قمّة عربية أخرى... ما الحاجة؟
وائل قنديل
لا يحتاجان، فلسطين ولبنان، من الدول العربية عقد مؤتمر قمّة لن يقدّم أو يؤخّر، ولن يضيف أو يخصم، لشعبين عربيين شقيقين يتصدّيان لعدوان همجي يستهدف الوطن العربي كله، جغرافيّاً وتاريخيّاً، بمنطوق الخطاب الصادر عن قياداته.
لا يحتاج العرب من حكّام العرب مزيداً من الرطانة الخطابية، ومزيداً من اللقطات المصوّرة التي تظهر حجماً هائلاً من المشاعر المزيّفة، لا يحتاجون مكلمةً جديدة يشعر معها العدو بالسعادة، ويشعر معها الإنسان العربي بالإحباط والإهانة، ويدرك أن مردود مثل هذه القمم كارثيٌّ ما دام المؤتمرون لا يمتلكون سوى الكلام، أو بمعنى أدقّ لا يمتلكون سوى الزعم إنهم غير قادرين إلا على التنديد والمناشدة والطرق على أبواب مجتمع دولي، هو بالأساس منخرطٌ في الجريمة الإسرائيلية ضد فلسطين ولبنان.
كيف يمكن أن تعدّ هذه التي يعتزمون عقدها قمة عربية بينما لم تكلّف دولة من الدول المشاركة نفسها إصدار بيان نعي أو توجيه برقية عزاء في القيادات العربية الشهيدة التي دفعت حياتها ثمناً للتصدّي لمشروع الاحتلال للهيمنة على المنطقة؟ بأي وجه يتداعى هؤلاء لقمّة، ومنهم من لا يتوقف عن التعاون مع الاحتلال اقتصاديّاً وإعلاميّاً، إلى الحدّ الذي باتت فيه المنابر الإعلامية للدول النافذة في مؤسّسة القمّة جزءاً من آلة الدعاية الإسرائيلية، لا وظيفة لها سوى استهداف المقاومة، إن بالتحريض عليها أو بالإبلاغ عنها والسخرية منها واتهامها بالمسؤولية عن سفك دماء الشعبين.
هل تستطيع قمّة عربية مزمعة أن تبدأ انعقادها بالوقوف حداداً على استشهاد رموز المقاومة العربية في فلسطين ولبنان؟ هي لا تعتبر هؤلاء شهداء من الأصل، ولا ترى في مقاومة الاحتلال حقاً عربيّاً أصيلاً، بل أن ممثل فلسطين فيها، ذلك القابع في رام الله تحت حراسة العدو لم يقدم العزاء في رئيس المكتب السياسي لأكبر كتلة سياسية في فلسطين، والتي فازت بأغلبية أصوات الفلسطينيين في الانتخابات الوحيدة الصحيحة التي أجريت قبل سنوات، فكيف يمكن أن يتوقع عربي من قمةٍ كهذه حلًا ينهي المأساة؟.
مرّة أخرى: ما الحاجة لقمة ثانية، والأولى التي مر على عقدها عام لم تؤد إلا إلى طمأنة العدو بأن طريقه إلى إبادة الشعب الفلسطيني وتوسيع رقعة احتلاله مفروشٌ بالأمنيات الرسمية العربية بالنجاح في القضاء على المقاومة، عقيدةً وفكراً ومشروعاً يتحرّك على الأرض؟
وفي ذلك يمكن أن يعود المؤتمرون العرب إلى مخرجات قمتهم الأولي في العاصمة السعودية في 11 نوفمبر/ تشرين ثاني 2023 بعد مرور 40 يوماً على بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ويسألوا أنفسهم ماذا قدّمت قمتهم للشقيق وماذا قدّمت للعدو؟.
تكشف جردة الحساب السريعة طوال الأشهر التالية لعقد القمة عن إطلاق يد الاحتلال ليوسع من نطاق اعتداءاته لتصل إلى اغتيال رئيس "حماس"، الشهيد إسماعيل هنية في طهران، المشاركة في القمة ذاتها، ثم اغتيال خلفه في قيادة الحركة الشهيد يحيى السنوار، وقائد المقاومة اللبنانية الشهيد حسن نصر الله، ثم خلفه الشهيد هاشم صفي الدين، وعديد من قيادات المقاومة في البلدين على مدار عام، شهد أيضاً احتلال العدو مدينة رفح على الحدود مع مصر، واحتلال محور صلاح الدين، المصري الفلسطيني، ومعبر رفح، المصري الفلسطيني، والتوغل في عمق جغرافيا غزّة والجنوب اللبناني واقتطاع مساحات منهما.
من المهم أن يتذكّر أهل المؤتمر نصّ قرارات قمتهم الفائتة، ويتوقفوا عند ثلاثة منها، ويقولوا لنا ما مصيرها، إذ جاء نص البند رقم 3 ليعلن قرار"كسر الحصار على غزّة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري، ودعوة المنظمات الدولية إلى المشاركة في هذه العملية، وتأكيد ضرورة دخول هذه المنظمات إلى القطاع، وحماية طواقمها وتمكينها من القيام بدورها بشكل كامل، ودعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
فيما شدّد البند رقم 4 على"دعم كل ما تتخذه جمهورية مصر العربية من خطوات لمواجهة تبعات العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، وإسناد جهودها لإدخال المساعدات إلى القطاع بشكل فوري ومستدام وكاف.
ثم نص البند 6 على"مطالبة جميع الدول بوقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى سلطات الاحتلال التي يستخدمها جيشها والمستوطنون الإرهابيون في قتل الشعب الفلسطيني وتدمير بيوته ومستشفياته ومدارسه ومساجده وكنائسه وكل مقدراته".
من الضروري، بل من الواجب، أن تحاسب القمة نفسها على هذه البنود الثلاثة التي تعاطى معها المواطن العربي على أنها وعود صادقة، ماذا فعلت لتنفيذها؟
يجيبنا الواقع بأن الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني صار أكثر إحكامًا، ما رفع عدد شهداء الصمت العربي المتواطئ من بضعة آلاف في نوفمبر 2023 إلى زهاء خمسين ألفًا في الشهر نفسه من العام الجاري 2024، من دون أن يحاول أحد من عرب الجوار كسر الحصار، وهم يستطيعون، ومن دون أن يتوقّف أحد عن استقبال وفود الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي باتت استضافتها في العواصم العربية خبراً روتينيّاً.
من الواجب أن نعرف ما الذي اتخذته جمهورية مصر العربية من خطوات لمواجهة تبعات العدوان الغاشم على غزّة، وما هو الدعم الذي قدّمه العرب، وماذا عن مطالبة جميع الدول بوقف تصدير الأسلحة والذخائر التي يستخدمها جيش الاحتلال في قتل الشعب الفلسطيني وتدمير بيوته، بينما الوقائع تصفعنا على بعد أيام من القمة الجديدة بنبأ استخدام سفينة تحمل شحنة ذخائر ومتفجرات إلى الكيان الصهيوني ميناء الإسكندرية المصري مرفأ لها قبل معاودة الإبحار إلى إسرائيل، في ظل الضربات الصاروخية التي عطّلت ميناء حيفا؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق