الثلاثاء، 7 أكتوبر 2025

د. عطية عدلان

رئيس مركز الشهود الحضاري للدراسات الشرعية والمستقبلية.,


كأنّ الموت صار بوابة لخروج سَدَنَةِ النظام - الذين يحملون قوائم عرش الطاغية بأسنّة ألسنتهم - من موضع التهمة إلى محلّ البراءة، فبمجرد خروج النعي لأحد أعمدة الطاغوت من (رجال الدين!) تنهال الرحمات والدعوات وتنهال معها الشهادات بعلمه وأدبه وشعره وحسن خلقه، وإِذَنْ؛ فلا فرق بين من جاهد الطاغية ومن سانده، لا فرق بين عالم بذل دمه في مقاومة الظالم وآخر سفح ماء وجهه تحت أقدام الطاغية دعمًا له وتقوية لجانبه، لا فرق بين من قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (أصدق الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر)، ومن قال الله فيه: (‌مَنِ ‌اتَّخَذَ ‌إِلهَهُ ‌هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)، قد استوى - إِذَنْ - الكلّ، عالمٌ سُجِنَ وعذب وأوذي وتيتم أولاده و تشردت أسرته بسبب وقوفه في وجه الطاغية، وآخر عاش دهره داعمًا له مقويًا لجانبه.
نحن لا نمنع الترحم والاستغفار، ولا نُحَجّر واسعًا من رحمة الله، من أراد أن يستغفر له ويترحم عليه ففي صلواته وخلواته، أمّا أن يخرج علينا إسلاميون لهم إخوانٌ ماتوا في سجون طاغية قزم حقير كان هذا يطفح من بين شدقيه شعرًا يمدحه فيه بعكس ما فيه ويذكره فيه بضد ما ينطوي عليه، فهذا مما لا يقبل في سياق العمل الجاد لإزالة الطغيان؛ فإنّ الطغيان لا يزول إلا إذا زال من قلوب الخلق ما يقوم عليه هذا الطغيان من دعامات لا يزال هؤلاء العبيد وأمثالهم يقيمونها ويجددونها كلما تهدمت، ولا يزالون يسلم بعضهم بعضًا الراية، كلما هلك متملق خلفه آخر، ونحن نشيع الجميع بالرحمات ونزفهم إلى جنة عرضها الأرض والسماوات، ومع ذلك فلسنا مع التوسع في ذكر السوءات، ولكنْ في السكوت سلامة للحمقى وحقن ماء الوجه للمغفلين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق