الخميس، 11 ديسمبر 2014

كبرت في غونتانامو: الآن وقد عرفتكم قصتي لا يمكنكم أن تديروا ظهوركم لي


كبرت في غونتانامو: الآن وقد عرفتكم قصتي لا يمكنكم أن تديروا ظهوركم لي


فهد غازي معتقل بصورة غير قانونية في غوانتانامو منذ سنّ السابعة عشرة وهو الآن في الثلاثينيات من عمره.
حصل على رأي إيجابي من أجل الإفراج عنه في 2007. ويمثّله مركز الدفاع عن الحقوق الدستورية.

في البداية أعتذر منكم إذا ما قلت الأشياء كما ينبغي، أو إذا استعملت حججًا سيئة فالثقافات والتجارب المختلفة تفرّق بيننا.

ليس لدي الامتياز للتعبير عن نفسي وهذا يؤلمني. وسأكون مكرّمًا للحديث بصوتي وأن ألمسكم مباشرة، أنتم الأشخاص الموهوبين بالفكر. أشكركم للاهتمام بقصتي. أنتم تعتبرونني كإنسان وهذا أمر قيّم عندي.

عرفني العالم من خلال غوانتانامو. كان عمر 17 عامًا عندما أرسلت إلى هنا. آنذاك، لم أشاهد التلفزيون ولم أسمع الراديو إلا نادرًا. كلّ الأحداث المهمّة في حياتي من المآتم إلى زواجي مرورًا بولادة ابنتي العزيزة، حفصة، دارت في ديوان بيتي. واليوم أبلغ من العمر 31 عامًا تقريبًا.

إذن كبرت في غوانتانامو، كبرت في ظلّ هذا النظام، كبرت في الخوف وأرجو أن يساعدكم كلّ هذا على فهمي. أرجو أن أكون مسموعًا.

هنا، في غوانتانامو، لا يسمعونني أبدًا، لا يفعلون أمرًا سوى تجاهلي. خلال 13 عامًا من السجن دون إدانة، لم أكن أبدًا قادرًا على رواية قصتي لأي أحد.

أنا لست ISN 026، الرقم الّذي أعطتني إياه الحكومة.

اسمي فهد عبد الله أحمد غازي. أنا إنسان -رجل- يُحَبّ ويُحِبّ.

وددت التمكّن من وصف ما حدث خلال 13 عامًا في غوانتانامو، ولكن عقلي يخمل كلّما فكّرت في ذلك، ولا أملك كلمة قادرة على إبلاغكم عما حدث فعلًا.

خلال هذه الفترة، ضعت هنا داخل السجن وفي الخارج في العالم الّذي غادرته على السواء.

اشتقت لبيتي، كثيرًا جدًا. ولكن، الحقيقة هي أنّي إذا ما عدت إلى قريتي غدًا سأكون غريبًا حتّى بين أولئك الّذين يحبّوني أكثر من أي شخص.

قبل أيام، أحضر لي عمر الكثير من الصور من قريتي، التقطت عند تصوير Waiting for Fahd، أحضرتهم إلى الزنزانة وحفظتهم إلى جانبي ككنز، أنظر إلى كلّ وجه وإلى كلّ مبنى وإلى كلّ جبل. أبقى مستيقظًا حتى الفجر قبل صلاة اليوم الأولى أتأمّل الصور الواحدة تلو الأخرى. الأفكار تتدافع في رأسي وفي قلبي. أرغب في التعرّف على تفاصيل الصور جميعها لأتذكّر حياتي قبل غوانتانامو. ولكن هذا مستحيل تقريبًا.

لم أعرف حتّى وجوه أصدقائي المقربين.

أخي الصغير عبد الرحيم الّذي أمنحه الغذاء والرعاية والانضباط لا يعرفني. فقط سمعهم يتحدّثون عنّي.

أطفال القرية كانوا رضعًا عندما غادرت ولم أعد سوى اسم بالنسبة إليهم. هناك أيضًا فهد غازي آخر في القرية الآن، ابن أخي، مراهق في عمري تقريبًا عندما رأيت بيتي آخر مرّة.

وماذا عن الجيل الأكبر سنًّا؟ رحلوا جميعهم تقريبًا، الواحد تلو الآخر، بينما أنا أنتظر.

الخسارة الأكثر تراجيديا الّتي كان عليّ تحمّلها في غوانتانامو هي الموت المفاجئ لعميّ، عمّي الّذي أصبح بمثابة أب لي عندما توفّي والدي، لقد كان أستاذي ومستشاري. كنت أثق به وكان يرعاني.

لم يتمكّن من مكابدة ألم أن يعرف أنّتي مسجون هنا. وفي كلّ مرة سُمح لي فيها بالاتّصال بعائلتي لم يشارك. لم يكن قادرًا على رؤيتي في هذا الوضع أو التحدّث إليّ. حتّى كتابة الرسائل لي كانت شاقّة بالنسبة له.

ولكن، اشتقت إليه كثيرًا وكنت أنانيًّا. أردت أن أرى وجهه فقط لأتذكّره وليريحني. كتبت إليه. ناقشت الأمر مع بقية أفراد العائلة وتوسّلت إليه أن يقبل بمكالمة الفيديو. وقبل أخيرًا.

كانت الساعة الثامنة صباحًا في معسكر إيكو، يوم الأربعاء. نادى الصليب الأحمر بأسماء أفراد العائلة في صنعاء المشاركين في مكالمة الفيديو. أجهشت بالبكاء عندما سمعت اسم عمّي. غلبتني العاطفة، ولكّنه حافظ على اتّزانه.

قال: “نحبّك وننتظرك وسنستمرّ في انتظارك”.

ثم أمام عينيّ، مات. توقّف عن الحديث ورأسه سقطت إلى الخلف، هرعت عائلتي نحوه وقُطع الخطّ. بقيت جالسًا على مقعدي، مقيّدًا على مقعدي لا حول لي ولا قوّة.

وعندما عاد الخطّ لم أر أي صورة، فقط سمعت صوت أخي محمد يقول “لقد تركنا. الأمر كان كثيرًا عليه”.

في تلك اللحظة أدركت فعلًا ما هو غوانتانامو والقوّة الّتي يمكن أن يمارسها ضدّ من هم في الداخل ومن هم في الخارج.

الزمن جعلني خلف قضبان غوانتانامو، وحتّى إذا كان علي قبول هذا فلا يمكنني تفادي الشعور بالوحدة والعزلة. من الخارج أبدو بخير ولكنّني أتحطّم شيئًا فشيئًا من الداخل.

لا وجود، لا لإدانة، ولا لبراءة هنا في غوانتانامو. تلك أفكار فارغة، مجرّد لعبة تُلعب.

ولكن، الخير والشر موجودان دائمًا. وهذا لا يمكن تغييره.

حتّى أولئك الذين وضعوني في القفص يعرفون ما الصحيح. تحريري، هذا هو الصحيح. لقد تمّت تبرئتي. وهذا يعني الكثير هنا في غوانتانامو إلّا إذا كنت قادمًا من اليمن. لقد أعلن أنّهم سيطلقون سراحي منذ 2007، ولكن لازلت أنتظر أن يعيدوا لي حرّيتي.

انتظرت عمرًا بأسره من أجل استعادة وجودي.

في المرّة الأولى الّتي رأيت فيها “عمر” عند عودته من اليمن، كنت مسرورًا جدًّا فقط لرؤية شخض تمكّن من اللقاء وجهًا لوجه مع ابنتي وعائلتي. لقد لمسهم. هنا، أمامي، وقف أمامي رجل كان في بيتي وأكل من الطعام الذي اعتدت من قبل على تناوله. سمع صوت أمي ولقد جرّب كلّ شيء كان لي من قبل وأرغب في الحصول عليه من جديد. اقتربت من كل هذا وفي لحظة أعدت الاتّصال.

ما ظهر في Waiting for Fahd هو حلمي. ولكن، لا أريد أن يكون مجرّد حلم، أريد أن يصبح حقيقة. يمكنكم أن تساهموا في تحقيقه. بإمكانكم مساعدتي.

أيّها الأطفال، أطلب منكم التفكير في ابنتي، حفصة.

أيها الشباب، تذكّروا عمر السابعة عشرة. فكّروا في أنّني حرمت من كلّ شيء يحتاجه الشباب لينضج في حياته: العمل والتعليم والتجارب الّتي نتعلّم منها.

أيتها الزوجات، فكّرن في زوجتي الّتي أمضت ربيع حياتها -شبابها- تنتظرني وتهتمّ بحفصة بمفردها.

أيّتها الأمّهات، فكرن فيّ عندما تفكّرن بأولادكن. فكّرن في أمّي المشتاقة لولدها.

أيّها الآباء، فكّروا فيّ، في الأوقات الّتي أسعى فيها إلى التواصل مع ابنتي من داخل هذا المكان.

لقد حرمت من أفضل اللحظات الّتي يمكن أن يشهدها أيّ أب: رؤية الخطوات الأولى لحفصة، ومصاحبتها في طريقها إلى المدرسة، وأن أشهد نجاحاتها وأساعدها عندما تتعثّر. أتطلّع إلى اليوم الذي لن أفقدها بعده، سأكون إلى جانبها منذ ذلك الحين ولا أضيّع دقيقة واحدة بعيدًا عنها.

أفكّر بلا توقّف في هذه اللحظات، حيث تنظر إليّ ثمّ تضحك أو أن تقول لي كلمة لطيفة وتضحك.

هذه هي الرغبة الّتي أغذيها في أعماق روحي.

الآن، وقد أسمعتكم قصّتي وأطلعتكم على أحلامي، لا يمكنكم أن تديروا ظهوركم إليّ. سأعذركم إذا لم تعلموا، ولكن الآن وقد علمتم لا يمكنكم التصرّف كأن شيئًا لم يكن.

أطلب هذا منكم: كونوا صوتًا لمن لا صوت له من أجل إنسان آخر يعاني.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق