الأربعاء، 3 ديسمبر 2014

أساطير تهاوت بتبرئة مبارك وعصابته وأمل جديد

أساطير تهاوت بتبرئة مبارك وعصابته وأمل جديد


 ياسر الزعاترة
يوم السبت الماضي لم نكن نشاهد محاكمة، بل مسرحية هزلية من أسوأ ما يمكن أن يتخيله المرء. فالقاضي كان قادما لتبرير ما سيحْكم به، أو ما قرره قائد الانقلاب بتعبير أدق. أما العدالة، فقد أحالها إلى التاريخ، وإلى الله عز وجل في الآخرة، ويبدو أنه كان يريد القول للجماهير بأن عدلا لا يمكن أن يتوفر في الدنيا، وأن عليهم انتظار الآخرة لكي يحققوا ذلك.
مسرحية في منتهى البؤس انتهت إلى تبرئة مبارك وعصابته بالكامل، بما في ذلك رجل الأعمال الهارب (حسين سالم)، والذي كان يعرض المليارات على نظام مرسي لتسوية وضعه (سألته لميس الحديدي عن ذلك فرد «تحيا مصر»!!).
هكذا تهاوت أسطورة كبيرة كان البعض يروجها دون وجه حق، مع أنها أسطورة تهاوت من قبل مع أحكام الإعدام الجماعية التي تابعناها خلال الشهور الماضية.
إنها أسطورة القضاء الشامخ والنزيه، والذي كان عاريا تماما في هذه المحاكمة، تماما كما تعرّى طوال الوقت بعمله كأداة للعسكر ضد الثورة الأصيلة (ثورة يناير)، ثم استخدم ضد الرئيس المنتخب، وقبله ضد مجلس الشعب المنتخب.
من الواضح أن إرادة الله قد شاءت أن تفضح كل شيء على رؤوس الأشهاد، وأن غطرسة القوم وغرور قوتهم، وربما العمى هو ما دفعهم إلى هذه النتيجة، وإلا لكان بوسعهم أن يحكموا على المتهمين بالمدة التي أمضوها في السجن في أقل تقدير، أو أن يُحكم عليهم بمدد ما، ثم يجري إصدار عفو رئاسي عليهم بعد قليل من الوقت، لكنهم أبوا إلا أن يفضحوا أنفسهم، هم الذي جاؤوا بأسطورة ثورة 30 يونيو التي ستستكمل ثورة يناير، وكتبوا ذلك في دستورهم أيضا.
جاؤوا يوم السبت ليقولوا للعالم أجمع إنهم انقلابيون وليسوا أهل ثورة، ولولا بقية خوف لاعتذروا للمسجونين عن المدد التي أمضوها في سجون الخمس نجوم التي كانوا فيها، وفي مقدمتهم الطاغية الأكبر.
والخلاصة أن أسطورة ثورة 30 يونيو التي كانت قد تهاوت عمليا في عيون كل من بقي له شيء من عقل أو ضمير قد تهاوت أمام أعين البشر أجمعين، فثورة يناير هي التي جُرِّمت عمليا، وليس القتلة والفاسدين الذين ثارت عليهم، والنتيحة أن من باعوا على الناس أنهم جاؤوا يستكملون الثورة التي «سرقها الإخوان» قد فضحوا تماما، ولم يعد ثمة غير انقلاب واضح الملامح والأركان أنتج دولة بوليسية لا يماري في حقيقتها أي عاقل مهما كان مستواه.
في ضوء ذلك، وفي ضوء الدولة البوليسية التي تحدثنا عنها، وباتت مفضوحة تماما أمام خلق الله أجمعين، ومع الفساد الذي تواصل، والفشل المستمر، في ضوء ذلك كله، فإن السؤال الأهم هو سؤال المستقبل، لأنه السؤال الأهم في مواجهة هذا الذي يجري لمصر برمتها، ومعها الدول الأخرى التي تتعرض ثوراتها لتآمر لا يتوقف، من اليمن إلى ليبيا وتونس، وحتى سوريا.
لا خيار أمام قوى الثورة والجماهير المصرية غير التوحد من جديد في مواجهة هذه المؤامرة التي طُبخت أمام أعينهم، واستخدمت فيها أدوات القضاء والأمن والإعلام الكاذب الفاجر، والوحدة هنا ينبغي أن تشمل جميع الشرفاء في الساحة المصرية، ولا ينبغي أن تبقى ثنائية الإخوان والجيش هي الحاكمة، وينبغي أن يتقدم الإخوان للناس بخطاب مختلف، وقد فعلوا مرارا للأمانة، فهذا الذي جرى يتطلب أن يتوحد الجميع خلف خيار الحرية الحقيقية، والثورة التي تلبي مطالب الشعب، وترفض هذه الدولة العميقة بكل أركانها، بل تُخضعها لإرادة الجماهير، مستفيدة من التجربة الماضية.
إنها فرصة ثمينة يقدمها القتلة للشرفاء؛ إذ لا حاجة بعد اليوم لإقناع أحد بأن ما جرى كان انقلابا، بل يجب تجاوز هذا الجدل ليدرك الجميع أن المؤامرة الداخلية والخارجية كانت أكبر بكثير من قدرة الناس على مواجهتها متفرقين، ولا بد تبعا لذلك من مواجهة المستقبل موحدين، وهو أمر سيتسغرق الكثير من الوقت، لكن الأمل كبير في شعب فجّر ثورة رائعة، وبوسعه استعادتها من جديد إذا خلصت النوايا.
أما من يطالبون بمسار العنف لمواجهة المشهد فهم مخطئون، لأن حاضنة شعبية لهذا العنف لا تتوفر، وهو سيمنح مبررا للقتلة لمزيد من عسكرة الدولة وممارسة الانتهاكات الأكثر بشاعة، إلى جانب لتبرير الفشل، ولا فرصة لهزيمة النظام بهذه الطريقة، ليس لخلل ميزان القوى في الداخل لصالحه وحسب (الجيش والأمن والقضاء والإعلام)، بل أيضا لأن الوضع العربي والدولي يدعمه أيضا تبعا لمعادلة معروفة.
إنها ليست معركة ثأر شخصي أو قبلي كالتي يتحدث عنها بعض الشبان، بل معركة شعب بأكمله، مع العلم أن الانتهاكات التي يبرر البعض بها حمل السلاح ستتضاعف أضعافا دون جدوى.
 السلمية ليست خيار الجبناء كما يعتقد البعض، بل هي خيار الشجعان، وهو خيار المنطق والعقل، والمصالح والمفاسد، والحديث هنا عن الحالة المصرية على وجه التحديد، لأن لكل وضع ظروفه الخاصة، ولا يمكن سحب تجربة على أخرى.

• @yzaatreh

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق