الاثنين، 4 نوفمبر 2024

خطة الفقاعات الإنسانية والمراقبة البيومترية في غزة!

 

خطة الفقاعات الإنسانية والمراقبة البيومترية في غزة!


وسط صمت دولي وعربي تتواصل الخطط الإسرائيلية لابتلاع غزة، وتوجيه ضربة قاضية لفكرة الدولة الفلسطينية، فشمال غزة يتعرض للتدمير والإبادة وقتل من يرفضون الإخلاء والنزوح إلى جنوب ممر نتساريم المحتل، ويتواصل القصف الجوي والبري والبحري على مدار الساعة على وسط وجنوب القطاع وحرق مخيمات النازحين ومطاردة النساء والأطفال، للقضاء على كل أسباب الحياة.

مشاهد الإبادة في أنحاء غزة خاصة في جباليا وبيت لاهيا تكشف ملامح ما انتهت إليه التصورات الإسرائيلية الإجرامية للاستيلاء على الأرض الفلسطينية، وتدور حول ضم الشمال خاليا من السكان ودفع من نجا من القتل إلى العيش في الجنوب في معازل يطلقون عليها “فقاعات إنسانية” يقتصر عليها توزيع المساعدات، لمن يرضى الإسرائيليون عنهم، بعد استبعاد من ينتمون لحماس حسب تصوراتهم!

سعى الاحتلال بمعاونة دوائر أمريكية لتطبيق ما يسمى “المراقبة البيومترية” على سكان غزة، والتعاقد مع شركات أمريكية للمرتزقة يديرها عسكريون إسرائيليون لإدارة المساعدات، والسيطرة على السكان الذين يخططون لتقسيمهم في معسكرات محاطة بالأسوار، لا يسمح فيها بوجود من يشتبه في ارتباطه بعلاقات مع حماس والمقاومة، وتأهيل إدارات محلية عميلة فيما بعد، مع بقاء الجيش الإسرائيلي للقيام بعمليات نوعية لضمان السيطرة الدائمة.

تقنية البيومترية هي مجموعة البيانات والقياسات الحيوية والسلوكية التي تساعد في التعرف الآلي على الإنسان، وبعض هذه القياسات توظفه الدول في الاستخدامات الجنائية والمدنية، ولكن حسب التصورات الإسرائيلية والأمريكية فإن هدف المراقبة البيومترية هو جعل كل الفلسطينيين مجرمين وتحويلهم إلى أرقام، لكل منهم بطاقة هوية بها بياناته مثل بصمات الأصابع وبصمة قزحية العين وصورة الوجه وبصمة الصوت والحمض النووي، إضافة إلى معلومات كاملة عن العائلة والعمل والتوجهات الفكرية والعلاقات والتصنيف السياسي.

خطورة الاستخدام الإسرائيلي لهذه التقنية هي تقسيم الفلسطينيين إلى فلسطيني متمرد يستحق الإعدام والتصفية وآخر مقهور ليس له حقوق يتم استعباده مقابل كوبون طعام.


فشل تجربة المراقبة البيومترية في أفغانستان

يواجه الإسرائيليين الفشلُ في كل الخطط منذ بداية العدوان، فلم تنجح خطة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء بسبب الرفض المصري، ولم يفلح الإسرائيليون في تشكيل إدارات محلية عميلة من شيوخ العشائر وكبار العائلات في غزة، ولم يستطيعوا تنصيب إدارة من عملاء فلسطينيين من الخارج بمشاركة دول عربية متعاونة مع نتنياهو، ولم يكتب النجاح لأي خطة مرتبطة بما يسمى “اليوم التالي للحرب”، وهذا ما جعلهم يقدمون على السيناريو الأكثر إجراما وهو تقليص مساحة القطاع وتهويد الشمال، وحبس الغزّيين في الفقاعات المزعومة في الجنوب.

يريدون تنفيذ تجربة المراقبة البيومترية التي استخدمها الجيش الأمريكي في أفغانستان للسيطرة على الدولة المسلمة التي احتلها الرئيس الأسبق جورج بوش بعد أحداث سبتمبر 2001 ولكن التجربة فشلت فشلا ذريعا، وتم طرد الأمريكيين عام 2021 بعد سقوط النظام العميل الذي انهار، وغنم الأفغان الأسلحة والتجهيزات التي تركها الأمريكيون خلفهم وهربوا.

قام الجيش الأمريكي بجمع البيانات الحيوية لأكثر من 80% من الشعب الأفغاني بغرض عزل حركة طالبان، وتم تنظيم عملية المسح على نطاق واسع، وشارك فيها الجنود والزعماء المحليون، وتم جمع البيانات من معظم السكان، حتى الموظفين في الحكومة والمتعاونين مع الجيش الأمريكي، ونزلت لجان باسم “التعداد السكاني” في القرى النائية وأخذوا بصمات الأصابع والكفين وبصمة العين وصور الوجه وباقي البيانات الأسرية والقبلية، وحتى بيانات جوازات السفر لمعرفة كل شيء عن كل أفغاني.

أرسلوا ملايين القياسات البيومترية إلى قواعد البيانات في البنتاغون والاستخبارات في شارلوتسفيل بولاية فرجينيا، لمطابقتها وتحليلها من خلال الخبراء والذكاء الاصطناعي، ثم أعدوا قوائم بالأسماء التي تقرر متابعتها وإخضاعها للرقابة، وأخرى خاصة بالعناصر التي يجب مطاردتها بناء على التقييم، وخصصوا وحدات من الجنود للمسح البيومتري في كل مكان، في المدن والقرى والمطارات والمستشفيات والمدارس، وأعطوا الوحدات العسكرية أجهزة لوحية مرتبطة بقواعد البيانات للفحص الفوري وتحديد الإجراء الواجب اتخاذه دون الرجوع لأجهزة الاستخبارات.

كان الهدف من استخدام “الهوية البيومترية” هو السيطرة على السكان وعزل المتهمين بالتمرد، وإشراك القيادات والزعامات التي تم تعيينها وتحظى بالرعاية للقضاء على مقاومة الأفغان، وتم توجيه ضربات عقابية للقرى والقبائل التي رفضت المسح فتعرضت للانتقام حتى وإن لم يكن لها دور في المقاومة.


الفشل ينتظر الاحتلال

يستخدم الإسرائيليون جزءا من البيانات البيومترية في الضفة الغربية، حيث يعتمدون على بصمة الوجه في مراقبة الفلسطينيين، ويتم اعتراضهم على مئات الحواجز الإسرائيلية التي مزقت المدن الفلسطينية وحولت حياتهم إلى جحيم، ويعتمد الاحتلال على برمجيات الذكاء الاصطناعي وشرائح الجوالات لجمع المزيد من المعلومات عن الفلسطينيين وتصنيفهم بشكل متعسف وعدواني، مخالفا بذلك القانون الدولي الإنساني، وقد أدانت المنظمات الحقوقية الممارسات الإسرائيلية، ولكن لا أحد يحاسب الاحتلال.

الجديد الآن هو السعي الإسرائيلي لتهويد غزة وضمها بالقوة العسكرية، ففي الشمال يجري تدمير العمران وقتل من يرفض النزوح واتهامه بأنه تابع لحماس، أي مستباح الدم، والخطوة الثانية التي يمهدون لها هي حشر الفلسطينيين الناجين في جيتوهات منفصلة (جيوب)، لكل منها بوابة، الخروج منها والدخول بإذن وفي إطار المسموح به، ولا مساعدات لمن يقيمون خارجها!

مصير هذه الخطة الإجرامية سيكون مثل باقي الخطط السابقة التي فشلت، فالشعب الفلسطيني رغم كل المجازر والإبادة صامد ولن يستسلم، وها هي جباليا وبيت لاهيا تضربان المثل في الصمود الأسطوري، حيث يقاوم الفلسطينيون رغم تفجير البيوت ومسح الأحياء بالقنابل، وقرروا البقاء تحت القصف، يفضلون الموت والاستشهاد على النزوح وترك الأرض للمستوطنين المتعطشين للدماء.


الجيش الإسرائيلي ينزف

لن يستطيع الاحتلال تنفيذ خطته إلا بحشد المزيد من الدبابات على الأرض، وفي هذا مصيدة له، حيث يخرج له جنود المقاومة من تحت الأرض يحرقون آلياته ويقتلون جنوده الجبناء الذين يختبئون في المنازل، في وقت اتسعت فيه الحرب وتعثر الإسرائيليون في جنوب لبنان وعجزوا عن اجتياز الحدود وانكسروا أمام الصمود اللبناني، وتنهمر عليهم صواريخ ومسيّرات حزب الله بالليل والنهار.

لن تنجح خطتهم في غزة لأن المقاومة ثابته على الأرض، تواصل استنزاف الاحتلال بكل قوة وجسارة، وتوقع فيه الخسائر الضخمة، وإذا كان الإسرائيليون يتكتمون على الخسائر فإن بث العمليات بالصوت والصورة يؤكد صدق المقاومة في بياناتها العسكرية وكذب نتنياهو وحكومته.

الوقت ليس في صالح الاحتلال، فالأمريكيون أعطوا الوقت تلو الوقت لنتنياهو ليحسم المعركة وينتصر على حماس، لكن قادة الاحتلال عاجزون ولا يقدرون على تحويل الهزيمة إلى انتصار، وكلما خاض الإسرائيليون مغامرة جديدة لتحقيق الردع الضائع دخلوا في نفق مظلم لا خروج منه وابتعد ما يبحثون عنه.

لن يكون أمام الإسرائيليين غير القبول بوقف العدوان والانسحاب والموافقة على شروط حماس، ولن ينقذهم الفائز في الانتخابات الأمريكية سواء كان دونالد ترامب أو كامالا هاريس، فالولايات المتحدة هي الخاسر الأكبر من هذه الحرب وبدلا من استعادة هيبتها غرقت هي الأخرى مع نتنياهو، وسقط نموذجها الحضاري وضاع حلمها الإمبراطوري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق