الأحد، 7 ديسمبر 2014

قصة أذكى رجل في سيرك الإعلام المصري!

قصة أذكى رجل في سيرك الإعلام المصري!

شريف عبدالغني


 يمشي على «سلك رفيع» في سيرك السياسة والإعلام أمام حشود كبيرة من المحبين والمشاهدين والمترقبين والمترصدين، يحمل بيديه «عصا كبيرة»، إنها وسيلته للتوازن، بها يسير بخطوات محسوبة خوفاً من السقوط لو سقط سيكون سقوطه مدوياً، هو شاطر وغلطة الشاطر بألف.
جسده النحيل يعطيه خفة أكبر في الحركة، ذكاؤه الحاد قد لا يفهمه من لا يرون فيه سوى «لاعب محظوظ» أخذ أكثر مما يستحق، أو «فسيخة» ليس لها قيمة، بحسب تعبير زميله أنور الهواري في مقال له، بعدما فرقتهما السبل.
الحقائق تقول إن الصحافي مجدي الجلاد صاحب أهم تجربة صحافية ظهرت بمصر في الثلاثين عاماً الأخيرة، تسلم رئاسة تحرير «المصري اليوم» وهي توزع بضعة آلاف من النسخ لا يقمن صلبها، تركها وهي الصحيفة الأعلى توزيعاً والأقوى تأثيراً.
كان حلماً لكثيرين العمل في صحيفة تقدم «مهنة حقيقية»، تقف -في معظم الأحيان- على مسافة واحدة من كل الأطراف، قدم «توليفة» جديدة على الساحة الصحافية، ذاق النجاح المدوي في سنوات قليلة.
في المقابل كان يمكن لأي كاتب انتقاد رأس الدولة في الصحيفة أيام مبارك لكنه لا يمكن أن يقترب من الوزراء، ليس أي وزراء ولكن رجال الأعمال منهم، لعبة حسابات وتوازنات، «العصا» دائماً كانت في يديه خصوصاً في ملف كبار البزنس، شائعات واتهامات أنه استفاد كثيراً منهم، منصور عامر، هشام طلعت مصطفى، إيهاب طلعت، سليمان عامر، أسماء وغيرها كثير تردد أنه غاص في بحور أموالهم وخرج منها بـ «حوريات» و «درر» و «لآلئ»، لكن هذا أمر وتجربته المهنية المؤثرة أمر آخر.
إذا كانت «عصا التوازن» حمت الجلاد كثيراً من «السقوط»، لكنها أيضاً حرمته من «الخلود»، أبعدته عن البقاء في الذاكرة الشعبية نموذجاً للصحافي المستقل الذي يعمل للمهنة والناس فقط، أضاع بيديه و «عصاه» فرص الترقي إلى سجلات العظماء، هذه مجرد نماذج:
1- مقالاته عن مبارك وعائلته شابها كثير من الغموض والارتباك، مرة مهاجماً، وأخرى مادحاً، مرة يلعن «التوريث» وبعدها «موافقة مشروطة».
 بعض العارفين وكثير من المدعين قالوا إن حرب «الجلاد» مع الراحل عبدالله كمال رئيس تحرير «روز اليوسف» الأسبق، لم تكن لمصلحة الوطن والمهنة، بل كانت على من يجلس على حجر جمال مبارك!!
وأن «النحيف» رأى أنه سيكون أخف على الحجر من «السمين»، وأنه ورقة مقبولة سيكون أكثر نفعاً لـ «الوريث» من ورقة كمال «المحروقة».
2- صبيحة يوم 26 يناير 2011 وضع الجلاد مانشيت «المصري اليوم» من كلمة واحدة أحدثت زلزالا مدوياً في الشارع وأعمدة السلطة: «إنذار»، الكلمة-القنبلة وصفت بدقة ما حدث في بداية الثورة يوم 25 يناير، ونذيراً بأن ما حدث مع زين العابدين بن علي في تونس قبلها بأيام مرشح للتكرار في مصر، المانشيت تناقلته وكالات الأنباء بأيدي حشود المحتجين في ميدان التحرير، ودشن الصحيفة لتكون لسان حال الثورة، ومجدي الجلاد إلى حاضن لصوت الشعب، لكن «العصا» الملعونة حرمته مما ينتظره من مكانة، فبعد الخطاب العاطفي لمبارك مساء أول فبراير، و «مصر بلد المحيا والممات»، شعر الجلاد أن الرئيس لن يسقط، وأنه استوعب «الإنذار»، لم يتمهل وخرج ليلتها في مداخلات بالفضائيات يطلب من المتظاهرين مغادرة ميدان التحرير بعدما تحقق ما يريدون، وأن الرئيس سيرحل عن السلطة بعد 6 شهور، لكن بوصلة الجلاد خابت، فاته أن الشارع يدرك أنها خدعة للسيطرة على الوضع، ثم الانتقام من الثوار، وصدق توقعهم في اليوم مباشرة حيث موقعة «الجمل» المشهودة، وقتها نال الجلاد نصيباً كبيراً من الهجوم والتوبيخ والشتائم، فصمت وزادت الشكوك تجاهه.
3- لما ترك «المصري اليوم» مغادراً إلى جريدته الجديدة «الوطن»، كان جمهوره والخبراء ينتظرون أنه سيكرر «التجربة المهنية» مجدداً، وينجح فيها بما يثري الساحة الصحافية، ويسجله في مصاف العباقرة، لكنه خيب الظنون، فقد حوّل الصحيفة إلى «نشرة» مخالفة لكل ما كان يفعله سابقاً، راحت الحيادية، ماتت المهنية، انتهى زمن الوقوف على مسافة واحدة من كل الأطراف، اتجاه واحد تسير فيه، تلوين أخبار، فبركة معلومات، كوارث مهنية نافس بها الصحف الصفراء التي كان يسخر منها سابقاً.
لكن،،،
في ظل الزفة الإعلامية التي بدأت منذ عزل الرئيس محمد مرسي، وتأليه السلطة الجديدة، يبدو أن مجدي الجلاد وقف خطوة وتراجع إلى الوراء خطوتين ليرى المشهد على حقيقته، إنه رغم نحافته «تقيل»، ثقيل في تفكيره، ثقيل في ذكائه الحاد، ثقيل في نظرته لنفسه، يعرف قدراته جيداً ويتحرك وفقها، إنه لا يستطيع أن يمسك «طبلة» أو «ربابة» ويعزف ويغني في حضرة السلطة سواء على الورق أو على الشاشة، لكنه يستطيع تسخير الجريدة كلها لخدمتها، لكن دون أن يتورط هو شخصياً بمقال بقلمه ينافق فيه أحد.
إنه ينظر لـ «بعيد»، يعمل حساباً للغد، لم يضع بيضه كله في سلة واحدة، يدرك أن الرهان على السلطة -أي سلطة- فقط هو رهان خاسر، يعطي نفسه مساحة للتراجع إذا جدّ جديد، يدرك أن الوضع القائم يستحيل بمعطيات العصر أن يستمر!!
«عصا التوازان» وقفت في صفه هذه المرة، حمته من لعب دور «ممتاز القط» مع مبارك، ورغم امتلاكه برنامجاً ملاكي في فضائية صاحب الجريدة، فإنه نأى بنفسه أن ينال لعنات نالها غريمه إبراهيم عيسى وصحبه من الذين أعلنوا أمام الحاكم «الانبطاح التام أو الموت الزؤام»، وبالقطع يرفض أن ينزل إلى مستوى توفيق عكاشة وأحمد موسى!!
مجدي الجلاد بذكائه ربما هو الرابح الوحيد حالياً في مصر:
1 - جريدته خادمة عند السلطة، تمسح كل يوم سلالم القصر الكبير، تغرد داخل المطبخ، بالتالي المكاسب مضمونة.
2 - الكتّاب من أبناء الجريدة يوجههم بعصا هرمونية، أحدهم مهادن، والآخر ينتقد بين الحين والآخر، وغيره يطلق له العنان لسبّ كل ألوان الطيف السياسي ممن يعارضون الحك، ويلعن وينهش في كل رموز «25 يناير»، يدرك الجلاد أن «30 يونيو» تسير على خطى «25 يناير» بأستيكة!
3 - ربما لا يفهم كثير من القراء سر أن يفرد الجلاد مساحات واسعة للهجوم على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، منذ شهور وقبل أن يشن الأخير هجومه على السلطة بالقاهرة، والمؤكد أن كثيراً من القراء لم يفهموا مغزى الحوار الذي احتفت به الجريدة وأجراه الجلاد بنفسه مع أحمد قذاف الدم، أحد كبار فلول «القذافي، وأفردت له صفحتين كاملتين مع عدة عناوين بارزة صدر الصفحة الأولى، وقدمته بلقب «القيادي الليبي»، لكن من يتابع الأحداث جيداً سيدرك أن الهجوم على أردوغان، بدأ مع فضيحة ضبط مسؤولين أمنيين ينتمون لـ «المول العربي الشهير» في فضيحة جنسية بتركيا، وأن حوار قذاف الدم، أجرى تزامناً مع أنباء تورط نفس هذا المول في قصف أهداف ليبية، وتزعمه فريق «الثورة المضادة» هناك.
هل هناك علاقة بين هذين النموذجين، وما يقال عن شراء المول نفسه ذمم وضمائر معظم وسائل الإعلام المصرية؟ ربما، واللبيب بالإشارة يفهم!
المؤكد في هذا كله، أن مجدي الجلاد بشخصه وقلمه لم يتورط في النفاق الفج للسلطة أو مسؤولي ذلك المول، بل إنه وصف أداء كثير من زملائه الإعلاميين الذين التقوا الحاكم بـ «الفضيحة».
الجلاد ما زال يسير على «السلك» متسلحاً بـ «عصاه»!

• shrief.abdelghany@gmail.com
@shrief_ghany

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق