صلوا عليه وسلموا تسليما:
حرَّر ﷺ العقيدةَ حين ردَّ الناس إلى أصل التوحيد، بلا كهنوتٍ ولا وسطاء: ربٌّ واحدٌ يُعبد، وكتابٌ يُهتدى به، ونبيٌّ يُقتدى به؛ فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر بعد قيام الحجّة: ﴿قُلِ الحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: 29]، ونفى الإكراه نفياً قاطعاً: ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: 256]، ووبّخ من أراد تحويل الهداية إلى قسرٍ وقهر: ﴿أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 99].
فالدعوة عنده بيانٌ يُنير لا سيفٌ يُكره، وحجّةٌ تُبصِّر لا سلطةٌ تُذعِن.
وحرَّر العقلَ حين أقامه على البرهان، يوقظه بأسئلة الوحي المتواترة:
وحرَّر العقلَ حين أقامه على البرهان، يوقظه بأسئلة الوحي المتواترة:
أفلا تعقلون؟ أفلا تتفكّرون؟ قل هاتوا برهانكم؛ فلا يتّبع خرافةً ولا يستسلم لعادةٍ تُميت الفطرة.
وجعل طلبَ العلم فريضةً، وفتح للمعرفة أبوابها، وربطها بالحكمة والتزكية ليصير العلمُ حرّيّةً من الجهل لا طغيانًا باسم المعرفة.
وحرَّر الضميرَ والسلوك حين سنَّ حدودَ المعروف ومناراتِه، وحذّر من المنكر وطرقِه، ليبقى الإنسان سيّدَ رغباته لا أسيرَ شهواته؛ يُحلّ له الطيّبات، ويحرِّم عليه الخبائث، ويقيم له ميزاناً أخلاقيًّا يحمي كرامته من الابتذال، ويصون إنسانيته من الاسترقاق للشهوة والعادة والموضة.
وحرَّر الضميرَ والسلوك حين سنَّ حدودَ المعروف ومناراتِه، وحذّر من المنكر وطرقِه، ليبقى الإنسان سيّدَ رغباته لا أسيرَ شهواته؛ يُحلّ له الطيّبات، ويحرِّم عليه الخبائث، ويقيم له ميزاناً أخلاقيًّا يحمي كرامته من الابتذال، ويصون إنسانيته من الاسترقاق للشهوة والعادة والموضة.
تلك هي الحرّيّة المسؤولة: لا انفلاتًا يُدمِّر، ولا قهراً يُحقِّر، بل انعتاقًا إلى الأفق الأعلى حيث يلتقي الحقُّ بالجمال والعدلُ بالرحمة.
وحرَّر المجال العام حين أقام دولةَ المدينة على العهد والميثاق، تصون الدماءَ والحقوق، وتؤسّس المشاركةَ والشورى، وتسوّي الناس أمام القانون، وتمنح المخالفَ عهدًا وذمّةً وكرامة.
وحرَّر المجال العام حين أقام دولةَ المدينة على العهد والميثاق، تصون الدماءَ والحقوق، وتؤسّس المشاركةَ والشورى، وتسوّي الناس أمام القانون، وتمنح المخالفَ عهدًا وذمّةً وكرامة.
فلمّا دانت مكّةُ للحقّ أعلن ﷺ عفواً عامًا، يُسقط ثارات الجاهليّة ويؤسِّس لصفحةٍ جديدةٍ من تاريخ الحرّيّة والصفح؛ إذ الحرّيّة لا تكتمل إلا بعدلٍ يرفع المظالم، ورحمةٍ تداوي الجراح.
وهكذا تتبيّن حقيقةُ الرسالة : تحريرٌ متكاملُ الدوائر؛ توحيدٌ يعتق القلب، وبرهانٌ يعتق العقل، وأخلاقٌ تعتق السلوك، ونظامٌ عامّ يعتق المجتمع من الاستبداد والتمييز.
وهكذا تتبيّن حقيقةُ الرسالة : تحريرٌ متكاملُ الدوائر؛ توحيدٌ يعتق القلب، وبرهانٌ يعتق العقل، وأخلاقٌ تعتق السلوك، ونظامٌ عامّ يعتق المجتمع من الاستبداد والتمييز.
فمن عبدَ اللهَ وحده تحرّر من كلّ ما سواه، ومن خضع للحقّ لم يخضع لسطوة بشر، ومن استظلّ بميزان الوحي عاش حرًّا كريمًا، وأصبح أهلاً لعمارة الأرض على هدىً من الله.
د. وصفي عاشور أبو زيد
د. وصفي عاشور أبو زيد
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
ردحذف