الثلاثاء، 30 نوفمبر 2021

نظرات وعبرات| تجريم حماس.. هل يصحح مسار القضية الفلسطينية؟

 نظرات وعبرات تجريم حماس.. هل يصحح مسار القضية الفلسطينية؟

رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية

محمود عبد الهادي

أصدرت بريطانيا يوم الجمعة الماضي 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 قرارها باعتبار حركة المقاومة الإسلامية (حماس) منظمة إرهابية، وبهذا تلحق بريطانيا بالاتحاد الأوروبي الذي أصدر يوم الثلاثاء الماضي 23 نوفمبر/تشرين الثاني قراره بإعادة اعتبار (حماس) منظمة إرهابية، بعد أن نقضت محكمة العدل الأوروبية قرار المحكمة العامة الصادر عام 2019 بحذف حماس من قائمة الاتحاد الأوروبي للمنظمات الإرهابية، التي أدرجت حماس فيها عام 2003. وكانت "منظمة الدول الأميركية" (OAC) -التي تضم 35 دولة من الأميركتين- أعلنت قراراً مماثلاً مايو/أيار الماضي إثر صواريخ حماس التي أطلقتها على الكيان الصهيوني في معركة "سيف القدس". فما الآثار المترتبة على هذه القرارات؟ وهل يمكن أن تدفع هذه القرارات حماس إلى تعجيل الخطى باتجاه تصحيح مسار القضية الفلسطينية؟ أم أن القرارات ستزيد من مأزق حماس الإقليمي والدولي؟

القاصي والداني يعلم أن حركة حماس تمثل حركة الإخوان المسلمين في فلسطين، وأن حركة الإخوان المسلمين منذ عدة سنوات تقع في بؤرة الاستهداف الصهيوني والعربي والدولي، وأن الظروف الاستثنائية التي تعيشها حماس حاليا في قطاع غزة لا تجعلها خارج نطاق هذا الاستهداف.

تداعيات قرارات اعتبار حماس منظمة إرهابية

من الواضح أن تزامن هذه القرارات في العام الجاري لم يكن مصادفة، والرابط الوحيد بينها هو رد فعل هذه الدول على موقف حماس في معركة القدس، وهذه القرارات سيكون لها آثار وتداعيات كثيرة على حماس في عديد من المجالات، خاصة السياسية والاقتصادية والتنظيمية:

أولا: سياسيا

  1. ستفقد حماس مساحة جغرافية كبيرة كانت تتحرك فيها تشمل نحو 70 دولة غربية ولاتينية، لكسب التأييد وتوضيح المواقف وفضح ممارسات الكيان الصهيوني.
  2. ستفقد حماس كثيرا من دعم أتباعها ومؤيديها من الفلسطينيين والعرب المقيمين في هذه البلدان، ومن المتضامنين معها من مواطنيها، بسبب خشيتهم من الوقوع تحت طائلة قوانين الإرهاب، التي تجرم كافة أنواع الدعم والتأييد للمنظمات والكيانات المدرجة في قوائم الإرهاب.
  3. ستتوقف المسيرات الشعبية العارمة المناصرة لحماس والقضية الفلسطينية التي كانت تخرج في عديد من هذه البلدان -خاصة في بريطانيا- وكذلك الحال بالنسبة للفعاليات التضامنية التي كانت تنظمها المؤسسات المدنية المؤيدة لحركة حماس والقضية الفلسطينية.
  4. ستخسر حماس علاقاتها مع الأحزاب السياسية والشخصيات البرلمانية والنخبوية المؤيدة لحماس والقضية الفلسطينية، والمعارضة لممارسات الكيان الصهيوني، وفي مقدمة هذه الأحزاب حزب العمال البريطاني.
  5. ستخسر حماس الحملات التضامنية التي كانت تصل إلى قطاع غزة عن طريق البحر والجو.
  6. زيادة التنسيق الأمني الغربي مع الدول العربية المعادية لحماس، لتشديد الخناق عليها، وإخضاعها لمخططاتهم الجديدة الخاصة بالمنطقة العربية عامة والقضية الفلسطينية خاصة.
  7. زيادة الحرج الواقع على الدول العربية والإسلامية والأفريقية والآسيوية التي تتعاون مع حماس وتستقبل وفودها وتسمح بأنشطة وفعاليات مؤيدة لها، مثل قطر والمغرب وموريتانيا والكويت وعُمان وتركيا وإندونيسيا وباكستان وجنوب أفريقيا.
  8. تضييق الخناق على حركة وفود حماس وقياداتها في دول العالم، وصعوبة سفرهم باعتبارهم شخصيات إرهابية.
  9. تشجيع الدول التي تفكر في التطبيع مع الكيان الصهيوني، للاستعجال في ذلك وقطع علاقاتها مع حماس، وإدراجها في قائمة المنظمات الإرهابية.

ثانيا: اقتصاديا

  1. تجميد أنشطة وحسابات المؤسسات الخيرية والتجارية المسجلة بأسماء أشخاص معروفين بانتمائهم لحماس أو بتأييدهم لها وتضامنهم معها.
  2. توقف المساعدات الإنسانية التي كانت تصل إلى قطاعات غزة مباشرة بالتنسيق بين مؤسسات المجتمع المدني في هذه الدول وبين حماس.
  3. وقوف هذه الدول إلى جانب الكيان الصهيوني في تشديد الحصار الاقتصادي على حكومة حماس في قطاع غزة.
  4. زيادة عجز موازنة حكومة حماس في قطاع غزة.

ثالثا: تنظيميا

من المتوقع كذلك أن تؤثر هذه القرارات على حركة حماس في الجوانب التالية:

  1. لجوء القسم الأكبر من المنتسبين للحركة إلى العمل السري، وعدم التصريح بانتمائهم للحركة، خاصة أولئك الذين تضطرهم مصالحهم إلى السفر عربيا ودوليا.
  2. احتداد النقاش في أروقة الحركة بين التيارات المختلفة بحثا عن حلول عملية ناجحة للتعامل مع هذه القرارات، وإفرازاتها الحالية والمستقبلية.
  3. حدوث خلافات بين قيادات الحركة حول الأشخاص والأحداث المتسببة في هذه القرارات، والخسائر التي قدمتها حماس بسبب ذلك، وقد تؤدي هذه الخلافات إلى إشكالات تنظيمية بنوية لم تكن في الحسبان.

أزمة حماس الكبرى

أثارت هذه القرارات من جديد الحديث عن الأزمة الحقيقية التي تواجهها حركة حماس، والتي يحب البعض القفز عنها، تحت ذرائع ومبررات عمومية غير محددة، وتتجلى جوانب هذه الأزمة -من وجهة نظرنا- في 5 جوانب رئيسية، كما يلي:

  • الفشل الفلسطيني المتواصل في ترتيب البيت الفلسطيني، والاتفاق على برنامج تحرر وطني مشترك؛ هذا الفشل يصبغ المشهد السياسي الفلسطيني بأكمله داخليا وخارجيا، ويقدم المبررات المنطقية لجميع الأطراف المتحالفة مع الكيان الصهيوني عربيا ودوليا، لتفعل ما تريد.
  • السياق الدولي والإقليمي الراهن، الذي يشهد عملية تنفيذ خطط تحويلية متعددة المستويات والمجالات، سياسية واقتصادية وتنموية وتقنية؛ فهذا السياق لا مكان فيه لحركات وتنظيمات الإسلام السياسي، ومن بينها حركة حماس بفكرها الحالي.
  • أن التصور الحالي الذي تسير فيه القضية الفلسطينية منذ عشرات السنين -القائم على حل الدولتين- إنما هو حل وهمي لا يمكن أن يتحقق.
  • أن القاصي والداني يعلم أن حركة حماس تمثل حركة الإخوان المسلمين في فلسطين، وأن حركة الإخوان المسلمين -منذ عدة سنوات- تقع في بؤرة الاستهداف الصهيوني والعربي والدولي، وأن الظروف الاستثنائية التي تعيشها حماس حاليا في قطاع غزة لا تجعلها خارج نطاق هذا الاستهداف.
  • أن حماس -حتى الآن- تمتلك برنامج مقاومة، وليس لديها برنامج سياسي واضح ومحدد بأطر زمنية محسوبة يراعي الظروف الموضوعية الداخلية والخارجية للقضية الفلسطينية: الفلسطينية والصهيونية والعربية والإسلامية والدولية. كما أن برنامج المقاومة لن يحسم الصراع عسكريا مع الكيان الصهيوني، ولن يقدم حلا للقضية الفلسطينية يوقف معاناة الشعب الفلسطيني، ويحقق له التطلعات التي طال انتظاره إياها.

الدولة الواحدة وتحويل الأزمة إلى فرصة

هذه الجوانب الخمسة الاستشكالية تحتم على حركة حماس أن تعيد حساباتها، وتعمل على ترتيب أولوياتها، وتمرحل أهدافها، وأن تلتف على الجدار بدلا من الاستمرار في مناطحته بغية أن ينهار، كما أن تعاملها مع هذه الجوانب بالطرق التقليدية أو بدبلوماسية الممكن والمتاح لن يمكّنها من النجاح في التغلب على النتائج التي أفرزتها -وستفرزها- قرارات إدراجها ضمن قوائم المنظمات والكيانات الإرهابية، وهذا يعيدنا من جديد إلى ما سبق أن طرحناه في هذه الزاوية، ونعيد التذكير به -من جديد بمناسبة هذا المأزق- كونه حلا مثاليا للخروج من هذا المأزق وتحويل الأزمة إلى فرصة، وذلك بالعودة إلى خيار الدولة الواحدة للشعبين الفلسطيني واليهودي في فلسطين.

  • فحل الدولة الواحدة هو الأمر الوحيد الذي سيعيد خلط الأوراق وإعادة حسابات جميع الأطراف الفلسطينية والصهيونية والعربية والدولية من جديد.
  • فحل الدولة الواحدة هو الأمر الوحيد الذي يحرج الكيان الصهيوني أمام المجتمع الدولي والشعوب الديمقراطية في العالم، ويقضي على فكرة الكيان العنصري، وهو الأمر الذي سينسف المشروع الصهيوني من أساساته.
  • حل الدولة الواحدة هو الأمر الوحيد الذي يصلح ليكون المشروع الوطني المشترك الذي تلتقي عليه جميع القوى الفلسطينية، والقادر على إنهاء الانقسام بين السلطة الفلسطينية وحماس.
  • حل الدولة الواحدة هو الأمر الوحيد الذي سينهي مشروع أبراهام، وسباق التطبيع المحموم الذي تقوم به بعض الدول العربية مع الكيان الصهيوني.
  • حل الدولة الواحدة هو المشروع السياسي الجاهز القادر على فتح جميع الأبواب أمام حركة حماس، وإلغاء كافة التصنيفات الظالمة والعقوبات المترتبة عليها.
  • حل الدولة الواحدة هو الحل الوحيد الواقعي القابل للتحقيق، والقادر على وضع حد لمعاناة الشعبين الفلسطيني واليهودي.

برنامج: تأمـــــلات الخنساء "بكّاءةِ بني سليم".

 برنامج: تأمـــــلات

الخنساء "بكّاءةِ بني سليم".



تعرف على قصة المثل.. "كالمستجير من الرمضاء بالنار"

شرحت حلقة (2021/11/30) من برنامج “تأملات” المثل العربي “كالمستجير من الرمضاء بالنار”؛ إذ يضرب هذا المثل لمن يعدل عن أمر فيه مشقة عليه أو خطر أو نحو ذلك إلى ما هو أسوأ.

وأوضحت الحلقة أن المثل يُضرب في الشخص الذي يعدل إلى أمر يظن أنه أهون من الأول، وأنه يصلح أن يكون بديلا عنه، فإذا به قد وقع في أمر أشد من سابقه. فهذا كمثل الذي كان واقفا في الرمضاء -وهي شدة الحر- فأراد أن يحمي نفسه منها، فاستجار بالنار. والرمضاء من الرمض وهو التراب الحار، ومنه سمي شهر رمضان، لأنه جاءهم في شدة الحر.

وأوردت المصادر قصتين لهذا المثل بالمعنى ذاته:

فيقال إن أصل المثل قصة البرجمي مع عمرو بن هند؛ حينما كان البرجمي جائعا وشم رائحة اللحم، فظن أنه طعام فذهب إلى الجهة التي تنبعث منها رائحة الشواء، فوجد الملك يحرق أناسا، فكمل بالبرجمي عددهم. فصار فيه المثل: "إن الشقي وافد البراجم". وهذا المثل أيضا كما قال الشاعر:

المستجير بعمرو عند كربته  كالمستجير من الرمضاء بالنار

ويقال أيضا إن أول من قيل فيه هذا المثل هو كليب وائل بن ربيعة حين مر عليه عمرو بن الحارث، ووجد فيه رمقا من طعنة رمح، فاستسقاه كليب، فألوى عليه الحارث فأجهز عليه.

وضمّت حلقة "تأملات" فقرات متنوعة، منها: لغتنا البليغة، وأصل الكلمة، وفرائد الأبيات، وأقوال مأثورة، وفصيح العامة، وتأملات لغوية، ووقفات، وأخطاء شائعة، كما عرّفت بالشاعرة الخنساء التي اشتهرت بـ"بكّاءةِ بني سليم".

7 علامات تدل على أنك تسير في الاتجاه الخاطئ

 7 علامات تدل على أنك تسير في الاتجاه الخاطئ

عبدالرحمن المعيذر
@Abdulraman9


هناك سبع علامات تدل على أنك تسيير في الاتجاه الخاطئ ؟وهي كالآتي :


1️⃣- لست أنت من يتخذ قراراتك

لا يجب أن تتحول حياتك إلى تقليد لحياة الآخرين، فحياتك يجب أن تعيشها بكل تفاصيلها ولحظاتها وبكل ألمها وأن تتخذ القرارات الحاسمة بنفسك سواء العاطفية أو العملية .

2️⃣- لا تنظم أوقاتك وأولوياتك

حاول التوفيق دائماً بين شغلك وحياتك الخاصة .

3️⃣- جهدك لا يأتي بنتائج
إذا وجدت بأن نتائجك صفر من المجهود المضني الذي تقوم به فيجب عليك إعادة النظر في الطريقة التي تعمل بها .

4️⃣- لا تنهي مشاريعك بالوقت المطلوب
حسب دراسات في علم النفس أكدت بأن العقل البشري غالباً ما يميل إلى تذكر الأشياء التي لم ينهيها، فتبقى عالقة في الذهن، مما يسبب تشویشاً .

5️⃣- تختار دائما الطريق السهل
لا تختر الطريق السهل لأن نتائجه دائماً تكون محدودة، اسع دائما إلى المغامرة والاجتهاد والابتكار، فكل الناجحين
حول العالم يتميزون بالمغامرة والمثابرة.

6️⃣-جعلت من حياتك قصة درامية حزينة

لا تجعل من حياتك قصة درامية،مليئة بالأحزان التي لاتنتهي ابدا

7️⃣- تهتم بمن لا يهتمون بك
إذا وجدت بأنك تخصص وقتا أطول بالاهتمام بأشخاص معينين، في حين أنهم لا يبادلونك نفس الشعور، أو
أنك تضع لهم مكانة خاصة في قلبك لا يضعونها هم، فالأفضل لك محاولة إعادة النظر في علاقتك هذه .

دروس منزوية في قصة مشهورة

 دروس منزوية في قصة مشهورة

المؤرخ [م. محمد إلهامي]
 باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية
استغرب بعض القراء من مقال العدد الماضي الذي تحدث عن شذرات من مجد المرأة المسلمة بعد سقوط الأندلس، وعاد البعض إلى المقال القديم "سيوف الإسلام الخفية" الذي يروي دور المرأة المسلمة في إسلام المغول وملوكهم، وذلك أن ثبات الرجال الأشداء في ميادين النكبة الرهيبة أمرٌ عزيزٌ نادر، فكيف بالمرأة الضعيفة المقهورة!

على أن هذا لا ينبغي أن يُستغرب، ففي كتابنا الكريم ضرب الله مثلا للذين كفروا بامرأتين: امرأة نوح وامرأة لوط، وكيف أصرتا على الكفر وهما في بيت النبوة، وأحدهما –وهو نوح- من أولي العزم من الرسل ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، والآخر بلغت امرأته أنها كانت تدُلُّ قومها على أضياف زوجها كما جاء في بعض التفاسير، أي أنها كانت محنة فوق محنة قومها، وقد كنتُ سألت بعض إخواننا المختصين في التفسير: ما السر في أن القرآن الكريم يحرص على ذكر امرأة لوط ضمن المشمولين بالعذاب مع قومها مع أنه لا يذكر امرأة نوح إذا جاء ذكر الطوفان الذي أغرق قومها، فأجابني بقوله: أظن أن ذلك لكون امرأة لوط كانت عونا لقومها على زوجها.

وكذلك لما ضرب الله مثلا للذين آمنوا ضربه بامرأتيْن: امرأة فرعون ومريم بنت عمران، والأولى منهما آمنت بالله وكفرت بأطغى جبار في التاريخ على الإطلاق، كفرت بالرجل الذي خضعت له الممالك والرقاب وتلقب بالرب الأعلى {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24] والإله الوحيد {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38]، وقد صمدت لعذابه حتى لاقت ربها!

ويصلح هذا لموضوع السطور التالية، وهو عن امرأة أيضا ضربت مثلا عجيبا في الصبر والثبات، وقد أكرمها الله بكرامة لها ظلت خالدة تُروى إلى أن تقوم الساعة.. تلك هي ماشطة ابنة فرعون!

وقصتها، كما في الحديث، أنها كانت تُمَشِّط شعر ابنة فرعون (كوافيره بالمصطلح المعاصرة) فسقط منها المشط، فتناولته وهي تقول "باسم الله" فقالت ابنة فرعون: أبي؟ فقالت الماشطة: لا، بل ربي وربك ورب أبيكِ. فأخبرت الفتاة أباها فرعون، فألقى القبض عليها وعلى أبنائها معها، وشرع في التحقيق: ألكِ ربٌ غيري؟ فقالت: ربي وربك الله. فشرع في التعذيب، فأمر بوعاء كبير من النحاس، فأحماه بالنار (وبعض الأخبار تذكر أنه ملأه زيتا، حتى صار الزيت يغلي)، ثم أمر بأن يلقى ولدها فيه، فظلت على موقفها، ثم الثاني ثم الثالث حتى انتهى إلى طفلها الرضيع فانخلع قلبها عليه فكأنها ترددت، فأنطق الله الصبي فقال لها: يا أماه اصبري فإنك على الحق.

وبداية الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في ليلة الإسراء والمعراج مرَّ برائحة طيبة، فسأل عنها جبريل، فأخبره أنها ماشطة بنت فرعون، وذكر قصتها.

وفي هذه القصة درس ظاهرٌ يتذكره الناس ويُذَكِّرون به، وفيها دروس منزوية نحاول أن نلفت النظر إليها.

فأما الدرس الظاهر فهو هذه القوة الإيمانية النفسية الرهيبة التي سكنت قلب هذه المرأة، تلك التي كان لها العذر في أن تسكت وتكتم وتنطق بالكفر وقلبها مطمئن بالإيمان، لكنها اختارت موقف العزيمة، وأي عزيمة؟! إنها مواجهة الفرعون الرهيب الجبار الذي يرتعد له آخر من في المملكة والذي لم تنتهي آثار طغيانه من نفوس بني إسرائيل بعد عشرات السنين من مهلكه أمام أعينهم!

ولو أنها واجهته بنفسها وحسب لكانت مثالا نادرا، فكيف وقد رأت احتراق أبنائها أمامها واحدا بعد الآخر، وشاهدت بعينها تفحم أجسادهم وسمعت بأذنها صراخاتهم وشمت بأنفها رائحة شواء جلودهم واحتراق لحومهم وعظامهم، هذا والله موقفٌ هائل لا يكاد يبلغ المرءُ القدرةَ على أن يتصوَّره في نفسه وأن يتمثله في عقله وخياله، فكيف بالتي واجهته حقا وحقيقة! ثم لم تتراجع!!

الموقف في ذاته موقف عظيم ضخم، وهو حين يُروى في أيامنا هذه موقف أعظم وأضخم، فإننا نشاهد هوان الدين على نفوس المسلمين، ونرى الشكوك والتردد يغزو قلوب أبناء المسلمين بأدنى شبهة ولأدنى شهوة وبأقل الضغوط. مع من فينا –والحمد لله- من الصابرين الصامدين الثابتين الباسلين الذين فقدوا أبناءهم في حروب ومظالم كثيرة، ولكنهم القلة، ثم يبقى فارق الاختيار وفارق المواجهة وفارق الصبر عظيما وضخما لصالح ماشطة بنت فرعون.
فما أجدر المسلم أن يتذكر كل حين هذه المسلمة وأمثالها، فيستعين بأخبار ثباتهن على ما هو فيه من المحنة، ويأخذ من صبرهن قبسا على أيامه وبلائه حتى يلقى الله.

وأما الدروس المنزوية التي تخفى على أغلب الواعظين، فمنها:

1. نفسية الجبار الطاغية، إن الرجل الذي دانت له الألوف وعشرات الألوف في عرض البلاد وطولها ارتاع وانزعج لأن امرأة لا قيمة لها في مُلكه انطوت في قلبها على عقيدة تناقض إرادته، ولم يُعرف رفضها هذا إلا بفلتة لسان عابرة، كان يمكنه أن يتجاهل ويتغافل، فلا قتل هذه المرأة يزيد في أمجاده ولا بقاؤها يخصم من هيبته، فلا مماتها سيُروى في أخباره ولا حياتها ستُنْقِص من دولته، ومع هذا لم تسمح نفسه أن يوجد في زاوية ما من مملكته من يعارض إرادته ولو سرًّا! فأفرغ لهذا وقتا من وقته وقدَّمها على شؤون السياسة والحكم كأنما إيمانها المكتوم هذا أمرٌ أخطر وأكبر.

ثم كان من قسوته أنه لم يذهب إلى قتلها وعقوبتها، بل أراد لها أن تتوب وتندم وترجع وتعترف له بالربوبية والألوهية، وقد كان يمكن له أن يقتلها بعد أن يعذبها فيشفي رغبة ثأره ويجعلها عبرة ومثلا، لكنه لم يفعل، لعله لو فعل هذا لبقي شعوره بالهزيمة أمامها كما هو، وبقي إيمانها في صدرها كما هو، إنما أراد أن تعلن هي إيمانها به وكفرها بالله، وأن ترجع هي بنفسها ولسانها عما تعتنقه في قلبها، ولهذا جاء بأولادها ليحرقهم أمامها واحدا تلو الآخر!

لم يكن في قلبه شيئ من الرحمة بهؤلاء الصبية الذين يحترقون انتقاما من إيمان أمهم، كان مشهدهم وهم يحترقون أقل من شهوته أن يرى خضوع أمهم ورجوعها. وكفى بهذا قسوة وغلظة وطغيانا!

يجب على المرء فينا أن يراقب نفسه وطباعه، فإن انطواء النفس على القسوة قد يصل بالمرء إلى هذه الطباع الوحشية، وإن تعلق المرء بالمنصب والنفوذ والقوة وإرادته أن يخضع الناس له قد تورثه مثل هذه الطباع التي تحمله على ارتكاب أمور بهذه البشاعة، وإن كل صاحب سلطة مهما صغرت مُعَرَّضٌ لخصلة من خصال الفرعونية بقدر ما له من النفوذ، ونحن نرى هذا بأعيننا كما نشعر به في نفوسنا، فحتى الموظف الصغير يجد لذة في تحكمه بورقة أو بختم أو بتوقيع، فكيف بمن فوقه؟!

2. ومن الدروس كذلك نفسية الخاضع للفرعون، إنه هذا المجهول الحاضر في القصة، الغائب باسمه وشخصه الماثل بفعله وأثره، هذا الجندي الذي كان ينفذ أمر الفرعون فيلقي بالصبي في القدر المحميّ أو الزيت المغلي، يسمع أمر الفرعون فيطيع دون تردد ولا نقاش.

هذا التابع المطيع، الذي رافق قصة فرعون من أولها إلى آخرها، كان في أولها يهجم على البيوت فإذا رأى المولود ذكرا ذبحه تنفيذا لأمر الفرعون، وكان في منتصفها يرى معجزة موسى وإيمان السحرة به فينفذ أمر فرعون بتعذيبهم وقطعهم، ثم هو في آخرها يرى المعجزة الكونية الهائلة ويشهد بعينيه انفلاق البحر لموسى لكنه مع ذلك لا يؤمن بل ولا يتوقف ولا يفكر، إنما يسمع لفرعون ويطيعه ويخوض وراء البحر حتى يغرق معه!

هذا الجندي الفرعوني المحترف، الذي ينفذ الأوامر كما تصدر إليه، يحذف عقله ومشاعره معا، لا يهتز قلبه لمرأى الطفل المرعوب إذ ينزعه من يد أمه، ولا لصراخه إذ يرفعه إلى القدر، ولا لاحتراقه بعد أن يقذفه فيها.

فهذا أسوأ المراتب وأحط المنازل، فقد خلا من عقل الفرعون، وخلا من فطرة الإنسان، وانهار ليكون أداة القتل والتعذيب.. فلا حول ولا قوة إلا بالله، ونسأل الله لنا ولكم النجاة من هذه المصائر.
نشر في مجلة الممجتمع، ديسمبر 2019

الاثنين، 29 نوفمبر 2021

علموني من تواضعكم !!..

 علموني من تواضعكم !!..

 الكاتب/ يحيى بن حمد الناعبي

عالم رباني جليل أعطاه الله من فيض علمه وأكرمه بصفات وسجايا يتحدث عنها القاصي والداني وذاع صيته في هذا الكون الواسع، متواضع مع الصغير قبل الكبير، يمثل رمزا من رموز التواضع، بل أنني أجزم قطعا وبدون أدنى شك بأنه لا يوجد له شبيها في التواضع لأنه هو التواضع بعينه إسما ومعنى.

علموني من تواضعكم !!..


مدير مدرسة متفاني أيما تفاني ومخلص أيما إخلاص، سخر
 
جل حياته لأجل مدرسته ولأجل أبنائه الطلاب ولأجل

 إخوانه المعلمين ولأجل أولياء الأمور وكل غيور محب

 لمدرسته وتعدى ذلك الإخلاص والتفاني أبناء بلدته وجيرانه

 ولم يدخر جهدا في سبيل العلم والدين فكان غيورا على دينه

 حريصا على أداء الفرائض الخمس جماعة في المسجد

 فتجده كثير الخطى إلى المساجد يسابق الريح المرسلة في

 الذهاب إلى الصلاة ويقضي أوقاتا كثيرة في المسجد فيكون

 آخر الخارجين من المسجد مستثمرا وقته في الصلاة

 والدعاء والذكر حتى آخر نفس من حياته رحمه الله تعالى.

علموني من تواضعكم !!..

صديق لي أعطاه الله مالا كثيرا ووهبه علما واسعا ورزقه

 الله محبة الناس بكثرة ما ينفق في سبيل الله تعالى من أجل

 اليتامى والمستحقين داخل الدولة وخارجها ووهب جل

 حياته لخدمة هؤلاء الناس وهذه الفئة المستضعفة أردت أنا

 أناديه يا شيخي العزيز فقال لي نادني يا عمي فأنا أرتاح

 لسماعها منك فأصبحت أناديه يا عمي ونعم العم ونعم

 المتواضع ونعم الأخلاق ذلك الرجل.

علموني من تواضعكم !!..

جار عزيز ذو أخلاق عظيمةً محب للخير مصاحب للعلماء

 والعظماء مسخر جل حياته في خدمة الناس وعلاج الناس

 بالقرآن الكريم، تعلمت منه الكثير والكثير، علمني كتابة

 المقالات وشجعني على كتابتها والاستمرار فيها فهو معلمي

 وأستاذي وشيخي ولكنه يناديني أستاذي تواضعاً وكرماً منه.

علموني من تواضعكم !!..

معلم أول رياضيات ذو علم وافر في مادته مطلع على جميع

 حيثياتها وأدق تفاصليها مخلص في عمله محب للعلم مطورا

 لذاته متفان في تعليم أبنائه شغوف بها لا يكفيه تعليم أبنائه

 في الغرفة الصفية بل يتبعها بدروس أخرى عبر المنصة

 التعليمية ومنصات التواصل الأخرى وما يأسرك فيه

 تواضعه العظيم وتود أن تجلس معه لفترات طويلة وتستقي

 من معين علمه وأخلاقه.

علموني من تواضعكم !!..

مدير مركز تجاري في ولايتنا العامرة يستقبلك بابتسامته

 المشرقة ووجهه السمح، يرتاح له الصغير قبل الكبير، وأخ

 عزيز عملت معه لسنوات طويلة في اللجنة الإجتماعية

 تعلمت منه الكثير والكثير وهو في قمة التواضع والإنسانية

 التي لا تحدها حدود.

علموني من تواضعكم !!..

مدير عام في إحدى الوزارات الخدمية ذو علم وأخلاق

 عالية، قمة في التواضع، يمثل القدوة الحسنة لكافة

 الموظفين، يصل باكرا إلى عمله ويخرج متأخرا في كل يوم

 هكذا ديدنه وهذه أخلاقة التي تعلوا الجبال السامقات.

هذا غيض من فيض مع من عشت معهم أجمل لحظات

 حياتي وكان سر سعادتي في هذه الحياة الدنيا وأرجو الله

 تعالى أن يجمعني بهم في الفردوس الأعلى من الجنة.

وفي الختام أقول للجميع : (علموني من تواضعكم)..

عرض كتاب “كيف نكتب التاريخ الإسلامي؟”

 عرض كتاب “كيف نكتب التاريخ الإسلامي؟”


يختلف تفسير التاريخ بحسب عقيدة الناظر اليه، وتاريخ كل أمة هو مجدها وسيرتها التي تريد استمرارها. وتشويه التاريخ الإسلامي مقصود، ومقصود أيضا قطع الأمة عنه الى تاريخ الوثنيات..!

التعريف بالكتاب

تأليف: محمد قطب

الناشر: دار الشروق

الطبعة: الأولى، 1412 هـ – 1992 م

عدد الأجزاء: 1

عدد الصفحات: 261

مقدمة

إن التاريخ الإسلامي هو تاريخ حياة أناس مسلمين لهم دين وعقيدة، وهي كانت الدافع في كل سلوكياتهم وهي منطلق تحركاتهم وأعمالهم محكومةً بما يعتقدون. وما الفتوحات الإسلامية التي قاموا بها بهدف نشر الإسلام وهداية الخلق إلا دليل على ذلك؛ وإلا لماذا لم يقوموا بها قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وكل الظروف المتوفرة بعد البعثة كانت متوفرة قبلها؛ فلا جديد إذن من حيث الإمكانات المادية .

وعلى هذا الأساس ينبغي أن تنطلق دراسة التاريخ الإسلامي. والتعامل مع الأحداث والوقائع وتفسيرها ينبغي أن يكون بميزان الشرع الإسلامي؛ فنقول أن هذا السلوك أو هذه الحرب، أو هذا الحكم وافق الشرع أو لم يوافقه. أما أن نحكم عليه انطلاقا من خلفيات غير إسلامية فهذا غير صحيح.

فمثلا تاريخ أوربا ـ خاصة العصر الحديث والمعاصر ـ قام على أساس العامل الإقتصادي، وحروبها وصراعاتها كانت بهدف إقتصادي، سواء “البورجوازية” ضد النبلاء والإقطاعيين، أو “البروليتاريا” ضد “البورجوازية”؛ فإذا فسرنا تاريخها وحكمنا عليه انطلاقا من المنهج المادي نكون أقرب إلى الصواب.

وبما أن “التاريخ الإسلامي” هو تاريخ “المسلمين”، فإن تقسيم مراحله ينبغي أن يكون حسب قوة المسلمين أو ضعفهم، ومدى تطبيق شرع الله في الأرض أو عدم تطبيقه.

وفي هذا الصدد وضع الأستاذ “محمد قطب” في كتابه : “كيف نكتب التاريخ الإسلامي”  تقسيما للتاريخ الإسلامي؛ حيث قسمه إلى أربعة مراحل كبرى:

البعثة وصدر الإسلام ـ المد الإسلامي ـ تراجع المد الإسلامي ـ الصحوة الإسلامية.

منهج إسلامي لكتابة التاريخ

الواقعة التاريخية حادثة مفردة تقع مرة واحدة ثم تنقضي ولا تتكرر. وإذا كان الباحثون والمؤرخون يتفقون على وقوع الحادثة فإن تفسيرهم لها وتعليلهم لأسبابها ودوافعها يختلف باختلاف المنهج الذي ينتهجه كل منهم، متأثراً في ذلك بعقيدته وتكوينه الفكري والثقافي، وتصوراته التي ينطلق منها في النظر للـ “الحياة البشرية”، ودور “الإنسان” في هذه الأحداث.

ولذلك كانت الدعوة إلى كتابة التاريخ البشري كله:

“من زاوية الرصد الإسلامية التي تقيس الإنجاز البشري بالمعيار الرباني، أي بمدى تحقيق الإنسان لغاية وجوده التي خلقه الله من أجلها؛ لأن هذا التاريخ يقدَّم لنا من زوايا تختلف اختلافاً جذرياً عن زاوية الرصد الإسلامية، فلزم أن نعيد كتابته ليتناسق مع الرؤية الإسلامية المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، فتكون لنا وحدة في التصور تتناسب مع كوننا مسلمين”.

ولئن كان ذلك ضرورياً بالنسبة للتاريخ البشري عامة ـ خارج نطاق الأمة الإسلامية ـ فإن الضرورة أشد والحاجة أكثر دينياً ومنهجياً لإعادة كتابة التاريخ الإسلامي خاصة.

وكتاب (كيف نكتب التاريخ الإسلامي؟) يتضمن الصورة الأخيرة لتفكير الأستاذ “محمد قطب” في موضوع كتابة التاريخ الإسلامي، ويقدم منهجاً إسلامياً وإطاراً للفكرة ذاتها. وهو يشعر جيداً ـ منذ البداية ـ بضخامة هذه المهمة وخطرها، ومدى الجهد اللازم لإنجازها؛ فهي أضخم من أن تكون جهد أفراد متفرقين في جيل من أجيال المسلمين، إنما تحتاج إلى جهد جماعي منظم تقوم به مؤسسات متخصصة على مدى قد يمتد بضعة أجيال.. ومع ذلك فلابد من القيام بهذا العمل، رغم المشقة البالغة فيه، لأنه ما من أمة تستطيع أن تعيش بلا تاريخ ممحص محقق ميسر التناول على جميع المستويات..

أهم الافكار التي تناولها هذا الكتاب بالرد

* الرد على فكرة أن الإسلام قد استنفذ أدواته وأنه لا نستطيع تطبيقه بعد فترة “الخلفاء الراشدين”.

* بيان أن هذا الدين على كل مثالياته نظام واقعي قابل للتطبيق مفصل من لدن حكيم خبير ليكون واقعاً معاشاً في الارض، لا ليكون شعارات.

وهذه الأمة ـ بالتحديد قرونها المفضلة الأولى ـ قامت بتطبيق مثالي لهذا الدين في عالم الواقع فارتفعت الى عالم المثل مع بشريتها الكاملة.

* الرد على فكرة أن الدين علاقة بين العبد والرب، محلها القلب، ولا علاقة لها بواقع الحياة.

* رفض التركيز على التاريخ السياسي للمسلمين ـ خاصة بعد فترة صدر الإسلام ـ على حساب باقي المجالات الحياتية الإسلامية: العقيدية، الفكرية، الحضارية، العلمية، الاجتماعية. والاقتصار عليه في عرض التاريخ يعطي صورة مشوهة!

* بيان خطأ التركيز في حضارة الإسلام على الزخارف والعمارة والمسكوكات. وبيان أنها هي ليست أثمن ما في الحضارة، ولكن كل هذا يكمل الصورة ويضع التفاصيل على الأطر القائمة لتنبض بالحياة.

* أن التوحيد هو النعمة الكبرى التي أضفاها الله على هذه الأمة، وهو الهدف الأكبر الذي أُخرجت هذه الأمة من أجله، وكُلفت بنشره في الأرض؛ التوحيد بمعناه الكامل الشامل الذي يعمل في مساحة واسعة تشمل الحياة كلها.

* فلسفة ومنهج دار الأرقم في التعليم وكيف يؤدي الى رفعة النفس وانطلاقها للبناء والانضباط بالضوابط الربانية وتوجيهه الطاقة كلها لله. وكيف كانت تلك النفوس توجهه إلى الله.

* وستقرأ أيضاً إجابة واضحة للسؤال: هل التخلف من طبيعة الإسلام؟

* وستتعلم كيف تقيم الحضارات.

* وهل هناك ذاتية للمسلم أكثر من إسلامه؟

* ستتعلم أيضاً كيف تطبق هذه الآية: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾ وذلك حين تستقيم الأمة على دين ربها، وتجاهد في نشر دعوته تكون بالفعل شاهدة على البشرية، لأنها تكون قد أعطت النموذج الصيحيح، وأعطت القدوة، وبلّغت وأنذرت. والذي حدث حين نكلت الأمة عن الطريق أن النموذج الصحيح غاب عن الأنظار.

لماذا نعيد كتابة التاريخ؟

هناك عدة ملاحظات في أكثر من اتجاه، تجعلنا نلحّ على ضرورة إعادة كتابة التاريخ الإسلامي:

* فإذا نظرنا إلى المصادر الإسلامية القديمة، نجد فيها ذخيرة ضخمة من الأخبار والوقائع والروايات، تصلح زاداً للمتعمق، ولكنها ـ بصورتها الراهنة ـ لا تصلح للقارئ المتعجل الذي يريد خلاصة جاهزة ممحصة، سهلة الاستيعاب والهضم.

* وإذا نظرنا، من ناحية أخرى، إلى معظم المراجع الحديثة المتأثرة بالمنهج الاستشراقي، نجدها مكتوبة بصورة جذابة مغرية بالقراءة من ناحية الشكل، ولكن عيبها من الناحية المنهجية أن أغلبها بعيد عن الأمانة العلمية الواجبة، ملون تلويناً لتحقيق هدف معين، تكنّه صدور لا تحب الخير لهذا الدين.

* وسواء أكانت هذه المراجع من تأليف المستشرقين مباشرة، أو من تأليف تلاميذهم، فإن هذا العيب المنهجي الخطير يجعل مراجعهم غير صالحة للاستمداد منها، ويجعل إعادة النظر فيما تناولته من وقائع وتفسيرات ـ أمراً بالغ الأهمية.

* وهناك عيب رئيسي آخر في تلك الكتابات والمناهج بصفة عامة هو التركيز على التاريخ السياسي للمسلمين على حساب بقية مجالات الحياة الإسلامية: العقَدية والفكرية، والحضارية، والعلمية والاجتماعية.. إلخ، وذلك يعطي صورة مشوهة ممسوخة!

وذلك أن تقسيم التاريخ إلى مراحل سياسية، والحديث عن كل مرحلة، كأن هناك حدوداً فاصلة في مجرى التاريخ كله تفصل بين عهد وعهد، وتجعل كل عهد قائماً بذاته ـ هذا المنهج يقطع التواصل التاريخي بين أجيال هذه الأمة، كأنما لم تكن أمة واحدة متصلة، وكأنما لم تكن بالذات هي (الأمة الإسلامية).

* وأمر آخر من أمور الدلالات التاريخية نفتقده حين يغيب عنا المنهج الصحيح لدراسة تاريخ الأمة الإسلامية هو: علاقة أوضاع هذه الأمة ـ في خصوصيتها التي أخرجها الله من أجلها ـ بأوضاع البشر على اتساعها.

المهمة التربوية عند كتابة التاريخ الإسلامي

حين نعيد كتابة التاريخ الإسلامي ينبغي أن نوجه انتباهنا إلى أن التاريخ ليس مجرد أقاصيص تُحكى، ولا هو مجرد تسجيل للوقائع والأحداث..

إنما يُدرس التاريخ للعبرة، ويدرس للتربية. وكل أمة تصوغ تاريخها بحيث يؤدي مهمة تربوية في حياتها. وهذا ما نفتقده في الكتابات المعاصرة لتاريخنا..! التي تشتت ولاء المسلم وتجعله متذبذباً بين الإسلام وتلك الجاهليات التي يبعثها المستشرقون.

فينبغي ـ إذن ـ كتابة التاريخ الإسلامي بحيث تؤدي مهمة تربوية في تخريج أجيال مسلمة تعرف حقيقة دينها وتتمسك به، وتعمل على إحيائه في نفوسها وفي واقعها.

معاني يجب إبرازها

وفي سبيل تحقيق هذا الهدف التربوي علينا أن نبرز جملة من المعاني في تاريخ الأمة الإسلامية، لا نجدها بارزة المعالم في كثير من الدراسات المستحدثة على وجه الخصوص:

نعمة التوحيد

أن التوحيد هو النعمة الكبرى التي أضفاها الله على هذه الأمة، وهو الهدف الأكبر الذي أُخرجت هذه الأمة من أجله، وكُلفت بنشره في الأرض، التوحيد بمعناه الكامل الشامل الذي يعمل في مساحة واسعة تشمل الحياة كلها.

الإسلام حركة تحريرية

يجب أن نتبين من دراسة التاريخ أن التوحيد حركة تحريرية شاملة للإنسان كله، وللحياة من كل جوانبها.. وأنه الذي أنشأ أمة فريدة في التاريخ تجتمع على أساس العقيدة، التي تليق أن يجتمع الناس حولها وعليها.

تفرد حركة الفتح الإسلامي

وأن نتبين كذلك أن حركة الفتح الإسلامي كانت حركة فريدة تختلف عن كل الحركات التوسعية في تاريخ الأمم كلها، من حيث الهدف والآثار.

الأثر الحضاري

ثم تولدت عن حركة التوحيد الكبرى حركة علمية وحركة حضارية متميزة.

شبهات وسموم

في الجولة الأخيرة من حياة هذه الأمة (واقعنا المعاصر) ينبغي التنبه إلى أمور كثيرة في كتابة تاريخها لكثرة ما دُسَّ فيها من عوامل التشويه والتوجهات السامة التي يقصد بها التدمير، كالإيحاء بأن “الإسلام” قد استنفد أغراضه، وأن اتخاذ الحضارة “العلمانية” منهجاً للحياة هو طريق الإنقاذ وسبيل التقدم..!

وكذلك إبراز التيارات الهدامة الوافدة مع الغزو الفكري، من وطنية وقومية واشتراكية، وتمجيد أصحابها وتصويرهم بصورة الأبطال مع إهمال البطولة الحقة في تاريخنا الإسلامي، وأخيراً: تصوير الصحوة الإسلامية على أنها الخطر الداهم الذي سيؤدي بالعالم إلى الدمار..!

خاتمة .. وأخيرا

تلك أمور تدعو لإعادة كتابة التاريخ الإسلامي من جديد، وفي فصول الكتاب تفصيل وتطبيق للمنهج الذي أقام معالمه مؤلف الكتاب، ولذلك جاء الحديث عن “الجاهلية” و”الإسلام” و”البعثة وصدر الإسلام” ثم “المد الإسلامي” ودراسة “بدء الانحسار” لأخذ العبرة لتكون زاداً على طريق “الصحوة الإسلامية” التي تبشر بتحقيق وعد الله، سبحانه، لهذه الأمة بالتمكين والنصر عندما تفي بشرط ذلك كله.

ثم يغلق الكتاب بهذه العبارة المتفائلة التي تصدر عن إيمان عميق بوعد الله، سبحانه، وبشارة نبيه، صلى الله عليه وسلم، وهو يستشرف المستقبل الزاهر:

“وذات يوم ـ مقدَّر في علم الله ـ ستأتي الجولة الممكّنة للإسلام، التي بشر بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: 4-6]“.


اقرأ أيضا:

لتحميل الكتاب: