الخميس، 11 ديسمبر 2014

لماذا توترت العلاقات بين أمريكا ومصر؟

لماذا توترت العلاقات بين أمريكا ومصر؟


شريف عبد العزيز
الأحداث الصغيرة عادة لا تنبأ عن مواقف جديدة، ولكنها حتما إذا تتابعت وخلال فترة قصيرة فإنها تدلل على تغييرات بينة في العلاقات الثنائية، قد تظهر آثارها فيما بعد في قرارات مؤثرة وجوهرية.
عدة مواقف اتخذتها الإدارة الأمريكية في الأسبوعين الماضيين حيال سلطة 3 يوليو في مصر كشفت عن عدم رضاها عن هذه الإدارة، وبداية دخول العلاقات بين الجانبين مرحلة البرود والتوتر، هذه المواقف بدأت بالقرار المفاجئ لأوباما بإقالة وزير دفاعه "هيجل " لأسباب كثيرة لم يفصح عنها البيت الأبيض, ولكن لاشك أن ثمة رسالة ضمنية تم توجيهها إلى السلطة في مصر عبر الإطاحة بأكبر داعمي السيسي داخل الإدارة الأمريكية وأكثر من تبنى خططه الرامية للتخلص من حكم الاخوان المسلمين، وهو وزير الدفاع الأمريكي " هيجل ".
ثاني هذه المواقف والذي كان بمثابة اللطمة القوية للسلطة في مصر هو رفض إدارة أوباما اعتبار جماعة الاخوان المسلمين جماعة إرهابية كما فعلت مصر، وقد جاءت حيثيات الرفض لتنسف كل ادعاءات السلطويين في مصر حول الجماعة وعنفها ودمويتها، ولتؤكد على بقاء الجماعة كرقم لا يمكن تجاوزه في الحياة السياسية المصرية أو تنحيته بجرة قلم أو بقرار من السلطة الحاكمة، والأهم من ذلك أن القرار الأمريكي جاء بعد قرار انجليزي وألماني مماثل مما أجهض كل محاولات السلطة في مصر منذ أكثر من عام من أجل إدراج الجماعة في قائمة الارهاب لمحاصرة نشاطاتها دوليا.
ثالث هذه المواقف والذي لا نستطيع أن نجزم بصحة وقوف الجانب الأمريكي ورائه ؛ وهو التسريبات الخطيرة لبعض قادة المجلس العسكري ومسئوليين حكوميين بخصوص قضية احتجاز الرئيس المعزول محمد مرسي الذي اطيح به في 3 يوليو ، وسبل تلفيق القضايا له وكيفية التحايل على القانون بالتزوير الفاضح، وهي التسريبات التي هزت عرش السلطة بشدة.
 بالقطع لا يمكن الجزم بنسبة التسريبات للمخابرات الأمريكية، ولكن جودة التسريبات الفائقة ودقتها المحكمة وحساسية الأشخاص المتورطين فيها تكشف عن مستويات اختراق بالغة الدقة لا تتأتى إلا لجهاز مخابرات يمتلك تقنيات فائقة التقدم، وهو ما لا يتوافر إلا لCIA ، ولعل فضيحة العميل الأمريكي "إدوارد جوزيف سنودن"  والذي كشف عن خضوع معظم دول العالم لبرامج التجسس الأمريكي ، وخاصة التجسس على الهواتف ، والمفاجأة أن مصر تحتل المركز الثاني في قائمة الدول الأكثر تعرضا للتجسس على هواتفها بعد باكستان، مما يجعل الطرف الأمريكي مرشحا بقوة لئن يكون المسئول عن هذه التسريبات المزلزلة للسلطة في مصر .
ورابع هذه المواقف فكان الاعلان رسميا عن القبض على جاسوس مصري في أمريكا وذلك في نادرة غير مسبوقة، فقد وجهت وزارة الدفاع الأمريكية تهم لمهندس مدني مصري "مصطفى أحمد عواد"، مهندس في إدارة التخطيط والهندسة النووية في حوض بناء السفن في نورفولك بفيرجينيا، المهندس المصري البالغ من العمر 34 عام بدأ العمل في القسم منذ فبراير 2014، وفي ذات ليلة في شهر سبتمبر الماضي، قام متحدث بالعربية بالاتصال بعواد وحدد معه اجتماع في اليوم التالي، وعرف المتحدث نفسه بأنه عميل في المخابرات المصرية يدعى “يوسف”.
التقى عواد والعميل المصري المزعوم “يوسف” في فندق يوم 9 أكتوبر، وشرح عواد خطته المفصلة للتحايل على نظام تأمين الحواسب الآلية التابعة للبحرية الأمريكية من خلال تثبيت برنامج على الحاسب الآلي الخاص به، يمكنه من نسخ الوثائق بدون التسبب في إثارة أجهزة الإنذار.
وفي ختام الاجتماع، وافق عواد على إمداد “يوسف” المتخفي بصورة للباسبور حتى يتم استخدامها في إخراج باسبور مصري مزيف حتى يتمكن عواد من الرجوع إلى مصر بدون ملاحظة الأجهزة الأمنية الأمريكية. واتضح في النهاية أن المدعو يوسف ما إلا مصريا يعمل عميلا سريا في الشرطة الفيدرالية الأمريكية، أي أن القصة كلها كانت استدراج وفخ من الأمريكان للإيقاع بصيد مصري يمكن المساومة عليه والضغط بورقته .
خامس هذه المواقف هو سعى الإدارة الأمريكية في تقريب وجهات النظر بين الاخوان والحركات الليبرالية المعارضة للحكم العسكري مثل 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين لتشكيل جبهة معارضة موحدة استعدادا لمظاهرات الذكرى الرابعة من ثورة 25 يناير، وقد أشعل هذا القرار أجواء من التوتر في ظل حالة من عدم الثقة لدى الإدارة الأمريكية في قدرة السلطة الحالية في مصر على فرض سيطرتها على مقاليد الأمور، ما دفعها إلى إعادة تقييم استراتيجيتها إزاء الوضع في مصر، والتعامل معه باعتباره "انقلابًا عسكريًا غير مستقر"، بحسب رؤية السيناتور الأمريكي جون ماكين، ومستشارة الأمن القومي الأمريكي سوزان رايس.
وآخر هذه المواقف والذي جاء بصورة لا تخلو من تنسيق مسبق مع انجلترا وكندا واستراليا وهي دول الفلك الأمريكي الأنجلوسكسوني بالاضافة إلى نيوزلندا ، وتمثل في رفع درجة الحظر الأمنى للرعايا الأمريكيان والعاملين بالسفارة في مصر لمستوى التأهب القصوى والذي وصل لدرجة إلغاء الرحلات السياحية إلى مصر في هذه الفترة ، وغلق سفارتي انجلترا وكندا ــ حتى كتابة هذه السطور ــ ومنع التعامل معها لدواعي أمنية.
فلماذا توترت العلاقات بين أمريكا والسلطة في مصر إلى هذه الدرجة بعد أن كانت أمريكا أكبر داعمي الحكم العسكري، بحيث تغيرت رؤيتها الاستراتيجية للأوضاع في مصر لتعيد توصيف السلطة القائمة تحت اسم "انقلاب عسكري غير مستقر
أمريكا أظهرت حماسة في تأييد حكم السيسي في بدايته كما هي عادتها المعروفة في تأييد الأنظمة الاستبدادية التي تبدي تعاونا كاملا مع سياساتها وأهدافها الدولية والإقليمية، وتاريخها عريق في ذلك، وفي المقابل ومنذ صعود السيسي إلى الحكم، أثبتت الحكومة أن أولويتها هي إعادة تأسيس نظام جديد للسيطرة على الأمن بمعاونة الجيش والشرطة السرية والمحاكم، في مارس وأبريل، 529 و683 شخصًا على التوالي تم الحكم عليهم بالإعدام في محاكمات بالمنيا، وقد تم تخفيض هذا العدد بمائتي شخص بعد ذلك، لكن هذا جاء بعد إحراز نقطة هامة وهي أن أي معارضة للحكومة سوف تواجه بعقوبات قاسية وعشوائية، ورغم الادانة الأمريكية إلا إن ذلك لم يمنع من استقبال أوباما للسيسي رسميًا في نيويورك خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر ، وهنا نتساءل ما الذي تغير خلال شهرين حتى برزت هذه التوترات بين الجانبين لهذه المستويات اللافتة ؟.
لك أن تتعجب أن القشة التي قصمت ظهر البعير كما تقول العرب تمثل في أحكام الاعدام الجماعية الأخيرة في قضية كرداسة!! فهذا الفصل البائس الأخير من وفاة العدالة والديموقراطية قصيرة الأجل في مصر، كان هو السبب الأبرز لأن تعيد الولايات المتحدة الأمريكية التفكير في مليها الغريزي لدعم حكومة السيسي.
فأمريكا عندما تضع خططها الاستراتيجية فهي تضع كافة الاحتمالات المحيطة ببيئة الحدث، بحيث أن المخطط الأمريكي يرفض ويكره بشدة رؤية نماذج وأوضاع لم يضعها في حسبانه، لذلك فأمريكا وجهت تحذيرات للسلطة بعدم تكرار أحكام الاعدام الجماعية التي تهدر المبدأ الأساسي للمسئولية الجنائية والتي تم تعريفها في العصر الحديث وإلحاقها بالفرد بدلاً من الجماعة، وهذا الأمر ليس حبا أمريكيا في العدالة أو نصرة للمظلومين، ولكن حتى لا تتطور الأوضاع داخل مصر الملتهبة لنماذج لا تريديها أمريكا ولم تضعها في حسبانها.
إن العلاقات الأمريكية المصرية مرشحة لمزيد من التوتر والبرود وهذا ما ستسفر عنه الأيام القليلة القادمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق