الاثنين، 30 نوفمبر 2020

بلا حدود مع جون اسبوزيتو رئيس التفاهم الإسلامي المسيحي

 برنامج: بلا حدود

الصورة المشوهة للعرب والمسلمين لدى الغربيين

دور وسائل الإعلام الغربية والرواسب التأريخية واللوبي الصهيوني والسلوكيات الخاطئة للعرب والمسلمين في تشويه صورتهم لدى الغربيين، يتناول هذا رئيس مركز التفاهم الإسلامي المسيحي في جامعة جورج تاون بواشنطن، جون اسبوزيتو.

مقدم الحلقة:أحمد منصور

ضيف الحلقة:جون اسبوزيتو – رئيس مركز التفاهم الإسلامي المسيحي بجامعة جورج تاون بواشنطن

تاريخ الحلقة:25/07/2001

– صورة الإسلام والسلبية عند الغربيين في الوقت الراهن وأسباب تكونها
– دور واقع المسلمين في تشويه صورتهم لدى الغرب
– دور اللوبي الصهيوني في تشويه صورة المسلمين
– دور المسلمين في تحسين صورتهم
– موقف الحكومة الأميركية من التعامل مع قضايا المسلمين
– مستقبل الإسلام في الغرب

أحمد منصور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحييكم على الهواء مباشرة من العاصمة البريطانية لند).ن، وأرحب بكم في حلقة جديدة من برنامج (بلا حدود
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة بين القطبين بداية التسعينيات أخذت وسائل الإعلام الغربية تتناول الإسلام كعدو جديد للغرب، وأخذت الآلة الإعلامية الغربية تغذي العقل الغربي وتملأه بالمخاوف من الخطر الإسلامي القادم، حتى أصبح مفهوم الإسلام لدى غالبية الغربيين يعني الإرهاب، وباستثناء تحركات تقوم بها الجهات ومراكز الدراسات الإسلامية في الولايات المتحدة ودول أوروبا لتحسين الصورة، فإن الدول العربية والإسلامية لا تقوم بأي جهد ملحوظ في هذا الجانب، وكأن الأمر لا يعنيها.

غير أن هناك بعض المفكرين الغربيين الذين عرفوا حقيقة الإسلام يقومون بجهد أكبر بكثير من المسلمين سعياً لتحسين صورة المسلمين في العقلية الغربية، ومن أبرزهم ضيف حلقة اليوم البروفيسور (جون اسبوزيتو) مؤسس ومدير مركز التفاهم الإسلامي المسيحي في جامعة (جورج تاون) في العاصمة الأميركية واشنطن.

والبروفيسور اسبوزيتو أستاذ الأديان والعلاقات الدولية والدراسات الإسلامية، ويعمل في نفس الوقت مستشاراً لوزارة الخارجية الأميركية ولكثير من مجالس الجامعات والمؤسسات الإعلامية الدولية باعتباره متخصصاً في الإسلام والحركات الإسلامية من شمال إفريقيا إلى جنوب شرق آسيا.

عمل رئيساً لجمعية دراسات الشرق الأوسط في أميركا الشمالية والمجلس الأميركي لدراسات المجتمعات الإسلامية، يرأس تحرير موسوعة "أكسفورد للعالم الإسلامي الحديث" التي صدرت في أربع مجلدات كبيرة، ويرأس تحرير كتاب "أكسفورد حول التاريخ الإسلامي"، وقد صدر له حتى الآن خمسة وعشرون كتاباً أغلبها عن الإسلام والحركات الإسلامية والعلاقة بين الإسلام والغرب، من أبرزها "التهديد الإسلامي حقيقة أم خيال؟"، "الإسلام والديمقراطية"، "الإسلام والسياسة والثورة الإيرانية وأثرها الدولي"، "الإسلام في آسيا"، "الدين والسياسة والمجتمع"، "الإسلام والتنمية"، "الإسلام والعلمانية في الشرق الأوسط بالاشتراك مع عزام التميمي"، "المرأة في القانون الإسلامي"، "الإسلام السياسي"، "الثورة والتطرف والإصلاح"، "الإسلام والنظام العالمي" وعناوين أخرى كثيرة.

ولمشاهدينا الراغبين في المشاركة يمكنهم الاتصال بنا بعد ساعة من الآن على الأرقام التالية 00442074393910 أما رقم الفاكس فهو 00442074343370، كما يمكنكم المشاركة عبر الإنترنت على موقع الجزيرة على عنوان: www.aljazeera.netبروفيسور اسبوزيتو مرحباً بك.

جون اسبوزيتو: شكراً لاستضافتي.

صورة الإسلام السلبية عند الغربيين في الوقت الراهن وأسباب تكونها


أحمد منصور: في البداية ما هي صورة المسلمين ومفهوم الإسلام لدى الغربيين في الوقت الراهن؟

جون اسبوزيتو: أعتقد أن الصورة في هذه الأيام أكثر توازناً وأكثر تعقيداً مما..، حين بدأت في عملي في الستينات. اليوم يعتبر الإسلام موضوعاً في المدارس وفي الجاليات، وهناك مسلمون في أوروبا وأميركا كمواطنين، ولكن في الوقت ذاته -كما تعلم- هناك صور سلبية ضد الإسلام. تعكس في وسائل الإعلام، وهناك صور سلبية تتسبب فيها أحداث في العالم الإسلامي وفي الغرب، ولذلك هذه قضية معقدة.

أحمد منصور: هل تختلف الصورة في عقول الأميركيين عنها في عقول الأوروبيين، أم أن الصورة واحدة لدى الغربيين بشكلٍ عام؟

جون اسبوزيتو: أعتقد أنه في الوقت الذي هناك فيه فروقات بين مثلاً التجربة الأوروبية التي دامت أكثر مع المسلمين من التجربة الأميركية، أما من حيث تجربة المسلمين أنفسهم في حياتهم في بريطانيا أو في أميركا هناك بعض أوجه الشبه، فهم يعيشون في مجتمعات حرة يستطيعون التحدث فيها بحرارة وبحرية وهي أكثر حرية من الدول الإسلامية. ولكن من الجانب الآن عليهم أن يتعاملوا مع مواضيع مثل الإرهاب والصور التي تنقل عنهم ويتعرضون للمضايقة في.. بالنسبة لجوازات سفرهم.

أحمد منصور: لكن ما هي العوامل والأسباب التي أدت إلى تكوين هذه الصورة عن المسلمين في العقلية الغربية؟

جون اسبوزيتو: سوف أجيب على هذا من حيث تجربتي الشخصية الذاتية، ثم من حيث التحليل عندما بدأت بدراسة الإسلام في سنة 1967م في أميركا سألني الناس لماذا أفعل ذلك ولماذا تدرس عن هذا.. عن هؤلاء الناس الذين لا نعرف شيئاً عنهم، أو عن هؤلاء العرب البدو وما شابه؟!

كان هناك معلومات قليلة عن الإسلام، كانت هناك مفاهيم مغلوطة، بالنسبة لكثيرين من الأميركيين لديهم تجربة مع الإسلام في.. في الثورة الإيرانية والرهائن الأميركيين في إيران، هذه الصور لأميركا تتعرض للموت ويطالبون بموتها، الأميركيون في لبنان وما حدث لهم، ثم حرب الخليج وصدام حسين يعلن الجهاد ضد الغرب، يقول: "إن الغرب أعلن حرباً علينا وأنا سأعلن عليهم الحرب"، وقضية أسامة بن لادن، وهذه القصص هذه الأحداث ضد خلفية.. من الأميركيين يجهلون.. كل شيء عن الإسلام، وليس لديهم تجربة مع المسلمين كمواطنين أو كجيران، هذا في السبعينات، أنا أتحدث عن السبعينات، هذه الأحداث شكلت صورة عن الإسلام –بشكل خاص- بأنه متزمت عدواني مضاد للغرب.

أحمد منصور: لكن يعني بيلاحظ من خلال متابعتنا لوسائل الإعلام الغربية وكأن هناك أجندة لدى الإعلام الغربي تقوم على تشويه صورة المسلمين بشكل متعمد من خلال وسائل الإعلام.

جون اسبوزيتو: هناك بعض العناصر، أولاً: هناك البعض في وسائل الإعلام من دافع الجهل أو من دافع تعمد حماسهم الخاص يميلون إلى تشويه الإسلام، ولكن جزء من المشكلة في السبعينات وفي الثمانينات لم تكن وسائل الإعلام جيدة الاتصالات، لم تكن على علم بالإسلام، عندما وقعت الثورة الإيرانية كانت الجرائد تتحدث في أميركا عن "آية الله"؟ وما هذا؟ وماذا تعني كلمة "آية الله"؟ وماذا تعني كلمة "الجهاد"؟
والجزء الآخر من المشكلة تواجهونها أنتم.. أنتم أيضاً في وسائل الإعلام، وسائل الإعلام تريد الإثارة، تريد إثارة الجمهور وهذا..، والأرباح هي هدفها، ولذلك تريد أن تركز ليس على الخير الذي يدور في العالم، بل على المشاكل والقضايا المثيرة، كل هذه المفاهيم المغلوطة عن الإسلام وكذلك موضوع التركيز على الأحداث بشكل مثير شوه صورة.. حقيقة الإسلام وماذا يحدث في العالم الإسلامي؟

أحمد منصور: الدراسات المنشورة في.. في الولايات المتحدة تشير إلى أن حوالي 64% من الأميركيين وقد أشرت إلى هذا في اجاباتك بشكل ما- لا يعرفون أي شيءٍ عن الإسلام، أي يجهلون الإسلام جهلاً تاماً، وهذه نسبة كبيرة، هل يلعب الجهل دوراً كبيراً في العدواة ضد الإسلام؟

[فاصل إعلاني]

أحمد منصور: كان سؤالي لك عن الجهل بالإسلام لدى أكثر من 64% من الأميركيين، وربما ينسحب الأمر على الغربيين بشكلٍ عام هل يلعب هذا الجهل دوراً في العداء وفي الصورة المشوهة للمسلمين في العقلية الغربية؟

جون اسبوزيتو: لا شك في ذلك، أعتقد أن المشكلة إذا كنت لا تفهم شيئاً فإنك تميل إلى التعميم، مثلاً.. عندما كنت شاباً الشخص الأيرلندي الوحيد الذي عرفته كانت امرأةً لطيفة، ولكنها لم تكن ذكية وتأخرت في دراستها، فاستنتجت أن كل الأيرلنديين بطيئين في الدراسة، ولزوجتي أيضاً مفاهيم مغلوطة عن الإيطاليين لأنها ليست إيطالية. كثيرون من الأميركيين لا يعرفون شيئاً عن الإسلام والمسلمين، وفي الغالب وسائل الإعلام تشوه الصورة بسبب الصراع العربي الإسرائيلي، وهذا يثير مشكلة، لذلك في سنة 1993م حسيب الصباغ وسليمان الريان وغيرهم أنشؤوا هذه المؤسسة وجاؤوا إلى جورج تاون.. جامعة جورج تاون، وأنشؤوا هذا المركز، الذي أديره أنا، مركز التفاهم الإسلامي المسيحي. القضية كلها أن يكون لنا مركز مسيحيون ومسلمون من المثقفين نعالج هذه القضايا، ونغير الوضع في أميركا وفي العالم الإسلامي، ولذلك أعتقد نعم الجهل هو المشكلة الكبرى لدينا.

أحمد منصور: لكن يعني حتى أيضاً نسعى لفهم المسؤولية في هذه الصورة ثم نسعى لفهم الدور الذي تقومون به وما ينبغي على المسلمين أن يقوموا به بشكلٍ عام، كان ضيفي في الأسبوع الماضي هو السيناتور الأميركي السابق البارز (بول فندلي)، وقال: أن الصورة التي أصبحت موجودة لدى غالبية الغربيين الآن هو أن الإسلام يعني "الإرهاب"، و"مسلم" يعني "إرهابي" ما الذي أوصل الغرب إلى هذه الصورة بالنسبة للإسلام وللمسلمين؟

جون اسبوزيتو: أعتقد أنه محق، أنا أعرف السيد (بول فندلي) وقرأت كتابه، ولاشك أن هناك ميل لرؤية الإسلام نفسه كمتزمت ولا يميزون بين الصور المشوهة وبين الإسلام الحقيقي، هناك مشكلة ولكنني أختلف معه..

أحمد منصور [مقاطعاً]: ليس وحده.. يعني ليس فندلي وحده، يعني هناك الدكتورة إيفون حداد، وأنا التقيت بها والتقيت بك في الولايات المتحدة قبل أكثر من ثماني سنوات، وقالت لي نفس النظرة، وفي أول حوار صحفي أجريته معك في العام 93 كانت الصورة أيضاً قريبة من هذا الوضع: أن صورة المسلمين أنهم إرهابيين وصورة مسلم..، حتى أن إيفون حداد قالت لي: "أنها سألت عشرة طلاب ما مفهوم المسلم؟ تسعة منهم قالوا أن المسلم هو إرهابي".
الصورة أيضاً تترسخ، وكما أشرت أنت مما يحدث في فلسطين، وما يقوم به الإعلام الغربي.

جون اسبوزيتو: نعم.. أعتقد إيفون حداد عضو في المركز عندي ونعمل معاً، ولهذا كتبت كتاباً عن الخطر الإسلامي بين الحقيقة والخيال، ونشر في الإنجليزية وكذلك في العربية "دار الشروق" في القاهرة هي التي نشرت الطبعة الجديدة، هذه إذن قضية يجب أن نعالجها وإلا ترسخت مع مرور الزمن والأحداث وطريقة نشرها في وسائل الإعلام.

أريد أن أقول أن الوضع اليوم يختلف عن عشر سنوات وعن عشرين سنة سبقت لماذا؟ لأن الناس مثلاً.. مثلاً زوجتي حصل لها حادث وذهبت لمستشفى جورج تاون وكان الطبيبان الأولان سعودي وكان مقيماً في المستشفى وإيراني أميركي، المسلمون الآن أصبحوا على الصورة في أميركا، أصبحوا جيران لنا، هناك لازالت المشكلة طبعاً بعض أصدقائي من المسلمين يواجهونها، ولكن أعتقد أن المسلمين أصبحوا أكثر نشاطاً، وكلما ازداد نشاطهم، وكلما ازداد التعريف بهم، أصبحت الصورة تختلف عن عشرة أو عشرين سنة.

أحمد منصور: هل تعتقد.. هل تعتقد أن المسلمين يتحملون مسؤولية في هذه الصورة المشوهة عنهم؟

جون اسبوزيتو: نعم أعتقد ذلك، يجب أن أقول من أجل الجمهور أنني.. كنت أنني في هذا المجال منذ 35 سنة، وبدأت أدرس الإسلام مع مسلمين، مع أساتذة مسلمين وخريجين مسلمين، والتقيت بفلسطيني.. وسافرت كثيراً في العالم الإسلامي.. نعم.. أعتقد أن هناك أسباب كثيرة، أولاً: لم يكن هناك أي التزام حقيقي لتغيير الصورة، الالتزام أعني به المسؤولين ثم الموارد المالية، وأنا عندما أتحدث إلى المسلمين هناك ميول، هناك مثل: "ضع مالك فيما تعتقد"، أي أنفق على ما تريد ولكن ليست هناك أموال.. موارد مالية تكفي لمعالجة هذه القضايا. يجب أن تكون هناك موارد من.. من الناس ورجال الأعمال والسياسيين، لأننا نريد أن نغير هذا الوضع، نريد أن نضع برامج وهذا صعب. أنا أدير المركز لمدة أربعة سنوات وأعتقد أن من الصعب الحصول على الدعم المالي الذي نحتاجه، نريد إنشاء مراكز أخرى مثل مركزي في العالم الإسلامي، وكذلك أن يكون هناك تبادل للبرامج، ويكون لنا أثر على صناع القرار، ويكون لنا أثر على الجمهور، وهذا يقتضي وجود التزام شديد و.. لا يوجد ما يكفي، ولا يمكن للآخرين أن يفعلوه، يجب أن يفعله أيضاً مجموعة من الملتزمين.

أحمد منصور: معنى ذلك.. معنى ذلك أن المسؤولية بالدرجة الأولى تقع على الحكومات العربية والإسلامية التي لا تهتم بهذا الوضع بأي شكل.

جون اسبوزيتو: أعتقد أن الحكومات يجب أن تهتم بشكل أكبر، هذا رقم واحد، وكذلك على الحكومات أن تكون حذرة ولا تشجع صورة الإسلام المشوه بأنه متزمت جداً، يؤكدون على مخاطر الأصولية عليهم.. وبذلك إنهم يعززون صورة التشويه وأن الإسلام يساوي العنف والإرهاب، يجب أن يفرق الإنسان بين الإرهابيين وبين المعارضة الشرعية في العالم الإسلامي.
إذا لم يكن هناك تفريق فإنهم.. يضفون إلى الصورة المغلوطة عن الإسلام في الغرب.

أحمد منصور: أنت تسافر كثيراً إلى الدول العربية والإسلامية، هل صورة المسلمين في العالم الإسلامي تعطي شكلاً إيجابياً أو انطباعاً إيجابياً لمن يراها من الغربيين، أم أن صورة المسلمين في العالم الإسلامي تلعب أيضاً دوراً في تشويه هذه الصورة؟

[موجز الأخبار]

دور واقع المسلمين في تشويه صورتهم لدى الغرب

أحمد منصور: بروفيسور اسبوزيتو كان سؤالي عن صورة المسلمين في العالم الإسلامي وهل تلعب.. وهل يلعب واقع المسلمين في الدول العربية والإسلامية دوراً في تشويه صورتهم لدى الغرب؟

جون اسبوزيتو: أعتقد نعم، لقد قضيت وقتاً طويلاً في العالم الإسلامي، وأشعر أنني محظوظ لأنني قضيت وقتاً طويلاً هناك وأنت تعلم أن هناك أوضاعاً كثيرة تثير هذه الصور السلبية، مثلاً الحكومات المستبدة أو التي لها مشكلات مع حقوق الإنسان وعلاقاتها بالمواطنين، ولا.. ولا أتحدث عن سياستها تجاه الغرب، ولكن هذه الصور والتصرفات تخلق مشكلات في المجتمع الغربي تغذي الصورة عن الإسلام وعن الثقافة العربية بأنها ضد حقوق الإنسان، وأنها ضد النساء وما شابه، هذا يجب على الحكومات أن تغيره، ولكن من الضروري تغييره.

عندما بدأت عملي سألتني أمي: لماذا تفعل هذا؟! لماذا تعمل.. تعمل في هذا المجال؟! ولما ذهبت إلى العالم العربي دعتني إلى المطبخ وقالت: "لماذا تذهب للعالم العربي؟ فقلت أريد أن أحسن لغتي العربية وأن أدرس، فقالت: ألا يمكن أن توظف عربياً وتشتغل هنا؟ وسألتني أستاذك فلسطيني، أسأله عن أولاده إلى أي مدرسة يذهبون؟ وأسأله: لماذا يريد أن يذهب ابني للعالم العربي ليدرس الإسلام ويعيش هناك؟! كانت خائفة لأن صور الإسلام في ليبيا والقذافي وعلاقته بأميركا، كنا.. إذن نحن نتعامل مع الحقيقة ومع الأساطير والمفاهيم المغلوطة وهذا هو.. حال اليوم.

أحمد منصور: في المقابل مع هذه الصورة التي يلعبها المسلمون في العالم الإسلامي في تشويه صورتهم، المسلمون المقيمون الآن في الدول الغربية والذين يقدرون في الولايات المتحدة بسبعة ملايين، في فرنسا خمسة ملايين، في بريطانيا هنا مليونين، وبشكل عام في الدول الغربية حوالي خمسة وخمسين مليوناً. هل هؤلاء أيضاً يعطون صورة إيجابية للمسلم في الغرب؟

جون اسبوزيتو: أعتقد أنهم يساعدون في المشكلة، لأنهم حتى وقتٍ قريب لم يكونوا على الساحة، وهناك تأثير لهم من مثلاً الثورة الإيرانية، بعض.. كثيرون منهم من المسلمين يريدون أن يظلوا في الخفاء، ولكن أعتقد أننا نرى الآن عرباً ومسلمين ينظمون أنفسهم ويستجيبون بشكل إيجابي بالنسبة للأوضاع السياسية في بلدانهم، ولكن أعتقد أن هناك فارق بين أوروبا وأميركا، في الوضع الأميركي هناك مسلمون وعرب بأعداد أكبر وظاهرون في مناصب ومهن، أما في أوروبا فإنهم يميلون إلى العمل اليدوي، في الطبقة العمالية ولذلك من الصعب أن تبدأ.. أن يكون لك ضغط على المجتمع أو قوة نفوذ في المجتمع وتتخذ مكانك في المجتمع وتطالب بحقوقك، أعتقد أن هذا في بريطانيا. وفي السويد نرى أفراداً مثل البعض يعالجون هذه القضايا، وفي أميركا كثيرين مثل مؤسسات (كير) وغيرهم يتحدثون ويدافعون عن القضايا العربية والإسلامية.

أحمد منصور: يعني فيما يتعلق بهذا الجانب اليهود ظلوا يخفون هويتهم في الولايات المتحدة إلى ربما ثلاثون عاماً مضت، وبعد ذلك الآن يجهرون بشكل أساسي بتلك الهوية.

هل أنت مع إخفاء المسلمين لهويتهم، أم ضرورة أن يتفاعلوا مع المجتمعات الغربية بهويتهم ويظهرون فيها بقوة؟

جون اسبوزيتو: أعتقد أننا في القرن الواحد والعشرين، وهذا هو الوقت الذي يجب على المسلم أن يظهر فيه، أنا تربيت كأميركي إيطالي وعندما كنت شاباً وبدلاً من.. كانت الصورة عن العرب والمسلمين كانت صورة عن الإيطاليين والمافيا كانوا هكذا ينظرون إلينا، عندما كنت شاباً وعندما كانت هناك أفلام فيها إيطاليون سيئون كنا نذهب إلى مركز الشرطة ونخالف، ولكن اليوم يجب على العرب والمسلمين أن يظهروا، لأنهم الآن أقلية كبيرة، وفي كثير من هذه البلدان التي ذكرتها.. فإنهم أصبحوا بأعداد كبيرة، ولهم حق في هذه الديمقراطيات أن يطالبوا بحقوقهم حتى ولو كانوا أقلية قليلة، يجب أن يفعلوا ذلك، يجب أن يكون لديهم التزام أكبر بالنسبة..، من السهل للعربي والمسلم أن يدخل في المجتمع الغربي ويجد عمل، بصراحة هناك المسلمون والعرب كثيرون مثل الشعوب الأخرى يتحدثون عن مشكلاتهم، ولكنهم لا يفعلون شيئاً، يجتمعون على الغداء، ويتحمسون في قضية فلسطين، وعن الصحافة الصهيونية، ونتجادل ونعرق، وبعد أن تنتهي المأدبة كل واحد يذهب إلى بيته ولا نفعل شيئاً، نعتقد أن حديثنا كان يكفي، هناك يجب عملان يجب أن تفعله: الحديث، ثم توفير العمل والمال والتنظيم حتى يكون هناك نافذة.

أحمد منصور: هناك شقين يتعلقان بإجابتك لنا، الشق الأول يتعلق بالاندماج، هناك مخاوف لدى المسلمين في الغرب كبيرة من الاندماج في المجتمع، لأن الاندماج في مفهوم الكثيرين يعني الذوبان فيه، هل يمكن للمسلمين أن يندمجوا دون أن يذوبوا، أن يفعلوا ما أشرت إليه دون أن ينسوا قضاياهم الأساسية أو انتماءهم إلى بلدانهم الأصلية؟

جون اسبوزيتو: أعتقد أنهم يستطيعون ذلك، كنا.. كنت في مؤتمر أخيراً "كيف تصبح أميركياً؟"، التجربة اليهودية المسيحية الإسلامية، ومعنى ذلك أن اليهود والكاثوليك الروم عندما جاؤوا أول الأمر إلى أميركا كانوا أقلية كبيرة كانت قلقة من ذوبانها في المجتمع الذي كان بأغلبيته من البروتستانت..، المسيحيين البروتستانت، ولذلك كان عليهم مواجهة هذه القضية، مثلاً مجموعتي نحن طليان كانت عائلتي تخشى أن أنمو دون أن أعرف اللغة الإيطالية وأن أتحدث الإنجليزية، ولكن الشيء الآخر الذي يجب أن نواجهه ماذا يحدث لأديان هذه المجموعات؟ ولكنهم بدؤوا مدارسهم الخاصة وبدؤوا برامجهم للجيل القادم، وهذا ما يواجهه المسلمون، المسلمون في أوروبا وأميركا يواجهون ما حدث أو ما سيحدث للجيل القادم.

الأفارقة الأميركيين المسلمين لا يواجهون هذا، فهم أصبحوا جزء من المجتمع، ولكن المسلمون من أبناء المهاجرين وعليهم أن يواجهوا هذه المشكلة.

أحمد منصور: هناك. قضية أخرى تتعلق بهذا الجانب أيضاً هي قضية القوانين العنصرية التي تُفصِّل خصيصاً ضد المسلمين مثل: قانون الأدلة السرية في الولايات المتحدة الأميركية، والتفتيش الخاص في المطارات أيضاً في الولايات المتحدة الأميركية، كل هذا يصيب المسلمين المقيمين في الغرب بالخوف من مستقبل تواجدهم في العالم العربي.

جون اسبوزيتو: بالطبع، أعتقد أن الصعوبة تتمثل في أن هذه القضية تتعلق بالصورة، وهي عندما تمر بدائرة الجوازات، موضوع التشريع ضد الإرهاب في الولايات المتحدة وبريطانيا، والآن في كندا، وقانون الأدلة السرية. هذه الأعمال تبدأ عادةً لمحاربة الإرهاب، ولكنها تجدها غير مناسبة في معاملتها للعرب والمسلمين، فهي تعرف أو تتجه نحو العرب والمسلمين.

بدأت المشكلة من قضية تفجير (أوكلاهوما) التي ليس للمسلمين والعرب قضية فيها، هناك صور مبالغ فيها عن العرب والمسلمين ولذلك هناك استهداف لهم.

مرة أخرى هذه الأفعال يجب.. الأعمال يجب معالجتها مثل قانون الأدلة والذي ألغي، والكونجرس يريد الآن أن يلغي هذه التصرفات ولكن هذا يتطلب مجهود متحد بين العرب والمسلمين الأميركيين مع غير المسلمين في أميركا حول هذه القضايا.

دور اللوبي الصهيوني في تشويه صورة المسلمين

أحمد منصور: هناك أيضاً تقارير كثيرة تشير إلى أن اللوبي الصهيوني المؤيد لإسرائيل يلعب دوراً كبيراً في تشويه صورة العرب والمسلمين في الغرب. ما مدى حقيقة ذلك؟

جون اسبوزيتو: أعتقد أن من الناحية التاريخية لاشك في أن.. أن المصالح.. مجموعات المصالح الصهيونية لها تأثير غير عادل.. غير متساوي، يجب أن نتذكر عندما نتحدث عن اليهود في أميركا أو في أوروبا أن هناك فارق بين.. هناك فوارق بين الجاليات اليهودية كما هناك بين العرب والمسلمين، ليس كل اليهود صهاينة، خصوصاً ليس كل اليهود صهاينة يتخذون موقفاً موحداً من فلسطين ومن إسرائيل. الحقيقة أنه لا شك أن مجموعات مثل (إيباك) قامت.. وخبراء في.. ومسؤولين في الإعلام لعبوا في زمن من.. من الأوقات وهم من الصهاينة حاولوا الانحياز في تصورهم.. في تصويرهم للقضية، ولذلك للولايات المتحدة موقف خاص من وجود إسرائيل، بينما يجب أن يكون لديها التزام نحو القضية العربية، وأن يكون هناك توازن، والواقع أنهم يريدون أن يتهموا ويدينوا جهة لمصلحة الصهيونية، موقف الصهيونية مثلاً هذا موضوع مهم.

أحمد منصور [مقاطعاً]: لكن التعاطف.. التعاطف الأميركي أو الانحياز الأميركي الكامل أيضاً ضد.. مع إسرائيل ضد العرب يلعب دوراً في أن العرب يظلوا في الغرب أو المسلمين مستضعفين وصورتهم مشوهة.

جون اسبوزيتو: أعتقد أن المشكلة موجودة حتى في مخيلة الناس في أذهان الناس وفي المجتمعات، هناك صورة من جهة واحدة مشوهة، وهذه نتيجة عناوين الصحف والنفوذ الكبير للصهاينة، للقوى الصهيونية في أميركا. ولكن من المهم أن نعلم أنه في السنوات الأخيرة وفي ردود الفعل الأخيرة للانتفاضة.. انظر مثلاً إلى الإنترنت من أميركا ومن إسرائيل فإنك ترى الصهاينة يجادلون اليوم بأنهم لا يحبذون التغطية الإعلامية الحالية، لأن الأميركية أصبحوا أكثر وعياً وأكثر انتقاداً لما يحدث في الشرق الأوسط. كثيرون في أميركا بدأوا يتحدثون عن المطالبة بموقف عدم.. منحاز لإسرائيل، وهذا ما نحتاج على التأكيد عليه. ما هو الأفضل لأميركا؟ أن تكون منحازة في العالم العربي والإسلامي، ولكنك صحيح هناك قوى صهيونية لازالت موجودة، وعلى العرب والمسلمين أن يكونون تنظيم وفعالية.. وفاعلية.

أحمد منصور: يعني لا نلقى بالمسؤولية على الآخرين وإنما يجب أن تكون كما تقول: هناك جمعيات ومؤسسات تتحرك لمواجهة هذه الأمور.

جون اسبوزيتو: أعتقد أننا في هذا القرن الواحد والعشرين أتحدث عن مستقبل الإسلام، أعتقد أنا شخصياً أن هذا هو الوقت رغم المصاعب الموجودة للكثيرين في العالم العربي والإسلامي أن هذا هو الوقت للتمتع بثقة ذاتية وللعمل، والعرب المسلمين أن يدركوا بأن المعارضة يمكن أن تؤثر، كثيرون منهم لديهم مناصب عالية في أميركا، هناك كثيرون في العالم العربي والإسلامي ناجحون مالياً، السؤال: أين سيضعون أموالهم لتأييد هذه القضايا؟ وعلى الحكومات أيضاً أن تساهم، دائماً العرب يقولون: ليس لدينا قوة ولا نفوذ، هذه ليس صحيح، في أوروبا وأميركا هناك حاجة لعلاقات جيدة مع العربية والإسلامية وخاصة بسبب النفط.

أحمد منصور: هم يسيطرون عليه بدون ما يحتاجوا إلى هذه العلاقات يعني، أنتم تسيطرون، أو الأميركيين يسيطرون على النفط، ليسوا بحاجة إلى العلاقة!!

جون اسبوزيتو: أعتقد أن الأميركيون.. الأميركيين يخشون كم مدى نفوذهم.. نفوذهم في هذا، إلى مدى.. إلى أي مدى نفوذهم في هذا المجال؟ من يملك النفط؟ مع ذلك الحكومات تتخذ مواقف قوية أحياناً من أميركا، وأحياناً في صالح هذه الحكومات أن تسير مع أميركا لأنهم يحصلون شيئاً في المقابل. أريد أن أقول: علينا أن نكون جميعاً مستعدين أن نضحي بالتضحية الضرورية كأفراد وكحكومات لأن نحدث التغيير.

أحمد منصور: الآن أيضاً بعض الحملات التي يقوم بها المسيحيين الشرقيين والأقباط المصريين، والحديث عن أنهم يتعرضون للاضطهاد في الدول الإسلامية، هل يلعب هذا أيضاً دوراً في تشويه صورة الإسلام والمسلمين في العقلية الغربية؟

جون اسبوزيتو: نعم، أعتقد هذه من القضايا الهامة هي موضوع الحرية الدينية، نحن نهتم بالحريات الدينية للأقليات، ولكن الصورة يتم تركيزها بشكل غير متساوي بالنسبة للعرب. مثلاً ليس كل المجتمعات المسيحية مثلاً في أميركا وكندا هناك أقباط أيضاً في أميركا وكندا ويشعرون بالغضب من هؤلاء الأقباط المصريين الذين يبالغون في هذا الحديث عن مواضيع التمييز، والتمييز بينه وبين الاضطهاد الكامل، الموضوع الآن مطروح، وفي الولايات المتحدة اليمين المسيحي يعامل.. يتعامل بطريقة غير متوازنة، ويصف صور الإسلام..ويصف الإسلام بأنه خطر، بعض العناصر في اليمين المسيحي وفي الصهيونية يصورون الإسلام، ليس المتطرفين بل الإسلام نفسه، وأعتقد هذا موضوع يجب معالجته.

أحمد منصور: رغم أن عدد المسلمين في الولايات المتحدة يزيد عن سبعة ملايين وكما ذكرنا للدول الأخرى، إلا أننا لا نرى مسلماً واحداً في موقع أو في منصب سياسي في الدولة، في الوقت الذي تتبوأ فيه اليهود -وهم أقل- وغيرهم أماكن مرموقة، هل هناك تحيز ضد المسلمين في الوظائف بشكل خاص؟

جون اسبوزيتو: أعتقد أن هاك أشياء يجب أن نذكرها، أولاً في الماضي لم يكن المسلمون مهمين في المجتمع، أميركا بلد فيها تكتلات.. ضغوط، ولذلك فإن الجماعات تظهر على المسرح، هناك اللوبي التركي والهندي، وهؤلاء يظهرون ويقابلون رجال الكونجرس ويعاملون بجدية. في الانتخابات الأخيرة.. الأخيرة احتاج الرئيس بوش لمعالجة هذه القضية، ولكنه.. ولكنني عندما تحدثت في تجمع إسلامي حذرت المسلمين –كما حذرتهم في الماضي- أن الأمور في تحسين، أن كلينتون وبوش اليوم يعتبرون بالإسلام ويتحدثون ليس فقط عن الكنيسة والمعبد، بل عن المسجد أيضاً، ومعنى ذلك أنهم يريدون أن يأخذوا الإسلام بجدية، لا يكفي أن تأخذني أنا بجدية، ولكن المهم أن تؤيد سياساتي و.. موضوع التعيينات والشؤون الخارجية. مجلس الأميركيون المسلمون، ثم هناك.. قام "عبد الله العريان".. أخذ من اجتماع في البيت الأبيض، هذه القضايا بعد ذلك قام الرئيس اعتذر عنها. في الأيام.. في السابق لم يكن يحصل ذلك، لا يكفي للمسلمين أن يفرحوا لذلك، ولكن هذه هي الخطوة الأولى ولا تكفي، لم يكن يحصل هذا لو أن المسلمين لم يكونوا على المسرح في السياسة وفي الحكومة.

أحمد منصور: رغم الصورة المشوهة للمسلمين في العقلية الغربية إلا أن الإسلام هو أكثر الأديان نمواً في الغرب، حتى أصبح هو الدين الثاني في الولايات المتحدة، في فرنسا، في بريطانيا، في دول عديدة. ما هو تفسيرك لهذه الظاهرة؟

جون اسبوزيتو: أعتقد أن ما نراه عاملين، في السنوات الأخيرة رأينا زيادة في.. خصوصاً في الثلاثين سنة الماضية في هجرة المسلمين إلى أوروبا وأميركا، وقد هذا.. زاد هذا من العدد، ثم هناك نسبة المواليد، عائلات كبيرة، من الناحية الديمغرافية فإن العدد في.. في تزايد بالنسبة للعرب والمسلمين، وفي الوقت ذاته في الدول الأوروبية المجتمعات أصبحت أكثر علمانية، ولم يعد الدين هاماً، وهذا أعطى الإسلام والمسلمين فرصة لأن يصبح أكثر ظهوراً وفاعلية في المجتمع، حتى وإن كانت أعدادهم لازالت قليلة. ولكن قواتهم أو إمكانية قوتهم أصبحت تعطيهم نفوذاً أكبر. ولكن لا يزال هذا في عداد المستقبل.

أحمد منصور: يعني معنى ذلك أن المسلمين لو أصبحوا أكثر تنظيماً من ذلك، أكثر قوة من ذلك، أكثر دعماً واهتماماً بأدوارهم من ذلك في المجتمعات الغربية، يمكن أن ينتشر الإسلام على نطاق واسع أكثر مما هو الآن؟

جون اسبوزيتو: أنا أريد أن أقول أن هناك أقلية كبيرة من المسلمين لازالت أقلية، ولكنها أصبحت أكثر ظهوراً ونشاطاً وتنظيماً في نشر الإسلام وكذلك قاموا هم وكثيرون من العرب والمسلمين وغير المسلمين أصبحوا أكثر تنظيماً من الناحية المؤسساتية لمعالجة مواضيع التمييز في العمل ومعالجة القضايا المحلية والسياسية بالنسبة للحكومات التي يعيشون فيها. ولكن هذه ليست إلا بداية، أنا أقول لأصدقائي العرب والمسلمين: جئتم إلى طريق طويل وأمامكم طريق طويل، نحتاج لمنظمات عديدة، ونريد موارد مالية أكبر. عندما تحصل هذه المنظمات على أموال فقط عندما تحدث هناك أزمات أو حرب أو انفجار، ولكن يجب أن يكون هناك اقتناع لدى العرب والمسلمين بأن عليهم خلق مؤسسات لهذه القضايا، أن لا ينتظروا وقوع أزمة، يجب أن يكون أصدقاؤكم في المناصب الحساسة في الوقت المناسب.

أحمد منصور: أشرت إلى اعتذار الرئيس الأميركي بنفسه للمرة الأولى للمسلمين عن شيء حدث في مقابلة معه بعض المسلمين من المجلس الإسلامي الأميركي. هل مشاركة المسلمين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وما يقال عن أن أصواتهم رجحت إلى حدٍ ما كفة بوش قد أثارت في المجتمع الأميركي على وجه الخصوص حديثاً عن بداية وجود وزن للمسلمين في المجتمع لأميركي؟

جون اسبوزيتو: لا شك في ذلك، أعتقد أن مدى شعور الرئيس للحاجة إلى معالجة هذه القضايا تعني مدى نفوذ المسلمين في شؤون.. عندما شعر بالحاجة أن يتدخل، هذا يعني أن هناك وعي، أن رئيس الجمهورية يعلم بالوضع لأول مرة بأن المسلمين أصبحوا أقلية مهمة، وأصبحوا يصوتون. ولكن الفرصة في أن يصبح المسلم الأميركي فاعلاً هو أن يركز على القضايا، يجب أن لا ينحاوزا إلى أي حزب وإلا نسيهم الحزب الآخر، يجب أن يذكر المسلمون أن يظلوا منظمين. النقطة التي لا يفهمها العرب أن المسلمين كانوا منقسمين في هذه الانتخابات، والمسلمون المهاجرون صوتوا للجمهوريين، ولكن الأفارقة المسلمون صوتوا للديمقراطيين، ولذلك من الضروري أن لا يصوت المسلمون لشخص واحد وأن يختاروا القضايا التي.. الإسلامية التي ينتمون إليها.

أحمد منصور: من خلال هذه الصورة سؤالنا الأساسي الآن عن الوسائل التي ينبغي على المسلمين اتباعها والقيام بها من أجل تحسين صورتهم في العقلية الغربية، وبدايةً سؤالي عن الدور الذي يجب أن يقوم به المسلمون المقيمون في أميركا والدول الغربية.

[فاصل إعلاني]

دور المسلمين في تحسين صورتهم

أحمد منصور: كان سؤالي عن الوسائل التي ينبغي على المسلمين القيام بها لتحسين صورتهم وبداية دور المسلمين في الغرب؟

جون اسبوزيتو: أعتقد أن على المسلمين أن يعوا ماذا عليهم أن يفعلوا وبشكل أفضل، أعني أن يؤيدوا المنظمات الموجودة التي تروج لقضاياهم وتدعم قضاياهم وصورتهم، عليهم أن يكونوا أكثر تنظيماً وظهوراً في الغرب. عندما أنشأنا المركز في (جورج تاون) فكرنا في القضايا السليمة في الوقت المناسب وفي المكان المناسب، وهذا ما يجب أن يحدث مثلاً. مما نحتاجه الموارد المالية التي أسعى للحصول عليها من أجل استقطاب المثقفين المسلمين في (جورج تاون) وفي جامعة.. وفي واشنطن، وفي مدرسة الشؤون الخارجية لمعالجة الكثير من هذه القضايا، ليس فقط كزوار إلى البلاد، علينا أن نمول هؤلاء المثقفين والخبراء وأن نقدم المنح الدراسية حتى نستقطب العرب والمسلمين.. الطلبة العرب والمسلمين ونتبادل البرامج وورش العمل، ونعالج هذه القضايا، وأن نتصل بالمسؤولين الكبار، أن يكون لدينا وثائق عن المفاهيم المغلوطة، وننشر في وسائل الإعلام، يجب أن يكون لديهم مراكز أكبر، هذا موضوع هام.. نقول هذا منذ سنوات ولكنه لم يحدث، بعض أصدقائي في العالم العربي والإسلامي يقولون: أعطينا أموالاً ولكننا لم نجد مردوداً.

وعندما أقول لهم: "لقد أعطيتم أموالاً لقضايا خاسرة، لماذا تعطون لجامعة أميركية، لأستاذ في الهندسة أو في الكيميا؟ أميركا.. دعوا الأميركيين يفعلوا ذلك، عليكم.. عليكم أن تؤيدوا معرفة القضايا بالعالم العربي والإسلامي، المواضيع التي تحسن العلاقات بين الإسلام والغرب، يجب أن نفعل هذا، ليس فقط بالكلام ولكن بالمال، وهذا ما لا يحدث. (الجزيرة) محطة فاعلة لأن لديكم البنية التحتية لنشر المعلومات لكل العالم؟ ولو لم يكن لديكم التمويل لكانت محطتكم محدودة ولم يكن لديكم أي أثر فاعل، وهذا ما يجب أن يحدث أكثر فأكثر، يجب أن تكون هناك الأموال متوافرة، هناك طبعاً المال والتعليم، ولكن يجب أن يكون هناك الالتزام.

أحمد منصور: هذا بالنسبة للمسلمين المقيمين في الدول الغربية وجانب من المسؤولية التي تقع على المسلمين المقيمين في الدول العربية، ولكن الآن هل يستطيع المسلم العادي المقيم في إسلام آباد، أو في القاهرة، أو في الرباط، أو في أي بقعة، أن يقوم بدور لتحسين صورة المسلمين في الغرب؟

جون اسبوزيتو: أعتقد نعم.

أحمد منصور: كيف؟

جون اسبوزيتو: التحدي الذي نواجهه في هذا القرن.. القرن أن المسلمين في العالم الإسلامي وكذلك نفس المشكلة نواجهها في الغرب وهي التعددية والتسامح، التعددية تعني أن نقبل الفوارق. التحدي بالنسبة للمسلمين في باكستان مثلاً أن يقبلوا الفوارق بين السنة والشيعة في مجتمعهم، بعد ذلك يكون هناك تحسن لصورة الإسلام. عندما يرون الناس في الغرب النزاع الطائفي ماذا يكون هذا أثره على الإسلام؟

ثانياً: التسامح لا يعني فقط أن أقول: أنك موجود، التسامح يعني أن أفهم وأن أحترم آراءك، لا يجب أن.. علينا أن نتفق، ولكن أن نقدر ما نشترك به معاً، أعتقد أن المسلم العادي في العالم الإسلامي يجب أن يفهم الغرب بشكل أكبر، تماماً مثلما نحن لدينا المفاهيم المغلوطة عن الشرق، نعم الغرب كان متزمتاً، وكان مشتركاً في الحروب الصليبية والاستعمار والاستعمار الجديد، ولكن هناك أشياء جديدة يمثلها وجيدة يمثلها الغرب، وإلا لماذا يذهب المسلمون والعرب إلى الغرب؟ ليدرسوا ويعيشوا، ولو كان المسلم العادي فاهماً أو متفهماً للغرب بشكل أفضل فإنهم سيتواصلون مع الغرب بشكل أفضل، ولو.. أما إذا رأى الواحد الآخر بأنه العدو فبدلاً من التواصل بين الواحد والآخر، إذا أردت أن تنشر الدعوة فإنك لا تأتي بشخص وتصفعه في وجهه لتثير انتباهه وتقول له: مثلاً: أنت كافر، لا، وإلا.. أو تقول له: إن كل ما تعتقد به خطأ، فإن الناس يصبحون أعداء في.. في الفور، عليك أن تقول لهم: "لدينا فوارق، ولكن هناك أشياء مشتركة بيننا، نحن أبناء إبراهيم.. سيدنا إبراهيم، عليك أن تقول للآخرين: ليس هناك فقط يهودية ومسيحية، بل هناك إسلام، يهودية ومسيحية وإسلام، نعم هناك فوارق، ولكن هناك أشياء مشتركة. بذلك نثير اهتمام بعض ونتوصل، أعتقد هذا ما يجب على المسلم العادي في العالم الإسلامي أن يفعله ليكون مؤثراً، تماماً كالمسلم العربي في الغرب.

أحمد منصور: لكن جزء كبير من هذه المسؤولية يقع على الحكومات بالدرجة الأولى.

جون اسبوزيتو: نعم، وماذا علينا أن نفعله؟ أعتقد أن هذا تحدي تواجهه الحكومات من جهة، الحكومات في العالم الإسلامي أو الغرب تهتم بالاستقرار السياسي وبأمنها وبمصالحها القومية، ولكن من جهة أخرى على الحكومات أن تهتم أيضاً بالقضايا الرئيسة حسبما أعتقد، مثلاً: حق تقرير المصير وحقوق الإنسان، أي حرية المواطن في كل بلد أن يكون لديه تأثير على من ينتخب ليحكمه، وكذلك على القضايا المحلية والخارجية، وهذا صحيح في أميركا وأوروبا، وكذلك يجب أن يكون صحيحاً في العالم العربي والإسلامي. وإذا لم يتحقق هذا التغيير، وأن يكون تغييراً كبيراً وهو لم يحدث.

الموضوع الثاني: أن العرب والمسلمين يجدون مصاعب في بلدانهم، ولكن عليهم أن يكونوا –مع ذلك- فاعلين ويتصرفون بشجاعة لنشر قضاياهم في الغرب، كما قلت سابقاً كثيراً ما يغذَّون في المخاوف وفي المفاهيم المغلوطة عن الإسلام الموجودة في الغرب بدلاً من تصحيحها.

أحمد منصور: اسمح لي آخذ بعض المشاركات، معنا السيد نهاد عوض (مدير مجلس العلاقات الأميركية – كير) سيد نهاد مرحباً بك من واشنطن.

نهاد عوض: مرحباً فيك أستاذ أحمد.

أحمد منصور: أشار البروفسور اسبوزيتو إلى موضوع هام وهو أنكم انتزعتم من الرئيس الأميركي (جورج W بوش) اعتذاراً بالنسبة للمسلمين يعتبر الأول من نوعه في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية عن تصرف قام به الأمن بالنسبة لمقابلة قمتم بها مع نائبه. كيف انتزعتم اعتذار الرئيس الأميركي؟

نهاد عوض: أولاً أرحب بك وبصديقنا الدكتور جون اسبوزيتو الذي يساهم مساهمة فعالة في تطوير الحوار بين المسلمين والمسيحيين والمجتمع الأميركي هنا. بالنسبة لقضية الاعتذار هي الحقيقة جزء من ممارسة انتهجناها منذ فترة طويل وهي: الاتصال المباشر بالإدارة، والاحتكاك بها، وتوعية المسلمين بضرورة لعب دور فاعل ومتميز في الولايات المتحدة، لأن لدينا قضايا كثيرة، ولدينا هموم وأيضاً آمال في الساحة الأميركية. وواضح أن الإدارة الأميركية وعدت الجالية ووعدتنا، خصوصاً الرئيس (بوش) خلال حملته الانتخابية بأن يتقرب أكثر للمسلمين، وأن يعكس وجهات نظرهم سواء في سياسته أو برامجه. وما جرى منذ أسبوعين هو إقصاء بعض أعضاء وفد في زيارة مع البيت الأبيض، ويعني رأينا أنها كانت إهانة موجهة للمسلمين، واتخذنا قرار مشترك وموحد في نفس الوقت بالخروج من قاعة الاجتماع كاحتجاج على تصرف السلطات الأمنية التابعة للبيت الأبيض، فنحن نكافح التمييز العنصري والمضايقات خارج البيت الأبيض، فإذا كانت موجودة في.. داخل البيت الأبيض فأنا أعتقد أن هذه إهانة ليست فقط لمسلمي أميركا إنما حتى مسلمي العالم، كان لابد من الرئيس أن يعتذر واعتذر، وكنا حتى في لقاء اليوم.

أحمد منصور [مقاطعاً]: هل طالبتموه بالاعتذار أم أنه اعتذر بشكل تلقائي؟

نهاد عوض: يعني لا شك نحن اتصلنا بالإعلام وعقدنا مؤتمر صحفي مباشرة وطلبنا من المسلمين بالاتصال، وطبعاً أمام الضغط الإعلامي والإحراج كان لابد له أن يعتذر ونحن قبلنا الاعتذار، لكن نعتقد أنه غير كافياً، فنحن بحاجة إلى..

أحمد منصور [مقاطعاً]: ما الذي تطلبونه غير الاعتذار؟! اعتذار الرئيس الأميركي، الرئيس الأميركي لا يعتذر لرؤساء الدول العربية يعني اعتذار لكم!!

نهاد عوض: نعم، نحن.. نحن مسلمين أميركيين، والرئيس لديه مسؤولية تجاهنا، كما نحن لدينا مسؤولية في تقديم وجهات نظر قوية وأخذ مواقف تعكس حقيقة مصالح أميركا سواء داخل أميركا أو خارجها ولهذا نحن نتعامل مع الرئيس كمندوب عنا كمسلمين، ونحن دافعي الضرائب، نحن الذي ندفع الضرائب وندفع راتب الرئيس وغيره، ولهذا العلاقة مع الرئيس علاقة جدية وعلاقة تعاون، وليست يعني..

أحمد منصور [مقاطعاً]: ما الذي تطالبون به غير الاعتذار؟

نهاد عوض: نحن ما طالبنا به وكنا يادوب يعني أتينا من لقاء في البيت الأبيض، نريد أن يكون هناك تمثيل حقيقي..

أحمد منصور [مقاطعاً]: متى؟ اليوم؟

نهاد عوض: نعم، منذ ساعة تقريباً، طلبنا أن يكون هناك تمثيل حقيقي للمسلمين في البيت الأبيض، وأن يكون هناك توظيف، وهم وعدوا بتوظيف على الأقل شخص مسلم يقوم بالاتصال بين البيت الأبيض والمؤسسات الإسلامية، طبعاً كان اللقاء في دائرة محدودة، لكن طلبنا لقاء مع الرئيس لأن نشرح له ضرورة تصحيح الكثير من المفاهيم والسياسات التي يجب أن.. أن تؤخذ بعين الاعتبار من وجهة نظر إسلامية أميركية. فبمعنى آخر نحن في تعاملنا مع الإدارة عندما نطلب وجود أكثر في دوائر صنع القرار نحن نطالب منه أن يعكس.. يعكس حقيقة الوجود الإسلامي في أميركا، وحقيقة المجتمع الأميركي على أنه متعدد، ليس فقط الجنسيات إنما الأديان والتوجهات الفكرية.

أحمد منصور: السيد نهاد عوض (مدير مجلس العلاقات الأميركية – كير) أشكرك جزيلاً، لديك تعليق على ما ذكره؟

جون اسبوزيو: نعم، أعتقد أن ما قيل يعالج بعض القضايا التي أثرتها، وأريد أن أقول كتعليق: إن ما على الأميركيين المسلمين أن يفعلوا أن يستمروا في.. في الضغط، وأن لا يقتنعوا فقط بمسلم أميركي فقط يكون ضابط اتصال، يجب أن يطالبوا، وقد حان الوقت أن يكون هناك موظفين مسلمين في مناصب هامة، ليس فقط في المناصب الصغيرة، ولكن في المناصب الرفيعة داخل الحكومة الأميركية وصنع القرار، وكذلك في وزارة الخارجية. الرئيس كلينتون وبوش وعدا بعمل تحسينات في هذا الأمر، ولكنهم.. ولكنهما لم يفعلا ذلك، على الأميركيين المسلمين المطالبة بردود فعل مناسبة تناسب حجمهم، لا يجب أن يكتفوا بتعيين أو بمبادرة أو مبادرتين بسيطتين، حال الوقت الآن أن يكونوا أكثر إقداماً وأن يؤكدوا على ذلك في الانتخابات المحلية والقومية.

أحمد منصور: ثوري أنت!!

جون اسبوزيتو: بعضهم يقول ذلك!!

أحمد منصور: عبد الرحمن البلوي –رجل أعمال سعودي- يقول لك: ألا ترى أن الإعلام الغربي نفسه هو أيضاً من يشوه صورة المسلمين، وقد ظهر ذلك بشكل واضح حينما حدث انفجار مركز التجارة في أوكلاهوما؟

جون اسبوزيتو: أعتقد أن وسائل الإعلام شاركت في خلق هذه الصورة، وكثيرون تحدثوا في هذا الموضوع، نحن نشرنا موضوع لـ (جاك شاهين) عن المفاهيم المغلوطة، والبروفيسور شاهين زائر في مركزنا، ونشر حديثاً.. كتاباً عن صورة العرب والإسلام في الأفلام السينمائية في العشرين سنة الماضية. يجب أن أذكر أيضاً أن وسائل الإعلام الأميركية حاولت أحياناً أن تعالج هذه القضايا، هناك قضايا في.. بالنسبة للحج وللمسلمين الأميركيين، وهناك أيضاً برامج يقوم بها المسلمون الأميركيون عن الإسلام وعن الثقافة الإسلامية و عن النبي محمد، ولذلك أعتقد أن هذه الفرص ما كانت توجد قبل عشر سنوات. ولكن يجب أن تستمر الضغوط من ناحية تثقيف وسائل الإعلام، وكذلك من ناحية انتقادها. المسلم الأميركي يملك الآن وسيلة للاتصال بوسائل الإعلام، إذا لم تستجب فعلينا أن نقاطع الجريدة مثلاً، أو نقاطع البضاعة المعينة، أو أن نقوم بإضراب أو نعتصم، هذا الوقت لعمل بهذا الشأن.

أحمد منصور: أعتقد أن العرب محتاجين إلى زعيم مثلك!!

جون اسبوزيتو: أنت تعلم أنني من جنوب إيطاليا.. من صقلية، وأقول للناس: أنا أكيد أصلي عربي!

أحمد منصور: من ناحية التجارب العملية هل كانت هناك جماعات دينية أو عرقية في الولايات المتحدة أو في الغرب تعاني من صورة مشوهة مثل صورة المسلمين في العقلية الغربية ونجحت هذه الجماعات في تحسين صورتها؟

جون اسبوزيتو: نعم.

أحمد منصور: من؟ وكيف؟

جون اسبوزيتو: أعتقد مثلاً في من تجربتي عندما.. نَموْتُ وخلال دراستي اليهود والإيطاليين، اليهود الأميركيين كانوا يصورون بأنهم معقوفي الأنوف، ولونهم أسمر، ولهم ثقافات مختلفة ومواقف مختلفة، وأنهم يشكلون خطراً في.. في أميركا أو حتى في ألمانيا خلال (الهولوكوست)، الإيطاليون عندما.. كنت صبياً قبل وصول.. قبل استهداف العرب والأميركيين كان الإيطاليون هم العصابات والمافيا، المقامرون، ورجال العصابات، كانوا كلهم يصورون بأنهم من إيطاليا.

..مثلاً الذين يعذبون النساء -يضربون النساء، ويسفكون الدماء هم الإيطاليون.
ولكن عندما أصبح الإيطاليون في مناصب مهمة في التجارة وبالسياسة أصبحوا يعالجون هذه القضايا، وعندما أصبحت أستاذاً في الجامعة كان عندي زميل أخذني إلى الغداء وقال: يا جون، كيف حديقتك؟ فنظرت إليه، قال: ماذا عن الباذنجان والـ..؟ وقلت.. فقلت: أنا ليس عندي حديقة، فقال: كل الإيطاليين لديهم حديقة، كيف.. خارج الدار..

والإيطاليون كلهم يصنعون أشياءً في الحدائق. هذه مفاهيم مغلوطة عن الإيطاليين، نحن.. هناك إيطاليون يديرون شركة كوكاكولا، والعرب والمسلمون لديهم –أيضاً- المقدرة –على المدى الطويل- أن يغيروا أن يظهروا في أميركا ويغيروا الصورة. هناك عرب أغنياء جداً في أميركا من الصعب ربما في أوروبا لأنهم من الطبقة العاملة، ولكنهم ولكن هناك مجموعات حققت تغييراً.

يجب على العرب والأميركيين أن ينظروا إلى المواضيع وإن كانت مختلفة، هناك مثلاً ينظر إليهم بأنهم مختلفون مثلاً عن اليهودية والمسيحية، الإسلام يوضع دائماً مع البوذية والهندوسية، ولكن هذا بدأ يتغير وعلى المسلمين وغير المسلمين أن يؤكدوا أنه مهماً كانت الفروقات فإن اليهود والمسيحيين والمسلمين يتشاركون في اعتقاد واحد، في إله واحد، وفي الأنبياء، وفي الوحي، وفي العدالة الاجتماعية.

وبالرغم من الفروقات في هذا القرن من الضروري أن نجد أساليب للعمل معاً، أما إذا نظرنا إلى بعضنا كأعداء أو كفار فإن لدينا مشكلة، علينا أن نرى بعضنا كمؤمنين، مشتركين في الإيمان، ومواطنين، وجيران، هذا لا يعني عدم وجود فوارق ولكن يجب..

أحمد منصور [مقاطعاً]: لكن كثير من المسلمين بالفعل –يعني- يعتقدون أن العداء بينهم وبين الغرب هو عداء أبدي، ولن يتوقف إلا بحرب يزيل فيها أحد الطرفين الآخر.

جون اسبوزيتو: بعض الناس في الغرب يعتقدون ذلك أيضاً، ولكن السؤال: هل نجلس ومكتوفي الأيدي؟ من وجهة نظري، وندع هذه الأقلية –حسب اعتقادي- تترك هذا الأمر يحدث، أم نقوم بتغيير الوضع؟ أعتقد مثلاً إذا نظرت إلى الإسلام أو إلى القرآن وإلى السنة.. سنة النبي هناك أشياء واضحة واعتراف واضح من حيث أخلاق الكتاب، عندما ننظر إلى التاريخ بأكمله من ناحية العلاقة بين المسلمين المسيحيين واليهود، نعم، هناك أزمنة حصلت فيها حروب وجهاد وحروب صليبية، ولكن كانت هناك ضمن ديننا ضمن أدياننا أنه أن علينا أن نفعل شيئاً، ربما استغرق هذا وقتاً طويلاً حتى القرن الواحد والعشرين –لأول مرة- قام البابا بزيارة مسجد الأموي في دمشق، نريد أن نؤكد على هذا الموضوع، وعلى المسلمين أن يبحثوا عن هذه الجسور ويبنوها.

في مجتمعي وأصدقاء كثيرين لي يبنون جسوراً للتفاهم، هناك مؤتمرات.. نقوم بمؤتمرات في العالم العربي وحول آراء المسلمين في للغرب وآراء الغرب للمسلمين، لقد نشرنا كتاباً في هذا الموضوع اشترك فيه العرب والغربيون في هذه القضايا علينا أن نفعل المزيد من خلال وسائل الإعلام ومن خلال الدبلوماسيين، من المشكلات هناك في العالم العربي وفي العالم الإسلامي متطرفون، هؤلاء يشجعون الحروب من الناحية الفكرية وكذلك سياسياً وعسكرياً، علينا نحن مهمتنا أن نتحدث وإلا نعم، سوف يكون هناك الخطر بـ..

أحمد منصور [مقاطعاً]: لكن اسمح لي الأسلوب الذي تريد به أميركا الأحداث في الشرق الأوسط لاسيما الصراع بين الفلسطينيين.. بين العرب وبين الإسرائيليين يدفعك.. مزيداً بالعرب بمزيد من الكراهية بالنسبة للأميركيين، ويؤكد أن الأمر لن يحسمه الحوار الذي تتحدث عنه والذي أنفقت معظم عمرك من أجله، وإنما سوف تحسمه الحرب.

جون اسبوزيتو: كنت دائماً أقول كلما تحدثت في العالم الإسلامي سألوني أولاً: إذا كنت تتحدث وتكتب عن الإسلام وتفهم الإسلام فلماذا أنت لست مسلماً؟ ثم السؤال الثاني..

أحمد منصور [مقاطعاً]: أنا عندي كثير من الأسئلة حول هذا الموضوع عبر الإنترنت.

جون اسبوزيتو: السؤال الثاني: اشرح الثالوث في المسيحية، كيف يكون هناك إله واحد إذا كنت تعتقد بوجود ثلاثة؟

والسؤال الثالث: اشرح السياسة الخارجية الأميركية؟ جوابي عن الثاني والثالث كانت دائماً الله أعلم!! الآن أريد أن أجيب عليهم. أنا أوافقك في أنه في كثير من الأحيان هناك مشكلات كثيرة في قضايا السياسة الخارجية الأميركية، وكثيرون يعرفون ولا أقول هذا فقط لمجرد أنني أقوم بهذه المقابلة الآن أعتقد أن المشكلة مستمرة أن قضية فلسطين لازالت قضية هامة وقضية كشمير وششنيا [الشيشان]، ولكن هناك أيضاً مواقف متزنة مثل كوسوفو، ولكن التحدي..

أحمد منصور [مقاطعاً]: المصالح.. هناك مصلحة أميركية.

جون اسبوزيتو: مصالح، ولكن علينا أن نعترف بذلك، إذا كان هناك عرب أو مسلمين أو غير مسلمين، الدول تتصرف حسب مصالحها، وعلينا أن نؤكد ونظهر بأن.. بأنه من مصلحة أميركا القومية أن يكون لها سياسة متزنة في الشؤون الخارجية بالنسبة لفلسطين وإسرائيل، إن ذلك في صالح أميركا أن يكون لها سياسة متزنة بالنسبة إذا كان الموضوع يتعلق بششنيا. فإذا لم تتصرف أميركا وأوروبا بأسلوب متزن فإن المسلمون والعرب محقون في قولهم: إن أميركا وأوروبا يؤمنون بحق تقرير المصير والديمقراطية لأنفسهم، وهذا اختيار.. وهذه معايير مزدوجة، هذه القضية موجودة..

أحمد منصور: بصفتك أحد مستشاري وزارة الخارجية الأميركية، تستدعى إلى الكونجرس في جلسات الاستماع، هل لدى الحكومة الأميركية استعداد حقيقي لفهم حقيقي للإسلام والتعامل مع المسلمين وقضاياهم بشفافية؟

[موجز الأخبار]

موقف الحكومة الأميركية من التعامل مع قضايا المسلمين

أحمد منصور: كان سؤالي لك أنه بصفتك أحد مستشاري وزارة الخارجية الأميركي، أحد الخبراء الذين يستدعون إلى الكونجرس للإدلاء بشهاداتهم حول بعض القضايا، هل هناك توجه لفهم حقيقي لقضايا الإسلام والمسلمين من الإدارة الأميركية والتعامل معها بأسلوب عادل؟

جون اسبوزيتو: يجب أن أذكر أولاً أنني من جامعة (جورج تاون) وليس (جورج واشنطن)، ولكن بالنسبة لجواب على.. للجواب على السؤال، قمت بين وقت وآخر بتقديم المشورة لمسؤولين أميركيين، ولكن يعتمد هذا على ما هي الحكومة الموجودة، بالنسبة للصور المغلوطة عن الإسلام هناك تغيير مثلاً خلال حكومة الرئيس (بوش) الأب كان هناك مساعد وزير الخارجية (إدوارد جرجيان) الذي صرح عن الإسلام في السياسة الخارجية، ثم جاء بعده (روبرت بلترو)، وقام بتصريح مشابه عن الإسلام والمسلمين، والآن في عهد (كلينتون) الثاني تغير هذا الوضع، وقلت أن هذا التغيير أن الكثيرين من مستشارين كلينتون في الشرق الأوسط في تلك الفترة وحول قضايا الإسلام والعرب معظمهم كانوا ميالين لإسرائيل، لذلك الوضع يعتمد على الحكومة. إذا نظرت مثلاً إلى.. إلى الحكومة الأميركية اليوم والمناقشات والجدل الدائر.. الجدل العام في المؤتمرات في داخل وزارة الخارجية أو في وزارة الدفاع من الواضح أن هناك لم يعد هناك رأي واحد عن الإسلام، هناك آراء مختلفة. المشكلة هي ليس الموضوع ماذا يقول المسؤولون ولكن إلى من يصغي المسؤولون الكبار، وفي هذا التغيير يتم التغيير ببطء ولازال الوضع بدلاً من أن يكون سياسة متزنة نحو الشرق الأوسط هناك ميول نحو إسرائيل، انحياز نحو إسرائيل.

أحمد منصور: كثيرون يسألون عن عنوان البروفيسور اسبوزيتو وكيفية الاتصال به، يمكنكم الاتصال به والحصول على مزيد من المعلومات عبر موقع مركز التفاهم الإسلامي المسيحي على شبكة الإنترنت: www.cmcv.net

أعتقد أن العنوان سيوضع الآن للذين يرغبون في الكتابة أو الاتصال بالبروفيسور اسبوزيتو أو بمركز التفاهم الإسلامي المسيحي.
عندي سؤال هام على الإنترنت من آلاء تقول لك: هل تبحث عن الحقيقة فيما تقول، أم أنك تجمع معلومات لحكومتك، أم أنك تقول هذا من أجل التمسك بوظيفة ووضع اجتماعي جيد؟

جون اسبوزيتو: هذا سؤال مثير للاهتمام عندما بدأت دراستي عن الإسلام في آخر الستينات كانت ردود أفعال أصدقائي وعائلتي: أنت لن تحصل على وظيفة، لا يوجد اهتمام بالإسلام، ولذلك لن تجد وظيفة.

كنا بدأنا برنامجاً عن العالم الإسلامي وكنت أول خريج بشهادة الدكتوراه في الإسلام، وكان ردود الفعل أنه لن يكون هناك وظيفة، وبالفعل عندما تخرجت لم يكن هناك وظيفة، اشتغلت أول الأمر في تعليم الديانات العالمية الهندية والبوذية، وثم بعد ذلك الإسلام.

منذ سنة 1967م حتى 1974م عندما حصلت على شهادة الدكتوراه من 74 إلى 79 نشرت أربعة مقالات فقط، نشرت فقط في العالم الإسلامي، ومعظم الناشرون لم يكونوا مهتمين بنشر مواضيع عن الإسلام.

كانت هناك الثورة الإيرانية التي جاءت بالإسلام على الخريطة في الغرب، عندما دخلت طبعاً لدراسة الإسلام لم يكن لغرض الوظيفة، كنت أجلس في برج عاجي أنتظر أن يرن الهاتف، ولكن لهاتف لم يرن أبداً!! في سنة 1980 فقط.

إذاً لم يكن غرضي الوظيفة أعتقد أن من الضروري أن يثير الناس هذا السؤال: لماذا أقوم بهذا العمل؟ لأن كثيرين لا يفهمون عرب أم مسلمين أم حتى غير المسلمين، كلهم يسألون، ولكنك لست عربياً ولست مسلم، فلماذا تفعل هذا؟ لماذا تدرس هذه المواضيع؟

أحمد منصور [مقاطعاً]: يعني أنت.. أنت –حتى يدرك القاريء الذي لم يحضر الحلقة من بدايتها- مكتبة عن الإسلام كاملة 25 كتاباً، موسوعة من أربع مجلدات ربما تزيد عن ألفي صفحة، هناك كتاب شهري عن تاريخ الإسلام عن أكسفورد يصدر، كل هذا أنت تقوم به وتقدم صورة كل المسلمين في الغرب يشعرون أنها صورة دقيقة أو قريبة من الصحة بشكل كبير عن الإسلام.

جون اسبوزيتو: أشكرك، كثيرون قالوا لي هذا، أنا أعتقد أنا واحد من الكثيرين الذين يقومون بهذا العمل، زملائي في المركز التفاهم المسيحي الإسلامي يقومون بذلك، وأعتقد أنني أجد تحدياً للمسلمين وغير المسلمين، وأقول لهم: إنني أقوم بما أؤمن به، ليس علي أنا أكون مسلماً لأن أفعل ذلك، إنني أقول عن الإسلام والمسلمين لأنني هذا ما أراه وما أعتقد به، وهذا ما أقوله عندما أقوله.. وهذا ما أقوله للمسلمين وغير المسلمين.

غير المسلمين يتساءلون: لماذا تقول هذا إذا كنت غير مسلم؟ والمسلمون يتساءلون: إذا لم تكن مسلماً فلماذا تفعل ذلك؟ ولكنني أعتقد أؤمن بالحقيقة وبالذين يؤمنون بالله وبالعدالة الاجتماعية، وعلينا أن نتحدث بصراحة، علينا أن نتحدث بصراحة عن فلسطين وعن شيشاينا لأنني أؤمن بذلك.

أريد أن أعالج النقطة الأخيرة، علينا أن نصل إلى نقطة نتوقف فيها عن الهوس بأنه كل الناس مخابرات أو أنه في (C.I.A)، و(F.B.I)، يجب أن يفهموا أن هناك أشخاص يعيرونهم بهذه الألقاب، ولكنني أؤمن بما أقول وما أكتب، انظروا إلى سجلي، إنني كنت مخاطراً وتحملت مخاطر كثيرة، ولكن هناك كثيرين مثلي، خذ مثلاً إدوارد سعيد، وليد الخالدي مثلاً، هناك كثيرون كانوا يقومون بهذا العمل..

أحمد منصور [مقاطعاً]: كلهم هم.. كانوا ضيوف في هذا البرنامج أيضاً مثلك وليد الخالدي وإدوارد سعيد من قبل.
عندي سؤال مهم في إطار ما طرحته من يحيى إدريس يقول لك: ما رأيك بمستقبل الإسلام؟

مستقبل الإسلام في الغرب

جون اسبوزيتو: إنني أكتب موضوعاً.. كتاباً في هذا الموضوع، ربما هذا موضوع صعب ويتعلق بكل الموضوع بأجمله، أعتقد أن القرن الجديد الواحد والعشرين في كثير من النواحي يمكن أن يكون قرن الإسلام من جديد، من حيث أن القرن الواحد والعشرين هو أكثر من أي وقت مضى –أصبح الإسلام ديناً عالمياً بشكل حقيقي، ليس الإسلام والغرب، ولكن الإسلام في الغرب، المسلمون أصبحوا جزءاً من الغرب لم يعودوا زواراً، أصبحوا جزءاً من المجتمع الأميركي. في كثير من النواحي إذاً القرن الواحد وعشرين.. الواحد والعشرون قرن هام بالنسبة للعرب والمسلمين، من ناحية الدول العربية والإسلامية هل سيقومون مثل الدول الغربية بالتفكير على المدى البعيد بدلاً من المدى القصير، مثلاً يجب أن تركز القوانين في العالم العربي على المشاركة السياسية والحقوق.. حقوق الإنسان والمجتمعات المدنية والمستقبل، كيف نبني مجتمعاً قوياً من الداخل؟ وكذلك في الخارج.

من المهم على.. من الضروري المسلمين أن يتحلوا بهذه القوة كدول فقط ولكن كمسلمين أفراد عليهم مثلاً دائماً يلومون الخارج، وللخارج طبعاً قوى وتأثير، ولكن لدينا أيضاً نحن مسؤولية، والمسلمون لديهم مسؤولية التغيير في المستقبل تماماً كما على أن غير المسلمين تحقيق مجتمع عادل.

القرن الجديد ومستقبل الإسلام.. يعتمد على كيفية العرب والمسلمين في التصرف والمشاركة مع الآخرين في العمل من أجل المستقبل.

أحمد منصور: يعني أن يقول مفكر غربي هذا الكلام وبهذه القوة فأعتقد أيضاً أن هذا الكلام بحاجة إلى أن يتم التفكير فيه بشكل دقيق، دائماً يقال عن وجود حوار بين الإسلام والغرب، وأنت تتبنى هذا الأمر منذ مدة طويلة، هل هناك أي فوائد تم جنيها من وراء هذا الحوار، أم أنه مجرد حوار بين أكاديميين عرب ومسلمين وغربيين داخل غرف مغلقة، وليس له أي أثر في المجتمعات الغربية؟

[فاصل إعلاني]

أحمد منصور: تفضل بالإجابة.

جون اسبوزيتو: كما تعلم مركزنا.. مركزنا يؤمن بالحوار وهذه هي سنة الحوار، وما قلته أنت صحيح: الحوار لا يمكن أن يأخذ مكانه خلف.. بين المثقفين وعلماء الدين وفي المؤتمرات في الفنادق وفي الأقبية، لا يكون له أثر بهذا الشكل، عندما بنينا المركز في جورج تاون كان هدفنا أن لا نقوم بالعمل خلف جدران مغلقة بل أن يكون لنا أثر في واشنطن وفي العالم، ونحصل على هذا الأثر من خلال الحوار، ومن خلال ما تكتبه وكيف تنشره في العالم. كثيرون من كُتَّابنا تترجم كتبهم إلى اللغات الإسلامية والغربية، بذلك يكون هناك أثر لهذا على وسائل الإعلام في العالم الإسلامي وفي أميركا وفي أوروبا، سوف تحصل على هذا الأثر إذا كانت لك اتصالات مع الدبلوماسيين ورجال الأعلام.. الإعلام، وهذا ما أقصده بالحوار في القرن الواحد والعشرين، والأهمية في الحوار الحضاري حول مستقبل الإسلام يجب أن نكون استراتيجيين في مفهومنا وفي سياستنا، وإلا لما كان لنا أثر فاعل، الكلام بمفرده سوف تنمو.. سوف ينمو العداء للعرب والإسلام، علينا أن نعالج ذلك من خلال العمل الاستراتيجي والعلني، أن يكون لنا أثر واسع، وأنا مسرور طبعاً لاشتراكي في هذه المقابلة وفي غير من هذه البرامج، ولذلك أسافر.. سافرت مليون ميل، علينا أن نفعل ذلك حتى نصبح ذا أثر..

أحمد منصور: مهند الشايب من بريطانيا، مهند على الهاتف، أعتذر أنا الذي تأخرت عليك.
أيضاً فيما يتعلق.. فيما يتعلق بالحوار بين الإسلام والغرب، في الفهم الغربي للإسلام في فهم الولايات المتحدة وتعاملها مع الدول الإسلامية، كيف تتعامل الولايات المتحدة، أو كيف تصنف أنت العلاقة القائمة بين الدول الإسلامية والولايات المتحدة الأميركية؟

جون اسبوزيتو: أعتقد أن العلاقة غامضة، السياسة الخارجية الأميركية تفهم الإسلام من خلال المخاوف، فهم لا يأخذون الإسلام كدين حقيقي من ناحية العلاقات الدولية، أنا مدرس للدين والعلاقات الدولية، ليس فقط الدراسات الإسلامية، وفي المدرسة التي أدرس فيها –وهي أكبر مدرسة عن العلاقات الدولية– إننا نأخذ الإسلام جدياً كيف.. ما هي تجربة الحكومة الأميركية مع الإسلام خلال الثورة الإيرانية وخلال حوادث لبنان؟

ولذلك أعتقد أن التصريحات التي أدلى بها (جرجيان) وغيره لازالت خطوة أولى الذي تغير بشكل هام –وأعتقد أن هذا ضروري بالنسبة للذين.. للمهتمين- أنه قبل سنوات لو نظرت إلى الخبراء المهتمين أو الذين كتبوا في شؤون الشرق الأوسط والإسلام كانت هناك في البداية مدرسة واحدة، مدرسة فكر واحدة صورت الإسلام بالإسلام الأصولي والأصولية والتطرف ثم الإرهاب، اليوم توجد مدرستان للفكر ومتضاربتان في كثير من الأحيان، وأنا وزملائي نمثل إحدى هذه المدارس، وهي ظاهرة تماماً في كتاباتنا وفي وسائل الإعلام وفي استشاراتنا مع الحكومة، هذا التغيير موجود، ولكن الحكومة الأميركية تنظر دائماً لمصالحها، وهناك أصوات متضاربة ليست فقط من داخل الحكومة ولكن من العالم الإسلامي نفسه.

أحمد منصور: هل الدين يدخل –كعامل أساسي- في صياغة السياسة الخارجية الأميركية؟

جون اسبوزيتو: أعتقد من الناحية النظرية أن الدين ليس عاملاً في صنع القرار في السياسة الخارجية الأميركية، ولكنه من حيث التطبيق إذا كان لديك مجموعة أو تكتل أو أصحاب نفوذ كانوا عرقيين يدافعون عن مصالحهم –كالأتراك واليونان والهنود والباكستانيين- أو كانوا دينيين مثل المسيحيين أو اليهود في جنوب أميركا الذين لديهم مصالح مرتبطة بإسرائيل، فإن ذلك يكون عنصر في السياسة الخارجية، طبعاً له أثر على السياسة الخارجية بالنسبة للاتحاد السوفيتي ومعاملته لليهود، كان له أثر في تشكيل حركة "الحرية"، بل وكيف تتم التعيينات. بشكل غير مباشر.. نعم، للدين أثر على السياسة الخارجية، اليمين الديني مثلاً له تأثير قوي داخل الحكومة الأميركية.

أحمد منصور: هل.. يعني ما رؤيتك لمستقبل الحوار بين الإسلام والغرب؟

جون اسبوزيتو: أعتقد أن هذا الوقت صعب كما كان في الماضي، فالحوار صعب لأسباب عديدة، كل شخص يجلب معه صور الماضي: الصليبيون، والجهاد، الاستعمار الأوروبي، الاستعمار الأميركي الجديد. من جهة أخرى: الثورة الإيرانية والرهائن الأميركيين والإرهاب وما شابه ذلك، نسف السفارة الأميركية في أميركا والمركز التجاري في نيويورك. ولكن نرى تدريجياً تحسن على الجانبين لإيمانهم بالموضوع، حتى لو لم تكن تؤمن به فإن من مصلحة.. فإن من مصلحتنا ومصلحة مستقبل العالم وفي مواجهتنا للعولمة أن نجد طريقاً للتعايش.

أنا أقول مثلاً: أن البعض لا يجد المشترك في التفاهم ولا يؤكد على المفاهيم المشتركة، يجب أن يتعلم الناس كيف أن يتعاملوا معاً، ليس لأنهم يحبون بعضهم أو يتفقون مع بعضهم، ولكن ذلك في مصلحتهم في التعايش معاً في عالم آمن ومزدهر.

ولهذا أعتقد لدينا إمكانية النجاح في الحوار الحضاري بين الحضارات، ولكن هناك أيضاً اصطدام..

أحمد منصور: أشكرك شكراً جزيلاً بروفيسور جون اسبوزيتو (المستشار لدى وزارة الخارجية الأميركية ورئيس.. مدير مركز التفاهم الإسلامي المسيحي في جامعة جورج تاون في العاصمة الأميركية واشنطن).

ولمشاهدينا الراغبين في الكتابة إليه يمكنهم الاتصال به على: www.cmcu.net

في الختام أنقل لكم تحيات فريق البرنامج، وأشكر المترجمين محمد الأيوبي وعاشور الشامس.

موضوع الحلقة القادمة هام للغاية ونفجر فيه قضية خطيرة مع ضيف هام. في الختام أنقل لكم تحيات فريقي البرنامج من لندن والدوحة، وهذا أحمد منصور يحييكم بلا حدود من لندن، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

4/6/2004

حرم الرئيس!

 حرم الرئيس!

سليم عزوز

لم يكن الشيخ "أحمد المحلاوي"، إمام وخطيب مسجد القائد إبراهيم بمحافظة الإسكندرية، هو المعارض الوحيد الذي شملته قرارات التحفظ التي أصدرها الرئيس السادات في أيلول/ سبتمبر 1981، ولم يكن هو الداعية الوحيد الذي يقود المعارضة ضده، فضلاً عن أنه لم يكن الأكثر ذيوعاً أو انتشاراً من بين هؤلاء الدعاة!

فقد كان الشيخ عبد الحميد كشك هو الأشهر، وقد انتقل بصوته وعبر الكاسيت إلى القُطر المصري كله، بل تجاوز حدود مصر إلى خارجها، ومع ذلك فعندما جاء ذكره على لسان السادات اكتفى بتأليف قصة شكوى الرئيس السوداني جعفر النميري منه. وكان غضب السادات منه مبعثه أنه دعاه إلى مؤتمر إسلامي عقده، فلم ينتبه للدعوة إلا بعد انتهاء موعدها. وقد نقل له الشيخ عبد الرحمن بيصار، شيخ الأزهر، كيف أن السادات مال عليه كثيرا وهما على المنصة ليسأله: هل حضر الشيخ كشك؟!

ومع هذا فلم يكن حاداً وهو يتكلم عن الشيخ الأكثر ذيوعاً وشهرة، والأعلى صوتاً وجاذبية، كما فعل عند ذكر "المحلاوي"، فقال: "أهوه مرمي في السجن زي الكلب"، وهو ما أزعج السيدة جيهان السادات وهي تستمع للخطاب من شرفة البرلمان. وبعد ذلك وعندما سئل خالد الإسلامبولي عن الأسباب التي دفعته لاغتيال السادات؛ عددها ليكون في مقدمتها أنه وصف الشيخ المحلاوي بالكلب!

فلماذا اختص السادات "المحلاوي" بهذه الحدة، إلى حد تجاوز الحدود؟ وقد نُسب للشيخ الشعراوي، دون التأكد من صحة ذلك، أنه أرسل للرئيس في اليوم التالي خطاباً يستنكر ذلك، ويقول له إن الأزهر لا يخرج كلاباً!

سيئة مصر الأولى:

الشيخ "المحلاوي" فسر بنفسه هذا اللغز، عقب اغتيال السادات والإفراج عنه. فجهاز أمن الدولة رفع للرئيس الراحل تقريراً ذكر فيه أن الشيخ اعتاد في خطبه أن يصف حرمه السيدة جيهان السادات، سيدة مصر الأولى، بأنها سيئة مصر الأولى، ونفى "المحلاوي" أن يكون قد ذكر هذا الوصف أبداً، ليطرح هذا سؤالاً بدون إجابة عن السر الذي يجعل "كاتب التقرير" يخترع هذه المقولة وينسبها للمحلاوي، فيوغر صدر السادات، ويفقد صوابه في خطاب علني على هذا النحو!

وقد كان الظهور العلني للسيدة جيهان السادات وقيامها بالعديد من الأنشطة؛ سبباً من أسباب النقد للسادات، الذي لم يطرح للنقاش العلني أو في صحف المعارضة، لهذا فقد حفظت الذاكرة مقالاً واحداً بدا هو المقال الوحيد، الذي عبر عما كان يدور في الجلسات الخاصة والمناقشات غير العلنية، والذي كتبه الدكتور "حلمي مراد" بعنوان "الوضع الدستوري لحرم السيد رئيس الجمهورية"! ويلاحظ هنا انتقاء العبارات بعناية رغم أن الدكتور مراد كان من أشجع المعارضين في زمانه، فهي "حرم"، وهو "السيد رئيس الجمهورية". وكان الاعتقاد السائد أن "جيهان السادات"، هي من تحكم مصر أو على الأقل تشارك في الحكم، وأنها المسؤولة عن الكثير من القرارات السيئة التي يتخذها السادات.

وربما بسبب هذا المقال كان السادات يتحدث مع مقربين منه بشكل سلبي عن الدكتور حلمي مراد بإيجاز وبدون تفصيل، وبكلمات عائمة يذهب بها الخيال بعيدا، فإذا عُرف بأنه انتقد سياسات الحكومة في عهد عبد الناصر فكان هذا الموقف سبباً في عزله من منصب وزير التعليم، فإن السادات يقول إن الرائج عن شجاعته ليس صحيحاً، وأنه لم يكن ليجرؤ أن ينتقد عبد الناصر!

وكانت مشكلة "جيهان السادات" لدى الرأي العام أن حضورها كان قوياً، وأنها بدت في الشكل والمظهر، ليست من المجتمع المصري في عمومه، فهي ابنة لامرأة إنجليزية، وكانت لديها تطلعات منذ أن كانت فتاة في سن المراهقة، ولم تتمكن من أن تكون قريبة من الناس، رغم انشغالها بالأعمال الاجتماعية. ثم إن المقارنة دائماً كانت بينها وبين السيدة تحية عبد الناصر، التي لم تكن جزءا من الحياة العامة، ولم يشاهدها الناس إلا مرتين أو ثلاث مرات عند استقبال الضيوف السوفييت بزوجاتهم، وكانت هي من تشبه المصريين؛ منهم وعليهم، لكن جيهان بدت عليهم وليست منهم!

وكان السادات غريب الأطوار، يعيش في دور الرئيس لدولة حديثة، فيصطحب زوجته في المحافل العامة، وترقص مع الرئيس الأمريكي، ثم يغضب كرجل شرقي على من يقترب منها بالنقد أو الإساءة، أو ينقل عنه ذلك، فيخرج عن شعوره عندما يتحدث عن الشيخ المحلاوي. ولا ينسى للدكتور حلمي مراد مقاله الذي يتساءل فيه عن الوضع الدستوري لحرم السيد رئيس الجمهورية! ولم يكن ما كتبه إلا تعبيراً مهذباً عما يشيع عنه في المجالس الخاصة وفي الشارع، وربما كان يُنقل إليه بالشكل الذي نقل به وصف الشيخ المحلاوي لها، والذي لم يطلقه الرجل ولكنه كان شائعاً في أوساط العامة!

وهذا التناقض الحاد في شخصية السادات هو هذا التناقض بين حرصه على أن يرتدي الجلباب الريفي ويمسك عصا بيده وكأنه عمدة قريته "ميت أبو الكوم"، وبين ولهه بأن تكتب عنه المجلات الأجنبية أنه "أشيك" رجل في العالم. وفي الأولى هو يصف نفسه بأنه "كبير العائلة المصرية"، وليس رئيس دولة، ويتحدث عن أعضاء الجماعات الإسلامية فيصفهم بـ"أولادي المغرر بهم"، فهم رغم موقفه المعادي لهم فإنهم "أولادي". ويقف في لحظة اغتياله ليخاطب قاتله "يا ولد"، ولسان حاله يقول من الذي يدفع بهذا "الولد" العاق ليصوب مدفعه في وجه "أبيه"؟ وهو في الثانية يتصرف كـ"لورد" إنجليزي، ويدفع بزوجته للحياة العامة لتوصف بأنها "سيدة مصر الأولى"، ويكون حضورها كما لو كانت هي من تحكم مصر، وليس أنور السادات!

صمام أمان:

وقد جنى عليها أن المصريين لم يشعروا أنها منهم، وأن الإعلام خاطب فيها الجانب "المغرور" فصورها كما لو كانت إمبراطورة في القصر الرئاسي، ولم يكن هذا صحيحاً.

وفي مقابلة صحفية مع الكاتب الكبير مصطفى أمين، والذي كان قد ذهب بعيداً في نقده للسادات، سئل عن دورها في إحداث الأزمات بين الرئيس الراحل والمعارضة، فقال بل كانت صمام أمان!

وفي مذكراته "50 عاماً في قطار الصحافة"، روى "موسى صبري"، الصحفي المقرب من السادات، كيف كانوا يستعينون بها في بعض الملفات، وكيف كانت تخطط معهم لوجود جو مناسب يمكن من خلاله الحديث معه في ملفات حساسة، فتحشدهم في يوم زواج ابنتها، لتندفع معهم نحوه ويحيطون به في نهاية الحفل، وبهذه المناسبة يطلبون منه الإفراج عن مصطفى أمين الذي قضى تسع سنوات في السجن بتهمة التخابر بقرار من عبد الناصر.

ولم تكن هذه الأدوار مرئية، فترك حضورها السياسي أثراً سلبياً في نفوس المصريين تجاه أي حضور لزوجات رؤساء الجمهورية. وعندما تولى مبارك الحكم، طلب منه إبراهيم سعده، رئيس تحرير "أخبار اليوم"، أن يأذن له بإجراء حوار مع "الهانم"، ورفض مبارك وقال إنه لا يريد أن يكرر قصة "جيهان السادات".

لكن بعد سنوات من ذلك، حضرت السيدة سوزان مبارك بكل قوة في المشهد السياسي، ويبدأ الحضور دائماً بالملفات الاجتماعية، ثم يذهب إلى التأثير في السياسة، وقد تجاوزت دور جيهان السادات في ذلك. وكانت المقارنة في البداية لصالحها، ثم انقلب الحال بعد أن صار لها نفوذ سياسي واضح، لا سيما ضلوعها في ملف التوريث، وكان هذا ما يحسه رجل الشارع.

وكانت تفاصيل الدور تصل للصحفيين فلا تنشر، فموضوع المعارضة هو الرئيس، فلا شأن لهم بأهل بيته. ولا شك أن مجال تحركها العريض هو بسبب الرئيس، فيستطيع أن يقوم بتحجيم هذا الدور، فما شأنهم بحديث حساس لدى عموم المصريين؟ والكائنات الفضائية التي لم تلامس الأرض المصرية أبداً، تعتقد أن شرط الابتعاد عن النساء من أن يكن هدفاً للهجوم مرتبط بابتعاد النساء عما يخالف طبيعتهن، وهي تصورات هلامية لا تقف على أرض صلبة، فالمرأة في المجتمع التقليدي كائن فاعل، ولو تم التحقيق الجاد في كثير من جرائم الأخذ بالثأر مثلا، لثبت أن المرأة تقف وراءها، إذا لم تكن الزوجة أو الأم، فالجدة! ومع هذا فلا تكون النساء أبداً طرفاً سواء في التحقيق الجنائي في الواقعة، أو هدفاً للانتقام، أو منصة للاستهداف!

جيهان ومبارك:


ولكي نعرف حساسية الموقف، فقد حدث في منتصف التسعينيات أن نشرت إحدى الصحف الحزبية موضوعاً يحمل قدراً كبيرا من الإساءة للسيدة جيهان السادات، ولم يكن مبارك يحمل لها أي ود، وكما قال لي طلعت السادات، ابن شقيق الرئيس الراحل، إنه - يقصد مبارك - يتصور العمى ولا يتصور أحدا اسمُ السادات ضمن مكوناته ولو الجد السابع. وهذا أمر شرحه يطول، وكانت جيهان السادات تدرك هذا، فعاشت معظم الوقت خارج مصر، ولم تكن لها علاقة بالشأن العام إلا من خلال أحاديث صحفية عن زوجها عندما تكون هناك مناسبة لذلك!

لكنها بعد هذا التحقيق الصحفي، قامت بالاتصال بمبارك شاكية، ويبدو أنها بحاستها كانت تدرك أنه رغم أي خلاف سينفعل ضد ما كتب وهو ما حدث بالفعل، لقد اتصل برئيس الحزب، وكانت هذه هي المرة الثانية على مدى عشرين سنة التي يتحدث فيها معه عن شيء منشور في صحيفة الحزب، منذ أن تحدث معه في خبر خاص بالجيش، وقد كان فيه معاتباً، أما في الواقعة الثانية فقد كان غاضباً، ولهذا لم يتصل مرة واحدة، بل مرتين، الفاصل بينهما ثلاثة أيام، في المكالمة الثانية أوضح أسباب غضبه: إن من يهاجم جيهان اليوم، سيهاجم غدا سوزان!

وكانت لدى الناس حساسية شديدة بعد الثورة من إعادة إنتاج سوزان مبارك، التي لم تستطع يوماً أن تقنع المصريين أنها واحدة منهم!

وبدا حضور السيدة انتصار السيسي خجولاً في البداية، لكنها ظهرت مؤخراً في لقاء تلفزيوني، ومصدر قوتها أنها ليست من سلالة "جيهان السادات" و"سوزان مبارك"، إنها الأقرب إلى السيدة "تحية عبد الناصر"، التي لم يشعر المصريون تجاهها بأي فوارق رغم ما تردد عن أصولها الإيرانية، فقد نُشر أن والد السيدة تحية كان في مصر من رعايا الدولة الإيرانية، لكن مصر صهرتها في بوتقتها فصارت قريبة من نفوس المصريين!

ومنذ البداية، أخذت قراري بمشاهدة المقابلة مع عدم التعليق عليها، وعندما قال لي أحد الشباب إنه سيعلق لم أجد نفسي معنياً بأن أناقشه في ما ذهب إليه، لكنه لم يفعل، ومن فعل من المشتغلين بالعمل العام تعامل بحساسية لأنه يدرك حساسية المصريين تجاه هذا الملف، وبعض النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي خشي من أن تكون هذه الصورة القريبة من الناس يمكن أن تضيف لشعبية السيسي، وهي أزمة حقيقية لدى هذا البعض، ممن لا يثقون في أن الخلاف مع السيسي جذري، فلا يملكون انحيازا حقيقيا لقضية الديمقراطية ليروا في انقلاب عسكري على الحكم المنتخب ما يكفي وحده لتكوين موقف معاد للسيسي وإن صلى وإن صام!

ولا يشعرون بأهمية القضايا الوطنية، فيرون أن الإضرار بها يكفي وحده لأن نكون خصوما للسيسي لأبد الأبدين!

ولهذا لا بد من تقديم السيسي على أنه عدو للإسلام، وأن أمه يهودية، واعتبار أي كلام عن التزام ديني سابق له من شأنه أن يهز عقيدة الرافضين له ولحكمه!

فلا بد وأن يكون إبليس ليكون منطقياً أن يرجموه، فإذا رأوا في صورة زوجته ما يمثل إضافة له، فلا بد من الخروج على قيم المجتمع المصري بالتعرض لها والهجوم على من يطالب بالابتعاد عن التعارض مع قيم المصريين.

ودائما يتم استدعاء الدين لتوظيفه في الموضوع، بالحديث عن الظلمة وأعوانهم، ولا ندري أين سيذهبون بالآية القرآنية التي امتدحت زوجة فرعون! سيكون الرد حتماً: وهل هي زوجة فرعون؟ متى قالت ربنا نجني من السيسي وعمله؟! ليكون رداً: ومن سمع بحديثها الذي كان بينها وبين ربها؟!

لقد كفّروا عبد الناصر ليسهل عليهم التهامه، فهل كان عبد الناصر كافراً حقاً؟

ولا بد من وصم السيسي بالعداء للإسلام ليكون هذا مبرراً لاستباحته واستباحة أهل بيته!

ولو كان السيسي إماماً يقول و"لا الضالين" فيهتف الناس من خلفه "آمين"، لكان انقلابه، وسياساته، وإزهاقه للأرواح، واعتقاله للناس، وحكمه العضوض، وإضراره بالأمن القومي المصري يكفي ويزيد للوقوف ضده، دون أدنى خروج على قيم المجتمع.

يوم أن يؤمن الناس بأهمية الديمقراطية، لن نكون بحاجة إلى التلفيق!

twitter.com/selimazouz1