الجمعة، 1 نوفمبر 2024

كنتُ أظن

خارج الصندوق

كنتُ أظن


سالم النخيلان

كنت أظن أن القراءة والاطلاع بالنسبة للمطلعين أشبه بشجرة تُسقى فلا تثمر إلا نوعاً واحداً من الثمر، كالنخلة مثلا تسقى، فتطرح تمراً...

وعندما أمعنت في الأمر وجدت أن القراءة بلا سابق رأي ولا تحجير فكرٍ أو إطلاق حكم، كالشجر المختلف يُسقى بماءٍ واحد لكن ثماره مختلفة ومتفاضلة، وكذلك عقول الناس، فتعاطي المعرفة والتأثر بها ليس واحداً، والتعامل معها ليس واحداً أيضاً، فالألباب مختلفة، والمجتمع وظروف التنشئة ليست واحدةً بطبيعة الحال؛ لذا فالأثر ليس واحداً...

وبناءً على ذلك، فالأسلوب الذي يبني عليه الإنسان استنباطه للنتيجة والأفكار الناتجة عن قراءته، وما يُستفاد منها للمستقبل الفكري قد يختلف كلياً وجزئياً، وقد يتفق جزئياً أو كلياً مع من يتعامل مع ذات المعلومة ذاتها والمصدر ذاته.

يقول الكاتب الروسي ليف تولستوي، لو جلس طفل تحت شجرة تفاح وتمنى تفاحة فسقطت عليه، لقال شخصٌ ما بأن التفاحة وقعت لأن الطفل دعا بذلك، وسيقول عالم النبات إن خلايا تحللت ما تسبّب بوقوع التفاحة، وسيقول عالم الفيزياء بأن ذلك من فعل الجاذبية...!

والسؤال أيهم على حق ؟!

أعتقد أن كلاً قد حكمَ من قِبَل تخصصه، وزاوية رؤيته، وطريقة تعاطيه للحدث، والغاية التي ينشدها من التحليل.

عندما خرج النبي، صلى الله عليه وسلم، لقافلة قريش المارّة بآبار بدر، ولم يظفر المسلمون بالقافلة لكن انتصروا فغنموا بالمعركة؛ رآها البعض خروجاً بأمر وحيٍ إلهي، ورآها آخرون فرض مكانة المسلمين بالمدينة الواقعة على طريق قوافل قريش مع الشام، ورآها بعض المستشرقين قطع طريقٍ وسلبِ أموالٍ كعادة بعض قبائل العرب في الجاهلية!

من الطبيعي أن تختلف الآراء والتحليلات للحدث التاريخي الذي قد يراه البعض مسلّماً غير قابل للنقاش وبأنه أمرٌ إلهي لا حاجة لإعادة النظر فيه والتأمل، ولا حاجة لإعادة قراءته والاكتفاء بمنظورٍ واحدٍ لا ينتج إلا ثمرةً واحدة، رغم أن الشجر مختلف...

والأدهى أن مصدر المعرفة ليس واحداً وكذلك النتاج الفكري ليس واحداً بطبيعة الحال كالذي يسقي شجرة التفاح ماءً ويطلب منها أن تنتج زيتوناً، فيكف عن سقيها فإما تمد جذورها فتقوى ولا تنتج إلا تفاحاً وإما تستلم وتموت لأنها مطالبة بإنتاج الزيتون.

أظن أنه يجب تقدير اختلاف الآراء والفهم والتفكير وهو أمر محبب ومطلوب بالطبيعة البشرية، والنظر له على أنه نقطة اختلاف للتكامل لا تخالف لإقصاء المختلف فلعل المختلف يخاطب من يعجز الفكر السائد عن مخاطبته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق