وكلاء الصهاينة في سيناء..آلام وآمال
بقلم: د. صلاح الدين سلطان
كنت في يوم أغر من أيام رابعة، الجمعة 2/10/1434هـ الموافق 9/8/2013م وبعد العصر قمت – مع إخواني - بعمل حفل زواج جماعي لأكثر من 80 شاب وفتاة مع أسرهم على منصة رابعة، وتزامن هذا مع أول لقاء مع أسر شهداء الحرس الجمهوري والمنصة في طرف الميدان أمام مركز طيبة للتسويق واضطررت لركوب موتوسيكل لأدركهم قبل المغرب، وعدت في مسيرة معهم إلى الطرف الآخر قرب المنصة بصحبة
م.سعد الحسيني محافظ كفر الشيخ،، ود.أسامة ياسين وزير الشباب، حيث خيمة الشهداء التي أقامها الشباب، وفيها عروض وصور لمذابح شهداء أمام الحرس ورمسيس والمنصة، ثم نتوجه إلى الجندي المجهول من حرب أكتوبر لنضع عليه إكليلا من الزهور؛ وفاء لجيشنا المحارب والمنتصر على بني صهيون. لكني فوجئت في منتصف المسيرة والهتاف أن تليفوني ينقل لي خبراً عاجلاً خطيراً، لقد اخترقت طائرات الكيان الصهيوني بدون طيار (الزنانة) المجال الجوي المصري في سيناء وقتلت في العريش خمسة من الشباب المصري، وبعد التأكد من صحة الخبر، قفزت من السيارة التي كنت أتكلم فيها للمسيرة، وهرعت إلى منصة رابعة، ووجدت د. صفوت يقرأ بيان الـ56 عالما من السعودية الذين قرروا بعد شهر أن يعلنوا رأيهم بأن ما حدث بمصر انقلاب، ويجب عودة الرئيس الشرعي، وكنت قد أذعت خلاصته بعد صلاة الجمعة.
وما إن انتهى حتى أعلنتُ أن الجيش الصهيوني قد اخترق حرمة أرض مصر، وأسال الدم المصري بقتل خمسة من أبنائنا في العريش، أما جيشنا الذي يجب أن يكون حاميا لا حاكما، الآن يفشل حاكما بالقتل في أبناء الشعب المصري، ويفشل حاميا لأبناء شعبه الذين دفعوا دم قلبهم من أجل قوة جيشنا ضد التحدي الأول وهو تهديد بني صهيون لمصر فضلاً عن واجبنا الشرعي والسياسي والإنساني عن أرض فلسطين كلها والأقصى خاصة كجزء من الأمن القومي لحماية حدودنا وهي مهمته الأساسية، ودعوت الجيش أن يتفرغ لما يجب أن يقوم به، وهو حماية الثغور لا أن يمسك بزمام الأمور، وهتفت وهتف الملايين معي في ميدان رابعة: "ع القدس رايحين شهداء بالملايين"، و"كلنا لمصر فداء"، وصلينا المغرب، وبدأت أتحسس الأخبار، وإذا بي أجد ما لم أتوقعه أبدا، ولم أتخيله يوما، أن القناة الأولى الصهيونية التي أذاعت نجاح القوات المسلحة الصهيونية في أداء مهمتها تعلن أن ذلك بسبب التنسيق مع السيسي، والمعلومات الدقيقة من المخابرات المصرية، نحن إذن أمام كارثة، وأردت أن أخرج لأعبر عن هذه الخيانة المركبة لكن ظروفا حالت دون ذلك، وخرج د. أحمد عارف المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين، وتوالت القوى الوطنية تندد بهذه الخيانة، وتأسف للمجزرة في أبناء مصر على أيدي الصهاينة مع التنسيق المصرى معهم، واضطراب الأخبار الرسمية بين نفي وقوع أي شيء في العريش، ونفي التنسيق، وبعد أن فكر وقدر قال: (دا كان طيران مصري)، وتبين أن بعض من قتل كان مطلوبا للصهاينة منذ عشرين عاما، لكن الانقلابيين بدعم صهيوأمريكي، يدفع الفاتورة من دماء أبناء مصر في جريمة تكفي وحدها أن يعلق السيسي ومن معه على أعواد المشانق، لخيانة شرف العسكرية، وواجب الوطنية، وأمانة المسئولية عن الدماء والأراضي المصرية التي صارت كلأً مستباحاً بتنسيق كامل مع بني صهيون، وليس هذا في دين ومذهب الانقلابيين خيانة بل هو تعاون دولي ودبلوماسي، في الوقت التي يتهم فيه الرئيس المنتخب د. مرسي أنه يتخابر مع حماس، وليس في قواميس اللغة ما يفي بهذه الحالة من قلب الحقائق، وتزييف التهم ممن يخونون البلد والشعب والأرض والعرض خيانات بالجملة.
وبعد الفشل الذريع في إنهاء صوت المعارضة السلمي في رابعة والنهضة بفضهما بمنهجية الإبادة لا الفض، وقتل وحرق وتجريف رهيب لا يستطيعه بنو صهيون، وكل هذا لإخماد المقاومة السلمية، وإرهاب المجتمع، واستكمال إحكام القبضة والسيطرة، وحكم البلد بالحديد والنار والسيف البتار، ومع ما قاموا به مع المساجد المصرية حصاراً وقصفاً واقتحاماً ثم سجن وخنق وقتل المقبوض عليهم، لكن هذا ضاعف من الإصرار لدى الشعب على المقاومة السلمية، وانطلقوا ملايين بكل الميادين، ليس كل جمعة بل كل يوم، ولم يُستدرج هؤلاء للعنف، وهو مراد العسكر ليؤكدوا بدلا من التزوير أن هؤلاء إرهابيون، ونحن على وعي بالمستنقع الجزائري والسوري والصومالي، ونريد أن نحتفظ بسلميتنا مهما كانت التضحيات، فإذا بالشياطين في المجلس العسكري يجعلون من سيناء مسرحا لعمليات قتل عشوائي، لجر البلد لحرب أهلية من بوابة سيناء نتيجة الوضع القبلي الخاص الذي لا يقبل هذا العدوان السافر الذي تقوم به الطائرات.
واليوم 4 ذو القعدة 1434هـ الموافق 11/9/2013م، وترى المناظر في سيناء فلا تستطيع أن تصدق أن جيش مصر يقتل أبناء مصر بحجة أنها ملأى بالإرهابيين، الطيران يقصف ببشاعة بالليل والنهار أبناء سيناء فيهدم المساجد- والصور شاهدة- والمنازل 150 بيتاً حتى لحظة كتابة المقال، كما بين الشيخ إبراهيم المنيعي رئيس اتحاد القبائل العربية، أن القتلى42، وبين أن منهم من نعرفهم لا صلة لهم بالإرهاب، ومنهم شباب لا يتجاوزون 15 ربيعا من السن، فأين ومتى صار هؤلاء إرهابيين؟!، وما ذنب البهائم والطيور التي تحرق أمامنا؟!، ولماذا تُحرق 30 سيارة في يوم واحد؟! ولماذا يستهدفون المساجد؟!، وتحرق المصاحف والكتب الدينية، والصور شاهدة، وقال: نحن بعيدون عن معبر رفح 12 كيلو، فحجة ضرب الأنفاق لا تسوّق ولا تنفع هنا، رغم فجاجتها فجيراننا في غزة قالوا في الدنيا كلها لا نريد أنفاقا، ولا تقيموا منطقة عازلة لأننا منكم وأنتم منا، بل أقيموا منطقة تجارية تكسب منها مصر من 3-5 مليار دولار سنوياً، لكن افتعال المعارك مع الشعب المسالم في رابعة والنهضة وكل المحافظات، وتفريغ طاقة الجيش في قتل أبنائنا في سيناء وهدم شريان الحياة لغزة دون فتح المعبر، والاستدارة على أهلنا في غزة هذا يثير عددا من الأسئلة المشروعة جداً أهمها ما يلي:
1. أليس من حق الشعب المصري أن يعرف حجم الخطر في سيناء، بالأرقام والإحصاءات؟
2. أليس من حق الشعب المصري أن يعرف حقيقة ما يدور من خلال إعلام صادق؟
3. أليس من حق الإنسان المصري أن يرى محاكمات عادلة حتى لو كان مجرما بدلا من قتله وإغلاق ملفه، وأن يكون الجيش خصما وحكما ومنفذا؟
4. أليس من حق الشعب أن يعرف هل هناك نهاية لهذه العمليات؟
5. أليس من حق الشعب المصري أن يعرف لماذا يهدم بالطائرات 150 منزلا في مناطق تبعد عن حدودنا مع غزة 12 كم؟
6. أليس من حق الشعب المصري أن يعرف كم من الأنفاق يملكها رجال المخابرات المصرية كرجال أعمال؟
7. أليس من حق الشعب المصري أن يعرف لماذا تشاركون الكيان الصهيوني في خنق وحصار ما يقارب 2 مليون مواطن في غزة؟
8. أليس من مصلحة الكيان الصهيوني فقط إنهاك أهلنا في سيناء وغزة معا مما يعرض أمننا القومي المصري لفجوات كبيرة؟
9. هل تهيئون البلاد والعباد لاجتياح صهيوني، مثلما حدث في نكسة 1967م حيث انشغل الزعيم بالإسلاميين سجنا وقتلا – بأقل من الآن – فانتهز الكيان الصهيوني الفرصة؟ وبعثر كرامتنا عبر التاريخ؟
10. هل يمكن أن يخبرني أي قائد كبير في المجلس العسكري الآن عن عدد من قتلهم من بني صهيون، وكم قتلتم من أبناء مصر؟
هذه كلها أسئلة مشروعة من حق كل مصري في العالم أن يعرف إلى أين تتجه بلده، وها هو الرئيس الأمريكي مع كون الدستور يعطيه الحق في ضرب سوريا حيث اعتبر أن استعمال الكيماوي في بلد تبعد عن أمريكا آلاف الكيلوات خطرا على الأمن القومي الأمريكي، لكنه خاطب القادة عنده، وخاطب لجنة العلاقات الأمريكية في الكونجرس، وخاطب الشعب الأمريكي، وخاطب قادة دول العشرين، ودوّخ كيري في البلدان، وجمع وزراء خارجية العرب في الحديقة الخلفية للسفارة الأمريكية بباريس، وينتظر قرار الكونجرس، والعالم كله ينتظر لكن أوباما حدد ضربة محدودة سريعة جوية تتجاوز كل الأخطاء في العراق وأفغانستان وليبيا، احتراما لشعبه، ألسنا نستحق جزءا من هذا؟!
أما نحن فبكل أسف لا نعتبر الكيان الصهيوني خطرا على أمننا القومي المصري مع اليقين أن لدى الصهاينة المحتلين أخطر سلاحين: النووي والكيماوي، وقد استعملت الكيماوي أمام العالم لضرب إخواننا في غزة في 2009م وبدلا من أن نستعد لمواجهتهم وجهنا غضبنا وقواتنا ومعداتنا الثقيلة لهدم شرايين الحياة لغزة الذين يدفعون عن مصر شرا مستطيرا وبلاء عظيما.
طبعا أستطيع أن أفهم السبب أن رئيس أمريكا "محتاس" من 3 أسابيع عشان قرار صغير بضربة سريعة محدودة، وأنتم تذبحون الشعب في مصر في رابعة والنهضة والحرس والمنصة ورمسيس والاسكندرية ومطروح والمنصورة والغربية والصعيد، والآن رحى الإبادة في سيناء خاصة، و"إذا عُرف السبب بطل العجب"، فأوباما رئيس منتخَب، والسيسي رئيس مغتصِب.
والمرارة على لسان الشيخ المنيعي رئيس اتحاد القبائل في سيناء حيث يقول: "والله لو دخلت إسرائيل لن تفعل مثل هذا، وبعض أهل سيناء فكروا في الهرب من مصر إلى الأرض المحتلة، فتذكرت ما رأته عيناي يوم الأربعاء الأسود 7/10/1434هـ الموافق 14/8/2013م أن جيشنا وشرطتنا في يوم واحد قتلت وخنقت وحرقت وجرفت ما لم يفعله الكيان الصهيوني في 22 يوما في غزة، بل أزعم أن قادة العسكر الانقلابيين لم يقتلوا في تاريخهم من بني صهيون كل هذا العدد منهم، والآن الأمر كما قال الشاعر عمران بن حطان:
أسد علي وفي الحروب نعامة فتخاء تنفر من صفير الصافر
والمرارة في حلوقنا كما قال طرفة بن العبد:
وظلم ذوي القربي أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند
ودعائي كما قال أ.د. محمود داوود الأستاذ بجامعة الأزهر:
يا لعنة ضمي بقعر جهنم عمدا يهوديا على متهود
تُرى لو بعث نزار قباني ماذا كان سيقول للسيسي ومن معه من المتصهينين؟ وهو الذي قال بمؤتمر القمة في الزيتونة أمام كل رؤساء العرب اعتراضا على أول زيارة فقط للكيان الصهيوني من السادات:
من ذا يصدق أن مصر تهوَّدت فصلاتها عبرية، وإمامها كذاب
ومع مرارة الواقع بما تحول إلى علقم في حلوق المصريين ومحبي مصر لكني أقدم آمالا ضرورية في خضم زئير الطائرات والمجنزرات وأصوات الرصاصات التي يخترق أجسادنا في مصر كلها وسيناء خاصة، وأهم هذه الجوانب ما يلي:
1. أن يعود الجيش المصري حاميا للحدود، لا حاكما لمصر بالحديد والنار والسيف البتار.
2. أن يقيم الجيش مصالحة مع الشعب المصري عامة، وأهلنا في سيناء خاصة، ولا مصالحة إلا بعودة الشرعية كاملة، ومحاكمة كل من أسال الدم المصري محاكمة عادلة.
3. أن نعود إلى خطة إعمار سيناء لا تدميرها، والعمارة نوعان: بشرية ومادية لمقاومة أحلام الصهيونية.
4. أن نحتفظ بسلميتنا مهما كانت التضحيات فرصاصنا له قبلة واحدة نحو الصهاينة.
5. إصدار إعلام محدد يعتبر الكيان الصهيوني هو العدو الأول، وأن تحرير فلسطين هو جزء من واجبنا الديني والقومي والإنساني.
6. إقامة منطقة تجارية - لا عازلة - بيننا وبين إخواننا في غزة، فتكسب مصر خمسة مليارات، ونحفظ أهلنا في غزة من القتل العمد العدواني وهي جناية دولية، ونقوي السياج بين مصر وبني صهيون.
ويضاف لما سبق اقتراح جاد جدا للدراسة والمناقشة أرجو أن ينال من السادة القراء قدرا كافيا من الدراسة والتفكير والمناقشة و مصدر الاقتراح ما يروى في الحكم والأمثال: سأل الجدار المسمار: لم تشقّني؟ قال: سل من يدقّني.
فالسيسي وأعوانه بلا شك مسامير تشق جدار مصر، يدقه الصهاينة المغتصبون للقدس وفلسطين، الكارهون للعرب والإسلام والمسلمين، فكلما قتلت المسامير منا مصريا قتلنا صهيونيا يدنِّس أرض مصر، والمحتل الغاصب أصلا دمه مستباح شرعا وقانونا وعرفا دوليا، فإذا دقوا مسامير العملاء لقتلنا وحرقنا وسجننا في مصرنا لم يبق إلا قتلهم علاجا ناجعا وردًّا فاجعا؛ كما قال الشاعر الكميت بن زيد الأسدي:
إذا لم تكن إلا الأسنةُ مركباً *** فما حيلةُ المضطر إلا ركوبها
وبهذا نغيظ عدونا، ونمير أهلنا، ونحفظ جيشنا، ونحرر مصرنا من اغتصاب الانقلابيين.
وأخيرا أقول ما قاله الله تعالى: "لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ" (الأنعام: 67)، "وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ" (الشعراء: 227).
وقد أقسمنا اليمين ألا نلين، وأن نصنع النصر للمصريين على الانقلابيين الدمويين المتصهينين.
وإن غداً لناظره قريب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق