أردوغان.. والقرن الذهبي
خلود عبدالله الخميس
أعلن حزب «العدالة والتنمية» التركي الحاكم، في الثالث من شهر رمضان ترشيح رجب طيب أردوغان للسباق الرئاسي في تركيا، وبدأت الحملة الانتخابية «للطيب» حتى العاشر من أغسطس يوم الاقتراع.
هذا المرشح لرئاسة تركيا في 2014 اتهم في 1998 بالتحريض وإثارة الحقد والكراهية بين الشعب التركي، مما تسبب في سجنه وحرمانه من العمل السياسي والعمل بالوظائف الحكومية، ومنها الترشح للانتخابات البرلمانية العامة، وهو ذاته الذي أيده وبقوة الشعب الذي اتهم بأنه يبث بينه البغضاء منذ أن نزل في الساحة السياسية.
في مفاهيم السياسة الشرعية لا منتصر حقيقي في السياسة إلا من انتهج في خطته للسلطة خلطة سرية، سواء كان سياسياً فرداً أو جماعة، ومتى ما كان رأس سنام تلك الخلطة التوكل والاعتماد على الله والالتزام بتبني القيم الإسلامية والتدرج في تطبيقها يبقى وعد النصر آت لا ريب، والمتبقي مجرد تفاصيل.
لقد دخل حزب العدالة والتنمية المحافظ من أوسع أبواب العلمانية، وبذلك هو فعل خيراً باستخدام المتاح، غزا النظام العام والعسكر والقانون في عمق دولتهم وفككهم ببطء وبعدل، وتمترس بالشعب الذي رأى وجرب أتباع هذا الحزب، وما علِم منهم إلا الرغبة في الخير والمساواة والعدالة والرفاه للأمة التركية، والخدمة للشعب بكل فصائله، وتبقى الهوية المحافظة التي يتنكر لها البعض من الأتراك من أتباع أتاتورك هي «القفطان» الذي أعطى للحزب هيبته ورداء القبول الاجتماعي، ومن ثم الدعم الذي بلغ به سدة الحكم في المؤسسات البرلمانية والرئاسية، وحتى الجيش والقضاء وجهاز العسكر الفاسد منهم لم يقدر على حربهم لأنهم كانوا يتصرفون كمؤمن قوي، وحملوا على أكتافهم نعوش الظلم والقهر والعنصرية والطبقية والتفرقة وذل الفقراء إلى مثواها الأخير، ودفنوها بأيديهم.
لقد اتخذ الحزب من التنمية الاقتصادية خطة وخطا، فلم يحد عنه خلال مدة حكمه لأكثر من عقد، لم تعرقله العثرات التي دفع بها العلمانيون في دربه، أو النوايا المسمومة التي دسوها في وجباته، وكان سلاحهم المزدوج الجيش والقضاء، القبضة والقانون، الذين يمسكون بزمامها جيداً، وبهما أعدموا الكثير من المظلومين بتهمة «معاداة القيم العلمانية للدولة» ولا تزال أكفهم تقطر دماء بريئة، مثلما حبر القضاة يقطر حبراً ستكبهم أحكام كتبت فيه في النار على وجوههم.
لم يتوان علمانيو تركيا عن التصيد لحزب العدالة والتنمية، واتهامه بتطبيق ما أطلقوا عليه «خطة سرية لأسلمة البلاد» عبر تعيين كبار مسؤولي الدولة من أولئك الذين يدينون بالوفاء للحزب وممن تخرجوا من مدارس لتأهيل الأئمة والخطباء، كانت تهمهم التدين، فما رأيكم بمن يحادّون الله ورسوله؟!
في تجربة تركيا، أنموذج لسنة التدافع الإلهية، فالذي حدث بين المحافظين والعلمانيين في تركيا ليس وليداً وحكراً على حزب العدالة والتنمية أو شخص رجب طيب أردوغان وعبدالله غول، بل عمله التربص لذوي الخلفيات الدينية عداوة للإسلام وقيمه، ورفع القيم العلمانية عليه، ورفض تطبيق أي أحكام شرعية في القانون التركي، حتى قوانين الزواج والطلاق والميراث والإجهاض وغيرها كانت تخضع للقوانين المدنية، والتي بالتأكيد تخالف الشريعة الإسلامية، وهنا كانت نتيجة التدافع بين الحق والباطل أن ينتصر الحق ما دام أخذ بأسباب النصر: «ولينصرن الله من ينصره» فالشرط واضح والوعد حق.
لم يأت الحكم على طبق ماسي للإسلاميين في تركيا، فقد دفعوا ثمناً مكلفاً منذ إعلان الجمهورية وسقوط الدولة أو الخلافة العثمانية، دفعوا دماءهم واستقرارهم وأعمالهم وحياتهم العائلية، لم يكن من السهل أن نرى نحن كعرب مشتركين في المؤامرة ضد العثمانيين، كيف أسهمنا بقطع يدنا اليمنى باليسرى، وجلسنا ننظر للنزف بعد أن فات أوان إيقافه.
العرب والأتراك، وكل القوميات المسلمة، إخوة في الدين، شركاء في الاستخلاف في الأرض، مهمتهم جميعاً تغيير أنفسهم حتى يتهيأ المجتمع المسلم لنبوءة الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم «ثم تكون خلافة على منهاج النبوة» وقد آن أوان التكفير عن ذنبنا بتخلينا عن دولة كانت الأقرب للخلافة الإسلامية، ولم نطببها في مرضها، بل زدناها وهناً حتى تدمرت وماتت.
اليوم يعلن من تركيا بدء قرن ذهبي جديد، يبزغ فيه نتاج الفسيلة التي زرعتها جماعة العدالة والتنمية منذ عقود، وغيرها من الأتراك المحافظين الملتزمين بالهوية الإسلامية، وها هي تشتد على سوقِها، ويجب أن تكون الأمة كلها سياجاً لها، تدعمها وتحفظها وتذود عنها.. فهل نحن فاعلون؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق