ترجمة معاني القرآن
د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
أثارت مسألة ترجمة معاني القرآن منذ زمن بعيد اهتماماً من الجانبين, أيًّا كانت الدوافع؛ ومنذ زمن بعيد أيضاً أثارت ترجمته مجادلات في البلدان الإسلامية؛ نظراً للجانب لقدسي للقرآن وإعجازه, ولكي لا نقول شيئاً عن صعوباته اللغوية الكبرى.لذلك لم يتول القيام بالترجمات إلا المستشرقون, الذين يمتلكون ناحية لغتهم الأم, لكنهم أبعد ما يكونون عن امتلاك معرفة باللغة العربية تكون على نفس المستوى. الأمر الذي أدى إلى نتائج مؤسفة..
وهذا الرفض لترجمة معاني القرآن, والذي بدأ بصورة عامة في البلدان الإسلامية, ظل قائماً حتى مطلع القرن العشرين، لكن نظراً للعدد المتزايد للمسلمين في العالم, والذين لا يوجد بين أيديهم سوى ترجمات خاطئة, ونظراً لأن نفس هذه النصوص المحرفة كانت المورد الوحيد الذي ينهل منه القارئ غير المسلم معلوماته عن الإسلام, وبذلك يحتفظ بأفكار خاطئة وعلى غير أساس من الصحة, فقد غير المسلمون موقفهم ليتولوا قضية الدفاع عن الإسلام، وينهضوا بمهمة ترجمة معاني القرآن.
وبقيت قضية معرفة ما إذا كانت ترجمة معاني القرآن مباحة شرعاً, من الناحية الدينية أم ممنوعة؟
وفي دراسته المعنونة لترجمة معاني القرآن الكريم يطرح الدكتور محمد إبراهيم مهنا الموضوع, موضحاً أنه قد أثير ثلاث مرات في مصر:
1- عندما منعت مشيخة الأزهر إدخال نسخة من ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية إلى مصر، وطلبت من مصلحة الجمارك إحراقها.
2- عندما قررت حكومة تركيا برئاسة مصطفى كمال أتاتورك ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة التركية.
3- وعندما قررت مشيخة الأزهر الشروع في عمل ترجمة لمعاني القرآن الكريم بالاشتراك مع وزارة المعارف, وذلك عندما تولى الشيخ محمد مصطفى المراغي مشيخة الأزهر للمرة الثانية (عام 1936م) .
وكان على فريق عمل أن يقوم بالترجمة إلى اللغة الإنجليزية, بعد الحصول على موافقة من مجلس العلماء, مع مراعاة أن "يتولى ترجمة معاني القرآن الكريم فريق مكون من خيرة علماء الأزهر الشريف, بعد الرجوع لآراء أئمة المفسرين, ثم صياغة المعنى بدقة متناهية, ثم تتم ترجمة هذه المعاني إلى اللغات الأخرى, بواسطة أشخاص معروفين بأمانتهم العلمية وبتمكنهم بهذه اللغات الأجنبية، بحيث يفهم القارئ بهذه اللغات نفس المعنى الذي سبق وصاغه العلماء".
والسؤال المطروح كان كالتالي:
"هل الإقدام على محاولة جديدة يعد جائزاً من الناحية الدينية أو غير جائز؟".
"مع مراعاة أنه سيقال إن هذه الترجمة ليست القرآن, ولا تتضمن خصائص القرآن, وليست هي ترجمة كل المعاني التي يتضمنها أو التي فهمها العلماء, وأن هذه الترجمة ستطبع وحدها بجوار النص العربي للقرآن" فإن الفتوى التي صدرت كرد لهذا السؤال كانت ما يلي:
"الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد, رداً على سؤالكم الذي طالعناه بكل تفاصيله, نحيطكم علماً بأن الإقدام على الترجمة على الوجه المذكور تفصيلا في سؤالكم جائز شرعاًُ, والله سبحانه وتعالى أعلم".
ويلي ذلك توقيع العلماء الذين أصدروا هذه الفتوى, وهم جميعاً أعضاء بجماعة كبار العلماء:
- محمد الديناري: عضو جماعة كبار العلماء وشيخ معهد طنطا.
- عبد المجيد اللبان: شيخ كلية أصول الدين وعضو جماعة كبار العلماء.
- إبراهيم حمروش: شيخ كلية اللغة العربية وعضو جماعة كبار العلماء.
- محمد مأمون الشناوي: شيخ كلية الشريعة وعضو جماعة كبار العلماء.
- عبد المجيد سليم: مفتي الديار المصرية وعضو جماعة كبار العلماء.
- محمد عبد اللطيف الفحام: وكيل الجامع الأزهر وعضو جماعة كبار العلماء.
- دسوقي عبد الله البدوي: عضو جماعة كبار العلماء.
- أحمد الدلبشاني: عضو جماعة كبار العلماء.
- يوسف الدجوي: عضو جماعة كبار العلماء.
- محمد سبيع الذهبي: شيخ الحنابلة وعضو جماعة كبار العلماء.
- عبد المعطي الشرشيمي: عضو جماعة كبار العلماء.
- عبد الرحمن قراعة: عضو جماعة كبار العلماء.
- أحمد نصر: عضو جماعة كبار العلماء.
- محمد الشافعي الظواهري: عضو جماعة كبار العلماء.
"حيث إن الترجمة المرادة هي ترجمة لمعاني التفسير الذي يضعه العلماء، فهي جائزة شرعاً, بشرط طبع التفسير المذكور بجوار الترجمة".
رأي إمام الأزهر الشريف
بسم الله الرحمن الرحيم
وجهت هذا السؤال إلى جماعة كبار العلماء, وإني أوافقهم على مارأوه.
ولا أرى داعياً للتحفظ الذي أبداه الشيخ عبد الرحمن عليش، وهو "طبع التفسير مع الترجمة لعدم الحاجة إلى ذلك بعد مراعاة الشروط المدونة في السؤال".
رئيس جماعة كبار العلماء
محمد مصطفى المراغي
قرار مجلس الوزراء
بعد الاطلاع على كتاب فضيلة شيخ الجامع الأزهر، وكتاب سعادة وزير المعارف العمومية بشأن ترجمة معاني القرآن الكريم.
ومع تقدير مجلس الوزراء لمشقة هذا العمل وصعوبته, ومنعاً لأضرار الترجمة المنتشرة الآن.
رأى مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 16 أبريل سنة 1936 الموافقة على ترجمة معاني القرآن الكريم ترجمة رسمية تقوم بها مشيخة الجامع الأزهر بمساعدة وزارة المعارف العمومية، وذلك وفقاً لفتوى جماعة كبار العلماء وأساتذة كلية الشريعة.
تقديم
أ – لماذا هذه الترجمة ؟
هل هناك حاجة إلى ترجمة جديدة باللغة الفرنسية؟ إن الرد بالإيجاب يكاد يفرض نفسه في النطاق الذي يمكن فيه القول, بلا خطأ يذكر, أن كل الترجمات الموجودة حالياً بها العديد من الماّخذ.. إذ يتسع مدى الانحرافات من السهو غير المقصود إلى التحريف المتعمد, مروراًُ بكل الصعوبات التي تضعها اللغة الغربية أمام المترجم.
فليس المقصود هنا إلقاء لوم لا جدوى منه, حتى وإن كان مبنياً على أسس علمية, أو من قبيل المناقشات العقيمة, لكنها ملاحظات موضوعية يمكن لكل شخص أن يلاحظها في خطوطها العريضة:
- عدم احترام القرآن وخاصيته كنص منزّل لدى البعض.
- غياب الأمانة العلمية لدى البعض الآخر, والتي قد تصل إلى تحريف النص واللجوء إلى اختيار ألفاظ مهينة, خاصة عندما يسمح اختيار العبارات بذلك, مثلما ورد بترجمة أندريه شوراكي.
- عدم القدرة لدى بعضهم على إدراك معنى القرآن أو رهافة معانيه وتنوعها.
- لجوء أغلبية المترجمين إلى نوع من التعليق أو الإضافات التي تجاوز الترجمة, الأمر الذي يغرق النص بتطويل لا علاقة له أحياناً بالنص القرآني.
- الفرق الشاسع القائم بين اختلاف وعاء اللغتين, إذ إن مميزات اللغة العربية تسمح لها بأن تكون أكثر اتساعاً بعشرات المرات من اللغة الفرنسية. وهو ما سوف نراه عما قريب.
وتبقى ملاحظة لابد من قولها وهي: الفرق الواضح بين الترجمات التي قام بها المستشرقون, وتلك التي قام بها المسلمون. وهو فرق يفرض نفسه بحكم الواقع، ويقسم هذه الترجمات إلى مجموعتين متميزتين على الأقل من حيث الهدف الذي تمت من أجله. وهذا يعني قول كل شيء ضمناُ, بما أن أهداف المسار يتضمن في حد ذاته كل الخطوات التي ستتبع..
فلم يعد هناك من يجهل أن الهجوم على الإسلام قد بدأ منذ بدايات انتشاره ولم يتوقف. إذ تصدى له الغرب على أنه هرطقة مسيحية وانشقاق من أمثال ماقام به مارسيون, وماني, وأريوس وكثيرون غيرهم, والذين عارضوا تأليه السيد المسيح. وتعد الصفحات التي خصها يوحنا الدمشقي (حوالي 650-750م تقريباً).
في كتابه المعنون بـ"نبع المعرفة" فصل الهرطقات, المستودع الذي لا ينضب للأفكار المغلوطة والصور المشوهة الذي راح ينهل منه الغرب ليفرضها عبر قرون طويلة وحتى يومنا هذا بشراسة متزايدة.
ومن ناحية أخرى, فإن نفس الصورة المشوهة للإسلام وللرسول صلوات الله وسلامه عليه, وللمسلمين, والتي أضيف إليها تعنت الحروب الصليبية, تمثل الخلفية التي نُسجت عليها "بمهارة" أول ترجمة لمعاني القرآن في مطلع القرن الثاني عشر. وذلك ما يوضحه الخطاب الذي أرسله بطرس المبجل إلى سان برنار, مع نسخة من الترجمة التي قام بها روبير دي رتين بمعاونة رهبان دير سيتو. وذلك "للحاجة إلى مسح أية آثار لديانتهم الأولى من عقلية الذين تم تنصيرهم حديثاًُ", وهو ما أورده رجيس بلاشير في الصفحة رقم 9 من كتابه المعنون: "القرآن" الصادر في عام 1969م. وبقول آخر, لقد تظافرت جهود التعصب الكنسي للبعض, والتعمد العنيد للبعض الآخر لحبك عملية تزييف أرادوها أزلية!.
ومن هنا نرى أن ترجمة معاني القرآن التي قام بها المستشرقون أو رجال الكنيسة لن تحيد أبداً عن هذه القاعدة، بل إنها قد استقرت منذ ذلك الوقت في موقف عدائي ضد الإسلام. والأدهى من ذلك أن معيارها هو: تفنيد الإسلام بالاستعانة بتعاليم القرآن! الأمر الذي يكشف إلى أي مدى ستصل عمليات التحريف والتبديل وكل ما يمكن لروح الهجوم والكراهية المبنية على غير أساس أن تتمخض عنه لتفرضها بألاعيبها..
وبالتالي, فقد استسقى عصر التنوير كل معارفه وكل عدائه من هذه الكتابات المعادية للإسلام، وخاصة المعادية للقرآن، الذي راحت المسيحية تهاجمه بمنهجية ودأب عبر القرون. وهذه المعارف وهذا العداء لن يقوم بتغذية الأجيال التالية فحسب، لكنه سينتهي به الأمر إلى تكوين طابع تلقائي وشبه فطري للطبيعة الغربية، وموقف من الرفض الأعمى لكل ما يتعلق بالإسلام.
وإن كانت هذه هي الأهداف والعواقب الناجمة عن الترجمات التى قام بها المستشرقون، وهو ما يمثل المجموعة الأولى، فإن تلك التي قام بها المسلمون تنطلق بالطبع من وجهة نظر مغايرة، تهدف إلى تصويب تلك الصورة المشوهة تقليدياً والتي توارثوها – إن أمكن القول – أباً عن جد..
ومن هنا فإن التحفظات التي تتعلق بالمجموعة الثانية من الترجمات تنصب على مجال آخر هو مجال اللغة الفرنسية.
ولعلمهم بأن الفرنسية ليست لغتهم الأم، حتى وأن كان البعض منهم يعيشون في فرنسا، أو أنهم قد تلقوا تعليمهم بها، فإن هؤلاء المترجمين قد استعانوا بأعمال زملائهم المستشرقين، بما أنهم أصحاب هذه اللغة، ليستدلوا بها في ترجماتهم. وهو الأمر الطبيعى لأي عمل أكاديمي، غير أنه بخلاف عمليات النقل, فقد انزلق البعض سهواً واستخدموا نفس الصيغ المدسوسة بدهاء لينقلوها إلى ترجماتهم, ولا نذكر هنا على سبيل المثال إلا ذلك الذي نقل عبارة جاك بيرك التي ترجم بها (أن الله يتوب) بمعنى أنه يتوب عن خطئه (والعياذ بالله)، بدلا من أنه يتوب عن أخطاء البشر! صحيح أن فعل يتوب باللغة العربية يعني أن الشخص يندم عن عمل ما, وبالعربية أيضاً فإن نفس الفعل حينما يتعلق بالله عز وجل فإنه يأخذ وبلا أي تردد معنى العفو. وبالنسبة للمسلم فإن هذه التفرقة بين المعنيين تتم تلقائياً وفقاً للمضمون, أما بالنسبة للمستشرق الذي يبحث عن التشويه والتزوير, فإن ما قام به جاك بيرك يعد مطابقاً! لذلك لابد من ترجمتها بفعل آخر.
وهناك مثال آخر أقل فداحة من الناحية الدينية, وقد انتقل تقريباً إلى كل الترجمات ألا وهو اختيار ألفاظ بعينها, مثال كلمة Répudiation كمقابل لكلمة الطلاق، في حين أن المقابل الفرنسي موجود, وهوDivorce والفرق بين الكلمتين في اللغة المترجم إليها أن الطلاق يمثل واقعة محدودة, في حين أن Répudiation تتضمن بالنسبة للمرأة, معنى إهانة الطرد. الأمر الذي يسيء إلى حقيقة الإسلام وموقفه من المرأة.
ولم يكن ذلك مثالاً بسيطاً للتلاعب بالألفاظ الذي يقوم به المستشرقون, والذي تكاد لا تخلو منه صفحة من صفحات ترجماتهم.
وتبقى مشكلة أساسية: نظراً لاختلاف وعاء اللغتين فإنه لا يمكن القيام بترجمة مرضية حقاً لمعاني القرآن الكريم باللغة الفرنسية دون اللجوء إلى اشتقاق كلمات جديدة. إنها ضرورة قد لامسها كل الذين تعرضوا لهذا المجال. إلا أن هذه الضرورة الموضوعية، من ذا الذي سيقوم بها؟ أولئك الذين أمضوا أربعة عشر قرناً في الحفاظ على تلاعب متعمد بالقرآن؟ هل سيشغلون بالهم بصياغة اشتقاقات جديدة حتى يعطوا صورة أقرب ما تكون من النص الذي يحاولون استبعاده من الوجود ؟!
ومن ناحية أخرى, فإن المسلمين نادراً مايجرأون على اقتحام هذا المجال, لمعرفتهم عن حق إلى أي مدى سيغضب البعض من مجرد الفكرة!
ذلك كان في خطوطه العريضة السبب الذي من أجله تمت هذه الترجمة. وذلك لا يقلل أبداً من قدر المجهود الذي قام به من سبقونا على هذا الطريق.
ومع ذلك, يبقى الأمل. الأمل في أن يقوم أحد أساتذة اللغويات, أو أحد أعضاء الأكاديمية الفرنسية ليتخطى بشجاعة حاجز الكراهية والنفوذ الذي تم غرسه عن غير وجه حق عبر القرون, ليتولى مهمة القيام بالاشتقاقات المناسبة!
إنها مهمة مزدوجة الصعوبة, لكن كم هي مهمة إنسانية وعلمية.
ب- الترجمات السابقة
إن الترجمات الكاملة لمعاني القرآن الكريم التي استطعنا الحصول عليها والرجوع إليها هي الترجمات التالية مرتّبة وفقا لتاريخ صدورها:
- دي ربيه: لا لقراّن دي ما أوميه, 1647.
- سافاري: الكرآنْ, 1783.
- كازيمرسكي: الكرآنْ, 1840.
- مونتيه: الكرآنْ , 1929.
- لايمسن: الكرآنْ , 1931.
- بيل وتيجاني: الكرآنْ, 1954.
- بلاشير: الكرآنْ, 1966.
- ماسون: الكرآنْ المتعذر تقليده 1967.
- محمود بن نابي: الكرآنْ, 1976.
- جروجان: الكرآنْ, 1979.
- كشريد: الكرآنْ الكريم 1984.
- بوبكر: الكرآنْ 1985.
- أحمد م.ت: الكرآّنْ المقدس 1985.
- حميد الله : الكرآنْ المقدس 1986.
- خوام: الكرآنْ 1990.
- بيرك: الكرآنْ 1990.
- شوراكي: الكرآنْ 1990.
- مجمع الملك فهد: الكرآنْ المقدس 1994.
- مازيغ: الكرآنْ (بدون تاريخ).
وكما هو واضح, فإن عشراً من هذه الترجمات قد قام بها مستشرقون, وواحدة منها تمت بالاشتراك بين مستشرق ومسلم, وثمان منها قام بها مسلمون ومؤسسات إسلامية.
ولايتسع المجال هنا لتناول كل منها على حدة وتوضيح ما لها وما عليها، لكن هنا أيضاً التحديد يفرض نفسه بين المجموعتين, لنوضح بشيء من التفصيل الأسباب التي من أجلها تعد ترجمات المستشرقين منتقدة نظراً لعدم الأمانة العلمية المسبقة التي يشرعون في أعمالهم.
ومن هنا يمكن القول إجمالاً أن كل ترجماتهم, وبلا استثناء, تنطلق من نفس النقطة: رفض حقيقة أن القرآن منزّل من عند الله, تأكيد أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو مؤلفه, إنكار أميته, إثبات أنه نقل عن القدامى أو قلدهم, برهنة أن هذا القرآن لايتضمن أي تشريع يذكر، وأنه في الواقع ليس سوى كم من العبارات المثيرة للسخرية أو المليئة بالغموض, ليصلوا جميعاً بصورة أو بأخرى إلى نفس النهاية: إنه عمل مليء بالخزعبلات جدير بأن يلقى..
وإن لم يكن القرآن يسهل له هذه (المهمة) عن طريق اختيار عبارات معينة, فإن الهوامش والتعليقات في آخر الصفحات إضافة إلى المقدمات التي يكتبونها تعطي لهم المساحة الكافية لتنزيف وتحريف المعنى.
وكلها أيضاً تتظافر جهودها لتلجأ إلى نفس التقنية: إخفاء أو التلاعب بالآيات التي تدين عقيدة الثالوث، وكل تلك التي تثبت عمليات التلاعب التي عانى منها الإنجيل الأصلي إنجيل يسوع بكل صورها: تغيير أماكن الكلمات, تبديل المعنى, تحريف, الخ..... وخاصةً تلك الآيات التي تدين تأليه السيد المسيح.
كما أن كل هؤلاء المؤلفين يتفقون لاستبعاد أية تشابهات بين المعطيات الأساسية, بما أن رسالة التوحيد واحدة وهي: وحدانية الله عز وجل.
وكذلك فإن اختيار الكلمات يخضع لنفس المعيار. فكلمة (الجنة) Pardis مثلاً لن تظهر تقريباً في هذه المجموعة من الترجمات, لكنهم سيضعون بدلا منها كلمة حديقة Jardinوهو نفس الأسلوب المستخدم للتلاعب بفعل (يتوب) الذي رأيناه فيما سبق. فإن كلمة جنة باللغة العربية تعني الاثنين, المعنى الأخروي والحديقة أو البستان، والمعنى العام للسياق هو الذي يحدد الاختيار. تلك كانت -في خطوطها العريضة- التوجهات المسبقة التي يتبعها المستشرقون, والفرق الموجود بين كل ترجمة من ترجماتهم ليس -في الواقع- سوى اختلاف في الأسلوب وفي التحايل, لكن القاسم المشترك بينها يظل واحداً.
والتقرير الذي قدمته اللجنة المكلفة بمراجعة "ترجمة معاني القرآن" التي قام بها جاك بيرك يوضح ما فيه الكفاية، ويكشف إلى أي مدى يمكن القول بأن القرآن لم يُقدم بأمانة أبداً من قبل المستشرقين, في أي لغة أجنبية, ولا بأي صورة تجعله مفهوماً حقيقة. والموجز التالي لتقرير اللجنة يقول ما يكفي:
لقد قام المرحوم الشيخ جاد الحق علي جاد الحق, الإمام الأكبر للأزهر الشريف بتشكيل اللجنة بموجب القرار رقم 402 لعام 1995 بتاريخ 26 يونيو، وتضم كلاً من:
- أ. د مصطفى الشكعة عميد كلية الآداب بجامعة عين شمس، وعضو مجمع البحوث الإسلامية, الصديق الكبير لجاك بيرك وزميله.
- أ.د محمد بدر, أستاذ النظم القانونية بجامعة عين شمس.
- السيد السفير أحمد بن خليل المتبحر في الإسلاميات والعالم بالفرنسية.
- أ.د محمد مهنا أستاذ القانون بكلية الحقوق.
- أ.د زينب عبد العزيز, أستاذ الحضارة ورئيس قسم اللغة الفرنسية وآدابها بكلية أداب جامعة المنوفية، ومؤلفة الكتاب المعنون: وجهان لجاك بيرك.
وكان التقرير الجماعي الذي تقدمت به هذه اللجنة مرفقاً معه ثلاثة تقارير فردية مقدمة من كل من:
- أ.د أحمد البساطي, عميد كلية الدراسات العربية والإسلامية بجامعة الأزهر.
- أ.د علي جمعة، أستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهر.
- د. محمود عزب المدرس بجامعة الأزهر، والمدافع المتحيز لجاك بيرك, والذي اقترح في تقريره استبعاد الدراسة التي زين بها جاك بيرك ترجمته للقرآن برمتها؛ لأنها "تسيء إلى مؤلفها بشدة". وكان التقرير الجماعي الذي تم نشره بجريدة الشعب بتاريخ 21مارس 1997 يتضمن خمس عشرة ملاحظة تلخيصها كالآتي:
1- جهلة باللغة العربية:
وذلك لعدم إدراكه أعماق اللغة وإمكاناتها المنفردة، ولقراءته الخاطئة في التشكيل والنحو، ثم يخرج بنتائج يتنقد بها القرآن، أو يقوم بالتفسير وهو لا يملك المقومات البدائية
لذلك.
2- عدم فهم النص القرآنى:
بناء على جهله باللغة العربية وقواعدها في النحو والقراءة الصحيحة فهو يسيء الفهم ويخطئ ويفتئت، ويأتي بأدلة محرفة ليثبت أن القرآن مليء بالأخطاء اللغوية التي لا تغتفر والتي لا يمكن تبريرها.
3- عدم الأمانة العلمية:
وذلك بتشويه النقل عن المفسرين القدامى، ومحاولته إثبات تاريخية النص القرآني زوراً قياساً على تاريخية الأناجيل، وبالتالي تأكيد أن القرآن من صنع البشر مثلها (صفحة 745). وكذلك لجوؤه إلى استشهادات مبتورة، ويضعها خارج سياقها ليثبت فرياته، مثال مقولة "لكل كتاب أجل" (787).
4- ترجمة محرفة:
فهو يستخدم كلمات وألفاظ لا تعبر عن المعنى القرآني والتي تكشف عن جهل فاضح باللغة العربية وسوء نية مبيتاً، وذلك من قبيل ترجمته سورة الروم "الروم" بكلمة روما عاصمة إيطاليا! والأدهى من ذلك يضيف في هامش الصفحة: "إننا نقول روما من باب الترخيم الصوتى حيث يجب أن نضع البيزنطيون" بالطبع (431)!
5- كلمة القرآن:
لا يستعين حتى بالقواعد الأولية للترجمة فيما يتعلق بترجمة نفس الكلمة الواحدة، وإنما يلجأ إلى تنويعات متفرقة للتعبير عن كلمة القرآن مما يؤدي إلى بلبلة القارئ، ويوحي بالاستخفاف.
6- الله في القرآن:
إصراره على إظهار الله سبحانه وتعالى في صورة مرعبة مليئة بالتناقضات محدداً "الله في القرآن" وكأن الأمر يتعلق بنظرية ما في القرآن!وزيادة في الاستخفاف يضيف قائلاً: إنه يمتلك نوعاً من الثنائية في علاقاته مع مخلوقاته: فهو يسعد بالمديح، ويصلي، ويندم! (791).
7- جمع القرآن:
يجاهد لإثبات أن القرآن قد تم تحريفه عند تجميعه، وعند تشكيل القراءة، وأنه ما زال يحمل آثار هذا التلاعب حتى يومنا هذا!
8- الطابع البشري للقرآن:
يؤكد في عدة أماكن أن القرآن قد كتبه سيدنا محمد صلوات الله عليه، متأثراً بالشعر الجاهلي، والفكر اليوناني، ومزامير داود.
9- القرآن شعر قديم:
يؤكد أن القرآن عبارة عن نوع من الشعر القديم، ثم يقارنه بشعر فارمنيدس الذي يقول إن النبي عليه الصلاة والسلام قد استوحى منه سورة الإخلاص، ثم يؤكد أنه إذا ما أخضع القرآن لعلم اللغويات الحديثة ونظرياتها لفقدت العديد من السور من قيمتها!
10-انتقاده وتقويمه للقرآن:
يلجأ إلى معطيات مغلوطة ليقول إن القرآن قد جاء لمكان محدد ولزمن معين، ومن أجل ظروف إنسانية بعينها. وحيث إن هذه الظروف تتغير وتتطور فلا بد من تغير النص القرآني وتطويره لأن ثباته عبر الزمان يمثل إحدى آفاته!
11-انتقاده للحديث والسنة:
يرى أن الحديث والسُنة ليست إلا عبارة عن قياس أحداث على أحداث تاريخية سابقة، ويقترح نبذها بما أنها مليئة بالفجوات، وعدم الدقة، وتفتقد المصداقية!
12- اتهام علماء المسلمين:
يحاول إثبات أنهم قاموا بالتزوير لإطفاء معان معينة على القرآن، بينما دأب المستشرقون على كشف خدعهم!
13- نفيه وجود شريعة بالقرآن:
يؤكد أن القرآن عبارة عن خليط غامض من الدين، والأخلاق، وأن القليل الذي يتضمنه من أحكام غامض أو منقول عن قانون جستنيان وغيره.
14- فصل الدين عن الدنيا:
يسيء تفسير معنى الآيات ليقول إن القرآن يحرم السلطة السياسية على رجال الدين المسلمين، في حين أن القرآن يحرم التألية أو ادعاء الألوهية.
15- الدعوة التي يدعو إليها:
يخلص بأن الإسلام دين غامض، وأنه يعني الخضوع، وأنه مليء بالمتناقضات، ويدعو المسلمين إلى تصويب النص القرآني، وإلى البحث عن مصادر أخرى للتراث، تكون قائمة على الطبيعة وليس على "الغموض" مكرراً عشرات المرات ضرورة إخضاع القرآن للنقد التاريخي، وإلى علوم اللغويات الحديثة، لا لتخليصه من التحريف والتناقض الذي يزخر به في نظره فحسب، وإنما بغية نقله إلى الحاضر بحيث يمكن إدماجه في العصر الحديث! وتنهي اللجنة تقريرها بالتأكيد على أن هذه المعطيات التي تتكرر طوال الاثنين وثمانين صفحة لهذا البحث ليست عفوية، وإنما تمثل الحطوط الأساسية التي نسج عليها ترجمته.
وبعد قراءة مثل هذا التقرير، يشعر المرء بالكدر عندما يعرف أن جاك بيرك كان عضواً بمجمع اللغة العربية بالقاهرة، وأستاذاً فخرياً بالكوليج دى فرانس! وهي الإجازة الوحيدة التي توج بها عمله!
تلك هي الأسباب التي أدت إلى ما أثارته ترجمة جاك بيرك من ردود أفعال لا مثيل لها، في مصر وفي العالم الإسلامي، منذ ظهورها وأدت إلى إدانتها.
ولا يتسع المجال هنا للرد على كل هذه المعطيات التي تناولها المستشرقون بصور متفاوتة، لكننا لا نستطيع إغفال ذلك المطلب المتكرر من جاك بيرك وشركاه، ألا وهو إخضاع القرآن للنقد التاريخي، وتطبيق أساليب اللغويات الحديثة عليه، وإخضاعه إلى النقل في الحاضر.
إن أي منطق سوي يمكن أن يدرك بسهولة أن كل وسائل التحليل التي توصل إليها الغرب في دراساته الألسنية، هي على علاقة مباشرة بلغاتها وتطابقها تماما، حيث إن المنبع أو الأساس الخاص بالاثنين هو واحد بالنسبة للغة وبالنسبة لهذه الأعمال اللغوية.
أما فيما يتعلق بآليات التحليل التي تناسب اللغة العربية, فقد اكتشفها المسلمون في القرون الأولى للإسلام, وطبقوها على القرآن, وظهر بها أنه كتاب في غاية الإحكام, بأسلوب لا يضاهى سواء من حيث الشكل أو المضمون. لذلك يؤمن به المسلمون ويتمسكون به عبر العصور.
ولا يمكن للغرب أن يدرك ذلك الأمر؛ حيث إنه عانى من تجربة على عكس ذلك تماماً مع نصوصه المقدسة التي لم تكف عن الخضوع لعمليات التحريف حتى يومنا هذا, ولا نذكر هنا الا محاولات البابا يوحنا بولس الثاني "تبديل" سبعون آية أو فقرة من الإنجيل لكي يحقق وحدة الكنائس التي يريدها لواء الكاثوليكية الفاتيكانية, لكي لا نقول شيئاً عن التناقضات التي تتضمنها الأناجيل والتي لا يمكن تخطيها بتاتاً.
ولا يمكن للغرب أن يدرك عمق تعلق المسلمين بالقرآن, ولا ذلك الإجلال الراسخ الذي يخصونه به. لذلك يعد مطلب جاك بيرك وأمثاله خطأ منهجياً؛ لأنه لا يمكن تطبيق قواعد أجرومية ووسائل تحليل لغة ما على لغة أخرى, خاصة آليات لغة لاتينية على لغة سامية.
أما فيما يتعلق "بنقل القرآن إلى الحاضر", أو بقول آخر: بتحريف القرآن, الذي يصرون عليه بزعم أن يتمشى مع الحاضر أو مع العصرية المزعومة, فلا يحق لإنسان أن يمس أي حرف من هذا النص المنزل, المقدس, الطاهر والمصون, فحسب, ولكن الرد الوحيد الذي يمكن قوله هو هذه الآية من سورة الحجر:"إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ".
ج- مشكلات الترجمة إلى الفرنسية والقواعد التي يمكن اتباعها .
منذ زمن بعيد والتفكير في الترجمة يتركز على تناقضات ثنائية: اللغة الأصلية / اللغة المترجم إليها؛ النص الأصلي/ النص المترجم؛ ترجمة حرفية/ ترجمة حرة؛ ترجمة المقابل الحرفي/ ترجمة الروح العامة. وكل هذه التوجهات التي ليست على نفس المستوى تؤدي إلى نقطة أساسية: الاهتمام بالنص الأصلي أم النص المترجم إليه؟ ورغمها, وأياً كانت الخيارات أو المصاعب, فإنه توجد دائماً عمليات مشتركة لكل اللغات تسمح بعمل معادلات مقابلة.
وفيما يتعلق بترجمة معاني القرآن, مع مراعاة مصاعب اللغة العربية وخصوصيتها, وسماتها المميزة, فلا يمكن الاكتفاء باختيار نسق واحد لاتباعه, وإنما لا بد من الاستعانة بكل وسائل الترجمة الممكنة, وفقاً للسياق, حتى يمكن تقديم فكرة سليمة عن المعنى.
ولقد جرى العرف على الكتابة, ببساطة, أن اللغة العربية لغة سامية, وأنها تختلف عن اللغات اللاتينية, وأنها تنعم بمرونة فائقة, وذلك لأنها تتضمن إمكانية شاسعة للاشتقاقات.
وبالفعل, إن الفرق بين الإصلاح العربي وأي إصطلاح غربي يكمن في تلك الإمكانيات الشاسعة للغة العربية, التي تتضمن إضافة إلى ذلك: سهولة كبرى في صيغ النحو, متناهية في القواعد ترجع إلى نظام خاص لجذور ومرونة الأفعال وتنوع لاشتقاقات متعددة. الأمر الذي يسمح بثراء شاسع في المفردات, وبرهافة في الفوارق التي لا يمكن ترجمتها الترجمة الدقيقة إلا باللجوء إلى اشتقاق كلمات جديدة في اللغة المترجم إليها.
وقد يكون ذكر مثال علمي أوضح للقارئ حتى يمكنه استيعاب هذه المرونة غير التقليدية. إن الاشتقاقات التي يمكن للفعل أن يعطيها في اللغة العربية هي التالية:
في الصيغة الفعالة: الماضي والماضي المبهم, صيغة الأمر؛ صيغة الماضي: في الماضي والماضي المبهم؛ اسم الفعل: اسم الجنس؛ اسم الفاعل؛ اسم المفعول أو الفاعل بحرف الميم؛ اسم الزمان والمكان. أي قرابة عشر صيغ كل منها تعطي ثمانية تصريفات مختلفة, الأمر الذي يسمح بثمانين اشتقاقاً من الفعل الواحد. ويتضاعف الرقم تقريباً إذا ماراعينا الصيغ المؤنثة.
كما يجب أن نأخذ في الاعتبار أن كل واحد من هذه الاشتقاقات يتضمن اختلافاً في المعنى أو في الدرجة. الأمر الذي لا يوضح مدى اتساع أو مرونة اللغة العربية فحسب, ولكن أهمية وضرورة مراعاة التشكيل في القراءة لكي تكون الترجمة سليمة وإلا فإن الأخطاء ستتراكم رغم كل النوايا الحسنة للمترجم. ثم, هل من ضرورة لنضيف أن اللغة الفرنسية كثيراً ما لا يوجد بها صيغة الفعل أو الصفة, أو الصيغة الثنائية ولا المؤنث لبعض صيغ التصريف كفعل الأمر وغيرها؟!
من ناحية أخرى فإن اللغة العربية تمتلك العديد من المصطلحات لتحديد الفرق الدقيق بين الحالات المختلفة مثلما في الآية (103) من سورة المائدة حيث نرى مسميات محدوددة للجمل أو الناقة أو الشاة. فهناك "بحيرة" للناقة التي أنجبت خمس مرات, والتي كانو يشقون أذنها علامة على حريتها في أن ترعى في كل مكان، وأنها كانت خاصة بمعبود ما؛ و"سائبة" للناقة التي ترعى حرة وقد نذرت لإله ما؛ و"وصيلة" للشاة التي أنجبت توائم خمس مرات متتالية؛ (وحام للجمل) الذي أخصب ناقة عشر مرات متتالية. ونظرا لعدم وجود مقابل للفرنسية فإن المترجم يجد نفسه أمام ثلاثة اختيارات: الترجمة بتركيبة تعبيرية أو بجملة بأسرها؛ الكتابة الصوتية للكلمة؛ أو البحث عن اشتقاق جديد.
والاشتقاق الجديد يمثل بالفعل إحدى المشاكل الكبرى. ولقد لجأنا إليه في أضيق الحدود حيث كان لابد من ذلك, خاصة بالنسبة للبسملة, وهي العبارة التي تتضمن اسم الله واثنان من صفاته الأساسية، والتي ينطقها المسلم عند شروعه في أي شيء، وليس عند الصلاة فحسب.
إن فعل رحم يعني عمل الرحمة، و رحمن ورحيم اسمان صفتان متقاربان في المعنى ويعبران عن فكرة الرحمة. ومع ذلك فإن الأول يصف من يقوم بالفعل, والثاني يتسم بالصيغة الأكثر شيوعا للاسم الصفة وهو Miséricordieux من ناحية أخرى فإن كلمة الرحمن بالعربية لا تنطبق إلا على الله وحده الذي وسعت رحمته كل الأشخاص بلا تمييز, في حين أن الرحيم معناها أكثر تحديداً, أي تجاه الذين يستحقون رحمته.
وبما أنه لا يوجد بالفرنسية كلمة تصف من يقوم بفعل الرحمة, مثال عامل للذي يقوم بالعمل, فكان لابد من اشتقاق اسم الموصوف الخاص Miséricordeur الذي لا ينطبق إلا على الله, للتعبير عن نفس الصياغة اللغوية العربية حيث إن الاسمين الصفتين مشتقان من جزر واحد, لتوضيح الفرق بين الاسمين، حيث إن الأول يحدد من يقوم بالفعل, والثاني يشير إلى صفته.
ولقد استعنا بنفس الصفة باللاتينية بما أن الكلمة وفقاً لعالم اللغويات جريس يمكن أن يكون لها اشتقاقان متقاربان في المعنى. وهو ما سمح لنا بترجمة أقرب ما تكون إلى العربية من حيث الشكل والمضمون: بسم الله الرحمن الرحيم.
Au Nom d'Allah, le Miséricordeur, le Miséricordieux من جهة أخرى, إنه نفس العمل الذي حاول أن يقوم به أندريه ميكيل في كتابه المعنون "الواقعة", حيث قام بنقد عدة ترجمات لسورة الواقعة، ويقترح فيه ترجمة جديدة للبسملة تكون من نفس الجزر بالنسبة للصفتين, لكنه للأسف قد استعان بكلمة أخرى غير "الرحمة" وقال:
هناك مشكلة أخرى أكثر خطورة شكلاً, إذ إن كلمة magnificent لا توجد, إذا مارجعنا إلى العرف والممارسة. لكنها نعمة غير متوقعة بما أن هذا الاشتقاق الجديد يحترم خاصية الرحمن ويناسب الله تماماً, الذي تخصه هذه الصفة تماماً, بما أنه الوحيد الذي يمكنه أن يكون رحماناً. وبمراعاة هذه العبارات "الوحيدة" والتي تحدد الفرق بين الصفتين يمكننا اقتراح: Au Nom de Dieu, le seul Magnificent Le Magnanime ، ويعني اقتراحه هذا: بسم الرب, العظيم الوحيد, كريم النفس!
هل من ضرورة لنقول إن هذا الاقتراح لا يحترم حتى سياق العبارة العربية بما أنه اضطر الى إضافة كلمة "الوحيد" ومن ناصية أخرى, لا ندري لماذا لم يستعن السيد ميكيل بنفس الجذر المقابل للعربي وهو موجود بالفرنسية، أي بـ miséricorde ؟ إن Magnanime تعني: ميال إلى العفو عن الظالمين, في حين أنmiséricorde (الرحمة) تتضمن العفو, الغفران التام عن المذنب.. والفرق جد كبير.
أما ترجمة اندرية شوراكي للبسملة فهي أكثر بؤساً وسخرية, إذ اختار اشتقاق آخر للجذر (رحم) الذي يعطي بخلاف الرحمة كلمة (رحم) المرأة ومشتقاته, وبدأ يكتب "إن الله يخص بأرحامه من يشاء"! (صفحة 57)
وكما يتضح مما تقدم, فإن مشكلة من المشكلات الأساسية لترجمة معاني القرآن إلى الفرنسية هي نقص الكلمات المقابلة.
وفيما يتعلق بالكلمات التي لا تستخدم في الفرنسية خارج معناها المحدد في القرآن, والتي يعد أساس وجودها هو المعنى الديني الإسلامي, فقد بدا لنا من المنطق أن نحافظ على كتابتها الصوتية, مثال الكلمات التالية:
القرآن: إننا نجد في قاموس روبير التاريخي للغة الفرنسية أمام كلمةCoran إنها مستعارة من العربية "القرآن" al-qur'an (القراءة كما يجب), وهي مشتقة قرأ Qara'a ولا ضرورة لنورد كافة التغيرات التي عرفتها صياغة هذه الكلمة على أيدي المستشرقين من alcoran وalchoran (في أواخر القرن الخامس عشر) إلىKoran 1657 وغيرها، قبل أن يستقروا على ذلك النطق المعوجCoran (وينطق كوران مع تسكين النون تماما، وهو أبعدهم عن النطق السليم للقرآن).
والمؤسف في هذا الأمر أن نرى كيف يجيد الفرنسيون كتابة النطق السليم، كما طالعناه al-qur'an ومع ذلك نرى نوعاً من الإصرار الغريب على هجاء كتابة غير سليم، بل والأدهى من ذلك أن نطالع في كتاب بلاشير المذكور بعاليه في صفحة 10: لكي لا نعارض استخدام بدأ يَعّمْ في فرنسا، سنتبع هجاءCoran !
وهنا نتساءل: لماذا الإصرار على الحفاظ على هجاء غير سليم في حين أنه من الأصح والأكثر أمانة اتخاذ الشكل الأكثر قرباً، حتى وإن أدى ذلك إلى معارضة استخدام يفتقد إلى الأمانة؟! وهو استخدام نراه يتكرر مع اسم سيدنا محمد صلوات الله عليه، والذى مر بالعديد من المحاولات التحرفية من قبيلMaometto, Mahomet Mahom Mahomus Baphomet ، وغيرها قبل أن يستقروا علىMahomet وينطق "ما أوميه" !! ومن الجارح أن نرى كيف يجيد كل الفرنسين كتابه اسم محمد Muhammad حينما يتعين الأمر بأي شخص آخر غير رسول الله ! ألم يحن الوقت لمعارضة العديد من هذه الاستخدمات الخاطئة عمداً، والتي لم تسُد طويلا إلا بسبب التحيز الأعمى، وأن يقوموا بتصويب كتابة اسم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام؟! وفيما يتعلق بهذه الترجمة فقد اخترنا هجاء Qur'an ، وهو أكثرهم قرباً من النطق العربي، آملين رؤية تعميمه في النصوص الفرنسية.
الزكاة: إن الزكاة ليست الضربية العشرية، ولا الصدقة أو الصدقة الشرعية كما يترجمها المستشرقون: إنها عبارة عن مبلغ محدد, يُرفع من دخول محددة, ويعطي لأشخاص معينين. وهؤلاء الأشخاص مذكورون في سورة التوبة آية 60؛ و الدخول محددة في أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام.
الأنفال: لا يوجد مقابل دقيق بالفرنسية لهذه الكلمة التي عادة ما تترجم بمعنى "الإضافية" حينما يتعلق الأمر بالصلوات. أما بالفرنسية فإن كلمة Butin تعني مايؤخذ من العدو أثناء الحرب, بعد النصر, أو تقسيم ما أخذ من العدو. في حين أن كلمة dépouilles (في الجمع) تعني ما يؤخذ من العدو في حقل المعركة. أما عبارة الأنفال فتتضمن معنى أساسيا لا يوجد في العبارتين السابقتين بما أنها تعني: مكسب ناجم عن الحرب ولم يكن في الحسبان، أي أنه نوع من الغنيمة غير المتوقعة.
سورة : يعد هذا الهجاء Soura هو أقرب شكل من النطق العربى وليس Sourate كما جرى العرف على كتابتها وتنطق سورات. وجمعها Suwar .
ومن نفس المنطلق، فقد قمنا بنصويب هجاء اسم المدينتين الأساسيتين بالنسبة للمسلمين، وكانت الكتابة المتفرنسة تحرفهما، فكتبنا Makka بدلا من Mecque (وتنطق مك)، al-Madinah بدلا منMédine (وتنطق ميدين)، آملين أن يتم تصوبيها في النصوص الفرنسية.
ونفس الشيء بالنسبة للدقة المتناهية التي يصف بها القرآن الكريم تكوين الجنين، التى دفعت الدكتور كيث مور، أستاذ التشريح وعلم الأجنة في جامعة أتوا بكندا، إلى أن يعلن أثناء المؤتمر المنعقد بالقاهرة عام 1986، حول الإعجاز العلمى للقرآن، بأنه لا توجد في أي لغة الألفاظ التي تصف تكوين الجنين في القرآن ولا في دقتها، واقترح إدخالها في اللغة الطبية وفي اللغة العامة. لذلك أخذنا برأيه فيما يتعلق بالكلمات الثلاث الرئيسة وهي:
نطفة: Nutfah بدلا من gouttelette ، وهي نقطة انطلاق أي تكوين جنيني. وتمتد هذه الفترة من لحظة الإخصاب حتى اليوم السادس.
علقة: Alaqah بدلا من quelque chose qui s'accroche وتعني تثبيت البويضة بواسطة شعيرات زغبية تربطها بجدار الرحم. وجمعها alaq , وتمتد هذه الفترة من اليوم السادس وحتى الأسبوع الثالث.
مضغة: Mudgah بدلا ممن mâchure , وهي المرحلة التي تتكون فيها الكتل الصغيرة من الأنسجة الضامة, وعددها من 42 إلى 45 زوجاً من النتوءات التي تشبه بالفعل قطعة من اللحم الممضوغ. وتمتد هذه الفترة من الأسبوع الثالث إلى السابع.
وهناك مشاكل أخرى تتعلق بالاسم حينما يعطي مجموعتين متميزتين من الاشتقاقات, مثال جذر "رحم" الذي يعطي مجموعتي الرحمة و رحم المرأة، والذي رأينا استخدامه الخاطئ في ترجمة شوراكي؛ أو كلمة "كافر" من كفر. فهي من ناحية تعني المزارع الذي يضع الحب في الأرض ويغطيه، ومن ناحية أخرى قد أعطت ذلك المعنى المركب الشديد الاستخدام في القرآن وهو "غير المؤمن النافي للحقيقة" والمعنى الأول لا يرد سوى مرة واحدة في القرآن (آية 20 /سورة الحديد), وعدم مراعاة هذا التحديد يحرف المعنى.
وهناك مشاكل أخرى تتعلق باللغة المترجم إليها, حينما تكون الكلمة قد اكتسبت معنى معيناً:
فكلمة "الغيب" عادة مايترجمونها "بالخفي" أي ما تدركه معرفة الإنسان أو "بالمجهول" أو "بالغموض" وكلها لا تتفق والمعنى الدقيق لكلمة الغيب بما أن هذا المجال يمكن إدراكه بفضل القرآن، وهو ليس بمجهول بفضل كل الآيات التي تصفه. وبالتالي فهو ليس بغموض، بما أن كل مسلم يعرف تمامًا ما الذي يحدث في العالم الآخر، وكيف سيكون يوم الحساب, وكيف سيكون العقاب والثواب. إلا أن كل ذلك محجوب عن أعيننا ولا نعرفه إلا ذهنياً. لذلك آثرنا كلمة Occulte بحرف الـ O الكبير لتمييزها عن المعنى الشائع لها ومشتقاته.
وهناك كلمة "فلح" التي أعطت كلمة المفلحين, وتعني: يقطع؛ يشق وخاصة يشق الأرض؛ يحرث يزرع. أي كل الأعمال الضرورية لجعل الأرض أكثر خصوبة لتحسين إنتاجها. أما في المعنى المجازي فإنها تعطي معنى يثقف أي الاهتمام بالدراسة والبحث عن تحسين النفس ورقيها, وتنمية الذهن والعقل والنفس تحسين الحياة واستصلاح العادات؛ تنمية العلاقات والمشاعر التي تربط بين الناس والحفاظ عليها؛ تنمية المدارك والمعارف، والصداقات، العطف والتعاطف. وهذا المعنى المزدوج، المباشر والمجازي، هو الذي يبرز من كلمة المفلحين. ولقد سبق للأديب فولتير أن استخدمها بأوسع معانيها في عبارته الشهيرة أن يفلح المرء حديقته.. وقد ترجمناها بهذا المعنى ceux qui cultivent لتفريقها عن cultivateurs بمعنى المزارعين.
وأفعال التفضيل من الصيغ القليلة الاستعمال في الفرنسية، سواء أكانت مطلقة أم نسبية، وهي تمثل نوعا آخر من المشاكل بما أن اللغة العربية تعرف اشتقاقات كثيرة. فهناك أسماء الله الحسنى وبعضها له أربع درجات من التفاوت وهي عالم, أعلم, عليم، علاّم. وقد ترجمناها على التوالي Très- Scient, Plus Scient Tout-Sscient et Omniscient
وهناك صيغة تفضيل أخرى من اسم العليLe Haut وهي الأعلى وتعني le Plus-Haut , ولم يقم أحد بترجمتها الصحيحة، بل ولا ندري لماذا اكتفت كل الترجمات بعبارة le Très–Haut ?!
والالتفات من الصيغ الكثيرة الاستخدام في القرآن. وأحد الحلول التي تساعد على اجتياز صعوبة تغيير الشخص في العبارة هي وضع نقطتين لعدم تغيير صيغه الفعل بالعربيه.
أما المشاكل الناجمة عن المعاني المقابلة في اللغة المترجم إليها، في الترجمة الحرفية فتطلب اهتمامًا آخر.
إن صفة (الأخير) بالفرنسية في الاستخدام الاسمي تأخذ معنىً بخساً، خسيساً والعبارة الفرنسية Le dernier des hommes لا تعنى آخر الرجال وإنما أصغر وأخس الرجال! وعندما يتعلق الأمر بعبارة آخر النبيين التي يترجمها البعض بعبارة Le Dernier des prophètes بدلا من قولL'ultime Prophète ، فإنها تصيب بالمرارة والإحباط التي تعود حقًا على المترجم.
وهناك مشكلة من نوع آخر يثيرها مستوى معارفنا ومحدوديه منطقنا. فهناك آيات يقف المترجم أمامها كالفرس الأشب، ولا يجرؤ على ترجمتها ببساطه ويلجأ للتحايل والالتفاف حول النص أو الحذف، وذلك مثال الاّيه 43 من سورة النور:
"أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ".
ولا داعي للقول أنه ما من ترجمة من الترجمات التسع عشرة التي طالعناها قد نجحت في ترجمتها، ولعل المترجم لم يمكنه تصور أن هناك في السماء توجد جبال على قمتها برد!
ولم تتغير معلوماتنا إلا ابتداء من 1950 حول تكوين المطر و الدور الذي يلعبه في تكوين جزيئات من الثلج في المناطق العليا، الأكثر بردًا، في السحاب الذي يمطر. إن السحاب الركامي يبدو بالفعل على هيئة جبل، تعلو قممه بلورات من الثلج تلعب دورًا أساسيًا في انطلاق الهواطل، وعادة ما ينجم عنها سيول من الأمطار، أو من الثلج أو من البرد، تكون مصحوبة أحيانا بظواهر رعدية.
أما فيما يتعلق بالقواعد التي يتعين اتباعها عند ترجمة معاني القرآن، فهي ناجمة عما لاحظناه أثناء العمل. وإبلاغها للذين سيواصلون السير في هذا الدرب لترجمة معاني القرآن الذي لا يمكن لأي جهد بشري أن يفيه حقه لا يجب أن يفهم على أنه نوع من النقد أو التوجيه لكنه مجرد تجربة على الطريق ..
إن ترجمه معاني القرآن تتطلب من المترجم مراعاة النقاط التالية:
- كثيراً ما يكون للكلمة العربية عدة معان مختلفة، فلابد من اختيار المعنى المحدد من كتب التفسير أولا، ثم الاستعانة بقواميس اللغة. ككلمة جزاء مثلا، التي معناها يتضمن المعنى وعكسه كالثواب والعقاب، وفقًا للنص. فمن المضحك أن يطالع قارئ الفرنسية أن الإنسان سيكافأ بأن يلقى في النار! وكل الترجمات تستخدم هذا المعنى الواحد: Les malfaiteurs aurant I' Enfer comme récompense
لذلك آثرنا ترجمة فعل يجزي بعبارتين وفقا للمضمون: بالمكافأة أو العقاب.
* ضرورة مراعاة الفوارق الدقيقة للكلمة أو المعنى بين العبارات الدالة على المعنى الواحد.
* لابد من مراعاة القواعد اللغوية والتشكيل وإلا من المحال الحصول على ترجمة سليمة، مثال الآية 137 من سورة الأنعام، حيث التخطي قد أبعد كلمة (شركاؤهم) إلى منتصف الآية تقريبا، بدلًا من بدايتها.
* مراعاة معنى الكلمة مع تغيّر المخاطب وفقًا للشخص المعني بالحوار، مثال كلمة "مكر" التي تأخذ معنى الحيلة أو المكيدة عندما تتعلق بالأشخاص، ولكنها تأخذ معنى "التخطيط" حينما تتعلق بالله، كما في الآيه 50 من سورة النمل.
* لابد من مراعاة العقيدة الإسلامية لفهم معنى العبارات اللغوية، فكثير من المستشرقين الذين يتناولون النص من ناحية مفردات اللغه يقعون في أخطاء، فادحة أو مضحكة، مثال عبارة (تبارك الله) حيث اسم الله هنا فاعل لفعل معتد، ويعني الإغراق في البركة. وكل الترجمات ترجمتها بعبارة Béni soit Allah أو Béni soit Dieu (أي ليبارك الله) وترجمتها السليمة Allah Combla de bénédictionsلكن هنا أيضًا نرى المترجمين المسلمين قد اتبعوا خطى المستشرقين أو العبارة الفرنسية السائدة دون أن يتساءلوا من هو الذي سيبارك الله؟! فلو اتبعو التشكيل السليم لقاموا بالاختيار المناسب.
ونفس الشيء بالنسبة لكلمة مخلص (بكسر اللام) وتعني Sincère في معناها الشائع، لكن عندما يكون التشكيل بفتح اللام (مخْلَص) كما في الآية 5 من سورة مريم، فإنها تعني طاهر، نقي، أو محمي من الخطأ.
* مراعاة صيغه التأكد أو الفعل التأكيدي كما في آية 12 من سورة يس:
(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى).. وخاصة صيغة المفعول المطلق. وهي من صيغ البلاغة التي نطالعها كثيراً في القرآن، والتي تعتمد على تكرار الفعل أو تكرار اسم الفعل أو باستخدام اسم أو صفة أو حال لتأكيد المعنى. مثال الآية 16 من سورة الإسراء (فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) وقد ترجمناها كالآتي:Nous Détruisimes une vraie destruction ومن اللافت للنظر أنه ما من أحد قد راعى هذه الصياغة للمفعول المطلق التى ترد كثيراً في القرآن.
* لابد من مراعاة نهاية الوقف بين الآيات مع الالتزام بالآية في حد ذاتها، وعدم تغيير ترتيب الآيات ولا مقاطع القرآن.
* من المهم مراعاة نقاط الوقف داخل الآية كما هي محددة بمختلف علامات الوقف، إذ إن عدم الالتزام بها يؤدي إلى تحريف المعنى، كما في (آية:65) من سورة يونس.
فإن لم يتبع المترجم علامات الوقف السليمة تأخذ الآية المعنى المخالف.
- لا يجب أن يتميز المترجم لأي اتجاه في التفسير،كالذين يترجمون عبارة أهل البيتGens de la maison آية 33 من سورة الأحزاب قائلين:
Les femmes du prophète (أي نساء الرسول)، أو أبناء علي و فاطمة. ذلك أن التفسير يقع على المفسرين و ليس المترجم.
* الانتباه عند ترجمة أسماء السور التي تكون أحياناً جزءًا من الآية أو كلمة منها بأن تترجم وفقًا للمعنى الداخل منه عبارة الاسم وليس ككلمة مستقلة لعدم الخلط بين المؤنث و المذكر أو الجمع و المفرد، مثال "المرسلات" فهي وفقًا للمضمون يجب أن تترجم بصيغة المذكر الجمع وليس بالمؤنث، وكذلك "النازعات" بما أن المرسلات تعني الريح والنازعات تعني الملائكة.
* على المترجم الإقلال من التعليقات والهوامش بقدر الإمكان.
* الاهتمام بالروابط وأحرف المعاني وحروف الجر التي كثيراً ما تكون مع الكلمة وتضفي معنى ما أو درجة من الفوارق خاصة في القرآن.
* ضرورة الانتباه إلى التراكيب، والتي عددها في القرآن يتطلب عملاً مستقلاً يكون بمثابة دليل للترجمة إلى اللغات الأجنبية. ذلك أن ترجمتها الحرفية يحرف المعنى خاصة بأقلام المستشرقين، مثال عبارة: (حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر: 99)، والتي تعني (حتى الموت) وقد ترجمها جاك بيرك وغيره حتى يأتيك الإيمان! وعندما نعلم أن هذة العبارة كانت موجهة للرسول عليه صلوات الله، ندرك فداحة الخطأ.
* مراعاة القواعد الشاذة في اللغة من قبيل القَسَمْ بالنفي الذي يعد في العربية من أغلط أنواع القسم.
ومن لا يلتزم بهذة القاعدة لن يفهم الصياغة السليمة لمثل هذه الآيات، مثال: (فَلَا أُقْسِمُ) (الواقعة:57) التي ترجمها الجميع بـ لا (أقسم أبدًا) في حين ترجمتها السليمة تأكيد القسم: Je jure formellement .
* مراعاة صيغة فعل الكينونة كان يترجم بـétait أو a été ، لكنه عندما يتعلق بالله
أو بضمير يتعلق به فإنه يأخذ معنى الدوام في الماضي والحاضر والمستقبل. وقد ترجمنها بعبارة Il A toujours Été
د- عملنا في هذه الترجمة.
* لقد التزمنا بقراءة حفص عن عاصم وترقيم المصحف المصري.
* بالنسبة للتفسير التزمنا بما ورد في تفسيري القرطبي والرازي.
* لقد راجعنا الترجمات الكاملة المذكورة بعاليه، وهو ما سمح لنا برؤية الملاحظات التي أوردناها عن قرب.
* لقد حاولنا التعبير عن معنى القرآن بأوضح ما يمكن، دون الحاجة إلى إضافات تذكر إلا عند الضرورة لمراعاة السياق الفرنسي، وقد تم وضعها بين قوسين.
* لقد اختصرنا الهوامش والملاحظات أو الإشارة إلى الوقائع التاريخية إلى أقل قدر ممكن.
لقد حاولنا في الترجمة الالتزام بسياق النص القرآني في النظام الذي تسمح به القواعد الفرنسية. وقد رأينا لفت نظر القارئ الفرنسي إلى بعض الآيات التي أثبتها العلم الحديث، مثال سورة الطارق، وهو النجم النتروني الذي تم اكتشافه عام 1969، والذي تصل كثافته إلى 10كج/سم2 أي إلى مائة مليون طن في السنتيمتر المكعب، والذي يصل قطره إلى حوالي عشرة كيلومترات تقريبا. وهذا حجم النجم الذي يدور على محوره بسرعة فائقة مصدرا بانتظام إشارات شديدة الكثافة ونبضات ونبضات منتظمة مما أدى إلى تسميته Pulsar وهي مشتقة من الإنجليزية Pulsating star . ويصعب تصور كثافة هذا النجم، واذ إن كرة قدم مصنوعة من مادة النترون هذة ستزن خمسين ألف بليون طن، وإذا ما وُضعت هذة الكرة على الكرة الأرضية، أو على أي كوكب آخر لثقبته بنفس السهولة التي تثقب بها كرية (بِلْيَة) من الرصاص كومة من الدقيق تاركة خلفها ثقبا بنفس حجمها!!
فمن مميزات القرآن الكبرى أنه لا يتضمن أي معلومة يمكن للعلم الحديث أن ينتقدها أو يكذبها.
* الأحرف التي تتصدر 29سورة أو تمثل اسماً لبعضها كتبنا نطقها كما هي.
* الآيات المتشابهات تمت ترجمتها وفقًا للعقيدة الإسلامية على ما عليه جمهور المسلمين من تنزيه الله عن مشابهة البشر.
- لقد احتفظنا بكتابة لفظة الجلالة كما تنطق بالعربيةAllah ولم نستخدم كلمة Dieu لأن الاسم لا يترجم وإنما يكتب نطقًا، كما أن العقيدة الدينية تختلف وفقًا للعبارتين:
فبالنسبة للمسيحين الإله Dieu عبارة عن ثالوث، ثالوث قائم على عبادة الفرد وهو المسيح الذي قامت الكنيسة بتأليهه عام 325م في مجمع نيقيا الأول. الأمر الذي يمثل بالنسبة للمسلمين شركاً لا يقبل أو لا يمكن تصوره، لأن الله في العقيدة الإسلامية ليس كمثلة شيء.
وهذا المفهوم هو محور التوحيد الذي نؤمن به، نحن المسلمون، وهو ما يمثل نقطة الخلاف الحقيقية أو الشرخ الذي لا يمكن تخطيه بين المسيحين والمسلمين، الأمر الذي يفسر تلك الكراهية العمياء التي تدفع بالتعصب الكنسي إلى محاربة الإسلام بضراوة لا مثيل لها، لأن القرآن يتضمن الأدلة التي لا يمكن دحضها على عمليات التحريف التي عانت منها المسيحية.
* لقد التزمنا باللغة العربية، وليس باللغة المترجم إليها، حتى وإن أدى ذلك إلى صياغة غير مألوفة أحيانا أو إلى التكرار، تمسكًا بكل حرف في القرآن. كما لم نراع وحدة الأفعال في الجملة الواحدة بالفرنسية التزامًا وتمسكاً بكل كلمة أو صيغة في القرآن.
* لقد استعنا أحياناً بكلمة مدرجة في القواميس الفرنسية بأنها قديمة أو نادرة لنكون أكثر التزاماً بكلمات القرآن.
* إن الأفعال والضمائر المتعلقة بالله قد كُتبت بالحروف الكبيرة لسهولة تمييزها دون الحاجة إلى ملاحظات توضيحية.
وفيما يتعلق باللغة العربية، لقد استعنا بالمعجم المفهرس لمعاني القرآن لمحمد فؤاد عبد الباقي، ومعجم الأدوات والضمائر في القرآن الكريم للدكتور إسماعيل عمايرة، ومعجم حروف المعاني بالقرآن الكريم لمحمد حسن الشريف، والدكتور عبد الحميد السيد، ومعجم ألفاظ القرآن الكريم لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، ومعجم ألفاظ القرآن الكريم لعبد الله الندوي، والمترادفات في القرآن الكريم لمحمد محمود غالي.
هذه العلامة ∆ الموضوعة أمام رقم آية من الآيات تعني أنه على القارئ أن يسجد تعظيما لله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق