حسام الغمري يكتب : جماعة الأخوان وسبيل الخروج من مأزقها الاستراتيجي
اذا لم تستطع أن تُحب جماعة الاخوان
فالانصاف يقتضي أن تُجلها وتحترمها وتنحني اكبارا لشبابِها
وكيف يستطيع المُنصف أن يُنكر تقديره لجماعة بدأت بفكرة أطلقها رجل واحد يعيش في مدينة صغيرة تخنقها جنازير محتل رايته ترفرف بنبض الصليب المنقوش عليها ، و يدين براتبه ومعاشه لحكومة ملكية تعمل ضد كل ما يؤمن به ويحلم باستعادته ، و يحيط بها رجال ارتضوا ان يبيعوا ماضيهم المجيد من أجل استرضاء مُستعمر يعمل دؤوبا على تغريب البلاد ليبقى فيها وقد بقى .
وبعد عقود ترعرعت البذرة الصالحة وتشعبت في الكثير من بلدان المعمورة ، واستطاعت الحصول على السلطة في البعض القليل منها ، والاقتراب من السلطة في البعض الآخر ، والتعايش والنمو المنتظم في غالبيتها .
ولكن ايضا لا أحد ينكر ان جماعة الاخوان باتت اليوم في محنه استراتيجية قد تعصف بها تماما ، وتستأصل شأفتها وتطفيء جذوتها ، اللهم الا من اصداء نداءات القائد الفذ أردوغان .
ليس لأن الاعداء التقليديين كإسرائيل ورهبانها العسكر وامراء الخليج يوجهون للجماعة ضربة قاسية في بلد المنشأ مصر ، فما يحدث ليس الا ضربة قد خلت من قبلها الضربات الموجعة ، وليس القزم السيسي كسيده الأقدم المقبور عبد الناصر ذو الكاريزما التي أسكرت الملايين فشيعوا نكسته بالدمع باكين ، ولا هو يمتلك الذكاء التكتيكي التآمري الذي ميزه ضد كل ما يمت للاسلام بصله والمحتضن لكل من يعادي الاسلام ولو ببنت كلمة .
ولكن محنتها الحقيقية أن هناك أسد جسور يزأر في الجناح الشرقي للأمة ، اعلامه كالشهب اللامعات في سماء هزائمنا بشهادة اعدائه ، واعلامكم مازال يمشي الهوينا ، نجاحاته تلهب الخيال في ليالي العسرة ، واخباركم تُبكي الجبال ، اهدافه كفلق الصباح ، بينما سياساتكم تبدوا كسيارة قديمة تنتظر اشارة مرور خضراء أخرى ، و لا يستطيع قائدها الا الحفاظ على محرك السيارة يعمل وتطول ايام الانتظار فيدوم احتراق البنزين بغير طائل !!
و في الوقت الذي تقبلون فيه القتل في شبابكم ، والسبي والاغتصاب في نسائكم ، تذبح الدولة اسياد جلاديكم امام الكاميرات بعيون مفتوحة وسواعد مُشمرة ونصال حادة يملؤها الشبق .
في الوقت الذي تبطئون الخطى ناشرين دعاوي التحذير من الوقوع في فخ مؤامرات قد وقعتم بالفعل فيها وأكتوينا معكم بنارها ، يطلقون هم اللجام في اتجاه التنين الخبيث بجسارة تذهل التاريخ ، فاحتار من بأسهم عدوهم وعدوكم .
في الوقت الذي تسعون فيه لتحقيق نفس الحلم ملتحفين بآليات هذا العالم المأفون الذي دلت كل التجارب السابقة انه لن يسمح لكم بامتطائها ، يُرسخون هم يوما بعد يوم آليتهم الجديدة القديمة من خارج رقعة الشطرنج التي وقعتم أسرى لها وفيها .
ودعونا نتخيل ان قرارا صدر من مجلس الأمن الطرطوري – على سبيل المثال – باعتبار جماعة الاخوان جماعة ارهابية وحظر انشطتها وجمد ارصدتها حول العالم !
نستطيع ان نجزم انكم ستجتهدون كثيرا في اثبات ان هذا القرار غير قانوني ويعكس ازدواجية المعايير التي تتنفسها منذ نشأتها هذه المنظمة الدولية ، وتقسمون انكم لستوا كذلك ، وتوصون شبابكم بالصبر والثبات في وقت المحن والابتلاءات .
ولكن ماذا اذا صدر قرار كهذا ضد الدولة الاسلامية ؟
سيضحكون ، نعم سيغمرون بالضحكات ، وربما يصدرون قرارا بمحاسبة امريكا وأذنابها بعد قدحها بأبشع الالفاظ .
أعزائي الاخوان
لا تضنوا على مُحبٍ برحابة صدر
ولا تسدوا آذانكم عن ناصح أمين
أنصح لكم ولست منكم ، ولكني اتألم بألمكم وأبكى على مصابكم ، ومصاب كل مسلم بات مضصهدا في دينه ، على الرغم من أنه يحيي على الارض التي أورثها له أجداده ، وبات يرى اندلسا جديدة قاب قوسين أو أدني ، أندلسا جديدة وشيكة الحدوث .
اعلم بالطبع ان الدولة الاسلامية اعلنت ردة الرئيس محمد مرسي بصوت جلي ، كما اعلم يقينا انها ايضا لم تصرح يوما بأن المصريين رفضوا الحكم الاسلامي كما قال المأفون تواضروس .
اذن هناك خلاف واختلافات يمكن حلها جميعا بالحوار مع هذه القوة التي تضرب من خارج الصندوق ، ولا احد ينكر ان اجتهاد الرئيس مرسي كان باطلاق الجيش على المجاهدين في سيناء الذين كانوا يوجهون ضرباتهم فقط ضد الصهاينة الذين لم يتورعوا ان يعلنوا على الملأ انهم هم من اداروا الانقلاب عليكم .
الرئيس مرسي اشار الى الجيش قائلا : هؤلاء هم المجاهدون الحقيقيون .
واثبتت الحوادث التاليات ان الرجل كان مخدوعا في الحربة السامة المغمودة في خاصرة اسلامنا منذ عقود واطلقها الاحتلال الذي ما كان يقدر على منح الارثوذكس كل هذه المساحة الشاسعة في العباسية لبناء كاتدرائية في قلب القاهرة تحيك ضدنا المؤامرات دون وجه يختفي خلفه كوجه المقبور عبد الناصر ، وها قد اثمر اطلاق الجيش ضد المجاهدين في سيناء في النهاية عن احكام حصار فرعكم الحمساوي البطل في غزة بتهجير اهالي رفح الابرياء وهدم الانفاق .
ودعونا الآن نحصي اعداءكم
أليست امريكا هي راعية الانقلاب الاولي باتصالات وزير دفاعها المُقال المتعددة بالمسخ السيسي كما اعترف بنفسه .
أليست اسرائيل هي المحرض الدائم ضدكم .
أليست مليارات الخليج هي التي دفعت من أجل سيلان دمائكم على الطرقات .
وهؤلاء جميعا مرمى سهامهم اليوم موجه صوب الدولة الاسلامية وقد أوشكوا على الانتهاء منكم .
اعزائي قيادات الجماعة
الحق أقول لكم ان أحدا لا يفاوضكم منذ بدايات الانقلاب ، ولكنها شروط تُملى على اسراكم في السجون بين الحين والحين ان قبلتوها فقدتم شبابكم وسمعتكم وبواقي هيبتكم ، وان طال رفضكم لها سترون بأم اعينكم المشانق وهي تنصب لضرب اعناق قادتكم وسط تهليل انصار السيسي واسرائيل التي صارت ترقص على أغنية بشرة خير ، واعلام السيسي ينشر ذلك دون حياء وقد علم ان احدا لن يرتد عن دربه ، وتعلمون بالطبع ان ذلك حيلة مخابراتية لاعادة رسم الصورة الذهنية للجندي الصهيوني الذي يرقص على نفس الارتام الرخيصة الذين يرقصون عليها لانه ليس شريرا كحماس التي لا ترقص ، هكذا ترسم الصورة الآن .
ولكن ماذا اذا استشعر العالم مفاجأة انكم تقتربون من الدولة الاسلامية التي تعكس الوجه القوي المتشدد المتسيد بحوار يُذيب الخلاف والاختلافات ومعكم الملايين من شبابكم الذين لم أر في مثل اخلاصهم أحد على وجه البسيطة ، ومعكم ايضا تنظيمكم الذي لم أر ايضا في مثل دقة عمله سوى اقواس عازفي الكمان في الاوركسترات الأنيقة المشهورة ، وأيضا توغلكم في بلاد العالم الذي لم يسبقكم فيه سوى الحركة الصهيونية الجاثمة على صدور بني البشر بفحشها وخلاعتها وحكمها الخبيث .
بالطبع ستتعقد اوراق اللعبة في المنطقة .
بالطبع سيهرولون اليكم يطلبون التفاوض لا سيما بعد انهيار اسعار البترول بحكمة إلهية تثأر لكم .
والآن دعونا نحسب حساب الخسائر .
هل سيُذيل لقبكم بالجماعة الارهابية ؟
هل سيعتقل قادتكم ؟
هل ستجمد اموالكم ؟
ان عدونا أسرف في حربنا فلم يعد لدينا المزيد لنخسره .
ان عدونا أسرف في قتلنا فلم تعد تحمل مآقينا الا دموع فرحة بالنصر المُنتظر .
وتذكروا ، ان احدا لم يلتف حول صاحب دعوتكم ومؤسس شوكتكم الا ابتغاء مرضاة الله وأملا في عودة المجد القديم وابتغاءا للثأر الذي يُشفي الصدور .
وتذكروا ان الوقت الذي تلقى فيه خصمكم ضربة التسريبات هو نفس الوقت الذي ابتعد عنكم فيه أهم حلفائكم فتفتت تحالفكم ، وحربكم على العسكر ليست سجال .
والعالم يتحرك بسرعة لا تناسب طويل ترددكم .
وان الاسلام لا تحزب فيه ولكن قد يقبل التحزب وصولا اليه .
وأخيرا
هذا اجتهاد من محب
والله تعالى اعلي وأعلم
وهو المنجي من دخن القلوب
حسام الغمري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق