الخميس، 31 أغسطس 2017

خطبة الوداع…..عودة الأمة وسقوط الطغيان العالمي

  خطبة الوداع…..عودة الأمة وسقوط   

 الطغيان العالمي 


سيف الهاجري

قال ﷺ في خطبة الوداع في يوم عرفة (يا أيها الناس فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم)
وصايا النبي ﷺ في خطبة الوداع من أعظم ما شرع في الإسلام في بيان حقوق الإنسان في عصر الطغيان والظلم في الشرق والطغيان الكسروي وفي الغرب والظلم الروماني تعاني منه البشرية فبعث الله النبي ﷺ رحمة للعالمين، وكانت البشرية أحوج ما تحتاج إليه في ذلك العصر وفي كل عصر هو حقها الإنساني في العبادة والكرامة والحرية والمساواة والتي صادرها النظام العالمي الكسروي والروماني الذي حكم العالم ذلك العصر.

واليوم يعيد التاريخ نفسه مع الطغيان العالمي للنظام الدولي للقوى الاستعمارية الغربية والشرقية لتستعبد الأمم من جديد مع غياب الدور السياسي لأمة الإسلام بسقوط الخلافة الإسلامية وما تبعه من غياب للدور الأخلاقي في السياسة العالمية حتى وصل النفاق العالمي وطغيانه أن جعل حقوق الإنسان شعارا يغطي به طمعه وجشعه للسيطرة على ثروات الأمم وأوطانها واستعباد الشعوب باسم حقوق الإنسان وبرعاية الأمم المتحدة.

إن أمة الإسلام دورها أعظم مما يتصور، فهي من تحمل رسالة الرحمة والعدل للعالمين والحرية للشعوب من الطغيان العالمي منذ بعث النبي ﷺ إلى اليوم.

والعرب ومع ثورة #الربيع_العربي أرجعهم الله عز وجل إلى رسالتهم التي ظلوا في تيه عنها لقرن كامل في وديان القومية والوطنية والإشتراكية والشيوعية والليبرالية التي خدتها الحملة الصليبية وأحاطتها بأنظمة مستبدة وظيفية.


فثورة الربيع العربي قامت في أخطر منطقة في العالم، فالعالم العربي قلب العالم حضاريا وجغرافيا ومصدر طاقة وثروات العالم وعليه قام النظام الدولي ومن يتحكم بها يسيطر على العالم، فهي منطقة صراع وتداعي أممي على مر التاريخ.


ولهذا نرى التداعي الأممي من قوى الغرب والشرق على شعوب الأمة من الفليبين والروهينغا وأفغانستان شرقا إلى العالم العربي وتركيا غربا، ولم هذا التداعي يأتي مصادفة بل جاء كرد فعل على ما أحدثته ثورة #الربيع_العربي من زلزال في طغيان النظام الدولي الذي يحكم العالم والذي يحاول اليوم بحربه على الأمة بالحملات العسكرية والثورة المضادة لإنهاء ثورتها ونهوضها، وما هذه إلا محاولات من نظام دولي متهالك يائس مصيره السقوط، والأمة ستدفع ثمن التضحية والنهوض والنصر الذي لاح في الأفق القريب تحت أسوار مدن الإسلام من بغداد إلى دمشق إلى القاهرة.


إن أخطر ما في العالم العربي أنه هو موطن الإسلام كدين وحضارة ودولة، وثورة شعوب العالم العربي ستعيد الإسلام للصدارة في السياسة والحكم وهو ما حرصت القوى الاستعمارية على طمسه لقرن كامل لتتفاجأ اليوم بنهوض أمة الإسلام من ركام الطغيان العالمي والاستبداد الداخلي لتسقط عروش الطغاة الصغار وعرش الطغيان العالمي كما أسقطته قبل 14قرنا.


فخطبة الوداع للنبي ﷺ نبراس للأمة لتلتزم بالحقوق فيما بينها واتجاه الآخرين، فتحريم الدماء والأموال والأعراض والابشار(تحريم التعذيب) هي مبادئ الطريق لإسقاط الطغيان العالمي الذي قام على مصادرة هذه الحقوق من شعوب الأمة وباقي أمم الأرض المستضعفة فسفك دماءها ونهب ثرواتها وسجن أبناءها وعذبهم وبأيدي بني جلدتنا من منافقيها وطغاتها.


ومع ثورة الربيع العربي فقد آن للأمة أن تتحرر من الطغيان بكل صوره وأشكاله داخليا وخارجيا وليس أمامها إلا القرآن والسنة ففيهما النجاة والهدى والنور من العبودية والطغيان العالمي وهو ما أوصانا به رسول الله ﷺ وختم بها خطبة الوداع وأشهد الله علينا فقال ﷺ (وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ: بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ (اللهُمَّ اشْهَدْ، اللهُمَّ اشْهَدْ، اللهُمَّ اشْهَدْ).
يوم عرفة الخميس 9 ذوالحجة 1438هـ 31 / 8 / 2017م



الأربعاء، 30 أغسطس 2017

أُمَّة الحَمْد .. ومتى تكون جديرة بالمجد..؟

أُمَّة الحَمْد .. ومتى تكون جديرة بالمجد..؟



د.عبدالعزيز كامل
نحن أمة أحمد .. أمة الحَمْد، فرسولنا المبعوث فينا اسمه (محمد) و(أحمد)، وهو(المحمود) - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة...وكلمة (الحمد لله) هي أول آية - بعد البسملة - في الفاتحة التي هي أول وأفضل سورة من كتاب ربنا الذي سمى نفسه (الحميد). وتلك السورة المسماة بسورة (الحمد)هي التي إذا قال العبد فيها وهو يصلي (الحمد لله رب العالمين) خاطبه الرب قائلًا :(حمدني عبدي).. وبعد ركن الركوع يقول (ربنا ولك الحمد) ليقينه أن الله (سمع لمن حمده) وحمدنا لله بعد الصلاة هو ثلث ذكرنا المكفر لذنوبنا..

وبـ (الحمد لله) يفتتح الخطيب عيدنا الأسبوعي يوم الجمعة، وهي - مع التكبير والتهليل - أنشودة الموحدين في العيدين ، و شعارهم في شعائر أفضل أيام الدنيا - عشر ذي الحجة - ولعظم قدرها فقد ورد ذكرها في (الكتاب الحميد) ضمن مادة (حَمِدَ) خمسة وستين مرة ، ثناء لله على نفسه،وحمدا على ألسنة الملائكة والنبيين والمقربين. وكلمة (الحمد لله رب العالمين) تعبير عن رضا المؤمن بالقضاء في السراء والضراء، وبها يُحمد الله بعد الشفاء، ولكل ذلك كانت من خير الكلام لخير أمة ، كما ثبت في الحديث (أحب الكلام إلى الله تعالى أربع، لا يضرك بأيّهن بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر). رواه مسلم.
ومع ارتفاع شأنها؛ خَفَّ على اللسان نطقها وثقُل ميزانها، خاصة مع اقترانها بالتسبيح..كما في الصحيح : (كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) .
 وهي مع هذا كله دعاء ، بل هي أفضل الدعاء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله) رواه الترمذي (3383) وحسنه، وإنما كانت أفضل الذكر – كما قال شارح الترمذي - لأن منْ حَمِدَ اللَّه يَحْمَده على نعمته ، والحمد على النعمة طَلَب المزِيد ، وهو رأْس الشُّكر الذي يستوجب المزيد (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُم).
 ولأن الحمد هو أفضل الدعاء؛ فإن أهله هم أفضل العُباد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن أفضل عباد الله يوم القيامة الحمَّادون) أخرجه الطبراني برقم ( 254) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (4 / 112). ْ

أمة الحَمْد إذن هي الجديرة بالمجد في الأولى والآخرة؛ مادام التوحيد المقترن بالحمد والتكبير هو شعارها وشعورها وأساس تحاكمها وتشريعها. وإذا كان الحمادون هم خير الناس في خير أمة؛ فإن خير هؤلاء الحمادين هم المتعبدون بالحمد والشكر، بالعمل قبل القول ، كما قال الله تعالى: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (13/سبأ) وبمثل هؤلاء العاملين ينتصر الدين، وتنتشر الدعوة، ويُقام الحق والعدل ، كما قال الصحابي الجليل :عمران بن حصين لـمطرف بن الشخير: (إني أحدِّثك بالحديث اليوم ينفعك الله عز وجل به بعد اليوم: اعلم أن خير عباد الله تبارك وتعالى الحمَّادون، واعلم أنه لن تزال طائفة من أهل الإسلام على الحق ظاهرين على من ناوأهم، حتى يقاتلوا الدجال) أخرجه أحمد في المسند (4/434) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (4/602)..
والحمادون لايملون من الحمد حتي بعد دخول جنة الخُلد، فالله تعالى فتح أول الخلق بالحمد لله, فقال: (الحمد لله الذي خلق السموات والأرض) (الأنعام/ 1)وختم بالحمد فقال: ( وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (الزمر/75)

فاللهم اجعلنا ومن نحبُّ من الموحدين الحمَّادين ،المخلصين لك الدين .. الظاهرين على الحق.. واجعلنا من الصادقين ونحن نجهر مرددين :
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر....
لآ إله إلا الله....
والله أكبر.. الله أكبر ولله الحمد

ملكة تدمر في ألمانيا

ملكة تدمر في ألمانيا

 أحمد عمر
دخلت إلى المحل السوري الذي افتتحه صاحبي في فرانكفورت، وكان محامياً في سورية، فوجدت جمعاً من أهل الشام ذات المجد في الكتب، قبلَه التّاريـخُ في ظُلمـةٍ، بعدَه استولى على الشُّهُبِ.

كانوا يبحثون عن آثار ديارهم في الحبّة السوداء، وحبة البركة، وافتح يا سمسم.. وسمسم مغلق، وقد غيّر صاحب الكنز اسم التعويذة، وبدّل كلمة السرِّ.
 وكانت المليحة في الخمار الأسود، تستند على الحائط، فوقع في قلبي أنها تصلح غلافاً لمجلة "البوردا"، وهي اسم مجلة لأزياء الحسناوات، مقتبس من البردة العربية، لكن النهج مختلف.
وقدّرتُ لهجتها من تدمر تقديراً، فسميتها زنوبيا، وقدّرت سّنها بين مشمش الأربعين ولايزال فيه عسل وتين الخمسين ولا يزال فيه رواء.
وكانت ترتدي عباءة سوداء، يلمع في وسط خمارها الأسود. وجهها كبارق سيف عنترة. ويبدو أنّ أحداً ما أثنى على خمارها الأسود، فحاول تذكّر البيت الشعري الذي نسبته ملكة تدمر النازحة إلى بلاد القياصرة إلى صباح فخري، فتذكرتِ البيت قائلة: قلّ للحلوة في العباءة السوداء ، فتدخلت بقواتي غير العسكرية، مقتحماً الحدود، وقد وجب خرق شرط النأي بالنفس، حرصاً على الأمن غير الإقليمي، وقلت: إنّ البيت الشعري قد كسرت بعض نوافذه: وهو للدارمي، أحد الشعراء الظرفاء في الحجاز، من العصر الأموي، وكان يتغزّل بالجميلات، إلا أنه عندما تقدّم به العمر، ترك نظم الشعر والغناء وتنسّك، وأصبح متنقلاً بين مكة والمدينة للعبادة. 
وفي إحدى زياراته المدينة، التقى أحد أصدقائه، من أهل الكوفة في العراق، ويعمل تاجراً، وكان قدومه إلى المدينة للتجارة، ويحمل خُمُراً عراقية، فباع التاجر العراقي جميع الألوان من تلك الخُمر، ما عدا السوداء، فشكا لصديقه الدارمي كسادها عند نساء أهل المدينة، فقال له الدارمي: لا تهتمنَّ بذلك فإني سأنجدك، ثم نظم الدارمي بيتين من الشعر، وتغنّى بهما، كما طلب من مغنّين بالمدينة، وهما سريح وسنان، أن يتغنيا بالبيتين الذي قال فيهما:
 قلْ للمليحة في الخمار الأسود/ ماذا فعـلت بـناســك متعبد. ..
قد كان شـمّر للصلاة ثــيابــه/ حتى وقفـت له بباب المسجد.
فشاع الخبر في المدينة أنّ الشاعر الدارمي رجع عن تنسّكه وزهده، وعشق صاحبة الخمار الأسود، فلم تبق مليحةٌ إلا اشترت من التاجر خماراً أسود لها، فلما تيقّن الدارمي أن جميع الخمُر السوداء قد نفذت، رجع إلى زهده وأناب، وتنسّك ولزم المسجد. وزاد بعض معماري الكلام، في البيتين بيتين آخرين، فصار بأربعة طوابق: 
ردّي عـليه صلاتـهُ وصـيـامـهُ/لا تـقـتـلـيــه بـحـق ديــن مـحـمـد.. 
فسـلبتِ منه دينــه ويقـيـنــــه/ وتركتـه في حــيرة لا يهتــدي. 
ومنذ ذلك التاريخ حتى وقتنا الحاضر، والنساء يرتدين أغطية الرأس السوداء، ولم يقتصر هذا على نساء المدينة وحدهن، بل قلّدهن جميع النسوة في العالمين العربي والإسلامي، إلا أني أظنُّ أن الخمُر السوداء كانت قبل ذلك، لكن شعر الخمِار هو أول إعلان تجاري في العالم أجمع، ما جعله أسوةً و"موضة".
 وقلت لملكة تدمر: كسرتِ الوزن، يا مولاتي، وفي سرِّي: كسرت غير الوزن، وحطمت التفاعيل، يا ملكة تدمر، فلا تكسريها بحق محمد، وانه لا بأس عليك في كسر الأوزان، والقلوب من قبل، حسبك أنّ عندك "أيزو" من الخالق البارئ له الأسماء الحسنى. وكانت تنطق الكلمات فتتسّاقط الدرر من بين شفتين، أجمل من شفتي أنجلينا جولي، مكسورةً، وصوت بغام، مثل صوت مراسلة الحرب سمارة القوتلي تحت القصف، حبّةً حبّةً، وبيتاً بيتاً.
ختم البائع، وكان محامياً، يدافع عن المجرمين، ويطلب لهم الرأفة قائلًا: أني أخسر في التجارة. فقلت له في سرِّي، أن يطلب لي الرأفة، فأني أيضاً أخسر.
وخرجت بعد أن نسيتُ الحبّة السوداء التي تشفي من جميع الأمراض، وحبّة البركة.. ونسيت الكلمة التي تفتح باب الكنز، فخرجت الملكة في أثري، وشكرتني على ترميم البيت المكسور. تفقدت هاتفي، حتى أطلب من الملكة صورةً تذكاريةً، أتباهى بها أمام صحبي من الرعية، لكنّ الهاتف فقدَ صوته، ودينه، ويقينه، فقلت: الملكةُ ملكةٌ حقاً، وحتى وإن تركت عرشها، وقد أكرمتني بتلك الجائزة، فخلعت عليَّ لقب الأستاذ، وهو ليس كخلع فرنسا وسام الفارس على علاء الأسواني، ولا ملكة بريطانيا لقب السير على سلمان رشدي، وخرجت لا أهتدي، حتى وقفت مسكيناً..
أسيراً..
أستجدي رحمة الله بباب المسجد.

آيات نزلت في الصحابة

آيات نزلت في الصحابة
أبوبكر الصديق -رضي الله عنه-
 أنفق أبوبكر الصديق -رضي الله عنهمعظم ماله في شراء من أسلم من العبيد ليحررهم من العبودية ويخلصهم من العذاب الذي كان يلحقه بهم ساداتهم من مشركي قريش ، فأعتق بلال بن رباح وستة آخرين من بينهم عامر بن فهيرة وأم عبيس 
فنزل فيه قوله تعالى: (وسَيُجَنَّبُها الأتْقَى الذِيِ يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكّى) سورة الليل  آية 17-21

 سعد بن أبي وقّاص 

بعد أن أسلم سعد بن أبي وقّاص ، سمعت أمه بخبر اسلامه حتى ثارت ثائرتها فأقبلت عليه تقول: (  يا سعد ما هذا الدين الذي اعتنقته فصرفك عن دين أمك و أبيك؟ والله لتدعن دينك الجديد أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فيتفطر فؤادك حزنا علي ويأكلك الندم على فعلتك التي فعلت وتعيرك الناس أبد الدهر،فقال: (  لاتفعلي يا أماه فأنا لا أدع ديني لأي شيء..إلا أن أمه اجتنبت الطعام ومكثت أياما على ذلك فهزل جسمها وخارت قواها فلما رآها سعد قال لهايا أماه اني على شديد حبي لك لأشد حبا لله ولرسوله ووالله لو كان لك ألف نفس فخرجت منك نفسا بعد نفس ما تركت ديني هذا بشيء ..فلما رأت الجد أذعنت وأكلت وشربت.. ونزل قوله تعالى: ( وَوَصّيْنَا الإنْسانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أمُّهُ وَهْناً على وَهْن وفِصَاله في عامَيْن أن اشْكُر لي ولوالدَيْكَ إليّ المَصيروأن جاهَدَاك على أن تُشْرِك بِي ما ليْسَ لك بِهِ عِلم فلا تُطِعْهما وصَاحِبْهُما في الدنيا مَعْروفـا واتّبِع سَبيـل مَنْ أنابَ اليّ ثُمّ إليّ مَرْجِعكـم فَأنَبّئَكـم بما كُنْتُم تعملـون )

 سورة لقمان آية 14-15  

  أبي بكر الصديق رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

ولقد سجل القرآن الكريم شرف الصحبة لأبي بكر الصديق -رضي الله عنهمع رسول الله -صلى الله عليه وسلمأثناء الهجرة الى المدينة المنورة  فقال تعالى: (  ثَانِي اثْنَيْن إذْ هُمَا فِي الغَارِ ، إذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إنَّ اللّهَ مَعَنَا )

سورة التوبة  آية 40 

 صهيب بن سنان الرومي
حين هاجر صهيب بن سنان الرومي من مكة إلى المدينة ، أدركه قناصة قريش ، فصاح فيهميا معشر قريش ، لقد علمتم أني من أرماكم رجلا ، وأيم الله لا تصلون الي حتى أرمي بكل سهم معي في كنانتي ثم أضربكم بسيفي ، حتى لا يبقى في يدي منه شيء ، فأقدموا ان شئتم ، وان شئتم دللتكم على مالي وتتركوني وشأني ، فقبل المشركين المال وتركوه قائلين أتيتنا صعلوكا فقيرا ، فكثر مالك عندنا ، وبلغت بيننا ما بلغـت ، والآن تنطلق بنفسـك و بمالـك؟؟ فدلهم على مالـه وانطلق الى المدينـة ، فأدرك الرسول -صلى الله عليه وسلمفي قباء ، ولم يكد يراه الرسـول -صلى اللـه عليه وسلمحتى ناداه متهللا: ربـح البيع أبا يحيى ربح البيع أبا يحيى..  فنزل فيه قوله تعالى: ( ومِنَ النّاسِ مَنْ يَشري نَفْسه ابتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللّهِ ، واللّهُ رَءُوفٌ بِالعِبَـاد )
سورة البقرة  آية 207  

أبو عبيدة
في غزوة بدر جعل أبو أبو عبيدة يتصدّى لابنه لأبي عبيدة بن الجراح ، فجعل أبو عبيدة يحيد عنه ، فلمّا أكثر قصدَه فقتله ، فأنزل الله هذه الآية قال تعالى : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُون بِاللّهِ واليَومِ الآخِر يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ ورَسُوله ولو كانُوا آباءَ هُم أو أبْنَاءَ هُم أو إخْوَانَهُم أو عَشِيرَتَهُم أولئِكَ كتبَ في قُلوبِهم الإيمَان) 
سورة المجادلة آية 22 

العباس بن عبد المطلب
في يوم بدر ، أسِرَ العباس بن عبد المطلب عمِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وحين تقرر أخذ الفدية قال الرسول -صلى الله عليه وسلمللعباس: ( يا عباس ، افد نفسك ، وابن أخيك عقيل بن أبي طالب ، ونوفل بن الحارث ، وحليفك عتبة بن عمرو وأخا بني الحارث بن فهر ، فإنك ذو مال )وأراد العباس أن يغادر من دون فدية) فقال: ( يا رسول الله ، إني كنت مسلما ، ولكن القوم استكرهوني وأصر الرسول على الفدية ، ونزل القرآن بذلك. 
قال تعالى: يا أيُّها النَّبِي قُـلْ لِمَن فِي أيْدِيكُم مِنَ الأسْرَى إن يَعْلَم اللّهُ فِي قُلُوبِكُم خَيْرَاً يُؤْتِكُم خَيْرَاً مِما أُخِذَ مِنْكُم ويَغْفِر لكُم واللّهُ غَفُورٌ رَحِيم)  سورة الأنفال آية 7 وهكذا فدا العباس نفسه ومن معه وعاد الى مكة ، ولم تخدعه قريش بعد ذلك أبدا. 
************************* 
كانت عائلة عبادة بن الصامت -رضي الله عنهمرتبطة مع يهود بني قينقاع بحلف قديم ، حتى كانت الأيام التي تلت غزوة بدر وسبقت غزوة أحد ، فشرع اليهود يتنمرون ، وافتعلوا أسبابا للفتنة على المسلمين ، فينبذ عبادة عهدهم وحلفهم قائلا: ( إنما أتولى الله ورسوله والمؤمنين) فيتنزل القرآن محييا موقفه وولائه..
قال تعالى: (  ومن يَتَولّ اللّهَ ورَسُوله والذين آمنوا فإنّ حِزْبَ اللهِ هُمْ الغَالِبُون )
سورة المائدة  آية 56 




 طلحة بن عبيد الله
في غزوة أحد ، رأى طلحة بن عبيد الله رسول الله -صلى الله عليه وسلموالدم يسيل من وجنتيه ، فجن جنونه وقفز أمامه يضرب المشركين بيمينه ويساره ، وسند الرسول -صلى الله عليه وسلم وحمله بعيدا عن الحفرة التي زلت فيها قدمه ، ويقول أبو بكر -رضي الله عنهعندما يذكر أحُداً:  ذلك كله كان يوم طلحة ، كنت أول من جاء الى النبي -صلى الله عليه وسلمفقال لي الرسول ولأبي عبيدة بن الجراح: دونكم أخاكم ونظرنا ، واذا به بضع وسبعون بين طعنة وضربة ورمية ، واذا أصبعه مقطوعة ، فأصلحنا من شأنه.. 
وقد نزل قوله تعالى: مِنَ المُؤْمنين رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدوا اللّه عَليه فمنْهُم مَنْ قَضَى نَحْبَه ، ومِنْهُم مَنْ يَنْتَظِر ، ومَا بَدّلوا تَبْدِيلا)  سورة الأحزاب  آية 23 تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلمهذه الآية ثم أشار الى طلحة قائلا: (  من سره أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض ، وقد قضى نحبه ، فلينظر الى طلحة ). 


عبدالله بن عمرو بن حرام
كان حب عبدالله بن عمرو بن حرام بل شغفه للموت في سبيل الله منتهى أطماحه وأمانيه ، ولقد أنبأ رسول الله -صلى الله عليه وسلمعنه بعد استشهاده يوم أحد نبأ عظيم يصور شغفه بالشهادة فقال -عليه الصلاة والسلاملولده جابر يوما : يا جابر  ما كلم الله أحدا قط الا من وراء حجاب ، ولقد كلم كفاحا -أي مواجهةفقال له : يا عَبْدِي ، سَلْنِي أعْطِيك،  فقال : يا رب ، أسألك أن تردنـي الى الدنيا ، لأقتـل في سبيلك ثانيـة ، قال الله له : إنّهُ قَدْ سَبَقَ القَوْلُ مِنّي أنَّهُم إليّها لا يَرْجِعُون قال : يا رب فأبلغ من ورائي بما أعطيتنا من نعمة.. فانزل الله تعالى:  ولا تَحْسَبنّ الذينَ قُتِلُوا في سَبيلِ اللهِ أمْواتاً ، بل أحْياءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرْزَقُون ، فَرِحينَ بِمَا أتَاهُم الله مِن فَضْلِه ، ويَسْتَبْشِرون بالذين لمْ يَلحَقُوا بِهم مِن خَلفِهم ، ألا خَوْف عليهم ولا هُم يَحْزَنُون )

سورة آل عمران  آية 169-170


 كعب بن مالك 
تخلف ثلاثة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلمفي غزوة تبوك ومنهم كعب بن مالك ، وقد لقوا الشيء الكبير إلى أن تاب الله عليهم.. وأنزل الله تعالى : ( لقد تَاب اللّهُ على النّبِي والمُهاجِرين والأنْصار الذين اتّبَعُوه في سَاعَة العُسْرة من بَعْد ما كاد يَزيغُ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنهُ بهم رَءوفٌ رحيم ، وعلى الثلاثَةِ الذين خُلّفوا حتى إذا ضاقَت عليهم الأرض بما رَحِبَت وضاقت عليهم أنْفُُسهم وظنوا أن لا ملجَأ مِنَ اللّه إلا إليْه ثمَّ تَابَ عَلَيْهم ليَتُوبوا إن اللّهَ هو التّوّابّ الرّحيم ، يأيّها الذين آمَنوا اتّقُوا الله وكونوا مع الصَّادِقين ) سورة التوبة 117-119 


علي بن أبي طالب وزوجته فاطمة وابنيه الحسن والحسين
 دعا الرسول -صلى الله عليه وسلمعلي بن أبي طالب وزوجته فاطمة وابنيه الحسن والحسين  وجلَّلهم بكساء وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهِّرْهُم تطهيراً وذلك عندما نزلت الآية الكريمة ..
قال تعالى : ( إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عنكم الرِّجسَ أهلَ البيت )
سورة الأحزاب  آية 33

شاعر عبد الله بن رواحة
نزل قوله تعالى :  (والشّعراء يَتْبَعْهُم الغَاوُون)
سورة الشعراء  آية 224 فحزن الشاعر عبد الله بن رواحة -رضي الله عنهولكنه عاد وفرح عندما نزلت آية أخرى.. 
قال تعالى : ( إلا الذينَ آمَنُـوا وعَمِلُـوا الصّالحات وذَكَـرُوا اللّهَ كَثِيراً وانْتَصَـرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا )
سورة الشعراء  آية 227 



خباب بن الأرت
كان خباب بن الأرت رجلاً قَيْنـاً ، وكان له على العاص بن وائل دَيْـنٌ ، فأتاه يتقاضاه ، فقال العاص : لن أقضيَـكَ حتى تكفر بمحمد فقال خباب : لن أكفر به حتى تموتَ ثم تُبْعَثَ ، قال العاص : إني لمبعوث من بعد الموت ؟فسوف أقضيكَ إذا رجعتُ إلى مالٍ وولدٍ ؟ فنزلت الآية الكريمة ..
فنزل فيه قوله تعالى : (أفَرَأيْتَ الذَي كَفَرَ بِآياتنا وقال لأوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً ، أَطَّلَعَ الغَيْبَ أمِ اتَّخَذَ عند الرحمنِ عَهْداً ، كلاّ سَنَكتُبُ ما يقول ونَمُدُّ له من العذاب مَدّا ، َنَرِثُهُ ما يقولُ ويَأتينا فرداً )
سورة مريم آية 77-80

 عُمير بن سعد
لم يكن عُمير بن سعد يؤثر على دينه أحد ولا شيئا ، فقد سمع قريبا له جُلاس بن سويد بن الصامت  يقول : لئن كان الرجل صادقا ، لنحن شرٌّ من الحُمُر !)وكان يعني رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وكان جُلاس دخل الإسلام رَهَبا ، سمع عُمير هذه العبارة فاغتاظ و احتار ، أينقل ما سمع للرسول ؟كيف والمجالس بالأمانة ؟أيسكت عما سمع ؟ولكن حيرته لم تطل ، وتصرف كمؤمن تقي ، فقال لجُلاس : والله يا جُلاس إنك لمن أحب الناس إلي ، وأحسنهم عندي يدا ، واعَزهم عليّ أن يُصيبه شيء يكرهه ، ولقد قلت الآن مقالة لو أذَعْتها عنك لآذتك ، ولو صمَتّ عليها ليهلكن ديني وإن حق الدين لأولى بالوفاء ، وإني مُبلغ رسـول اللـه ما قلت )وهكذا أدى عمير لأمانة المجالـس حقها ، وأدى لدينه حقه ، كما أعطى لجُلاس الفرصة للرجوع الى الحقبيد أن جُلاس أخذته العزة بالإثم ، وغادر عمير المجلس وهو يقول :لأبلغن رسول الله قبل أن ينزل وحي يُشركني في إثمك )وبعث الرسـول -صلى اللـه عليه وسلمفي طلب جُلاس فأنكر وحلف باللـه كاذبا ، فنزلت آية تفصل بين الحق والباطل  قال تعالى : (يَحْلِفُون بِاللهِ مَا قَالوا ، ولقَدْ قَالوا كَلِمَة الكُفْرِ ، وكَفَرُوا بَعْدَ إسْلامِهِم وهَمّوا بِما لَمْ يَنالوا ، ومَا نَقموا إلا أن أغْنَاهم اللهُ ورَسُولُه مِنْ فَضْله ، فإن يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لهم ، وإن يتولّوْا يُعَذِّبْهُم اللهُ عَذَاباً أليماً في الدنّيا والآخرةِ ، وما لهُم في الأرضِ مِنْ وَليٍّ ولا نَصير )
سورة التوبة آية ( 74 ) فاعترف جُلاس بمقاله واعتذر عن خطيئته ، وأخذ النبي بأُذُن عمير وقال له : يا غُلام ، وَفَت أذُنك ، وصَدّقت ربّك. 

ثابت بن قيس
لمّا نزلت الآية الكريمة : ( انّ اللّهَ لا يُحِبّ كُلّ مُخْتَالٍ فَخُور )
سورة لقمان آية 18  أغلق ثابت بن قيس باب داره وجلس يبكي ، حتى دعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-وسأله عن حاله ، فقال ثابت : يا رسول الله ، اني أحب الثوب الجميل ، والنعل الجميل وقد خشيـت أن أكون بهذا من المختاليـن )فأجابه النبي -صلى الله عليه وسلموهو يضحك راضيا : انك لست منهم..بل تعيش بخير..وتموت بخيز..وتدخل الجنة .
ولما نزل قول الله تعالى : ( يا أيُّها الذِينَ آمَنُوا لاتَرْفَعُوا أصْوَاتَكُم فَوْقَ صَوْتَ النّبِي ، ولا تّجْهّروا له بالقَوْلِ كجَهْرِ بَعْضكم لبَعْض ، أن تَحْبِطَ أعْمَالكُم وأنتُمْ لا تَشْعُرون ) سورة الحجرات آية 

أغلق ثابت عليه داره وطفق يبكي ، وأرسل الرسول -صلى الله عليه وسلممن يدعوه وجاء ثابت وسأله النبي عن سبب غيابه ، فأجابه : اني امرؤ جهيـر الصوت ، وقد كنت أرفع صوتي فوق صوتك يا رسـول اللـه ، واذن فقد حبط عملي ، وأنا من أهل النار وأجابه الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- : انك لست منهم بل تعيش حميداوتقتل شهيداويدخلك الله الجنة فقال : رضيتُ ببُشرى الله ورسوله ، لا أرفعُ صوتي أبداً على رسول الله ..
فنزلت الآية الكريمة : ( إنَّ الذينَ يغُضُّونَ أصواتَهُمْ عندَ رَسولِ الّله أولئِكَ الذَّينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلوبَهُم للتَّقْوَى ، لهم مَّغْفِرةٌ وِأجْرٌ عَظِيمٌ )
سورة الحجرات  آية 

صنع الصراع والاستثمار فيه



صنع الصراع والاستثمار فيه
محمد جلال القصاص
باحث دكتوراة علوم سياسية
30/8/2017 
تتناول التحليلاتُ السياسية للصراع أدوارَ الفاعلين فيما يعرف بنظرية المباريات. يبحث المحللون عن الفاعلين في الصراع وإمكانات كل فاعل وأهدافه وبالتالي ماذا يتوقع أن يحصل عليه كل لاعب في نهاية الصراع كأنها مباراة رياضية، وتقاس قوة المحلل بمدى إلمامه بأطراف الصراع الظاهرة والخفية وإمكانات كل طرف وأهدافه المعلنة وغير المعلنة. هذا هو الشائع في تحليل الصراع، وهو ما يدرس في الأكاديميات تحت مسمى (نظرية المباريات).
                                
ومن خلال التأمل في أزمة الخليج الحالية (حصار قطر) يمكننا التعرف على مستوى جديد من التحليل السياسي للصراع بين الدول اسمه (صنع الصراع والاستثمار فيه)، فمن خلال النظر في هذا المستوى نستطيع أن نقسم أطراف الصراع إلى قسمين رئيسيين، قسم يصنع الصراع ليستثمر فيه، وقسم يحضر الصراع مستهلكًا. وبالتالي يجيب هذا الاقتراب (أو المستوى أو المدخل، وليست مترادفات ولكن ثمة مساحة للتحرك بين المصطلحات، فليسامحنا الزملاء من الأكاديميين) على عددٍ من الأسئلة، تحدد -هذه الأسئلة- مقولات الاقتراب من أهمها، من الذي يصنع الصراع؟ وما طبيعة الاستثمار فيه؟ ومن الذي يحضر الصراع مستهلكًا يتحمل تبعاته ويخرج منه خاسرًا؟ 
              
يدفعنا للتفكير بنظرة الاستثمار والاستهلاك حال تحليل الصراع المعرفةُ المتراكمة والواقع المشاهد عن طبيعة القوى المهيمنة على العالم هذه الأيام، فالمنظومة الغربية المسيطرة الآن تنطلق من مفهوم الصراع في كل شيء وليس السياسة وحدها. فحيث وجد هؤلاء فإنهم يسعون إلى إدارة صراع ومحاولة الإفادة منه، وإن لم يجدوا صراعًا حاولوا صنعه، والاتحاد بينهم (الهوية الجماعية لبعض الدول) تفرضه الضرورة فقد استسلموا لقوة مهيمنة واستقام بعضهم في هوية جماعية كي يتمكنوا من موارد وأسواق غيرهم ولا يخلوا هذا الاتحاد من صراع داخلي ظاهر أو مكتوم، وعلى العكس تمامًا المنظومة الإسلامية التي تقيم الحياة على الاجتماع والتوحد والتخلص من أي خلاف، وبناء مجتمع متماسك صلب. 
            
قادة النظام العالمي هم الذين يحدثون تحولات في المنطقة على خطوات مسلسلة، لإشعال الصراع والاستثمار فيه ، وكل تكاليف هذه الحرب متعددة الأبعاد الشرسة  تدفعها الأمة المسلمة.
بهذه الأداة التحليلية (صنع الصراع والاستثمار فيه) يمكننا فهم العديد من الصراعات، أو التعاطي مع الصراعات القائمة بطريقة مختلفة تكشف وجود تجار للصراع يستثمرون فيه، وخاسرون يخرجون من الصراع وقد أُخذ منهم ثقافيًا وسياسيًا وعسكريًا، فحين تنظر للصراع في اليمن والعراق والشام والصراع مع دولة قطر وتسأل من الذي يصنع الصراع؟ وما أدواته؟ ومن الرابح (المستثمر)، وبالتالي من الخاسر؟ وما طبيعة المكسب والخسارة (عسكرية، سياسية، اقتصادية، ثقافية)؟ لن تجد صعوبة في الإجابة على هذه الأسئلة، فالتعاطي مع الصراع من خلال هذا المستوى في التحليل يكشف أبعادًا أخرى للفهم، يكشف عن وجود طرف يصنع الصراع بحثًا عن أرباحٍ سياسية واقتصادية وثقافية وعسكرية، وأطرافٍ تأتي الصراع حين يشب ويشتد تبحث عن ربحٍ فيه، وأطراف تجر جرًّا للصراع كي يؤخذ ما في يديها وتخرج خاسرةً. 
             
تناسب هذه الأداة التحليلية (صنع الصراع والاستثمار فيه) طبيعة الحروب هذه الأيام، والتي تطورت ولم تعد بالجيوش وحدها، والتي أصبحت أكثر وحشية من الحروب النظامية (إفقار، وتخريب للديار، وقتل، وترحيل، وأمراض)، ومستمرة لا تنقطع فقط تهدأ وتشتد، وتستهدف جميع مجالات الحياة، وتطال المدنيين أكثر مما تطال العسكريين، وتستهدف الهوية كما تستهدف المال والسلاح. وتحدث تحولات جذرية في الجغرافيا وفي السياسة وفي كل شيء. 
           
ودعنا نسأل، الصراع في المنطقة العربية (تونس، وليبيا، ومصر، والشام، والعراق، والخليج) من الذي يصنع الصراع ويستثمر فيه؟ من الرابح ومن الخاسر؟ وما طبيعة الربح والخسارة؟ حاول أن تصعد فوق الجغرافيا وأن تنظر للمشهد من أعلى بهدوء، ستجد أن قادة النظام العالمي يحدثون تحولات في المنطقة على خطوات مسلسلة، إشعال الحرب لحرق الموجود، لتخريب العمران كما فعل التتار، ويزيدون على شراسة ووقاحة التتار بأنهم يخربون بيوتنا بأيدي بعضنا ومن أموالنا وبرجالنا، وبعد التخريب يعيدون (بناءها) من جديد على قواعدهم هم أو يتركونها منهكة لا تستطيع أن تنهض قبل مئات السنين. يكسرون عظام الأمة كي لا تنهض، ويتاجرون ويربحون. هؤلاء هم الذين يصنعون الصراع ويستثمرون فيه، وكل تكاليف الحرب متعددة الأبعاد الشرسة هذه تدفعها الأمة المسلمة. 
        
ولن يربح من تواطأ مع الأعداء من الحكام والنخبة المثقفة، فبديهي أن التحولات الجذرية التي تحدثها الحروب تذهب بأنظمة الحكم، ومن يحاول التأقلم فسينسلخ من جلده كليةً ولا يرضى بهذا حُرٌّ أَبِيّ. المشهد في جملته سوق، أو قتال، أو صراع تصطف فيه الشعوب وقلة من الحكام الأحرار ضد الخارج وعامة الحكام، والله أسأل أن يمكّن للشعوب من حريتها وأن يبارك في سعي القلة القليلة من الحكام الذين اصطفوا مع المقهورين في زمن عز فيه المعين. 

الثلاثاء، 29 أغسطس 2017

السيسي يحارب الفساد

السيسي يحارب الفساد

 وائل قنديل


قبل عامين، كان أحد عساكر الإعلام الفاسد في مصر يستضيف نائباً من نواب زمن حسني مبارك، محتفلاً ببطولاته من أجل الوطن، حين اصطاد نائباً آخر من طلائع قوات 30 يونيو، وسلّمه للشرطة، بتهمة الرشوة.
كان المذيع يرقص في الاستوديو فرحاً بالإنجاز. وفي الخلفية، تتردّد أغنية لعبد الحليم حافظ تقول "ابنك يقوللك يا بطل هات لي نهار.. هات لي انتصار".
اليوم المذيع، يؤدي مناسك الحج، على نفقة تيران وصنافير، والبطل الذي احتفى به في السجن، متهماً بالنصب والاحتيال.
منذ اخترعوا مسمى"المواطنين الشرفاء" أصبح الفساد في مصر محمياً بقوة السلطة، وسيداً ومدللاً، تُفتح له الأبواب والنوافذ، يدخل ويخرج بكلّ حرية، ما دام يلتزم بطقوس "تحيا مصر" صندوقاً كبيراً لإخفاء الجرائم والسرقات.

لم يُعرف عن نظام الثلاثين من يونيو أنّه ضد الفساد، بل على العكس من ذلك، هو نظام يمثل فرصة العمر للفاسدين، يفدون إليه من فج عميق، للمساهمة بفسادهم في خدمة وطن مسروق.
"كل الفاسدين مع السيسي" نطق بها سيساوي من الوزن الثقيل، بعد عام ونيف من صعود السيسي إلى قمة السلطة، وعندما تكون الشهادة من واحد من صانعي سيناريو زمن السيسي، المخرج محمد العدل، فإنّ لها وجاهتها، حتى وإن كان النصف الثاني من الشهادة يقول "وليس كل من مع السيسي فاسدين".

تنطلق جوقة إعلام السيسي هذه الأيام مردّدة "الزعيم يحارب الفساد" لمناسبة حبس السيدة نائب محافظ الاسكندرية، بتهم التربح والرشوة، وحبس نائب الجن والعفاريت، السابق، بتهمة النصب والاحتيال.

يريدون منك أن تصدق أنّ الشخص الذي أطاح برئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، لإصداره تقريراً عن حجم الفساد المروّع، يحارب الفساد، عن طريق ولده، الذي قفز به مصعد الفساد إلى الأدوار العليا في الجهة المسؤولة عن الرقابة في البلاد.

مطلوب منك أن تقتنع بأنّ الرجل الذي عزل القاضي الذي تصدّى لجريمة التربح، السياسي والمادي، من بيع تيران وصنافير، يخوض حرباً ضد الفساد، وأن تردّد مع الجوقة أن الذي يطهّر القضاء من الشرفاء والاستقامة، يناضل ضد الفساد.

عليك أن تستأصل عقلك وتشعل النار في ضميرك، لكي تسلّم بأنّ السلطة التي تمارس أعمال السطو على ممتلكات معارضيها، وتستولي على الأموال والعقارات والمؤسسات الخاصة، التي أنفق أصحابها أعمارهم في بنائها، هي سلطة معنية بمقاومة الفساد.
النظام الذي اعتنق عقيدة استحلال المخالفين في ممتلكاتهم وأموالهم وأعراضهم، ووجودهم، كيف يمكن تصديق أنه ضد الفساد؟

يتناسى الذين يردّدون أناشيد الحرب على الفساد أنّ المرحلة برمتها ما كان لها أن تتأسس، لولا أفضال الفساد عليها، أو قل إنّ "30 يونيو" نفسها كانت بمثابة "ثورة رد الاعتبار للفساد" وفي ذلك قلت سابقاً إنّ تمويلات تمرّد فساد، وتسريبات الأرز فساد أكبر، وتزييف مقر اعتقال الرئيس محمد مرسي، كان عين الفساد، والتدخل، حسب التسريبات، من المؤسسة العسكرية في قضية سيارة ترحيلات معتقلي أبو زعبل، وقبلها تزوير ترجمة إجابات كاترين آشتون، في مؤتمرها الصحافي الشهير مع نائب رئيس الانقلاب في ذلك الوقت الدكتور، محمد البرادعي، وتزوير تقرير "العفو الدولية" عن معتصمي رابعة، بواسطة أول وزير خارجية لدولة 30 يونيو، نبيل فهمي، والتزوير والتحريف والتشويه والتوظيف للنصوص الدينية والفتاوى والأحكام الشرعية، لصالح عبد الفتاح السيسي، وإرضاء لشبقه للعب دور الزعيم الديني المصلح المجدد.. أليست هذه صور شديدة الوضوح والنقاء للفساد؟

القصة باختصار أنّها حرب على الفساد الصغير، يشنها الفساد الأكبر، كلما استشعر أن الصغير ينمو عن الحجم المسموح له به، وفقاً للبناء الهندسي لمنظومة الثلاثين من يونيو، ولا تشفع هنا الأدوار والخدمات التي أدّاها الفاسدون الصغار، وكوفئوا عليها ذات يوم، فالحاصل أن الفساد، كما الاستبداد، لا يشبعان أبداً، وكلما استشعراً جوعاً، التهما ما حولهما، وبما أنه لم يبق شيء للالتهام لدي معارضي الانقلاب ورافضيه، فإن المتاح هو أسراب الفساد، والاستبداد الصغير، تدرجاً من الأدنى إلى الأقصى، وصولاً إلى النزال الكبير داخل مملكة الكبار، وهذا لن يطول انتظاره، وسترى عجباً حين تتصارع الأفيال الكبيرة على حصص الثروة والسلطة، داخل نظام زاده الاستبداد والفساد.