السبت، 29 فبراير 2020

وباء كورونا والفيروس الثقافي والأخلاقي

وباء كورونا والفيروس الثقافي والأخلاقي


مهنا الحبيل
1/3/2020
هناك سلسلة من الجدليات التي تنطلق عند أي حدث كارثي أو حالة عالمية، هذه الجدليات تنتشر في فضاء الصراع الحواري العربي، الذي تسمم كثيراً بعد حركة الربيع العربي، ثم الارتدادات السياسية والثقافية المضادة للربيع العربي.
ودعونا نقول بوضوح أن الموقف السياسي من هذا الحدث أو ذاك، لا يعكس بالضرورة أخلاق الفرد ونبل شخصيته، أكان في مسار صامت أو متفهم لموقف حكومته، أو كان فيما يطلق عليه أنصار الربيع العربي، الذي بكل تأكيد تعتبر مناصرته كقيم حقوق وحرية سياسية، قاعدة إيجابية مشتركة لكل عربي، دون الدخول في تفاصيل السبيل أو الطريقة، أو تزكية من خاض التجربة.
والحقيقة هناك تفاصيل تحتاج اليوم للفرز والحذر، في ظل صخب التوظيف السياسي الشرس، وكيف نفهم ونفرز نبلاء الثورات وعقلائها، من المندسين الحقيقيين في تاريخ أزمتها وهم مستثمرون انتهازيون، ثم قس على ذلك الطرف الآخر، الذي أصبح يمارس مشاتمة هستيرية وهذر سخيف منفلت، فيُوَجَه الصراع بين الطرفين بحسب الاتجاه السياسي للحدث وجغرافية الخبر المؤلم أو السار.
في ظل توظيف متحفز لوضع شريعة الله في موقع المدفع الجاهز، الذي يُستخدم عند أول الخبر، وهكذا يُتقاذف الموقف ويرسم له خط ديني وفتوى جازمة، دون التفريق بين آيات الله التي بعثها لأقوام حددها القرآن الكريم، وبين تنزيل الوباء أو الحدث في مقام العقوبة، ثم يكون التبرير بين الابتلاء في مواطن المسلمين أو العقوبة في خارج مواطنهم.
رغم أن الانحطاط الأخلاقي ذاته بين المسلمين اليوم، يتقاذف هذه التهمة على حساب الموقف السياسي الصراعي بين الدول أو بين الجماعات، فيعيّر بعضهم بعضاً ومنهم مسلمون متحدو الطائفة أو مختلفون، وخلطه بما كان قطعي الدلالة والثبوت في آيات الله.
ولا يتم فهم الدرس الأخلاقي الآخر في ظل هيمنة التوحش الرأسمالي اليوم، والذي تمثل مشاريع بأسه على البشرية، والتيه الفكري الذي بات يعمل اليوم، على ضرب مشتركات البشرية في الأسرة والطفولة، بدلاً من إحياء قيم العدلة الاجتماعية للإنسانية، فهي سنن كونية نؤمن بأنها تذكرة، لكن لا نستطيع الجزم بمقاصد عقوبات الله فيها.
ولعل ما يُهتدى به في هذه الكوارث دلالة الدفع للخير التي شرعها الله للناس، وفرطت فيها البشرية وهي تقتل ذاتها، بفيروسات الجشع والظلم والفصل العنصري بين الأمم، الذي يقوده الغرب رغم تقدمه الحضاري العلمي، فهنا في الحقيقة إشارات مهمة للوعي الإنساني لدروس الكوارث.
غير أن توجيه السنن الكونية في إطار عقوبة مخصوصة اليوم، لا يملك عليه احدٌ دليل جلي، وهو الجدل الذي اشتعل بعد انتشار فيروس كورونا في الصين، تزامناً مع ظلم نظام بكين ضد المسلمين الايغور، ثم انتشر الفيروس في مناطق المسلمين ودولهم، وتم العزف على البعد الطائفي، ثم وصل الفيروس لمناطق الطائفة الأخرى، فهذا التعاطي الفوضوي واستدعاء الشريعة وتحويلها بحسب المفتي أو الجماعة، هو تلاعب بدين الله.
وهنا وقفة مهمة للنظر في دروس هذه الأوبئة، حين يستعرض واقع المشروع الصيني، وكيف انتقل من النظام الشيوعي الشامل في كل نواحي الحياة، الدينية والاجتماعية والسياسية، ثم تحول لرأسمالية تنافس الرأسمالية الغربية، بدلاً من العودة الى قيم وأخلاق الشرق، ونشر الحرية لشعبه والتعاضد المدني القيمي.
 فهنا واقع الصين اليوم، يشير لهذه الأزمة في الحريات السياسية والتضامن الإنساني داخلها وخارجها، وأن الصراع مع الغرب عبر السوق الأكبر لصالح الميزان الرأسمالي المتوحش لكل طرف لم ينقذ الصين أخلاقياً واجتماعياً، حتى إن تجاوزت الأزمة واخترعت مضاد لها.
كما أن سؤال المصدر للفيروس أيضاً سؤال مشروع، لكن دون مبالغات أو مسرحيات تافهة، وإنما تعقب مصدر المعلومة ومناقشتها، أما الشعوب والأبرياء أين ما كانوا فإن الواجب لهم وبينهم هو التعاون في دفع هذه الأوبئة عن البشرية، ورفض الفيروس الفتاك الآخر وهو الفيروس الأخلاقي، الذي يُعمي حركة الوعي والحقوق الإنسانية، عن فهم دروس كورونا الوبائية والثقافية.

ملخص وجيز لفهم الوضع في سوريا

ملخص وجيز لفهم الوضع في سوريا

1- مقاطع الفيديو التي بثتها تركيا عن ردها على قتل جنودها في إدلب تؤكد أن الجيش التركي قوي جدا، وسلاح الجو المتطور مفاجأة.
نجح الأتراك في تصنيع أسلحة جديدة في مقدمتها طائرات مسيرة ضربت منظومات الدفاع الجوي الروسية وأعطت الأتراك تفوقا في الجو، وهذا حدث له نتائجه في سوريا وخارجها.
2- المعركة في سوريا بين روسيا وتركيا، وحديث الطرفين عن النظام السوري لتجنب المواجهة المباشرة.
3- النظام السوري سقط فعليا وما تبقى هو نظام الطائفة العلوية (اقل من 10%) المدعوم من إيران وميليشيات الشيعة بدعم غربي.
4- روسيا تحتل سوريا للحفاظ على قواعدها العسكرية في طرطوس واللاذقية وحميميم، وليس لها أي وجود عسكري في المنطقة والبحر المتوسط، وهي تريد توسيع وجودها بالتمدد في بلاد أخرى.
5- الشعب السوري السني الذي يشكل 90% من السكان تعرض للإبادة والقتل والتهجير لأن أي حل بالانتخابات ليس في صالح الأقلية الطائفية.
6- تركيا هي التي تحتضن السوريين المهجرين، وهي تعرف أن الدور عليها بعد تفكيك سوريا، وهي ترفض وجود أي دويلة كردية في شمال سوريا تساند حزب العمال الكردستاني التركي الذي يعمل على تفكيك تركيا.
7- الأكراد في شمال سوريا أقلية صغيرة وهم سنة لكن الحركة المسلحة المسيطرة على المناطق الكردية شيوعية تحارب الدين، مدعومة من أمريكا وروسيا معا.
8- السنة العرب هم الأغلبية في الشمال السوري وتواجدهم يمنع انفراد الأكراد بالشمال السوري، ولهذا تعرضوا للتهجير من الروس والأمريكان.
9- البترول في شرق سوريا في مناطق السنة ولهذا تتواجد القوات الأمريكية وتستعين لقمع العرب السنة بالميليشيات الكردية الانفصالية.
10- دول الغرب رغم تنوع مذاهبها ورغم خلافاتها ومعها إسرائيل تساند النظام الطائفي السوري وبقاء الأسد.

سيد قطب والسؤال الأصوب!!

سيد قطب والسؤال الأصوب!!

محمد جلال القصاص

فكان ينبغي أن يُفهم أن الطريق طويل وأن نقطة البدء في المعالجة الصحيحة لواقع الناس من خلال نخبة متخصصة تباشر حياتهم الخاصة وتحاول أن تعالجها في سياق مجتمعي، لا من خلال قلة قليلة تستعلي على المجتمع وتصفه بالجاهلي
{بسم الله الرحمن الرحيم }
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
خمدت التجربة الأولى للصحوة الإسلامية في مصر (نسخة الأستاذ حسن البنا) بعد أن قمعها النظام الملكي، وخمدت الثانية (نسخة يوليو 1952) بعد أن قمعها النظام الناصري. وانتهى الأمر بالجيل الأول من الصحوة الإسلامية في مصر خلف جدران الإهانة والحرمان (السجون).
وفي ظلمات السجن تساءل المعذَّبون- حسب رواية الأستاذ محمد قطب في بعض محاضراته- عن سبب تحول الجماهير من الحماسة  والتأييد للحركة الإسلامية إلى الحماسة والتأييد لعبد الناصر وهو يحاربهم ويقتلهم؟.
وكانت الإجابة يومها- حسب رواية الأستاذ محمد قطب أيضًا- هو الخلل العقدي.. أن الإيمان لم يتمكن من قلوب هؤلاء.
ومن هنا اتجه فصيل من الحركة الإسلامية، عرف بالقطبيين بعد ذلك، إلى تصحيح العقيدة، وتبني فكرة مفادها أن شرط النصر هو تحقيق الإيمان بالله واليوم الآخر وأن الشرك- أيًا كانت نسبته- يقف حائلًا دون تحقيق النصر والتمكين في الأرض، وأن الذين لم يصححوا عقيدتهم جاهليون لم يهتدوا بهدى الله.

مثلت هذه المقولة إطارًا نظريًا لفهم السيرة النبوية وفهم الواقع والعمل على تغييره، ومن ثم تحرك أصحاب هذه المقولة للبحث عن أدواتٍ لتنفيذ الفكرة، فكانت أداة التنفيذ التي اهتدوا إليها هي البدء في تكوين (النواة الصلبة/ الفئة المؤمنة)، التي تتربى على العقيدة الصحيحة وتنمو كالزرع حتى تكوِّن مجتمعًا مسلمًا يزاحم المجتمع الجاهلي ويبتلعه.

ومن خلال منظور (الفئة المؤمنة) قرأ الأستاذ سيد قطب وأحباؤه السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، فنظر إلى جيل الصحابة- رضوان الله عليهم- وسماه (جيل قرآني فريد)، يقول: تفوقوا لأنهم تلقوا فقط من الوحي، وتفوقوا لأنهم تلقوا الوحي للتنفيذ، وأن من فعل مثلهم صار حاله كحالهم.
وأكمل أخوه (الأستاذ محمد) فذكر أن لا فرق بيننا وبين الصحابة فإن كان شخص الرسول قائمًا بينهم فإن السنة النبوية بيننا كما هي ونص القرآن بيننا كما هو، فلا شيء يمنعنا- حسب قوله- من أن نكون مثلهم!!
ولا أدري كيف ومعلوم أن الصحابة أنفسهم- رضوان الله عليهم- اقتتلوا بعد وفاة النبي، صلى الله عليه وسلم؟؟!!
وجد سيد قطب ضالته في كتابات عبد الأعلى المودودي التي تتحدث عن ضرورة تصحيح المصطلحات الأربعة (الإله والرب والدين والعبادة) فراح يشرح ويفصل، هو والأستاذ محمد قطب، المفاهيم التي ينبغي أن تصحح؛ ووجد القطبيون ضالتهم في السلفية النجدية (أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله)، تلك التي لا تكاد تتحدث عن شيءٍ آخر غير التوحيد (تصحيح الاعتقاد)، وأضافت الدعوة السلفية النجدية بُعدًا آخر وهو الاهتمام بالتفاصيل، باعتبار أن البدعة بدرجاتها المختلفة مرفوضة كلها، وباعتبار أن النكير على المبتدعين مقدم على كل شيء؛ وحدث تحالف ضمني بين الرؤية القطبية والرؤية السلفية النجدية بعد الطفرة البترولية وتأييد السياسي الخليجي للقطبيين كمتمردين على خصمه السياسي (النظام الناصري)، فاستخدموا في سياق كشف ظلم النظام الناصري وتعديه على الدين والحريات الخاصة، بمعنى أن الحالة القطبية تحولت من فاعل يستهدف التغيير في اتجاه استئناف الحياة على قواعد الشريعة إلى موظفٍ في سياق الصراع السياسي بين النظم العربية التقدمية والرجعية. (شرحت هذا في مقالين بعنوان: التوظيف السياسي للدعوة السلفية).
وراقت فكرة الأستاذ سيد قطب لبقايا الإخوان، فقد كانت الفئة المؤمنة هي هي بأم عينها النسق المغلق (الجماعة المنظمة) التي بدأت بها تجربة الإخوان الأولى.
وراقت الفكرة لطليعة الجهاديين في مصر فقد اشتدوا إلى محاولة الانقلاب العسكري بخلايا صغيرة في العدد (فئة مؤمنة). وراقت فكرة قطب للذين صبوا غضبهم على عوام الناس مع السلطة فكفروا الجميع وطالبوا بالهجرة والخروج على المجتمع والسلطة.
كانت فكرة الفئة المؤمنة شديدة الإغراء للجميع، كل نظر إليها وأُعجب بشيءٍ منها.
منهم من استحسن أنه من (الفئة المؤمنة) ذات العقيدة الصافية، وهو معنى ينطوي على عزة واستعلاء وشعور بالتميز؛ ومنهم من استحسن أن النصر لا يحتاج لأكثر من عددٍ من الجلسات الفردية وتصحيح المفاهيم لدى قلة قليلة كسببٍ وحيدٍ-أو رئيسي- للنصر؛ ومنهم من استحسن العكوف ونقد المخالفين وتمزيقهم بدعوى تصفية المناهج التي ستربى عليها الفئة المؤمنة، ومنهم من استحسن الاجتماع في البيوت سرًأ والتحدث مع الخلان والأصفياء كأسرةٍ واحدة تفعل ما لا يفعله غيرها، ومنهم...
وقد قدمت في المقال السابق أن كل الذين بعد قطب خرجوا منه حتى الذين يرفضونه ويتطاولون عليه!!
حين تضع تاريخ الصحوة الإسلامية الحديثة بين يديك وتعيد النظر فيه مرة بعد مرة تجد أن ثمة عجلة فيما يتعلق بالنظرية والفكر. تظهر فكرة من شخص له احترامه وتقديره فيندفع لها الناس؛ وتصبح مسلمة ونظرية كلية لا يناقشها أحد؛ وينحصر التنظير-بعد ذلك- في التفاصيل والدفاع عن الفكرة الكلية.
عدم دقة السؤال البحثي الذي ذكره الأستاذ محمد قطب أوجد خللًا في النظرية وخللًا في التطبيق!!
لم تكن الجماهير خلف الإسلاميين ثم تخلت عنهم.
غير صحيح  من حيث الكم ومن حيث المحتوى.
فما قبل يوليو1952 هو العصر الليبرالي الاشتراكي في مصر وما حولها، وعامة الجماهير كانت حول الوفد وغيره، أو على الأقل لم يكن الناس كلهم خلف الرؤية الإسلامية؛ وحتى أولئك الذين احتشدوا خلف الإسلاميين يومها وإلى اليوم لم يحتشدوا طلبًا لتطبيق الشريعة وإنما بحثًا عن أغراض خاصة بهم تتعلق بالمأكل والمشرب، فالجماهير مستقلة تمامًا في حركتها، دوافعها وأهدافها لا علاقة لها بالمشروع الصحوي، واحترامها للإسلاميين وتأييدها لهم بعض الوقت يكون لأهدف أخرى لا علاقة لها بالمشروع الصحوي.
وليتنا وقفنا على حركة الجماهير ندرسها ونستخلص منها الدروس كما فعل (جوستاف ليبون) في كتابه سيكلوجية الجماهير. ولكننا- مع كثرة الصفعات التي تلقيناها من الجماهير وغيرها- لم نقف نتأمل ونستخلص الدروس والعبر، ولذا يتكرر ذات الدرس على ذات الجيل مرة بعد مرة ولا يفقهون!!
صلاح حال الناس بتدابير عملية، والمجتمعات تتحول بفعلٍ ممتد على ظهر سنين طوالٍ من نخبة متخصصة في شتى المجالات، ولذا فإن الحركة العلمية التي تكونت في عهد التابعين لم تضعف حين ضعفت الخلافة العباسية، بل ظلت تتطور مستقلة عن السلطة نظرًا لوفرة رأس المال النخبوي في المجتمع في مجالات شتى.
وكذلك: ظلت المجتمعات متمسكة بقيمها وأخلاقها لقرون من الزمان بعد أن ضعف السلطان، فكان ينبغي أن يُفهم أن الطريق طويل وأن نقطة البدء في المعالجة الصحيحة لواقع الناس من خلال نخبة متخصصة تباشر حياتهم الخاصة وتحاول أن تعالجها في سياق مجتمعي، لا من خلال قلة قليلة تستعلي على المجتمع وتصفه بالجاهلي؛ وتظن أن تصحيحها لعقيدتها يكفي لأن تستلم السلطة والمجتمع معًا!!
وكان الخلل في الجهل بالتحولات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، وأن الأمة تتشظى جغرافيًا بعد أن تشظت ثقافيًا تحت مسمى (الاستقلال).
فقد قُسمنا إلى دويلات صغيرة بدعوى التحرر من الاحتلال الغربي.
وتغيرت صيغة الحكم إلى (الدولة القومية) وهي عقيدة جديدة شديدة الإحكام والقسوة على كل شيء، وأنها هي التي تصارع الصحوة وصرعتها مرتين (النظام الملكي والنظام الناصري)، وأن علينا أن نقف ونعيد النظر فيما نواجه.
كان علينا أن نسأل: كيف انتصر الخصوم على الصحوة؟

كيف أجهض الغرب حركة التجديد في الأمة وحوَّل مسارها لتسير خلفه وهي تدعي الرشد والاهتداء بنور النبوة؟!
وكان الأحرى بالذين جاءوا بعد سيد قطب أن يتساءلوا: كيف انتصر الخصوم مرة بعد مرة على (الفئة المؤمنة) التي لا يشك في إخلاصها؟!

ولكن سؤالًا هكذا لم يطرح. بل ظل القوم يعاندون ويستخفون بالتحديات الخارجية: النظم السياسية للدولة القومية والنظام الدولي. ويتحدثون عن انهيار الغرب.
وقد كان الغرب يومها يمر بأفضل مراحله على مر التاريخ: جمع الله له أسباب القوة المادية واتحاد الكلمة تحت قيادة فتية (الولايات المتحدة)؛ وظل القوم يستحضرون صورة النموذج المثالي للدعوة: قلة قليلة من المؤمنين يجتاحون العالم شرقًا وغربًا، ويحاولون استعادة هذا المشهد من جديد. والذي أفهمه أن السيرة النبوية نموذج مثالي يجد فيه كل أحد أسوة (نموذج عملي للتشبه به) فالفقير يجد في حال النبي-صلى الله عليه وسلم- أسوة، وكذا الغني، والمنتصر، والمهزوم، ومن فقد ولده، ومن حضر ولده.... والذي أفهمه أن مراحل البعث والتجديد في الأمة لم يكن شرطها صفاء الاعتقاد فكثير ممن نهضوا يندرجون تحت وصف (مبتدع) بمقايس القطبيين والنجديين ولكنهم كانوا على أصل الإسلام!!
 اللهم رشدًا وعزيمة على الرشد.
محمد جلال القصاص

14 رجب 1440

الزعيم الخالد الذي وعد أستاذه الشهيد سيد قطب أن يفتديه بنفسه ثم أعدمه



الزعيم الخالد الذي وعد أستاذه الشهيد سيد قطب أن يفتديه بنفسه ثم أعدمه

د. محمد الجوادي
هذه قصة حقيقية، وإن كانت مؤسفة ومؤلمة، بل شديدة الإيلام، والقصة ليس فيها تأليف ولا اصطناع ولا فن، فقد حدثت بالفعل، ومع أنها كانت ولا تزال قابلة للتفسيرات الواضحة وضوح الشمس، فإن هناك من لا يرى دلالتها، وليس هذا بغريب فإن المجتمع الإنساني يضم بين أفراده من ينكرون طلوع الشمس حتى في وقت الظهيرة.

روى هذه القصة الكاتب السعودي الراحل أحمد عبد الغفور عطار الذي كان حاضرا لهذا الحفل التكريمي الذي أقيم للأستاذ سيد قطب بمشاركة الدكتور طه حسين وذلك بعد أسابيع من قيام ثورة يوليو ١٩٥٢ وبالتحديد في شهر أغسطس عام 1952، وقد نشر تقريره الخبري عن هذا الحفل في مجلة "كلمة الحق"، وقد أشار الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار إلى أن رجال حركة الجيش أرادوا أن يكرموا رائدها الفكري، وفيلسوفها العظيم ليعرف الشعب أهمية هذا المفكر العبقري . فأقاموا ذلك الحفل لتكريمه، ثم يقول : " وفي الموعد المحدد حضرت معه وكان النادي مزدحما بحدائقه وأبهائه الفسيحة، وحضرها جمع لا يحصى من الشعب، وحضر إلى النادي أبناء الأقطار العربية الإسلامية الموجودون في مصر، وكثير من رجال السلك السياسي، وكبار زعماء الأدب والفكر والقانون والشريعة، وأساتذة من الجامعات والكليات والمعاهد .وكان مقررا حضور الرئيس محمد نجيب، وتوليه تقديم سيد قطب ،إلا أن عذرا عارضا اضطر محمد نجيب للتخلف، وبعث برسالة تليت على الحاضرين، تلاها أحد الضباط : وموجز كلمة محمد نجيب أنه كان حريصا على أن يحضر المحاضرة، ويفيد من علم سيد ،ووصف سيد بأنه رائد الثورة ومعلمها وراعيها . وبعث نجيب برسالته مع أنور السادات. وأناب عنه جمال عبد الناصر".

" وحوَّل الضباط محاضرة سيد قطب إلى مناسبة للاحتفال والاحتفاء به، وبيان مناقبه ،وبدل أن يحاضر سيد فيهم، صار الخطباء يتكلمون عن سيد ويثنون عليه وهو جالس . وقد افتتح أحد الضباط الحفل بآيات من القرآن الكريم وقال أحد كبار الضباط إنه كان مقرراً أن يقوم الرئيس محمد نجيب بتقديم أستاذنا العظيم، ورائد ثورتنا المباركة، مفكر الإسلام الأول في عصرنا الأستاذ سيد قطب، ولكن أمرا حال دون حضوره وأريد مني تقديم الأستاذ سيد قطب، وإن كان في غنى عن التقديم وعن التعريف . " وكان حاضرا الحفل الدكتور طه حسين، فتقدم وألقى كلمة رائعة قال فيها: "إن في سيد قطب خصلتين هما المثالية والعناد" . وذكر الدكتور طه حسين سيد قطب وأدبه وعلمه وثقافته وكرامته، وعظمته وفهمه للإسلام، وذكر أثر سيد قطب في الثورة ورجالها . وختم طه حسين كلمته بالقول:" إن سيد قطب انتهى في الأدب إلى القمة والقيادة، وكذلك في خدمة مصر والعروبة والإسلام ".

وقف جمال عبد الناصر وقال بصوته الجهوري ما نصه: "أخي الكبير سيد، والله لن يصلوا إليك إلا على أجسادنا جثثا هامدة، ونعاهدك باسم الله بل نجدد عهدنا لك أن نكون فداء لك حتى الموت " وصفق الناس تصفيقا حادا متواصلا!!
سيد قطب يتحدث عن الثورة

ثم وقف سيد قطب، وألقى كلمة مرتجلة، وسط تصفيق المصفقين وهتاف الهاتفين له، وقال عن الثورة:" إن الثورة قد بدأت حقا، وليس لنا أن نثني عليها ،لأنها لم تعمل بعد شيئا يذكر، فخروج الملك ليس غاية الثورة، بل الغاية منها العودة بالبلاد إلى الإسلام "

ثم قال سيد قطب: "ولقد كنت في عهد الملكية مهيئا نفسي للسجن في كل لحظة، وما آمن على نفسي في هذا العهد أيضا، فأنا في هذا العهد مهيئ نفسي للسجن ولغير السجن أكثر من ذي قبل "

وهنا وقف جمال عبد الناصر وقال بصوته الجهوري ما نصه: "أخي الكبير سيد، والله لن يصلوا إليك إلا على أجسادنا جثثا هامدة، ونعاهدك باسم الله بل نجدد عهدنا لك أن نكون فداء لك حتى الموت " وصفق الناس تصفيقا حادا متواصلا!!

مجزرة كبكب.. عندما كشفت فرنسا عنصريتها وقتلت 400 عالم دين تشادي









مجزرة كبكب.. عندما كشفت فرنسا عنصريتها وقتلت 400 عالم دين تشادي


عائد عميرة
لم تترك فرنسا في إفريقيا، مجالًا إلا وانتهكته، انقسامًا إلا وأحيته، ثروةً إلا ونهبتها، فاستعمارها لدول القارة السمراء لم يكن الهدف منه فقط سرقة خيرات القارة وإنما محاربة الدين الإسلامي أيضًا ونشر الفتنة هناك، حتى تهيئ لها الأجواء لبسط نفوذها والتحكم التام في القارة.
في هذا التقرير الجديد لنون بوست، ضمن ملف "جرائم فرنسا في إفريقيا"، سنتطرق معًا لإحدى المجازر الفرنسية المنسية في دول القارة الإفريقية، مجزرة "كبكب" التي طالت علماء المسلمين في التشاد وراح ضحيتها 400 عالم دين إسلامي هناك.

بداية الاستعمار ومقاومة "رابح"

قبل الحديث عن هذه المجزرة لا بد من العودة أولًا إلى بدايات الاستعمار الفرنسي لهذه الدولة الإفريقية. نهاية القرن التاسع عشر، كانت فرنسا الاستعمارية تحتل العديد من الدول الإفريقية، منها ثلاث دول قريبة من التشاد هي: إفريقيا الوسطى (كانت تُعرف في ذلك الوقت باسم "أوبانغي- شاري")، والكونغو (كانت تُعرف باسم مويان كونغو) والغابون.
من هذه المستعمرات الثلاثة التي أطلقت عليها فرنسا اسم "إفريقيا الاستوائية الفرنسية"، تقدمت القوات الفرنسية لاحتلال التشاد، وكان الهدف من احتلال هذه المنطقة توفير اليد العاملة لفرنسا لبناء مستعمراتها الجديدة والاستيلاء على زراعة القطن فضلًا عن وقف المد الإسلامي الذي أخذ يتزايد في إفريقيا.
مارست فرنسا أنواعًا كثيرة من التعذيب ضد المسلمين هناك، حيث ألغت القوانين الإسلامية ومنعت استخدام اللغة العربية ودمرت الآثار الإسلامية
كانت التشاد في تلك الفترة تحت إمرة رابح الزبير بن فضل الله، ذلك الزعيم السوداني الذي أسس إمبراطورية قوية غرب بحيرة تشاد، وقد اتخذ رابح من الشريعة الإسلامية أساسًا للحكم والقرآن دستورًا وأحيا السنة وأمات البدعة واتجه غربًا لنشر الإسلام.
بدأت فرنسا توسعها، وكانت تطمح إلى عزل إفريقيا عن الدين الإسلامي وتحويل شعوب القارة إلى النصرانية حتى يسهل السيطرة عليها، إلا أن إمبراطورية رابح مثلت العقبة الأولى أمام توسعاتها في تلك الفترة، فقد تصدى لحملاتها وقتل العديد من قادتها على غرار بول كرامبل.
جمعت فرنسا قواتها مباشرة بعد سيطرتها على الساحل الغربي الإفريقي واحتلالها لمدينة "تمبكتو"، وبدأت الزحف تجاه رابح سنة 1894، بحملة يقودها ضابط فرنسي اسمه بريتونيه، إلا أن رابح تمكن من قتله، فعاودت فرنسا المحاولة لكن هذه المرة عبر قوة أكبر، ما مكنها من هزيمة رابح وطرده من نيجريا والكاميرون وإعادته نحو حدود دولة تشاد.
تواصلت المعارك في التشاد، ودفعت فرنسا بقوات أخرى قادمة من إفريقيا الوسطى والجزائر نحو بحيرة التشاد بقيادة الضابط لامي الذي قاد جيوش فرنسا في معركة "لخته" التي انتهت بمقتله وموت رابح في أبريل/نيسان 1900.
بعد مقتل الأمير رابح، تولى القيادة ابنه فضل الله، وحقق انتصارات عديدة قبل أن يُقتل عام 1909، ثم واصلت قوات رابح القتال، بعد مقتل فضل الله، حتى عام 1911، حيث وقعت جميع الأراضي هناك تحت سيطرة الفرنسيين، وألحقت بمستعمرة "أوبانقي- شاري" (إفريقيا الوسطى حاليًّا)، فأصبحت "أوبانقي - شاري- تشاد"، مستعمرة واحدة، تابعة إداريًا إلى "إفريقيا الاستوائية الفرنسية".

سحق الشخصية المسلمة

مع تمكنها من احتلال التشاد، مارست فرنسا أنواعًا كثيرة من التعذيب ضد المسلمين هناك، حيث ألغت القوانين الإسلامية ومنعت استخدام اللغة العربية ودمرت الآثار الإسلامية التي خلفتها الإمارات والسلطنات والممالك الإسلامية في المنطقة.
لم تتوقف ممارسات الاستعمار الفرنسي عند هذا الحد، فقد أحرقت المساجد والجوامع والمدارس القرآنية أيضًا، وعملت على نشر النصرانية، وذلك لتحقيق أهدافها في الاستعمار والاستقرار والاستغلال في هذه الدولة الحديثة.
جرائم فرنسا هناك تواصلت بنسق كبير، فالهدف طمس هوية البلاد، حيث عمل المحتل الفرنسي منذ البداية على إزالة كل ما يربط سكان البلاد من خلال عمليات ممنهجة وفرض اللغة الفرنسية وإقصاء العربية، وفرض الديانة النصرانية مقابل التضييق على المسلمين.
سعي فرنسا للقضاء على الواقع الفكري والثقافي التشادي، تم أيضًا عبر محو مقومات الشخصية التشادية وإذابتها في المجتمع الأوروبي المستوطن، كل ذلك بهدف تغيير النمط المجتمعي والهوية التشادية، وهدم البنى الحضارية هناك وإعادة صياغته بما يتماشى ويكفل الهدف الاستعماري الاستيطاني.
محاربة الدين الإسلاميِ في التشاد، لم تتوقف عند مجزرة كبكب، بل تواصلت وَفقَ خطة ممنهجة ومحكمة طويلة المدى وضعها المستعمر الفرنسي
عام 1923‏ وصلت أول بعثة تنصيرية تابعة للكنيسة البروتستانتية إلى المنطقة الجنوبية، أما الكنيسة الكاثوليكية فقد بدأت تتوافد إلى تشاد عام 1929، وتنامى نشاط الجمعيات المسيحية هناك، حيث قدم المستعمر الفرنسي تسهيلات عظيمة لهذه ‏الجمعيات، بل وحماها من أي خطر يمكن أن يصيبها أو يعيق عملها أو يحد من نشاطها في البلاد.‏
كما شرعت فرنسا الاستعمارية في تتبع وملاحقة حفظة ومُعَلِمِي القرآن الكريم والمربين والوعاظ وعلماء الدين القويم، حتى اضطر العديد منهم إلى الهروب خارج البلاد للنجاة بأنفسهم من بطش المستعمر الذي لا يفرق بين أحد، فجميع الأهالي أهداف له.
تجرد المستعمر الفرنسي من أبسط معاني الإنسانية، حتى إنه جعل العلاج وسيلة ابتزازٍ لتحويل وإخراج أهل التشاد المسلمين من دينهم، فقد كان لا يسمح للمواطنين التشاديين بالعلاج في المستشفيات التي يشرف عليها المُنصِرون إلا الذين يعتنقون الديانة المسيحية.

مجزرة كبكب

سَعيُ المستعمر الفرنسي للقضاء على الإسلام في المنطقة وتنصير البلاد طمعًا في المكوث فيها والتمتع بخيراتها، زين له ارتكاب كل أنواع الجرائم البشعة بما فيها القتل الجماعي، فلا رادع له هناك بعد القضاء على المقاومة في المنطقة.
يذكر أن الإسلام بدأ وصوله إلى منطقة التشاد منذ الفتح الإسلامي عندما وصل القائد الإسلامي عقبة بن نافع مع جيشه إلى مدينة "كوار"، ثم أخذ الإسلام في الانتشار شيئًا فشيئًا في الأراضي التشادية كافة، حتى دخل ملوك "مملكة كانم" في الإسلام في القرن الـ11 ميلاديًا، وصار الإسلام دين الدولة الكانمية الرسمي، فأخذ الحكام ينشرونه في أرجاء البلاد بدعوة الناس إليه.
يوم الـ15 من نوفمير/تشرين الثاني 1917، جمعت القوات الفرنسية خير علماء الدين الإسلامي في المنطقة، كان اللقاء مبرمجًا ظاهريًا للحديث عن إدارة البلاد تحت الحكم الفرنسي وكيفية تصريف شؤونها، إلا أن المستعمر الفرنسي كانت يبطن الشر.

جمع المستعمر في ذلك اليوم، ما يقارب 400 عالم دين وزعيم محلي في مدينة "أبشة" بإقليم "واداي" سنة 1917، وتم القضاء عليهم عبر ذبحهم بدم بارد في مرة واحدة، ودفن هؤلاء العلماء في مقبرة جماعية بمنطقة "أم كامل" وهو وادي داخل أبشة والمقبرة موجودة حتى الآن.

أراد الفرنسيون من خلال هذه المجزرة، امتلاك المعرفة والسلطة الروحية في المنطقة وترسيخ سلطتهم بشكل أفضل، فالنخبة الفكرية والدينية كانت ستكون حجر عثرة أمام مساعيهم لإدخال البعثات المسيحية في البلاد وفرض نظام الوصاية على سكان البلاد.
بقيت هذه المجزرة البشعة، راسخة في الذاكرة الجماعية تحت اسم "مجزرة كبكب"، وترمز إلى الاستعمار التعسفي في التشاد والدول المحيطة بها، فقد أجهز المحتل الفرنسي على جميع الحاضرين ولم يبقِ أحد منهم.
محاربة الدين الإسلاميِ في التشاد، لم تتوقف عند مجزرة كبكب، بل تواصلت وَفقَ خطة ممنهجة ومحكمة طويلة المدى وضعها المستعمر الفرنسي الذي عُرف باستهدافه لهوية الشعوب المستعمرة، فقد كان يطبق سياسة صليبية مقيتة وذلك لمحو الشخصية الإسلامية في كل دولة يدخلها.
جرائم فرنسا في إفريقيا

الجمعة، 28 فبراير 2020

أبناء مبارك في السلطة والمعارضة

أبناء مبارك في السلطة والمعارضة

وائل قنديل

تفحّص جيدًا وجوه جنازة حسني مبارك، لتزداد فخرًا بانتمائك لثورة يناير.

لا تبتئس من إمعانهم في تضخيم مظاهر البهرجة في موكب التشييع، بل هذا مما يبعث على الرضا واليقين بأن ثورة يناير لا تزال حاضرةً في أذهان أهل السلطة بالقاهرة، ربما أكثر من حضورها في رأس زعماء وهميين لجزر المعارضة في الخارج.

كانت دولة مبارك حاضرة بشقيها: رموز ما قبل ثورة يناير من الحرس القديم للحزب الوطني الحاكم، ومعهم أمانة السياسات، برئيسها جمال مبارك. والشق الثاني الذي هو الامتداد الطبيعي لهذه المنظومة، من وجوه جديدة، وأخرى نجحت في اللعب على مزدوجين في حلبة جمباز واحدة.

في مقدّمة المشيعين كان السيسي وجمال وعلاء مبارك وفتحي سرور وزكريا عزمي وأحمد عز ومحمد أبو العينين، كلهم رجال مبارك وأبناؤه الأوفياء، هم رجال موقعة الجمل التي أدمت قلب الثورة المصرية، وربما كانت الخيول التي سارت في الجنازة تحمل الطبّالين والعازفين هي ذاتها الخيول التي حملت البلطجية والقتلة وأرباب السوابق الذين هاجموا ميدان التحرير بكل الخسّة والوضاعة.

أنت هنا بصدد جنازة قرّر نظام مبارك/ السيسي أن تكون مبهرةً وصاخبة، حشدوا لها إعلاميًا وسياسيًا، وتدخلت أطرافٌ دولية وإقليمية، ترعى وتستثمر في السيسي كما رعت واستثمرت في مبارك، لكي تكون الجنازة حافلةً بكل مظاهر الفخامة. وعلى الرغم من ذلك، لم يخرج لها أكثر من عشرين مواطنًا عاديًا، حتى من الذين كان السيسي يشحنهم ويوفر لهم الوجبات الساخنة وأعلام مصر المغسولة والمكوية، كي يقفوا للهتاف باسم مبارك والجيش وشتيمة الثورة في ميدان العباسية أو عند النصب التذكاري في عام الثورة، والعام الذي جاء بعده.

رأينا فقط وجه محمد أبو العينين، قط الفساد السمين في زمن مبارك، والذي ازداد تسمينًا وتشريسًا في زمن السيسي، والذي يقول التاريخ الموثق عنه إنه كان أحد أربعة رجال أعمال حصلوا في عصر مبارك على أكثر من خمسين مليون متر مربع في منطقة شمال غرب خليج السويس بالقانون 83 لسنة 2002، والصادر في عهد وزارة عاطف عبيد.

في ذلك كانت جريدة البديل قد نشرت في 25 فبراير/ شباط 2011 تحقيقًا حول استيلاء عشرة أشخاص من نظام مبارك علي أرض من الدولة بقيمة تريليون و200 مليون جنيه، ومنهم محمد أبو العينين الذي حقق مكاسب تزيد على 100 مليار جنيه من المتاجرة في أراضي الدولة.

كان حسني مبارك، مثل السيسي، يبيع أوهام النهضة الزراعية الشاملة، من توشكي إلى شرق العوينات، من دون أن يتحقّق شيءٌ من ذلك كله سوى تسمين خيول فساد المرحلة. وأتذكّر أنه، ذات يوم من أيام ثورة يناير، روى لي خبير دولي مرموق في الاستثمار الزراعي أن حسني مبارك دعي لتفقد إنتاج المستثمرين الزراعيين في شرق العوينات الذي لم ينتج شيئا، فاستورد أحد رجال الأعمال، من مشاهير البلاط، الأرضي والفضائي، كمياتٍ من الحاصلات الزراعية التي تسرّ الناظرين من أوروبا، ففرح حسني مبارك، ووقف يلتقط الصور مزهوا بحصاد ثورته الزراعية الزائفة.

كان في الجنازة أيضًا أحمد عز، الطفل المعجزة في أخطر مرحلةٍ في زمن حسني مبارك، ومهندس مشروع توريث السلطة لجمال مبارك، والذي هو في رأيي، وكما قلت من قبل، لا فرق بينه وبين السيسي إلا في الدرجة، فكلاهما من بقايا دولة مبارك وحزبه، بل أن علاقة الجنرال بالدولة العميقة تبدو أعمق وأكثر تجذّرا من أحمد عز، فالثابت أن السيسي هو ابن الدولة العسكرية التي مثلها مبارك في حكم مصر أكثر من ثلاثين عاما، بينما أحمد عز هو ابن دولة مبارك في طورها" العولمي"، حين فرض عليها النظام العالمي الجديد الذهاب إلى اقتصاد السوق والخصخصة، وهو الأمر الذي دفع "الجزء المعسكر" فيها إلى الاتجاه إلى البزنس والمنافسة في السوق.

تلك هي دولتهم، لا تتغير ولا تسمح لخلافاتٍ ثانويةٍ داخلها أن تتطوّر إلى مرحلة صراع قد يؤثر على بقائها، هذا الصراع الذي لا وجود له إلا في خيال هذا الصنف من المهرجين والتجار الصغار، فيما يمكن تسميتها "المعارضة العميقة" التي تلعب أدوارًا ثانوية في تلك الدراما الرتيبة، مثل ذلك الزعيم المضحك المعروض طوال الوقت في فاترينات إعلام يقدم الرعاية الشاملة لأكاذيبه التافهة، والذي لعب مع مبارك الدور ذاته الذي لعبه الممثلون الصغار، من نوعية موسى مصطفى موسى وحجمه أمام عبد الفتاح السيسي في عرض انتخابي مبتذل، ويصرّ على ترويج تلك الفرضية اللعوب عن وجود تناقضاتٍ بين نظامي السيسي ومبارك.

مات مبارك، وترك أبناء كثيرين في السلطة والمعارضة.

فوق السلطة 170- كورونا مباشر

برنامج "فوق السلطة"

كرامات البخاري تبدأ بالظهور على وسيم يوسف


تناولت حلقة (2020/2/28) من برنامج "فوق السلطة" مواضيعها بالعناوين التالية: أفيغدور ليبرمان رئيس الموساد زار الدوحة. ونائب وزير الصحة الإيراني.. كورونا لايف. وكرامات البخاري تبدأ بالظهور على وسيم.، و"كم كلفت ليلة "ليل واين" الموسيقية بالسعودية؟".

يخطو وسيم يوسف خطوته الثانية باتجاه يوم الحساب في قضاء الإمارات، فبعد عزله من مسجد زايد، تنظر محكمة جنح أبو ظبي في اتهامات ضد وسيم بالترويج لإثارة الفتنة والكراهية داخل المجتمع الإماراتي.

ونقلت صحيفة البيان الإماراتية الخبر لكنها لم تسلم من تنمر وسيم عليها واتهامها بالكذب، وهو الذي انتقد الدعاةَ الذين ينتقدون صحف الإمارات في العلن بدل تقديم النصح لها في السر.

ووجه الداعية الإماراتي الشيخ سالم الطويل سؤالا لـ وسيم يوسف عن الدال نقطة "أي دكتور" التي يضعها قبل اسمه، فما أطروحاته في الماجستير والدكتوراه؟ ومن أشرف عليها وناقشها؟ ومن أي جامعة؟ لكن وسيم لم يرد وشتم من بعيد الجزيرة، واتهمها بما هو متهم به قضائيا.

والجزيرة لو كانت تبحث عن الفتنة لروجت لوسيم المتهم بشق وحدة الشعب الإماراتي، لكننا نجتهد في التزام الحقيقة، وبين الإمام البخاري والفنان وسيم يوسف، نختار بالطبع البخاري الذي بدأت كراماته تظهر على وسيم، كما تندر أحد الصوفيين.

الخليج وإسرائيل
نقلت الأخبار الثلاثة التالية من موقع إسرائيل بالعربية، حول نشاط إسرائيل المزدحم في دول الخليج، 
الأول أن "الملك سلمان يستقبل حاخاما إسرائيليا في قصره بالرياض، ضمن وفد متعدد الأديان". 
والثاني "مشاركة فريق إسرائيلي في سباق للدراجات الهوائية في الإمارات".
والثالث "تحاضر مديرة المجلس الإسرائيلي لحماية الطفل، في برنامج مؤتمر دولي لحماية الأطفال". ولأول مرة "محكمة البحرين تؤيد حكما بسجن مواطن أحرق العلم الإسرائيلي، خلال تظاهرة داعمة لفلسطين"، لكن هذا كله لا يحكى أمام ما حصل في الدوحة إن حصل، وإن لم يحصل فلماذا لم تكذبه حكومة قطر، وإن حصل فبماذا تبرره الدوحة؟

حيث أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان أن رئيس الموساد وقائد الجبهة الجنوبية بالجيش الإسرائيلي زارا الدوحة قبل نحو أسبوعين، لبحث استمرار التهدئة مع حركة حماس، وأن الزيارة جاءت بهدف إقناع الجانب القطري بمواصلة دعم حماس ماليا.

حسني مبارك بين الشماتة والشهادة

حسني مبارك بين الشماتة والشهادة

سجن الشيخ علي القطان خمسة عشر عاما بمساعدة السعودية لأنه قال له (اتق الله) في المسجد النبوي الشريف!!           
د. محمد الصغير
أحدث خبر وفاة الرئيس المخلوع حسني مبارك ارتباكا في مشاعر بعض المصريين، ولم ينقسموا إلى فسطاطين كالعادة، وظهرت جملة من المتناقضات دلت على غبش في مرآة العواطف، وعوج في طريقة التفكير نتج عنه ضياع البوصلة وانحراف السلوك!
لم أكن لأتوقف كثيرا عند موت حسني مبارك لأن الموت قانون يسري على الصالح والطالح، وبمنطق الدنيا فقد شبع منها مبارك وحصل ما فاق أحلامه وطموحه، وحسابه على الله تعالى الذي سيحاسبه على النقير والفتيل والقطمير، وقد ذهب محملا بمظالم تكسر ظهر البعير، ما تحللها من أصحابها ولا أعلن الندامة عليها.
لكن الحفاوة المبالغ فيها من النظام وأذرعه الإعلامية وحالة (الشحتفة) غير المبررة التي ظهرت على ضحايا عهده أوجبت تجلية الأمر، والتحذير من خلط اللبن بالخمر.
بالوراثة:
حسني مبارك الذي آل إليه حكم مصر بالوراثة العسكرية من دون أدنى دراية ولا دراسة لقواعد الحكم أو أصول السياسة، وجثم على صدور المصريين ثلاثين سنة من دون انتخاب ولا اختيار بعدما عبث بالقوانين وعدل الدستور، وأسس لمنظومة فساد تحت سقف من الاستبداد قل نظيره، فأفقر الشعب وباع أصول الدولة والقطاع العام بأبخس الأثمان، بعد أن تكونت حوله وبرعاية أولاده عصابات من المستفيدين ورجال الأعمال المتنفذين، ونقل الثالوث المقدس من عقائد النصارى إلى أروقة الحكم فأصبحت الرياسة مثلثة بين الأب والابن والسيدة والدته، ولكل منهما حاشيته وزبانيته.
انتهت في زمن حسني مبارك منظومة التعليم التي كانت مصدر فخر المصريين وتفوقهم، وعمت الأمراض المستعصية نتيجة المبيدات المسرطنة التي قضت على الزراعة وصحة المصريين في ضربة واحدة، وأكل المرض أكبادهم حتى أصبحت أعداد المصابين بمرض الكبد الوبائي نسبة من الشعب تقدر بالملايين، وانتشر السرطان في المجتمع بكل طبقاته حتى خُصصت المشافي لمرضى سرطان الأطفال!
وليس سرطان الأبدان بأشرس من سرطان الحزب الوطني الذي انتشرت خلاياه في المجتمع وأفسدت كل ما فيه، وقضت على البقية الباقية من الحياة السياسية، وكرس الحزب بعدما أُتْرع من السلب والنهب كل طاقاته لإنجاز مشروع التوريث، حيث تعامل مبارك مع مصر وشعبها كعزبة أو شركة يسعى لتوريثها لابنه من بعده، الذي أصبح ولاء الحزب له، والوزراء يعينون بمشورته ويأتمرون بأمره.
أما عن تقزيم دور مصر خارجيا، ودورانها في فلك التبعية لبعض الدول العربية فكان نتيجة طبيعية لافتقار حسني مبارك لأيٍ من صفات الزعيم أو كاريزما القائد، لاسيما مع وجود جيل من الحكام تعاملوا معه يوم أن كان سكرتيرا بدرجة نائب في مكتب أنور السادات.
أما قانون الطوارئ والإجراءات الاستثنائية التي حكم بها طيلة عهده، والاعتقالات لعشرات الآلاف من الشباب الذين شابوا في سجونه التي توسع فيها، وجعل منها سلخانات قتل وتعذيب، ويكفيه سجن العقرب ذائع الصيت، وهذا باب إذا فتح احتاج إلى كتاب! فأقل ما رأيته في سجون مبارك أن شبابا ماتوا من شدة حَك جلودهم من الجَرَب، ومنهم من سَعَل حتى مات من الدرن.
ومات أحد مرضى السكر في سجن الوادي الجديد فتركوا جثته ثلاثة أيام ليعذبوا بها الأحياء، ورفض شاب صعيدي أن يتسمى باسم امرأة فأمر الضابط جنديا فبال في فمه فمات بعدها كمدا.  
كان عتلا عنيداً:
مبارك كان مستبدا بليدا عتلا عنيدا لا يعبأ بشرع الله ولا يقف عند حدوده، يوالي أعداءه ويعادي أولياءه، سجن الشيخ علي القطان خمسة عشر عاما بمساعدة السعودية لأنه قال له (اتق الله) في المسجد النبوي الشريف!
حسني مبارك الذي حاصر غزة وكان سمسارا لكل صفقات التطبيع الرخيص حتى وصفه الصهاينة بالكنز الاستراتيجي في حياته، وأعلنوا حزنهم عليه بعد وفاته، كيف ترفع صوتك بالثناء عليه وقد التقم البوق قبلك بنيامين نتانياهو؟   
ويأتي بعد هذه القطرات من بحر سيئاته الزاخر من يقول (اذكروا محاسن موتاكم) أين هي محاسن فقد قتلها وأخواتها، واعتقل كل ما يمت لها بصلة؟
وإذا كان مبارك له محاسن وتحركت له عواطف فلماذا خرجتم عليه وخلعتموه في ثورة يناير التي قَتَل فيها أكثر ثمانمئة من الورد الذي فَتّح في جناين مصر، وأزهر في ميدان التحرير، أنسيتم موقعة الجمل يا معاشر الثوار "التايواني"؟
ولولا أن الجيش وجدها فرصة للتخلص من مشروع التوريث لفعل بثوار التحرير ما فعله بعد ذلك في رابعة بالمعتصمين، ولمّا تم له المراد حاكم العسكر رئيسهم محاكمة شكلية وتمت تبرئته لاحقا، وكل المفسدين من أركان حكمه، وكان واضحا أن إدانة مبارك وأولاده بالسرقة والرشوة في قضية القصور الرئاسية مقصود منها قطع كل آمالهم في الترشح للرئاسة مستقبلا، ونفس النظام الذي أدان مبارك في قضية مخلة بالشرف، وحكم عليه بثلاثة أعوام هو الذي أقام له جنازة عسكرية ضخمة! فهل حسني مبارك حرامي ومختلس أم رئيس سابق وصفحته بيضاء؟
لا تسأل في مصر عن أي أمر يتعلق بالدفاتر لأن الورق ورقهم والدفاتر دفاترهم، والعصبية العسكرية أقوى مما سواها.
وفي هذا أبلغ رد على من يَحنُ إلى أيام مبارك فهذا الأيام امتداد لها، وهؤلاء تلاميذه وصبيانه وعندما جد الجد (كل شيء انكشف وبان).
لكن الذي ليس له تفسير ولا تبرير أن يتباكى على مبارك بعض ضحاياه المباشرين، وهذا يدل على قمة الهزيمة النفسية، ويُنْبي عن نزعة ذل وبقايا عبودية، عبر عنها المثل العامي القائل (القط يُحب خَنَّاقُه)!
أما عن حرب العبور فقد أدى فيها مبارك عمله المكلف به، وأنفق عليه الشعب من أجل هذه اللحظة، ولو طُلب منه غير ذلك لفعل، والدليل متابعته للسادات في خيانة كامب ديفيد، وقتل سليمان خاطر دون محاكمة إرضاء لليهود، وبيع الغاز بأبخس الأثمان.
أما عن شرف العسكرية المصرية التي تقلد أعلى رتبها، فقد كان أعلى منه رتبة، ورئيسا مباشرا له في حرب أكتوبر قائد الأركان الفريق سعدالدين الشاذلي الذي سجنه مع كبر سنه ومنزلته بعد خمسة عشر عاما قضاها منفيا لمعارضته لما قام به السادات!
 وختاما فحديث (محاسن موتاكم) ضعيف، والصحيح ما أخرجه البخاري ومسلم أن الصحابة أثنوا خيرا على جنازة مرت، وأثنوا شرا على الأخرى فلم يُثَرِّبْ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بل قال: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به) رواه مسلم. 
وقال العلامة الزمخشري في تفسير قول الله تعالى:
(‏فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) إيذانٌ بوجوب الحمد عند هلاك الظالمين، وأنّه من أَجَل النعم.
اللهم لك الحمد يا رب العالمين