الخميس، 31 يناير 2019

عبدالله الشريف | حلقة 32 | في سبع سنين | الموسم الثاني


عبدالله الشريف 
 حلقة 32 في سبع سنين؟



"في سبع سنين" بين التهوين والتهويل

"في سبع سنين" بين التهوين والتهويل

جمال عبد الستار


بثت قناة الجزيرة فيلما تسجيليا عن تلك الظواهر التي ألمت بالشباب عقب الأحداث الدامية، والتحولات العنيفة، والفتن المزلزلة.

وأقول بداية: لا يعيب الدين أن يُسىء أحد فهمه، أو أن تغيب عن أحد مقاصده، ولا ينقص الدين أن يخرج على مبادئه فرد أو أكثر مهما علا شأنه أو اتسع أثره. 

فدين الله راية حق تولى الله حفظها، وعقيدة صدق غرس الله في الفطر السليمة محبتها، ومنطق حق يأسر العقلاء بعظيم براهينه، ولم تتمكن قوة على مدار العصور والأزمنة أن تنال منه، بل على العكس، كلما ازدادت المحن ازداد رسوخا واتسع انتشارا.

وكم من المفكرين من شرد بعيدا فكره، واختلطت المعطيات في عقله، وتسلطت الوساوس على قلبه، ولكنه وبعد طول بحث لم يجد شاطئ أمانه إلا في الإسلام، ولم يجد طمأنينة قلبه إلا في الإيمان، ولم يعثر على شفاء وساوسه إلا في القرآن.

ولكن لفت نظري حقيقة أن النماذج التي ذكرها البرنامج قد عصفت بها الأحداث دون أن تجد طبيبا ماهرا يكتشف مظاهرها، أو مربيا أريبا يمسح بيد الرفق أعراضها، ويحصن الشباب من خطرها.
لم يجد الشباب راية إنصاف، فقد ضاعوا بين عنف الطغاة وغياب الدعاة.. بين تغييب المربين والقدوات وسقوط الرموز والمؤسسات.

ضاعوا بين خطاب الكراهية ونشر الخوف واستباحة الدماء والأعراض، وبين انشغال التيارات الإسلامية بصراع العمل السياسي على حساب الواجب الدعوي والزاد التربوي.

ذهب الشباب ضحية تجاذبات واختلافات ونزاعات لم يكونوا فيها إلا مجرد أدوات.

ذهب الشباب ما بين غريب مطارد يبحث عن أمن النفس ولقمة عيش وتوفير المأوى ومعاناة الحياة، وما بين غريب في وطنه يستنكر كل ما حوله، فلا أفق للمستقبل القريب، ولا سلوى في الواقع المريب، ولا عزاء لماض أسيف.

وإن هذه الأعراض والمظاهر لتدق ناقوس الخطر في كل بيت، وتحذر الآباء والأمهات في كل مكان، وتستصرخ الدعاة أن أفيقوا من غفلة الرقاد، واحذروا من نزول ميدان الدعوة بلا زاد.

لكن وفي نفس الوقت ومع أهمية ما قامت به قناة الجزيرة من استصراخ، إلا أنني أجد في المعالجة قصورا، فلا تعقيب لتربوي أريب، أو لمتخصص نفسي حصيف، أو لعالم شرعي مليء!

وهل كان من لوازم طرح الفكرة المبالغة في سفور الفتاة المسكينة، والتصوير على سرير الفندق بهذه الطريقة المبتذلة؟!!

والنماذج التي ذكرها البرنامج هم ضحايا أزمات اجتماعية وسياسية ونفسية؛ أكثر من كونها مشكلة دينية، أو شبهات عقدية.

وأيضا لم يكن الشباب في تيه بين التشدد والانحراف فحسب، بل هناك آلاف النماذج الناجحة والتجارب المفرحة. وإن إشاعة السوء دون معالجته سوء، ونشر الظواهر السلبية منفكة عن مقابلها من النجاحات سلوك شائن، ومع ذلك فأرى أنه يجب علينا ما يلي:

- أن الصرخة لا بد أن تصك أذن كل داعية، وأن تؤلم قلب كل مربّ، وأن تستفز عقل كل مفكر، وأن تستنهض رؤية كل سياسي، وأن تشحذ فكرة كل إعلامي ليهب الجميع اليوم قبل الغد لحماية ثروة الأمة من الإهدار، وعقيدتها من التشويه، وقيمها من التزييف، وفكرها من التحريف.

- أرى أن نفتح قلوبنا وعقولنا وأحضاننا لاستيعاب هؤلاء الشباب المكلومين، وإثراء الحوار معهم دون تعنيف أو تخويف أو تهديد.


- أرى أن نتسابق لفتح آفاق لاستيعاب أبنائنا في المؤسسات التعليمية، وأن يتداعى العلماء لملء الفراغ الذي شغله شياطين الأنس بدسائسهم، وشياطين الجن بوساوسهم.

- أرى أن ميدان الدعوة الحكيمة لن يستطيع أحد إغلاقه، فما من مؤذن رفع الآذان بصدق إلا وتولى الله ابلاغ صوته إلى كل الآفاق، وفي وسائل التواصل غنية عن كثير من المنابر والوسائل.

- أرى أن نعيد طرح الثوابت بعد تخليصها مما علق بها من زوائد، وطرح ما ألم بها من ادعاءات. وأن نعيد طرح المتغيرات على اتساعها دون خلط، ليعلم العقل أين ميدانه، ويعلم القلب أين اطمئنانه، وتعلم النفس أين تسليمها. 


- أرى أن نؤكد أن عبادة الزلزلة هي الثبات، وعبادة المحنة هي التثبت، وعبادة الأزمات تتمثل في صناعة الحلول واستنهاض الطاقات وفتح أبواب الأمل.

‏حاسبوا الأسد

‏حاسبوا الأسد

  د. أحمد موفق زيدان,
‏حملة نشطة أطلقها نشطاء الثورة السورية الذين لم يكلوا ولم يملوا على مدى ثماني سنوات، حملة استهدفت كل من سيأتي زمن يحاسب فيه كل من ساعد وتواطأ وتضامن ورفض إسقاط الأسد، وأصرّ على إسقاط الشعب السوري، وأصرّ معه على إبقاء شلال الدم يتدفق غير عابئ بقيم ولا إنسانية ولا بشرية، بل ووصلت الصفاقة إلى السعي لتعويم الطاغية وإعادته للحظيرة التي تركهم فيها وحدهم، فيخشون أن يؤدي تمرد الشعوب إلى طردهم من مناصبهم وعروشهم المهددة، فيسعون إلى إعادته، فكانت العقوبات الأميركية الجديدة عليه وعلى من يسعى إلى التعامل والتعاطي معه، وإن كانوا هم من يتحمل بقاءه بالسلطة، ويتحملون معه شلال الدم السوري المتدفق.


‏مجازر يومية على امتداد الجغرافيا السورية والوجع السوري، مجازر تعددت، من مجازر بالبراميل المتفجرة، إلى مجازر بالكيماوي، وبينها مجازر الطيران والصواريخ، ومجازر الطائفية التي لن تنسي الشعب السوري ثأره وانتقامه ممن قتل أطفاله وشيوخه ونساءه، فرمّل نساءه، ويتم أطفاله، وشرد الشعب في المنافي، ودفع حثالات الأرض لأن يهينوه في بعض أماكن تشرده، لقد ظل الناشطون على مدى أيام وهم يكشفون المجازر الجديدة ويذكّرون بالقديمة الجديدة التي ارتكبتها هذه العصابة وداعميها، ولكن ما فائدة ذلك كله وسط عالم أصمّ آذانه، وأعمى أبصاره عن رؤية الطاغية وسدنته ، الذين لم يعد لأحد عذر بجهل مجازرهم وقذاراتهم؟

‏لا بد من مواصلة التذكير بهذه المجازر، وتلك مسؤولية المعارضة السورية ومسؤولية الناشطين، ومعهم الإعلاميون والنخب، تعليمية كانت أو ثقافية، بحيث تتحول كل مجزرة إلى هولوكوست سوري، يذكّر بجرائم الطائفيين وما فعلوه وما ارتكبوه بحق الشعب السوري، وبحق الشعوب العربية، فسعوا عبر الشعب السوري إلى تخويفها من مآلات الثورات العربية والإطاحة بالطغيان والاستبداد، والإعلان من جديد أن الشعوب لن يسكتها القتل ولا البراميل ولا الكيماوي، وأن دم الشعوب سينتصر على كل أدوات الجريمة من كيماوي وبراميل متفجرة مدعوم من احتلالات متعددة الجنسيات.

‏ لا شك أن الاستبداد والطغيان أُسقط في يديه وهو يرى الشعوب تنتفض من جديد، وتصرّ على حمل الشعلة التي ظن الطغاة أنهم أسقطوها من أيدي الشعوب العربية، ليتجدد الربيع العربي، ويمنعه من التجلط والسكتات الدماغية الثورية، ويمنح الأمل والتفاؤل من جديد للسوريين ولغيرهم.

‏ لا حياة ولا عيش مع الاستبداد الإجرامي العربي، ولا عيش ولا سلطة مشتركة مع الطاغية المجرم، والمضحك أنهم يعولون من أجل ذر الرماد في عيونهم، وليس في عيون الآخرين، على تخليه عن حلفائه، وهو الذي لم يتخل عنهم، يوم كان أقوى من هذا، ويوم لم يكن محتاجاً لهم بالشكل الذي يحتاجهم اليوم، فكيف بهم اليوم وقد تغلغلوا في مفاصل الدولة والمجتمع، وكيف بهم اليوم وهو المدين لهم مالياً، والمدين لهم ببقائه على جماجم السوريين، فهل يستطيع أن يرفع عقيرته بمغادرتهم، وهو الذي يعرف تماماً أن مغادرتهم له تعني أن سقوطه سيكون حتمياً وقدراً مقدوراً، فقد كشف كل قادة الطائفية في الشام عن أنه على وشك السقوط لولاهم، وتلك هي الحقيقة التي لمسها السوريون منذ عام 2013، ولكن لكل أجل كتاب.;


مقالات د. أحمد موفق زيدان.

فلسطين.. بينما المسئولون نيام

فلسطين.. بينما المسئولون نيام
أ. د. زينب عبد العزيز 
أستاذة الحضارة الفرنسية

بينما المسلمون والمسئولون نيام، غير مدركين لما يقوم به الصهاينة في حق المسجد الأقصى، فهناك العديد من المواقع الجادة التي تشير الى ما يفعلونه في صمت ودأب من تجهيزات متسارعة، في شبه سرّية تامة، لإعادة بناء معبد الهيكل، الذي كان السبب الأساس لاندلاع الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية، ولربما كان السبب أيضا في اندلاع الحرب العالمية الثالثة..
فاللافت للنظر بعامة اختفاء الصورة الواضحة الكاملة للمسجد الأقصى، المنشورة بعاليه، من مختلف وسائل الإعلام في العالم تقريبا ويتم نشر بدلا عنها صورة تتصدرها قبة الصخرة. فقد أقر الصهاينة مشروعا يتم على مرحلتين: محو شكل المسجد الأقصى من الذاكرة العامة، وقد تم إسناد هذه المهمة منذ عام 1948 إلى المخابرات السرية الصهيونية، التي طلبت معاونة اللوبي اليهودي المسيطر على أغلبية وسائل الإعلام في العالم. وفي أقل من خمسين عاما اختفت تقريبا الصورة الكاملة للمسجد الأقصى.. اختفت حتى من وسائل المرئيات والجرائد اليومية والمجلات بل ومن الكتب المدرسية وكتب التاريخ والقواميس والموسوعات. 

أما المرحلة الثانية فقد بدأت منذ عشر سنوات تقريبا، حينما راحت مختلف وسائل الإعلام في كل مكان تمطرنا بالبرامج والمقالات المتعلقة بالحفائر التي تتم حول الموقع الذي يضم المسجد الأقصى، دون إظهار صورة كاملة للمسجد. وكانت أغلبية الوسائل الإعلامية تتساءل عما يمكن لهذه الحفائر أن تكشف عنه من مفاجآت..

وتهدف هذه الحفائر الى قضيتين: افتعال أنقاض تاريخية مزيفة لإثبات ان هذا هو مكان معبد الهيكل القديم، ومنحه أهمية دينية في نظر المستعمر الصهيوني المحتل لأرض فلسطين، والذي بدأ يتشكك منذ بضع سنين في تاريخه أو في العثور على أية أدلة تاريخية له في هذه المنطقة. والهدف الحقيقي لهذه الحفائر هو خلخلة مجمل قوائم الأساسات التي يقوم عليها المسجد الأقصى، بتقنيات حديثة. وقد نجح فريق من المهندسين في استبدال كافة القوائم الحجرية التي يقوم عليها المسجد ووضع قوائم معدنية، يمكن التحكم فيها عن بعد وتحريكها عند اللزوم. ولم تضعف هذه العملية من بنية المسجد الأقصى فحسب وإنما أضرت أيضا بمجمل المباني والبيوت الموجودة بالحيّ العربي القريب من المسجد.

ومما يمكن متابعته ان كافة اليهود المتحكمين في مصير العالم قد اتفقوا على طريقة هدم المعبد بافتعال زلزال صناعي، يضرب المسجد الأقصى بدرجة 6,8 رختر. 
ثم ستتولى وسائل الإعلام عملية إقناع العالم بأن هذا الزلزال قد أضر حتى بمدينة تل أبيب والأردن! 

ويبدو ان السيناريو معد بدقة بحيث كافة تليفزيونات العالم ستعرض نفس الصور مثلما حدث مع أحداث الحدي عشر من سبتمبر 2001.. 
فجزء من مدينة القدس الشرقية سوف يُهدم، وبعض المنازل ستنهار، وستهرع بعض العائلات اليهودية والعربية في محاولة للنجاة، وستنطلق سيارات الإسعاف وتهرول بعض فرق الإنقاذ من جميع أنحاء العالم ويرسل بعض رؤساء الدول برقيات مساندة، وسينشغل الإعلام والمتخصصون في علم الزلازل وعلم الآثار، وعلوم الأديان.. 
وقد يطلق الفلسطينيين بعض صيحات الاستغاثة، لكن أحدا لن يلتفت إليها لأن كافة وسائل الإعلام ستكون قد تلقت الأوامر بإهمال أخبارها..



وعقب ذلك تبدأ أعمال بناء معبد الهيكل للتعجيل بمجيء المسيح. فالأعمال يجب أن تتم قبل 2022. ومن المعروف أن يهود العالم قد أقاموا صلاة جماعية يوم 23/12/2012 (و بالتاريخ اربعة ارقام 2) للتعجيل بمجيئ المسيح. وهو مسيح آخر غير الذي يؤمن به المسيحيون. واختيار سنة 2018/2019 لهدم القدس و2022 لهدم العالم عن طريق الحرب العالمية الثالثة مرتبط بالمجال الغيبي للقبالة التي ينتمي اليها معظم اليهود الذين يقودون العالم. ذلك لأن رقم 2 ومضاعفاته يعد أساس مشروع النظام العالمي الجديد. ففي عام 2022 يتكرر رقم 2 ثلاث مرات من الأرقام الأربعة المكونة له، والذي يشير الى العام الذي توفي فيه المسيح وفقا لعقائدهم. وهذا الرقم متفرد بالنسبة للمتدينين اليهود ولا يمكنهم إغفاله. فهو التاريخ الذي من المفترض أن يفجر نهاية العالم وفقا للمعتقد اليهودي ويسمح بمجيئ مسيحهم، الذي يلقبونه بالمسيح الحقيقي وليس مسيح النصارى، "المزيف" في نظرهم، رغم كل التنازلات التي قدمها لهم الفاتيكان..

ويقوم الصهاينة الغزاة بنوع من التطهير العرقي ضد مدينة القدس المقدسة وضد شعبها الفلسطيني وضد الأماكن المقدسة منذ عشر سنوات، وتم تزييف تاريخها وثقافتها وهدم آثارها التاريخية وبقر بطون مقابرها التاريخية الإسلامية، فهل من صيحة مجدية توقظ النائمين حول العالم الإسلامي للتصدي لتلك الأعمال التخريبية التي يقوم بها الصهاينة الإنجيليين؟

ومن المخزي واللافت للنظر أن يعلن ناتنياهو "ان هناك تعاون سرّي بين بلده وبعض البلدان العربية"، كما أنه "يعتقد ان علاقاته مع هذه البلدان ستستمر في النمو وتأتي بثمارها في فترة سلام تزداد اتساعا، وان سكان البلدان المجاورة سيتعاونون معنا لأنه بخلاف ذلك سيتعاونون مع عبيد أجانب (ويقصد الغرب المسيحي) فنحن لدينا علاقات سرية تماما مع العديد من البلدان الإسلامية والعربية. وإسرائيل لا تخجل من إعلان ذلك لكن تلك البلدان هي التي تخجل".. ويا للعار.

وحينما نعلم أن الإتحاد الأوروبي يموّل التطهير العرقي للفلسطينيين، وأنه يقوم بمساندة الاستعمار الصهيوني لفلسطين، وان هذه تعد جناية للأسس المؤسسة لذلك الإتحاد الأوروبي، وأن الصهاينة يقومون بغرس آلاف المقابر اليهودية المزيفة على أرض المسجد الأقصى وحوله، بزعم أنها أعمال إصلاحية وصيانة ضرورية وحفائر جديدة، وذلك بهدف السيطرة على أراضي فلسطينية وأوقاف إسلامية. والغريب أنهم يهدمون المقابر الإسلامية بالبلدوزر على ما فيها، ويزرعون ثلاثة آلاف مقبرة يهودية فارغة بلا جثث لإثبات وجودهم التاريخي المزيف.. 
وفيما يلي صورة لمعبد الهيكل الجديد الجاهز لغرسه مكان المسجد الأقصى، وحسبنا الله ونعم الوكيل.



زينب عبد العزيز
29 يناير 2019 


الأربعاء، 30 يناير 2019

التدمير بالقروض يفوق التدمير بالقنابل!

التدمير بالقروض يفوق التدمير بالقنابل!

التجربة المصرية مع القروض مريرة، فهي السبب الذي فتح الطريق لاحتلال الإنجليز لمصر؛ بدأت مع سعيد ابن محمد علي الذي ضحك عليه ديليسبس وانتزع منه الموافقة على حفر قناة السويس.
عامر عبد المنعم
فتح الأبواب أمام الاقتراض الخارجي والمحلي أقصر طريق لتخريب أي دولة، ويفوق التدمير بالقروض التدمير بالقنابل، لأن القروض ترهن كل شيء في الدولة للدائنين، وتفتح الباب للتدخل الخارجي، ووضع الدولة تحت الوصاية، وتصفيتها وبيع أصولها لانتزاع مستحقات الدائنين الأجانب.

في آخر احصائية صدرت في يونيو/حزيران الماضي بلغ حجم ديون مصر الخارجية 92.6 مليار دولار، بما يعادل 37% من الناتج المحلي الإجمالي، وقد حددت الحكومة المصرية سقف الاقتراض الخارجي للسنة المالية 2018-2019 عند 16.733 مليار دولار.

وارتفع حجم الدين الخارجي لمصر مؤخراً إلى 110 مليارات دولار، بناءً على حديث وزير المالية محمد معيط، مع أعضاء لجنة الشؤون التشريعية في مجلس النواب المصري.

أما بالنسبة للدين العام المحلي فقد تضخم بشكل مفزع إذ بلغ حسب البنك المركزي في يونيو الماضي نحو 3.694 تريليون جنيه، بما يمثل 83.3% من الناتج المحلي الإجمالي، أي إن الرقم الإجمالي للديون الخارجية والمحلية تجاوز حجم الناتج القومي الإجمالي.

ما نراه الآن في مصر استنساخ لتجربة الخديوي إسماعيل، فالسلطة تقترض من دول العالم بكل أريحية ولا نعلم أين تنفق كل هذه المليارات؟ ولا يوجد برلمان مستقل يحاسب، ولا يوجد إعلام حر يكشف ويناقش ويحقق.

لا نعلم حجم القروض إلا من إعلانات البنك المركزي الخاصة بالقروض التي حان وقت سدادها، وهي أقل بكثير من الحجم الحقيقي، لأنها لا تتضمن كل القروض المتعاقد عليها، إذ يتم الاتفاق على القروض بشكل سري ويتم اخفاء الاتفاقات والتعاقدات، ولا ترسل للبرلمان ولا تنشر في الجريدة الرسمية.

تدليل الأثرياء وسحق الفقراء
لم يستفد الشعب من هذه القروض، فالدولة تخلت عن واجبها تجاه المواطنين وسلمت إدارة الاقتصاد لصندوق النقد الدولي الذي يلغي أي دعم يوفر الحد الأدني لحياة المصريين، والمفارقة أن الحكومة التي تنكل بغالبية المصريين في زمن القحط والانهيار الاقتصادي تنفق بسخاء على مشروعات للأثرياء والمترفين، وتبدد القروض في بناء مدن جديدة ليس لها أي ضرورة ولا أهمية.

السلطة الحالية لا تفكر في الشعب، وسياستها عنصرية تخدم طبقة ضيقة جدا ومحور نشاطها بناء مدن استثمارية تخص الأثرياء والأجانب، فالقروض موجهة لبناء العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة والمنصورة الجديدة وجبل الجلالة وغيرها التي لا يقل سعر أقل وحدة سكنية بها عن مليون جنيه، أي ليست للمصريين.

حتى القطار الكهربائي الذي سيتم الشروع في تنفيذه بتكلفة 1.5 مليار دولار يخدم الخط العمراني للمترفين الممتد إلى العين السخنة، والمفارقة أن شبكة السكك الحديدية التي تربط كل أنحاء مصر كانت تحتاج إلى 10 مليارات جنيه فقط لميكنتها ومنع تصادم القطارات ولكن هذا الطلب تم رفضه!

تمويل هذه المشروعات الصحراوية يعتمد على مصدرين أساسيين: الأول، عائد بيع الشركات والمصانع والأراضي، والثاني الاقتراض من الخارج والداخل حيث تتعاقد الحكومة مع الدول لتشغيل شركاتها وتوظيف رعاياها، مثل الصين وفرنسا وألمانيا بقروض ضخمة.

والأكثر غرابة هو تحويل هذا السلوك التخريبي إلى عمل إيجابي يدعو للفخر ويحتفلون بإنجازات استفزازية ليس لها قيمة، مثل بناء أكبر برج في الشرق الأوسط، وأكبر نهر أخضر وأكبر مسجد وأكبر كنيسة، وأكبر أوبرا وأكبر ملاهي، وأكبر مدينة سياحية في جبل الجلالة!

التجربة التاريخية مع القروض
التجربة المصرية مع القروض مريرة، فهي السبب الذي فتح الطريق لاحتلال الإنجليز لمصر؛ بدأت مع سعيد ابن محمد علي الذي ضحك عليه ديليسبس وانتزع منه الموافقة على حفر قناة السويس بالمخالفة لرأي والده الذي رفض الفكرة حتى لا تكون مثل مضيق البوسفور سببا في تكالب القوى الأوربية على مصر، وهذا ما حدث بعد ذلك.

وبعد وفاة سعيد استلم إسماعيل حكم مصر والإيرادات أكبر من المصروفات رغم القروض التي أخذها سلفه سعيد، ولكنه خضع لغواية روتشيلد والمرابين الدوليين واقترض بلا حساب حتى تعثر وعجز عن السداد ورهن كل شيء وباع أسهم قناة السويس، فأدخل مصر في دوامة لم تفق منها حتى الآن.

 أغرق الخديوي إسماعيل البلد في القروض للإنفاق على بناء القصور، والحفل الأسطوري لافتتاح قناة السويس، وتشييد الأوبرا، ورغبته في تحويل قلب القاهرة إلى قطعة من أوربا ففتح الباب أمام الدائنين الأوربيين للسيطرة على مصر.

اتسم عصر إسماعيل بالإسراف والبذخ وظل يقترض حتى عجز عن السداد فخضع للأجانب الذين وضعوا أيديهم على إيرادات الدولة فكان صندوق الدين ثم الرقابة الثنائية الإنجليزية والفرنسية على مالية مصر، ثم تأليف لجنة تحقيق دولية وتعيين وزيرين أوربيين، في الحكومة المصرية ..
ووصل التدخل إلى النقطة الأخيرة وهي إعلان الإفلاس لبيع الأصول، وعندما فكر إسماعيل في الاستعانة بالحركة الوطنية والأعيان تم عزله وتوليه ابنه توفيق وبعدها دخل الإنجليز مصر.

لعبة القروض المكررة، هي أن تقترض حتى تعجز عن السداد، فتقترض المزيد لسداد القروض وفوائدها، فتتدخل الدول الكبرى لضمان حقوق الدائنين، وتنتهي سيادة الدولة حيث تضطر السلطة الغارقة إلى تسليم الاقتصاد لممثلي هذه الدول، ويكون الضحية في كل الحالات هو المواطن الذي يتحمل فاتورة الإدارة الفاشلة.

النتيجة الطبيعية للقروض في الوقت الحالي أن كل دولة ستأخذ المشروعات التي شاركت في تنفيذها، فالألمان سيأخذون محطات الكهرباء، والأمريكيون سيأخذون مرفق المياة، والإنجليز شركات البترول والسكة الحديد والفرنسيون سيأخذون المترو.
عامر عبد المنعم

كيف تنبأ ابن خلدون بأحداث الدول العربية؟

كيف تنبأ ابن خلدون بأحداث الدول العربية؟

وليد ريمي

الاضطرابات السياسية والاجتماعية في العالم العربي منذ مطلع العام ٢٠١١ بدءً من تونس مروراً بمصر وليبيا واليمن وسوريا وما يشهده العالم العربي ودول المنطقة من أحداث وازمات على جميع الاصعدة؟ وتسأل الناس عن الأسباب العميقة التي أدت إلى اندلاع هذه الأحداث في المنطقة ماهي التطورات المستقبلية؟ والأحداث التي سبقتها مجتمعة ماهي إلا فصل من فصول تاريخية مرتبطة ببعضها البعض كسلسلة معدنية متواصلة الحلقات متكررة.
   
يجيب ابن خلدون عليها بوصف حال الأمم من عصور العصبية والقوة إلى عصور الترف والبزخ والرخاء إلى عهد الانحدار وانهيار الأمم بوصف دقيق للأحداث والأحوال التي يعيش فيها الناس وما يحدث معنا اليوم من أحداث هو جزء من سلسلة تاريخية طويلة متعاقبة على جميع الأمم بمقدمته الشهيرة التي كتبها في سنة 732 هجري _الموافق لـ١٣٧٧ميلادي وهي مقدمة لمؤلّفه الضخم (كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر). واعتبرت فيما بعد مؤلفاً منفصلاً.
   
تناول فيها ابن خلدون أحوال البشر والبيئة وأثرها على الإنسان وكيفية إنشاء الدول وانهيارها وتطور الأمم والعصبية، ووضع فيها ابن خلدون مجموعة من النظريات لتجعل منه المؤسس الحقيقي لعلم لاجتماع قبل اوغست ايمانويل كنّت بقرون. كتب يقول: عندما تنهار الدول يكثر المنجمون والمتسولون والمنا فقون والمدّعون والكتابة والقوالون والمغنون النشاز والشعراء النّظامون والمتصعلكون وضاربوا المنّدل وقارعوا الطبول والمتفقهون وقارئوا الكف والطالع والنازل والمتسيّسون والمدّاحون والهجائون وعابروا السبيل والانتهازيون.
    
ابن خلدون حي بيننا يرى ما كتبه بعينه عن التعصب للطائفية والقبيلة على حساب الوطن وما أكثر ما نشاهده من طائفية بصور جلية واضحة أقرب مثال لها العراق وما يعانيه من مشاكل طائفية من سنّة وشيعة وأكراد
يسود الرعب ويلوذ الناس بالطوائف وتظهر العجائب وتعم الاشاعة ويتحول الصديق إلى عدو والعدو إلى صديق ويعفو صوت الباطل ويخفق صوت الحق وتظهر على السطح وجوه مربية وتختفي وجوه مؤنسة وتشح الأحلام ويموت الأمل وتزداد غربة العاقل وتضيع ملامح الوجوه ويصبح الانتماء إلى القبيلة أشد التصاقاً والى الأوطان ضرباً من ضروب الهذيان ويضيع صوت الحكماء في ضجيج الخطباء والمزايدات على الانتماء ومفهوم القومية والوطنية والعقيدة وأصول الدين ويتقاذف أهل البيت الواحد التّهم بالعمّالة والخيانة وتسري الإشاعات عن هروب كبير وتحاك الدسائس والمؤامرات وتكثر النصائح من القاصي والداني وتطرح المبادرات من القريب والبعيد ويتدبر المقتدر أمر رحيله والغني أمر ثروته ويصبح الكل في حالة تأهب وانتظار ويتحول الوضع إلى مشروعات مهاجرين يتحول الوطن إلى محطة سفر والمراتع التي نعيش فيها إلى حقائب والبيوت إلى ذكريات والذكريات إلى حكايات. كأن ابن خلدون بيننا اليوم في القرن الحادي والعشرين وليس في ١٣٧٧م.
   
فكما تحدث ابن خلدون عن المنجمون تجدهم اليوم على قد غزو شاشات التلفزة ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في كل بداية سنة جديدة يتسابقون في توقعتهم عن أحوال الناس والشخصيات المهمة والدول والسياسة والاقتصاد وما أكثرهم، ونجد شوارعنا قد امتلأت بالمتسولين من أطفال ونساء ومن يدعون الأمراض ويفترشون الطرقات بغية شفقة من الناس، كثرت برامج الغناء وتصدرت قائمة البرامج التي تحصد الملايين من الأموال ومئات المشاركين للتسابق على الغناء والشهرة، كل هذا وكأن ابن خلدون بيننا اليوم ليرى الحال وما يحصل اليوم من أزمات تعاني منها الشعوب من أزمة سكن ومواصلات وبطالة وغلاء وهجرات للشباب والعقول ما هو إلى سوء تدبير وتخطيط من الدول وفساد من يتسلمون وظائف ويتقلدون مناصب عليا، كلها أحداث نشهدها تتحدث عن نهاية الدول، فمثلا لبنان لازال يعاني شبابه من البطالة ومشاكل الكهرباء والماء والنظافة وبنية تحتية سيئة وبلا حكومة أليست كلها من سوء التدبير والتخطيط.
  
وأمثلة كثيرة في جميع دول المنطقة. ابن خلدون حي بيننا يرى ما كتبه بعينه عن التعصب للطائفية والقبيلة على حساب الوطن وما أكثر ما نشاهده من طائفية بصور جلية واضحة أقرب مثال لها العراق وما يعانيه من مشاكل طائفية من سنّة وشيعة وأكراد وغيرها أصبح الناس يلوذون بطوائفهم لا بالوطن منذ الغزو الأمريكي للعراق عام ٢٠٠٣ وحتى الآن يرزح تحت نيران الطائفية والتشرذم والضياع وتقاسم على أساس طائفي كل يتمسك بطائفته على حساب وطنه وأيضاً لبنان وما يعانيه وسوريا والحرب الدائرة. ألسنا أمام وصف دقيق من ابن خلدون لانهيار الدول، أحلامنا في ضياع وزوال بل صارت في أبسط الحقوق التي يجب أن يحصل عليها المواطن.

كل هذا الذي يحصل تتفاقم آلام الشعوب بالتطبيع وإقامة علاقات مع أعدائنا حتى أصبحوا أقرب أصدقائنا والأصدقاء أعداء الكيان الصهيوني والدول التي تمارس التطبيع معه وتسمح له بدخول أراضيها بكل سهولة وبترحيب ولا تسمح لمواطن من دول تتحدث نفس اللغة إلا بشروط تعجيزية. لا بل تحاك الدسائس والمؤامرات ضد بعضنا البعض وكأننا ألد الأعداء الأزمة الخليجية الآن حصار قطر ومن قبلها المؤامرات ضد للعراق وضد سوريا وبين دول المنطقة وكأن ابن خلدون يخاطبنا في وقتنا الحالي.

حروب ومؤامرات ودسائس وتحالفات حين أصبح العدو صديقا والصديق والشقيق عدو مهاجرين ولاجئين هاربين من نيران الحرب السورية لا تستقبلهم دول شقيقة ويمنعون من دخول اراضيها بينما دول الغرب تفتح أبوابها لتحتضنهم ولا تنسى علاقات المغازلة والتطبيع مع الكيان الصهيوني حين أصبح العدو صديق والصديق عدو. صارت أوطاننا محطات سفر من غربة أليمة بيوتنا مجمعة في حقائب جاهزة الترحال والهروب من نيران الحرب والازمات بحثاً عن ملاذٍ أمن ومستقبل أفضل.

ابن خلدون وصف حالنا اليوم بأدق التفاصيل وكأنه يعيش بيننا ويمارس حياتنا ألسنا امام حالة انهيار، التاريخ يدور في حلقات متواصلة، أي التاريخ بمعنى آخر يعيد نفسه، وأعتقد أن هذا السبب الذي يؤكد أن أعمال ابن خلدون تبقى مناسبة لكل العصور وتطور الحياة. نحن اليوم شهود أو أشبه بمؤرخين لانهيار جديد، لكنه انهيار تكرر على مر التاريخ، فمن سقوط الدولة الأموية حتى العباسية وصولاً إلى الدولة العثمانية، وبعد انهيارها وتقسيم تركتها بين دول الاستعمار الأوروبي وتقسيم المنطقة إلى الدول الحالية ومحاولة فرض تقسيم جديد للمنطقة وفق منظور ومصالح لغزو جديد أو صراع بين قطبين أمريكيا وروسيا.

ربما نحن شهود على انهيار جديد متكرر عبر التاريخ كالسلسلة المرابطة. 

الثورة لم تنتج دواعش وملحدين

الثورة لم تنتج دواعش وملحدين

      من وثائقي "في سبع سنين" في قناة الجزيرة      

وائل قنديل
شاهدت هذا الذي عرضته قناة الجزيرة، بعد حملة ترويجٍ مكثفة، وأطلقت عليه "الوثائقي" أو التسجيلي، مرتين. 
وفي كل مرة يترسّخ عندي اعتقاد بأننا بصدد"عمل" واقع في معضلةٍ مهنية، إنْ من حيث المضمون، أو على مستوى الشكل الفني، لكن الأهم أن عرضه، في هذا التوقيت، يسيئ لمفهوم الثورة، ويبتذل فكر الشرعية، الأخلاقية والقانونية على السواء.

قيل إنه وثائقي أو تسجيلي، غير أن الإطار العام يؤشّر إلى رغبة لدى صنّاعه في اقتراف مغامرة دراما سينمائية، من باب التجريب، أو التقليد، فجاء على نحوٍ يتخبّط بين الدراما والتوثيق، فلا سينما شاهدنا، ولا توثيقًا وجدنا.
يبدو من السيناريو والحوار والأداء أن ثمّة معرفةً قبليةً بين المقدم والضيوف، تبدّد عنصر الدهشة لدى السائل والمجيبين على السواء، فلا تشعر في انفعالات السائل والمسؤول بأن ثمّة تفاجؤ أو ذهول أو ارتباك من السؤال أو الإجابة، وكأن الثاني يعرف السؤال، والأول متأكّد من الرد، الأمر الذي يُشعرك بأن الطرفين يتحرّكان في خط واحد لإدانة طرفٍ ثالث، لم يُنص عليه مباشرة.

على المستوى المهني، أو بالأحرى القيم المهنية، لن أضيف جديدًا فيما ذهب إليه كثيرون من أنه لا يصح إظهار شخصيات العمل بأسمائها ووجوهها الصريحة، بينما هم في قبضة سجانٍ لا يحتاج مسوّغاتٍ إضافيةً للتنكيل والتعذيب والبطش بهم، بوصفهم ملحدين، أو كفروا بالله والوطن.
هذا يأخذنا مباشرةً إلى إشكالية المحتوى الذي يُعرض في ذروة الاحتفال بمرور ثماني سنوات على ثورة يناير، والذي اكتسى هذا العام بإحساسٍ هائلٍ بالفخر والاعتزاز بهذه الثورة، فجاء الاحتفال بها عيدًا، وليست ذكرى.
يأتي هذا العمل في ليلة العيد، ليقول على لسان شخصياته إنهم آمنوا بالثورة، بل لإن الثورة هي الشيء الوحيد الذي آمنوا به، فكانت النتيجة أن منهم من  كفروا بالله (صاروا ملحدين)، ومنهم من كفروا بالوطن (صاروا دواعش).

صحيحٌ أن العمل لم يقل إننا أمام ظاهرة، بل حالات فردية محدودة، لكننا في المجمل لم نشاهد إلا هؤلاء، كما أن السيناريو يربط بين التحوّل في حياة الشخصيات، من الإيمان إلى الإلحاد، فيقول المحاور"بالتوازي مع الخط دا كان فيه خط تاني بيتحرّك في المجال العام في البلد"، متحدثًا عن مسار التغيير الثوري الذي بدأ في بداية الألفية، ووصل إلى لحظة ثورة يناير.
"أنا مؤمنة بالثورة، لما حد يسألني انتي مؤمنة بإيه، أول حاجة بتيجي في بالي الثورة.. الثورة هي اللي ولدتني.. قبل الثورة أنا كنت بنت تافهة جدا، مش مهتمة بأي حاجة مش فاهمة أي حاجة".
ثم يضيف الصوت في موضع آخر إن "الثورة هي اللي عملت كل حاجة في حياتي، أنا ممتنة ليها على المستوى الشخصي.. ثورة شخصية حرّرتني أنا شخصيا من نفسي".
ثم يتدخل المحاور بسؤالٍ يحمل في طياته الإجابة عن الشيء الذي كان غائبا ثم حضر. 
وفي الخلفية مشاهد الميدان وائتلاف شباب الثورة والاشتراكيين الثوريين، فتأتي الردود في السياق ذاته، لتأكيد التخلص من الأفكار الإيمانية (الإسلامية)، ليقطع المحاور بأن أول صدام في الميدان هو صدمة روحية قبل أي شئ، ثم يدخل في صميم معارك الثورة، أحداث شارع محمد محمود مقدمة لاتخاذ قرار الكفر بالإسلام السياسي، طريقًا للتخلص من الإيمان بالدين نفسه، نهاية بالتحرّر من الإيمان بوجود الله، فيما بعد.
يسأل المحاور الفتاة السلفية، سابقًا: متى حدثت الصدمة (التي قادتها لاحقا  إلى الإلحاد) فتقول مباشرة: بعد انتخاب مرسي رئيسًا "بدأت أشوف مصر بدأت تنفصل كده".
ويكاد منطق الإلحاد هذا يتطابق مع منطق عبد الفتاح السيسي حرفيًا، حين تحدّث في احتفالٍ بليلة القدر عام 2015، حين ذكر أن شبابا ألحدوا "نتيجة اللي إحنا فيه ده"، والذي يحيله إلى مشروع رفض انقلابه بالطبع.

في اتجاه الإلحاد بفكرة الوطن، يجزم صنّاع العمل بأن "رابعة العدوية"، اعتصامًا ومذبحًة، كما قادت بعض الحالات إلى الكفر بالدين، فإنها فتحت الطريق نحو الداعشية لشبابٍ كانوا مؤمنين بالثورة وبالشرعية، بعد أن احترق اليقين مع حريق رابعة.

في الإجمال، تخبّط العمل في مساحةٍ بين الدراما والتوثيق والتقرير الصحافي (التلفزيوني)، فقدّم حالاتٍ فردية، صنع لها أرقامًا استقاها من استطلاعات رأيٍ أجراها فريق العمل في مناخات سياسية مختلفة، قبل عامين على الأقل، وتغاضى عن حقائق أخرى على الأرض، تنطق بأن أعدادًا هائلة مضت في الطريق العكسية، احتماءً واختباءً في الدين، لكن الأخطر في ذلك كله هو الربط بين الثورة، بوصفها فعل تحرّر سياسي واجتماعي، والإلحاد باعتباره فعل تحرّر شخصي، وحمل السلاح والعنف، طريقًا للتحرّر من الاستبداد.
عفوًا: الثورة لم تنتج دواعش وملحدين.

ذئاب في الصحراء..


ذئاب في الصحراء.. 
قصة رضوخ آل سعود للإنجليز


فريق التحرير
مجموعة محررين

كان الإنجليز، وعبر شركة الهند الشرقية، قد وصلوا مبلغا من القوة العسكرية، بفضل أسطولهم البحري القوي، للدرجة التي هزموا فيها المقاومة العربية الممثلة في القواسم في رأس الخيمة والشارقة في معركة بحرية شهيرة سنة 1820م، وهي المعركة التي دمرت الأسطول العربي الذي تمتّع بدرجة عالية من القوة أمام الزحف البريطاني في مياه الخليج العربي.



منذ ذلك الحين فرض الإنجليز سيطرتهم على الخليج العربي، وأصبح لهم مقيم سياسي بعدما كان مقيما تجاريا في أول الأمر اتخذ من مدينة بوشهر الإيرانية على الضفة الأخرى من الخليج مركزا له، وكانت مهمة هذا المقيم متابعة الشؤون التجارية والسياسية في مشيخات الساحل الخليجي، ومدى تطابقها وانسجامها مع السياسة البريطانية في تلك المنطقة، وعدم السماح للقوى الدولية المنافسة للإنجليز من فرض سيطرتها أو عقد أحلافها مع تلك المشيخات لا سيما فرنسا وألمانيا وروسيا وبالطبع الدولة العثمانية العدو الأشرس، وصاحبة الشرعية الأقدم سياسيا وروحيا في هذه المنطقة.



كان السعوديون في نظر السياسة البريطانية في مطلع القرن التاسع عشر مُتّهمين بأنهم يدعمون القواسم أمراء رأس الخيمة والشارقة وعملياتهم العسكرية الهجومية على الأسطول والمصالح البريطانية في الخليج العربي، وهي الهجمات التي صار يُطلق عليها في الأدبيات التاريخية التي تأخذ الجانب البريطاني اسم "القرصنة"، وهي للحق عمليات كانت مقاومة للمد والنفوذ البريطاني في مياه العرب وخليجهم.



الأمر الآخر الذي جعل الإنجليز ينظرون إلى الوهابيين نظرة سلبية؛ كان بسبب هجماتهم على سلطان مسقط، ومحاولاتهم المتكررة لضم هذا الإقليم إلى الدولة السعودية الأولى، وكانت بريطانيا حريصة على المحافظة على سلطنة عُمان، وتحالفها معها، وفي أثناء الصراع البريطاني ضد القواسم ومحاولاتهم المتكررة لتدمير أسطولهم حرصت على عدم الصدام مع السعوديين، وصدرت تعليمات حكومة الهند لوكيلها في الخليج بأن يتجنب "ما أمكنة إغضاب أمير الوهّابيين"، وفي سنة 1806م أثناء عقد معاهدة مع القواسم تجاهلت السلطات البريطانية تماما أي علاقة لهذه القبيلة بالسعوديين، وقد راعى الإنجليز عداء السعوديين للعثمانيين واعتبروا ذلك العداء يصب في مصالحهم العليا[1].



السعوديون في مناطق نفوذ الإنجليز
كانت وفاة حاكم مسقط السيد سلطان بوسعيد سنة 1805م قد فتح الباب لصراع الأبناء والإخوة على العرش، وفي أثناء هذا الصراع قام ابن أخي سلطان بوسعيد وهو السيد بدر بن سيف بطلب العون من السعوديين في الدرعية، وكان الأمير سعود بن عبد العزيز بن محمد آل سعود هو المتزعم للدولة السعودية الأولى آنذاك، وقد استغلت الدرعية هذا الطلب العُماني بالعون واستجابت له بمنتهى السرعة[2].



تمثلت الاستجابة السعودية من خلال قوة الحامية الوهابية في واحة البريمي على أطراف عُمان الشمالية الشرقية، وبحريا حيث أمر سعود بإبحار 15 سفينة بحرية من البحرين التي كانت تقع تحت السيادة السعودية آنذاك، وعلى متنها 1500 مقاتل، وقد أثار وصول القوات السعودية استياء العُمانيين بشدة، لكنها أحدثت فارقا في ترجيح كفة بدر بن سيف آل بوسعيد الذي سرعان ما تجدد الصراع بينه وبين أبناء أعمامه، واضطر بدر إلى طلب العون من السعوديين مرة أخرى[3]. الأمر الذي اضطر معه البريطانيون إلى تدعيم الجانب العُماني الموالي لها من أسرة آل بوسعيد، وصمتت على مقتل السيد بدر سنة 1806م على يد سعيد بن سلطان الشاب الذي كان يرى أن بدرا اغتصب حقه في السلطنة.

سعيد بن سلطان

ظل السعوديون يستولون على المناطق الداخلية من عُمان، وأكدوا هذه السيطرة حين أعادوا الاستيلاء على واحة البريمي بقيادة سعد بن مطلق المطيري في خريف سنة 1807م، وكان ابن مطلق من أمهر وأقدر القادة الوهابيين كما ترى المصادر البريطانية، وقد تمكن من بناء قلعة ضخمة في البريمي، وكان يهدف من ورائها إلى مد سيطرة السعوديين على منطقة الظاهرة كلها في الجنوب الشرقي من الخليج العربي.


نجحت السياسة السعودية في الدولة الأولى (1744- 1818م) في تحقيق أهدافها، فمن قلعة البريمي تمكن ابن مطلق من التحالف مع أقوى زعماء المنطقة الشمالية في عُمان ووالي صحار، وعيّن كلًّا منهم مسؤولا عن منطقته وتابعا للدرعية عاصمة السعوديين في صلاحياته، بل استطاع ابن مطلق إعفاء الشيخ سلطان بن صقر من مشيخته للقواسم في خريف سنة 1808م لأنه لم يُظهر تحمّسا لقضية الوهابيين، بل تمكن من القبض عليه ونقله سجينا إلى الدرعية، وعيّن بدلا منه حسين بن علي شيخ رمس نائبا للأمير الوهابي وشيخا على القواسم، وصدرت إليه الأوامر من الدرعية باستخدام الأسطول البحري للقواسم ومعاونة الحامية السعودية في البريمي "ضد الهراطقة والمرتدين والكفار على السواء، وأن يُرسل بخُمس الغنائم التي يستولي عليها إلى الدرعية"[4] كما ورد في الوثائق السياسية للبريطانيين في الهند.

بيد أن البريطانيين ورغم تلك الهجمات لم يرغبوا في الدخول في صدام مباشر مع السعوديين الذين أيّدوا ودعّموا هجمات القواسم وسفنهم على السفن البريطانية، والسبب في ذلك يعود إلى أن مصالح بريطانيا في الخليج العربي كان يتابعها آنذاك السلطات البريطانية في الهند، وممثلهم في بوشهر الإيرانية، تلك السلطات التي كانت ترى إمكانية الاستنزاف التجاري لشركتهم بسبب الحرب الفرنسية البريطانية حينئذ والصراعات داخل الهند ومقاومة المسلمين للبريطانيين بها، فضلا عن توسعات السعوديين في مناطق نفوذ العثمانيين وهو ما يحقق مصلحة للبريطانيين؛ لذا كان فتح الصراع مع السعوديين في الجزيرة العربية، وهم أكبر القوى الخليجية حينذاك، غير وارد في السياسة البريطانية.

من هنا انصبّ الاهتمام البريطاني على تأمين مسار السفن التجارية البريطانية بين كلكُتّا في الهند والسويس في مصر، فضلا عن مسارها بين البصرة ومضيق هُرمز، الأمر الآخر أن البحرية البريطانية في الهند لم تكن تملك أكثر من 12 سفينة في سنة 1808 لتأمين ذلك المسار التجاري، ومع ذلك استمر القواسم في هجماتهم التي كانت تعوق التجارة وتستولي على السفن البريطانية[5].

وبسبب هجمات القواسم ومن خلفهم السعوديين الداعمين على السفن البريطانية، فقد اتخذ الإنجليز قرارهم في بداية سنة 1809م ببدء حملة بحرية هجومية على أسطول رأس الخيمة، لكنها لم تشأ أن تستعدي السعوديين كما أسلفنا، فالتزمت "بالسياسة البريطانية القديمة تجاه الوهابيين"، وصدرت التعليمات الصريحة للمقيم البريطاني بأن يتجنب أي صدام مع ممثل ابن سعود في تلك المناطق، لكن بسبب حدة المعركة التي وقعت بين الجانبين في شناص على الساحل العُماني، فإن سلاح البحرية البريطانية أراق دماء بعض السعوديين الذين أيّدوا مقاومة القواسم، حتى إن الرحالة السويسري بيركهارت يؤكد أن أحد أبناء عمومة الأمير سعود بن عبد العزيز بن محمد آل سعود، الإمام السعودي آنذاك، كان بين هؤلاء القتلى، وذلك في سبيل استيلاء البريطانيين على هذه القاعدة البحرية الحصينة، والحد مما رأته "قرصنة" لسفنها في الخليج العربي[6].

أخيرا، وجّهت السلطات البريطانية إنذارا لابن سعود تطلب منه منع أفراد القبائل الخاضعة له من ارتكاب عمليات بحرية "قرصنة" ضد الإنجليز، لا سيما في بعض إمارات الساحل وعدم دعم رحمة بن جابر في قطر، وقد استقبل السعوديون هذا الإنذار بنوع من الاستهزاء، فقد جاء ردّهم أن الدولة السعودية لا تخشى من الإنجليز، ولا ترهب من عملياتهم في البحر، لكن الأمير السعودي في المقابل بيّن أنه لا يوجد أي عداء بينه وبين "المسيحيين"، وسيعمل على منع الاعتداء على السفن البريطانية[7].


سنوات العاصفة

محمد علي شاه 

يرى مؤرخ الخليج ج. لوريمر أن زيادة المشاكل التي كان يواجهها السعوديون في غربي الجزيرة العربية أثناء صدامهم مع القوات المصرية بقيادة إبراهيم باشا ابن محمـد عليّ سنة 1811 و1812م واندحارهم أمام تلك الحملات، يرى أن ذلك أجبر السعوديين على بدء اتصالاتهم ومراسلاتهم الودية مع الحكومة البريطانية، ومحاولاتهم تبريد المشكلات الساخنة بينهما لا سيما مشكلة عُمان.

فحين اتجه سلطان مسقط السيد سالم بن سلطان آل بوسعيد إلى شيراز التماسا لعون إيران، أرسل الأمير السعودي عبد الله آل سعود مبعوثا عنه يُدعى إبراهيم بن عبد الكريم الذي اتجه إلى فارس لمقابلة حاكمها ومنها اتجه جنوبا إلى بوشهر لمقابلة المقيم البريطاني الملازم بروس، حيث نقل عنه رغبة سيده ابن سعود في قيام علاقات ودية مع الحكومة البريطانية بحيث لا يتعرض أي من الطرفين لتجارة الآخر، ورفعت هذه الرغبة إلى حكومة الهند التي قررت سنة 1814م أنه ليس من الضروري توقيع معاهدة أو اتفاقية مع السعوديين وعدم الدخول معهم في علاقات وثيقة والاكتفاء بعلاقات ودية فقط[8].

ولعل الإنجليز لم يريدوا إبرام اتفاق وثيق بين الجانبين نظرا للهزيمة التي كان يلقاها السعوديون من جراء الحملات المصرية على منطقة نجد، والتي نجحت بالفعل في إسقاط الدولة السعودية الأولى عقب ذلك بأربع سنوات فقط سنة 1818م، فضلا عن علاقة الإنجليز القوية بمحمد علي باشا والي مصر آنذاك.

حق آبائنا!


حين أعاد الأمير تركي آل سعود إحياء الدولة السعودية من جديد ما بين سنوات 1818-1843، ورغم المشكلات الخطيرة التي لحقت به، والتي استعرضناها في تقريرنا السابق، وهزيمته وأسْره من جديد على يد القوات المصرية، فإنه حرص على تجديد المراسلات مع الجانب البريطاني، في الجهة الأخرى ظل البريطانيون يتحاشون الدخول في عمق الجزيرة العربية حيث يسيطر السعوديون، فهمُّهم الأكبر كان تأمين تجارتهم وأسطولهم في مياه الخليج العربي.

وحين ارتقى فيصل إلى حكم والده تركي في 1843م أرسل إلى الممثل البريطاني في الخليج يعبر فيه عن رغبته في "تجديد العلاقات الودية التي كانت قائمة بين أبيه الأمير تركي والحكوكة البريطانية"، وقد تلقى ردّا ودّيا يؤكد له أن الحكومة البريطانية لا أهداف لها سوى المحافظة على السلام في البحر، وكرر عليه فيصل أنه هو أيضا مهتم بالمحافظة على تلك المصالح[9].

مع ذلك، كان الطرفان يتربصان ببعضهما لا سيما البريطانيين الذين خشوا على مصالحهم في مياه الخليج من التوسّع السعودي وإن رأوه أقل خطرا من التمدد المصري الذي وصل إلى واحة البريمي أثناء الحكم المصري لمنطقة نجد ما بين سنتي (1838-1840م)، وقد كتب المؤرخ ج. لوريمر في موسوعته الأشهر "دليل الخليج" عن السياسة البريطانية إزاء إمارة الرياض/الدولة السعودية الثانية في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي "أنها تتمثل في عدم التدخل في إمارات الساحل، والمقاومة المعتدلة في سلطنة عمان، والمعارضة بلا هوادة في البحرين". وهو يرى أن هذه السياسة مبعثها "هجمات الوهابيين العدوانية المتواصلة على طول خط الساحل"[10].

فساحل الخليج العربي في عُمان وإمارات الساحل العماني (الإمارات العربية اليوم) والبحرين وحتى الكويت كانت كلها تقع تحت نفوذ السياسة والحماية البريطانية التي عملت على إقصاء السعوديين عنها بكل الوسائل المتاحة، دبلوماسيا كان أم عسكريا إن لزم الأمر. على أن الأمير فيصل بن تركي آل سعود كان يرى أن المناطق الساحلية في شرق الخليج العربي ملك له ولأجداده الذين سيطروا عليها بقوة السلاح والدم، فقد تحدّث إلى المبعوث البريطاني لويس بيلي موضّحا له أن دولته تشمل أراضي الجزيرة العربية من الكويت عبر القطيف ورأس الخيمة وعُمان ورأس الحد وكل ما يقع وراء ذلك، "هذا ما وهبنا الله". وأضاف أن: "مسقط تابعة لنا، وقد أخذناها بقوة السلاح". ويرى أمير الرياض أن الإنجليز عندما يفرضون حمايتهم على حكّام الساحل إنما "يتدخّلون فيما لا يعنيهم"[11].


دماء على ساحل الخليج!


نتيجة لذلك، اصطدمت السياسة البريطانية بالسياسة السعودية في تلك المناطق، لا سيما البحرين وعُمان وواحة البريمي، فقد اندلعت الصدامات بين آل سعود وآل خليفة في البحرين سنة 1850م، وحظي أمير الرياض بدعم من فرع انقلب على عائلة حكام البحرين، الأمر الذي ساعده في تكوين أسطول له، والتحضير لإنزال على جزر البحرين، بيد أن أسطولا حربيا بريطانيا أُرسل للدفاع عن البحرين، فأنقذت حاكمها من الهزيمة، واضطر فيصل إلى الاتفاق بشأن الصلح مع البحرانيين، ولكنه تمكن من جعلهم يدفعون الإتاوات والديون السابقة، كما أنه عيّن في قلعة الدمام القريبة واحدا من أفراد عائلة آل خليفة المنافسين على الحكم في البحرين[12].

في عام 1859م، عندما تهيأ النجديون للهجوم من جديد على البحرين، أبلغ المقيم البريطاني في منطقة الخليج الكابتن جونسون الأمير فيصل بأن الحكومة البريطانية تعتبر البحرين "إمارة مستقلة" وهي مستعدة للدفاع عنها دون أي هجمات، وذهب الإنجليز إلى أبعد من ذلك حين فرضوا عام 1861م بقوة سلاح البحرية البريطانية على شيخ البحرين اتفاقية للحماية البريطانية كالتي فُرضت على الإمارات الصغيرة في ساحل الصلح مثل الشارقة ورأس الخيمة وغيرها، وغدت البحرين محمية بريطانية، ولأجل ترسيخ ذلك الوضع السياسي والعسكري الجديد، قصف الأسطول البريطاني قلعة الدمّام، وفرّ من القلعة المنافس على حكم البحرين محمد بن عبد الله آل خليفة المدعوم من فيصل آل سعود[13].

أما ما يتعلق بواحة البريمي، ففي مارس/آذار 1853م استغل حاكم أبوظبي تقلص الحامية السعودية المقدرة بـ 50 عسكريا ليسارع بالاستيلاء على الواحة، الأمر الذي اعتبره فيصل إهانة تستلزم الرد، فأرسل فرقة عسكرية بقيادة ابنه عبد الله، وحين وصل، أسرع شيوخ القبائل والعشائر وحكّام إمارات الساحل للإعراب عن خضوعهم للرياض، فقد كان نفوذها كبيرا، غير أن المعتمد البريطاني في الخليج الكابتن كامبل تمكن من مقابلة أولئك الحكّام وأرغمهم على توقيع "معاهدة الصلح الدائمة"، وبقيت البريمي تابعة للحكم السعودي[14].

ومن البريمي التي تقع في ذلك المثلث الحدودي اليوم بين السعودية والإمارات وعُمان، فرضت إمارة نجد من تلك البقعة نفوذها على كل من إمارات الساحل (دولة الإمارات الآن) وسلطنة عُمان بالرغم من تبعية أولئك للإنجليز، وظلت مسقط وصحار وإمارات الخليج تدفع الإتاوات للرياض، ولم تكن الأراضي التي يُشرف عليها النجديون محدّدة بدقة، فهي تتقلص تارة وتتسع أخرى، لكن كان لديهم عمّال الزكاة الذين ظلوا يجمعون زكوات الناس في عموم أراضي الدولة السعودية الثانية[15].

لويس بيلّلي في حضرة فيصل!

لويس بيلي 

كان الإنجليز يُعارضون توسع الدولة السعودية في نجد وشرق وجنوب الجزيرة العربية بعد انسحاب المصريين من الخليج، إلا أن إمارة نجد تحت حُكم فيصل استطاعت أن تنجح في تحقيق ذلك التوسع إلى درجة كبيرة، وأن تستلفت نظر الدول الأوروبية إليها، ففي سنة 1862م/1863م ظهر في الرياض وليام جيفورد بالجريف (palagraf) أحد الذين انتموا إلى طائفة الجزويت الكاثوليكية، والذي اشتهرت رحلته إلى الجزيرة العربية، وتُرجمت إلى العربية، وكان أحد كبار الجواسيس الأوروبيين الذين جاءوا إلى الجزيرة في ذلك التاريخ لاستكشاف الواقع السياسي والتقرب من حكّام تلك المنطقة لا سيما آل سعود لربطهم مع الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث، وقد التقى بالفعل بالأمير فيصل آل سعود حاكم نجد، ورأى مقدار قوة دولته الناشئة ودوّن ذلك كله في رحلته.

خشيت بريطانيا أن تؤدي زيارة بالجريف للرياض إلى نتائج ضارة بمصالحها، ولعل هذا ما دفعها إلى الإسراع بتكليف الرائد لويس بيللي المقيم البريطاني في الخليج إلى زيارة الأمير فيصل، فقد كانت تخشى من أن يترتب على استمرار معاداتها للسعوديين أن ينتشر نفوذهم على سواحل الخليج فيضروا بتجارتها، والواقع أن كثيرا من الرؤساء المهادنين شيوخ إمارات ومشيخات الخليج قد انضموا إلى فيصل بن تركي الأول بحيث أصبح من المشكوك فيه إبقاء تعهداتهم الخاصة مع الحكومة البريطانية.

اعترف الأمير فيصل في محادثاته مع بيللي في الرياض أنه تلقى مرتين عروضا سخية من الحكومة الفرنسية بالمعونة، وفي الثانية منهما، وكان وقتها يتفق تماما وبعثة مستر بالجريف الذي طلب من الأمير أن يبلغ ردّه للقنصل الفرنسي في دمشق، وأبلغه الأمير بالفعل شكره، وأوضح له أنه ليس في حاجة إلى مساعدة من الجانب الفرنسي في ذلك الوقت[16]. 
لذلك كان الهدف من رحلة الكولونيل بيللي مقابلة الأمير فيصل في عاصمته الرياض، والحصول منه على وعد بعدم الإضرار بالتجارة، وأن يتباحث معه في الأمور الناتجة عن المصالح الخاصة بكل من الإنجليز والسعوديين في منطقة الخليح، فضلا عن إقامة علاقات الصداقة مع الحاكم الأقوى في الجزيرة العربية.


كانت تلك الزيارة في 6 مارس/آذار 1865م قبل وفاة الأمير فيصل بثلاثة أشهر فقط، كان فيصل في السبعينيات من عُمره، شيخا كبيرا فاقدا للبصر، رغم الاحترام والتوقير الذي كان يحظى به من أقاربه الأدنين، ومن رعاياه جميعا ممن كانوا ينادونه باللقب الديني "الإمام"، وفي المقابلتين اللتين التقى فيهما بيللي مع ابن سعود لم يتطرق النقاش إلى مشكلات محددة مثل الجزية السعودية المفروضة على سلطان مسقط عُمان حتى لا تؤثر على سير المفاوضات. كان لويس بيللي على وعي بقوة فيصل، وقد عبّر عن هذه القوة في تقريره الذي أرسله إلى مرؤوسيه في حكومة الهند البريطانية، قائلا: "لقد شعرتُ واثقا أنه إذا ما استطعتُ أن أعيد إقامة العلاقات مع حاكم مثله فإننا نستطيع أن نتوقع فائدة من نفوذه على رؤساء الساحل دون أن نخشى أن هذا النفوذ سيبذل في اتجاه يتنافى والاتجاه التقدمي"[17].

بالفعل، حقّقت بعثة بيللي نجاحا في تحسين علاقة الإنجليز بالسعوديين؛ فقد أظهر الأمير فيصل استعداده بمعاقبة رعاياه المشتغلين بالقرصنة على ساحل الخليج، في المقابل طالب بريطانيا بحماية سُفنه على الجانب الآخر من مياه الخليج، وبعث بتعليماته إلى الحكام التابعين له على الساحل بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين الجانبين، وقُبيل وفاة الأمير فيصل بعث ابنه عبد الله إلى بيللي بتعهد رسمي من قِبل السعوديين بعدم الاعتداء على الإمارات التي ترتبط مع الحكومة البريطانية بمعاهدات خاصّة، ولا سيما سلطنة مسقط، لكن كان على تلك الإمارات تلقي الزكاة المتفق عليها كنوع من أنواع الولاء والتبعية[18].

ظلت العلاقات البريطانية السعودية على هذه الحالة من الوئام بين الجانبين بعد بعثة بيللي، لكن وفاة فيصل آل سعود في أواخر السنة ذاتها 1865م فتح الباب على فصل جديد، على الصراع الأول في تاريخ العائلة السعودية، وهو صراع الأبناء على عرش فيصل، وهو ما أدى إلى تجرؤ الإمارات والمشيخات الأضعف تجاه أملاك السعوديين والاستيلاء عليها واحدة خلف الأخرى، فضلا عن ضلوع البريطانيين في تلك الأحداث، فكيف حدث ذلك الصراع الخشن الذي فقدَ فيه السعوديون عرشهم ودولتهم؟ هذا ما سنقف عليه في تقريرنا القادم!

المصادر

  • 1ج. لوريمر: دليل الخليج 3/1606
  • 2جون. ب. كيلي: بريطانيا والخليج العربي 1/172.
  • 3المراسلات السياسية لحكومة بومباي، 1/ 13- 19.
  • 4الوثائق السياسية والسرية لحكومة بومباي، مجموعة 24 مارس 1809م.
  • 5كيلي: بريطانيا والخليج العربي 1795- 1870م، 1/187.
  • 6بيركهارت: رحلات إلى شبه الجزيرة العربية 2/ 208.
  • 7لوريمر: السابق 3/1606.
  • 8لوريمر: السابق 3/ 1607.
  • 9ج. لوريمر: دليل الخليج 3/1663.
  • 10ج. لوريمر: دليل الخليج 3/1665
  • 11المصدر السابق
  • 12ابن بشر: عنوان المجد في تاريخ نجد 2/130- 132.
  • 13أليكسي فاسيليف: تاريخ العربية السعودية ص241.
  • 14Winder R.B Saudi Arabia P.142.
  • 15Winder R.B Saudi Arabia PP.190-191.
  • 16لوريمر: السابق 3/1668.
  • 17Pelly,Visit to the capital of-central Arabia,Vol.X NO IV.August 1863.
  • 18جمال زكريا قاسم: تاريخ الخليج العربي 2/102.