الأحد، 31 يوليو 2016

المسيحية.. نشأتها وانتشارها

المسيحية.. نشأتها وانتشارها


أ. د. زينب عبد العزيز 
أستاذة الحضارة الفرنسية


 
    صفحتان من الكتاب المقدس المعروف باسم "السينوي" من    القرن الرابع، وتبدو عليهما بوضوح التصويبات والإضافات                     وبعض الجُمل المطموسة                                
 
مَن يَود البحث عن نشأة المسيحية وكيفية انتشارها لن يجد أمامه سوي ما أرادت الكنيسة أن يعرفه الجميع. ورغمها، تناثرت شذرات الحقائق في نفس الوقت، عبر التاريخ، بحيث يمكن التوصل إلى حقيقة كونها، نشأتها وانتشارها، بفضل بعض الأمناء الذين هالهم جبروت متأصل، لا مثيل له في الحضرات. وبالتالي، لا يمكن تحديد أيها كانت أول كنيسة، فكل طائفة تزعم لنفسها أنها كانت الكنيسة الأولي الأصلية.. ومن المحال معرفة التسلسل التاريخي لأي طائفة أو أيّ منها هي الكنيسة الأم أو التي ينحدر تكوينها من أيام الرسل. فمن الثابت تاريخيا إن الانقسام والفرق المتناحرة، والمشاحنات المتواصلة بين الكنائس وتبادل الاتهامات هو السائد.

إذ نطالع في أعمال الرسل، في رسالة بولس الأولى إلى أهل غلاطية، وبولس من المفترض أنه عاصر السيد المسيح، نراه يقول: "إني أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعا عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر، ليس هو آخر غير أنه يوجد قوم يزعجونكم ويريدون أن يحوّلوا إنجيل المسيح. ولكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن أناثيما. كما سبقنا فقلنا أقول الآن أيضا إن كان أحد يبشركم بغير ما قبلتم فليكن أناثيما" (6 ـ 9). وكلمة "أناثيما" تعني "ملعون"، لكن كتبة الأناجيل كتبوها بالهجاء اليوناني حتى لا يرى الأتباع أن الكنيسة تسب وتلعن وتحْرِم.. بل والأدهى من ذلك، أن نرى حتى يسوع عليه السلام، انتقائي النزعة في هذه الأناجيل، فهو يتهم الرسل الذين جاءوا قبله ليثبت أنه الرسول الوحيد، أو ذلك ما أرادت الكنيسة له أن يقول: "فقال لهم يسوع أيضا الحق الحق أقول لكم إني أنا باب الخراف. جميع الذين أتوا قبلي هم سرّاق ولصوص" (يوحنا 10: 7 ـ 8)! أما في طبعة 1671 فلا توجد كلمة "قبلي"، أي ان الكنيسة تعمدت إثبات ان يسوع هو الوحيد الأوحد، فلا قبله ولا بعده!

ويقول ترتوليان، المؤرخ المسيحي الشهير: "أنه بفضل سبتيم سيفير (193 ـ 211)، عرفت المسيحية أول اعتراف رسمي، حتى وإن لم يكن هناك ما يدعو للفخر، فقد كانوا يمارسون المهن غير الشريفة كبيوت الدعارة، مقابل دفع مبلغ من المال للحاكم الإداري".. ولعل ذلك كان من بين الأسباب التي دفعت الإمبراطور سبتيم سيفير سنة 202، أن يكون أول إمبراطور يصدر قرارا ضد المسيحيين وضم اليهود في نفس القرار، ومنع الأهالي من التحول إلى إحدى هاتين الديانتين. وهنا يقول لوسيان هيلفيه: "حتى وإن كان سبتيم سيفير قد حابا المسيحيين في البداية ليكسب المعركة ضد نيجير، فقد انقلب عليهم لأنهم لم يكفوا عن إثارة الاضطرابات ويسببون القلاقل بالنسبة للسلام الداخلي وأمن الإمبراطورية. كما كان المسيحيون يحرضون الناس على عدم قبول الخدمة العسكرية". أي أنها لم تكن ديانة سلام ومحبة، كما يقولون، وأن كل ما كانوا يسعون إليه حقيقة هي السيطرة والتسلط. ولعل ذلك يرجع، في نظرهم، إلى ضرورة أخذ زمام الأمور بأيديهم لعدم اكتشاف ما يقومون به من تلاعب بالحقائق والنصوص..

كيفية نشأتها:

من الواضح والثابت أنه منذ بدايات نشأتها، من صُلب اليهودية ومَن كانوا يبشرون بها، بدأت المسيحية ـ بأقوال يسوع وحوارييه ـ منقسمة إلى جماعات متناحرة تتبادل الاتهامات واللعنات.. ومن ناحية أخرى لا يوجد لها أي نص أصلي على الإطلاق قبل القرن الميلادي الرابع.

فقد كانت العبادات الوثنية لا تزال موجودة حتى عندما أباح قسطنطين ممارسة المسيحية سنة 313، مثلها مثل كل الوثنيات القائمة. بل كانت الوثنية قوية في بعض المناطق عندما قام تيودوز الأول بفرضها ديانة على كل الإمبراطورية سنة 380. ففي مصر ظلت بعض المعابد الفرعونية تعمل حتى القرن السادس. ويؤكد إيف موديران أنه: "في إفريقيا مثلا لا يوجد أي نص مسيحي قبل فترة قسطنطين"، أي حتى منتصف القرن الثالث. وهو ما يؤكده يوحنا الدمشقي في بحثه "نبع المعرفة" (الصادر سنة 743)، الذي تحدث فيه عن مائة وواحد هرطقة واجهت المسيحية في قرونها الأولى، والهرطقة الواحد بعد المائة يقصد بها الإسلام..

ولم يكن يوحنا الدمشقي هو أول من تحدث عن الهرطقات والفرق المتناحرة في المسيحية. إذ تقول كريستين ݒرييتو في بحثها عن "تطور المسيحية": "أن القديس إيريني كتب سنة 185 بحثا "ضد الهرطقات" ؛ وكتب القديس هيبوليت سنة 230 يتحدث عن ثلاثة وثلاثون فرقة مسيحية مختلفة متناحرة ؛ وكتب القديس إبيفانوس في "بيناريون" عن ثمانين هرطقة ؛ وقد وصل عددها أيام القديس أغسطين في مطلع القرن الخامس إلى ثمانية وثمانين هرطقة".. أما مجلس الكنائس العالمي حاليا فيضم 349 كنيسة مختلفة عقائديا، لا تزال متناحرة خاصة في قضية "تنصير العالم"، والمقصود بها تنصير المسلمين، بمعنى على هوى أيّ منها..

وهو ما يؤكد أن المسيحية بدأت مشتتة، ونشأت فرق متناحرة وعبادات متناقضة وقام الباباوات بتكوينها عبر المجامع والانقسامات على مر العصور. بل يكفي ان نطالع ما كتبه القديس جيروم (347 ـ 420)، حينما طلب منه البابا داماز، سنة 383، أن يقوم بمراجعة الترجمة اللاتينية للكتاب المقدس، بناء على النصوص اليونانية المتاحة، إذ لا يوجد أي نص أصلي قديم للمسيحية سوى باللغة اليونانية، التي لم يكن لا يسوع ولا أي شخص من الحواريين يعرف منها شيئا، لأن الكنيسة أبادت كل ما يكشف أصولها أو كيفية تكوينها وتكوين عقيدتها، ولم تترك سوى ما أرادت أن يعرفه الجميع..

وقد سبق أن تناولت اعترافات القديس جيروم في بحث تفصيلي يعترف فيه ذلك القديس رسميا، فالخطاب/ المقدمة للترجمة موجه للبابا داماز، فيقول له أن الأناجيل وترجماتها محرفة مليئة بالمتناقضات، وأنه قام هو بتعديلها وتبديل ما لم يقتنع هو به.. وترجمته هذه هي المعروفة باسم "الڤولجات" أي لعوام الشعب، وقد أوردْت النص اللاتيني لها وترجمته وصورته الفوتوغرافية، في ذلك المقال، لكي يفهم الحقيقة من يشاء.. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل تواصلت المراجعات والتغييرات والتبديلات وفقا للمستجدات العقائدية. ثم تأتي مراجعة البابا كليمنت الثامن، الذي أقر النص النهائي للكتاب المقدس سنة 1592. ورغمها، لم تتوقف طاحونة التعديلات في نص زعموا أنه منزّل من عند الله، وفرضوه بيد من حديد، حتى مجمع الفاتيكان الثاني (1965) الذي اعترف بأن "من كتب الأناجيل أناس آخرون غير التي هي معروفة بأسمائها، لكنهم كتبوها تحت إرشاد من الروح القدس"!! بل لقد وعد البابا يوحنا بولس الثاني (1920ـ2005) بتعديل سبعين آية لتتمشى النصوص مع التعديلات التي أجراها مجمع الفاتيكان الثاني (1965) بعد تبرئة اليهود من دم المسيح، وغيرها كثير..

تكوين الأناجيل: 

في حوالي القرن الثاني بدأت فكرة جمع النصوص المكونة للكتاب المقدس، ولم يبدأ الاهتمام بتحديد اكتمالها إلا في أواخر القرن الرابع. ونظرا لكم النصوص وتنوعها قام الأسقف أطنازيوس في الإسكندرية، سنة 367، بعمل قائمة بالعناوين التي اختارها لتكوين العهد الجديد. وتم الاختيار من بين حوالي سبعين نصا، وقام مجمع هيبونا سنة 393 بإقرار القائمة، ثم أعاد مجمع قرطاج سنة 397 إقرار تكوينها، وتم استبعاد ما تم استبعاده والاحتفاظ بأربعة أناجيل هي: متّى ومرقص ولوقا ويوحنا، إضافة إلى أعمال الرسل وبعض الرسائل، انتهاء برؤيا يوحنا، وجميعها سبعة وعشرون سفرا.

وتختلف تواريخ صياغتها مثلما تختلف كل خطوات المسيحية. إذ يقول الجانب الكنسي أن إنجيل متّى كتب فيما بين سنة 70 و80، بينما يقول المؤرخون الحاليون أنه صيغ سنة 165 للنص الابتدائي؛ ومرقص، يقول الجانب الكنسي أنه كتب حوالي سنة 70، لكن مرقص يتحدث عن هزيمة بار كوخبا التي وقعت سنة 135 لذلك يضعه المؤرخون في سنة 170؛ ولوقا، تقول الكنيسة أنه صيغ في حوالي سنة 80 ـ 90، بينما يقول المؤرخون سنة 180، وأنه مليء بالأخطاء التاريخية أكثر من غيره؛ ويوحنا، تقول الكنيسة حوالي سنة 90، بينما يقول المؤرخون بدأت صياغته سنة 180 وانتهت في القرن الرابع.. وكل أصول العهد الجديد الموجودة مكتوبة باليونانية، أي أنها ترجمات متراكمة من النص الأرامي الأصلي، لغة يسوع وحوارييه السائدة في المنطقة آنذاك.. لذلك تراكمت الأخطاء والتغيرات والإضافات، وتواصلت إجمالا حتى اختراع المطبعة في منتصف القرن الخامس عشر. أما عن الأناجيل المحجبة، لأنها تخالف القصة التي نسجتها الكنيسة، فنصوصها صيغت من القرن الثاني إلى السابع، وهو ما ينزع عنها، هي أيضا، أية مصداقية تنزيل إلهي.

انتشار المسيحية في مصر:

يمكن القول اختصارا أن مصر دخلت تحت الحكم الروماني سنة 30 ق م، على أنها واحدة من أهم موارد القمح بالنسبة لروما، وكانت الديانة المصرية القديمة تشع في كل حوض البحر الأبيض المتوسط، وكان يوجد معبدا للإلهة إيزيس في منتصف باريس بفرنسا. ولأهمية مصر كدولة، كان الإمبراطور شخصيا هو الذي يختار الحاكم بنفسه وليس مجلس الشيوخ. وقد اهتم الرومان بجميع الآلهة المصرية القديمة والعبادات المصرية واستحوذوا على كثير من مفرداتها وأدخلوها عقائدهم وفلسفتهم. وتكفي الإشارة إلى الاله تحوت الذي حوله اليونان إلى "هرمس ـ تحوت ـ تريمچيست"، وبعد فترة أسقطوا "تحوت"، ليبدو إلههم من اختراع حضارتهم! وما أكثر ما اُخذ عن المصري القديم في المسيحية لتسهيل قبولها من بعض المصريين.

واندلعت عدة ثورات شعبية فيما بين 169 و172 بسبب "طاعون أنطونين" وغيره، وقام الرومان بقمعها. وفي سنة 175 قام القائد آفيديوس كاسيوس، الذي قاد القوات الرومانية لقمع الثورة الشعبية بتعيين نفسه إمبراطورا، واعترفت به مصر وسوريا. لكن روما انقلبت عليه بعد زيارة خاطفة للإمبراطور مارك أوريليوس للإسكندرية.

وواصل الرومان بناء المعابد التي كان قد بدأها البطالمة، ومنها مدينة أنتينوبوليس، وكشك تراچان في جزيرة فيلة، ومعبد دندرة الذي أضاف إليه أغسطس عدة أجزاء تسمى "مميزي". وفي سنة 381، السنة التي أصدر فيها تيودوز الأول قرار فرض المسيحية ديانة وحيدة لكافة أنحاء الإمبراطورية، بدأت تغيرات الملامح الدينية بالتدريج، بينما انطلق المسيحيون في هدم ما لم يُهدم من المعابد وطمس معالم ما لم يستطيعوا هدمه وتغطيته برسومات مسيحية، مثلما حدث في معبد أبو عودة والأقصر وغيرها.

أما عن اضطهاد المسيحيين، فلا أشير على سبيل المثال إلا إلى أشهر ثلاثة حملات لعنف بطشها: 
حملة ديسيوس فيما بين 249 ـ 251؛ وحملة فالريان سنة 257 الذي أمر بمنع تقديم الأضاحي وعدم التجمع في دهاليز المقابر وسراديبها؛ 
وحملة ديوكليسيان أواخر 302 أوائل 303، وتعد من أعنف الحملات. لذلك يقول برنارد لوجان أنه منذ اضطهاد ديوكليسيان سنة 303، يضع المسيحيون الشرقيون بداية الكنيسة القبطية سنة 284 "، ("تاريخ إفريقيا من الصول حتى يومنا هذا" 2009). أي أن المسيحية لم تبدأ بشائر استتباب أمرها إلا في أواخر القرن الرابع..

وحينما نطالع في "الموسوعة القبطية" الصادرة بالفرنسية بحثا بعنوان "الأقباط أيام الإمبراطورية الرومانية" بقلم صموئيل ماتياس، والعنوان الفرعي له: "انتشار المسيحية في مصر"، ويبدأ المقال بجملة تقول:
"ابتداء من أنانيوس، أول خليفة للقديس مرقس وحتى ديمتريوس، البطريرك الثاني عشر للإسكندرية، ظلت المسيحية تنتشر لمدة قرنين، لتنتهي إلى تنصير الدولة".. وتوقفت عن القراءة!
هكذا، بكل بساطة، تم تنصير الدولة كلها، التي هي مصر، منذ القرن الثاني! ويا لها من فرية، إذ حتى القرن الرابع كانت المسيحية تحارب رسميا من الإمبراطور الروماني فكيف لها في زمن ذلك الاحتلال الذي يحاربها، أن يقوم المسيحيون بتنصير الدولة التي يعتمد عليها الرومان في خبزهم؟ بل ظل الحاكم الروماني المحلي يحارب المسيحيين في مصر، لما كانوا يسببونه من قلاقل حتى مطلع القرن السابع ومجيء الفتح الإسلامي. لذلك استقبلوا المسلمين على أنهم مخلصيهم من أهوال الحاكم.. وحين تبينوا كيف أن المسلمين يعبدون الله ولا يشركون به أحدا دخل المسيحيون الرافضون لتأليه المسيح، التابعين لأريوس وغيره من رافضي الشرك بالله، دخلوا الإسلام طواعية واقتناعا. لكن يبدو، على مر الزمن، إن سمة اختلاق القلاقل وحب التسلط لم يخبو.. لذلك قال عنهم الشاعر اليوناني بللاداس ساخرا من "أولئك المقملين المقززين الذين انقضوا على كل ما يرمز إلى حضارة الفكر والعلوم ليدمروه": 
"لقد ملّت الآلهة منّا، نحن اليونان، وكل شيء يغوص أكثر يوما بعد يوم (...)
"حقا، تَوقع العواقب الضارية، فالأسوأ، القادم، سيأتي دون أن يتم الإعلان عنه"..

زينب عبد العزيز
31 يوليو 2016 

رابط موقع الموسوعة القبطية الفرنسية
 

سماسرة التفكير خارج الصندوق

سماسرة التفكير خارج الصندوق

خارج الصندوق.. داخل العار


 وائل قنديل
لا أتصور أن التاريخ سوف يسامح ذلك النصّاب الذي احتال على البشرية باختراع خطير، اسمه" التفكير خارج الصندوق"، ذلك الاختراع الذي يمثل الملاذ الآمن لكل تجار المبادرات، وبائعي الكلام، ومقاولي المشاريع الناسفة للجذور.

يستوي في ذلك سماسرة العلاقات الحرام، بين العرب والعدو الصهيوني، وكذلك بائعو تذاكر التعايش الزائف مع مؤسسات الاستبداد والثورات المضادة، الذين يتحولون، بوعي، أو بدونه، إلى أطواق نجاةٍ وفرق إنقاذ، للنظم المستبدّة، ولا يختلف عنهم أولئك الذين يبحثون عن اصطفافٍ تجاري، يهتم كثيراً بالربح والمنفعة، أكثر بكثير من تشبثه بوضوح الغاية، ونبل الوسيلة.

في الموضوع الإسرائيلي، لم تتحمل "الشروق" المصرية مقالاً للكاتب فهمي هويدي، ينتقد فيه أحمد أبو الغيط، أمين جامعة الدول العربية، والاختيار الإسرائيلي المفضل لهذا الموقع، لكنها تفتح أبوابها ونوافذها لكاتب ينتقد أن تبقى العلاقات المصرية الإسرائيلية محصورة "في إطارها الأمني والاستراتيجي، دون أن تمتد إلى إطار أوسع من حيث المصالح والاستراتيجيات لمنطقةٍ تشهد تطوراتٍ عاصفةً، لا تشمل مصر وإسرائيل فقط، وإنما تمتد إلى دول أخرى في الإقليم. ومع ذلك، فإن الذين يتطوعون للحديث في العلاقات المصرية الإسرائيلية لا يرون فيها سوى مجالات الأمن والتعاون الاستخباراتي".

لا يوجد تعريف للكاتب، فقط اسمه طارق فهمي، وبالبحث عنه تجده عضواً في كل المراكز المعنية بالدراسات الإسرائيلية، داخل مصر وخارجها، ويمثل الجيل الأكثر تطوراً وانكشافاً من منتجات ما تسمى "ثقافة السلام"، إذ يتجاوز بطروحاته تلك الصيغ القديمة التي كان يعبر عنها علي سالم وعبد المنعم سعيد وأسامة الغزالي حرب ومكرم محمد أحمد.

يدشن هذا الصوت مرحلة انتقال هادر من "السلام الاضطراري مع العدو" إلى "التحالف الاختياري مع الحليف، أو الكفيل، أو الراعي"، هذا الانتقال هو فرق المسافات بين حسني مبارك وعبد الفتاح السيسي، أو هو الفرق بين "التطبيع" بوصفه مصلحةً وبراغماتية، إلى الالتحاق الكامل بالمشروع الصهيوني، بوصفه عقيدةً ومبدأ.

يعيب الرجل على العلاقات المصرية الإسرائيلية بقاءها في مرحلة الشكليات، مستعجلاً الدخول فوراً، وبلا إبطاء، إلى العصب "بناء العلاقات المصرية الإسرائيلية في المرحلة المقبلة يتطلب الانتقال من الشكل إلى المضمون، فليس لمجرد تعيين سفير جديد في القاهرة، وآخر مصري تولى منذ أشهر في إسرائيل، يمكن أن تنمو العلاقات وتتطور، في ظل حالةٍ من الصمت على مراجعة أوجه التعاون الناجح في اتفاق الكويز، حيث تطرح أفكار جديدة من الجانبين المصري والإسرائيلي للاستفادة من المتغيرات الجديدة في المنطقة".

الطرح ذاته، لا شك أنك قابلته في التحرّك السعودي نحو الكيان الصهيوني، وطالعته في تصريحات رجل المخابرات السعودي المتقاعد، أنور عشقي، بعد زيارته الميمونة ولقاءاته الحميمية بأعضاء الكنيست الإسرائيلي، وقبل ذلك في زيارة وزير خارجية السيسي، العائلية الدافئة، إلى بيت نتنياهو، ثم الوصول إلى لحظة "صهينة الأعياد الوطنية المصرية"، ليتبادل نتنياهو، وحرمه، مع سفير السيسي، وحرمه، أنخاب الاحتفال بذكرى ثورة يوليو/ تموز 1952، في مشهدٍ ينبغي أن يضعه كل ناصري، وكل جعجاع قومي عربي وحدوي، أمامه، كالمرآة، ويتفحّص ملامحه جيداً، ويسترجع حماسه للتبشير بالنسخة الرخيصة من جمال عبد الناصر التي يجسدها عبد الفتاح السيسي.

هوس مبادرات التفكير خارج الصندوق الذي يستبدّ ببعضهم، فيدفعهم إلى "شرعنة" اغتصاب الحقوق التاريخية، يدفع آخرين إلى السقوط في فخ منح الشرعية للنظم المستبدة التي قامت على اغتصاب السلطة، بقوة السلاح، وكلاهما يركض خلف الفكرة البرّاقة التي تُذهِب العقول وتخطف الأبصار "التفكير خارج الصندوق"، فيصير مطلوباً من الفلسطيني أن ينسى النكبة، ومجازرها، والنكسة ومذابحها، ومن المصري أن يتحرّر من التفكير في ثورته بمبدئيتها ونصاعة جوهرها، وينخرط في صفقاتٍ جديدة، تقوم على منطق الاعتراف بمكتسبات الجريمة، والإذعان للأمر الواقع.
نبتذل مفهوم وحدة العمل العربي، حين يصبح موضوعه الأساس الانفتاح على الكيان الصهيوني، ونهين معنى الاصطفاف الثوري، حين يقوم على اللهاث غير العاقل، والترجمة الساذجة لكل إيماءةٍ ماجنة، أو إشارةٍ بالإصبع من أحد أعضاء فريق مشروع الانقلاب، فتكون النتيجة أننا نشعل النار داخل الصندوق ذاته، تحت تأثير غواية "التفكير خارج الصندوق".
كم من الجرائم ترتكب باسمك أيها الصندوق.

أزمة مصر وأزمة العرب الكبرى ياسر الزعاترة

أزمة مصر وأزمة العرب الكبرى


ياسر الزعاترة











الحقيقة السياسية التي لا مناص من مواجهتها في قراءة الوضع العربي تتمثل في أن مصر هي الداء والدواء، فحين تنهض أو تتماسك؛ يتماسك الوضع العربي، وحين تتراجع تأخذ معها عموم الوضع إلى مستويات بائسة.

لا شك أن هناك حالات يمكن للوضع العربي خلالها أن يتعايش مع تراجع الحضور المصري، لكنها حالات استثنائية تتطلب ظروفاً مميزة، ويبدو أنها لم تَعُد متوفرة في الوضع الراهن.

ما بين نهاية التسعينات وحتى ثورة يناير، أي ما نسميه العشرية الأخيرة لمبارك، تراجعت مصر إلى حد كبير بسبب قرار التوريث الذي كان ينبغي دفع ثمنه تراجعاً أمام الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، لكن ما كان يُعرف بمحور المقاومة والممانعة، ما لبث أن عوّض الدور، وتمكن من تشكيل رافعة جيدة، عمادها القوى الشعبية التي واجهت التطبيع، ورفعت شعار المقاومة، وليس فقط إيران وسوريا كما يحب البعض أن يروج.

في الوضع الراهن، انتهى المحور المذكور، وبالطبع بعد أن أسفرت إيران عن وجهها الطائفي وخاضت في الدم العربي؛
من العراق إلى سوريا وصولاً إلى اليمن، ولم تعد الجماهير الشعبية، ولا القوى الإسلامية التي شكلت رافعة محور المقاومة والممانعة تؤمن بها ولا بطرحها؛ طبعاً باستثناء حزب الله المحسوب على المحور الإيراني (التابع بتعبير أدق).

اليوم، وفي هذا الوضع الراهن، يمكن القول: إن وضع مصر يُمثل عنواناً لتراجع الوضع العربي أكثر من أي وقت مضى، فحين نجح الانقلاب قلنا: إن سياسة النظام الجديد ستحاكي عشرية مبارك الأخيرة، والقاسم المشترك هو الدفع من جيب القضايا الكبرى للأمة مقابل تشريع الانقلاب (تشريع التوريث في حالة مبارك)، لكن الوضع ما لبث أن أسفر عما هو أسوأ من ذلك بكثير.

داخلياً تعيش مصر وضعاً اقتصادياً صعباً رغم الدعم الهائل الذي حصل عليه النظام، وفوق ذلك تتكرس دولة بوليس رهيبة تقمع المجتمع برمته، وبالطبع لأن قمع أكبر قوة سياسية في المجتمع لا يمكن إلا أن يفضي إلى ذلك، ومن جانب قضية الأمن القومي، يعيش البلد أزمة كبرى تتعلق باستحقاقات سد النهضة الإثيوبي الذي يهدد الأمن القومي من خلال النيل، ولا تسأل عن الاختراق الصهيوني المذهل للقارة الإفريقية التي ينبغي أن يكون حضور مصر فيها هو الأقوى.

على الصعيد الخارجي؛ ولأن نتنياهو عمل مقاول علاقات عامة للانقلاب؛ ذهب النظام نحو مجاملته بالدفع من جيب القضية الفلسطينية، ويتجلى ذلك في حصار غزة، والأهم في تسويق مبادرة سياسية عنوانها التطبيع مع عملية سياسية لا تفضي إلى حلّ عملي.
أما في مواجهة العدوان على إيران، فلا يكتفي النظام بعدم تقديم شيء على هذا الصعيد، بل يقف إلى جانب العدوان في ركنه الأهم ممثلاً في سوريا أيضا، عبر تأييد بشار الأسد وإجرامه، فيما لا يقدم شيئاً عملياً في الصراع في اليمن، ويجامل الحكومة العراقية رغم مواقفها الطائفية، وتبعيتها لإيران.
في ضوء ذلك كله يتبدى بؤس الوضع العربي، ما يعني أن النزيف قد يطول أكثر فأكثر، دون انتصار لأي طرف فيه، وهو ما سيكون مكلفاً لكل شعوب المنطقة (الكيان الصهيوني هو الرابح الأكبر)، بما فيها الشعب الإيراني، من دون أن يكون ذلك في صالح مصر وشعبها بأي حال

السبت، 30 يوليو 2016

لماذا يتجاوز الجنرالات الأمريكيون صلاحياتهم مع تركيا؟

لماذا يتجاوز الجنرالات الأمريكيون صلاحياتهم مع تركيا؟
              الكاتب التركي محمد زاهد جول              


لا تزال التصريحات الأمريكية حيال الانقلاب الفاشل في تركيا يوم الجمعة السوداء 15 تموز/يوليو 2016 تثير الريبة لدى المتابعين لارتدادات الانقلاب بعد أسبوعين تقريبا، فالتصريحات الأمريكية لبعض الجنرالات الأمريكيين دفعت الرئيس التركي أردوغان إلى إدانة هذه التصريحات يوم 2016/7/29 بقوله: "إن الشعب التركي يعرف من هو العقل المدبر لمحاولة الانقلاب"، وهذا الرأي الشعبي التركي والرسمي أيضاً لا تستطيع أن تنفيه التصرحات الأمريكية المتوالية بعدم تورطها في الانقلاب، لأن تصريحات أمريكية أخرى تكشف تورط أمريكا فيه، وبالأخص من التصريحات العسكرية التي تصدر عن الجنرالات الأمريكيين في المنطقة، وسواء حذرت أمريكا أو هددت تركيا بأن التصريحات التي تتهم أمريكا بالتورط في الانقلاب الفاشل قد تسيء إلى العلاقات التركية أو لم تحذرها أو تهددها، فإن القناعات الشعبية التركية لا تتغير، طالما أن العقل المدبر للانقلاب زعيم الكيان الموازي الإرهابي مقيم في أمريكا، ويلقى الحماية والرعاية من المخابرات الأمريكية، وطالما أن الجنرالات الأمريكيين هم من يقدمون الأدلة على الشكوك الشعبية في تركيا.
لذلك لم يغير تصريح قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال "جوزيف فوتيل" يوم الخميس، 2016/7/28 من قناعات الشعب التركي شيئاً، وإنما قدم مزيداً من الفضائح التي تثبت تورط أمريكا في الانقلاب الفاشل، فإذا كان السياسيون الأمريكيون سواء المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أو المتحدث باسم البيت الأبيض ينفون علمهم أو تورطهم في الانقلاب الفاشل في تركيا، فإن الجنرالات الأمريكيين في المخابرات الأمريكية أو البنتاغون لا ينفون ذلك، وتكشف تصريحاتهم في الدفاع عن الانقلابيين أنهم على صلة بالجنرالات الضالعين في الانقلاب، أو أنهم على علاقات مريبة مع البنتاغون، فالجنرال فوتيل يبين "أن عدداً من أوثق حلفاء أميركا العسكريين في الجيش التركي أودعوا السجون عقب المحاولة الانقلابية"، بينما لم يتم إيداع أحد من الجنرالات الأتراك في الاعتقال إلا من ثبت تورطهم وشاركوا في الانقلاب، بحسب قوائم الانقلابيين أنفسهم، وليس بحسب التهم التركية، فمن غباء الانقلابيين أنهم جهزوا قائمة بأسماء كل الجنرالات المشاركين وطبيعة دور كل واحد منهم في الانقلاب، وقائمة أخرى تذكر أسماء من سيتولى السلطة بعد الانقلابيين من العسكريين والقضاة والساسة المدنيين.
ومن أخطاء تصريح الجنرال الأمريكي فوتيل قوله في منتدى آسبن الأمني بولاية كولورادو:" إن ثمة هاجساً دائماً ينتاب واشنطن من أن الانقلاب الفاشل في تركيا ورد فعل حكومة أنقرة عليه؛ من شأنهما إضعاف العمليات التي تضطلع بها وزارة الدفاع الأمريكية في المنطقة"، وقال فوتيل:" لدينا بالتأكيد علاقات مع كثير من القادة الأتراك، لا سيما العسكريين منهم .. أنا قلق إزاء ما قد يحدث لتلك العلاقات من تأثير".
هذه التصريحات الأمريكية لا ترضي الشعب التركي ولا ترضي الرئاسة ولا الحكومة ولا قيادة هيئة الأركان التركية؛ لأنها تكشف عن تدخل أمريكي مباشر في العلاقات مع الجنرالات الأتراك، وبالأخص الذين يدافعون عنهم من الجنرالات الأتراك حتى بعد ثبوت تورطهم في الانقلاب على إرادة الشعب التركي، وخروجهم على الحكومة الشرعية المنتخبة ديمقراطياً بالطائرات الحربية والدبابات لقتلهم في الشوارع وفي مقراتهم الحكومية والعسكرية، بل حتى في مجلس البرلمان التركي، وهو بيت الشعب التركي الكبير، فكيف يجرؤ جنرالات أتراك يقصفون بطائراتهم الحربية مقر البرلمان التركي الذي لم يتعرض للقصف طول تاريخه العثماني أو الجمهوري، بل لم يتعرض له جيوش الحلفاء بالاعتداء أثناء الحرب العالمية الأولى؟
لا شك أن تركيا شريك استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، وهي شريك استراتيجي مع المؤسسة العسكرية الأمريكية، ولكن ذلك لا ينبغي أن يتم الاعلان عن مثل هذه العلاقات بين الجنرالات الأمريكيين والأتراك خارج دائرة القرار السياسي التركي، وبالأخص مع وزارة الدفاع التركية، التي هي جزء من سياسة الحكومة التركية، وهذا أمر متعارف عليه في العلاقات الدولية والدبلوماسية، فلا تتم الاتصالات السياسة أو العسكرية إلا ضمن التراتيب والرتب والقنوات الصحيحة، وليس مع عناصر أو جنرالات، وبالتالي فلا يمكن أن يكون هناك جنرال مقرب من أمريكا ويتم التعاون معه بتميز إلا في حالة انتهاك هذه العلاقات الدبلوماسية أو التعاون وفق الاتفاقيات بين المؤسسات العسكرية، مثل وزارات الدفاع والحكومات بين البلدين.
وإذا وجد تنسيق بين تركيا وأمريكا على مكافحة الإرهاب أو محاربة "داعش" فإن ذلك ينبغي أن يتم بين حكومات ووزارات الدفاع وفق اتفاقيات دولية موقعة بين دولتين ممثلتين بوزراء الدفاع، وليس بين جنرالات من الجيش الأمريكي وجنرالات من الجيش التركي بأشخاصهم وأسمائهم فقط، وكذلك فإن غياب بعض الجنرالات من الجيش التركي أو الجيش الأمريكي لا ينبغي أن يؤثر على سياسة محاربة الإرهاب، لأن الاتفاق بين دول وبين وزارات مختصة، وليس بين أشخاص، وحتى لو كان بين أجهزة أمنية مختصة، فهذا لا يعني أنه بين جنرالات معينين، سواء بقوا في مناصبهم أو غادروها، لأن الجنرالات والقيادة العسكرية منفذة لهذه الاتفاقيات، بأوامر من حكومتها وليس بأوامر من قيادة دولة أخرى، والجنرالات ليست صاحبة الاتفاق ولا ضامنة له، وإنما هذ منفذة له وفق الأوامر التي تصلها من حكومتها.
وما يدين الانقلابيين أكثر بأنهم كانوا أدوات بيد مخططين من الخارج هو تصريح مدير المخابرات الوطنية الأميركية "جيمس كلابر" في نفس المنتدى بكولورادو، حيث تحدث وكرر نفس أفكار "فوتيل" وتعليقاته، وقال:" إن التطهير العسكري الذي يجري في تركيا للجيش بعد محاولة الانقلاب الفاشلة يعيق التعاون في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة"، وقال كلابر: "إن عملية التطهير الجارية للجيش هناك سيكون لها تأثير على جميع ركائز أجهزة الأمن القومي في تركيا"، وقال: "إن كثيرين ممن كنا نتعامل معهم استُبعدوا أو اعتُقلوا، وما من شك في أن ذلك سيحدث انتكاسة ويجعل التعاون أكثر صعوبة مع الأتراك".
إن هذه التصريحات الأمريكية تضر بالعلاقات التركية الأمريكية لأنها تتدخل في الشؤون التركية بطريقة دبلوماسية خاطئة، فلا يحق لجنرالات أمريكيين مهما كانت رتبهم أن يتحدثوا أمام وسائل الإعلام أو في المؤتمرات السياسية والأمنية بهذه الطريقة التي لا تكترث بموقف الحكومة التركية، ولا تكترث بمشاعر الأتراك وضحاياهم من الشهداء والجرحى، الذين قتلهم الانقلابيون في تركيا وعددهم 242 شهيداً عسكرياً ومدنياً، وآلاف الجرحى والمتضررين، فهذه التصريحات من اختصاص الوزراء المعنيين، وعبر قنوات دبلوماسية بين الدول، ولذلك فإن هذه التصريحات إما انها تعبر عن حالة يأس وإحباط لدى الجنرالات الأمريكيين الذين شاركوا في الانقلاب وفشلوا فيه أيضاً، وإما أنها تصريحات تحريضية على الحكومة التركية، انتقاماً من فشل الانقلاب، وبالتالي تدخل في التصريحات العدائية ضد الدولة التركية، وفي الحالتين فإن الحكومة الأمريكية وقبل الحكومة التركية مطالبة بوضع حد لكل هؤلاء الجنرالات الأمريكيين الذين يُسيئون للعلاقات الأمريكية التركية، ففشلهم في التخطيط لإنجاح الانقلاب أو يأسهم مما حصل لا ينبغي أن يسيء للعلاقات التركية الأمريكية، بل أحرى بقيادة البنتاغون أن تقدم هؤلاء الجنرالات الأمريكيين للتحقيق عن مسؤوليتهم في الانقلاب الفاشل في تركيا، وتحميلهم مسؤولية ذلك إذا ثبت تورطهم فيه فعلاً.
وهذا يتطلب من الحكومة التركية أن تتوجه بالاحتجاجات الرسمية ضد هذه التصريحات المسيئة للعلاقات الاستراتيجية بين تركيا وأمريكا، وبالأخص من الجنرالات العسكريين الفاشلين، وأن تطالب الحكومة الأمريكية بتشكيل لجنة تحقيق بالتهم االتي يوجهها الشعب التركي لهؤلاء الجنرالات الأمريكيين، ومحاسبتهم على التصريحات التي تسيء لسمعة الجيش الأمريكي أولاً، وتسيء للعلاقات التركية الأمريكية الاستراتيجية، فهذه العلاقات أقوى من أن يعرضها بضعة جنرالات فاشلين للضرر، ومحاولة حرف الأنظار عن الحقيقية من خلال تصريحات غير مسؤولة، والتي تتجاوز حدود الأدب الدبلوماسي في الكلام أو في الأفعال غير المشروعية ضد دولة صديقة لأمريكا مثل تركيا.











لقاء الدكتور عبدالله النفيسي عبر القناة التركية TRT حول الإنقلاب العسكري...

لقاء الدكتور عبدالله النفيسي عبر القناة التركية TRT حول الإنقلاب العسكري...

"ما حدث في تركيا أخطر بكثير من ( إنقلاب فاشل) . كان محاوله لتفكيك الدوله هناك وإغراقها في ( حرب أهليه) طويلة المدى تحرق كل إنجازاتهامنذ2002 ."


 اللقاء الكامل




د. عبدالله النفيسي 
يشرح دور أمريكا و محمد دحلان (مستشار في الإمارات) 
في الإنقلاب الفاشل في تركيا عبر القناة التركية TRT





دعا المفكر العربي الكويتي، الدكتور عبد الله النفيسي، دول الخليج لإبعاد القيادي الفتحاوي ومستشار ولي عهد أبو ظبي؛ وذلك لدوره في المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا.

وقال النفيسي في مقابلة على قناة (تي ار تي) التركية إن تركيا ليست غريبة على الانقلابات، لكن ما يميز المحاولة الانقلابية الفاشلة هو دور منظمة غولن، ودور الولايات المتحدة، ودور شخص اسمه محمد دحلان.

وأشار النفيسي إلى أن دحلان كان له دور في مصر وليبيا واليمن، قبل دوره المشبوه في تركيا، مضيفا أن تحت يديه مبالغ فلكية، وينشط في كل هذه الأقطار لدعم الانقلابات.

وأشار النفيسي إلى أن دحلان حول مبالغ فلكية إلى تاجر فلسطيني في الولايات المتحدة، ليحولها بدوره إلى حساب فتح الله غولن في بنسلفانيا.

ودعا النفيسي جهات -لم يسمها- إلى إعادة النظر بعلاقتها مع محمد دحلان، وإبعاده عن منطقة الخليج. 


مشروع سد إثيوبيا العظيم وتداعياته المهلكة على مصر

مشروع سد إثيوبيا العظيم وتداعياته المهلكة على مصر

كيران كوك

يبدو وقد أوشك مشروع السد الذي تقيمه إثيوبيا على مجرى النيل الأزرق على الانتهاء أن الحكومة المصرية تنبهت متأخرة إلى تداعياته المهلكة على مصر.

يشبه الأمر التفاوض على قواعد الاشتباك بعد وقت طويل من وقوع المنافسة ومن الإعلان عن الفائز فيها.

تبدو مصر قلقة جدا بشأن التأثير المحتمل على مواردها المائية للسد الذي تقوم بإنشائه إثيوبيا في أقصى الجنوب على مجرى النيل الأزرق.

كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في لقاء جمعه السنة الماضية مع نظيريه الإثيوبي والسوداني قد كرر الإعراب عن قلق بلاده بينما كان في نفس الوقت يوقع على ما وصف حينها بأنه "إعلان للمبادئ" حول كيفية تنفيذ مخطط المشروع الذي تقدر تكلفته بعدة مليارات من الدولارات، والذي يعدّ واحدا من أضخم مشاريع البنية التحتية على مستوى العالم بأسره.

أيا كانت المبادئ التي جرى الاتفاق عليها -وهي تبدو في غاية الإبهام والضبابية- فلقد مضى الإثيوبيون بالمشروع قدما. 
ولقد تم حتى الآن إنجاز ما يزيد عن سبعين بالمئة من أعمال ما يطلق عليه اسم "سد النهضة الإثيوبي العظيم". 
ومن المقرر أن يبدأ تشغيل السد، الذي سينتج حال استكماله ستة آلاف ميغاوات من الكهرباء - بحسب ما يقوله داعموه، في العام القادم.

ترى إثيوبيا في السد مشروعا حيويا الهدف منه هو إخراج قطاع ضخم من سكانها الذين يزيد تعدادهم على الثمانين مليون نسمة من حالة الفقر، كما أنها تطمح في أن تتحول إلى "محطة الطاقة الأفريقية" من خلال بيع الطاقة التي يولدها هذا المشروع إلى البلاد المجاورة.

يبدو أن الإدارات المصرية المتعاقبة أخذت على حين غفلة بتصميم إثيوبيا على تنفيذ مشروع سد النهضة الإثيوبي العظيم. 
ولعل المضي قدما في تنفيذ المشروع -الذي حاز على دعم وتأييد جيران مصر إلى الجنوب- يشير إلى ما يدل على تراجع نفوذ مصر في القارة الأفريقية.

ما من شك في أن أي تطوير من شأنه أن يعيق تدفق مياه النيل سيشكل مصدر قلق عظيم لمصر التي يعيش معظم سكانها، الذين يزيد عددهم عن ثمانين مليون نسمة، على مسافة لا تزيد عن كيلومترات قليلة من النهر.

يعدّ نهر النيل المصدر الأساسي الذي يوفر مجمل احتياجات البلاد من مياه الشرب ومياه الري، كما أنه هو الذي تروى به ما تنتجه دلتا النيل من مزروعات، علما بأن الدلتا تعدّ من أخصب المناطق الزراعية على وجه المعمورة. ومن شأن أي انخفاض في منسوب النيل ينجم عن مشاريع تطوير تنفذ قريبا من منبع النهر أن يكون لها تداعيات جسيمة على موارد المياه، التي تتعرض حاليا إلى ضغوط شديدة.

كما أن النيل هو مصدر توليد ما يقرب من نصف احتياجات مصر من الكهرباء، من خلال تشغيل سد أسوان العالي، الذي أنشئ في ستينيات القرن الماضي بمساعدة من الاتحاد السوفياتي.

ثمة مخاوف من أن مستويات المياه في بحيرة ناصر -وهي البحيرة الصناعية التي تزيد مساحتها عن خمسة آلاف كيلومتر مربع والتي تغذي السد العالي في أسوان- قد تنخفض إذا ما بدأ تشغيل السد الإثيوبي. وسيكون من نتائج ذلك تراجع إنتاج الطاقة التي تولدها مياه السد في أسوان، هذا في الوقت الذي تعاني فيه مناطق كثيرة في مصر من شح شديد في الطاقة الكهربائية.

وكان السيسي قال في شهر مارس الماضي: "يمثل مشروع سد النهضة مصدر تنمية لملايين المواطنين الإثيوبيين من خلال إنتاج طاقة خضراء ومستدامة."

وأضاف: "ولكن بالنسبة لأشقائهم الذين يعيشون على ضفتي النيل في مصر، والذين يكادون يساوونهم في التعداد السكاني تقريبا، فإنه يمثل مصدر قلق، وذلك لأن النيل هو مصدرهم الوحيد للمياه، بل هو مصدر حياتهم، في واقع الأمر."

وثمة شيء آخر يقلق المصريين، ألا وهو أن الإثيوبيين -من وجهة نظر القاهرة- لم يكونوا صريحين بشأن كيفية تشغيل سد النهضة الإثيوبي العظيم، من حيث كمية المياه التي سوف تستخلص من مياه النيل الأزرق -وهو أحد موارد النيل الأساسية- ومن حيث كمية الطاقة التي ستزود بها البلدان المجاورة والطرق التي سوف يتم ذلك من خلالها.

تراجعت العلاقات بين القاهرة وأديس أبابا إلى أدنى مستوياتها بسبب سد النهضة الإثيوبي العظيم في منتصف عام 2013 عندما سُمعت مجموعة من السياسيين المصريين تتحدث عبر التلفزيون عن ضرورة القيام بعمل عسكري بشأن السد الإثيوبي.

وحينها بذل رئيس مصر محمد مرسي جهودا كبيرة لتهدئة الأجواء معلنا أنه لا يسعى إلى الحرب، مع إصراره بأنه "لا يمكن بحال السماح بانتهاك أمن مصر المائي". في نفس الوقت اتهمت إثيوبيا مصر بمحاولة تخريب مشروع سد النهضة الإثيوبي العظيم من خلال السعي لإقناع المؤسسات المالية الدولية بعدم إقراض إثيوبيا المال اللازم لتنفيذ المشروع.

تحسنت العلاقات في السنوات الأخيرة مع أن إثيوبيا صرحت مرارا وتكرارا بأنه من غير الوارد إطلاقا توقيف أو إعادة النظر في مشروع سدها العظيم.

لقد تم تعيين فريق من المستشارين الفرنسيين للنظر في بعض القضايا المرتبطة بإنشاء السد، إلا أنه من غير المتوقع نشر تقرير الفريق إلى ما بعد البدء في تشغيل المخطط.

من الجدير بالذكر أن إدارة ملف النيل، وهو النهر الأطول في العالم والذي يتدفق عبر عشرة بلدان من منابعه في مرتفعات إثيوبيا وأفريقيا الوسطى، لهو من أعقد القضايا.

بموجب معاهدات تعود إلى أيام الإدارة البريطانية في المنطقة، فقط السودان ومصر لهما حق استخدام مياه النيل، حيث تحوز مصر على نصيب الأسد منها.

إلا أن إثيوبيا -ذات الاقتصاد المتنامي والتي بات ينظر إليها على أنها منافس لمصر على النفوذ في المنطقة- لا تعترف بهذه الاتفاقيات، وقد حصلت على دعم لإيجاد إطار جديد يحكم مياه النيل. كما أنها تصر على أن بإمكانها أن تفعل ما بدا لها بمياه النيل الأزرق، والتي تتدفق في الجزء الأكبر منها عبر أراضيها.

كثيرون في مصر تساورهم الشكوك إزاء مزاعم إثيوبيا بأن سد النهضة الإثيوبي العظيم -والذي تقوم بإنشائه الشركة الإيطالية "ساليني إمبريليو"- سوف "لن يسبب أي ضرر للأقطار الواقعة على مساره أو عند مصبه."

ويشيرون إلى أن تجربة مصر نفسها مع السد العالي في أسوان لم تكن مشجعة، وهو السد الذي اعتبر عند إنشائه معجزة من معجزات الهندسة الحديثة.

في الوقت الذي يساهم فيه السد بتوليد الطاقة ومنع الفيضانات الكبيرة في كثير من المناطق، إلا أنه تسبب بأشكال متعددة في خلق مشاكل تفوق في حجمها تلك التي ساهم في حلها.

هذا بالإضافة إلى أن السد العالي أثبت عدم كفاءته كآلية لإدارة مياه النهر. فما يقرب من خمسة عشر بالمئة من المياه التي تتجمع في بحيرة ناصر تتلاشى بالتبخير. وقبل إنشاء السد، كان الطمي الذي تحمله مياه النيل يزيد في خصوبة الدلتا. أما الآن فيلجأ المزارعون إلى استخدام المسمدات في إنتاج محاصيلهم الأمر الذي نجمت عنه مشاكل تلوث كيماوي كبيرة.

ونظرا لأن المياه يجري احتجازها من قبل السد في أسوان، لم تعد المياه العذبة تصل بعض المناطق الساحلية، كما أن غياب الطمي يعني أن مناطق بأسرها باتت تغرق. وصار البحر المتوسط يتغول في كثير من المناطق: وباتت مستويات الملوحة الآخذة في الارتفاع تسبب مشكلة كبيرة.

في هذه الأثناء، يعمل ما يقرب من تسعة آلاف عامل على مدار الساعة للانتهاء من مشروع سد النهضة الإثيوبي العظيم في الوقت المحدد له. وبالرغم من كل مخاوفها وما يساورها من قلق، لا تملك مصر القدرة على وقف العمل في إنشاء ما سيصبح أكبر سد في أفريقيا.

 ميدل إيس آي

أميرة عراقي لـ"عربي21": لا أنتظر تهنئة ممن سجنوا والدي


أبناء المعتقلين السياسيين والطلاب المعتقلون تفوقوا في الثانوية العامة

أميرة عراقي لـ"عربي21": لا أنتظر تهنئة ممن سجنوا والدي
أثنت "أميرة" على جهود والدتها خلال مسيرتها التعليمية


حقق عدد من أبناء المعتقلين السياسيين في السجون المصرية، بل والكثير من الطلاب المعتقلين المعادلة الصعبة؛ بالتفوق في نتيجة الثانوية العامة، أهم مرحلة دراسية في حياة المصريين.

تأتي "أميرة" من مدينة المنصورة (شمال القاهرة) نجلة المعتقل السياسي "إبراهيم عراقي"، أستاذ جراحات مناظير البطن في المسالك البولية ورائدها في مصر والشرق الأوسط وأفريقيا، على رأس هؤلاء المتفوقين؛ حيث حصلت على المركز الأول مكرر.

و"عراقي" عضو مجلس شورى "جماعة الإخوان المسلمين"، صدر ضده حكم قضائي غير بات في أيار/ مايو 2015، بالسجن المؤبد (25 عاما) بتهم "التحريض على العنف" و"الانضمام لجماعة محظورة".

حملات التحريض والتأييد

وأثارت حالة "أميرة" جدلا كبيرا في الإعلام المصري، وشبكات التواصل الاجتماعي؛ بسبب ما أثير حول مواقفها الرافضة والمناهضة للانقلاب، ورفضها أي تهنئة من أي مسؤول ضمن المنظومة السياسية التي تسجن والدها.

وكان المحامي سمير صبري (الموالي لنظام السيسي) قد تقدم قبل ثلاثة أيام ببلاغ عاجل لنيابة أمن الدولة العليا، يطالب فيه بحبس الطالبة، بتهمة التطاول على "رئيس الجمهورية، والتحريض على الدولة، والانتماء لتنظيم إرهابي".

أميرة وفي حديثها لـ"عربي21"، قالت: "اعتقال والدي، ومعاناة أسرتي، وشعورنا بالظلم الواقع علينا، لم يمنعوني من استذكار دروسي، بقدر ما كانوا حافزا لتقوية عزيمتي، والمثابرة على الطريق، والتفوق في واحدة من أهم المراحل في حياتي والتي اجتازها أبي بتفوق عندما كان طالبا".

طلاب المعتقلات الأفضل 

وعن تفاصيل لقائها بوالدها في السجن، قالت: "زرت والدي يوم الثلاثاء الماضي، عقب معرفة النتيجة، وكان على علم بها، وكان يتوقع تفوقي، ولكن لا أحد توقع أن أحصل على المركز الأول مكرر"، مشيرة إلى أن نجاحها "عم جميع المعتقلين والسجناء بالفرح والسرور".

ورفضت إدارة السجن دخول جميع الحلوى التي جلبتها أسرة أميرة لوالدها وزملائه المعتقلين؛ بالرغم من استثنائية الحدث، كما تقول أميرة، مضيفة أن "الوقت مر سريعا سريعا، ربما كان أقصر من أي زيارة مضت، وعزائي الوحيد أني جعلت أبي فرحا وسعيدا".

ورفضت "أميرة" فكرة الاستسلام، في الوقت الذي نجح فيه زملاء لها في السجون، وتفوقوا، وحصلوا على مراكز متقدمة، قائلة: "زملاء لي في الزنازين، وبدون مدرسين، أو دروس خصوصية، أو أجواء ملائمة للحياة، تفوقوا في دراستهم، كما أن هناك من هم في ظروف أكثر صعوبة؛ فبعضهم صدرت أحكام بالإعدام بحق آبائهم، وآخرون يفتقرون للأموال أيضا".

وأثنت "أميرة" على جهود والدتها خلال مسيرتها التعليمية، وقالت: "منحتني أمي القوة، والعزيمة، وساعدني إخوتي في استذكار دروسي". وعن المواقف الطريفة التي مرت بها خلال العام الماضي ذكرت "استغلال الوقت الطويل لزيارة والدي بالمذاكرة ومراجعة الدروس".

معاندة المعاناة 

وتصف "أميرة" معاناة أهالي المعتقلين في منطقة سجون وادي النطرون (الذي يقع على الأطراف الشمالية الشرقية للصحراء الغربية المصرية) بـ"القاسية"، مؤكدة أنها "مرهقة لهم، وتستغرق وقتا طويلا ما بين الانتظار والإجراءات الأمنية، والروتينية، والسفر والعودة من المنزل للسجن".

وعما أثير من لغط بشأن تفوقها، وما قيل على لسانها، وما قدم من بلاغات ضدها، قالت: "لم أتحدث إلا عن وضعي وحالتي الخاصة، والأمر تم تسييسه برمته"، مشيرة إلى أنها ليست معنية بكل ذلك، "لم أنتظر وساما أو تهنئة من أي مسؤول، كل ما كنت أسعى إليه هو تهنئة من والدي فقط".

وأضافت: "لم أغضب، ولم أهتم سواء بتهنئتي من عدمه من قبل أي مسؤول، فأنا لا أنتظر تهنئة ممن سجنوا والدي وألقوا به في السجن، وحرموني وأسرتي، بل وآلاف المرضى منه".

كلمة السر في التفوق

بدورها، قالت أم "أحمد" والدة أميرة عراقي، لـ"عربي21": "رزقنا الله بثلاث بنات، وثلاثة أولاد، وأميرة ترتيبها الخامس بين إخوتها، وهناك أحمد وعمر طبيبان، وشقيقتها الكبرى آية في السنة الأخيرة بكلية الطب، والأخرى في كلية الهندسة".

وأوضحت أن والد أميرة "اعتقل عقب فض اعتصام رابعة في 2013 ومكث شهرين قبل أن يطلق سراحه، ثم أعيد اعتقاله في كانون الثاني/ يناير 2014 بالتهم نفسها، ثم حكم عليه بالمؤبد في آيار/ مايو 2015 بتهمة التحريض على العنف".

وعن سر تفوق نجلتها، قالت: "أميرة بطبعها متفوقة، وبرغم المحنة التي نمر بها جميعا، أرادت أن تثبت للجميع أنها قادرة على تخطيها، فلم تستسلم للواقع، فهي إذا عملت عملا تحب أن تتقنه".
  
الإعلام وخلط الأوراق

وبشأن الجدل الذي أثارته وسائل الإعلام عقب نجاح ابنتها، قالت: "لم يكن ببال أحد ما حدث، نحن تحدثنا عن حالنا وواقعنا، ولم نتحدث بلسان آخرين، ونحن أبناء هذا البلد الذي قدم زوجي لها الغالي والنفيس".

وأضافت: "لو أراد زوجي أموالا لذهب إلى أي دولة في العالم، وجمع الأموال، فهو طبيب مشهور، وعَلَم في مستشفى الكلى بالمنصورة الشهير، وزار جامعات ومستشفيات عالمية، وألقى بها دروسا، ونشر أبحاثه المتخصصة في مجاله في العديد من المجلات العلمية".

وروت لـ"عربي21" عن تجربة زوجها بالتعاون مع مستشفى القوات المسلحة بالمعادي (الذي يجلس فيه الرئيس المخلوع حسني مبارك)، قائلة: "لم يتأخر زوجي عن مساعدة الأطباء هناك في تدريبهم على أجهزة طبية جديدة، لم يكونوا على علم بطرق استخدامها، وأفاد الكثيرين، ولم يحصل على أجر لقاء ذلك سوى تخصيص سيارة لذهابه وعودته من المنصورة للقاهرة، ليس إلا".

وكشفت: "كيف يمكن أن نخدع الآخرين ونحن نعيش في ظروف صعبة، ولا نحصل على مرتب زوجي الذي أوقفوه دون مبرر، وضيقوا علينا حياتنا، ومعيشتنا، ثم يريدون منا أن نكذب على أنفسنا وعلى الجميع؟". 
#مبروك  يا أميرة

فتاة بمليون رجل



الجمعية الوطنية أو الجماعة الوطنية

الجمعية الوطنية أو الجماعة الوطنية



استخدم هذا المصطلح في مصر مع كيان سمي بالجمعية الوطنية للتغيير، الذي تأسس في شهر فبراير/شباط عام 2010 وكان يرأسه آنذاك د. محمد البرادعي، ثم وجدنا هذا المصطلح يطرق أبواب مصر من جديد من خلال آخر خمس مبادرات سياسية متتالية طرحت على الرأي العام، وبالرغم من أن هذه المبادرات قد طرحت من شخصيات مختلفة بعضهم خارج مصر وأحدهم داخل مصر، فإن جميعهم أصروا على استخدام مصطلح يشير إلى أن كياناً مزمعاً إنشاؤه باسم الجمعية الوطنية أو الجماعة الوطنية!!

فمن أين تم استيراد هذا المصطلح للمصريين؟ وما هو سر الإصرار الفرقاء على استخدامه؟

نشأت الجمعية الوطنية أو الجماعة الوطنية في فرنسا مع بداية الثورة الفرنسية عام 1789 وظل قائماً في فرنسا حتى اليوم، وهو الآن يعني مجلس النواب الفرنسي، الذي يتقاسم السلطة مع رئيس الدولة في نظام حكم سياسي شبه رئاسي.


أما عن ظروف نشأة هذا الكيان فكانت مع انتشار الفساد في المجتمع الفرنسي، وسيطرة طبقة النبلاء على السلطة والثروة، وسوء الأداء الديني للكنيسة الكاثوليكية آنذاك، كل ذلك أدى إلى امتناع أغلب الطبقات الشعبية الفرنسية عن دفع الضرائب فقامت نخبة ادعت لنفسها أنها الممثلة للشعب الفرنسي، وعلى يد هؤلاء تم وضع أول دستور لفرنسا وإعلان قيام الجمهورية الفرنسية، وهذه النخبة سمت نفسها باسم الجمعية الوطنية الفرنسية.

أسست الجمعية الوطنية أو الجماعة الوطنية الفرنسية نظاماً علمانياً قائماً على إقصاء الدين - متمثلاً في الكنيسة الكاثولوكية - عن الحكم، وإطلاق كل أشكال الحريات داخل المجتمع الفرنسي حتى الحريات التي لا تقرها الكنيسة، إلا أن العكس من ذلك تماماً قامت به الجمعية الوطنية بالنسبة للبلدان الإسلامية، وللحديث حول مآسي شعوب العالم الإسلامي مع فرنسا والمد العلماني الفرنسي في ظل وجود الجمعية الوطنية يحتاج إلى مجلدات لتفصيله، ولكن من خلال هذا المقال أحاول أن أختصر من التاريخ عناوين فقط حتى تصل فكرتي للقارئ.

فبعد سنوات قليلة من تولي الجمعية الوطنية لمقاليد الأمور في فرنسا ساندت الجيش للقيام بالحملات الفرنسية على البلدان الإسلامية منذ نشأتها وحتى اليوم، ومن أمثلة ذلك:

* الحملة الفرنسية على مصر عام 1798 ولم يتم إحصاء دقيق لعدد الشهداء من المصريين نتيجة هذه الحملة، إلا أن الأعداد قدرت بمئات الآلاف، فضلاً عن أشكال التنكيل الديني بعلماء المسلمين، ودخول قادة وجنود الحملة الفرنسية مسجد الأزهر الشريف بخيولهم.

* الحملة الفرنسية على فلسطين - عكا ويافا - 1799 وبالرغم من فشل القوات الفرنسية من اقتحام عكا، إلا أن هذه القوات ارتكبت مجزرة في حق جنود الدولة العثمانية وذبح الآلاف من هؤلاء الجنود على شاطئ البحر بالقرب من مدينة يافا، ولم تحقق الحملة أهدافها.

* أما ما تعرض له الشعب الجزائري من مجازر فحدث ولا حرج، فقد بدأت أولى تلك المجازر عام 1830 وخلال العديد من الأعوام المتفرقة تكررت عشرات المجازر في حق الشعب الجزائري حتى عام 1961، وقد أشارت أغلب التقديرات إلى أن عدد هؤلاء الشهداء قد بلغ المليون ونصف المليون شهيد، كل ذلك كان تحت سمع وبصر الجمعية الوطنية أو الجماعة الوطنية.

المقال هنا لن يتسع حتى لمجرد الإشارة إلى ما فعلته فرنسا في ظل الجمعية الوطنية ضد الشعوب العربية والإسلامية في المغرب وتونس وجزر القمر وموريتانيا والسنغال التي تم استعباد مئات الآلاف من شعبها وترحيل أعداد كبيرة منهم إلى فرنسا للعمل كخدام لدى الفرنسيين.

* وأخيرا ما تم في مالي عام 2013 عندما اشتبكت القوات الحكومية مع الجماعات الإسلامية المسلحة، وانهار الجيش المالي أمام الضربات العسكرية لتلك الجماعات، وكادت العاصمة المالية باماكو تقع في يد هذه القوات، فاتخذت فرنسا قراراً بالحرب داخل مالي، وبالفعل أرسلت قواتها الجوية والبرية لحرب الجماعات الإسلامية المسلحة حتى أوقفت تقدمها وقلصت أغلب قدراتها.

الجماعة الوطنية أو الجمعية الوطنية هي من ابتدع الفكر العلماني الفرنسي المغالي في إقصائه للدين عن كل أشكال الحياة، وبالرغم من أن الفكر قد منح الحقوق والحريات لكل مواطني فرنسا، إلا أنه كان حريصاً على سحق اي حريات أو ديمقراطيات قد ينتج عنها تمثيل حقيقي للشعوب العربية والإسلامية التي ترفض التبعية، وتريد أن تسترد سيادتها.

إن كل المبادرات التي طرحها بعض الساسة مؤخراً في مصر وتؤسس لجمعية وطنية أو جماعة وطنية فكرتهم غربية مستوردة، علموا ذلك أم لم يعلموا، والهدف من طرح الجمعية الوطنية أو الجماعة الوطنية هو أن يصبح أي تغيير قد يحدث في مصر لا ينحاز إلا إلى المسار العلماني، وألا يحكم الشعب نفسه بنفسه، ولكن تحكمه نخبة تنصب نفسها بديلاً عن الشعب بدعوى أنها جمعيته الوطنية، ثم تكون في مرحلة لاحقة مجلس نواب بدون أية انتخابات تماماً، كما فعلت الجمعية الوطنية أو الجماعة الوطنية في فرنسا.

وليعلم القارئ أيضاً أن هذه الفكرة قديمة ومستهلكة قامت بنفس الاسم والأيديولوجيا والفلسفة، وهي ادعاء نخبة أنها تمثل كل مكونات مجتمعاتها في بلدانها، والتي كانت مستعمرات فرنسية في وقت من الأوقات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر الجمعية الوطنية في (سوريا وموريتانيا ومالي والسنغال.... إلخ).

لذلك من المهم أن يعلم القارئ أن دخول أي تيار إسلامي أو ديني تحت مظلة ما يسمى بالجمعية الوطنية أو الجماعة الوطنية يعني بوضوح أن هذا التيار قبل أن يتم احتواؤه تحت مظلة علمانية الأيديولوجيا.

وهنا تثور في نفسي بعض الأسئلة:

هل أعاد أبناء التيار الإسلامي تقييم مواقفهم السابقة عندما أسسوا لثورة علمانية تختلف عن أيديولوجيتهم تحت مسمى الجمعية الوطنية للتغيير برئاسة البرادعي، أم سيظل هذا التيار ينجرف إلى دعوات هو نفسه لا يعلم عنها شيئا؟

هل ما زل الشعب المصري في حاجة إلى مزيد من القهر والظلم والدماء حتى يعرف ما هو المستهدف من ثورته وفي أي اتجاه يكون مسار خلاصه؟

الجمعة، 29 يوليو 2016

جو شو الحلقة 8


   جو شو    

الحلقة 8 

هنحارب اسرائيل بفيفي عبده





الحلقة 8 

خطبة امن الدولة الموحدة


ذاكرة ونسيان!

ذاكرة ونسيان!


 الجمعة 24 شوال 1437 الموافق 29 يوليو 2016   



د. سلمان بن فهد العودة
لقيتُ صديقاً قديماً فذاكرته في بعض أمور كانت بيننا فضحك وقال:

لا تؤاخذني فإني أنسى عشاي البارحة!

قلت: نعم؛ ولكن هيهات أن تنسى ذكرياتك الجميلة في حجر أمك، ومداعباتها، وقصص ما قبل النوم التي كانت تحكيها..

حفظ الأسماء، والأخبار، والمبادئ، والأفكار؛ إحدى الميزات التي خصَّ الله بها آدم وذريته.

النسيان حدَثٌ طارئ:

نسي آدم معلوماتٍ وأحداثاً مرَّت به نسياناً مؤقتاً أو نسياناً دائماً، ونسي حالة معينة كان يعيشها أول ما سمع كلام الله له، نسي عهداً قطعه على نفسه: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} (115:طـه).

لم يكن آدم من أولي العزم من الرسل ولذلك نسي، وأولو العزم: (نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد؛ صلى الله عليهم وسلم)؛ يقع لهم شيء من النسيان في حياتهم وعباداتهم؛ كما حدث لخاتمهم -عليه الصلاة والسلام-، وهو النسيان الذي يرفع عنهم المؤاخذة والعتب؛ لأنهم فعلوا أو تركوا من غير قصد.

أما نسيان آدم بالأكل من الشجرة فكان مقصوداً، وكان حالة استسلام لإغراء الشيطان وتصديق لزعمه، ولذا نزلت رتبة آدم عنهم.

هل نسيانه نعمة؟ أو رحمة؟ أو زلَّة مكتوبة لنفاذ القدر باستخلاف البشر؟

كانت حالة ضعف أو غفلة أو ذهول، حالة صراع وتردد بين الإقدام والإحجام..

حالة قصور في التذكر بسبب تحرك غريزة أخرى وسيطرتها مثل: غريزة الاستكشاف أو حب البقاء أو التملك أو الشهوة..

نسي الحال التي كان عليها عندما عهد الله إليه.

كثيرون يمرون بمرحلة إشراق وحماس ثم يعتريهم (فتور)؛ يجعل التأويل والتملُّص سهلاً.

لم ينس المعلومة، لكن نسي أهميتها وجدارتها وشعوره القوي تجاهها أول مرة.

ما هو النسيان؟

هو أن تفقد معلومات..

أو تفقد حيوية المعلومة وحرارتها وعمقها في قلبك وتأثيرها عليك.

تشرق الفكرة عندي -أحياناً- بصورة رائعة، وأتحدث عنها مع أصدقائي بطريقة مؤثرة وفعَّالة ومقنعة..

وبعد فترة أستدعي الفكرة فتأتي خاملة هامدة غير مؤثرة.. حتى كأنها غير الفكرة الأولى.

بعض الكتب ليس فيها كثير معلومات، لكن فيها روح.

ولذا كانت الكتابة، وكان أول من خطَّ بالقلم إدريس.

نسيان الصداقة: (الحُر مَنْ رَاعَى وِدَادَ لَحْظَةٍ)؛ اتصال القلب بالقلب، وهج الرؤية الأولى، والانطباع الجميل، والتعلُّق المفاجئ.

نسيان المصيبة التي تبدأ كبيرة ثم تصغر عكس ناموس الأشياء التي تبدأ صغيرة ثم تكبر.

نسيان المبادئ والقيم؛ التي طالما آمن بها وضحّى في سبيلها، الحَوْر بَعْدَ الكَوْر، الرغاء بعد الهدير!

نسيان المعروف الصادر منك إلى غيرك؛ (انسه وانس أنك نسيته)، واستذكار المعروف الصادر من غيرك إليك.

نسيان الصدمة والصفعة: (اكتب المعروف على الصخر والإساءة على البحر)، والرجل يغفر وينسى، والمرأة تغفر ولا تنسى، فذاكرتها العاطفية لا تساعدها على النسيان!

بقي ذنب آدم أمام عينيه حتى هرب من ربه حياءً وخجلاً.

النسيان كان قبل، والذكر الدائم كان بعدْ، وظل إلى الأبد حتى يوم القيامة يذكر ذنبه ويعتذر عن الشفاعة!

الخطير أن يحيط النسيان بالعبد قبل الذنب وبعده، ويمضي قدماً لا يلوي على شيء.

تميز آدم بالذاكرة الإنسانية والحفظ ولذا وصف بالنسيان، النسيان استثناء في مقابل تعليم الأسماء كلها وإلهام اللغة، كما المعصية استثناء والأصل الاستقامة.

(نسي ونسيت ذريته)؛ نسي المعلومة المتعلقة بإعطائه داود 40 سنة من عمره؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا خَلَقَ آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَأَخْرَجَ مِنْهُ مَا هُوَ مِنْ ذَرَارِيَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَجَعَلَ يَعْرِضُ ذُرِّيَّتَهُ عَلَيْهِ فَرَأَى فِيهِمْ رَجُلاً يَزْهَرُ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ مَنْ هَذَا؟ قَالَ هَذَا ابْنُكَ دَاوُدُ، قَالَ: أَيْ رَبِّ كَمْ عُمُرُهُ؟ قَالَ سِتُّونَ عَاماً، قَالَ: رَبِّ زِدْ فِى عُمْرِهِ. قَالَ: لاَ؛ إِلاَّ أَنْ أَزِيدَهُ مِنْ عُمْرِكَ، وَكَانَ عُمْرُ آدَمَ أَلْفَ عَامٍ، فَزَادَهُ أَرْبَعِينَ عَاماً، فَلَمَّا احْتُضِرَ آدَمُ وَأَتَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ لِتَقْبِضَهُ قَالَ: إِنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعُونَ عَاماً، فَقِيلَ إِنَّكَ قَدْ وَهَبْتَهَا لاِبْنِكَ دَاوُدَ، قَالَ: مَا فَعَلْتُ » (رواه أحمد والترمذي).

وفي رواية لأحمد وابن سعد في الطبقات (وفيها ضعف كما قال ابن كثير): « فَأَتَمَّهَا الله لِدَاوُدَ مِائَةَ، وَأَتَمَّهَا لآدَمَ أَلْفَ سَنَةٍ ».

كما ورث ذريته الذاكرة الجيدة؛ المصممة لبناء الحضارة وتطوير المعرفة، ورثهم النسيان المساعد على التكيُّف والتجدد وتجاوز العثرات..

كلنا ننسى بعض أعمارنا، أو ننسى العمر كله؛ لأن العمر يطول ويتسع بالإنجاز والتأثير وعمل الخير.. وليس بعدد السنين فحسب.

قد يهونُ العمرُ إلا ساعةً ... وتهونُ الأرضُ إلا موضعا

أضف إلى عمر الطفل عند ولادته سنة فهي أهم مرحلة في حياته، وهي تحدد مساره، وصحته، وذكاءه، ومزاجه، وشكله، وأشياء كثيرة في حياته.

الصينيون يعدُّون العمر منذ الحمل.

الذاكرة انتقائية متنوعة: ذاكرة الأرقام، أو الأسماء، أو الوجوه، أو الأفكار، أو المبادئ.

ما حُفظ في الطفولة يصعب نسيانه، هو نقش على الحجر.

التعويد والتربية لصغير على أوراد الصباح والمساء، الصلاة، الكلمة الطيبة، الاعتماد على النفس، خدمة الغير، البر، والكرم، والجود، والفضيلة..

حتى حين يشيخ المرء ويفقد بعض وعيه يظل محتفظا بأخباره وقصصه القديمة، وقد يبوح لجلسائه منها بما لم يسمعوه من قبل!