الأحد، 5 أكتوبر 2025

"التربية (ال جه ادية) في كتاب الله"

 "التربية (ال جه ادية) في كتاب الله"


د. عطية عدلان
مدير مركز (محكمات) للبحوث والدراسات 
– اسطنبول- أستاذ الفقه الإسلامي


تحت هذه العناصر تأتي معالجة القرآن لهذا الموضوع الكبير:
1- مراعاة القرآن لطبيعة النفس الإنسانية والانطلاق من هذه الطبيعة إلى آفاق الارتقاء
2- الحضّ على الثبات وتثبيت القلوب والتهوين من شأن قوى الكفر
3- التربية على التوكل والتسليم للقدر
4- المعية الإلهية (للم . جاه . دين) في سبيل الله
5- المؤهلات الأخلاقية للنصر
6- ثمرات (الج .. هاد) في الدنيا والآخرة
7- المراجعات ضرورية لترشيد (الج .. هاد)
8- السنن الإلهية ودورها في ترشيد (الج .. هاد) وتثبيت المؤمنين


أولًا: مراعاة القرآن لطبيعة النفس الإنسانية والانطلاق من هذه الطبيعة إلى آفاق الارتقاء
إنّ الله تبارك وتعالى أعلمُ بعباده من عباده وأرحمُ بهم منهم؛ ومن ثمّ فإنّ كتاب الله راعى النفس الإنسانية، وتلطف بالطبيعة البشرية، وجاء خطابه القرآن وواصفًا نفوس المؤمنين على طبيعتها؛ بما يطمئن المؤمن إذا انتابه شعورٌ بالارتعاش لدى المواجهة أو تفكيرٌ في السلامة أو ترددٌ في اتخاذ القرار، يطمئنه بأنّ هذا ليس نشازًا ولا شذوذًا ولا أمرًا مستهجنًا، فهو إنسان من بني البشر، وله مشاعر وأحاسيس، ولا يمنعه إيمانه بالله واليوم الآخر أن تنتابه وتلم به هذه المشاعر، هذا التضامن الحاني الرفيق من القرآن مع المؤمن الذي هو في نهاية الأمر إنسان، هذا التضامن الكريم يطمئنه ويميط عنه الوحشة، ويردّ إليه الثقة.
تأمّل كيف عالجت سورة الأنفال ذلك الموضوع الكبير الخطير: (‌كَما ‌أَخْرَجَكَ ‌رَبُّكَ ‌مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (٥) يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨)) (الأنفال: 5-8)، 
ليس في هذا السياق تخطئة ولا تثريب، وإنْ لمْ يخْلُ من عتاب خفيّ بلا تبكيت ولا تأنيب، وليس فيه تحقير ولا حطٌّ من شأن أولئك الذين وقع منهم ما تحكيه الآيات، وإنّما هو وصف للطبيعة البشرية العادية، فهؤلاء هم البدريون، لم يكن فيهم واحد من المنافقين أو الذين في قلوبهم مرض، هؤلاء وقع منهم وصدر عنهم ما حكاه القرآن هنا، فلقد كانوا كارهين للمواجهة العسكرية، ولا غضاضة فالقتال كُرْهٌ للناس، ولقد جادلوا في الحقّ بعدما تبين، لا لردّ الحقّ ولا للتشكيك فيه، وإنّما لالتماس مخرج وتخفيف؛ ثقةً منهم في لطف الله بعباده، فلربما - في ظنّهم - لو تأخّرتْ المواجهة قليلًا؛ لاستبان الحقّ في مسألة مدى تحقق دواعي الصدام فكانت كفلق الصبح، فلم تتردد النفوس في استباحته واستباحة الأرحام لأجله، ولازدادوا - على التوازي - قوة ومكنة، لكنْ على الرغم من كراهية هذا الفريق من المؤمنين الصادقين للخروج خرجوا طاعةً لله ولرسوله، خرجوا كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون، ولا تثريب عليهم في ذلك، بل ما أعظمهم إذْ لم تمنعهم هذه الطبيعة من تلبية داعي الجهاد! ثم لَمَّا أخطأتهم (غيرُ ذاتِ الشوكة) أي: عير أبي سفيان، وانفلتت منهم وساحلت البحر، ووجدوا أنفسهم أمام الشوكة والسلاح والعسكر والحديد والخيل المضمر العنيد؛ أصابهم من ذلك ما أصابهم؛ لكنّهم على الرغم من ذلك كله أطاعوا وانصاعوا؛ فما أعظمهم من كتيبة كتب الله على أيديهم هذا الخير: (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق