القصة الكاملة لسيارة الترحيلات كما يرويها مساعد الشرطة الذي أرادوا أن "يشيلوه" الجريمة لم يحدث اشتباك ولا ضرب بقنابل الغاز
فما سر الجثث المحروقة؟
من يريد أن يرى حال الإنسان المصري وكيف أصبحت الروح رخيصة عند بعض معدومي الدين والضمير والإنسانية فليقرأ ما رواه مساعد الشرطة الذي أرادوا أن يشيلوه وحده الجريمة، ويلقوا عليه بالمسؤولية لتبرئة الضباط المتهمين بالقتل العمد لمجموعة من شباب مصر المقبوض عليهم يوم فض رابعة.
قرأت نص أقوال مساعد الشرطة عبد العزيز ربيع عبد العزيز أحد المكلفين بحراسة السيارة التي استشهد فيها 37 من المرحلين إلى سجن أبي زعبل والتي نشرها المرصد المصري للعدالة والقانون، فشعرت بمرارة غريبة، وغربة مريرة من بشاعة القسوة التي أفضت إلى استشهاد مجموعة من أبناء الوطن خنقا وشويا، في صندوق معدني تحت شمس أغسطس الحارقة. شعرت كيف هانت نفس الإنسان المصري التي حرم الله قتلها، ورأيت كيف يتفق مجموعة من الناس على أن يتخلوا عن إنسانيتهم ودينهم، ووطنيتهم وكأنهم مجموعة من الذئاب المتعطشة لإزهاق الأرواح بأبشع ما يكون.
الشهادة تضيف زوايا أخرى وتتمم المعلومات حول الكيفية التي تمت بها عملية قتل الضحايا، وإصرار ضباط قسم مصر الجديدة بقيادة نائب المأمور على ترك المتهمين ساعات طويلة مقيدين ومحشورين في سيارة الترحيلات كعلبة السردين في درجة حرارة عالية حتى الموت.
الشهادة طويلة وبها تفاصيل كثيرة وأنقل هنا بعض الفقرات التي تلخص أهم المحطات التي تعطي تصورا لما تم.
يقول المحقق: أجهش الماثل أمامنا بالبكاء بشدة أثناء التحقيقات فهدأنا من روعه وسألناه عن سبب بكائه فقرر أنه يخشى على نفسه وحياته من تعرضه للإيذاء وضياع مستقبله إذا ما أفصح عن حقيقة الأمر الذي حدث وطمأناه على نفسه وأن النيابة العامة هي التي تباشر معه إجراءات التحقيق في سرية وأمان فقال ما نصه حرفيا:
" أن الناس اللي ماتت وسبب وفاتها الضباط اللي كانوا معانا".
س: ماهي الحالة التي كان عليها المتهمين المرحلين؟
ج: كانوا في حالة كويسة بس كانوا متكلبشين كل اثنين في كلابش.
س: وما هو عدد المتهمين الذين استقلوا السيارة؟
ج: عرفت عددهم خمسة وأربعين واحد من خلال الكلام.
س: وهل هذا العدد يتناسب مع سعة صندوق سيارة التراحيل؟
ج: أنا معرفش بس أظن أنها تقريبا تشيل حوالي ثلاثين واحد.
س: وما هي الحالة التي كان عليها المتهمين المرحلين عند استقلالهم لصندوق حجز سيارة الترحيلات؟
ج: أنا كنت شايف ان هما مزنوقين..وواقفين كلهم جوه الصندوق.
س:وهل تلاحظ لك وجود شفاطات خلفية بهذه السيارة؟
ج: أيوة فيها شفاطين من الخلف.
س: وهل كانت شفاطات السيارة تعمل خلال الرحلة؟
ج: الشفاطات يا باشا مكانتش شغالة وماكانش طالع لها أي صوت أصلا.
س: ومتى وصلتم إلى سجن أبو زعبل؟
ج: بعد ساعة تقريبا كنا وصلنا.
س: وهل دخلتم بسيارة الترحيلات إلى داخل أسوار السجن؟
ج: أيوة.. دخلنا من بوابة السجن الرئيسية إلى الداخل ومشينا حوالي عشر دقائق بالعربية لغاية ما وقفنا جوة عند السجن اللي هنسلم فيه.
س: صف لنا المشهد أمام السجن؟
ج: إحنا نزلنا من العربيات والمتهمين جوة صندوق الحجز بالعربية مقفول عليهم وكنا واقفين حراسة على العربيات ولقينا قبلينا عشر عربيات وإحنا كنا العربية رقم 11.
س: ومتى بدأ تسليم المتهمين المرحلين إلى السجن؟
ج: بدأوا تسليم عربية عربية، بالدور من الساعة الثامنة والنصف أو التاسعة تقريبا. لكل عربية عقبال ما بتاخذ إجراءات التسليم والكلام دة تأخذ لها نصف ساعة أو ساعة إلا الربع تقريبا، على حسب العدد اللي منها والورق والإجراءات، وده اللي أنا كنت شايفه لأننا كنا بنتحرك كل فترة لما عربية تسلم ونطلع قدام شوية.
س: هل وراء سيارتكم ثمة سيارات أخرى؟
ج: أيوة كان ورانا تقريبا 15 عربية كبيرة من لواري التراحيل.
س: وما حالة الطقس والجو من حيث الحرارة والتهوية؟
ج الجو كان حار وسخن وإحنا في صحراء وأنا واقف تحت وكان الجو ولعة.
س: ما هي الفترة الزمنية التي استغرقتموها منذ وصولكم للسجن وحتى حل دوركم في تسليم المتهمين المرحلين إلى إدارة السجن؟
ج: من حوالي الساعة الثامنة صباحا لغاية الساعة 2 الظهر تقريبا؟
س: وأين كان موقع الضباط المرافقين لكم؟
ج: كانوا بيقعدوا تحت تندة بينها وبين العربيات حوالي عشرة متر وبيمروا علينا كل فترة علشان يطمئنوا على عدم تحركنا من جنب العربيات.
س: هل اشتكى المتهمون المرحلون في هذه الفترة داخل صندوق الحجز؟
ج: أنا سمعت المتهمين المترحلين وهما بيقولوا: عطشانين.. عايزين نشرب.. وهنتخنق من الحر وهنموت، وفيه واحد عنده سكر وتعبان.
س: ومتى كانت هذه الشكوى؟
ج: هما اشتكوا كثير.. كذا مرة.. وبيخبطوا على صاج العربية من جوة.
س: وهل تم نظر شكواهم من قبل أحد المشرفين على الخدمة؟
ج: إحنا كأفراد أمن مالناش سلطة في حاجة ومنقدرش نتصرف من دماغنا ومع شكوتهم كان واحد مننا بيروح للضباط يقول لهم المساجين حرانين وعايزين مياه، وهما كانوا بيرفضوا الطلب وما استجابوش غير مرة واحدة طوال اليوم كانت الساعة تقريبا عشرة أو 11 وبعد كدة محدش سأل في الموضوع تاني منهم رغم أن كل شوية حد منا بيروح لهم ويقول لهم المساجين عايزة تشرب.
س: وما هي كيفية رفض الضباط المشرفين على المأمورية للاستجابة لشكوى المتهمين المرحلين؟
ج: هما كانوا مطنشين مش عايزين ييجوا لأن مفتاح قفل الباب بتاع الصندوق مع الضباط بس معرفش مين فيهم.
س: وماهي حالة باقي السيارات الأخرى من سيارات الترحيلات في خلال فترة مكوثهم داخل السجن للتسليم من حيث تهوية المرحلين أو تقديم الماء لهم أو تهويتهم؟
ج: أنا شفت عربيات قبلنا وبعدنا فاتحة الباب بتاع صندوق الحجز وبعض المساجين على سلم العربية والحراسة موجودة حولهم، لكن مشفتش مساجين من أي ترحيلة ثانية على أرض السجن خارج السيارة.
س: وماذا كان تصرفكم كأفراد حراسة؟
ج: كان واحد منا بيروح للضباط يبلغهم لكن مكانش فيه استجابة، وإحنا لما لقينا كدة اتصرفنا من نفسنا كأفراد حراسة وجبنا مياه في زجاجات وقعدنا ندلقها على الشبابيك علشان ترطب الجو لهم جوة الصندوق وتقريبا عملناها مرتين.
س: وهل تناهي إلى سمعك ثمة استغاثات صادرة من صندوق حجز السيارة في خلال الفترة المشار إليها؟
ج: خلال الفترة دية أنا كنت باسمع أصواتهم ضعيفة شوية. ناس بتقول عايزين نشرب وحد تاني بيقول عايزين مرسي واللي بيقول الجو حار وحد ثاني بيقول لا اله إلا الله وفضلنا كدة لغاية.. التسليم تقريبا وساعتها مكانش فيه صوت من جوة خالص.
س: صف لنا المشهد حينما حل أجل تسليم المتهمين؟
ج: ...طلع الضابط محمد محيي علشان يفتح الباب فالباب متفتحش، فطلعت أنا واثنين كمان قعدنا نزق في الباب متزقش، وفي الوقت دة ناس كثير اتلموا من مأموريات تانية تحت العربية، وحد بيقول هات طفاية الحريق على أساس تهديد يعني هم هيفتحوا بيها لأن كلنا كنا فاكرين أن المساجين قافلين الباب وقاعدين وراه ومش عايزين يخلونا نفتح الباب.. وجه واحد لابس ملكي جسمه عفي قال أنا هأزق الباب، وقعد يزق الباب، مفتحش برضه، فبص من الشباك بتاع الباب وسمعته بيقول دول متكومين فوق بعض.. وبعدين حد من السجون تقريبا جاب عتلة وحاولوا يفتحوا الباب بيها معرفوش.. وجابوا حاجة بتقطع بالكهرباء شبه الشنيور وحاولوا يعملوا بيها المفصلات ويقطعوها لغاية ما عرفنا نفتح الباب ربع فتحة.. ودخل حد جوة احتمال يكون الضابط محمد محيي كان بيحاول يوسع مكان علشان يفتح الباب وقال حد ييجي تاني علشان نعرف نخرجهم.. وبعدها في حوالي سبعة أو ثمانية كانوا صاحيين ودول خرجوا. وأنا بعد ما دول خرجوا دخلت جوة الصندوق علشان نطلع الناس اللي جوة ومكانش الباب اتفتح بالكامل ولقيت الناس كلها الموجودة جوة فوق بعضها وفي رائحة وحشة من العربية.. وبعد ما بدأنا نسلك فيهم ونفتح الباب نصف فتحة على أساس نعرف ننزلهم وكان الكل بيساعد وابتدينا نشيل في الناس وننزلهم على الأرض برة ونزلنا حوالي عشرة، وأنا كان إحساسي واحنا بنزل الناس دية إنهم ميتين. وعرفت أن السجن رافض يستلم ميتين فمنزلناش حد تاني.
وبعدين الدنيا حصل فيها لخبطة كبيرة ومحدش بقى عارف يعمل حاجة، والعربيات اللي ورانا مشيت وراحوا يسلموا في حتة تانية وفضلت عربيتنا هي الموجودة وسمعت حد من السجن بيقول خذوهم تاني في العربية ودوهم المشرحة، واللي يقول عربيات الإسعاف هتيجي تاخدهم.. وقعدنا تقريبا ساعتين على الحال ده لغاية ما لقيت لواءات ورتب جت وقعدوا مع عمرو بيه في أوضة جنب التندة اللي الضباط كانوا بيقعدوا عندها. أنا معرفش دول مين وهما كانوا لابسين ملكي وجايين بعربيات ميري وشكلهم ناس كبيرة في السن.
وبعدين لقيت عمرو بيه جاء لنا وجمع الأفراد كلهم وقال لنا الليلة دية كله هيشيل فيها، وإحنا ملناش ذنب، مكناش نقصد، وعايزين اثنين يعوروا نفسهم وده تعليمات. وكان معاه واحد اسمه رمزي أمين شرطة من القسم في النظام فوجئت به موجود وهو قال نفس الكلام بتاع عمرو بيه تقريبا، وقال يا رجاله عايزين نشيل بعض. ورمزي اختارني أنا وبهنسي علشان إحنا أقدم اثنين وقال لنا: عوروا نفسكم بناء على التعليمات اللي سمعناها فأنا قلت له لأه وبهنسي اتردد هو الآخر.. ولما لقينا الموضوع كبير وإحنا ناس غلابة خايفين على نفسنا ولقينا عم رمزي راح خابط كل واحد فينا خبطة في رأسه بخاتم في إيده فأنا تعورت أنا وبهنسي.. وعمرو بيه وعم رمزي قالوا لنا خذوا بعضكم واطلعوا على القسم وروحوا اعملوا جواب تحويل للمستشفى وتقرير طبي ومشينا أنا وبهنسي ومنعرفش حاجة تانية بعد كدة غير إن الضابط محمد محيي والاثنين الأفراد منير ومحمد شوقي موجودين في المستشفى.
س: هل حدثت واقعة الاعتداء على أحد منكم من قبل هؤلاء المتهمين المرحلين؟
ج: لا
س: وهل ضرب المتهمون الملازم أول محمد محيي داخل صندوق الحجز حال فتحه باب الصندوق لهم؟
ج: لا
س:هل أطلق أحد من القوات أو الأفراد إحدى قنابل الغاز داخل صندوق الحجز في أي وقت؟
ج: لغاية ما أنا مشيت محصلش حاجة من دية.
***
ما سبق ملخص لأقوال مساعد الشرطة الأمين الذي قال كلمة الحق خوفا من الله ورفضا لأن "يشيل " هو الجريمة.
وهذه الشهادة تطرح الكثير من الملاحظات منها:
- إصرار بعض القيادات الأعلى في حماية المخطيء والتستر عليه ومساعدته في الهروب من العدالة، والتصرف كقبيلة وليس كدولة.
- الشاهد يقرر أن المتهمين ماتوا وتم إخراج بعضهم خارج السيارة وأنه ظل تقريبا ساعتين بعد ذلك ولم يحدث أي إطلاق قنابل، وهذا يطرح السؤال عن الجثث المحروقة التي قالوا أنها أحرقت نتيجة فض الاشتباك المزعوم بقنابل الغاز.
فهل هذه الجثث أحرقت في مكان آخر وتم ضمها لضحايا سيارة الترحيلات لإخفاء الجريمة؟
أم هل أحرقوها بعد موتها ليؤكدوا التمثيلية المزعومة التي برروا بها ما حدث؟
وإذا كان هذا ماتم فهل أحرقوها في نفس المكان أمام كل الموجودين أم أحرقوها في مكان آخر فما هو؟ وفي كلتا الحالتين هناك لغز يبحث عن حل.
لا شك أن واقعة سيارة الترحيلات واحدة من الفظائع التي حدثت منذ رابعة وحتى الآن، وستتكشف مع الأيام معلومات يشيب لها الولدان عن كم الغل والقسوة التي قلبت البعض من بني جلدتنا فتخلوا عن ضمائرهم وفقدوا إنسانيتهم فرأينا منهم أبشع ما شهدته الإنسانية عبر تاريخها.
**
محكمة جنح الخانكة قررت حجز القضية المتهم فيها الضباط الأربعة للحكم لجلسة 18 مارس الجاري، وكما صرح الأستاذ محمد هاشم المحامي مدير المرصد المصري للعدالة والقانون فإن المحكمة حجزت الدعوى للحكم دون الاستجابة لطلبات الضحايا وطلبات دفاع الضباط المتهمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق