هوامش على دفتر مكافحة الفساد!
سليم عزوز
"طحن بلا طحين"، هذا ما يمثل وصفا لأداء سلطة الانقلاب العسكري في مصر التي تعتمد "البروباغندا"، وسيلة للتغطية على الفشل الذي يعد العلامة المميزة لهذا الأداء، حتى كدنا نخرج من مهرجان إلى مهرجان، وصارت المهرجانات الصاخبة يُنسي بعضها بعضا.
وإزاء حلقات الذكر المنصوبة، لم يعد أحد يجد لديه القدرة ليسأل عن مصير ذكر سابق قد نصب، فهو مشغول بالحلقة الجديدة!
يظل السيسي يلوح بعظمة المؤتمر الاقتصادي، ويصفه بأنه ذراع مصر، وعندما يثبت فشله، يتم سحب الأنظار تلقاء مشروع تفريعة قناة السويس، التي هي مثل مغارة "علي بابا"، حيث الياقوت والذهب والمرجان، والحديث المسهب عن العوائد الاقتصادية، على نحو يجعل المواطن البسيط يشعر أن مصر ودعت الفقر إلى غير رجعة، وفي طريقها لإقرار نظام الكفيل، وعندما توشك السكرة أن تذهب لتحل الفكرة، يتم أخذ الرأي العام إلى فرح جديد هو المنصوب بمناسبة اكتشاف الغاز.
(1)
يظل السيسي يلوح بعظمة المؤتمر الاقتصادي، ويصفه بأنه ذراع مصر، وعندما يثبت فشله، يتم سحب الأنظار تلقاء مشروع تفريعة قناة السويس، التي هي مثل مغارة "علي بابا"، حيث الياقوت والذهب والمرجان، والحديث المسهب عن العوائد الاقتصادية، على نحو يجعل المواطن البسيط يشعر أن مصر ودعت الفقر إلى غير رجعة، وفي طريقها لإقرار نظام الكفيل، وعندما توشك السكرة أن تذهب لتحل الفكرة، يتم أخذ الرأي العام إلى فرح جديد هو المنصوب بمناسبة اكتشاف الغاز.
وبعد أن يبدأ الحديث عن أن الأمر ليس جديدا، وأن المصريين لن يغادروا خط الفقر في القريب العاجل كما أوحى لهم "فرح العمدة" المنصوب، يتم تجاوز كل هذا إلى ملف محاربة الفساد، بإلقاء القبض على وزير الزراعة، ومن ميدان التحرير بعد مغادرته مجلس الوزراء حيث تقدم باستقالته بناء على تعليمات السيسي، في تصرف لابد وأن يجعل "الجنين في بطن أمه" لا يرتاح لما جرى، فقد كان بالإمكان أن يتم الاستدعاء لجهات التحقيق ولم يكن سيتأخر عن الحضور.
أو كان ينبغي تركه حتى يصل إلى منزله، لكن القبض عليه بهذا الشكل المهين، كان يستهدف أثرا غير مواجهة الفساد، وللتأكيد على أن "مصر بتفرح"!.
أعرف أن المصريين ومن كثرة الأحزان، صار منهم من تطربه الأفراح الوهمية والمفتعلة، لهذا فعند كل "فرح" منصوب، يكون لديهم الاستعداد له ولو بشكل تمثيلي، فتجدهم يتمايلون على الموسيقى ولو كانت نشازا، وعلى صوت المغني ولو كان "حمار الإذاعة"، وهي حالة كنا نشاهدها قديما في الأفراح، من أولئك الذين استعدوا لقضاء سهرة سعيدة، منذ أن تلقوا الدعوة للحضور، وهي السمة التي اختفت في السنوات العشر الأخيرة بسبب الضائقة الاقتصادية، فرغم الصخب في قاعات الأفراح فإن كثيرا من المدعوين يبدون وكأن على رؤوسهم الطير، فليسوا مشغولين بالأغاني والطرب، ولكنهم جاءوا تأدية لواجب "العزاء"، باعتبار أن من تزوج فقد قامت قيامته، وهم في انتظار شيء ما غالبا هو "العشاء" فمجرد أن ينتهوا من هذه المهمة المقدسة ينطلقون إلى بيوتهم:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس، ولم يسمر بمكة سامر!
حالة الفرح بمكافحة الفساد، عبرت عنها الأصوات المرتفعة بعبارات: "اضرب يا سيسي"، "الله عليك يا سيسي"، "مصر بتنظف".
(2)
أعرف أن المصريين ومن كثرة الأحزان، صار منهم من تطربه الأفراح الوهمية والمفتعلة، لهذا فعند كل "فرح" منصوب، يكون لديهم الاستعداد له ولو بشكل تمثيلي، فتجدهم يتمايلون على الموسيقى ولو كانت نشازا، وعلى صوت المغني ولو كان "حمار الإذاعة"، وهي حالة كنا نشاهدها قديما في الأفراح، من أولئك الذين استعدوا لقضاء سهرة سعيدة، منذ أن تلقوا الدعوة للحضور، وهي السمة التي اختفت في السنوات العشر الأخيرة بسبب الضائقة الاقتصادية، فرغم الصخب في قاعات الأفراح فإن كثيرا من المدعوين يبدون وكأن على رؤوسهم الطير، فليسوا مشغولين بالأغاني والطرب، ولكنهم جاءوا تأدية لواجب "العزاء"، باعتبار أن من تزوج فقد قامت قيامته، وهم في انتظار شيء ما غالبا هو "العشاء" فمجرد أن ينتهوا من هذه المهمة المقدسة ينطلقون إلى بيوتهم:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس، ولم يسمر بمكة سامر!
حالة الفرح بمكافحة الفساد، عبرت عنها الأصوات المرتفعة بعبارات: "اضرب يا سيسي"، "الله عليك يا سيسي"، "مصر بتنظف".
وبدا هذا مقبولا من حكم يدير البلاد بتأثير سيجارة البانجو، التي تمنح السعادة الوقتية، وقبل أن يفق المواطن من تأثيرها فإن يدا تمتد لتمنحه سيجارة أخرى!.
فالوزير الذي تحول إلى رمز للفساد، وأصبحت إهانته بالقبض عليه من الشارع ما يؤكد على استقامة الحكم، لم يفسد فجأة، ولكنه جاء إلى موقعه مصحوبا بتقارير للرقابة الإدارية تؤكد أنه عضوا مشتغلا في دولة الفساد التي أسسها حسني مبارك ورعاها، وجهاز الرقابة الإدارية هو من ألقى القبض عليه، وتم التعامل مع الواقعة على أنها دليل نزاهة، يشمل جميع أفراد العائلة الكريمة، فنجل الرئيس يعمل في هذا الجهاز، وصاحب يد فيما جرى، وكانت الدعاية أن هذا "الشبل من ذاك الأسد"، وإذا كان هناك من يخافون من غياب السيسي، فهناك من يمثل البديل المناسب له في المستقبل، فشجرة العائلة لم تنقطع بعد!.
عندما شاهدت الصخب الذي أحدثته سجائر البانجو التي يوزعها "أولو الأمر منهم" في مصر، قلت إن هذا فيلم قديم شاهدته قبل ذلك، لكن تكمن المشكلة في أن هناك أجيالا تفتق وعيها السياسي بعد ثورة يناير، ومنها من لم يكن قبل الانقلاب مشغولا بالسياسة وتصريف الحكم!.
وعندما نستدعي الفيلم القديم، يمكن أن نفهم هذه القضايا في سياقها الطبيعي، ومنذ أن تولى مبارك الحكم، ورغم أفلامه فقد توقف الناس عن وصف حكمه بأنه يواجه الفساد منذ العرض الأول لهذه الأفلام!.
كثير من المعارضين، كانوا قد أرهقوا من المعارضة للسادات، فبحثوا عن العيش الأمن في عصر مبارك، وهم الذين صنعوا منه هالة، وخدعوا الأبصار بصناعة كاريزما وهمية للرئيس الجديد، رغم أن اختياره لموقعه كنائب لرئيس الجمهورية كان لأنه "ثور الله في برسيمه"، وكان هذا معروفا لكل من يمارس السياسة، لكن أيضا توقف دول الصمود والتصدي عن تمويل المعارضين، باغتيال السادات، جعل البعض ممن كانوا مدفوعين بالمعارضة مدفوعة الثمن، إلى البحث ولو عن الفتات على مائدة الحكم الجديد، ثم أنها حالة نفسية تجعل المرء ينظر لنصف العمى على أنه أفضل من العمى كله، وقد حدث هذا على مستويات أقل!
فقد تعلمنا من التجارب أن إقالة الوزير السيئ مثلا، سيدفع الناس إلى تقبل من بعده حتى دون أن يعرفوه معرفة جيدة، وعندما أقيل وزير الداخلية اللعان "زكي بدر"، صفق الجميع لذلك، وصنعوا من الوزير الجديد "عبد الحليم موسى" وليا من أولياء الله الصالحين، وأوشكوا أن يشيدوا له ضريحا، وساعد على ذلك ادعاؤه الدروشة مع أنه هو المسؤول بسياسة الضرب في سويداء القلب والقتل خارج القانون، عن ظاهرة الإرهاب التي شهدتها مصر في التسعينيات!.
وأيضا حدث هذا بعد حملة جريدة "الشعب" على فساد وزير الداخلية حسن الألفي، فقد ساهم تأييد وزير الداخلية حبيب العادلي والإشادة، مع أنه كان مسخرة بين زملائه منذ أن كان ضابطا صغيرا، في تحوله إلى شخص جبار يفعل ما يريد، وهو الذي كان كلما انتقدته في بداية توليه مهام منصبه يهرع إلى وزير الإعلام صفوت الشريف شاكيا!
وعندما أتذكر هذه الدروس، أخشي أن يصبح السيسي هو العقدة، فإذا أزيح قبلنا أي شخص يمكن أن يأتي من بعده، وبدون اختيار الشعب في انتخابات حرة ونزيهة، باعتبار أن المختار هو نصف العمى الذي هو أفضل من العمى كله!.
لقد جاء مبارك والمعارضة تتوحم على زوال عهد السادات، فصنعوا لخليفته هالة ودعاية شبيهة بتلك الدعاية التي دشنوها للسيسي فلم يرفضها ولم يؤيدها. وكانت دعايتهم لمبارك تنطلق من أنظر إلى "سحنته" إنه قريب من عبد الناصر، وكيف أن ناصر كرمه من قبل، لكن وهو يعلم خطورة هذه الدعاية فقد أعلن في خطاب له منذ البداية أنه ليس السادات ولا عبد الناصر ولكنه حسني مبارك!. "عاشت الأسامي"!
لكن من يتوحمون بالتقرب إليه لم يفقدوا الأمل، فأمسكوا في خطابه عن "الكفن الذي ليس له جيوب" بأيديهم وأسنانهم وعضوا عليه بالنواجذ، "فمصر بتتغير" والرئيس بالتالي سيواجه الفساد!.
تحت لافتة مواجهة الفساد، بدأ مبارك في محاكمة خصومه، وبدا وسط تصفيق "فرقة حسب الله" بمحاكمة "عصمت السادات" شقيق الرئيس الراحل وأنجاله في قضايا فساد، ولم يكن بسبب فسادهم ولكن تصفية لحسابات له معهم فعصمت ونجله طلعت كانوا لا يتوقفون عن التصريح والتلميح بأن مبارك له يد في قتل السادات، وفي عزاء عمه وعند دخول مبارك قال طلعت عبارة لها دلالة: "يعملوها ويخيلوا"، وهي للتقريب على أذهان غير المصريين: "يقتلون القتيل ويمشون في جنازته"!.
يقول شهود عيان إن مبارك وهو ينصرف لم ينس أن يحذر شقيق السادات: "إن لم تلم ابنك فسوف ألمك أنت وهو". لكن عصمت لم "يلم ابنه" وشاركه في الإساءة لمبارك عبر صحفي أمريكي يعمل من القاهرة، بتحريضه على نشر أخبار عن أن الرئيس الجديد يضطهد أسرة الرئيس السابق، ذلك بأن عصمت السادات كان يبتزه ليرتب لنفسه أوضاعا جديدة مع هذا الحكم، ولم يكن مشغولا بشقيقه قدر انشغاله بمصالحه، وقد مات السادات وشقيقه ممنوع من دخول ميناء الإسكندرية ساحة نفوذه، عندما تكررت الشكاوى منه.
ويُذكر أن عصمت وصل الميناء عقب وفاة شقيقه فقيل له إنه ممنوع من الدخول فسأل: من اتخذ قرار المنع؟
فقيل له: الرئيس السادات!
فرد ساخرا : والسادات قد مات!
(5)
لقد أحيل عصمت السادات إلى محكمة القيم، بحجة أنه فاسد، وبدأت محاكمته وأنجاله، وسط تهليل وسائل الإعلام والقوى المدنية!.
وإذا كان الشيء بالشيء فإن وهم مبارك الذي اغتال عمي، كان مسيطرا على النائب الراحل طلعت السادات، ودخل بسببه السجن بحكم من القضاء العسكري عندما قال هذا الكلام معتصما بحصانته البرلمانية، ومن قدمه للمحاكمة هو وزير الداخلية حبيب العادلي لأنه تطاول عليه، ولم يكن مسموحا لأحد بالتطاول على ذاته المصونة.
فالوزير الذي تحول إلى رمز للفساد، وأصبحت إهانته بالقبض عليه من الشارع ما يؤكد على استقامة الحكم، لم يفسد فجأة، ولكنه جاء إلى موقعه مصحوبا بتقارير للرقابة الإدارية تؤكد أنه عضوا مشتغلا في دولة الفساد التي أسسها حسني مبارك ورعاها، وجهاز الرقابة الإدارية هو من ألقى القبض عليه، وتم التعامل مع الواقعة على أنها دليل نزاهة، يشمل جميع أفراد العائلة الكريمة، فنجل الرئيس يعمل في هذا الجهاز، وصاحب يد فيما جرى، وكانت الدعاية أن هذا "الشبل من ذاك الأسد"، وإذا كان هناك من يخافون من غياب السيسي، فهناك من يمثل البديل المناسب له في المستقبل، فشجرة العائلة لم تنقطع بعد!.
(3)
عندما شاهدت الصخب الذي أحدثته سجائر البانجو التي يوزعها "أولو الأمر منهم" في مصر، قلت إن هذا فيلم قديم شاهدته قبل ذلك، لكن تكمن المشكلة في أن هناك أجيالا تفتق وعيها السياسي بعد ثورة يناير، ومنها من لم يكن قبل الانقلاب مشغولا بالسياسة وتصريف الحكم!.
وعندما نستدعي الفيلم القديم، يمكن أن نفهم هذه القضايا في سياقها الطبيعي، ومنذ أن تولى مبارك الحكم، ورغم أفلامه فقد توقف الناس عن وصف حكمه بأنه يواجه الفساد منذ العرض الأول لهذه الأفلام!.
كثير من المعارضين، كانوا قد أرهقوا من المعارضة للسادات، فبحثوا عن العيش الأمن في عصر مبارك، وهم الذين صنعوا منه هالة، وخدعوا الأبصار بصناعة كاريزما وهمية للرئيس الجديد، رغم أن اختياره لموقعه كنائب لرئيس الجمهورية كان لأنه "ثور الله في برسيمه"، وكان هذا معروفا لكل من يمارس السياسة، لكن أيضا توقف دول الصمود والتصدي عن تمويل المعارضين، باغتيال السادات، جعل البعض ممن كانوا مدفوعين بالمعارضة مدفوعة الثمن، إلى البحث ولو عن الفتات على مائدة الحكم الجديد، ثم أنها حالة نفسية تجعل المرء ينظر لنصف العمى على أنه أفضل من العمى كله، وقد حدث هذا على مستويات أقل!
فقد تعلمنا من التجارب أن إقالة الوزير السيئ مثلا، سيدفع الناس إلى تقبل من بعده حتى دون أن يعرفوه معرفة جيدة، وعندما أقيل وزير الداخلية اللعان "زكي بدر"، صفق الجميع لذلك، وصنعوا من الوزير الجديد "عبد الحليم موسى" وليا من أولياء الله الصالحين، وأوشكوا أن يشيدوا له ضريحا، وساعد على ذلك ادعاؤه الدروشة مع أنه هو المسؤول بسياسة الضرب في سويداء القلب والقتل خارج القانون، عن ظاهرة الإرهاب التي شهدتها مصر في التسعينيات!.
وأيضا حدث هذا بعد حملة جريدة "الشعب" على فساد وزير الداخلية حسن الألفي، فقد ساهم تأييد وزير الداخلية حبيب العادلي والإشادة، مع أنه كان مسخرة بين زملائه منذ أن كان ضابطا صغيرا، في تحوله إلى شخص جبار يفعل ما يريد، وهو الذي كان كلما انتقدته في بداية توليه مهام منصبه يهرع إلى وزير الإعلام صفوت الشريف شاكيا!
وعندما أتذكر هذه الدروس، أخشي أن يصبح السيسي هو العقدة، فإذا أزيح قبلنا أي شخص يمكن أن يأتي من بعده، وبدون اختيار الشعب في انتخابات حرة ونزيهة، باعتبار أن المختار هو نصف العمى الذي هو أفضل من العمى كله!.
(4)
لقد جاء مبارك والمعارضة تتوحم على زوال عهد السادات، فصنعوا لخليفته هالة ودعاية شبيهة بتلك الدعاية التي دشنوها للسيسي فلم يرفضها ولم يؤيدها. وكانت دعايتهم لمبارك تنطلق من أنظر إلى "سحنته" إنه قريب من عبد الناصر، وكيف أن ناصر كرمه من قبل، لكن وهو يعلم خطورة هذه الدعاية فقد أعلن في خطاب له منذ البداية أنه ليس السادات ولا عبد الناصر ولكنه حسني مبارك!. "عاشت الأسامي"!
لكن من يتوحمون بالتقرب إليه لم يفقدوا الأمل، فأمسكوا في خطابه عن "الكفن الذي ليس له جيوب" بأيديهم وأسنانهم وعضوا عليه بالنواجذ، "فمصر بتتغير" والرئيس بالتالي سيواجه الفساد!.
تحت لافتة مواجهة الفساد، بدأ مبارك في محاكمة خصومه، وبدا وسط تصفيق "فرقة حسب الله" بمحاكمة "عصمت السادات" شقيق الرئيس الراحل وأنجاله في قضايا فساد، ولم يكن بسبب فسادهم ولكن تصفية لحسابات له معهم فعصمت ونجله طلعت كانوا لا يتوقفون عن التصريح والتلميح بأن مبارك له يد في قتل السادات، وفي عزاء عمه وعند دخول مبارك قال طلعت عبارة لها دلالة: "يعملوها ويخيلوا"، وهي للتقريب على أذهان غير المصريين: "يقتلون القتيل ويمشون في جنازته"!.
يقول شهود عيان إن مبارك وهو ينصرف لم ينس أن يحذر شقيق السادات: "إن لم تلم ابنك فسوف ألمك أنت وهو". لكن عصمت لم "يلم ابنه" وشاركه في الإساءة لمبارك عبر صحفي أمريكي يعمل من القاهرة، بتحريضه على نشر أخبار عن أن الرئيس الجديد يضطهد أسرة الرئيس السابق، ذلك بأن عصمت السادات كان يبتزه ليرتب لنفسه أوضاعا جديدة مع هذا الحكم، ولم يكن مشغولا بشقيقه قدر انشغاله بمصالحه، وقد مات السادات وشقيقه ممنوع من دخول ميناء الإسكندرية ساحة نفوذه، عندما تكررت الشكاوى منه.
ويُذكر أن عصمت وصل الميناء عقب وفاة شقيقه فقيل له إنه ممنوع من الدخول فسأل: من اتخذ قرار المنع؟
فقيل له: الرئيس السادات!
فرد ساخرا : والسادات قد مات!
(5)
لقد أحيل عصمت السادات إلى محكمة القيم، بحجة أنه فاسد، وبدأت محاكمته وأنجاله، وسط تهليل وسائل الإعلام والقوى المدنية!.
وإذا كان الشيء بالشيء فإن وهم مبارك الذي اغتال عمي، كان مسيطرا على النائب الراحل طلعت السادات، ودخل بسببه السجن بحكم من القضاء العسكري عندما قال هذا الكلام معتصما بحصانته البرلمانية، ومن قدمه للمحاكمة هو وزير الداخلية حبيب العادلي لأنه تطاول عليه، ولم يكن مسموحا لأحد بالتطاول على ذاته المصونة.
ولأن الداخلية هي من كانت تحكم مصر، وليس وزارة الدفاع، فإن المحكمة العسكرية كانت جاهزة لمحاكمة طلعت السادات وسجنه عاما، وقد تمكن مبارك في أخر أيامه في الحكم من إزالة ما تراكم في عقل طلعت السادات، بأن هاتفه ليطمئن على سلامته وهو في غرفة العمليات بعد خروجه من السجن، فكانت المكالمات الهاتفية سببا في تحوله إلى ولي حميم، ومن سوء حظه أنه لم يهنأ بالعلاقة الجديدة، فقد قامت الثورة بعد شهور قليلة، وانطلق هو إلى مدافع عن مبارك في البرامج الفضائية وضد الثورة، إلى أن مات بعد ذلك بشهور قليلة أيضا، رحمة الله عليه.
القضية الثانية هي المرتبطة بإحالة مصطفى كامل مراد، أحد الضباط الأحرار، ورئيس حزب الأحرار المعارض للتحقيق في قضايا فساد في رئاسته للشركة الشرقية للأقطان، وسط تصفيق يساري، وهتاف للعهد الجديد الذي يواجه الفساد، ويتصدى له، وهم ينظرون لمراد على أنه خصم، فهو رئيس منبر اليمين، وهو كان مقربا من خصمهم السادات، وهو الذي قاد في مجلس الأمة باعتباره وكيل المجلس مساعدة السادات في الإطاحة بخصومه الذين وصفهم بمراكز القوى في مايو 1971، ثم إنه من كان في رحلة السادات إلى تل أبيب، كما أنه الضابط المجنون - بحسب وصف خالد محيي الدين في مذكراته - الذي أحبط تحرك ضباط الفرسان بحصاره لمقر قيادته بالدبابات انحيازا لعبد الناصر!.
كان الفساد المنسوب لمصطفى كامل مراد، هو عبارة عن مخالفات، فقد قام على سبيل المثال بدهان أحد مقرات الشركة بدون إعلان، وكان دفاعه أن قيمة الإعلان فقط هي تكلفة العملية!.
وظلت القضية سبع سنوات تراوح مكانها، يعلو صوت المعارضة فتطلب النيابة من مجلس الشورى رفع الحصانة للتحقيق مع عضو المجلس مصطفي كامل مراد، وبعد التحقيق لا شيء يحدث فيتم إخلاء سبيل المتهم بضمان محل إقامته على ذمة التحقيقات، وكانت مصر تعرف في هذه المرحلة عرفت ظاهرة القضايا المفتوحة أمام النيابة، حيث تظل مفتوحة لسنوات فلا يتم التصرف فيها بالحفظ أو بالإحالة للمحكمة، ويتم استخدامها للتهديد.
ذات يوم ربما في نهاية سنة 1987، أو في بداية 1988، اجتمع رؤساء أحزاب المعارضة في مقر حزب "الوفد" وانفعل مصطفى كامل مراد، وكان عندما يغضب لا يقف على محطات.
القضية الثانية هي المرتبطة بإحالة مصطفى كامل مراد، أحد الضباط الأحرار، ورئيس حزب الأحرار المعارض للتحقيق في قضايا فساد في رئاسته للشركة الشرقية للأقطان، وسط تصفيق يساري، وهتاف للعهد الجديد الذي يواجه الفساد، ويتصدى له، وهم ينظرون لمراد على أنه خصم، فهو رئيس منبر اليمين، وهو كان مقربا من خصمهم السادات، وهو الذي قاد في مجلس الأمة باعتباره وكيل المجلس مساعدة السادات في الإطاحة بخصومه الذين وصفهم بمراكز القوى في مايو 1971، ثم إنه من كان في رحلة السادات إلى تل أبيب، كما أنه الضابط المجنون - بحسب وصف خالد محيي الدين في مذكراته - الذي أحبط تحرك ضباط الفرسان بحصاره لمقر قيادته بالدبابات انحيازا لعبد الناصر!.
كان الفساد المنسوب لمصطفى كامل مراد، هو عبارة عن مخالفات، فقد قام على سبيل المثال بدهان أحد مقرات الشركة بدون إعلان، وكان دفاعه أن قيمة الإعلان فقط هي تكلفة العملية!.
وظلت القضية سبع سنوات تراوح مكانها، يعلو صوت المعارضة فتطلب النيابة من مجلس الشورى رفع الحصانة للتحقيق مع عضو المجلس مصطفي كامل مراد، وبعد التحقيق لا شيء يحدث فيتم إخلاء سبيل المتهم بضمان محل إقامته على ذمة التحقيقات، وكانت مصر تعرف في هذه المرحلة عرفت ظاهرة القضايا المفتوحة أمام النيابة، حيث تظل مفتوحة لسنوات فلا يتم التصرف فيها بالحفظ أو بالإحالة للمحكمة، ويتم استخدامها للتهديد.
ذات يوم ربما في نهاية سنة 1987، أو في بداية 1988، اجتمع رؤساء أحزاب المعارضة في مقر حزب "الوفد" وانفعل مصطفى كامل مراد، وكان عندما يغضب لا يقف على محطات.
كانوا يناقشون أمرا ما وقال رئيس حزب العمل إبراهيم شكري إن الرئيس لن يوافق على ذلك، وطال تجاوز مصطفى مراد مبارك إلى أبيه!.
وهو ما عرفته منه بعد سنوات، وكان الحديث عن أجهزة التجسس الجديدة، وكان رأيه أن أجهزة الأمن تملك أجهزة تخترق بها الجدران، وضرب مثلا بهذا الاجتماع، فلم يكد يصل إلى بيته حتى اتصل به مبارك مستنكرا سب والده.
قال لقد كنت أنا وإبراهيم بك شكري، وفؤاد باشا "رئيس حزب الوفد"، وأحدا منهما لا يمكن أن يكون قد نقل هذا لمبارك، فلو كان أحمد الصباحي "رئيس حزب الأمة" حاضرا لكان طبيعيا أن ينقل سبابه، الأمر الذي يؤكد أن الأمن اخترق الاجتماع بأجهزته. ولم يفكر في أن أجهزة التجسس ربما تكون مزروعة داخل مكتب "الباشا" نفسه!.
على ذكر مصطفى كامل مراد، فأذكر أن مؤتمرا عقد في حزب "الوفد" بمناسبة عيد الجهاد، وكنت قريبا من عدد من قيادات الوفد، صحيفة وحزبا، وقد راعني أنهم كانوا يصفقون له بحرارة، وكان الراحل جمال بدوي مدير تحرير الوفد، وعباس الطرابيلي في حثهم للناس على التصفيق يقولون إنه عندما يسخن فإنه يقول كلاما جريئا!.
في مؤتمر عقده الوفد في محافظة الشرقية مقر نفوذه، وكان حاشدا سخن مصطفى مراد فتساءل: من مبارك هذا؟!.. أنا من علمته العسكرية. وهتفت الجماهير: "ليتك ما علمته"، وبعد ذلك اتصل به مبارك، ويبدو أنه لم يكن في الوضع "ساخنا " فنفى أن يكون قد قال أنه علمه العسكرية، وقال أنا قلت عندما كنت في رتبة كذا، كان مبارك في الرتبة الأدنى. قالها بحسب المسميات القديمة للرتب العسكرية.
وهو ما عرفته منه بعد سنوات، وكان الحديث عن أجهزة التجسس الجديدة، وكان رأيه أن أجهزة الأمن تملك أجهزة تخترق بها الجدران، وضرب مثلا بهذا الاجتماع، فلم يكد يصل إلى بيته حتى اتصل به مبارك مستنكرا سب والده.
قال لقد كنت أنا وإبراهيم بك شكري، وفؤاد باشا "رئيس حزب الوفد"، وأحدا منهما لا يمكن أن يكون قد نقل هذا لمبارك، فلو كان أحمد الصباحي "رئيس حزب الأمة" حاضرا لكان طبيعيا أن ينقل سبابه، الأمر الذي يؤكد أن الأمن اخترق الاجتماع بأجهزته. ولم يفكر في أن أجهزة التجسس ربما تكون مزروعة داخل مكتب "الباشا" نفسه!.
على ذكر مصطفى كامل مراد، فأذكر أن مؤتمرا عقد في حزب "الوفد" بمناسبة عيد الجهاد، وكنت قريبا من عدد من قيادات الوفد، صحيفة وحزبا، وقد راعني أنهم كانوا يصفقون له بحرارة، وكان الراحل جمال بدوي مدير تحرير الوفد، وعباس الطرابيلي في حثهم للناس على التصفيق يقولون إنه عندما يسخن فإنه يقول كلاما جريئا!.
في مؤتمر عقده الوفد في محافظة الشرقية مقر نفوذه، وكان حاشدا سخن مصطفى مراد فتساءل: من مبارك هذا؟!.. أنا من علمته العسكرية. وهتفت الجماهير: "ليتك ما علمته"، وبعد ذلك اتصل به مبارك، ويبدو أنه لم يكن في الوضع "ساخنا " فنفى أن يكون قد قال أنه علمه العسكرية، وقال أنا قلت عندما كنت في رتبة كذا، كان مبارك في الرتبة الأدنى. قالها بحسب المسميات القديمة للرتب العسكرية.
فقد خرج مراد نقيبا وكان مبارك ملازما !.
بعد اجتماع "الوفد" المخترق نشرت صحف صباح اليوم التالي في صدر صفحتها الأولى أن النيابة بدأت التحقيق مع مصطفى كامل مراد في فساد الشركة الشرقية للأقطان!.
ذهب مصطفى مرارد للنيابة غاضبا، فقد كان قد فاض به الكيل، وقال له المحقق إنه ليس مسؤولا عما نشر في الصحف، فلا هو فتح التحقيق، ولا هو طلب رفع الحصانة عنه!
لكنه ضرب بيده على المكتب: أنا متنازل عن الحصانة ومتنازل عن عضوية مجلس الشورى أفتح تحقيقك الآن، فلا يمكن أن تجمع كل الصحف اليومية على خبر كهذا إلا إذا كنت أنت مصدره!.
وربما استشعرت النيابة الحرج، إذ كانت هناك تقاليد الحد الأدنى قائمة، فبعد أسبوع من هذه الواقعة نشرت الصحف اليومية الثلاث أن النيابة قررت حفظ التحقيق في اتهام مصطفى كامل مراد بالفساد. بعد سبع سنوات من التحقيق والاستدعاء للتحقيق!.
قبل وفاته في صيف سنة 1989، أبديت له ملاحظتي عن أن مبارك كان يبدو لي أن في نفسه شيء منه، إذ إنه يعتمد في هجومه على أحزاب المعارضة في خطبه حتى سنة 1994، أن يوجه له الحديث ساخرا وأحيانا يذكره بالاسم، كانت الكاميرا تحط على وجه مصطفى كامل مراد، فإذا به يضحك، لكن ما إن يصل إلى مكتبه بالحزب حتى ينفجر في سب مبارك الذي يجعله محط سخريته، وترتفع درجة حرارة المكان!.
عندما أبديت له ملاحظتي، أخذ نفسا عميقا وأخبرني بأسباب هذه الكراهية، والتي بدأت عندما اختار السادات، مبارك نائبا لرئيس الجمهورية، كان من رأي مراد أنه الأولى بالموقع، وأنه ممن حول السادات الذي يختار من خارج الدائرة المحيطة به في كل مرة:
في معركة مراكز القوى، أنت تعلم أن البرلمان كان في إجازة وقد جمعته بالاتصال بكل النواب، وقدت معركة فصل رئيسه "لبيب شقير"، وكان النواب يرون أنني الأولى بخلافته وكادوا يصوتون على اختياري لكني رفضت وقلت لابد من الاتصال بالرئيس، وعندما اتصلت بك قلت خذوا "حافظ بدوي"! والآن تكرر نفس الخطأ؟ مال هذا الرجل العسكري والسياسة؟ نحن السياسيون، وهذا منصب سياسي!.
بهدوء قال السادات: "يتعلم يا مصطفى"!.
ورد مصطفى: إلى أن يتعلم يكون.... وقال كلاما يفيد الخروج من الملة!.
وكان مبارك حاضرا الحوار، وكل السخرية الموجهة له من المقربين من السادات كانت تكون في حضوره، بما في ذلك وصف "البقرة الضاحكة" الذي أطلقه "عثمان أحمد عثمان" صديق السادات المقرب!.
في بداية توليه الحكم، نشرت جريدة "الأهرام" صورة للقاء الرئيس مبارك مع "عثمان أحمد عثمان" بدون تفاصيل، كان مبارك يشير له بسبابته في وضع التهديد، يقال يومها إن "عثمان" لم يجد أمامه من مفر مما ينتظره جزاء وفاقا على سخريته من مبارك وقد صار حاكما، إلا أن يدعي الجنون، وفي المساء كان في سرادق عزاء بمحافظة الإسماعيلية وظل يسخر من كل الحضور ويضحك بصوت جهوري، ثم لزم بيته بحجة أنه مريض إلى أن توفاه الله!.
ومع ذلك، فلم يكن مبارك فاجرا في خصومته في البداية، فقد كان يعتمد سياسة "قرص الأذن"، كما فعل ذلك مع صديق السادات محمود جامع في فساد ما سمي بمستشفى المبرة في طنطا التي كان يشغل موقع مديرها، ثم في حبسه بقرار من النيابة بعد حديث صحفي نشرته جريدة "الوفد" في منتصف الثمانينيات، ولعدة أيام وبقرار من النيابة التي قال له وكيلها أنه مضطر لهذا الإجراء!.
وفي حالة مصطفي كامل مراد، فقد كان مبارك يحرص على استمرار تعيينه في مجلس الشورى، ويقدم بعض الدعم المالي للأحزاب من خارج الأطر القانونية، وكان حريصا على بقاء استقرار الملف السياسي كما ورثه من الرئيس السادات لاسيما فيما يختص برؤساء الأحزاب، وفي الفترة من 1990 إلى 2000، كانت كل دولة مبارك تقريبا ضد حزب العمل، من أول وزير الداخلية، إلى الأمين العام للحزب الوطني يوسف والي، وافتعلت الأجهزة الأمنية انشقاقات لتمهد لانتقال رئاسة الحزب إلى شخص آخر غير "إبراهيم شكري"، وظل شخص وحيد في الدولة يرفض ذلك هو مبارك، ربما تشاؤما، وقد كان له في التطير وما إلى ذلك!.
وفي ظني عندما اتخذ مبارك هذا القرار في سنة 2000 بتجميد الحزب، كان يتجرع السم، لكنه كان مذهولا من قدرة صحيفة على تسيير مظاهرة، بعد انتفاضة طلاب الأزهر في أزمة وليمة لأعشاب البحر التي قامت بها جريدة "الشعب"، وكان المسرح السياسي كله يتغير، بل إن مبارك نفسه بدأ يتغير!.
لم يكن لدى مبارك مشكلة في الفساد المالي، ولم يكن يشغله كثيرا أن يمول صحفيا أو سياسيا من الخارج، ربما ما كان يشغله في هذا الأمر لا يخرج عن إطار ميله الفطري للنميمة، لكنه لم تكن تعجبه التصرفات الدنيئة التي تخل بالوقار!.
ذات مرة اتصل بنقيب الصحفيين، قل لفلان يحترم نفسه، ولا يفضحنا بالخارج فالقذافي يدعمه ولا مشكلة في ذلك، إنما لا يليق أن يعود إليه ويقول إن الأمن أخذ منه حقيبة التمويل، ليحصل على تمويل جديد، وهذا لم يحدث!.
كان واضحا أن القذافي اتصل به معاتبا، وكان يتعامل مع القذافي على أنه "حالة خاصة" لا يجوز الدخول معه في معارك بلا داع، بعد تجربة السادات في الخلاف معه!.
في يوم من الأيام في بداية التسعينات، أخبر موفد القذافي المقيم في القاهرة أحمد قذاف الدم، رئيس حزب الأحرار مصطفي كامل مراد أنه يود زيارته في منزله، وهناك قدم له حقيبة، قال إنها من "الأخ العقيد قائد الثورة الليبية" هدية لحزب الأحرار، استأذن مراد من "قذاف الدم" ليتصل بالرئاسة من الداخل، وكان ما يشغل مبارك، هو هل عرف أنك ستتصل بي؟!
ولما كانت الإجابة بنعم، قال إن رفض الدعم سيفهم من جانب القذافي على أنه قرار مني ضده: خذ منه المبلغ واعمل له إعلانات في جريدة الحزب.
(6)
بعد اجتماع "الوفد" المخترق نشرت صحف صباح اليوم التالي في صدر صفحتها الأولى أن النيابة بدأت التحقيق مع مصطفى كامل مراد في فساد الشركة الشرقية للأقطان!.
ذهب مصطفى مرارد للنيابة غاضبا، فقد كان قد فاض به الكيل، وقال له المحقق إنه ليس مسؤولا عما نشر في الصحف، فلا هو فتح التحقيق، ولا هو طلب رفع الحصانة عنه!
لكنه ضرب بيده على المكتب: أنا متنازل عن الحصانة ومتنازل عن عضوية مجلس الشورى أفتح تحقيقك الآن، فلا يمكن أن تجمع كل الصحف اليومية على خبر كهذا إلا إذا كنت أنت مصدره!.
وربما استشعرت النيابة الحرج، إذ كانت هناك تقاليد الحد الأدنى قائمة، فبعد أسبوع من هذه الواقعة نشرت الصحف اليومية الثلاث أن النيابة قررت حفظ التحقيق في اتهام مصطفى كامل مراد بالفساد. بعد سبع سنوات من التحقيق والاستدعاء للتحقيق!.
قبل وفاته في صيف سنة 1989، أبديت له ملاحظتي عن أن مبارك كان يبدو لي أن في نفسه شيء منه، إذ إنه يعتمد في هجومه على أحزاب المعارضة في خطبه حتى سنة 1994، أن يوجه له الحديث ساخرا وأحيانا يذكره بالاسم، كانت الكاميرا تحط على وجه مصطفى كامل مراد، فإذا به يضحك، لكن ما إن يصل إلى مكتبه بالحزب حتى ينفجر في سب مبارك الذي يجعله محط سخريته، وترتفع درجة حرارة المكان!.
عندما أبديت له ملاحظتي، أخذ نفسا عميقا وأخبرني بأسباب هذه الكراهية، والتي بدأت عندما اختار السادات، مبارك نائبا لرئيس الجمهورية، كان من رأي مراد أنه الأولى بالموقع، وأنه ممن حول السادات الذي يختار من خارج الدائرة المحيطة به في كل مرة:
في معركة مراكز القوى، أنت تعلم أن البرلمان كان في إجازة وقد جمعته بالاتصال بكل النواب، وقدت معركة فصل رئيسه "لبيب شقير"، وكان النواب يرون أنني الأولى بخلافته وكادوا يصوتون على اختياري لكني رفضت وقلت لابد من الاتصال بالرئيس، وعندما اتصلت بك قلت خذوا "حافظ بدوي"! والآن تكرر نفس الخطأ؟ مال هذا الرجل العسكري والسياسة؟ نحن السياسيون، وهذا منصب سياسي!.
بهدوء قال السادات: "يتعلم يا مصطفى"!.
ورد مصطفى: إلى أن يتعلم يكون.... وقال كلاما يفيد الخروج من الملة!.
وكان مبارك حاضرا الحوار، وكل السخرية الموجهة له من المقربين من السادات كانت تكون في حضوره، بما في ذلك وصف "البقرة الضاحكة" الذي أطلقه "عثمان أحمد عثمان" صديق السادات المقرب!.
في بداية توليه الحكم، نشرت جريدة "الأهرام" صورة للقاء الرئيس مبارك مع "عثمان أحمد عثمان" بدون تفاصيل، كان مبارك يشير له بسبابته في وضع التهديد، يقال يومها إن "عثمان" لم يجد أمامه من مفر مما ينتظره جزاء وفاقا على سخريته من مبارك وقد صار حاكما، إلا أن يدعي الجنون، وفي المساء كان في سرادق عزاء بمحافظة الإسماعيلية وظل يسخر من كل الحضور ويضحك بصوت جهوري، ثم لزم بيته بحجة أنه مريض إلى أن توفاه الله!.
(7)
وفي حالة مصطفي كامل مراد، فقد كان مبارك يحرص على استمرار تعيينه في مجلس الشورى، ويقدم بعض الدعم المالي للأحزاب من خارج الأطر القانونية، وكان حريصا على بقاء استقرار الملف السياسي كما ورثه من الرئيس السادات لاسيما فيما يختص برؤساء الأحزاب، وفي الفترة من 1990 إلى 2000، كانت كل دولة مبارك تقريبا ضد حزب العمل، من أول وزير الداخلية، إلى الأمين العام للحزب الوطني يوسف والي، وافتعلت الأجهزة الأمنية انشقاقات لتمهد لانتقال رئاسة الحزب إلى شخص آخر غير "إبراهيم شكري"، وظل شخص وحيد في الدولة يرفض ذلك هو مبارك، ربما تشاؤما، وقد كان له في التطير وما إلى ذلك!.
وفي ظني عندما اتخذ مبارك هذا القرار في سنة 2000 بتجميد الحزب، كان يتجرع السم، لكنه كان مذهولا من قدرة صحيفة على تسيير مظاهرة، بعد انتفاضة طلاب الأزهر في أزمة وليمة لأعشاب البحر التي قامت بها جريدة "الشعب"، وكان المسرح السياسي كله يتغير، بل إن مبارك نفسه بدأ يتغير!.
(8)
لم يكن لدى مبارك مشكلة في الفساد المالي، ولم يكن يشغله كثيرا أن يمول صحفيا أو سياسيا من الخارج، ربما ما كان يشغله في هذا الأمر لا يخرج عن إطار ميله الفطري للنميمة، لكنه لم تكن تعجبه التصرفات الدنيئة التي تخل بالوقار!.
ذات مرة اتصل بنقيب الصحفيين، قل لفلان يحترم نفسه، ولا يفضحنا بالخارج فالقذافي يدعمه ولا مشكلة في ذلك، إنما لا يليق أن يعود إليه ويقول إن الأمن أخذ منه حقيبة التمويل، ليحصل على تمويل جديد، وهذا لم يحدث!.
كان واضحا أن القذافي اتصل به معاتبا، وكان يتعامل مع القذافي على أنه "حالة خاصة" لا يجوز الدخول معه في معارك بلا داع، بعد تجربة السادات في الخلاف معه!.
في يوم من الأيام في بداية التسعينات، أخبر موفد القذافي المقيم في القاهرة أحمد قذاف الدم، رئيس حزب الأحرار مصطفي كامل مراد أنه يود زيارته في منزله، وهناك قدم له حقيبة، قال إنها من "الأخ العقيد قائد الثورة الليبية" هدية لحزب الأحرار، استأذن مراد من "قذاف الدم" ليتصل بالرئاسة من الداخل، وكان ما يشغل مبارك، هو هل عرف أنك ستتصل بي؟!
ولما كانت الإجابة بنعم، قال إن رفض الدعم سيفهم من جانب القذافي على أنه قرار مني ضده: خذ منه المبلغ واعمل له إعلانات في جريدة الحزب.
وهذا ما حدث بالفعل فقد تم نشر إعلان على صفحتين في جريدة "الأحرار" عن النهر العظيم، وهو المشروع الذي تبناه القذافي وسط ضجة إعلامية جبارة!.
ولم يكن في القصة ما يستدعي الاهتمام غير ما رواه مراد وهو يضحك من ان الموظف في البنك بعد أن قام بعد المبلغ اكتشف أنهم 90 ألف جنيه فقط وليسوا مائة ألف كما قال "قذاف الدم" الأمر الذي فسر وقتها أن موفد القذافي قد خصم عمولته. ولا أدري لماذا لم يكن اللص هو موظف الحزب الذي حمل المبلغ إلى البنك، و"المال السائب يعلم السرقة"؟!.
ثقافة مبارك التي كانت سببا في ضيقه باللص المبتذل، طرأ عليها طارئ جعله يقبل بعاطف عبيد رئيسا للحكومة، وهو الذي كان في قطاع الأعمال وزيرا ينشر إعلانات في الصحف ويتحصل على عمولة "جلب الإعلان"، وشاعت في هذه المرحلة الممارسات الدنيئة، من بطون جاعت ثم شبعت، وبعد مرحلة البطون التي شبعت وكان جوعها للسلطة فقط، فلم تهتم بالتحصيل المالي، وهناك وزراء نقلوا فاسدين من طبقة إلى طبقة، وخرجوا من الوزارة يا الهي كما خلقتني!.
إن يوسف والي وزير الزراعة الذي منح الأراضي للمقامرين والمغامرين والفاسدين الصغار فيتحولون إلى حيتان، والذي ساهم في إفساد الحياة السياسية لم يكن لصا.
وليس سرا أن مندوبين صحفيين بوزارة الكهرباء، وبعضهم كان يمثل "هنود الصحافة" لشدة الفقر، قد صاروا من طبقة الأثرياء من عمولات الإعلانات ومن التجارة في الوظائف، بينما الوزير الذي مكنهم من ذلك وهو ماهر أباظة عندما مرضت زوجته بعد تركه لمنصبه واحتاجت للسفر للخارج للعلاج، باع قطعة أرض آلت إليه بالوراثة ووجدها لم تفي بالعلاج وعندما علم مبارك استدعاه ليسأله مذهولا : ألم تسرق شيء طيلة سنوات عملك وزيرا ؟، بعد ذلك قرر علاجها على نفقة الدولة، إلى أن توفاها الله، ولم يعمر بعدها طويلا!.
ولكن تلك مرحلة قد خلت، وجاءت مرحلة المماليك، الذين "يسرقون الكحل من العين"، ولا يحقرن من الرشاوى شيئا ولو كان "عزومة" غداء، ومن هذا الطبقة الجديدة جاء وزير الزراعة في عهد الانقلاب العسكري، الذي ينحدر لطبقة من اللصوص لديهم استعداد لأن تكون ضمن الرشاوى المقدمة لديهم جهاز موبايل، وعضوية في نادي، وغداء في فندق، في حين أنه كان يمكن أن يحصل على رشوته كاملة ويشتري لنفسه الموبايل وعضوية النادي ويتناول طعامه في أفخم المطاعم ويدفع من هذا المبلغ، لكن ماذا نقول للدناءة التي أصبحت علامة لمرحلة!.
بعيدا عن السنوات الأولى لعهده لم يعد أحد يتعامل مع وقوع اللصوص الكبار على أنه دليل على شرف مبارك ووقوفه ضد الفساد، حتى وأحد وزراء عصره الدكتور مصطفي السعيد وزير المالية يتم القبض عليه ويقدم للمحاكمة، وأيضا ما حدث مع محافظي الجيزة: ماهر الجندي، وعبد الحميد حسن، وبعض القضايا كان معلوما أنها تصفية حسابات في معارك أجنحة النظام وأطرافه، فجناح للحكم يوجه رسالة لصفوت الشريف وزير الإعلام بالقبض على رئيس قطاع الأخبار بالتلفزيون محمد الوكيل في قضية رشوة، وما إلى ذلك، وكذلك الأمر في تقديم رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون السابق عبد الرحمن حافظ في قضايا فساد!.
وفي المقابل لم يكن النظام يمنع وزيرا مهما كيوسف والي من الذهاب للمحكمة والشهادة لصالح أحد قيادات الوزارة يوسف عبد الرحمن في المحكمة، مع أن من ألقى القبض عليه هو جهاز من أجهزة الدولة، وكان الفساد هو المبرر ولم يكن الأساس!.
فيوسف عبد الرحمن كان فاسدا، لكن فساده لم يكن سببا في القبض عليه، والحكاية كلها رواها "والي" لمبارك: إن رئيس الرقابة الإدارية هتلر طنطاوي طلب منه أرضا من أراضي الدولة ولما رفض كانت هذه القضية، ولما تحقق مبارك من ذلك أقال طنطاوي لكن مع ذلك أدين "يوسف عبد الرحمن"!.
ولم تفسر الإقالة على أن مبارك لا يحمي فاسدا، ولكن لأنه لم ترق له الطريقة، وربما لم يجد هناك مبررا للإبقاء علي هتلر طنطاوي، وقد سخر الجهاز الرقابي لرغباته، ثم انه لم يتدخل لصالح "يوسف عبد الرحمن" لأنه لا يهمه كثيرا، وهو من كان يؤمن بالحكمة المتوارثة "الحرامي وشيلته"، لاسيما وأنه أيضا لم يكن نزيها !.
قضية وزير الزراعة المستقيل، هي ضمن هذا السياق، فالرجل جاء لموقعه وهناك قائمة اتهامات له من قبل هذا الجهاز الذي ألقى القبض عليه مبكرا، ولا يعقل أن قائد الانقلاب عندما عينه وزيرا رغم هذه التقارير أنه كان يمهد له الطريق للتوبة وباعتبار أن وزارة الزراعة هي الحرم المكي، لكن يفهم من قراءة تاريخ مبارك مع الفساد، أنه عندما فاحت الرائحة للحد المقبول كان طلب تقديمه للاستقالة والقبض عليه بهذه الطريقة المهينة وكأنه مسجل خطر!.
اللافت أن ما جرى تم قبل ما وعد به الوزير "صلاح هلال" من كشفه لقضية فساد في اليوم التالي، ومن حقنا هنا أن نتساءل هل كان قراره هذا على قاعدة بيدي لا بيد عمر، وهو الإعلان عن القضية التي يحاكم فيها بعد أن يستبعد اسمه منها؟ لكن ماذا يملك هو في هذه القضية التي كانت تحقق فيها النيابة العامة وحظرت فيها النشر؟، أم أن الأمر مرتبط بقضية أخرى، لم يكن يراد له الإعلان عنها فجاء قرار حمله على الاستقالة للتغطية على هذه القضية؟ وكل هذا لا ينفي أنه قد يكون متهما فعلا بما هو منسوب إليه وكان سببا في محاكمته!.
هذا السياق يؤكد أن كل الاحتمالات واردة، والأمر كله لا يستدعي هذه "الزفة" المنصوبة باعتبار أن السيسي سيطهر البلد، فمن في نيته تطهير البلد لا يختار المذكور وزيرا وهو العضو السابق بالحزب الحاكم، في عهد حسني مبارك، ومع وجود تقرير رقابي يدينه!.
إلعبوا غيرها.
Azouz1966@gmail.com
ولم يكن في القصة ما يستدعي الاهتمام غير ما رواه مراد وهو يضحك من ان الموظف في البنك بعد أن قام بعد المبلغ اكتشف أنهم 90 ألف جنيه فقط وليسوا مائة ألف كما قال "قذاف الدم" الأمر الذي فسر وقتها أن موفد القذافي قد خصم عمولته. ولا أدري لماذا لم يكن اللص هو موظف الحزب الذي حمل المبلغ إلى البنك، و"المال السائب يعلم السرقة"؟!.
(9)
ثقافة مبارك التي كانت سببا في ضيقه باللص المبتذل، طرأ عليها طارئ جعله يقبل بعاطف عبيد رئيسا للحكومة، وهو الذي كان في قطاع الأعمال وزيرا ينشر إعلانات في الصحف ويتحصل على عمولة "جلب الإعلان"، وشاعت في هذه المرحلة الممارسات الدنيئة، من بطون جاعت ثم شبعت، وبعد مرحلة البطون التي شبعت وكان جوعها للسلطة فقط، فلم تهتم بالتحصيل المالي، وهناك وزراء نقلوا فاسدين من طبقة إلى طبقة، وخرجوا من الوزارة يا الهي كما خلقتني!.
إن يوسف والي وزير الزراعة الذي منح الأراضي للمقامرين والمغامرين والفاسدين الصغار فيتحولون إلى حيتان، والذي ساهم في إفساد الحياة السياسية لم يكن لصا.
وليس سرا أن مندوبين صحفيين بوزارة الكهرباء، وبعضهم كان يمثل "هنود الصحافة" لشدة الفقر، قد صاروا من طبقة الأثرياء من عمولات الإعلانات ومن التجارة في الوظائف، بينما الوزير الذي مكنهم من ذلك وهو ماهر أباظة عندما مرضت زوجته بعد تركه لمنصبه واحتاجت للسفر للخارج للعلاج، باع قطعة أرض آلت إليه بالوراثة ووجدها لم تفي بالعلاج وعندما علم مبارك استدعاه ليسأله مذهولا : ألم تسرق شيء طيلة سنوات عملك وزيرا ؟، بعد ذلك قرر علاجها على نفقة الدولة، إلى أن توفاها الله، ولم يعمر بعدها طويلا!.
ولكن تلك مرحلة قد خلت، وجاءت مرحلة المماليك، الذين "يسرقون الكحل من العين"، ولا يحقرن من الرشاوى شيئا ولو كان "عزومة" غداء، ومن هذا الطبقة الجديدة جاء وزير الزراعة في عهد الانقلاب العسكري، الذي ينحدر لطبقة من اللصوص لديهم استعداد لأن تكون ضمن الرشاوى المقدمة لديهم جهاز موبايل، وعضوية في نادي، وغداء في فندق، في حين أنه كان يمكن أن يحصل على رشوته كاملة ويشتري لنفسه الموبايل وعضوية النادي ويتناول طعامه في أفخم المطاعم ويدفع من هذا المبلغ، لكن ماذا نقول للدناءة التي أصبحت علامة لمرحلة!.
بعيدا عن السنوات الأولى لعهده لم يعد أحد يتعامل مع وقوع اللصوص الكبار على أنه دليل على شرف مبارك ووقوفه ضد الفساد، حتى وأحد وزراء عصره الدكتور مصطفي السعيد وزير المالية يتم القبض عليه ويقدم للمحاكمة، وأيضا ما حدث مع محافظي الجيزة: ماهر الجندي، وعبد الحميد حسن، وبعض القضايا كان معلوما أنها تصفية حسابات في معارك أجنحة النظام وأطرافه، فجناح للحكم يوجه رسالة لصفوت الشريف وزير الإعلام بالقبض على رئيس قطاع الأخبار بالتلفزيون محمد الوكيل في قضية رشوة، وما إلى ذلك، وكذلك الأمر في تقديم رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون السابق عبد الرحمن حافظ في قضايا فساد!.
وفي المقابل لم يكن النظام يمنع وزيرا مهما كيوسف والي من الذهاب للمحكمة والشهادة لصالح أحد قيادات الوزارة يوسف عبد الرحمن في المحكمة، مع أن من ألقى القبض عليه هو جهاز من أجهزة الدولة، وكان الفساد هو المبرر ولم يكن الأساس!.
(10)
فيوسف عبد الرحمن كان فاسدا، لكن فساده لم يكن سببا في القبض عليه، والحكاية كلها رواها "والي" لمبارك: إن رئيس الرقابة الإدارية هتلر طنطاوي طلب منه أرضا من أراضي الدولة ولما رفض كانت هذه القضية، ولما تحقق مبارك من ذلك أقال طنطاوي لكن مع ذلك أدين "يوسف عبد الرحمن"!.
ولم تفسر الإقالة على أن مبارك لا يحمي فاسدا، ولكن لأنه لم ترق له الطريقة، وربما لم يجد هناك مبررا للإبقاء علي هتلر طنطاوي، وقد سخر الجهاز الرقابي لرغباته، ثم انه لم يتدخل لصالح "يوسف عبد الرحمن" لأنه لا يهمه كثيرا، وهو من كان يؤمن بالحكمة المتوارثة "الحرامي وشيلته"، لاسيما وأنه أيضا لم يكن نزيها !.
قضية وزير الزراعة المستقيل، هي ضمن هذا السياق، فالرجل جاء لموقعه وهناك قائمة اتهامات له من قبل هذا الجهاز الذي ألقى القبض عليه مبكرا، ولا يعقل أن قائد الانقلاب عندما عينه وزيرا رغم هذه التقارير أنه كان يمهد له الطريق للتوبة وباعتبار أن وزارة الزراعة هي الحرم المكي، لكن يفهم من قراءة تاريخ مبارك مع الفساد، أنه عندما فاحت الرائحة للحد المقبول كان طلب تقديمه للاستقالة والقبض عليه بهذه الطريقة المهينة وكأنه مسجل خطر!.
اللافت أن ما جرى تم قبل ما وعد به الوزير "صلاح هلال" من كشفه لقضية فساد في اليوم التالي، ومن حقنا هنا أن نتساءل هل كان قراره هذا على قاعدة بيدي لا بيد عمر، وهو الإعلان عن القضية التي يحاكم فيها بعد أن يستبعد اسمه منها؟ لكن ماذا يملك هو في هذه القضية التي كانت تحقق فيها النيابة العامة وحظرت فيها النشر؟، أم أن الأمر مرتبط بقضية أخرى، لم يكن يراد له الإعلان عنها فجاء قرار حمله على الاستقالة للتغطية على هذه القضية؟ وكل هذا لا ينفي أنه قد يكون متهما فعلا بما هو منسوب إليه وكان سببا في محاكمته!.
هذا السياق يؤكد أن كل الاحتمالات واردة، والأمر كله لا يستدعي هذه "الزفة" المنصوبة باعتبار أن السيسي سيطهر البلد، فمن في نيته تطهير البلد لا يختار المذكور وزيرا وهو العضو السابق بالحزب الحاكم، في عهد حسني مبارك، ومع وجود تقرير رقابي يدينه!.
إلعبوا غيرها.
Azouz1966@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق