الغرب يستخدم القصة في نشر «الإسلاموفوبيا»..
ماذا تعرف عن بطرس الحافي وحملة الفقراء الصليبية؟!
هناك الكثير من الشخصيات التي قامت بدور كبير في إشعال نيران الحروب الصليبية؛ ولا يمكن أن نبني صورة متكاملة للأحداث دون إلقاء الضوء على دور هذه الشخصيات.
ويعتبر بطرس الحافي من أهم الشخصيات الكنسية التي أكملت دور البابا أوربان الثاني في الدعاية، وتوحيد أوروبا تحت راية الصليب وإعداد جيش المسيح.
فقد تجول بطرس في كل أنحاء أوروبا حافي القدمين لتصوير نفسه كناسك زاهد يستهدف إعداد جيش لتحرير قبر المسيح، ومن الواضح أن صورته أدت دوراً في إقناع الفلاحين الفقراء بأنه يتحدث باسمهم، وأنه يختلف عن البابا أوربان الثاني والقساوسة الآخرين الذين كانوا يخاطبون الملوك والأمراء.
الخطابة وسيلة للدعاية
كان بطرس الحافي راهباً وواعظاً شعبياً، ولم يكن من كبار رجال الكنيسة أو الأساقفة ذوي النفوذ، لكنه كان يمتلك قدرات اتصالية مكنته من التأثير على عامة الناس، وبذلك أكمل دور البابا أوربان الثاني؛ فبعد أن أعلن البابا دعوته في كليرمون عام 1095م، لتحرير قبر المسيح من المسلمين الذين وصفهم بالكفار؛ بدأ بطرس يجوب القرى والمدن في فرنسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا يخطب في الشوارع؛ ويحرض الناس على الحج المسلح إلى الأرض المقدسة.
بذلك قدم بطرس الحافي لوناً جديداً من الدعاية تكمل الأساليب الدعائية التي استخدمها البابا أوربان الثاني، حيث ركز على مخاطبة عواطف الجمهور الدينية، وتقديم الوعود بالخلاص الروحي ومغفرة الخطايا لكل من يشارك في القتال لتحرير قبر المسيح.
بذلك، كان بطرس الحافي الجسر الشعبي الذي نقل دعوة البابا أوربان من النخب الدينية والسياسية إلى الجماهير البسيطة؛ ومثّل الوجه الشعبي والعاطفي للحروب الصليبية، مقابل الوجه السياسي والعسكري للنبلاء، لذلك وصفه المؤرخون الأوربيون بأنه شخصية كاريزمية، ورجل قديس ملهم للشعوب، وصاحب دور محوري في انطلاق الحملات الصليبية.
في المقابل، رآه بعض المؤرخين بالعصر الحديث شخصية شعبوية، قادت الفقراء إلى كارثة عسكرية بسبب الحماس غير المنضبط؛ وأنه جاهل ومتهور قاد رعاعاً بلا خبرة ألحقوا الضرر بحلفائهم.
إحراج الملوك والنبلاء
هناك جانب آخر لدعاية بطرس الحافي؛ هي العمل لإحراج الملوك والنبلاء، وتوصيل رسالة لهم تقوم على: أنني سأجمع جيشي من الفلاحين الفقراء؛ فإن لم تشاركوا فأنتم تتحملون الإثم والمسؤولية عما سيحدث، وأن أوروبا سوف تمضي في الحملات الصليبية بدونهم، وأن الفقراء يمكن أن يثوروا ضدهم عندما يحققون النصر.
ونتيجة لهذه الحملة الدعائية، تمكن بطرس الحافي من حشد عشرات الآلاف من الفلاحين الفقراء والرهبان والنساء والأطفال، لذلك عرفت بحملة الفقراء أو الحملة الشعبية، وقاد بطرس حملته عبر ألمانيا والمجر وبلغاريا.
ما حقيقة المذابح ضد اليهود؟!
لكن ارتكاب بطرس الحافي وحملته مذابح ضد اليهود انتشرت بشكل أصبح من الصعب تحديها بعد نشرها في الأفلام والمسلسلات.
ألب أرسلان يهزم الحملة
بعد أن تمكن بطرس الحافي من الوصول بحملته إلى القسطنطينية، عقد مفاوضات مع الإمبراطور البيزنطي ألكسيوس كومنينوس، أقنعه خلالها بإمدادهم بالأسلحة، وأنهم سيتمكنون من هزيمة أعدائه السلاجقة، ويحمون إمبراطوريته؛ لذلك سمح لهم بالمرور حتى وصلوا إلى نيقية.
عندما دخل بطرس وحملته أراضي السلاجقة في نيقية (عاصمة السلطان ألب أرسلان) بدؤوا ينهبون القرى؛ فرد السلاجقة بسرعة، وشنوا هجوماً مباغتاً على الصليبيين؛ فانقسمت جموع بطرس الحافي إلى فرق صغيرة، ووقعت في كمائن متفرقة.
والسلطان ألب أرسلان بن سليمان بن قتلمش (ت 1107م) يعتبر من أبرز سلاطين السلاجقة في الأناضول، وقد أدى دوراً محورياً في مقاومة الحملات الصليبية الأولى (1096 – 1099م)، ودوره التاريخي في مقاومة الصليبيين يستحق دراسة منفصلة؛ لذلك سنكتفي هنا بدوره في هزيمة هذه الحملة التي قادها بطرس الحافي.
انتصار المسلمين في معركة «كيروبوليس»
وشكلت هزيمة هذه الحملة على يد السلاجقة بقيادة ألب أرسلان صدمة كبيرة لأوروبا، وأظهرت الحاجة إلى قيادة عسكرية منظمة، وفي الوقت نفسه كشفت للعالم الإسلامي طبيعة التهديد الجديد القادم من الغرب.
وقد بالغ المؤرخون الأوروبيون في تصوير ضعف هذه الحملة، وأن الفلاحين الفقراء لم يكونوا مدربين، ولم يمتلكوا ما يكفي من الأسلحة، لكن هذا التصوير يحتاج إلى نقد؛ فلقد قام الإمبراطور البيزنطي بإمدادهم بالأسلحة، وشارك جنوده في الحملة، وعلى أقل تقدير قام قادته بتدريب الكثير منهم، كما أنهم قاموا بنهب الكثير من الأموال والمؤن في طريقهم.
ولقد قاتلوا جيش ألب أرسلان لفترة طويلة، واستولوا على مساحة واسعة من الأناضول، وبالتالي لم تكن الحملة ضعيفة كما يصورها المؤرخون الأوروبيون لتبرير الهزيمة.
هروب بطرس الحافي وعودته
لكنه عاد إلى أوروبا ليواصل دوره في الدعوة لحملة جديدة، ويستخدم الهزيمة التي تعرضت لها حملته في إثارة مشاعر النبلاء والملوك، والادعاء بأن الفلاحين الفقراء تعرضوا لمذبحة على أيدي السلاجقة، وأنه يجب على الملوك الثأر لهم.
ومن الواضح أنه تمكن هذه المرة من التأثير على الملوك والنبلاء للإعداد لحملة جديدة بدأت في العام التالي 1097م، وشاركت فيها أوروبا بكل قوتها، وبعد أن استولى الصليبيون على القدس عاد ليقيم في دير في فرنسا، حتى مات.
ومع ذلك ظلت شخصية بطرس الحافي تثير الخيال الأوروبي؛ حيث تم استخدامها في الكثير من الإنتاج السينمائي والتلفزيوني، ومن أهمها مسلسل «الصليبيون»؛ وهو مسلسل إيطالي ألماني تم إنتاجه عام 2001م، ومنها حلقة وثائقية قدمتها «بي بي سي» بعنوان «حجاج يحملون أسلحة»، ومنها فيلم «الصليبيون العظام» عام 1957م، والمسلسل البريطاني «الصليبيون» عام 1995م.
ومن الواضح أن قصة هذه الشخصية والهزيمة التي تعرضت لها حملته ظل الغرب يستخدمها لإثارة الكراهية ضد المسلمين خاصة الأتراك حتى الآن؛ وتحفيز المسيحيين للثأر والانتقام، مع المبالغة في تصوير ضعف الحملة، بالرغم من الحقائق المؤكدة، حول نهبها للكثير من المؤن، وإمداد الإمبراطور البيزنطي لها بالأسلحة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق