2014+2003.. شو القصة؟!
اختفاء فرق عسكرية بالكامل، وانهيار الجيش وترك الأسلحة والمعدات الثقيلة والخفيفة؛ لم يعد مشهداً غريباً على العراقيين. فقبل الصور التي نراها اليوم لجيش المالكي، كان المشهد نفسه حاضراً في حرب العراق 2003؛ عندما تفاجأ الجميع بأنّ الجنود تركوا أسلحتهم وأمتعتهم، وارتدوا اللباس المدني وغادروا الثغور!
الفرق، بالضرورة، كبير جداً، ظاهرياً، بين الانسحاب والتخلي عن الأسلحة في مواجهة غير متكافئة البتة بين جيش محطّم من الجو وبالقصف، ومرصود تماماً، كما كانت الحال في حرب 2003، عندما قاتل الجيش العراقي أكبر قوة تكنولوجية عسكرية في العالم، وبين جيش دُفعت عليه عشرات مليارات الدولارات، وتمّ تدريبه وتسليحه بأحدث الأسلحة، وهو غير مرهق ولا مستنزف بحروب سابقة كبيرة، لكنّه عند أول رصاصة يتبخّر!
شو القصة؟!
يمكن اختصار "كوكتيل" الآراء السياسية والعسكرية في اتجاهين:
الاتجاه الأول، أنّ ذلك يعكس حالة الفساد والاختلالات الكبيرة في الجيش والأجهزة الأمنية العراقية من جهة، وفقدانها للإرادة القتالية، في مقابل توافر عنصر خبرة حروب العصابات والاندفاع العقائدي والإرادة القوية لدى أفراد "داعش"، ومن تعاون معهم في مواجهة الجيش العراقي.
مثل هذا التحليل لا يمكن أن يأخذ مدى منطقياً جدّيّاً إلاّ إذا اعتبرنا ما يحدث بمثابة ثورة مسلّحة سنيّة، تتجاوز "داعش" التي تمثّل واجهة رئيسة، لكنها لا تختزل تماماً المشهد؛ فهي ثورة الغضب والشعور بالظلم والتهميش والإقصاء من قبل السنّة، بمشاركة فاعلة وحيوية من الخبرات العسكرية العراقية السابقة.
الأهم من هذا وذاك، أنّنا نتحدث عن انتصارات ساحقة في المحافظات والمدن السنية، أمام جيش محسوب على حكومة ذات طابع طائفي؛ أيّ، وفق افتراض، في ظل حالة الاحتقان الطائفي، أنّ البيئة تعمل ضد جيش المالكي وليس لصالحه. وربما هذا ما يفسّر عدم وجود قتال في أغلب الأحيان، وتبخّر الجنود والجيش لشعورهم بعدم الثقة والقلق من أي مواجهة في هذه المحافظات.
أمّا الاتجاه الثاني في التفسير، ويتبنّاه سياسيون عراقيون من السُنّة، فيتمثّل في أنّ ما يحدث بمثابة "لعبة سياسية"، وانهيار مقصود بقرار سياسي للجيش العراقي والأجهزة الأمنية.
ويهدف المالكي من ذلك إلى الخروج من "عنق الزجاجة" بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، خشيةً من إرهاصات صفقة إقليمية تستبدله بشخصية شيعية أخرى، ومحاولة للزج بمعركته السياسية الداخلية مع السُنّة في إطار "الحرب على الإرهاب" للحصول على تفويض ودعم خارجي، كما حصل فعلاً خلال المواقف الأميركية المباشرة بعد الأحداث، ودفع البرلمان إلى إعلان حالة الطوارئ وإطلاق يد المالكي.
لكن مثل هذا التحليل يصطدم بقوة بفجوات كبيرة، من بينها الطريقة المهينة المخجلة التي بدا عليها الجيش العراقي، وهروب القيادات وترك الآليات والأسلحة؛ فمثل هذا الانسحاب أو الانهيار غالي الثمن، ويتوافر على مخاطرة غير مضمونة النتائج، تهدد استقرار العراق ووحدته بالكلية.
اتصلتُ بقيادات عسكرية استراتيجية أردنية بارزة لمناقشة هذه السيناريوهات، فأجمعوا على نقاط أساسية، وهي أنّه من غير الممكن أن يكون ذلك الانهيار ناجما عن قرار سياسي؛ ففيه تداعيات سلبية أكبر من أيّ نتائج متوقعة.
إنما السبب الرئيس يعود إلى قصر عمر الجيش العراقي الجديد، وعدم امتلاكه للخبرة المطلوبة، ووجود حالة غضب سُنيّة مجتمعية تسهّل أي عملية تمرد على المالكي في المحافظات السنية، مع توافر خبرات وكفاءات عسكرية مؤهلة سابقة كانت تعمل في الجيش العراقي.
ذلك لا يمنع أنّ المالكي سيحاول استثمار هذا الظرف الأمني سياسياً، لكنّ الزلزال الذي تسبب فيه هذا الانهيار، وما يمكن أن ينجم من سيناريوهات، ربما يتجاوز ذلك بكثير!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق