موقف أمريكا والغرب من الانقلاب بين الواقع والأكاذيب
ياسر الزعاترة
لم يتغير الموقف الأمريكي طوال شهر من الانقلاب، لكنه عانى من بعض الارتباك إلى حد السخف أحيانا، لاسيما حين تحدث كيري عن استشارة محامين في الأمر لتحديد طبيعة ما جرى!! فيما جاء هو نفسه ليحسم الموقف في إسلام أباد، ويبدو أن ذلك يمثل تمهيدا، وربما بمثابة ضوء أخضر لهجوم متوقع من قبل الانقلابيين لفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة لمؤيدي الشرعية.
كيري في إسلام أباد قال بوضوح إن الجيش المصري الذي قام بعزل مرسي قد “تدخل بناء على طلب ملايين المصريين لحماية الديموقراطية، مؤكدا “أنه أعادها للبلاد”!!
وأضاف “الملايين من الناس طلبوا من الجيش التدخل لأنهم كانوا جميعا خائفين من الدخول في حالة من الفوضى والعنف”.
وكان لافتا أن كيري لم يذكر أي رقم للملايين خشية التورط في جدال حول ذلك.
وإذا كان الموقف الأمريكي قد اتضح من البداية، ثم أصبح أكثر حسما الآن، فإن من العبث قراءة الموقف الأوروبي؛ فقط من خلال زيارة آشتون وإصرارها على لقاء مرسي، ليس فقط لأنها اعتبرت أن عودته إلى موقعه مستحيلة، ما يعني اعترافا بالأمر الواقع بعد الانقلاب، ولكن أيضا لأنها لا تعبر بالضرورة عن موقف أوروبي موحد، حيث لا تتفق دول أوروبا على معظم المواقف، بخاصة الحساسة منها.
الاتحاد الأوروبي لم يدن الانقلاب، ولم يقل إنه انقلاب أصلا، بل ناور في الكلام الدبلوماسي، أما التصريحات المجاملة فجاءت منفردة من قبل بعض الدول كي تخاطب الداخل أكثر من اتخاذها لموقف واضح، لكن جوهر الموقف بقي على حاله أقرب إلى الترحيب بالانقلاب، وزيارة آشتون هي جزء من الدبلوماسية الأوربية التقليدية لتأكيد الدور في هكذا مواقف، وحتى لا تبدو بمثابة تابع للموقف الأمريكي.
مع ذلك يخرج علينا كارهون للإخوان وعموم الإسلاميين، وربما للدين والتدين في مصر وسواها بكلام غريب عن احتضان الغرب للإخوان، الأمر الذي لا يأتون عليه بأي دليل منطقي، أما محاولة الإخوان البحث عن نافذة في المواقف الدولية، فليس عيبا بحال من الأحوال، لكنهم يفعلون ذلك وهم يعلمون أنهم لن يحققوا شيئا فيما خصَّ الموقف الأمريكي والغربي، لأنه لم يكن أصلا مع ربيع العرب مهما قيل ويقال، وحتى التدخل في ليبيا كان بحكم المصلحة، ولولا حماسة الفرنسيين الذين لم يحصلوا على حصة معتبرة من كعكة القذافي، لما تمَّ التدخل، والدليل الأكبر على ذلك الموقف من ثورة سوريا، والتي تنهض دليلا أكبر على أن المواقف الأمريكية والغربية من القضايا العربية والشرق أوسطية تبقى محكومة لهواجس الكيان الصهيوني، فيما لا يقول عاقل إن تل أبيب تفضل مرسي رئيسا لمصر على حكم الجنرالات الذين عرفتهم زمنا طويلا حتى لو تحدث مرسي عن احترام كامب ديفيد، هو الذي لم يتلفظ بكلمة إسرائيل طوال سنة من حكمه، فيما سرّبت دوائر الجيش للصهاينة أشرطة مسجلة له، وهو يتكلم عن الكيان الصهيوني بلغة عنصرية كما وصفتها الدوائر الصهيونية، ولا قيمة هنا لرسالة بيريز التي طبلوا لها طويلا، وتأكد أن الرئيس لم يعلم بها إلا من وسائل الإعلام، فضلا عن أن موقفه من حرب غزة كان علامة فارقة بالنسبة إليهم.
في أي حال، فقد كان واضحا، وصار أكثر وضوحا أن موقف أمريكا والغرب من الإسلاميين هو ذاته الموقف الصهيوني، مع فروقات لا تكاد تذكر، وما مواقف الدول العربية التي كانت محسوبة على ما كان يُعرف بمحور الاعتدال، وهي الأقرب إلى الغرب سوى دليل آخر على ذلك. ولكن الحاقدين لا يعلمون، بل لا يريدون أن يعلموا إذا توخينا دقة التعبير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق