السبت، 6 ديسمبر 2014

حسام الغمري يكتب : كان يحمل زوجات الضباط ليلا الى قائد القوات البحرية !!

حسام الغمري يكتب : كان يحمل زوجات الضباط ليلا الى قائد القوات البحرية !!


كنت صغيرا مازلت حين شاهدت دموع والدتي وهي تحكي لي عن نكسة 67 التي عاصرتها كفتاة تعرضت لجرعات مكثفة من زيف الاعلام الناصري الذي جعلها يوما تعتقد انها تعيش كمواطنة في دولة عظمى هزمت الاستعمار في عام 56 ، وايضا في معركة بناء السد ، حتى انها كانت هي واختها التي تكبرها بعام تتهامسان واصفتان والدهما – جدي – بأنه رجعي ، كما كان يحلو لاعلام المقبور عبد الناصر وصف معارضيه وقد كان جدي منهم .

وعلى الرغم من رفض جدي حكم المقبور عبد الناصر بمجرد قيامه بفصل السودان عن مصر ، الا انه تحمس وتفاعل بشدة مع الاخبار التي كان يُذيعها الاعلامي أحمد سعيد من خلال اذاعة صوت العرب طوال الايام الأولى لحرب عام 67 .

 كان عم سعيد الله يرحمه بيعدي على بابا ويقوله ” وقعنا
عشرين طيارة يا أستاذ محمد “
فيتهلل وجه بابا صائحا : الله أكبر – هكذا حكت لي والدتي –
ثم خرج صوت نفس المذيع مدويا وهو يقول : الى تل أبيب يا
ناصر عبد الناصرفيهتف بابا وعم سعيد : الله أكبر .

حتى جاء اليوم الموعود ، وخرج صوت نفس المذيع منكسرا وهو يقول : قواتنا في الضفة الغربية لقناة السويس !!

لم تفهم والدتي الا بعد أن صاح جدي قائلا : الضفة الغربية !! .. يعني سيناء راحت .. ضيعوا سيناء كمان ولاد الكلب !!
عندها انسابت دموع والدتي التي لم يحقق لها ما قالوا انه نصر أكتوبر الانتقام المطلوب من الصهاينة اعداء الانسانية .

كنت وقتها أدرس في مدرسة القديس يوسف الابتدائية في مدينة الزقازيق ، والتي نظمت لنا رحلة الى متحف ” هرية ” الذي يبعد كيلومترات قليلة عن المدرسة لاشاهد آثار المذبحة التي قام بها الصهاينة ضد أطفال كانوا في مثل عمري حين قاموا غدرا بقصفهم باستخدام مقاتلات الفانتوم الامريكية الصنع .

رأيت بقايا الزي المدرسي ” المريلة ” وآثار الدماء مازالت عالقة به ، رأيت صورا مكبرة لأشلاء هولاء الاطفال المقتولين غدرا ، رأيت كتبا محروقة ، وصور لدموع الأمهات .

لم يعد هذا المتحف موجودا الآن ، ربما لان العسكر ماعادوا يريدون ما يعكر صفو سلامهم مع تل أبيب بوجود ما يُذكرنا بجرائم الصهاينة الارهابية ، ولكن ذكريات ما شاهدته مازالت محفورة في عقلي ووجداني .

مرت الايام وانتقلت الى القاهرة لاستكمال الدراسة في كلية اخترتها بنفسي ربما لأتمكن من معرفة أسباب ما حدث ، ولماذا لم يُحقق أكتوبر الانتقام المطلوب فترضى عنه والدتي وتجف دموعها التي تنساب كلما تذكرت هذه الأيام الحزينة ، ولأفهم ايضا لماذا توقفنا عن القتال مع اننا لم نعوض كل ما فقدناه ، لا سيما اقصانا الشريف .

كنت أبحث في الكتب ، والمراجع ، كنت أشتري مذكرات القادة العسكريين الذين عاصروا تلك الفترة الفاضحة ، خاصة واني كنت قد علمت أن كاتبا موهوبا كصلاح جاهين كتب يوما ” يا اهلا بالمعارك .. بنارها نستبارك ” ، ظل يعاني من اكتئاب حاد بعد الهزيمة المذلة ، ثم حاول ان يتجاوز المحنة في عام 1972 فكتب ” خلي بالك من زوزو .. زوزو النوزو كونوزو ” فقلت في نفسي : ليته ظل مكتئبا .

ولكن التحول الذي حدث لصلاح جاهين يعكس أبعاد التحول الذي اصاب المصريين – الا من رحم ربي فوقاه بالايمان والدين شر السقوط – بعد النكسه فصار بأسهم بينهم شديد ، يكرهون نجاح الناجح حتى انشئوا حزبا لاعداء النجاح ، ويحسدون نبوغ النابغة حتى يدفعونه للفرار الى خارج البلاد ، ” منفسنين ” وهو مشتق جديد للعامية المصرية العبقرية لا اعتقد ان له نظيرا في كل لهجات العالم الحية ، ولكنه يشرح ببراعة وسحر العلاقات البينية في مجتمعنا ، حتى بات الرجل المصري يشعر بالغيرة من صديقه كما تغار الأنثى من ضُرتها ، ويكيد له كما تكيد لها ، ويفرح في مصيبته في حين أن حنان الأنثى ورقة مشاعرها قد تمنعانها من الوصول الى هذه المرتبة الانسانية المتدنية .

وفي أحد الايام ، بينما كنت استقل سيارة أجرة في شوارع القاهرة المزدحمة في طريقي الى جامعة القاهرة ، منحني طول الانتظار في الاشارات المتعاقبة فرصة الحديث مع السائق الذي كان في نهاية العقد الخامس من العمر .

كنت أقول له بحماسة الشباب أن هذا الزحام وحده كفيل بتدمير المجتمع ، فكيف يمكن للعامل أن ينتج وقد فقد نصف قوته في وسائل المواصلات في رحلته اليومية الى مكان عمله ، وكيف يمكن للطالب أن يعي درسه وقد ذهب الى قاعة الدرس وقد انهكه عادم السيارات وارتفاع نسبة الرصاص في الجو ، ثم اضفت قائلا : هذا كله بسبب نكسه 67 .

فالتفت الي ساخرا من حداثة عمري وهو يقول : وانت تعرف ايه عن النكسه .

فأجبته بحماس من اراد ان يُظهر علما وثقافة بسرد المعلومات التقليدية عن تدمير سلاح الجو ، وقرار الانسحاب الغير منظم .. الخ ، من معلومات يتداولها الجميع .

فصمت برهه ثم قال لي : مع احترامي لكل اللي قلته لكن موش دي الاسباب .

فسألته بتحدي : وما هي الاسباب اذن .

فقال لي : كنت مجندا في القوات البحرية منذ عام 1965 ، وكنت اعمل سائقا في موكب قائد القوات البحرية ، وكان هذا القائد يقيم حفلا شهريا لضباطه الصغار شريطة احضار زوجاتهم معهم ، وكان كلما اعجبته زوجة أحد الضباط ، يقوم بارساله الى روسيا لنيل دورة تدريبية متخصصة ، ثم يبدأ ضباط مكتبه المقربين في الاتصال بزوجته لاحضارها لقائد البحرية ، مرة بالترغيب ، ومره بالترهيب بأنها ان امتنعت سوف لن يعود زوجها من بعثته ، ولن تنال معاشه الا بشق الانفس ان هي نالته في الأساس ، وكنت أنا من يحمل هؤلاء النسوة حتى الاستراحة الخاصة بالقائد ليلا ، لذا .. كان من الضروري بمقتضيات العدل الإلهي أن يُهزم هؤلاء شر هزيمة !!
التسريبات التي بثتها قناة مكملين قبل يومين ذكرتني بهذه الحكاية القديمة التي تؤصل حقارة ودونية عسكر مصر ، هؤلاء الضباع المتلهفين للجيف اينما كانت .


ولينكرها من أنكر فالشاعر العربي يقول : السيف اصدق انباء من الكتب .. في حده الحد بين الجد واللعب .

لذا ..

فالدبابة التي فرت من امام بضعة رشاشات خفيفة تحمل البيان لمن له بصر وآذان
ولك الله يا مصر
لك الله حتى تنفضي عنك الخبث
لك الله وقد اقتربنا من ذات المصير
وليتها ستكون نكسه كالتي حدثت في 67
ليت ” النفسنه ” ستكون أصعب ما نعانيه
ولكن فيديو كالذي ظهر لاطفال مذبوحين في أسيوط بعد أن سرقت أعضاءهم سيكون في القريب هو الواقع اليومي الذي نستيقظ عليه كل صباح ، حتى نبكي الى الله تعالى ونتضرع اليه ، فيجعل لنا مخرجا ويهييء لنا من امرنا رشدا ، وقد منّ علينا وأكرمنا بانتفاضة رائعة في يناير 2011 ، ولكننا للأسف كفرنا بنعمته كالجاهلين .

حسام الغمري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق