الاثنين، 2 يونيو 2014

عار عليك يا برجوليو !

عار عليك يا برجوليو !
أ. د. زينب عبد العزيز 

أستاذة الحضارة الفرنسية

نعم، عار عليك يا برجوليو، يا من محوت مصداقيتك بوضعك باقة زهور على قبر تيودور هرتزل، مؤسس الصهيونية الحديثة، وزجّك بهذا التصرف بفلسطين والفلسطينيين فى خانة "الأمر الواقع" التى فرضها مغتصبو هذه الأرض !
يا له من تصرف وضيع، قبيح العار، عندما نقارنه بموقف البابا بيوس العاشر، عند لقائه بهرتزل سنة 1904، ورفضه الصارم لإنشاء دولة لليهود قائلا عبارته الشهيرة : "لا يمكننا ذلك" ، داعيا اليهود فى نفس الوقت إلى إعتناق المسيحية !


وبعد قرن وعشر سنوات، فإن ما قمتَ به بمثابة عار فاضح، يكشف ويدين موقف الكنيسة الكاثوليكية : كنيسة تحيد عن خطها، ولا تكف عن تقديم التنازلات للصهاينة، على حساب إيمانها ومعتقداتها، خاصة منذ ستين عاما.
إذ أن نقطة البداية العقائدية لهذا التصرف الفاضح ترجع إلى مجمع الفاتيكان الثانى (1962ـ1965) وخاصة إلى وثيقة "فى زماننا هذا" التى برأت اليهود من دم المسيح واستبعدت إحلال الكنيسة بدلا من إسرائيل، كما كنتم ترددون دوما، ووضعت حدا لنبوءة يسوع حول هدم المعبد وهدم الطابع الفاسد والكريه لليهودية !

إن مجمع الفاتيكان الثانى يمثل فجوة لا يمكن رأبها فى التاريخ الطويل البشع للكنيسة الكاثوليكية، التى أطاحت بنصوصها وعقائدها وتراثها من أجل تبرأة اليهود من دم المسيح، علما بأن الجُمل التى تدينهم لا تزال فى الأناجيل المتداولة حاليا.لذلك فقدت هذه المؤسسة أية مصداقية لدى أتباعها.
ولقد تم تنظيم مجمع الفاتيكان الثانى لكى يطيح بالموقف الذى نجم بفضل الجهود المتراكمة منذ بداية التحريف الكنسى للنصوص حتى عصر النوير، وكل الأعمال التى تمت ولا تزال تتواصل من أجل كشف التلاعب والتحريف الذى قامت به هذه الكنيسة. وكانت الوسيلة الوحيدة للحيلولة دون ضياعها فعلا ، خاصة بعد معركة الاصولية والحداثة، أن تُغرق الأتباع فى دوامة أخرى : تبرأة اليهود من دم المسيح من أجل الإعتراف بدولة إسرائيل ، والقيام بتنصير العالم. 

وهنا أيضا تقترف يا سيادة البابا تحريفا جديدا، يناقض عملية تنصير العالم التى فرضها مجمع الفاتيكان الثانى وتقوم أنت بقيادتها بإصرار أبكم. ومع ذلك فأنت وبعض رفاقك تقولون وتعلنون : "الكنيسة ليست لديها رسالة لتبشير اليهود" ! 
وهو ما يعنى، بقول آخر، أن اليهود معفون من التنصير، وإنكم لا تستهدفون إلا المسلمين وبعض الجماعات الأسيوية..

ووفقا للفاتيكان، فإن زيارتك للأراضى المقدسة كانت تهدف إلى "تأكيد حق إسرائيل فى الوجود وأن تنعم بالسلام والأمان"، وأيضا "حق الشعب الفلسطينى فى أن يكون له وطن مستقل ذو سيادة".
وهو ما يعنى : حق وجود إسرائيل على كل أرض فلسطين، بلا أية حدود محددة؛ أما الفلسطينيون، أصحاب الأرض الحقيقيون، فمن حقهم مجرد وطن ذو سيادة، وطن فى أى مكان، وليس فى فلسطين التى تم الإستيلاء على 98 % فعلا من مساحتها.
 يا للعار، ويا للظلم والخسة !

إن دولة إسرائيل، وفقا لنصوصكم، هى دولة غير شرعية. أنها دولة مغتصبة، منتزَعة من الأصحاب الحقيقيين لفلسطين، دولة مقتلعة من شرايين الفلسطينيين. إن كل قضية دولة إسرائيل هى مشكلة سياسية من الدرجة الأولى، فوفقا لنصوصكم إن الصهاينة لا حق دينى لهم على هذه الأرض. 
أعد قراءة نصوصك يا برجوليو، واقرأ خاصة رسالة الأب لاندوزى المعنونة : "هبة أرض فلسطين" لترى بالأدلة القاطعة إلى أى مدى لا حق دينى لهم فى هذه الأرض، إلا أن التزوير والتحريف ولىّ الحقائق والتواطؤ له أحكامه !

إن الحكومة الإسرائيلية التى تواصل عملية إستعمارها وتفرض إصرارها على الفلسطينيين بأن يعترفوا بها كدولة يهودية، تواصل عملية بناء جدار العار بطول 700 كيلومترا وإرتفاع تسعة أمتار لتحمى نفسها من حجارة ضحلة يقذف بها بعض الأطفال، لهو دليل قاطع على المعاناة المفروضة على الفلسطينيين. إضافة إلى ضم القدس الشرقية، والإستيلاء التدريجى على المدينة القديمة، وعلى ساحة الأماكن المقدسة، والحصار المفروض على الضفة الشرقية ببناء الجدار، والحصار الجهنمى الذى يحبس أكثر من مليون فلسطينى فى قطاع غزة فى ظروف لا إنسانية تؤدى إلى الإحتضار البطئ والقتل العرقى، لكى لا أقول شيئا على البناء المتواصل للمستوطنات الإسرائيلية.. كل ذلك يسمى سرقة وإقتلاع وتفرقة عنصرية وتفرقة دينية، إضافة إلى الصلف العنصرى أو الوقح للقيادات الصهيونية أو للمدعو ناتنياهو الذى إنحنيت لرغباته وزرت نصب "ضحايا اليهود" المزعوم، ولم يكن فى البرنامج الرسمى للزيارة.

وهناك عار آخر يضاف إلى هذه القائمة المؤسفة : أن نرى الفاتيكان ينحنى لرغبات البروتوكول الصهيونى ويتجرع زيارة حائط المبكى، وهو أصلا وتاريخيا حائط البراق المسلم؛ ووضع باقة زهور على قبر هرتزل؛ وزيارة ياد فاشيم، النصب المقام للمحرقة، التى تمثل فى نظرك "تراجيديا لا يمكن تقدير فداحتها"، لكن إنتزاع شعب بأسره من أرضه وفرض القتل العرقى عليه فعلا لا يهز مشاعرك أو يجعلك تستاء.. وينتهى البرنامج بلقاء أكبر حاخامين ! 
وهل لى أن أضيف أن ما وصفته بعبارة : "بشاعة المحرقة" لا يمثل شيئا ، لا يمثل شيئا مطلقا بمقارنة إغتيال شعب بأسره ؟! 

وهنا لا بد وأن أتساءل : إن ما يطلقون عليه "الشُوَاه"، وهى كما يعلم الجميع، بما فيهم أنت شخصيا يا برجوايو، تمثل ذكرى من هلكوا فى المحرقة، التى إبتدعها وفرضها وقام بتنفيذها النازى، أى الألمان المسيحيون. فلماذا يُفرض على الفلسطينيين، الذين هم فى غالبيتهم الساحقة مسلمون، ويعيشون على الطرف الآخر من مسرح أحداث تلك المحرقة المزعومة الأعداد، ويفصل بينهما البحر الأبيض المتوسط، لماذا يدفعون ثمن هذه الجريمة ؟! بأى حجة ؟ وبأى منطق ؟
ما هى الفلسفة المعوِجة التى يمكنها تبرير هذه الجريمة التى لا تبرير لها فى حق الفلسطينيين ؟
إلى متى سيظل الغرب المسيحى المتعصب وذلك الإتحاد الأوروبى بكل أعضائه من دول، والولايات المتحدة، وجميعهم يسحبهم اللوبى اليهودى من أنوفهم، إلى متى سيصمتون حيال تلك الجريمة لإقتلاع أرض فلسطين من أصحابها ؟!
أنها جريمة ساهمتم فيها جميعا، وتواصلون المساهمة بالصمت وإزعانا لتلك العبارة الفاضحة : إسكت ، دع الأمور تسير ، إلى أن يتم كل شئ!

إن زيارتك وأفعالك وخاصة قولك : "لنتعلم فهم آلام الآخر" ، وتقصد آلام الصهاينة المخادعة، وعبارة : "لنعمل معا من أجل العدل والسلام" التى تعنى بها المسلمين ليقبلوا بالأمر الواقع، تمثل قمة الخلط بين الأمور.
فهذا الكلام ، وهذه الأكاذيب المخالفة للواقع لن تحرك عملية السلام، ولن تعيد فلسطين للفلسطينيين، وإنما تثبت إلى أى مدى تخلط الأمور ليبتلع الجميع غايتك الخفية، التى تهدف إلى تنفيذ توحيد الأديان تحت لواء كاثوليكية الفاتيكان، لتسمح باستكمال مخطط النظام العالمى الجديد.

إن الكلمات المعسولة أو اللزجة لا يمكنها معالجة كل هذه المآسى وقلب الحقائق. إن الأرض المسلوبة هى أرض مسلوبة، لا يمكن فهمها بمعنى آخر، ولا بد من إعادتها إلى أصحابها. 
ولا يمكنك حل المصالحة بين الفاتيكان وكنائس الشرق على حساب الشعب الفلسطينى. فلا الصلوات المشتركة، التى ابتدعها يوحنا بولس الثانى فى بلدة آسيز، ولا تبادل الأحضان المزيفة بين العملاء، تسمح بمواجهة الواقع أو بالتعتيم على الجرائم التى حصلت. 

عار عليك يا برجوليو ، لأنك احبطت آمال عدة شعوب .. "عار خاصة على الجبناء الذين يستغلون بؤسنا" ، على حد قول إرنست رينان فى كتابه "مستقبل العلم" صفحة 52..

30 مايو 2014



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق