إنسانية المصريين تنتصر على وحشية الانقلاب
وائل قنديل
مثل طائر العنقاء تشق ثورة المصريين مجراها في تربة الانقلاب الصخرية، تنهض من تحت الرماد كلما أحرقها طغاة الانقلاب، وإذا كانت الأسطورة الإغريقية القديمة تصور طائر الفينيق (العنقاء كما عربته العرب) وهو ينهض بعد ثلاثة أيام من حرقه أو احتراقه، فإن الثورة المصرية ضد الانقلاب تنهض بعد ساعات فقط من محاولة حرقها ٠
إن تراجيديا حصار الثوار واستهدافهم بالغاز الخانق والرصاص الغاشم في مسجد الفتح أول أمس كانت تهدف إلى إيصال رسالة شديدة القسوة لكل من يفكر في التظاهر مرة أخرى لكسر الانقلاب العسكري واستعادة الحرية المختطفة، مؤدى هذه الرسالة أن كل من يجرؤ على الاعتراض سيكون مصيره مثل أسرى وسبايا جيش الشبيحة في جامع الفتح ٠
كان القائمون على الترسانة الانقلابية يستخدمون كل أسلحتهم الفتاكة لخطف الأنظار وصرف الانتباه عن الموضوع الأصلي الكبير، من خلال الصعود دراميا بمشهد صغير يتم تضخيمه ليصبح القضية الأساس ٠٠ لقد أرادوا أن يخفضوا سقف مطالب الثائرين الأحرار من دحر الانقلاب الباطش إلى تحرير رهائن مسجد الفتح ومنحهم خروجا آمنا من هذا الحصار البربري٠
إنه المنهج ذاته الذي يتبعه الصهاينة في اختزال قضية احتلال فلسطين واغتصاب قدسها المحتلة إلى تفاوض حول المعابر والأنفاق، وتحسين ظروف الاحتلال وشروطه ٠
لكن المصريين كالعادة يستلهمون روح طائر العنقاء ويردون باللغة الثورية الفصيحة وينطلقون في مسيرات حاشدة تضيء المحافظات وتتحدى ظلمات الطوارئ وحظر التجول، بعد أن التقطوا شفرة رسالة الاقتحام البربري لمسجد الفتح وإهانة المحاصرين فيه ٠٠ لقد أدركوا جيدا أن الآلة العسكرية للانقلاب تعمل بمنتهى القسوة لتجريد الجماهير من إرادة كسر حاجز الخوف من القمع السلطوي، تلك الإرادة التي اكتسبوها بدمائهم من ثورة ٢٥ يناير ٠
إن الهدف الواضح من مجازر دولة الانقلاب في رابعة العدوية وأخواتها كان إعادة الشعب إلى حظيرة الخوف والرعب مرة أخرى، لكن الرد جاء ناصعا وقويا، قرأناه وشهدناه في محطات عديدة، منها ما جرى في جنازات تشييع شهداء رابعة الأبرار ٠
وكما يروي لي أبناء قريتي الصغيرة في محافظة المنوفية فإن جنازة الشهيد الطبيب النابغة سعيد تهامي شهدت فرزا صارما بين البشر وبين أشباه البشر ممن تخلوا عن إنسانيتهم لصالح القتلة حين أوقف شباب القرية الرائعون مراسم الغسل والتشييع وطلبوا من كل من شارك في تفويض وزير الدفاع بالقتل أن يغادروا المكان كي لا يلوثوا جثة الشهيد ويزعجوا روحه الطاهرة بوجودهم ٠
إنها الإنسانية تنهض من تحت ركام الكذب والقتل والفحش السياسي الذي يسمم مصر الآن ٠٠ هي الإنسانية التي حملتها سطور الشقيق الجزائري أبو طالب شهبوب ويقول فيها "
أولا أنا جزائري والمفروض أني ماليش دخل فيما يحصل عندكم لكن صدقني لقد بكيت بكاء الثكلى لما رأيت مصريا يقتل آلاف المصريين ٠٠إنني أبكي لحشرة تموت في بلدي وليس إنسانا وأتعجب حين أرى مصريا يدافع عن قتلة مصريين.. صدقني أنا لا استوعب هذا ٠٠ لا أفهم البدلة والعطور والثقافة حين تدافع عن قاتل ٠٠ ولا أتفق كثيرا مع أسلوبكم في حوار تلك الكائنات التي تأتي معكم للاستوديو ٠٠ لا تناقشوهم بأدلة ومنطقية هؤلاء يعرفون الحق وينكرونه٠٠عندما تناقشوهم ناقشوهم في إنسانيتهم.. قل لهم أن من مات هم بشر مصريون مثلكم وليسوا قططا.. قولوا لهم راجعوا ضمائركم ونظفوا قلوبكم.. افتحوا علنا قلوبهم العفنة وضمائرهم المضروبة ولا تناقشوا منطقهم فهو منطق المنكِر لما يتيقن أنه حق كما قال تعالى "وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ".
افضحوا خيانتهم لمصريتهم وإنسانيتهم قبل ذلك ٠٠ علموهم الإنسانية والأدب فهم فقدوا كليهما٠
نعم ٠٠ أيها الشقيق الجزائري هي وحدها الإنسانية التي ستنتصر على فظاعات الانقلابيين وتفضح جريمتهم، تلك الإنسانية التي تشرق شمسها على العالم الحر وتصبغ مواقع التواصل الاجتماعي باللون الأصفر، وتجعل شعار الأصابع الأربعة الدال على صمود الأبطال في رابعة علامة النصر ٠
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق