المساواة في الحقوق كل حكم يحابي عصبيته أو حزبه بالثروة والسلطة فوصفه بالإسلامي تزييف للشريعة
2010-09-23
بقلم د . عبدالله الحامد
قال لي أحد العاملين في مراكز القوى، المقربين في دواوين إحدى حكومات الجبر الجائر:لقد استعطيت لنفسي ولأولادي أرض سكنى في كل مدينة فيها بلدية، وهذا موظف من الثعالب الصغار، فما بالك بالذئاب والنمور؟. وتجد بعض الدول التي تعلن أنها تحكم الشريعة الإسلامية، تستثني أفراد الأسرة الحاكمة وحواشيهم من الطواغيت الكبار والصغار من القوانين التي تطبق على أفراد الأمة ، فإذا منحت الدولة محظوظا عاديا أرضا بمئات أمتار معدودة، منحت أفراد الأسرة الحاكمة عشرات الملايين من الأمتار، حتى ذكروا أن أحد أفراد هذه الأسر الحاكمة أخذ في قلب مدينة واحدة كبرى قطعة أرض بلغت مساحتها ثلاثة وثمانين مليوناً من الأمتار.
أ-لا عدل من دون مسطرة التساوي في الحقوق:
محور العقيدة السياسية في الإسلام أن الأمة هي ولية أمر أمرائها، لأنها هي الحفيظة على الدولة والشريعة، ومقتضى البيعة بين الأمة والحاكم، أن الحاكم في الإسلام (وكيل) عن الأمة وليس وكيلا عليها.
ومعنى ذلك أن العدل والمساواة ركنان من أركان العقيدة السياسية في الإسلام، فمن أخل بأحدهما فقد أخل بركن من أركان الإسلام العظام، عمود فسطاط الإسلام الثاني:شق العقيدة المدني والسياسي.
وإنه لعجب إن تجد الدول غير المسلمة شورية عادلة، تقيم ميزان القسطاس والمراقبة والمحاسبة، وتحيل أي موظف يتهم بالتقصير أو الاختلاس حتى لو كان رئيس الحكومة إلى محاكمة علانية، وتحاسبه حسابا عسيرا، بل وتعزل الرئيس والمدير إذا اختلس مالا يسيراً، أو حابى قريبا، وأن تجد أغلب الحكومات العربية التي تعلن تطبيق الإسلام، وعلى ظهر الواحد من أمرائها من المظالم ومخالفة قوانين حسن الإدارة؛ ما لو وزع على جميع رؤساء دول العالم، لاقتضى عزلهم جميعاً، إن لم يبرر سجنهم أعواما طوالا.
ولا تعجب بعد ذلك إذا رأيت الفقهاء في العصور الوسطى، يفضلون حكم هولاكو وتيمورلنك على حكام مسلمين، لأنهما أعدل من حكام مسلمين فسقة ، نهبوا الناس باسم الإسلام، وتحالفوا مع شيخة نفاق أو غفلة، أقعدهم رين الاستبداد عن المطالبة بشروط البيعة، ممن عناهم عبد الله بن المبارك بقوله :
وهل أفسد الدين إلا الملوك× وأحبار سوء ورهبانهـــا ؟
ومن ذلك أن تجد قانون "إذا سرق فيهم الوجيه تركوه" نافذا؛ في بلدان التي تتشدق بتطبيق الإسلام، في المحافل والإعلام، وأن تجد كل مستكبر مستثنى من القوانين التي تطبق على مستضعفين من عموم الشعب ، فله أن يجمع بين الوظيفة والعمل الحر، وله أن يتاجر سرا وجهراً، بل ولا تمر مناقصة كبيرة؛ إلا كان له خيارها ولبابها، وللضعاف شرارها وقشورها وغبارها.
وقد جعلوا أنفسهم فوق القانون، فإذا اشتكاهم أحد لم ينصف، وإذا صدر حكم ضد أحدهم لم ينفذ، وإذا خاصموا أحداً مدوا أيدهم، وأخذوا المال أو الأرض، دون إن يستطيع القانون أن يأطرهم على الحق أطرا، ولا أن يقصرهم عن الشر قصرا، لقد أصبح القانون في غالب الدول العربية، زمن الإمبريالية الأمريكية والصهيونية والإفرنجية كبيت العنكبوت، يمسك بأرجل الحشرات الصغيرة، وتمزقه الحشرات الكبيرة.
فكيف يصح وصف دولة بأنها إسلامية؛ ؟إذا كانت تطبق قانون"إذاسرق فيهم الضعيف عاقبوه، وإذا سرق فيهم الوجيه عظموه"، إذا كانت تقصر إقامة الزواجر والعقوبات على أفراد عامة الناس،إذا اخلوا بأمر روحي، كالمجاهر بترك الصوم وترك الصلاة، أو ارتكبوا محرمات مدنية فردية كشارب الخمر، والزاني والناهب والغاصب، ولاسيما إن كانوا من الفقراء والمستضعفين، ويعفى كبراء القوم من الزواجر والحدود، وكيف يحد السلطان الجائر من اغتصب امرأة أو سرق بعيرا، يكرم من اغتصب إرادة الأمة، ويعظم من سرق مالها، ويشاد بحكمة من أفسد نظام تربيتها، حتى كثرت فيها الفواحش والمجون؟.
ب-شفاعة السوء:
ولقد استشرت (شفاعة السوء) في بعض الأقطار الإسلامية، ولا سيما العربية وسموها الواسطة، ووسموها في بعض البلاد بفيتامين (واو)، فمن استمسك بها ربح، ومن حرم منها خسر، فضاع الضعفاء والمساكين، وأصبح لفيتامين الواو أثر سحري في قضاء الحاجات، وعطلت بها قوانين العدالة والكرامة والمساواة، وأصبحت بعض الأمور لا تتيسر إلا بورقة أو هاتف من شخص بارز، ودخلت الواسطة في التعليم أيضا ، فأرفقت بأوراق الطالب لكي تكون ضمن مسوغات القبول، وقد أكد لي ذات مرة أحد عمداء معهد عال مختص بإعداد القضاة؛ أن أوراق الشفاعة ممن لا يستطاع ردهم ، أكثر من العدد المحدد أصلا للدراسة!. فلتصور مدى العدالة والإنصاف في طلاب يستشفعون بظالم لكي يولوا القضاء، ولعل مؤهلاتهم للقبول هي الواسطات!
وإذا رأى الناس شخصاً لم يوظف، قالوا لماذا؟ لأنه لا شافع له، حتى المريض أصبح يحتاج إلى واسطة، ليتسنى له العلاج. وكفى باحتياج (المريض) إلى شفاعة لكي ينال العلاج برهان على استشراء الفساد، وضيعة المستضعفين، بن براثن الجبارين.
أمر قاس فظيع جداً، أن لا يستطيع الإنسان النجاة من الموت إلا بشفيع يحجز له سريرا في مشفى السراة.
وهؤلاء الضالون الذين يستيجيزون الواسطات؛ هل يظنونها من (الشفاعة) الجائزة، في أي قانون عادل، بله أن يبيحها الإسلام؟، والشفاعة في الإسلام، لا التباس فيها، فهى نوعان: شفاعة خير وشفاعة شر، كما قال ابن تيمية في السياسة: "الشفاعة إعانة الطالب حتى تصير معه شفعا بعد أن كان وترا، فإن أعانته على بر وتقوى؛ كانت شفاعة حسنة، وإن أعانته على إثم وعدوان؛ كانت شفاعة سيئة".
فان كانت شفاعة في رد ظلم عن مظلوم ، أو إغاثة لكروب، أو في تقويم ظالم وكف إذاه، أو إبلاغا لحاجة من لا يستطيع الوصول إلى من يحل الأمور، فهي حسنة يؤجر فيها الساعي، وهي زكاة الجاه التي تحدث عن فضلها الفضلاء، وهي التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها، فان من أبلغ ذا سلطان حاجة من لا يستطيع إبلاغها؛ ثبت الله له سعيه على الصراط يوم تزل الإقدام".
وهي شفاعة الخير هي المعنية في قوله تعالى "من يشفع شفاعة حسنة؛ يكن له نصيب منها" وهي أيضا مستحبة فى درء العقوبة، وحكمة ذلك الستر على الناس، ولكن عندما تصل القضية الى (القضاء )، يصبح تجاوزه إخلالا بالمساواة ، ومدعاة إلى تجرؤ المجرمين على القانون، فإذا بلغت الحدود سلطة القضاء ، فلعن الله الشافع والمشفَع ، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم وقال :"تعافوا الحدود بينكم ، فما بلغني من حد فقد وجب"، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا: "من حالت شفاعته دون حد من حدود الله ، فقد حاد الله في أمره "
وشفاعة الشر مثل أن يشفع شافع لكي يوظف حبيبه وقريبه ونسيبه،وأهل بيته وقريته وصحابته وجيرانه، أو يقدم من يعرفه على من لا يعرفه، فيطرد بسببه فقير ناء مسكين، ويحرم مجهول مطحون، ولكي يستثنى الحبيب على القلب، ويطبق القانون على الثقيل، ولكي تمر معاملات الأقارب وجماعة البلد والقبيلة كالبرق، وتزحف معاملات الناس الآخرين، كالسلاحف فوق التراب، فهذه شفاعة من الكبائر، وهي ما نهى الله عنه بقوله" ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها، وكان الله على كل شيء رقيبا".
ج-الرشوة كيف تشيع في دولة توصف بالإسلامية:
ومن الأمور التي ابتليت بها كثير من المجتمعات الإسلامية، ولا سيما العربية؛ فشو الرشوة التي أصبحت مفتاحا لكل باب مغلق، ودهانا لكل عود يابس، ومخرجا من كل مأزق، وحلا لكل عقبة في القانون، وأصبحت الفضائح ترويها الألسنة والصحف الأجنبية عن بلاد إسلامية ، ولا أحد ينكر ، أو يتساءل حتى صار أهل (الرشوة) في بعض البلدان (مافيا)، تسري كالماء تحت التبن ، كأسلاك ضفيرة كهرباء السيارة ، لا أحد يراها ، لكنها كالجان والشياطين تسري في الظلام، فلا يصدر صك امتلاك أرض أو منحة زراعية أو سكنية إلا برضاها ، ولا يحصل أحد على حقه إلا بها، وأصبحت المناقصات والمشاريع والإيجارات مرتبطة بها.
بل أسهم بعض فقهاء الظلام في مشروعيتها، عندما قالوا يجوز للإنسان أن يدفع الرشوة إذا كان لن يستطيع نيل حقه إلا بها ، وشيوع هذه الفتوى عند الناس ثمرة رسوخ الاستسلام للاستبداد، بدلا من أن يقولوا يجب على الناس كافة، وعلى طلاب الحقوق خاصة، إعلان الجهاد المدني السلمي حتى الاستشهاد، لمكافحة الاستبداد، الذي هو مصدر كل خراب وفساد.
فأين هؤلاء الرؤساء والأمراء والمدراء والكتبة؛ بل أين فقهاء التخلف والرخاوة والضروررة، من قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " من اقتطع حق أمريء مسلم بيمينه ، فقد اوجب الله له النار ، وحرم عليه الجنة. فقال الرجل : يا رسول الله ، وإن كان شيئاً يسيراً ؟ قال: وإن كان قضيباً من أراك" ( رواه مسلم ).
وقوله عليه السلام : " من استعملناه عملا فرزقناه رزقا ، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول " ( رواه أبو داود ).
وقوله صلى الله عليه وسلم : " لعن الله الراشي والمرتشي ، والرائش [الواسطة] بينهما".
وقد وصف الله الفجار بأكل السحت فقال : "سماعون للكذب أكالون للسحت"، قال ابن تيمية " متى أكل ولي الأمر السحت احتاج أن يسمع الكذب من شهادة الزور وغيرها".بل إن السحت يشمل أيضا الهدية التي تعطى للموظف الذي يساعد في انجاز معاملة ، أو تسهيل أمر ، أو التوسط والشفاعة عند أحد، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " من شفع لأخيه شفاعة ، فأهدى له هدية فقبلها ، فقد أتى بابا عظيماً من أبواب الربا ".
وكلم التابعيُ مسروقٌ رحمه الله الأمير ابن زياد في مظلمة رجل ، فردها الأمير ، فأهدى الرجل مسروقا هدية فردها قائلا: سمعت ابن مسعود يقول " من رد عن مسلم مظلمة فأهدى له عليها ، قليلاً أو كثيراً ، فهو السحت، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، ما كنا نرى السحت إلا الرشوة في الحكم، قال: ذلك كفر ".
وبعض أهل الغفلة من الموظفين الذين لا يحترزون من الشبهات؛ وتسيطر عليهم الشهوات، يتساهلون في الهدايا التي يعطيهم من قضوا له حاجة، وينسون إنها فهي وإن لم تكن مباشرة في التأثير عليهم، فان لها أثر الكئوس في الرؤوس.
وتروي المأثورات الشعبية النجدية أن فلاحاً دعا قاضياً من قضاة الظلم إلى وليمة ، فلما أطعمه ذكر له خصومة مع جاره ، فقال القاضي مداعباً: لا تذكرني بتفصيل قضيتك حتى أهضم طعامك، فيجري مني في الدم والعروق، فأميل إليك!!.
وأجمع الفقهاء على أن الهدايا حرام على الحكام والقضاة والولاة، ومن قبل من ذلك شيئاً، وجب عليه أن يتوب، ولا توبة له إلا برده إلى بيت مال المسلمين، وإعلان خطئه على الملأ، وإلا كان رشوة حراماً.
وأساس هذه القاعدة حديث شريف، فقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً على الصدقة يقال له ابن اللتيبية، فلما قدم المدينة آيبا من عمله، قال : " هذا لكم ، وهذا أهدي إلي" فوقف الرسول صلى الله عليه وسلم خطيباً ، وقال : " ما بال عامل أبعثه فيقول : هذا لكم وهذا أهدي إلي ، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه ، حتى ينظر أيهدى له أم لا ؟، والذي نفس محمد بيده لا ينال أحد منها شيئاً ، إلا جاء به يوم القيامة يحمله على بعير له رغاء ، أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر" ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه ، ثم قال : اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت ؟"
د= استغلال النفوذ:
ومن مظاهر الحكم بغير ما أنزل الله من مساواة (استغلال النفوذ) وهو من سمات دولة الجبر والجور أموية وعباسية مملوكية وعثمانية، ولكنه ازداد استقرارا وشيوعا في الدولة العربية الحديثة، زمن الهيمنة الأمريكية والصهيونية والفرنجية، وليس رشوة مباشرة، ولا أكلا صريحا لأموال الناس ، ولكنه أكل لها بصور غير مباشرة.
و كثير من أصناف النخبة من الرؤساء والأمراء والوزراء يحصلون على منح من المال، أو إقطاعات من أراضي السكنى ، أو الزراعة أو تسهيلات في التجارة ، كالمناقصات والمشاريع ، أما بأسمائها مباشرة ، أو بأسماء أولادها وزوجاتها أو أقربائها،أو محاسيبها،أو تشارك الضعفاء الذين تستخرج باسمهم حقوقهم، وكما يقول المثل النجدي: "الشرط أربعون ، لكم عشرون ، ولنا عشرون"، وهذا سحت ، كلحم السمك الذي حرم على اليهود يوم السبت ، فحبسوه في البحر يوم السبت ، وأكلوه يوم الأحد .
ولولا الرئاسة لما أعطي الملأ من الأقوياء؛ أراضي بمئات ملايين الأمتار ، وأعطي أغلب الفقراء قليلاً ضئيلاً ، ولما قرب الكبار وأبعد الصغار، ولما أعطي أطفال الوجهاء الرضع، وحرم الشيوخ والعجائز والكهول والعائلون من الفقراء الجوع.
قال لي أحد العاملين في مراكز القوى، المقربين في دواوين إحدى حكومات الجبر الجائر:لقد استعطيت لنفسي ولأولادي أرض سكنى في كل مدينة فيها بلدية، وهذا موظف من الثعالب الصغار، فما بالك بالذئاب والنمور؟. وتجد بعض الدول التي تعلن أنها تحكم الشريعة الإسلامية، تستثني أفراد الأسرة الحاكمة وحواشيهم من الطواغيت الكبار والصغار من القوانين التي تطبق على أفراد الأمة ، فإذا منحت الدولة محظوظا عاديا أرضا بمئات أمتار معدودة، منحت أفراد الأسرة الحاكمة عشرات الملايين من الأمتار، حتى ذكروا أن أحد أفراد هذه الأسر الحاكمة أخذ في قلب مدينة واحدة كبرى قطعة أرض بلغت مساحتها ثلاثة وثمانين مليوناً من الأمتار.
ولهؤلاء امتيازات خاصة في الجوازات والسفر والجمارك والطائرات والمستشفيات والعمالة والمناقصات والوظائف، ويتقاضون –فوق ذلك-أموالا نقدا ضخمة، بينما يعيش على بعد دقائق وأمتار حولهم ألوف الأسر خاملة في مذلة وفقر وحرمان، وما أنظمة هذه الدول المعلنة عن المساواة إلا حبر على ورق، وما دعاوى تطبيقها الشريعة إلا تزييف.
والطامة الكبرى أن القضاء الذي لبس عباءة الشريعة، يبصم ويختم على هذه الصكوك، التي تبدأ بالحمد لله وحده، وتنتهي بالصلاة على من لانبي بعده، وعلى طرفى الصك شعار الحكم بما أنزل الله، وبن الصلعمة والحمدلة يعطى صاحب السمو ثمانين مليون متر في قلب العاصمة !!.
أين حكام الظلم وقضاتهم من قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً ، فما اخذ بعد ذلك فهو غلول".الغلول : السرقة والنهب.
و من ذلك اشتغال الملأ من الرؤساء بالتجارة، لأن السلطان إذا زاحم الناس في التجارة أهلكهم، لأمور عديدة:
منها أن الناس سيحابونه لأجل مكانه في الولاية ، فيؤدى ذلك إلى استغلاله السلطة ، فتوفر له تسهيلات في المبايعة والمؤاجرة والمضاربة و(المناقصة) كما ذكر ابن تيمية، ولذلك شاطر عمر بن الخطاب بعض الولاة، لعلمه أنهم خصوا بمحاباة ، من أجل سلطانهم ، وأن ذلك داخل تحت إطار استغلال السلطة .
ومن أجل ذلك عد ابن خلدون اشتغال السلطان بالتجارة ، مضرة بالشعب مفسدة للجباية ، وذكر من أسباب ذلك أن " السلطان قد ينتزع الكثير بأيسر ثمن، ولا يجد من ينافسه في شرائه ، فيبخس ثمنه على بائعه ، فتكسد التجارة" ويزيد ثمنه على مشتريه أيضا؛ إذا كان مبيعاً لجهة حكومية.
ومنها أن السلطان يضايق بذلك الفلاحين والتجار، لأن الناس العاديين متكافئون وفي اليسار متقاربون ، فإذا شاركهم السلطان وما له أكثر من مالهم؛ فلا يكاد أحد منهم يحصل على غرضه في شيء من حاجاته ، ويدخل على نفوس الناس غم ونكد، كما ذكر ابن خلدون .
ومنها أن اشتغاله بالتجارة يشغله عن مهام وظيفته، فيصبح همه البحث عن إدرار الأموال بكافة الطرق، وينصرف عن شئون الإدارة.
ومن أجل ذلك كان الفرس في الزمن القديم؛ كما ذكر ابن خلدون يشترطون على الحاكم، أن لا يتخذ صنعة فيضر جيرانه، وأن لا يتاجر فيجلب غلاء الأسعار، وأن لا يستشير العبيد لأنهم لا يشيرون بخير ولا مصلحة .
لقد وصل الأمر في دول إسلامية تعلن شعار الإسلام إلى أن بعض النهابين الصغار إذا أرادوا انتهاب شيء من أموال الناس وأراضيهم أو مال الأمة العام ، ادخلوا أميراً أو كبيرا في شركتهم ليأكلوا باسمه، ويقاسموه المال، بل وأسوأ من ذلك أن بعض من تنتهب أموالهم وأراضيهم من عامة الناس، لا يستطيعون استردادها إلا إذا أدخلوا أميرا شريكا فيها ، يأخذ شطرها، وهكذا عادت دولة البدونة والفرعنة، في عصر عيمنة الصهينة والفرنجة، إلى ميراثها الجاهلي القديم، الذي يمنح السراة ثروات المستضعفين:
لك المرباع منها والصفايا***وحكمك والنشيطة والفضول