لا تصدق أن الرسول يقول: أطيعوا الأمير و لو سلب الأموال وضرب الظهور
بقلم د . عبدالله الحامد
من أجل ذلك ينبغي أن ننتبه لفقهاء النكوص الذين يلوون أعناق النصوص، ويقررون أن الإسلام يقول:"أطع الأمير ولو ضرب ظهرك وسلب مالك"، فالحديث حتى لو لم يكن سنده منقطعا-وهو منقطع- معلول شاذ متنا، لأن الأدلة المحكمة، تقطع بأن وظيفة الدولة –في الإسلام-حماية ظهور الناس وأموالهم وأعرضهم، وتقطع أن الحاكم وكيل عن الأمة في حفظ الحقوق وتطبيق الشريعة، وتقطع بأن الوكيل إذا أخل بمقتضى الوكالة افتقد المشروعية.
لا تصدق أن الرسول يقول: أطيعوا الأمير و لو سلب الأموال وضرب الظهور
لأن وظيفة دولة الإسلام حماية ظهور الناس وأموالهم وأعراضهم
لأن وظيفة دولة الإسلام حماية ظهور الناس وأموالهم وأعراضهم
أ – حق الأمن على الحياة:
لقد أوجب الإسلام على الدولة الإسلامية كفالة (الحقوق الشخصية)، وهي حماية الإنسان من الاعتداء، وحماية ماله، وعدم جواز القبض عليه أو معاقبته إلا بالقانون العادل الشفاف، الذي تدركه النفوس المستضيئة بنور الطبيعة، كما تؤكده النفوس المستضيئة بنور الشريعة، فكلا النورين لا يتناقضان ولا يتعارضان.
ولذلك حرم الله قتل النفس ، وإزهاق الروح ، وكل ما يضر بالحياة ، وعد الله قتل النفس قتلا للبشر جميعا " من قتل نفسا أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " (المائدة : 32) ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم:" لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم " (رواه مسلم ).
ولما وقف صلى الله عليه وسلم أمام البيت الحرام قال : "ما أطيبك وما أطيب ريحك وما أعظمك وما عظم حرمتك، والذي نفسي بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك ، ماله ودمه" رواه ابن ماجه.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم " كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه " ووقف الرسول الكريم في خطبة الوداع، ليذكر الناس بأهم ما يجب عليهم: " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا " (رواه البخاري).
وحرم الإسلام الانتحار، ولم يجعل للإنسان حقا في أن يقتل نفسه، لأن الحياة تكريم وامتحان، فلا يجوز أن يفر منه الإنسان، فقال تعالى " ولا تقتلوا أنفسكم إنه كان بكم رحيماً " (النساء:29).
وليست الحرمة خاصة بدم المسلم، فقد صرحت نصوص أخرى، بأن الإسلام قرر أن المسلم وغير المسلم سواء في كافة الحقوق القائمة على المواطنة، ولذلك اعتبر الاعتداء على الكفار المسالمين، كالاعتداء على المسلمين، كما في الحديث الذي رواه عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قتل معاهداً، لم يرح رائحة الجنة " (رواه البخاري).
وأوجب الله القصاص في القتل، ولم يفرق الإسلام بين أن يكون القتيل رجلا أو امرأة، بالغا أو صبياً، عاقلاً أو مجنوناً، عالماً أو جاهلاً، شريفاً أو وضيعاً، مسلماً أو ذمياً، فيقتل الرجل بالمرأة، والبالغ بالصبي، والعاقل بالمجنون، والعالم بالجاهل، والشريف بالوضيع، والمسلم بالذمي،والجماعة بالفرد، لعموم قوله تعالى "وكتبنا فيها إن النفس بالنفس " ولما روى عن محمد بن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاد مؤمناً بكافر، وقال إنا أحق من وفى بذمته ، ويعلل الفقهاء ذلك "بأن تحقيق الحياة التي أشار الله تعالى إليها في قوله:"ولكم في القصاص حياة، يا أولي الألباب" في قتل المسلم بالذمي[قصاصا] أبلغ منه في قتل المسلم بالمسلم، لأن العداوة الدينية قد تحمل على القتل[عدولنا]، فكانت الحاجة إلى الزجر أمس" (انظر بدائع الصنائع 7/237).
بل إن الإسلام احترم الإنسان ميتاً، كما احترمه حيا أيضا، فنهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن تشويه الجثة بعد الموت فقال : "إياكم والمثلة"وعن جابر رضي الله عنه قال:"مرت بنا جنازة فقام لها النبي صلى الله عليه وسلم وقمنا، فقلنا: يا رسول الله إنها جنازة يهودي قال:"إذا رأيتم الجنازة فقوموا".
ب- حق الأمن على المال:
وأمن الإسلام الإنسان على ماله، فحرم السرقة الصغرى، وهي التي يغتصب فيها الإنسان مال أخيه سراً، وعاقب عليها بقطع اليد، وحرم السرقة الكبرى، وهي (الحرابة)، وعاقب عليها بالقتل.
وأجاز للإنسان أن يدافع عن ماله بكل وسائل الدفاع، حتى لو ألجأه ذلك إلى قتل المعتدي، ولا قود عليه إذا ألجئ إلى قتل الصائل عليه، بل اعتبره الإسلام شهيداً، إن جندله الصائل قتيلا ، لقوله عليه السلام "من قتل دون ماله فهو شهيد" (رواه البخاري).
ج- حماية الأعراض والنسل:
ولقد شمل الإسلام الأعراض بأقوى حماية ، ووضع عقوبات شديدة على جريمة الزنا وهتك العرض والقذف، فقال تعالى " والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ، ولا تأخذكم يهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم والأخر ، وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين " (النور:2).
وحرم الإسلام قذف المحصنات والمحصنين، وعاقب عليه بالجلد قال تعالى : "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء، فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً، وألئك هم الفاسقون" (النور : 44) فعوقب هاتك العرض بالجلد، وبإسقاط شهادته ويستوي في ذلك القاذف الشريف والوضيع.
ولقد صان الإسلام جسد الإنسان وعقله ووجدانه، فحرم تعذيب الجسد والاعتداء على البدن، من جرح أو ضرب أو سجن أو جلد، وحرم تعذيب النفس بسجن أو تخويف، أو سب أو شتم، أو سوء ظن أو قذف، قال صلى الله عليه وسلم:" سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" (متفق عليه).
وقرر الإسلام جملة من الأحكام والعقوبات التي تكفل حماية الإنسان من كل ضرر أو اعتداء، ليتسنى له أن يمارس حقه الشخصي، وحرية التصرف في شئونه، دون إعاقة أو ضرر، فقال تعالى: " وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص" (المائدة : 45) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في تحريم الضرب والجلد "من جلد ظهر مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان" (رواه الطبراني في الأوسط ) وقال:" ظهر المسلم حِمى إلا بحقه" ( رواه البخاري) .
وغير المسلمين في كافة الحقوق الإنسانية، كالمسلمين، فقد مر الصحابي هشام بن حكيم على أناس من الأنباط؛ أقامهم الأمير بالشمس وصب على رؤوسهم الزيت، فقال حكيم: ما هذا؟ فقيل: يعذبون في الخراج، فقال: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يضرب الذين يعذبون الناس في الدنيا " ثم دخل على الأمير فحدثه، فأمر بهم الأمير فحلوا.
حرم الإسلام القدح في الأعراض ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:"سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر"، ونهى عن الغيبة والنميمة، وشرع القصاص في الأعراض، كما قال ابن تيمية ( السياسة: 80): "القصاص في الأعراض مشروع أيضا، وهو أن الرجل إذا لعن رجلاً، أو دعا عليه، فله أن يفعل به كذلك، وشرع القصاص في القذف وما دونه".
لقد أقر القانون الإسلامي هذه الحقوق قبل أربعة عشر قرنا، من قول ميثاق حقوق الإنسان:"لا يجوز ان يعرض احد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة، أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، أو بحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات" (المادة : 12).
د- حرمة المسكن:
أكدت الشريعة الإسلامية حرمة مسكن كل فرد أو أسرة، فلا يجوز انتهاك حرمة المساكن بدخولها دون إذن أهلها، فضلا عن الاعتداء عليها، قال تعالى " يا أيها الذين امنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم، حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها، ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون، فإن لم تجدوا فيها أحداً، فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم، فإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم، والله بما تعلمون عليم"(النور:27-28)
ومن أجل حفظ حرمة المساكن حرم الله التجسس والتلصص على بيوت الآخرين فقال" ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا "(الحجرات :12) فحرم ذلك لأنه انتهاك للخصوصية، وهي من حقوق الإنسان الأساسية، وهي حرمة مسكنه، وحرية شخصه، وحرمة الاطلاع على سره، ولو كانت غاية الاطلاع مشروعة، لأن الغاية المشروعة لا تبرر الوسيلة المحرمة.
وحرم الإسلام التلصص من خلال ثقب في باب، أو نافذة في جدار، أو ستارة شفافة، أو خلال مكان مرتفع، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"من نظر إلى دار جاره، فإنما نظر إلى كوة من النار"
ولذلك أسقط الإسلام أرش من أصابه أذى وهو يتلصص على قوم بعيونه، من وراء ثقب فى باب أو جدار أو ستار، أو يقتحم بيتا دون أذن أهله، قال صلى الله عليه وسلم:" من اطلع في بيت دون إذنهم، ففقأوا علينه فلا دية له" (رواه البخاري).
وغير المسلمين في ذلك كالمسلمين، وإنما نص على كون الإنسان مسلما من باب التغليب، كما أن خطاب المسلمين جاء بصيغة المذكر أيضا من باب التغليب، لأن الخطاب يشمل الرجال والنساء، إذ لا قرينة تخصص الرجال أو المسلمين بالحقوق الإنسانية، التي هي حقوق يكتسبها الناس بكونهم بشرا، لا بكونهم مسلمين أو غير مسلمين.
من أجل ذلك ينبغي أن ننتبه لفقهاء النكوص الذين يلوون أعناق النصوص، ويقررون أن الإسلام يقول:"أطع الأمير ولو ضرب ظهرك وسلب مالك"، فالحديث حتى لو لم يكن سنده منقطعا-وهو منقطع- معلول شاذ متنا، لأن الأدلة المحكمة، تقطع بأن وظيفة الدولة –في الإسلام-حماية ظهور الناس وأموالهم وأعرضهم، وتقطع أن الحاكم وكيل عن الأمة في حفظ الحقوق وتطبيق الشريعة، وتقطع بأن الوكيل إذا أخل بمقتضى الوكالة افتقد المشروعية.
ولكن فقهاء كثيرين –ولا سيما في عهود الظلم والرعب- يئسوا من حكم العدل والشورى، جنحوا إلى النصوص المتشابهة، فضلوا وأضلوا، وأغلبهم لا يشعرون.
وصدق الله العظيم:"هو الذي أنزل الكتاب منه آيات محكمات، وأخر متشابهات"، فكل نص ينقض كون الحاكم وكيلا وكلته الأمة لصيانة حقوقها، وأنه يجب أن يذعن لإرادتها التي يبلورها نوابها المنتخبون المستقلون فهو متشابه، يرد إلى المحكم، كما قرر الأصوليون.
وكل الحقوق التي اهتدت إليها الطبائع السليمة والعقول الناضجة، ولا تقوم العدل والعمران من دونها؛ هي حقوق في الشريعة، ولا يقع في التوهم والغفلة عن سنن الشريعة؛إلا من لم يضع(مصباح)الكتاب والسنة، في (زجاجة) التطبيق النبوي والراشدي، و(مشكاة)حقائق علوم الإنسان والطبيعة، ولتفصيل هذه القاعدة؛ انظر للكاتب(لكي لا يكون القرآن حمال أوجه/ المصباح في زجاجة ومشكاة (دار الناقد الثقافي/دمشق 1430ه/2009م).