على الرغم من إلزام رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وزراءه بعدم الإدلاء بأي تصريح بشأن قيام الجيش المصري بعزل الرئيس المصري محمد مرسي، إلا أن النخب الأمنية الصهيونية رأت في الخطوة تحولاً يسمح بتقليص الآثار السلبية التي انطوت عليها الثورات العربية.ولقد تكرر كثيرًا مصطلح “حدث تأسيسي” في وصف الإسرائيليين للخطوة التي أقدم عليها وزير الدفاع المصري عبدالفتاح السيسي عندما عزل الرئيس مرسي، للإيحاء بأن هذه الخطوة تشكل نقطة تحول فارقة نحو عهد جديد، تتحرر فيه “إسرائيل” من الكثير من مصادر التهديد التي دفع بها الربيع العربي.
ما يراهن الصهاينة على كسبه
إن أكثر ما عاظم حالة الرضا والارتياح في الأوساط الإسرائيلية الرسمية يعود بشكل خاص إلى حقيقة أن عزل مرسي ومطاردة قادة جماعة “الإخوان المسلمين” يفتح المجال أمام التالي:
أولاً: استعادة الشراكة الإستراتيجية التي كانت قائمة بين “إسرائيل” ونظام الرئيس المصري المخلوع مبارك، وهي الشراكة التي توقفت أثناء حكم مرسي. وكما قال الجنرال “عاموس يادلين” الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية ومدير “مركز أبحاث الأمن القومي” الإسرائيلي؛ فإن الشراكة الإستراتيجية التي تأمل “تل أبيب” في استعادتها مع مصر بعد سقوط نظام مرسي تتمثل في تجند مصر في مساعدة “إسرائيل” من جديد في مواجهة التحديات الإستراتيجية، مثل: خطر “الإرهاب” الفلسطيني، والتعاون في مواجهة حركات الجهاد العالمي، والخطر الإيراني. ويشير “يادلين” إلى أنه على الرغم من قصر فترة حكم مرسي، إلا أنه لم يُنهِ فقط الشراكة الإستراتيجية مع “إسرائيل”، بل إنه عمل على تقليص هامش المناورة لحكومة “تل أبيب” في المنطقة بقدر ما يسمح بذلك وضع مصر الإستراتيجي، مشيرًا إلى دور مرسي في دفع “إسرائيل” نحو إنهاء الحملة العسكرية الأخيرة على قطاع غزة حتى قبل أن تحقق أي من أهدافها. ولا خلاف داخل “إسرائيل” أن حكم مرسي مثَّل مصدر قوة للمقاومة الفلسطينية.
ثانيًا: إسقاط مرسي سيعزز محور “الاعتدال” في العالم العربي، والذي أدى فوز الإخوان بحكم مصر إلى إضعافه إلى حد كبير. وترى “إسرائيل” أن استعادة محور الاعتدال قوته سيسمح لها بهامش مناورة كبير، بشكل يسمح لها باستعادة القدرة على بناء تحالفات مع قوى إقليمية عربية لمجرد التقاء المصالح بينها.
ثالثًا: هناك إدراك عميق في “إسرائيل” أن إسقاط حكم الإخوان وما سيتبعه من جدل عام بين المعارضين والمؤيدين، بالإضافة إلى تعاظم حدة الاستقطاب المذهبي بين السنة والشيعة سيقلص من مكانة الصراع العربي الإسرائيلي في الجدل العربي العام، ويصبح مجرد تفاصيل غير ذات قيمة، وهو ما يسمح لـ”إسرائيل” بقدرة كبيرة على تحقيق أهدافها في ظل أقل قدر من المقاومة من العالم العربي.
رابعًا: لا خلاف في “إسرائيل” في أن إسقاط مرسي مثَّل ضربة قوية لحركة “حماس”، التي تحسنت بيئتها الإستراتيجية كثيرًا بعد فوز الإخوان، بسبب الرابط التنظيمي والأيدلوجي. ويتوقع الجنرال “رون تيرا” -الذي شغل في الماضي مواقع حساسة في شعبة الاستخبارات العسكرية- أن يسهم الانقلاب على مرسي في ردع حركة “حماس” عن التحرش بـ”إسرائيل” في المستقبل، لكن أغلبية المراقبين في “إسرائيل” يستبعدون أن يسهم إسقاط مرسي في تشجيع “إسرائيل” على مهاجمة “حماس” بدون أن يكون لذلك مبرر قوي، وذلك لإدراكها أن مثل هذا السلوك سيمنح الرأي العام العربي الفرصة للتدخل بشكل يفسد عملية الانقلاب على مرسي.
خامسًا: تنطلق النخبة الإسرائيلية من افتراض مفاده أن عزل مرسي حسَّن من قدرة نظام الحكم في الأردن على الصمود في مواجهة دعوات الإصلاح التي يمكن أن تقلص من قدرته على مواصلة التعاون الإستراتيجي مع “إسرائيل”؛ فقد اعتبر الوزير والجنرال الإسرائيلي “إفرايم سنيه” أن إسقاط مرسي قد زاد من فرص بقاء نظام الحكم في الأردن، مشيرًا إلى أن مئات الآلاف من الإسرائيليين مدينون ببقائهم على قيد الحياة للدور الذي تقوم به الأجهزة الأمنية الأردنية عبر تعاونها مع الأمن الإسرائيلي.
سادسًا: تعتبر “إسرائيل” أن استعادة العسكر زمام المبادرة في مصر سيسهم في استعادة الولايات المتحدة لمكانتها في المنطقة، وهذا بحد ذاته يمثل مصلحة إستراتيجية كبيرة لـ”إسرائيل”، على اعتبار أن هذا التحول يقلص من حجم الأعباء الإستراتيجية التي تتحملها “إسرائيل” جراء التحولات في الإقليم، علاوة على أنه يسهم بشكل كبير في ترميم قوة الردع الإسرائيلية ويحسن من قدرة “تل أبيب” على استعادة مكانتها الإقليمية.
سابعًا: لا خلاف داخل “إسرائيل” على أن إسقاط مرسي سيسهم في تحقيق مصالح “إسرائيل” في الساحة السورية؛ فقد نقلت الإذاعة العبرية عن مصادر في شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” قولها: إنه على الرغم من محدودية الدور الذي كان بإمكان مرسي أن يقوم به في الشأن السوري، إلا أن نظامه في الآونة الأخيرة أقدم على خطوات تُحسن مكانة الجماعات الإسلامية العاملة ضد نظام بشار الأسد، وهذا ما يتعارض مع مصالح “إسرائيل”. وحسب المصادر، فإن أي تدخل عربي فاعل لصالح الثوار يمكن أن يؤدي إلى وضع حد للاقتتال الحالي، وهذا ما يتناقض مع المصلحة الإسرائيلية الهادفة إلى إطالة أمد المواجهة.
قائمة المخاطر
إلى جانب جملة المكاسب التي تراهن “إسرائيل” على تحقيقها، فإنها تحذر من مصادر تهديد كبيرة، منها:
1- اشتعال جبهة سيناء عبر تعاظم نشاط الجماعات الجهادية العاملة هناك واستهداف مستوطنات جنوب “إسرائيل”.
2- تعاظم ردة فعل الشارع المصري بشكل يجبر الجيش على إعادة مرسي للحكم، وهذا ما يعني أن مرسي سيتخذ إجراءات سياسية ضد “إسرائيل” والولايات المتحدة، على اعتبار أن هناك إحساسًا بأن عزله جاء بعد التشاور مع “البنتاجون”.
الإسلام اليوم، 7/7/2013
صالح النعامي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق