صحوات جديدة في العراق.. ماذا بعد؟
ياسر الزعاترة
قبل حوالي أسبوعين قال صباح كرحوت، رئيس مجلس محافظة الأنبار: إن التحالف الدولي أبلغه بتشكيل قوات شبيهة بحرس إقليم شمال العراق الكردية من مقاتلي العشائر المساندة للقوات الأمنية في المحافظة، مشيراً إلى أن هذه القوات مكونة من 50 ألف مقاتل يتم تدريبها وتسليحها على نفقة التحالف الدولي، فيما قالت مصادر غربية: إن قوام القوات سيكون في حدود 100 ألف مقاتل.
وأضاف أن «هذه القوات سوف يتم تشكيلها بعد زيارة وفد من محافظة الأنبار لواشنطن خلال الأيام القليلة القادمة، للتباحث في كيفية بدء تشكيل هذه القوات وتدريبها وتسليحها».
وتابع كرحوت قائلاً: إن «هذه القوات بعد تدريبها وتسليحها سوف تتولى تحرير جميع مناطق الأنبار من تنظيم داعش، وحماية الحدود مع جميع الدول التي ترتبط بها الأنبار، إضافة إلى أنها سوف تكون قوات رديفة لقوات الجيش والشرطة ولديها مهمات خاصة في جميع المناطق».
الزيارة المشار إليها تمت بالفعل، وما طالب به الزائرون هو سلاح أميركي؛ لأن العبادي لا يفي بوعوده، وإقليم سنّي مقابل العمل الحثيث ضد تنظيم الدولة، ولا يبدو أن الرد كان إيجابياً بالكامل، إذ لا مصلحة لأميركا بحل سريع للأزمة؛ لأنها جزء لا يتجزأ من لعبة المساومة والابتزاز على الملف النووي، وربما ملفات إقليمية أخرى.
ما يتم تداوله من معلومات في الأوساط العربية السنّية، أن قلة من العشائر في الأنبار وسواها هي التي تنسجم مع المخطط الجديد، (بعض القوى السياسية أكبر رعونة، ومنها الحزب الإسلامي وصالح المطلق وآخرون)، بينما ترفضها أخرى، بما فيها تلك التي تعيش تحت ظل الدولة الإسلامية، والتي وجد بعضها كما يشير كثيرون أن ما حصلت عليه من أمن يُعد أفضل من أيام عربدة المليشيات الطائفية، وإن لم ترض عن طريقة حكم الدولة الإسلامية.
من هنا يمكن القول: إن بعض القوى التي خاضت تجربة الصحوات في المرة الماضية، وجرّبت التنكر التالي لها لا يبدو أنها تريد تكرار التجربة، لكن مجموعات أخرى يجري إغراؤها بالمال، وبعضها يدفعه شعور الثأر تذهب في الاتجاه الذي يريده التحالف، ومعه حكومة العبادي.
ما ينبغي قوله في هذا السياق: إن من العبث أن يذهب هؤلاء نحو تكرار تجربة بائسة من ذلك النحو لاعتبارين مهمين، أولهما أن عمليات التطهير الطائفي والانتهاكات التي تمارسها المليشيات الشيعية بحق أبناء العشائر لا يمكن الرد عليها بهذه الطريقة، ولا قيمة هنا لتلك الاعترافات من قبل بعض العسكريين، فضلا عن الدعوات التي تُوجه من قبل المرجعية، ذلك أن مجموعات جرى تجميعها بروحية حشد طائفي رهيب لا يُنتظر منها الالتزام بمعايير حقوق الإنسان حيال المناطق التي تدخلها، وما يُروى على هذا الصعيد من قبل وسائل إعلام أجنبية، فضلاً عن أبناء العشائر أنفسهم كارثي بكل المقاييس، والمصيبة أن سياسيي العرب السنّة لا زالوا يغضون الطرف عما يجري، وإذا تحدثوا فبروحية خجولة لا تغير في واقع الحال شيئاً.
ليس لدينا حل لهذه المعادلة المعقدة، فالخطاب الذي تقدمه الدولة الإسلامية لا يجد صدى إيجابياً في أوساط كثير من العرب السنّة، لكن التجربة الأخرى مرعبة، لاسيما تجربة المالكي، ولا يبدو أن حيدر العبادي رغم كل ما قدمه من خطاب ومبادرات قادر على لجم الهوس الطائفي الذي يجتاح العراق، ويجعل من إمكانية إعادة لحمة الدولة التي يعشش فيها إرث المالكي ممكنا، لاسيما أن إيران هي التي تقف خلف المليشيات الطائفية، تماما كما تفعل في سوريا على نحو أسوأ.
على العرب السنة والحالة هذه أن يكونوا أكثر وعيا، وأن لا يكرروا التجربة الماضية، ولا بد تبعا لذلك من ضمانات حقيقة تعيد لهم حقوقهم كمكون أساسي من مكونات العراق الثلاث، وليس على قاعدة عملية انتخابية مبرمجة لا تمنحهم شيئا مذكورا، بخاصة في الجولة الأخيرة التي أجريت في ظروف حرب، وحتى حين وضعوا بيضهم في سلتها عام 2010، لم يلتفت المالكي لذلك وعاد إلى ممارساته الطائفية البشعة.
خلاصة القول: إن حل معضلة العرب السنة لن يكون سوى بصفقة إقليمية شاملة مع إيران، ولا يبدو أنها جاهزة لذلك حتى الآن، ومن يدعم حكم أقلية طائفية في سوريا، لا يمكن أن يمنح العرب السنة في العراق ما يأملون به من العملية السياسية، هو الذي يردد ليل نهار (زورا بالطبع) أنها محض أقلية لا تتجاوز ثلث السكان إلى جانب الأكراد.
• @yzaatreh
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق