأة، باختزالها إلى مجرد فرصة سانحة للتحرش وإقامة علاقة، في صخب التظاهرات.

الجوية الجزائرية تطرد عالم فيزياء من الطائرة بسبب العربية‮!‬

الجوية الجزائرية تطرد عالم فيزياء من الطائرة 

بسبب العربية‮!‬





البروفيسور جمال ضو كان عائدا إلى الوادي‮ ‬بعد أن شارك في‮ ‬ندوة الشروق
هذا ما قاله الدكتور جمال ضو في‮ ‬ندوة‮ "‬الشروق‮"‬
‬عبد الحميد عثماني / وهيبة سليماني
عاد من جامعة الرياض بالمملكة العربية السعودية،‮ ‬بعدما طاف لسنوات على الجامعات الفرنسية والإيطالية والأميركية،‮ ‬باحثا في‮ ‬حقل الفيزياء النظرية،‮ ‬لكنه قرّر في‮ ‬نهاية المطاف أن‮ ‬يضع معارفه الدقيقة،‮ ‬وخبراته التعليمية في‮ ‬خدمة بلاده،‮ ‬فاختار مسقط رأسه،‮ ‬لينتسب إلى جامعة وادي‮ ‬سوف،‮ ‬حيث عيّن سريعا رئيسا لمجلسها العلمي‮ ‬بحكم سيرته العالمية،‬إنه البروفيسور جمال ضو‮.‬



كان الباحث الجزائري‮ ‬الذي‮ ‬سجّل اسمه في‮ ‬الخارج بأحرف من ذهب،‮ ‬يعلم أنّ‮ ‬بعض بني‮ ‬جلدته‮ ‬يعانون من عقدة معاداة اللغة العربية،‮ ‬ومركّب النقص تجاه الإنجليزية،‮ ‬لكن لم‮ ‬يخطر على باله إطلاقا،‮ ‬أن تكلّفه الحرقة على لغته الأمّ‮ ‬في‮ ‬وطنه،‮ ‬الطرد من طائرة تابعة للخطوط الجزائرية‮!.‬

نعم هذا ما وقع بالضبط،‮ ‬حيث كان من المفترض أن‮ ‬يعود الرجل نهاية الأسبوع من الجزائر إلى الوادي،‮ ‬عند الساعة‮ ‬10‭:‬15،‮ ‬على متن الرحلة رقم‮ ‬6252،‮ ‬حيث صعد الدكتور جمال ضو الطائرة،‮ ‬لكن وبعد لحظات جاءته المضيفة،‮ ‬وبلغة فرنسية محضة،‮ ‬طلبت منه أن‮ ‬يغيّر مكانه،‮ ‬فما كان منه سوى الموافقة‮.‬

المشكلة لم تتوقف هنا،‮ ‬بل بدأت المأساة المهينة لعالم فيزياء لم تشفع له مرتبته العلمية والاجتماعية،‮ ‬حينما أقدم على تنبيه المضيفة لاستعمالها الفرنسية فقط،‮ ‬لأنها لم تنطق كلمة واحدة بالعربية أو الدارجة في‮ ‬حديثها مع المسافرين،‮ ‬فأخذ قصاصة قصيرة،‮ ‬وكتب عليها بالانجليزية الفقرة التالية‮:‬‭ "‬ليس لك الحق أن تكلميني‮ ‬بالفرنسية،‮ ‬فهذه ليست لغتي‮...‬يمكنك أن تحديثي‮ ‬بالعربية أو الإنجليزية‮... ‬عليك الاختيار‮"‬،‮ ‬وقد تعمّد توجيهها عبر الرسالة الورقية تفاديا لإحراجها أمام الركّاب‮.‬

أخذت المضيفة الورقة إلى قمرة القيادة،‮ ‬ليخرج قائد الطائرة بعد لحظات،‮ ‬ثم في‮ ‬حوالي‮ ‬عشر دقائق،‮ ‬جاء شرطيان‮ ‬يطلبان من البروفيسور ضو النزول ليتحدثوا إليه،‮ ‬فردّ‮ ‬عليهما‮: ‬لماذا لا نتحدث هنا،‮ ‬فأصرّا على هبوطه لإتمام الكلام،‮ ‬حينها قرّر النزول إلى الأسفل،‮ ‬ليسألاه عن حقيبته،‮ ‬وبعد أخذ وردّ‮ ‬بين الطرفين،‮ ‬انزعج الدكتور ضو من التصرف معه،‮ ‬على أساس أنه لم‮ ‬يرتكب أي‮ ‬مخالفة،‮ ‬فصعد مرّة ثانية للطائرة،‮ ‬وقتها لحق به ثلاثة من أفراد الشرطة وأجبروه على المغادرة مجددا،‮ ‬بعدما هدّدوه بتحرير محضر عدم الامتثال،‮ ‬وأبلغوه أنهم‮ ‬ينفذون أوامر‮ ‬يجب تنفيذها‮!.‬

وعند أسفل الطائرة،‮ ‬التقى بقائدها الذي‮ ‬قال له حرفيا‮ "‬أنه‮ ‬يرفض أن‮ ‬يقود الطائرة وهو فيها،‮ ‬لأنه‮ ‬يشكّل خطرا على سلامتها‮"‬،‮ ‬وعلّق عناصر الشرطة أنّ‮ ‬قائد الطائرة سيد قراره وهو حر،‮ ‬فردّ‮ ‬عليهم الضحية،‮ ‬أنّ‮ ‬الطائرة ليست طائرته بل طائرة كل الجزائريين،‮ ‬ورغم محاولة الشرطة لمدة قاربت‮ ‬20‮ ‬دقيقة،‮ ‬حلّ‮ ‬المسألة وديّا،‮ ‬فقد أصرّ‮ ‬قائد الطائرة على موقفه،‮ ‬لتحلّق من دونه بعدما تأخرت كثيرا عن موعد الإقلاع المحدّد‮.‬

بعد ذلك،‮ ‬اصطحبت الشرطة الباحث الفيزيائي‮ ‬إلى مقرها،‮ ‬وتم تحرير محضر إعلام،‮ ‬محتفظة بالورقة التي‮ ‬سلّمها للمضيفة،‮ ‬ووجّهته لاسترجاع التذكرة،‮ ‬لأنه لا توجد قضية أصلا،‮ ‬بدليل أنّ‮ ‬طاقم الطائرة رفض‮ ‬تقديم شكوى لوكيل الجمهورية،‮ ‬لإدراكهم عدم امتلاك أي‮ ‬قرينة إدانة في‮ ‬حق المسافر المحروم من الصعود بسبب الدفاع عن اللغة العربية‮!.‬

وهكذا منعت شركة الشعب‮ "‬الجوية الجزائرية‮"‬،‮ ‬مواطنا جزائريا برتبة عالم فيزياء من ركوب طائرتها،‮ ‬لأنه تجرّأ فسمح لنفسه بالغيرة على اللغة الوطنية،‮ ‬مع أنه‮ ‬يتقن العديد من اللغات الأجنبية،‮ ‬أهمها الانجليزية والإيطالية والفرنسية،‮ ‬ويعرف أساسيات اللغة العبرية،‮ ‬لكنه ازداد تشبثا بانتمائه حينما انفتح على العالم الآخر عبر قاراته الخمس‮.‬

وقد أثّرت هذه الواقعة الغريبة في‮ ‬نفسية الباحث الجزائري،‮ ‬والتي‮ ‬لم‮ ‬يعرف لها مثيلا في‮ ‬حياته،‮ ‬وهو الذي‮ ‬تنقل عبر مطارات العالم،‮ ‬فقرّر رفع دعوى قضائية عاجلة ضد مسؤولي‮ ‬الشركة،‮ ‬مثلما توعّد بمتابعة القضية على كافة المستويات،‮ ‬ليس للدفاع عن حقوقه المعنوية فقط،‮ ‬بل للذود عن لغة الشعب التي‮ ‬أضحت مدنّسا‮ ‬غير مصان،‮ ‬ينتهك حرمتها كل من هبّ‮ ‬ودبّ،‮ ‬غير آبه بالردع والمنع،‮ ‬طالما أن قانون تعميم استعمالها معطل من دون قرار رسمي،‮ ‬ومسؤولو الدولة‮ ‬يتنافسون في‮ ‬إظهار الولاء للغة المستعمر القديم‮!. ‬

هذا ما قاله الدكتور جمال ضو في‮ ‬ندوة‮ "‬الشروق‮"‬

ألقى الدكتور والباحث جمال ضو،‮ ‬أستاذ الفيزياء النظرية في‮ ‬جامعة الوادي،‮ ‬المهتم بشؤون التربية واللغات مداخلة له في‮ ‬ندوة‮ "‬الشروق‮" ‬التي‮ ‬نظمتها الثلاثاء الفارط،‮ ‬حول‮ "‬واقع اللغة العربية في‮ ‬المدرسة الجزائرية‮" ‬التي‮ ‬دعا فيها الفرانكفونيين إلى نزع قميص عقدة اللغة الفرنسية لأجل الأجيال القادمة،‮ ‬ورافع الدكتور من أجل اعتماد اللغة الإنجليزية لغة أجنبية أولى في‮ ‬المنظومة التربوية الجزائرية،‮ ‬كونها أضحت مسيطرة على التكنولوجيا والاقتصاد والنقاشات السياسية،‮ ‬في‮ ‬كل المؤتمرات العالمية‮.‬

وتحدث الباحث جمال ضو،‮ ‬بتفاصيل دقيقة ومقنعة عن واقع اللغات في‮ ‬الجزائر،‮ ‬مؤكدا أن الإنجليزية باتت مطلبا شبابيا لا‮ ‬يمكن تجاوزه،‮ ‬مشيرا إلى أننا نعيش‮ ‬فوضى لغوية،‮ ‬وانعدام سياسة محكمة حول تعلم اللغات الأجنبية،‮ ‬في‮ ‬ظل احتلال اللغة الفرنسية موقعها كلغة أصلية بحجة تاريخية استعمارية‮.‬

ويرى جمال ضو،‮ ‬أننا نعيش في‮ ‬الجزائر‮ "‬إرهابا لغويا حقيقيا‮"‬،‮ ‬وأن أبسط مثال على ذلك،‮ ‬هو فرض اللغة الفرنسية علينا من خلال فاتورة الماء والكهرباء والوثائق الإدارية،‮ ‬قبل أن‮ ‬يعقّب‮ "‬حان الوقت لنحتكم إلى العقل،‮ ‬نحن نعيش تجاذبا بين العواطف والبعد التاريخي‮ ‬ومستقبل الأجيال‮"‬،‮ ‬مؤكدا أنه وقف على حقائق مؤسفة في‮ ‬المؤتمرات العالمية التي‮ ‬يحضرها مثقفون وسياسيون وممثلون للمجتمع المدني‮ ‬من الجزائريين،‮ ‬أين‮ ‬يصطدمون بـ"الإنجليزية‮" ‬فينفردون في‮ ‬إحدى الزوايا باحثين عن من‮ ‬يتحدث الفرنسية أو عن الفرنسيين أنفسهم‮!‬

وبلغة الأرقام أثبت الباحث العالمي‮ ‬جمال ضو،‮ ‬أن تكريس الفرنسية في‮ ‬المدارس لا‮ ‬يتماشى مع تطور العالم،‮ ‬وأن كل الباحثين الجزائريين اصطدموا بالإنجليزية في‮ ‬مرحلة ما بعد التدرج،‮ ‬مشيرا إلى أن الكتب العالمية والبحوث تحتاج إلى عقود لكي‮ ‬تترجم من الإنجليزية إلى لغات أخرى‮.‬

وتساءل ذات المتحدث عن تعمد انتهاج اللغة الفرنسية في‮ ‬كل جوانب الحياة،‮ ‬خاصة من طرف المسؤولين في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬استوعب فيه المواطن الجزائري‮ ‬البسيط أنها لم تعد لغة العصر والتكنولوجيا،‮ ‬وخلص النقاش بينه وبين عدد من نقابات التربية،‮ ‬إلى أن الفرنسية تعدت اللغة وباتت قضية ثقافية ومرضا نفسيا نقله‮ "‬الحركى‮" ‬والعاملون لدى"الكولون‮" ‬وحتى بعض المجاهدين أنفسهم‮.‬