تأديب شيخ أزهر السيسي
وائل قنديل
فور صدور تصريحات من شيخ الأزهر بشأن ممارسات مليشيات الحشد الشعبي(الطائفية) بالعراق، سارعت الخارجية العراقية فورًا باستدعاء السفير المصري للاحتجاج.
تلخص هذه الخطوة الوضعية البائسة التي أضحت عليها مشيخة الأزهر الآن، بعد أن تحولت رسميًا من كيان أممي يعبر عن هموم وقضايا العالم الإسلامي كله، إلى مجرد إدارة حكومية مطيعة، تخضع بشكل كامل للسلطة في مصر، وتأتمر بأوامرها، وتشترك في تآمرها.
يقول لنا التاريخ إن الأزهر كان هيئة مستقلة، تدافع عن الإسلام وشعوبه وقضاياه، مظلة جامعة للشعوب، لا خادمة مائعة في بلاط الحكام والسلاطين، غير أن الواقع الحالي ينطق بأن شيخ الأزهر، انتقل من كونه إمامًا أكبر للأمة، إلى موظف صغير في جهاز الدولة، حتى وإن كان بدرجة نائب رئيس وزراء، وفقا للوائح والقوانين.
صحيح أن الأزهر أنشأه جوهر الصقلي في مصر، غير أنه لم يكن يومًا إدارة تابعة للجهاز البيروقراطي للدولة، كان جامعًا وجامعةً لكل المسلمين، لديها استقلالها، وترفعها عن ألاعيب السلطة ومغامرات الحكام.. أما الآن فقد جاء الوقت لكي تجد شيخ الأزهر واقفًا بين يدي موظف في وزارة الخارجية، لكي يسائله ويحاسبه على تصريحاته وآرائه.
قبل شهر من انقلاب الثلاثين من يونيو ٢٠١٣ كان شيخ الأزهر - القادم من أمانة سياسات جمال مبارك إلى المشيخة رأسًا - كان في زيارة لدولة الإمارات، التي كانت قد أعلنت أنها تضع على عاتقها مسئولية الإطاحة بنظام الحكم المنتخب في مصر، وبعدها أعلن عن منح "الطيب" جائزة شخصية العام الإسلامية من أبوظبي.
في الإمارات تحدث شيخ الأزهر وكأنه مبعوث السلطة المصرية، فقال خلال لقائه مع ولي عهد أبو ظبي إن علاقات مصر مع دولة الامارات ممتدة عبر التاريخ وتتمتع بخصوصية وميزة كبيرة، مرحبًا بزيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولى عهد أبو ظبى للمشيخة ، وأشاد «الطيب» بمواقف الإمارات تجاه مصر ولفت إلى أن الزيارة جاءت من منطلق أن مؤسسة الأزهر هي طوق النجاة الوحيد لإعادة التصور الإسلامي الصحيح، ومحاربة الفكر الإرهابي المتطرف الذى يعاني منه العالم العربي.
وحين عاد كان الرجل يقف بهمة وحماس، كتفًا بكتف مع رأس الكنيسة، لحظة إعلان سلطان العسكر انقلابه على الرئيس المنتخب.
كانت لقطة شديدة العبثية والقتامة، أن يكون إمام الأمة الإسلامية الأكبر، جنبًا إلى جنب، مع صبي "تمرد" الأصغر، كان شيخ الأزهر وقتها مرصعًا بالجائزة الإماراتية السخية، فيما حصل "إمام تمرد" على جائزته محليًا فيما بعد، مصنع بسكويت على قطعة أرض من أملاك الدولة.
وبعدها كانت الشرطة المصرية تهين نائب شيخ الأزهر ورئيس مجمع اللغة العربية في مطار القاهرة، حين أنزلته وزوجته المريضة من فوق عربة لنقل المرضى، لكي تأخذ مكانها خادمة رئيس نادي الزمالك، فلم نعرف أن الإمام غضب أو استنكر أو حتى استفسر عن الواقعة، كل ما فعله أنه أقصى نائبه عن موقعه، وأطاح به خارج تشكيل هيئة الأزهر في أقرب فرصة، عقابًا له على بيانه التاريخي بعد مجزرة سلطة الانقلاب-وشيخ الأزهر جزء منها- بحق معتصمي الحرس الجمهوري وطريق النصر.
والآن ترتكب السلطة في مصر مذبحة بحق كتب التاريخ الإسلامي، تسيل معها دماء عمرو بن العاص وصلاح الدين الأيوبي، وتجري عملية إقصاء ونفي لأبطال الفتوحات الإسلامية من المناهج الدراسية، فلا تسمع صوتًا قادمًا من مشيخة أزهر الأمة الإسلامية، ولا يرتفع إصبع بالتحذير من هذا المجون وهذه العربدة في التاريخ، فقط تقرأ أن السفير المصري في بغداد ذهب للتوضيح والاعتذار بشأن تصريحات الشيخ عن المليشيات الطائفية التي تنفذ عمليات استئصال وإبادة بحق سنة العراق.
وعلى الرغم من كل هذا الخضوع من قبل الشيخ للجنرال وسلطته، تجري الآن، عبر الأذرع الإعلامية، عملية "تنكيس الإمام الأكبر" تمهيدًا لصدور قرار الإزالة؛ ففي ضوء تحالفات النظام مع الحوثي وبشار الأسد، وقبل ذلك نوري المالكي، يبدو أنه لم يعد تحت العمامة ما يفيد السلطة فيما هو قادم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق