الأحد، 30 أبريل 2017

هذه الأمّ المتوحشّة!

هذه الأمّ المتوحشّة!
أحمد بن راشد بن سعيّد

عندما شنّت الولايات المتحدة وحلفاؤها حرب 1991 على العراق لطرد قواته من الكويت، حثّ الرئيس العراقي آنذاك، صدّام حسين، شعبه على المقاومة واصفاً المعركة بأنّها "أمّ المعارك"، وقد ترجمت وكالة أسيوشيتد برس العبارة إلى "أمّ كل المعارك". وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، صرّح وزير الدفاع الأميركي حينها، دِك شيني، أنّ صدام خسرها وأنّ عليه أن يسمّيها "أمّ كلّ الهزائم". 

منذ ذلك الحين، انتشر هذا الاقتباس في اللغة السياسية لاسيّما داخل الولايات المتحدة: "أمّ كل الأعاصير"، "أمّ كل الأسئلة"، "أمّ كل الاختناقات المروريّة". لكنّ للتعبير جذوره في اللغة العربية، فقد وُصفت مدينة مكة في القرآن بـ "أمّ القرى"، ووُصف "اللوح المحفوظ" بـ "أمّ الكتاب"، كما وصف النبي (صلى الله عليه وسلّم) الخمر بـ "أمّ الخبائث"، وأشار العرب إلى المصادر الأساسية لحقل ما من حقول العلم بـ "أمّهات الكتب". ضع كلمة "أم" فقط قبل كلمة ما، لتوحي بأنّها أهمّ صنف في مجموعتها. 
راج هذا التركيبة اللغويّة في الولايات المتحدة حدّ أنّ "جمعيّة اللهجة الأميركية" سمّتها عام 1991 "كلمة العام".

في يوم الخميس، 13 نيسان (أبريل)، ألقت الولايات المتحدة أكبر قنبلة غير نووية في تاريخها على ما قيل إنه "هدف" يتحصّن فيه تنظيم الدولة (داعش)، في إقليم آشين بولاية نانغرهار شمال شرق أفغانستان، قرب الحدود مع باكستان، وأشار مسؤولون أميركيون فوراً إلى القنبلة بـ "أمّ كل القنابل" (Mother of All Bombs)، وهي محاكاة ساخرة للحروف الأولى من اسمها الحقيقي (Massive Ordnance Air Blast) "سلاح تفجير هوائي هائل". ما حكاية "الأمّ" الجديدة؟

تزن هذه القنبلة 22,000 رطل أو 10,000 كيلو غرام (أثقل من القنبلة التي أُسقطت على هيروشيما)، وتعادل قوّتها التدميريّة 11 طنّاً من مادّة تي إن تي (كانت قوّة القنبلة النووية التي أٌلقيت على هيروشيما 15 طنّاً من تي إن تي) ، ويبلغ طولها 30 قدماً (9 أمتار)، وتكلفتها نحو 16 مليون دولار، ويصل قُطر التفجير إلى ميل واحد في كل الاتجاهات. تنفجر القنبلة في الجو قبل ارتطامها بالأرض بلحظات (نحو 6 أقدام من الأرض). أهم خصائصها أنّها تُحدث "ضغطاً مفرطاً" في الجو، أي ارتفاعاً مفاجئاً حادّاً في ضغط الهواء، الأمر الذي ينتج عنه موجات ضغط في الاتجاهات كافّة. كل الألغام، الأنفاق، أو الجثث، سيتعذّر تمييزها بعد الانفجار. صُمّمت القنبلة أصلاً كسلاح نفسي لإرعاب العدو، من أجل دفعه إلى الاستسلام.
ربّما ظنّ ترمب أنّ إسقاط "أمّ القنابل" سيمكّنه من كسب الحرب في أفغانستان، أو تغيير قواعد اللعبة، بحسب تعبير بنجامين، التي تتساءل: "ماذا سيحدث عندما يصبح واضحاً أنّ القوة الجويّة وحدها ليست كافية"؟
مسؤول أفغاني أبلغ صحيفة "النيويورك تايمز" (18 نيسان/أبريل) أنّ القنبلة قتلت 96 من أعضاء "داعش"، بالرغم من أنّ هذا المسؤول "لم يقدّم دليلاً على القتلى أو معلومات عن طريقة التوصّل إلى الرقم 96". أحد السكّان أبلغ برلمانيّاً من نانغرهار: "لقد نشأت في الحرب، سمعت أنواعاً مختلفة من الانفجارات خلال 30 سنة، هجمات انتحاريّة، زلازل، تفجيرات، لكن لم أسمع قط بشيء كهذا". بلغت سَعَة الحفرة التي أحدثها الانفجار 300 متر، وكل من كان على مقربة منها "تبخّر". تحفّظت واشنطن عن الإدلاء بأيّ معلومات عن نتائج إسقاط القنبلة. "أنا وآخرون لدينا هذا القلق----لماذا لا تسمح القوات الأميركيّة لأيّ شخص بزيارة موضع القصف؟ هكذا أبلغ ذبيح الله زماري، عضو مجلس مقاطعة نانغرهار، "النيويورك تايمز".

في 24 نيسان (أبريل) سردت صحيفة "نيويورك بوست" آثار القصف: سفوح جبال متضرّرة، أشجار محترقة، ومبان من الطوب الطيني مدمّرة. لكنّ الصور والفيديوهات لا تُظهر حجم الأضرار البشريّة التي خلّفها القصف. وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، أبلغ الصحافيين أنّ القوات الأميركية "لن تحفر في الموقع لتحدّد عدد القتلى"، مضيفاً، "حفْر الأنفاق من أجل عدّ الجثث ليس على الأرجح استخداماً جيّداً لقوّاتنا". علي لطيفي، كاتب من كابول، أشار في مقال نشرته "النيويورك تايمز" إلى أنّ القوّات الأميركية حرصت على منع الصحافيين من زيارة موقع الانفجار مرّات عدّة بذرائع شتى: "العمليّة مستمرّة، داعش ما زالت موجودة، مقاتلوها هاربون، ثمّة ألغام أرضيّة، وفي النهاية، المنطقة صافية، ولم يُصب أيّ مدني" (20 نيسان/أبريل).

الفكرة التي مؤدّاها أنّ الجيش الأميركي يستطيع إخضاع العدو عبر قوّة جوّية ضارية، كتبت الناشطة الأميركية ميدي بنجامين، ليست جديدة، لكنّ التاريخ يروي لنا قصّة مختلفة. لقد أسقط الجيش الأميركي سبعة ملايين طن من المتفجّرات على جنوب شرق آسيا، ومع ذلك خسر حرب فيتنام. وتضيف بنجامين:
"في الأيام الأولى للحرب على أفغانستان، قيل لنا إنّ القوّة الجوّية الأميركية لا يمكن مقارنتها بالمتعصّبين الدينيّين من طالبان الأوباش، الفقراء، وغير المتعلّمين. في الحقيقة، رأينا بواكير "أمّ القنابل" تُستخدم بُعيد الغزو الأميركي في عام 2001. إنّها تلك التي سُمّيت "الأقحوان القاطع" (daisy cutter) نسبةً إلى شكل الحفرة التي تخلّفها (بعد الانفجار)، وتزن 15,000 رطل. الجيش الأميركي أسقط قنابل خارقة للحصون، زنة كل واحدة 5،000 رطل، من أجل تفجير كهوف في جبال تورا بورا، كان أسامة بن لادن يختبىء فيها، وقد كانت إدارة بوش تتفاخر أنّ هذه القوّة الجوّية المذهلة سوف تضمن زوال "طالبان". هذا كان قبل 16 عاماً، والآن لا يقاتل الجيش الأميركي "طالبان" وحدها، بل "داعش" أيضاً".
أمّ كل القنابل، قد تكون أمّ كل الأكاذيب، بحسب كتي. كيف يمكن لسلاح مدمّر كهذا أن يكون "جراحيّاً" ودقيقاً في منطقة يسكنها الآلاف من غير المقاتلين؟ كيف يتأكّد المسؤولون أنّ القنبلة تجنّبت الأطفال؟
ربّما ظنّ ترمب أنّ إسقاط "أمّ القنابل" سيمكّنه من كسب الحرب في أفغانستان، أو تغيير قواعد اللعبة، بحسب تعبير بنجامين، التي تتساءل: "ماذا سيحدث عندما يصبح واضحاً أنّ القوة الجويّة وحدها ليست كافية"؟ عضوة الكونغرس، باربرا لي، التي كانت الوحيدة التي رفضت تفويض جورج بوش باستخدام القوّة بعد هجمات 11/9، انتقدت ترمب لاستخدمه "أمّ القنابل" قائلة إنّه "مدين للشعب الأميركي بتفسير لهذا التصعيد...لا رئيس ينبغي أن يحصل على "شيك مفتوح" لخوض حرب لا نهاية لها، لاسيّما هذا الرئيس الذي يعمل من دون أي ضوابط أو رقابة من الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون". "أمّ القنابل"، تقول بنجامين، لن تساعد الأمّهات الأفغانيات اللاتي "كثير منهنّ أرامل يكافحن للاعتناء بعائلاتهنّ بعد أن قُتل أزواجهن"، مضيفةً أنّ "الـ 16 مليون دولار، تكلفة هذا التفجير، كان يمكن أن تقدّم 50 مليون وجبة للأطفال الأفغان".

تستمر الإدارات الأميركية المتعاقبة في ممارسة العنف، ويعتقد رؤساؤها محقّين أنّ تصعيد هذا العنف سيرفع رصيدهم في الاستطلاعات. لكنّ الحصاد مرّ حتماً. العنف يولّد العنف، وللكراهية أسبابها: الظلم، الاستغلال، وقهر الشعوب عبر الانقلابات والحملات العسكرية. لا معنى لأن يتساءل أحد أعضاء الكونغرس: لماذا يكرهوننا؟ فقد يردّ عليه زميل له: لماذا لا يكرهوننا؟ فيصل كتي، الأستاذ في مدرسة القانون بجامعة فالباريزو بولاية إنديانا الأميركية، كتب في صحيفة "تورنتو ستار" الكنديّة (20 نيسان/أبريل) مقالاً عنوانه: "قصفات ترمب قد تُحدث أمّ كل القذائف المرتدّة" (مصطلح "القذيفة المرتدّة" (Blowback) يعني في الأصل الضغط الخلفي في محرّك داخليّ الاحتراق، أو غلّاية (boiler)، أو مسحوق البارود المتبقي بعد القذف التلقائي لخرطوشة مستهلكة من سلاح ناري، لكنه أصبح متداولاً في النقاشات السياسية بمعنى "العواقب غير المقصودة للسياسات الخارجية"، أو بتعبير البروفسور الأميركي الراحل، تشارلمز جونسن، "اختصار للنصّ القائل: إنّ أمّةً تحصد ما زرعت").

فيصل علي جابر، مواطن يمني، قُتل صهره، سالم أحمد جابر، في قصف بصواريخ "هِل فيَر" نفّذته إدارة باراك أوباما في أواخر آب (أغسطس) 2012. كان سالم إمام مسجد، في الأربعينيات من عمره، وعُرف بخطبه المعارضة لـ "القاعدة". كتب فيصل رسالة إلى أوباما جاء فيها: "لقد كان سالم خصماً لدوداً لتنظيم القاعدة، هل يستطيع الرئيس أوباما أن يشرح لنا إن كان قتْل سالم يجعل الولايات المتحدة أو اليمن أكثر أماناً؟....إنّ كلّ بريء تقتلونه يتسبّب بازدياد عدد من تحاربونهم...أنتم ستقضون بأنفسكم على أهدافكم في الحرب على الإرهاب".
كتب علي لطيفي في النيويورك تايمز عن القنبلة: "نحن نعرف وزنها وثمنها وتأثيرها ورقم طرازها... (غير أنّنا) لا نعرف شيئاً عن النّاس الذين قتلتهم سوى أنّهم مقاتلون تابعون لتنظيم الدولة الإسلامية.
يعلّق كتي على رسالة جابر بالقول إنّها تتضمّن منطقاً يؤمن به الكثيرون في العالم الإسلامي حيث تنهمر القنابل أكثر مما ينهمر المطر. الأفعال الغربية لا تبقى "هناك"، بل سيُشعر بها "هنا" في الغرب. دراسات كثيرة أثبتت أنّ "الموت والدمار في العالم الإسلامي وسيلة تجنيد أساسية". الشباب الذين دِينوا بالتآمر لشن هجمات إرهابية في أونتاريو بكندا عام 2006، هزّتهم في الأعماق مشاهد المعاناة التي رأوها. وبحسب صحافيّة "تورنتو ستار"، ميشيل شيفارد، فإنّ أولئك الشباب "عارضوا الحروب في أفغانستان والعراق، غير واقفين ضد حريّات الغرب وحقوقه، ولكنّهم اعتقدوا أنّ تلك الحقوق لم تُطبّق بالمساواة على المسلمين".

"أمّ كل القنابل" قد تكون "أمّ كل الأكاذيب"، بحسب كتي. كيف يمكن لسلاح مدمّر كهذا أن يكون "جراحيّاً" ودقيقاً في منطقة يسكنها الآلاف من غير المقاتلين؟ كيف يتأكّد المسؤولون أنّ القنبلة تجنّبت الأطفال؟ هذه القنبلة، يضيف كتي، التي نزلت على "واحدة من أفقر بلدان العالم، وأشدّها اضطراباً، وأكثرها خراباً بسبب الحروب، ليست سوى برهان آخر على أنّ الإستراتيجية الأميركية في مكافحة الإرهاب قصيرة النظر، مبنيّة على افتراضات مشكوك فيها، وتنذر بتصعيد الصراع وتعميق الاضطراب داخل البلاد وخارجها". لن تمنع هذه القنبلة ولا مثيلاتها المهاجم القادم داخل أميركا، بل ستشجّع كثيرين على شنّ هجمات. وكما كتب عضو الكونغرس، دنيس كوشينيش: "لأنّنا اخترنا أن "نقاتلهم" هناك، فسوف نُضطر إلى أن "نقاتلهم" هنا. إذا جُبنا العالم بحثاً عن تنانين لنذبحها، فسيتبعنا بعضها إلى الدار".

ربما سيظلّ تأثير "أم القنابل" التي جرّبها ترمب في أفغانستان مجهولاً إلى الأبد. وكما كتب علي لطيفي في "النيويورك تايمز" عن القنبلة: "نحن نعرف وزنها وثمنها وتأثيرها ورقم طرازها... (غير أنّنا) لا نعرف شيئاً عن النّاس الذين قتلتهم سوى أنّهم مقاتلون تابعون لتنظيم الدولة الإسلامية، يسكنون الكهوف، ومن دون أسماء ولا وجوه. كان انفجاراً عالياً، أعقبه صمت عال. إنّها قنبلة جديدة تهبط على الأرض الأفغانية، ويبقى مستقبل بلدي غامضاً كما كان دائماً".

متى يتوقف سقوط القنابل؟ متى تدرك أميركا وحلفاؤها أنّ الحرب التي يشنّونها على ما يسمّونه "الإرهاب" هي أشدّ إرهاباً بآلاف المرّات من إرهاب الذين يقاتلونهم؟ كم من "قذيفة مرتدّة" تنتظرهم؟ لا بد للقصف أن ينجلي، ولا بدّ أن تتوقف نسبة القنبلة المتوحشّة إلى أم!

بين إسلام البحيري وإسلام الطيب: نعيماً يا مصر!

بين إسلام البحيري وإسلام الطيب: نعيماً يا مصر!

 وائل قنديل

ليس صحيحاً تماماً أن نظام عبد الفتاح السيسي لديه مشكلة مع الإسلام، هو يريد الإسلام، لكن أي إسلام؟!
إسلام البحيري، أم إسلام الأزهر وأحمد الطيب، والعلماء الحقيقيين؟ تلك هي المشكلة التي يظهر من الوقائع والأحداث أن السيسي حسمها، واختار إسلام البحيري، ذلك الإسلام التجاري الذي يصلح للتصدير للغرب، ويحقق عوائد سياسية ضخمة.
تماماً مثل هوجة "أدب التصدير" التي اكتسحت الوسط الأدبي مع انتعاش سوق الجوائز والمنح والترجمات الغربية قبل عقود، فاندفع بعض المبدعين يكتبون على "مازورة المتلقي الغربي" الذي يريد أن يقرأ عن الشرق كل ما هو شاذ وغريب وغرائبي، ويرسخ لديه الصورة النمطية البائسة عن مجتمعات "ألف ليلة وليلة" وحكايات الختان وحواديت التخلف وقهر النساء وافتراس الأقليات.
بالأحرى كان هؤلاء يكتبون للناقد والمترجم الأوروبي، الذي يضطلع هنا بدور تاجر الرقيق في أيام الاستعمار الذي يجلب الرؤوس من مجتمعات البؤس في الشرق وأميركا الجنوبية، مع استبدال البشر بالكتابات عن البشر، بالنظر إلى أن حقبة الاستعمار المادي المباشر كانت قد ولت، وسلمت الراية لحقبة الاستعمار الثقافي.
الآن، يشددون الحصار على الأزهر الشريف، ينقضون عليه بالتشريعات، عن طريق مشروع قرار يحول الإمام الأكبر إلى موظف صغير يتبع إدارة التوجيه المعنوي، وينزعون عن جامعة الأزهر دورها التعليمي والتثقيفي، والمثير للسخرية أن مقدم القرار هو ذلك النائب الذي خاطب سمير جعجع يوماً، باعتباره "السيد والملهم والمعلم للنضال الوطني" وهو البطل الأول لمجزرة صبرا وشاتيلا ضد المقاومة الفلسطينية في لبنان، والمتعاون الأبرز مع قوات الاحتلال الصهيوني.
ولو فتحت قوساً وأضفت أن هذا الإطراء على قائد القوات اللبنانية، الذي رعته إسرائيل ودعمته، كان في فترة التحضير للانقلاب على الرئيس محمد مرسي، فإنك تكون بصدد حقيقة بازغة تقول إن أحد أهداف الانقلاب، منذ البواكير، كان حلق لحية مصر، بحجة إنقاذها من "التأخون" و"التأسلم" وتأهيلها دولة مدنية، بالمفهوم الزائف للمدنية، كي ترضى عنها إسرائيل، والقوى التي تخشى عليها من وصول مرشح ينتمي إلى الإسلام السياسي للحكم.
نعم، وبكل الوضوح، لم تكن المسألة فشلاً اقتصادياً، ولا استحواذاً سياسياً، ولا تغولاً على السلطة القضائية، بل كانت قبل ذلك ذعراً من أن تنجح تجربة ديمقراطية في مصر مصبوغة بألوان الإسلام السياسي، وفي ذلك قلت صبيحة الثامن عشر من يوليو/ تموز 2013، بعد الانقلاب بأيام، إن "السؤال المطروح الآن بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب: هل سيكون مسموحاً بمعارضة النظام الجديد/ القديم الصاعد إلى سدة الحكم مشياً فوق أشلاء الديمقراطية؟ 
وشرحت :إن الأمر بعد انقشاع بعض الغبار عن سماء السياسة المصرية يشير بوضوح إلى أن كل ما كان يشتم محمد مرسي ويهان بسببه يحدث الآن من السلطة الجديدة وسط تصفيق حاد من المعارضة (أو من كانت المعارضة) وتبرير لا يتوقف لكل أعمال القتل والتنكيل والاعتقال التي تدور بلا هوادة.
ومن اللافت أن من كانت معارضة، تأخذ على عاتقها الآن مهمة الدفاع عن كل ممارسات السلطة الجديدة، وكأنهم انسخطوا جميعاً وتحولوا إلى حالة "أحمد سبع الليل" جندي الأمن المركزي الذي كان يحارب أعداء الوطن في فيلم "البريء" للراحل عاطف الطيب... ويدهشك أن بعضا من زملاء ورفاق عاطف الطيب أنفسهم يتقمصون شخصية "سبع الليل" حاليا في مواجهة الأعداء في رابعة ونهضة مصر ورمسيس.
يحزنك أكثر أن أحدا من أولئك الذين تظاهروا أمام منزل وزير الداخلية بملابسهم الداخلية مطالبين بإقالته قبل إزاحة مرسي، لم نسمع له صوتا وهو يطالع تشكيلة حكومة الانقلاب وفيها اسم وزير الداخلية كما هو لم يتغير، على الرغم من أن إقالته ومحاكمته كانتا شرطا لا تحيد عنه جبهة الإنقاذ كلما دعاها أحد للمشاركة في الانتخابات.
ولعلك تذكر جيدا أن أحد مطالب المعارضة التي لم تعد معارضة كان تغيير حكومة هشام قنديل الفاشلة المستبدة القاتلة، غير أنهم احتفظوا بتسعة أسماء في تشكيلتهم الجديدة من وزراء عملوا مع هشام قنديل، وترتفع علامات الاستفهام والتعجب والأسى عاليا حين تجد أن من بين المستمرين وزير انقطاع الكهرباء ووزير اختفاء الوقود، ناهيك عما تضمه التشكيلة من وزراء فشلوا مع عصام شرف وأحمد شفيق.
إن الصورة باتت أوضح الآن، ولو وضعت كل ما سبق من تفاصيل بجوار ما أسموه خطة الطريق، والتي تتطابق حرفيا مع ما طرحه الرئيس قبل أسره وإخفائه، ستكتشف أن كل هذا الثمن الفادح من الدماء والحريات، بالإضافة إلى إشعال النار فى حصاد ديمقراطية ثورة يناير الوليدة، فضلا عن التكلفة الباهظة لرعاية الغضب الباهر وما تم إنفاقه على القصة والسيناريو والإخراج والديكور، ستكتشف أنه كان فقط من أجل حلق لحية النظام السياسى... نعيماً يا مصر!
قلتها بعد الانقلاب بأيام، وأراها تتحقق الآن!

دفاعاً عن عبد الفتاح السيسي

دفاعاً عن عبد الفتاح السيسي

 وائل قنديل
استولى السيسي على السلطة السياسية، وصادر السلطة الدينية لحسابه، وهيمن على سلطة القضاء، ولم يبق له سوى الاستحواذ على القدر.
لم يكن السيسي قضاءً وقدٓراً على مصر، بل كان صناعةً دقيقة للغاية، أبدع فيها الذين صاروا فيما بعد ضحاياه.

هو "كائن فرانكشتاين الخرافي" الذي صنعته النخب السياسية والقضائية والثقافية في مصر، وظلت تنفخ فيه، فيتضخّم وتصفق هي له كلما التهم لها خصماً وأزاح منافساً، ثم تعيد تأجيج شهيته المجنونة في الافتراس والالتهام، فلمّا لم يعد أمامه ما يأكله، استدار يلتهم صانعيه، ويطحن عظامهم، من دون أن يملكوا القدرة على الصدّ أو الرد.

 هي حكاية "فيكتور فرانكشتاين"، بطل الرواية الشهيرة التي كتبتها البريطانية ماري شيلي عام 1818، والذي يدفعه جنونه بالاختراعات إلى تخليق شبحٍ، أو مسخٍ أسطوري، يبقيه هو وأصدقاءه على قيد الحياة إلى الأبد.

في الحكاية التي عالجتها السينما في أعمال دراميةٍ مثيرة، ارتكب فيكتور خطأ صغيراً في تصنيع مخلوقه الشبح الذي يشبه "الروبوت"، فخرج في صورةٍ مخيفةٍ ومرعبة، وحين حاول التخلص منه، كان قد فقد القدرة على السيطرة عليه، ويحدث، بعد ذلك، أن ينطلق هذا المسخ المخيف، ليقتل ويدمر ويحرق كل من يقف في طريقه.
وتنتهي الرواية بأن يتصارع الشبح المخيف، وصانعه فيكتور فرانكشتاين، في تجسيدٍ للمقولة الذائعة "انقلاب السحر على الساحر"، إلى أن يقتلا معاً.

قال عنه الراحل محمد حسنين هيكل إنه "الرئيس القائد الضرورة"، فلحقت به إهاناته في أيامه الأخيرة، حين منعوا إذاعة حواراته، وبعد مماته، حينما أخرجوا جنازته على نحو بائس، لا يليق بحجم الراحل، ولا يتناسب مع حجم ما قدّمه من خدمات في عملية تصنيع الجنرال فرانكشتاين.
ووصفه علاء الأسواني بأنه "الأعظم في تاريخ العسكرية بعد أيزنهاور"، وتبارى شيوخٌ وقساوسةٌ في إنزاله منزلة الرسل والقدّيسين، فنالهم من البطش جانبٌ، بعد أن صدّق الجنرال نفسه، وصار يسلك باعتباره تجسيداً للعلم اللادني الذي يهبط من لدن الخالق على المصطفين من مخلوقاته، وتنافس كتابٌ وكاتباتٌ في عرض أنفسهم عليه، ملك اليمين، يأتيهم كيفما، ووقتما شاء.

قتل السيسي السياسة، بناء على طلب السياسيين، وأحرق العقل والفكر، نزولاً عند رغبة مفكرين، وفتك بالعدل بواسطة، وبإرادة جل المفترض أنهم حماة العدالة وسدنة القضاء، وأهلك الحقوق والحريات، استجابةً لنصائح معنيين بقيم احترام الكرامة الإنسانية، من عيّنة الثنائي أستاذ الطب النفسي، أحمد عكاشة، وأستاذ العلوم السياسية معتز بالله عبد الفتاح، عندما وضعا، معاً، الأسطورة المؤسّسة لمحو الحرية والديمقراطية من حياة الشعب المصري، حين أعلنا على الهواء مباشرة أن"إعطاء الحرية والديمقراطية لجاهلٍ مثل إعطاء السلاح لمجنون".

كل هؤلاء، وغيرهم، دفعوا عبد الفتاح السيسي بكل السبل كي يتقمّص حالة الحاكم بأمر الله، وكما قلت مبكرا، كلاهما مولعٌ بالهيمنة على كل السلطات، الدينية والدنيوية، وكلاهما أفرط في اتخاذ القرارات والمراسيم، من دون الرجوع لأحد. 

وفي هذا، لا يختلف اللامعقول واللاانساني الذي تعيشه مصر مع السيسي، عمّا عاشته مع الحاكم بأمر الله، فغالباً ما يبدأ اللامعقول صغيراً، ثم يتضخّم ويتحوّل إلى محيط هادر من الجنون.

وأذكر أنه حين أعلنت سلطات عبد الفتاح السيسي القبض على طالبٍ جامعي، بتهمة حيازة نسخة من روايه 1984 للكاتب جورج أورويل، اعتبر كثيرون ذلك هو اللامعقول، غير أنني توقّعت ما هو أبعد، وتساءلت: متي يحرّم السيسي أكل الملوخية، كما فعل الحاكم بامر الله الذي بدأ، مثله، معتبراً نفسه حكيماً فيلسوفاً، وانتهى به الأمر مدّعياً النبوّه والألوهية.
أتخيل الآن عبد الفتاح السيسي يقف أمام محكمةٍ عادلة، وحقيقية، فيسأله القاضي:
1- لماذا تجرّأت على الذات الإلهية وعبثت بالدين؟.
يرد السيسي: هناك من رجال الدين من اعتبروني رسولاً ومجدّداً ومعجزة إلهية، وقالوا إن كل ما أفعله هو الخير المطلق، فاستخدمت سلطاتي.
2- لماذا قتلت المعتصمين ضدك، وشرّدت آخرين، وقضيت على الحريات والحقوق؟.
يجيب الجنرال: فعلت ذلك كله استجابة لرغبات كثيرين من أهل العلم والفكر والسياسة، حتى أنني عندما كنت أتباطأ يتهمونني بمحاباة "الإرهابيين"، ويستعجلونني على إبادتهم وفض اعتصاماتهم.
3- لماذا استحوذت على كل السلطات، وجعلت من نفسك الخصم والحكم؟.
يقول: لقد قالوا لي"افرم يا سيسي" ففرمت.

السبت، 29 أبريل 2017

بابا الفاتيكان... هل لديك وردة لشهداء رابعة؟

بابا الفاتيكان... هل لديك وردة لشهداء رابعة؟

 وائل قنديل

لا أعلم ما إذا كان بابا الفاتيكان، فرانسيس، قد مر بطريق النصر، متجهاً من فندق جنرالات مصر، الماسة، إلى الكاتدرائية المرقسية، ثم الكنيسة البطرسية، ليضع الورود ترحماً على ضحايا الإرهاب الذي ضربها، أم أنهم ساروا به في طريق آخر.
لكن المؤكد أن أحداً لم يلفت عناية "بابا السلام" كما وصفته لافتات الترحيب، إلى أنه في المسافة التي قطعها من مدينة نصر إلى العباسية، وقعت مجازر وجرائم ضد الإنسانية، نفذها أولئك الذين استقبلوه، ونالوا دعمه  السياسي والروحي، وحصدت أرواح آلاف الضحايا، لم يضع أحد وروداً ترحماً على أرواحهم، ولم يعتبرهم أحد شهداء، كما اعتبروا ضحايا البطرسية.
في هذه الأمتار التي نهبتها عجلات السيارة المقلة لرجل الفاتيكان، سقط آلاف الشهداء في ميدان ومسجد رابعة العدوية، وفي طريق النصر، عند النصب التذكاري للجندي المجهول، وفاض سيل الجثث حتى ملأ ذلك المسجد الصغير، أسفل كوبري أكتوبر بمواجهة وزارة المالية.
هؤلاء الضحايا حصد أرواحهم "تنظيم دولة عبد الفتاح السيسي" على مرأى ومسمع الجميع، تماماً كما حصد "تنظيم الدولة في سيناء" أرواح ضحايا الكنيسة، لكن شتان بين ضحايا وضحايا... ضحايا السيسي لم يبك عليهم أحد في الدولة المصرية، لم يصنفوا شهداء، على الرغم من أنهم كانوا مثل ضحايا البطرسية، معتصمين في بيت الله وحوله، ولم يعوض ذويهم أحد، ولم يرمم المسجد الذي أحرقته سلطات السيسي، بينما في المقابل، أُعلن الحداد على ضحايا البطرسية، وصُرفت التعويضات فوراً، ورممت الكنيسة.
هل يعلم بابا الفاتيكان أن بيتاً من بيوت الله أحرقته السلطة وقتلت من فروا من المذبحة إليه، ظناً أن القتلة سيوقفون الضرب لوجه الله الكريم، وأن بيت الله هذا مغلق بالسلاسل، ومنزوعة صفحته من سجل مساجد القاهرة العريقة منذ أربع سنوات؟
مسجد رابعة العدوية، شهيدة العشق الإلهي، ذو المكانة والأهمية الروحية والتاريخية، سقط من الذاكرة، ولم يكتفوا بمحو اسم الميدان الذي يقع فيه، بل حولوه إلى خرابة محترقة.
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، وبعد أقل من ثلاثة أشهر على المجزرة التي وقعت فيه، نشرت صحافة السلطة الجديدة تصريحاً لمحافظ القاهرة، الدكتور جلال مصطفى سعيد، يقول فيه إنه سيتم افتتاح مسجد رابعة العدوية خلال أسبوع وأنه تم الانتهاء من تطوير مجموعة المباني والمدارس الكائنة في محيط رابعة، وأن هناك تنسيقا جاريا مع القوات المسلحة والجهات الأمنية لفتح ميدان رابعة أمام حركة السيارات بشكل كامل ومن كافة المداخل، حيث إنه لا يوجد مبرر الآن لغلقها تحقيقاً للسيولة المرورية".
مرت ثلاث سنوات على هذا التصريح ولم يفتتح المسجد، حتى خرج علينا رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف، جابر طايع، في 13 يونيو/ حزيران 2016،  بتصريح آخر يعلن فيه أن مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر، الذي غيروا اسمه رسمياً إلى "هشام بركات" ما زال مغلقاً رغم الانتهاء من جميع أعمال الترميم التي أجريت له عقب أحداث فض اعتصام رابعة العدوية في أغسطس/ آب 2013، وذلك لدواع أمنية، وفي حال افتتاحه سيكون كغيره من المساجد التي تخضع لوزارة الأوقاف. 
في بلادنا المنكوبة بطغاة تدعمونهم (يا بابا السلام) إرهاب تمارسه الدولة منذ سنوات، وتصنع إرهاباً تمارسه تنظيمات القتل ضد المدنيين، كي تبرر إرهابها الأوسع، وتسوغ لنفسها اختطاف السلطة، ومصادرة حق الجماهير في التعبير، وحرق تطلعاتها للتغيير الديمقراطي، ثم تحصل على مكافآت سخية من المجتمع الدولي، وتنعم بزيارات مثل زيارتكم.
 في بلادنا المخطوفة بواسطة الجلادين الذين تحبونهم، تهان بيوت الله وتراق الدماء على الجانبين، لكن ثمة دم رخيص لا يضع وروداً على أرواح ضحاياه أحد.


الجمعة، 28 أبريل 2017

فوق السلطة | مارين لوبان من اصول عربية - هههههههه | 28/04/2017


  مارين لوبان من اصول عربية - هههههههه 

رسالة مقلقة ..!


رسالة مقلقة ..!
د. عبد العزيز كامل
جائتني رسالة من دكتور محامي فاضل ، تشير إلى توجهات تغيير مفصلية تتعلق بدين مصر وهويتها من خلال مايدور ومايدبر حول دور الأزهر، ومع أنني لست أزهريا بالمعنى المتبادر ؛لأن علاقتي بجامعة الأزهر كانت مجرد تسجيل رسالة للدكتوراة ومناقشتها فقط، دون ماسبقها من مراحل؛ إلا أنني أرى ضرورة متابعة ما يبيت لهذه المؤسسة العلمية التاريخية، التي لو ألغيت، فسيكون ذلك بمثابة انهيار سد..يتلوه سقوط قلاع وانهيار حصون ...ولن نقول وقتها (عندما دخلت الخيول الازهر) بل سنقول عندها .. بالت الخنازير في الأزهر..!
تقول الرسالة الخطيرة رغم بساطتها:
" الناس اللي متعرفش حاجة عن موضوع حل جامعة الازهر..امبارح تم اعداد مشروع هيتم مناقشته في مجلس الشعب تفاصيله كالآتي :
١- حل الكليات العلمية في جامعه الأزهر واخضاعها لإشراف وزارة التعليم العالي
٢ - حل جامعه الازهر وتجميع الكليات العربية والشرعية في جامعة يطلق عليها اسم جامعة الإمام محمد عبده
٣ّ- إلغاء المرحلة الإعدادية من التعليم الأزهري
٤ - أشتراط حفظ القرآن كاملا للالتحاق بالمرحلة الابتدائية " يعني العيل مش هيخش أولى ابتدائي إلا لما يحفظ القران كله..يعني محدش هيخش ابتدائي أصلا "
المطلوب شد انتباه الناس للمصيبة الي هتحصل ..أنا عارف إن الجامعه متحلتش لسه ..وإن المشروع لسه بيتناقش ولم يتم اعتماده ..ولكن المشكلة إن الأمر بيتم ترتيبه في السر، وبين يوم وليلة ممكن يتم إقرار القانون ..لو لم يلتفت الناس للحدث ويتكلموا عنه باهتمام، هيتم تمرير مشروع القانون بكل أريحية ..
الأزهر حتى لو كانت إدارته الحالية غير مناسبة.. لكن يظل هو الضمان الأول لبقاء الهوية الإسلامية لمصر..وحتى لو اختلفنا سياسيا مع إدارته، فكيانه كيان علمي تاريخي ورمز إسلامي، يتوجب على المسلمين الدفاع عنه والحفاظ عليه
اتكلموا عن الأزمة باهتمام.. وانشروا الكلام وعرفوا الناس أن الهوية الاسلامية للبلد فعلا في خطر.."
انتهت الرسالة...ولكن هل سينتهي الأمر عند هذا الحد، وهل سيترك الولد (ابو حامد) الكاره للمسلمين، والعاشق لغير المسلمين ؛ أن يحدد وحده مصير ومسار أجيال..مع حفنة من زملائه العيال.. في مجلس عبد العال..؟!

لماذا غاب أهل الشر؟


لماذا غاب أهل الشر؟



 وائل قنديل

لعلها من المرّات النادرة التي يتحدث فيها عبد الفتاح السيسي، من دون أن يستدعي فزاعة المؤامرة الكونية، وحواديت أهل الشر.
في لقاء إسماعيليته الجديدة، اكتفى السيسي بضخ مزيدٍ من الأكاذيب والأوهام، إذ يتزامن اللقاء مع انقضاء مهلة آخر وعوده الكاذبة، قبل عامين بالتمام والكمال، حين قال متحدياً "عامان فقط وهتستغربوا مصر بقت كده ازاي"، وذلك في سياق إغراقه للمتلقي بكلامٍ معسولٍ عن التنمية والرخاء، بلا حدود.

يعيش السيسي فترة غير مسبوقة، طفلاً مدللاً في حجر القوى الإقليمية النافذة والمجتمع الدولي، فرصيده من الرضا الإسرائيلي يتصاعد، ومعه تتنامى أشكال العناية والدعم  من الرعاة الإقليميين لمشروعه الانقلابي، ومن ثم يدرك أن شماعة أهل الشر لم تعد تحتمل تعليق مزيدٍ من أمارات الفشل والتعثر والانهيار.

هنا، لا بأس من استخدام المصريين بديلاً لحجة أهل الشر، فتنهض كل الرئاسات السابقة عليه بدور المتسبب في رداءة اللحظة الراهنة، ولا يجد غضاضةً في أن يعلن "بالصدق ده وبالشرف ده وبالأمانة دي" أن كل من سبقوه فاشلون ومجرمون في حق البلد، من أول جمال عبد الناصر، وحتى محمد مرسي، مروراً بأنور السادات وحسني مبارك، فيقول"بقي لنا خمسين سنة محتاجين دولة، واللي كان موجود خاف من رد الفعل، وما عملش إصلاحات، والأمور تراكمت، ولم يتم اتخاذ إجراءات على مدى أكثر من 50 سنة لدولةٍ تقف على رجلها، وتبني مستقبلها".

ولأن شمّاعة الحكام وحدها لا تكفي، فلا بأس من إدخال الشعب المصري الذي ثار في يناير/ كانون الثاني 2011 متهما رئيسياً، فيعرّج على الثورة باعتبارها، أيضاً، كانت جريمة بحق مصر"ولما الناس اتحرّكت من 2011 كان جزء من التوصيف لحجم المشكلة الموجودة في مصر ليس حقيقيا".

"وبالتالي قال لك حِل المسألة، واتحرك، وشيل.. وأنت بتتحرك وبتشيل بتشيل مستقبلك.. عايز تتحرك، وتعمل، اتحرك.. (يقصد الثورة).. أنت هاتضيعها خالص.. أنت هتضيع بلدك خالص.. وهتضيَّع مستقبلك أنت وأولادك وأولاد أولادك القادمين.. أقول كلاما أتحاسب عليه أمام ربنا".

ما سبق ذكره السيسي في سياق واحد مع تناوله "نكسة 67"، حين قال" الدولة دي اتدبحت سنة 67، وحركة تقدمها وقفت من الفترة دي، الدول بتقوم في سنين طويلة، وتضيع في سنين طويلة".
والمسكوت عنه هنا، بنظر السيسي الآن، أن 2011 كانت نكسةً، مثلها 67 وأن أي تحرك شعبي مماثل سيصيب مصر بنكسة أخرى.
وبصرف النظر عن أن هذه الكذبة تتناقض مع ما كان يعبّر عنه السيسي، بشخصه، عقب ثورة يناير"التي كانت عظيمةً، وشارك فيها الجيش وحماها" كما سمعت منه بأذني، وسمعه كثيرون، فإن هذه الرؤية تتعارض مع قراءة رعاته ومموليه للتاريخ، فالثابت أن يونيو 67 يعادل يونيو 2013 بالمقياس الإسرائيلي، وكلاهما كان يوماً للبهجة الصهيونية، فيما كان يناير 2011 يوما للغم والفزع لها، مثله مثل أكتوبر 73.

باختصار، يمكن القول إن السيسي بات مطمئناً تماماً لجهة الخارج، ويبقى هاجسه الكابوسي هو تنامي السخط المكتوم في الداخل. وعليه، لا بأس من محاولةٍ لمد أجل الكذب، بطلب سنةٍ إضافيةٍ أخرى، لكي يحصل المصريون على الرخاء الذي لم يأتِ ولن يأتي، بمجرّد الارتماء في الحضن الإسرائيلي، على طريقة أنور السادات الذي كان يردّد في كل مناسبة أن العام 1980 هو عام الرخاء الذي لم يجئ، بالطبع، بل جاء العام الذي يليه، وغاب السادات إلى الأبد.
أخيراً، أكرّر ما قلته مع تدشين السيسي آلية المهرجانات القومية لتسويق الأكاذيب والأوهام "لا يتعلق الخلاف مع سلطة عبد الفتاح السيسي بأدائها البليد المهين لمصر، تاريخاً وشعباً، وإنما ينطلق من أن هذه سلطة ولدت سفاحاً، لا شرعية أخلاقية، أو سياسية، لها، كونها جاءت سطواً مسلحاً على أول سلطةٍ منتخبة ديمقراطياً في تاريخ المصريين".

عالم أول.. لكنه الأخير

عالم أول.. لكنه الأخير

د. محمد عمارة

إن نظرة فاحصة على واقع العالم الإسلامي، تفصح - بكل ألسنة الحال والمقال- عن أننا بإزاء حالة من السفه الصارخ، تستوجب "الحجر" بموجب القوانين الشرعية والمدنية جميعا.

فمساحة هذا العالم الإسلامي خمسة وثلاثون مليون كيلو متر مربع، بينما مساحة الصين 9 ملايين كيلو متر مربع، أي ربع مساحة العالم الإسلامي.

وسكان هذا العالم الإسلامي مليار وسبعمائة مليون نسمة، أي قرابة ربع البشرية.

والثروات الطبيعية في العالم الإسلامي تجعله - عالميا - الأول في البترول والغاز والطاقة الشمسية والمنجنيز والكروم واليورانيوم والقصدير والبوكسيت، وتجعله الثاني في النحاس والفوسفات والثالث في الحديد، والخامس في الرصاص والسابع في الفحم.

وفي هذا العالم الإسلامي أطول أنهار الدنيا، وأقدم فلاح علم الدنيا فن الزراعة، وفيه مساحات من الأرض الصالحة للزراعة يمكن أن تمثل سلة غذاء لعالم الجنوب، وشواطئ للمحيطات والبحار والأنهار فيها ثروة سمكية تفيض عن الحاجات.

وهذا العالم الإسلامي ينتج من النفط وحده أكثر من ستة بلايين متر مكعب يوميا، ومن الغاز الطبيعي 616 بليونا من الأمتار المكعبة يوميا.

ولدى هذا العالم الإسلامي - الذي ينهب الغرب ثرواته الطبيعية - أكبر الفوائض النقدية، لكنه يودعها - وبالأحرى يردها - إلى البنوك الغربية، ليعود الغرب فيقرض بعضا من هذه الفوائض لبلاد العالم الإسلامي، مستعمرا إياها بهذه القروض الربوية المركبة، حتى أن الكثير من بلاد العالم الإسلامي إنما تكد وتكدح وتشقى لسداد فوائد الديون - وليس ذات الديون -، أي أن هذا العالم الإسلامي قد بلغ - في السفه - الحد الذي باع فيه حريته بفوائضه النقدية، فدخل في لون من الرق تحدث عنه الشيخ محمود شلتوت (1310 - 1383 هـ ، 1893 - 1963 م) عندما قال: "لقد حل مكان الرق القديم رق هو أشد خطرا على الإنسانية، ذلكم هو استرقاق الشعوب في أفكارها وأموالها وسلطانها وحريتها في بلادها، كان ذلك رق أفراد يموت بموتهم وتبقى دولهم حرة، رشيدة لها من الأمر والأهمية ما لسائر الأحرار الراشدين، ولكن هناك رق شعوب وأمم تلد شعوبا وأمما هي في الرق كآبائهم، فهو رق عام وإثم يفرض على الأمة بقوة غاشمة، وإذن، فما أجدر هذا الرق بالمكافحة والعمل على التخلص منه، ورفع ذله عن الشعوب، لا بمال الصدقات فقط، بل بقوة الأموال والأرواح".

ومع هذه الثروات المادية التي يملكها العالم الإسلامي - والتي غدت قيودا لاسترقاقه - بدلا من أن تكون سبيلا لحريته ورفاهية شعوبه، فرط هذا العالم الإسلامي - مع الفوائض النقدية - بالعقول المهاجرة التي بلغت خسائرها العربية وحدها - في تسعينات القرن الماضي وحدها - أحد عشر بليونا من الدولارات!! 
وهي نزيف مستمر ومتصاعد، فـ 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون بالخارج لا يعودون إلى بلادهم! 
وفي إنجلترا وحدها 34% من الأطباء الأكفاء عرب! 
وفي الغرب 450.000 عالم وطبيب ومهندس عربي، وأضعاف هذه الأرقام من العالم الإسلامي.

وغير هذه الثروات المادية والبشرية التي يمتلكها العالم الإسلامي، فهو يمتلك تراثا حضاريا جعل من أمته العالم الأول على ظهر هذا الكوكب لأكثر من عشرة قرون، بينما عمر الغرب كعالم أول لم يتعد قرنين من الزمان.


















مصر بين إرهاب "الدولتين"

مصر بين إرهاب "الدولتين"

الشيخ محمد المختار دي

الكل في مصر يقتل شعب مصر ويصفي شباب مصر ويستهدف مصر.. من هجمات تنظيم الدولة "الاسلامية " التي استهدفت كنيستي طنطا والإسكندرية وأسقطت عشرات القتلى من الأبرياء، الى الشريط المسرب الذي هز مكانة الجيش المصري في قلوب الجميع.

الجيش المصري في سيناء يصفي شبابا من أهالي سيناء بطريقة أقل ما يقال عنها أنها وحشية ولا تقل دموية عن دموية التنظيمات الارهابية وتضر أكثر مما تنفع.. فمن يظن أنه ببثه تلك المشاهد سيقضي على الارهاب مخطئ جدا وعليه اعادة حساباته لأنه أصبح صانعا للإرهاب وزاد من عدد الارهابيين.. حين قسا على شباب سيناوي لا ناقة له في حروب السياسيين ولا جمل سوى أن الفقر والإهمال وتجاهل الحكومة المصرية منذ عقود كتب على منطقته الاستراتيجية والجوهرية.

مصر بين ارهاب الدولتين تعيش منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013. فسلاح الجيش المصري أصبح موجها لصدور شباب الثورة المصرية وأصاب ابن مصر قلب أمه المتقطع على أبنائها قبل أن يصيب عدوه.. وسمح عدوه الذي يشبه طيور الظلام تحت مسمى تنظيم الدولة عن قصد أو بغيره بالتسلل ليصيب كل الأهداف في قلب القاهرة العتيدة.

يفجر الكنائس واحدة تلو الأخرى ويستهدف مراكز الأمن والجيش المصري بكل أريحية، ثم يصفي الجيش في لحظة غضب متهورة شبابا مصريا لا ذنب له.. السيناريو يتكرر بعد كل عملية إرهابية؛ الثورة وأبناؤها ومعارضو نظام السيسي هم المسؤولون في كل الأحوال!! ليس المهم محاسبة المقصرين ما دامت شماعة اسقاط الدولة المصرية جاهزة.

الجميع اليوم بدأ يتساءل لماذا تغيرت عقيدة الجيش المصري أولا وبعض الجيوش العربية ثانيا؟ لماذا يوجهون سلاحهم لأبناء الوطن أكثر مما يوجهونه لأعداء الوطن؟ أفلا يعلم أولئك أنهم يقتلون الوطن في نظر كثيرين في كل يوم ومع كل رصاصة يطلقونها في قلب مدني أعزل؟

من يتصدق بنصيحة على أبناء الجيش المصري أن أبناء وطنهم ووطنهم أولى بحمايتهم من حماية مصالح الجنرالات وأباطرة المال الذين لن ينفعوهم حينما تحاسبهم شعوبهم، وهي لا محالة فاعلة وأن طال الزمن ومرت الأيام؟

تسريب قناة مكملين ليس الأول من نوعه، فقد سبق أن خرج تسريب يتحدث فيه السيسي عن اعفاء كل جندي يطلق الرصاص أو يقتل بالخطأ من المحاكمة والمسؤولية، وكان بمثابة اذن بإطلاق يد الجيش المصري ضد شعبه ثم تلاه شريط اخر لبعض من دعاة مصر من بينهم عمرو خالد؛ فيه فتوى واضحة تبيح دماء المصريين ولم تقل خطورة عن فتوى مفتى مصر الأسبق على جمعة.

وكشف تسريب مكملين الكثير عن تغير خطير في عقلية الجيش المصري ، وأثار الكثير من الاستهجان والاستغراب والخوف كل الخوف أن يستغله الارهابيون في استقطاب العديد من الموتورين في مصر ما بعد الثالث من يوليو، وهم كثر وأغلبيتهم سقطوا على يد جيش مصر وربما يكون عذرهم لم نجد وطنا ولا عدالة بل جيشا يقتل أبناءنا بدون تهمة أو محاكمة ووجدنا من يوهمنا بأن يأخذ لنا حقنا.

ولا عذر لهذا ولذاك. كلهم يقتلون مصر ويطلقون رصاصهم الى قلب مصر لتتوجع المحروسة أكثر فأكثر وتتوجع قلوب كل محبيها عليها وعلى ابنائها.

فيا جيش مصر اخفض سلاحك عن شباب مصر، فلديك ولديها من الأعداء من يستحق الرصاص.



الأربعاء، 26 أبريل 2017

اقــتـــــــــــــراح...!




اقــتـــــــــــــراح...!


د.عبدالعزيز كامل
ظاهرة التشهير المتبادل والتهم المُتقاذفة ..والتشويه الكريه بين بعض الفضلاء من الدعاة وحملة الأقلام على صفحات التواصل الاجتماعي؛ لم تعد تسُّر صديقًا أوتنكأ عدوًا، أو تيسر للدعوة مسلكًا و طريقًا، بل أصبحت عبئًا جديدًا على تلك الدعوة، تُكدر مجاريها وتُعكر قلوب قارئيها ومستمعيها والخائضين فيها..وأقرت هذه الظاهرة أعين الشانئين الشامتين في أصحاب الدين، الراغبين في إشعال عداواتهم لبعض لإشغال بعضهم ببعض، وضرب بعضهم ببعض..
صحيح أننا أمة أمرٍ بالمعروف ونهيٍ عن المنكر، ولكن الصحيح أيضًا أن الأمر بالمعروف لابد أن يكون بمعروف، والنهي عن المنكر لابد ألا يكون بمنكر..فهناك أولويات، ومراعاة لظروف الفتن والضعف والخلافات، كما أن المخطئين – في حال ثبوت خطئهم – ليسوا سواء، فليس من أراد الحق فأخطأه؛ كمن أراد الباطل فأصابه... ولهذا شُرع لنا العفو وحسن الظن، والتغافر بل التغافل- في كثير من الأحيان- عن عثرات ذوي الهيئات، وهنات من زلت بهم الخطوات..
الشخص ذو العيوب قد يتوب..والشخص الذي عابه قد يصيبه ما أصابه، وعندها سيحتاج إلى من يرفق به ويستر عليه .. ولن يسلم أحد منا من أخطاء بل خطايا، فكلنا خَطَّاء.. ولهذا كان الدين هو النصيحة .. وليس الفضيحة ولا النطيحة..ولأجل فسح المجال لعودة من تعثر من الرجال إلى رشده وصوابه؛ أُمرنا بحسن الجدال – حتى مع الكفار - جدالًا بالتي هي أحسن لا بالتي هي أخشن، بحيث نقول له قولًا لينًا بالكلمات لا باللكمات ..
لو شملنا ألف مخطيء مجتهد بحسن الظن؛ خير من القتل المعنوي لشخص واحد ذي أثر بسوء الظن، فقد نُفسد عليه دينه عندما نهينه في جريرة لا تستحق كل هذا العذل والعزل والإعدام في ميدان الدعوة العام.. خاصة إذا كانت جريمته عند منتقديه هي السكوت، فالساكت لا يُنسب له قول فضلًا عن فعل..! وقد أُمِرنا أن نقبل - حتى عن المنافقين - ظواهرهم، إن كانوا غير مجاهرين ، ونكل إلى الله سرائرهم، لا أن نفتش عن نواياهم لنعري طواياهم..
وبما أن الحملة الراهنة على حَمَلَة الدين ودعاته وعلمائه القدماء والمعاصرين تستهدف لُب العقيدة وجوهر الشريعة وأصل الدين، في شخوص أشياعه وأتباعه.. 
فلماذا لا يُحوِّل أصحاب الحملات الحزبية والفكرية والشخصية حملاتهم ضد المجاهرين المتباهين، والمرتزقة المتاجرين بحرب الدين – وما أكثرهم - .. أليس الطاعنون في الدين على الملأ أولى بجهد الناقدين الناقمين وجهادهم .. ؟!
ما أكثر دعاة الإلحاد والإفساد وهدم العقائد والشرائع ونزع رداء الحياء ؛على المواقع والصفحات والفضائيات، تؤزهم الشياطين لنقض الثوابت ومسخ الحقائق، ليَّا بألسنتهم وطعنًا في الدين.. 
لماذا لا تُرتب الأفكار وتُوزع الأدوار لرصد تراجم وجرائم هؤلاء النابحين من (طبقات المجرمين) مع سبر سمومهم وطعناتهم .. لتدبيج المقالات وتنظيم المناظرات وتجهيز الردود لحماية الحرمات والقيم وحفظ الحدود ..؟
أليس هذا ضربًا من الجهاد المشروع – بل الواجب - بالوحي الذي أمِرنا أن نُنْذر به..؟
 وألم يقل الله في شأن المروجين للكفريات والشركيات والنواقض والزندقات: (وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) (الفرقان/52)..
هؤلاء أولى بوقتنا ووقتكم.. وأحق بنقدنا ونقدكم ونقضكم.. والقائمة من المقصودين طويلة، يا أصحاب الأقلام وحُرَّاس الفضيلة..!..

العرب بين تركيا أردوغان واليمين الغربي

العرب بين تركيا أردوغان واليمين الغربي


إبراهيم يسري
بعد تعرضه للخطر في محاواة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز/ يوليو الماضي، تمكن الرئيس أردوغان في 16 نيسان/ أبريل الجاري من الحصول على موافقة الشعب التركي على تعديلات في الدستور التركي، تقضي بالتحول نحو النظام الرئاسي، حيث يتمتع رئيس الجمهورية بصلاحيات تنفيذية واسعة. ومن المقرر أن يطبق النظام الرئاسي الجديد مع الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقرر إجراؤها في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، وفقا للتعديلات الدستورية الجديدة.

ولعلنا لا نستطيع الفصل بين هذا الحدث التركي وبين ما يجري في العالم العربي من تطورات جذرية مخضبة بالدماء ومعاناة الملايين. فليس جديدا أن نشير إلى العلاقة الاستراتيجية والتاريخية بين تركيا والعرب، فقد سعت الدولة العثمانية لجلب كافة المسلمين تحت جناحها واستعادة الخلافة الإسلامية، فأطلق السلطان عبد الحميد الثاني شعار "يا مسلمي العالم اتحدوا". وكان إنشاء سكة حديد الحجاز الممولة من المسلمين في كافة أنحاء العالم تقريبا، أفضل ترجمة لسياسة السلطان عبد الحميد في تطبيق خلافة إسلامية تشمل كافة المسلمين برعايتها.

وقد استطاع العثمانيون لقرون عديدة، المحافظة على علاقة مستقرة نسبيا بينهم وبين المجتمعات الإسلامية التي كانت تحت سيطرتهم، وساعد ذلك في الصمود بوجه محاولات ممالك ودول أوروبا لانتزاع الأراضي من الإمبراطورية المترامية الأطراف. ولم يتمكن الأوروبيون من احتلال أجزاء من الدولة العثمانية حتى عام 1908م، في عهد السلطان عبد الحميد الثاني. ورغم قيامه بإصلاحات عديدة، فإنه لم يستطع أن يسلم من السخط الناتج عن تكريسه للسلطة في يده ولربما نستطيع القول بأن شمولية السلطة سمة من سمات الحكم في تركيا؛ تتمثل في حكامها وأبرزهم عبد الحميد الثاني وكمال أتاتورك ويلحق بهم الآن رجب طيب أردوغان.

والمعروف أن تركيا بدأت تعاني من أسباب الضعف، واضطرت إلى توقيع معاهدة لوزان في سويسرا (1923م) بين تركيا -وريثة الدولة العثمانية- وبين القوى المنتصرة في الحرب؛ التي حددت حدود دولة تركيا الحديثة، وتخلت عن أي مطالبات في المشرق العربي الذي احتلته بريطانيا وفرنسا.

وانتهى الأمر بأن نأت تركيا خلال القرن العشرين الميلادي بنفسها عن قضايا المنطقة والعالم العربي والإسلامي مع الغرب بشكل عام، وكان ذلك الحال حتى عام 2002م، عندما أتى حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في البلاد، وهو حزب سياسي له جذور إسلامية، وبدأ بانتهاج سياسة أقرب إلى قضايا العالم العربي والإسلامي.

وتختلف سياسات أتاتورك الذي يعتبر مؤسس تركيا الحديثة ذات التوجه الأوروبي، عن سياسات أردوغان الذي أدرك حقيقة أن أوروبا المسيحية لا يمكن أن تقبل تركيا كعضو في الاتحاد الأوروبي، وأن البديل عنده هو تنمية واستثمار تدين الشعب التركي في العودة للعالم العربي والإسلامي للنهوض به تحت قيادتها.

وتحمل نتائج الاستفتاء التركي التي جاءت مؤيدة للتحول نحو النظام الرئاسي؛ مجموعة من الدلالات والتداعيات المستقبلية على الداخل التركي والسياسة الخارجية التركية، والمنطقة العربية بأسرها.

ومن التداعيات السلبية، رغم فوز أردوغان، غياب التوافق المجتمعي حول التعديلات الدستورية: حيث تتقارب نسبة المؤيدين للتعديلات الدستورية (51.4%) مع الرافضين لها (48.6%)، وهو ما يفتح الباب لمعارضة قوية لسياسة رئيس الجمهورية، وشخصنة السياسة التركية، والعودة إلى هيمنة الرئيس التركي على عملية صنع القرار، وهو ما يُدخل تركيا في مرحلة حكم "الرجل الواحد" مرة أخرى.

ولعل أقرب التداعيات المحتملة لجمع مقاليد السلطة في يد أردوغان هو تزايد الدور التركي في المشرق، ومن المرجح أن تشهد السياسة الخارجية التركية أنشطة تركية متزايدة في هذا الاتجاه.

وعلى الجانب الأوروبي، قد يهدف أردوغان إلى تهدئة العلاقات التركية-الأوروبية. ولكن ذلك يتوقف على مواقف القوى الأوروبية، مع ازدياد نفوذ الأحزاب اليمينية. ويتضح هذا من تصريحات رئيس المفوضية الأوروبية "جان كلود يانكر"، والممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤوون الخارجية "فيدريكا موغريني"، والمفوض الأوروبي للسياسة الأوروبية للجوار ومفاوضات التوسع "يوهانس هان"، بالإضافة إلى رغبة بعض القادة الأوروبيين في استخدام ورقة التصعيد ضد تركيا لجذب الأصوات اليمينية المتطرفة التي تستغل العداء للمهاجرين والمسلمين؛ لرفع شعبيتها بين الناخبين الأوروبيين، ما ينذر باستمرار التوتر في العلاقات بين الجانبين، وإن كان أقل حدة مما كان عليه وقت الاستفتاء.

وهكذا يتوقع أن تمر تركيا إلى مرحلة جديدة تحت هيمنة الرئيس "رجب طيب أردوغان"، كما سينعكس أيضا على السياسة الخارجية التركية لتصبح أكثر تفاعلا وانخراطا في قضايا المنطقة ذات التماس المباشر مع الأمن القومي التركي، ويأتي على رأسها القضيتان السورية والعراقية بعدما انتهى أردوغان من تحقيق هدفه في التحول نحو النظام الرئاسي.

ولكن تطورات الأوضاع تنبئ عن وقوع أردوغان تحت حصار خطير لا يستهان به في الداخل والخارج، إلا أنه يمارس سياساته الخارجية بمرونة ملحوظة بين الدول الغربية وبين روسيا، وغيرها من الدول الفاعلة، مثل الصين والهند من جهة، وأن يسعى إلى ترصين وتقوية التعاون مع الدول االعربية والدول الإسلامية الآسيوية في أندونيسيا وماليزيا وباكستان. ولكن اهتمامه الأول، جريا على دروس التاريخ، مع الدول العربية.

 فقد نجح في إرساء نوع من التعاون مع السعودية، والتحالف المرن مع قطر، وعلى العرب أن يقيموا سياساتهم مع تركيا باعتبارها قوة إقليمية كبرى يمكن أن يستعان بها في تخفيف الهجمة الغربية الشرسة لإعادة تقسيم المنطقة بعد 100 عام من سايكس–بيكو، كما أنها كدولة سنية ستساعد الجهود العربية في الحد من آثار الهجوم الإيراني القوي في السيطرة على الخليج والانتشار الشيعي في الدول العربية. ومن هنا ستصنف الدولة المتباعدة أو الرافضة للتعاون مع تركيا بالانحياز للعالم الغربي وربيبته إسرائيل.