الثلاثاء، 2 ديسمبر 2014

تحيا مصر على محصول البذاءة

اللواء عادل سليمان واحد من أنبل المحاربين المصريين

تحيا مصر على محصول البذاءة

وائل قنديل

كان من المفترض أن يكون المقال الأسبوعي للواء عادل سليمان منشوراً في هذا المكان اليوم، لولا أن جنون الدولة الفاشية في مصر ألقى بالرجل إلى المجهول، لتتضارب الأنباء بشأن اختفائه منذ أسبوع مضى، ما بين قائل إنه تم اعتقاله، وآخر يقول إنه محتجز في مكان ما، لا هو مسجون، ولا هو حر، غير أن المؤكد في الروايات العديدة أن الأجهزة الأمنية اصطحبت الرجل إلى جهة ما، ولم يظهر له أثر حتى الآن. 
واللواء عادل سليمان واحد من أنبل المحاربين المصريين في معركة أكتوبر/تشرين أول 1973، وهو أيضا أحد مفاخر الفكر الاستراتيجي في مصر والوطن العربي. ورغم تخطيه سن السبعين، إلا أن إضاءاته في التحليل السياسي والعسكري تملأ الآفاق، من خلال إطلالته على شاشات التلفزة، أو عبر عديد من كتبه ومؤلفاته وأبحاثه المهمة، ومساهماته في مراكز الدراسات الاستراتيجية. 
واللواء سليمان هو أحد هؤلاء الذين تستطيع أن تصنّفهم كخبراء استراتيجيين، من دون أن تكون هذه التسمية مثيرة للضحك، من كثرة ما عجّت به الشاشات والمؤتمرات من بهلوانات وأراجوزات ومهرّجين، يحملون لقب "اللواء الخبير الاستراتيجي"، وجلهم ينضح بالجهل والفاشية على نحو يثير البكاء على هذا التدني في مستوى التفكير.
لم تصلنا كلمات عادل سليمان للنشر؛ لأن مصر التي تسبح في مستنقعات الفاشية والنازية والمكارثية لم تعد تحتمل وجود وطنيين حقيقيين، وذوي أبصار وبصائر، لم تتلوث بكل هذا القبح المتدفق، منذ أن تحالفت الثورة المضادة مع الانقلاب، لوأد فرصة مصر الاستثنائية في الانطلاق إلى حالة تحضّر إنساني غُيّبت عقوداً طويلة. 
إن معنى استهداف سلطات الانقلاب العسكري أحد رموز العسكرية المصرية الحقّة يعني، باختصار، أن هذا النظام فقد صوابه، بحيث لم تعد ضرباته تميّز بين عسكريين ومدنيين. وبات المعيار الوحيد للوطنية أن يكون المواطن عضواً فاعلاً في منظومة الرداءة والبذاءة التي تهيمن على المشهد المصري الآن. 
وليس أكثر بؤساً، حضارياً وأخلاقياً، من أن يصبح محارب أكتوبر في غياهب الاختفاء القسري، بينما يتحدث باسم الوطنية نوعيات من البشر، تنافس الليكود في صهيونيته، وترى في إسرائيل الأقرب والأهم والأولى بالرعاية، والأجدر بمشاعر الصداقة والجيرة. 
وعندما يغيب عادل سليمان، من دون أن يعرف مكانه أحد، ويحضر الأفّاقون والمهرّجون، لا ينبغي أن تصاب بالدهشة، حين تطالع خبراً يقول إن مطار القاهرة قام بإنزال الشيخ الجليل الدكتور حسن الشافعي، رئيس مجمع اللغة العربية، من فوق عربة تقل الركاب المرضى إلى الطائرة، من أجل إركاب خادمة رئيس نادي الزمالك.
والدكتور الشافعي (84 عاماً) هو النائب السابق لشيخ الأزهر، الذي استقال من منصبه، عقب وقوع مذبحة الحرس الجمهوري، مطلقاً أعلى صيحة إدانة للانقلاب العسكري.
وقد اعتبرتُ، وقتها، أن هذا الرجل هو "الثائر حقاً، الليبرالي فعلاً" بعد أن أصدر بياناً تلفزيونياً ضد جنون الانقلابيين.
هذا الرجل ذو الأربعة والثمانين عاماً يبدو أكثر شباباً وثورية وحيوية من صغار تكلًست ثوريتهم وشابت، بفعل حرارة مطابخ الحشد المموّه، يجأر بالحق، في وقت قرر فيه الجميع، إلا من عصم ربك من الاستئناس والتدجين، في وجه سلطانٍ جائر، ويعلن أمام العالم رفضه للعملية الانقلابية المحبوكة، وانتصاره للدماء المصرية الزكية، وتعففه عن عضوية لجنة مصالحة وهمية تهدف إلى تجميل القبح أكثر مما ترنو إلى إحقاق الحق.
هي مصر الجديدة التي تحتفي بالبذاءة والرداءة، وتعلن الحرب على كل قيمة محترمة فيها.. مصر تحيا على محصول هائل من البذاءة والرداءة.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق