الجمعة، 11 سبتمبر 2015

إنجيل مدينة آريس !

إنجيل مدينة آريس !
أ. د. زينب عبد العزيز 
أستاذة الحضارة الفرنسية
إن كتاب تجليات "إنجيل آريس" هو بمثابة النقطة الرابعة والأخيرة التى يلجأ إليها قادة النظام العالمى الجديد لإستكمال سيطرتهم على العالم، إذ أن النقاط الثلاثة الجارية التنفيذ هى المجال السياسى، والإقتصادى، والإجتماعى. ويعتمد السيناريو الجارى التنفيذ دينياً على الرؤيا التى شاهدها ميشيل بوتيه. ويقول عن الأولى أنه : "تمثل له يسوع جسديا بلحمه وعظمه"، والمجموعة الثانية "تجسد له الله على هيئة عصى صغيرة من النور". وهذه التجليات تمت ليلا، دون أى شاهد سواه ، ودون أى دليل يمكن الإستناد إليه، إذ أن جميع أفراد أسرته كانوا طوالها فى حالة سبات تام.
وتجليات آريس تنادى بممارسة حب القريب، والتسامح، وأن حرية العقيدة الدينية أكبر وأعلى من العقيدة السياسية، والإعتماد على الإيمان والصلاة وفعل الخير. إنها تدفع إلى تخطى الأنسقة الدينية والسياسية، وإلى إقامة العدالة العالمية مع تجاوز الخلافات الدينية. وهى لا ترمى إلى أن تكون ديانة تقودها مؤسسة ما. وتترك مطلق الحرية للإنسان : "فلا يملك المرء إلا القبول، والإذعان، دون مناقشة" (3/15) !. وكل شئ معد لكى "تختفى الديانات والسياسة والحضارة المادية الحالية". وهى تتضمن ديناميكية التغيير الإجتماعى عمقا، وعلى حد قول جان فرانسوا ـ ماير، الذى خصها بأربعة كتب ليبرز أهمية هذه التجليات : "أنها تؤدى إلى التباعد التدريجى عن المضمون المسيحى، وتجعل رسالة آريس أسهل تقبلا من المسلمين أو ممن لهم ميول إسلامية".
ولقد نشأت حركة تجليات مدينة أريس ، فى جنوب غرب فرنسا، وانتشرت تقريبا فى كل مدنها. وبات لها ستون منظمة فى أكثر من عشرين مدينة تروج لها، وبدأت تنتشر مثلها مثل نظرية الچندر التدميرية ، فى مدارس الأطفال ، وتنعم بمساندة مدرسية وورش عمل فنية وتعبيرية للشباب ، ولها لجان وبعض المجالس البلدية. بل لقد إنتشرت فى أوروبا، فى البلدان المتحدثة بالفرنسية. كما بدأ أتباع الحركة الإتصال بالمسلمين المقيمين فى هذه البلدان لمحاولة إقناعهم "بالدين الحق". وقد تم توصيفهم فى لجنتين برلمانيتين فى فرنسا سنة 1996 وسنة 2005 بأنهم يمثلون طائفة خطرة، ومع ذلك فهم مستمرون فى عملهم. ونشر هذه العقيدة مفروض على الأتباع، خاصة من الباب للباب. ويقول مؤسس هذه العقيدة فى التعريف بها : "أن تجليات آرس يجب أن تظل النور الوحيد والمرشد الوحيد لكل إنسان".

ولكى ندرك أبعاد هذه الحيلة لرجال سياسيين مغرضين، من المهم أن نرى العناصر المكونة لهذا الموضوع بشئ من التفصيل : 
* ميشيل بوتيه :
وُلد ميشيل بوتيه يوم 11 يوليو عام 1922 فى بلدة سورين بجوار باريس، فى أسرة ماركسية، وعمل مهندسا سنة 1955، ومديرا لمصنع من 1958 إلى 1965 فى باريس ثم فى مدينة ليون. وكان ملحدا عقلانيا فى سن العشرين، ثم شيوعيا نشطا حتى عام 1988، ثم مضاد للشيوعية. وخلال هذه المرحلة كان يرافق والدته فى بعض الدوائر الروحية. وإهتم بالمجال الغيبى، وأسس ممارسته على النظريات الغيبية لأواخر القرن التاسع عشر وعلى "القوة السرية للإنسان" المتعلقة بتجارب تناقل الخواطر عن بُعد التى كانت تقوم بها البحرية الأمريكية. وفى عامى 1965 و1966 إفتتح عيادة فى مدينة ليون لممارسة الغيبيات والطب النفسى والعرافة والإستبصار والتنويم المغنطيسى العلاجى وتحريك الأشياء عن بُعد، وذلك تحت إسم مستعار هو : مايكل بيركلى (؟). وبعد عامين من المممارسة المتواصلة أغلق عيادته ليرتبط بالكنيسة الأرثوذكسية !
أنتقل ميشيل بوتيه من الشيوعية إلى الإيمان، وتم ترسيمه شماسا إنجيليا فى سنة 1969، وأنشأ خورانية الثالوث المقدس فى مدينة بورچ الفرنسية. وغادر الكنيسة الكاثوليكية الأرثوذكسية الفرنسية سنة 1970 وحاول إدخال رعاياه تحت السلطة القضائية لموسكو. وحاول التقريب بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية (ومعروف أن مجمع الفاتيكان الثانى قد قرر توحيد الكنائس). وفى عام 1971 وأثناء خروجه من أحد القداسات فى مدينة ليون، إقترب منه شخصان مجهولان ليطلبا منه إقامة وقبول تمثيل "الكنيسة الحية الروسية" فى الغرب. وبعد المفاوضات مع هذان الغريبان للكنيسة الحية الروسية، تم ترسيمه قسا يوم 14 إبريل 1971 وفى اليوم التالى تم ترسيمه أسقفا !
قام ميشيل بوتيه بنشاط مكثف رغم عدم الإعتراف بأبرشيته من الكنائس الأخرى الأرثوذكسية. وفى تلك الفترة إستقبل فى مدينة بورچ، البابا الزائف كليمنت الخامس عشر (1905ـ1974)، الذى أجرى معه عدة "مغامرات مشبوهة". وحاول التقريب بين الكنيسة الجديدة التى أقامها كليمنت الخامس عشر، ثم استقال من منصبه الكنسى مع الإحتفاظ بلقب الأسقف (؟!). وفى نفس الفترة قرر الإنتقال إلى منطقة آريس. وفى ينونيو 1973 إشترى حانة قديمة لإقامة صلوات جماعية وانتقل إليها للمعيشة فى آخر ديسمبر من نفس العام. وبعد ذلك بأسبوعين بدأت أحداث التجليات : قام يسوع بإملاء ما أطلق عليه هو "إنجيل آريس" وقد تجسد له بلحمه وعظمه، على حد تأكيد ميشيل بوتيه ذلك عدة مرات. وتم اللقاء الأول فى ليلة 14 ـ15 يناير 1974 حتى 13 إبريل 1974 ، على مدى أربعين جلسة. وبعدها ظهرت له خمسة تجليات أخرى تجسد له الله، على حد وصفه، على هيئة عصاة من نور أيام 2 و9 و19 أكتوبر 1977 ثم 9 و 22 نوفمبر 1977.
من هذا التلخيص الشديد لحياة ميشيل بوتيه نلاحظ : تنقله بين الشيوعية والإلحاد والغيبيات وممارستها بالتوافق مع تجارب البحرية الأمريكية وإختياره إسما مستعارا أمريكيا، ثم تنقله بين كنائس مختلفة فى فرنسا وموسكو، أيام الحرب الباردة؛ وإلتقائه بغريبين غامضين والإتفاق معهما ثم ترسيمه قسا وفى اليوم التالى أسقفا، يثيرالفضول. كما أن إستقباله للبابا الزائف كليمنت الخامس عشر، الذى أقام لنفسه فاتيكانا صغيرا مناهض للفاتيكان، وهو معروف بتجاربه الغيبية وإقامة بعض المشاريع مع بوتيه. وما أن استقر فى بلدة آريس، التى بدأ ظهور العذراء فيها منذ 1947، فى مقاطعة أركاشون، حتى بدأت التجليات. أنها سيرة ذاتية تثير العديد من التساؤلات والقضايا.

* البابا الزائف كليمنت الخامس عشر (ميشيل كولان 9/1905 ـ 23/6/1974) :
يوم تناوله القربان لدخوله المسيحية ظهر له المسيح وأكد له أنه سيكون قسا وأسقفا وبابا ! وتم ترسيمه قسا سنة 1933 ، وأسس عدة جماعات تبينت لديه ميول غيبية وتجليات خاصة، وفى إحدى الرؤيا بشره يسوع سنة 1950 وأطلق عليه إسم كليمنت الخامس عشر. وإعترف ميشيل كولان إلى القس فى جلسة الإعتراف ونقلها بدوره إلى روما. وكانت تلك النقطة التى أدت إلى شلحه وتحويله إلى قطاع المدنيين يوم 17 مايو 1951، بسبب مداركه الغيبية. فقام بتأسيس "معهد الرسل للحب اللانهائى" دون موافقة الفاتيكان ، وإن كان قد تركه يمارس عمله ! ويقال أنه يحقق السر الثالث لفاتيما معلنا بابوية ميشيل كولان (كليمنت الخامس عشر)، الذى تم تتويجه بابا يوم 9 يونيو، ستة أيام بعد وفاة البابا يوحنا الثالث والعشرين. وكليمنت الخامس عشر يبشر بالغيبيات وسكان الكواكب الأخرى والتجليات، ويبحث عن تكوين مسيحية كونية. ويمكن القول أنها نفس توجهات ميشيل بوتيه، وكانا يفكران فى كيفية تغيير العالم إلى الأفضل عن طريق مسيحية عالمية يتقبلها الجميع. وقد توفى أواخر يونيو 1974 بعد أن أدانته العدالة بتهمة النصب. أدانته، لكنها لم تمنعه من ممارسة مهامه. والعلاقة بينهما بحاجة إلى بحث دقيق مستقل.

* كتابات ميشيل بوتيه :
1 ـ "إنجيل آريس" : فيما يتعلق بالمسيحية، يقوم ميشيل بوتيه بإدانة معظم العقائد المسيحية الواردة فى الأناجيل : إذ يعتبر الثالوث خرافة، وينكر ألوهية يسوع، وينكر بنوّته المماثلة لله، ويرفض إنجيل يوحنا ـ الذى تأخرت الكنيسة فى تقبله، كما يرفض رسائل بولس وبطرس على أنها من صنع البشر، ويهاجم الكيان الكنسى. كما يطالب بدمج الأناجيل الثلاثة بعد تعديلها لتصبح "الإنجيل الإسرائيلى" ! وبإختصار، لقد قام بإلغاء كل ما قام البابوات والكنسيون والمجامع بإدخاله لتكوين المسيحية الحالية. وهو ما لم يكف النقد العلمى منذ آريوس حتى يومنا هذا عن إثبات كل هذا التحريف. إلا أنه احتفظ من المسيحية الحالية ببعث يسوع وتجسده، والإفخارستيا، ومكانة رفيعة لمريم.
وعلى العكس من ذلك، فإنه رفع من شأن الإسلام بجدارة على أنه الرسالة المنزلة من الله والتى ظلت بلا تحريف حتى يومنا هذا. وإعترف بسيدنا محمد نبيا وأن الله قد أبلغه رسالة الإسلام فى القرآن وحيا، وأنه يتصدر قمة رفيعة بين الله والبشر. كما قام بإدخال مبادئ القرآن وأخلاقياته سواء بطريق مباشر أو غير مباشر فى هذا الإنجيل. بل حتى الطريقة التى كان يوحى بها إلى سيدنا محمد ألصقها لنفسه قائلا على لسان يسوع : "لا تقل شيئا من عندك، أطلب مهلة للصلاة، إنتظر أن أتحدث إليك" (39/2). وحتى الطقوس من حيث الوضوء والصلاة فى مواقيت محددة ، تجاه بلدة آريس ، "القدس الجديدة"، وخلع النعال وإرتداء اللون الأبيض فى الحج إلى آريس، الخ. ومع ذلك، يقول أنه إن عاجلا أو آجلا فإن الإسلام عليه أن ينضم إلى "عملية إستعادة الأرض من الكفر، بحكم الميراث المشترك مع االشعوب ذات الأصل اليهودى والمسيحى" ! وطوال هذه الأمسيات قام يسوع بترقة ميشيل بوتيه إلى "الرسول القوى" (26/7)، و "سيفه" و "نبيه" ..
2 ـ "الكتاب" : هو أحد أسماء القرآن الكريم ، وهو الإسم الذى أطلقه بوتيه على تجليات الله له، كما يزعم. وهذه التجليات الخمس كانت أيام 2 و9 و19 أكتوبر ثم 9 و22 نوفمبر 1977 ، التى ظهر له الله خلالها على هيئة عصى صغيرة من نور تستكمل "إنجيل آريس". وبدلا من إستخدام ألفاظ مخلة للتعليق أكتفى بالإستشهاد بالقرآن الكريم : ".. فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا.." (الآية ، 143 / الأعراف). فما من إنسان لا يعرف أن قوة نور الشمس تُفقد البصر، وهى مجرد كوكب فى الكون اللانهائى. فما بالنا بالقوة التى لا يمكن تخيلها لنور الله عز وجل ؟ ويتم إملاء الرسائل بلغة فرنسية مقتضبة لا يمكن فهمها ، منفرة، وبها بضعة كلمات غير موجودة فى أى لغة، لكن ميشيل بوتيه يفسرها. والمعنى الإجمالى لا يمكن فهمه دون قراءة إجبارية للشرح والتعليقات وكل ما كتبه بوتيه على جانب كل صفحة. والخط الأساسى فى هذه الرسائل يرفع من شأن ميشيل بوتيه من نبى إلى الملاك ميكال ، الذى "يضع خطواته فى صندل الله" (36/19)، وهو "إبن الله" (19/13) ، ثم "فخر الله وشرفه" (36/16) !! وقد تعرض لتجربة معراج ليلية فى السماوات ، وشاهد مسيرة للأنبياء ، ومسيرة للموتى ، وتلقى "صفعة قوية" [أرى أنه يستحقها بجدارة] !
3 ـ "أعمدة التوبة" و"حجاج آريس" : 
يقول ميشيل بوتيه أنه منذ شهر ديسمبر 1979 مر نَفَس الله على النبى ميشيل يوتيه/الملك ميكال ، وتجلت كلمة الله نقية مصوبة تحت قلمه الملهم". إذ وجد بوتيه نفسه يتحدث و"تتحرك شفتاه بإرادة وحيوية خارجة عن إرادته، وكان يكتب تحت إملائه فى نفس الوقت". ومن عام 1978 إلى 1988 كان ميشيل بوتيه يصدر دورية كل ثلاثة شهور تحت عنوان "أعمدة التوبة" ، لكن إبتداء من 1989 بدأت دورية "حجاج آريس" تظهر فى شكل كتاب سنوى أو كل سنتين. وهو ما يعنى أن هذه الكتابات أيضا تعتبر نوعا من التجليات قام بها النبى ميكال/بوتيه كوسيط روحى ومؤلف أو مشارك فى التأليف الإلهى !!
ومما لا شك فيه أن ميشيل بوتيه يلعب دورا أساسيا فى التعليقات السياسية أو العقائدية فى النص. أما الطبعات التى ظهرت لهذه المؤلفات فهى تختلف وفقا للإضافات التى يضعها. فالطبعة الأولى كانت تضم 94 صفحة تسبقها مقدمة تقع فى 12 صفحة ؛ وطبعة 1995 تضم 800 صفحة وبها ملحق من خمسين صفحة (718 ـ 767) بعنوان "نؤمن. لا نؤمن". وآخر طبعة ظهرت سنة 2009، وهى التى استطعت الحصول على نسخة منها، تضم 152 صفحة وبها هوامش وملاحظات وإطارات ببنط شديد الصغر على جانب كل صفحة.

* المجال الغيبى :
المجال الغيبى مثله مثل أى مجال روحى أو مادى له قواعده وقوانينه الصارمة ، له قواعده التى لا تسمح بتداخل أيهما فى الآخر. وتجليات آريس تعتمد أساسا على تجسد يسوع أو بعثه بلحمه وعظمه. ولا يوجد أى مجال غيبى يسمح بحدوث مثل هذه الظاهرة على الإطلاق. فالروح يمكن أن تتشكل فى ظروف معينة ، كالدخان البيض، والظاهرة معروفة ، أما الجسد بلحمه وعظمه فهذا محال. وهنا يقوم ميشيل بوتيه بإستخدام فكرة البعث التى إختلقتها الكنيسة و تعتمد عليها للتأثير على الأتباع. والتحدث عن ظهور آثار مسامير عملية الصلب فهذا أيضا محال. ثم نطالع : "لم أره أبدا وهو يدخل ، كان يتم إيقاظى بعد وصوله ، لكننى كنت أراه وهو يرحل ، كان يرتفع ويختفى" ! وهو ما كتبه فى آخر مراجعة لإنجيل آريس يوم 25 مايو 2001. فأن تتم ظاهرة روحية تلقائية ، يتجسد خلالها يسوع بلحمه وعظمه ، كما يقول ، ثم يرسل لإحضار المتفرج الوحيد ، فهذا هراء، كيف يمكن لإنسان بجسده المادى أن "يرتفع ويختفى" ؟ من الواضح أن ميشيل بوتيه يقوم بملئ نصه بخليط من ظواهر لا يمكن تحقيقها ، بل تدين مصداقيته. ويكرر نفس الخطأ فى صفحة المقدمة : "لأن مراسله كان يسوع المخلد بجسده ولأنه كان يتبع فكر أناجيل متى ومرقص ويوحنا". أى أنه يستند إلى الأناجيل الرسمية التى يقوم بإنتقادها وتعديلها ، وينتهى به الأمر بإلغائها. ويا له من تناقض.
كما أن الجلسة التى يصفها فى ليلة 28/1ـ27 لا يمكن حدوثها. فمن المحال عمليا أن تستمر جلسة روحية عدة ساعات. وأن يتم إملاء ما يمثل ست صفحات مطبوعة ببنط صغير، وهو ما يعادل قرابة عشرين صفحة بخط اليد فى ظلام دامس كما يقول. كما أن أسلوب التحدث يكون أكثر بطأ من المعتاد فى الجلسات الروحية.
والرسالة السياسية المبلغة تطالب "بضرورة عالم جديد قانونه كلمة يسوع (28/8) ؛ فقد وصلنا لزمن إتمام كل شئ (28/13)؛ لتتحقق كلمتى (28/14)". وهو ما يعنى تنصير العالم، عالم مسيحى ـ متأسلم على الطريقة التى يرونها، ويعدّون لها كمرحلة أولى قبل إلغاء كل الأديان فى النظام العالمى الجديد.
وفى التنبيه الخاص بالكتاب يقول بوتيه : "إن الكلمات والجمل بين قوسين فى نص التنزيل هى إضافة كتبها الشاهد [ويقصد نفسه ، وعبارة الشاهد على أنه الشاهد الوحيد لهذه التجليات]. وذلك "لتسهيل فهم وتلاوة كلمة كان معناها يلقى إليه فى نفس الوقت الذى كان يسمع فيه". فكيف يمكن لشخص أن يتابع إملاء نص وشرح عباراته غير المفهومة ، المملاه فى نفس الوقت، ولا يكتب إلا النص الذى يتضمن كلمات غير موجودة فى أى لغة ؟ إن الوسيط الروحى لا يمكنه أن يكون أداه تعبير لوسيلتان مختلفتان فى آن واحد. وكل هذه التعليقات تخالف ما أملاه يسوع فى الفصل 10/10 ـ11 من الإنجيل المزعوم.
إن معلومات بوتيه عن العالم الآخر أو المجال الروحى تتضارب رغم خبرته الطويله : فالخلط وعدم الفهم الذى يقترفه لصياغة رسالته ليس فى صفه ودليل على إفتعال هذا النص الذى أراده منزلا ، رغم كل ما به من بعض العبارات أو الأفكار الجميلة. ويكفى أن نطالع كتاب : "الأسلحة السرية الغيبية. طاقات غيبية وأسلحة ما وراء الواقع فى مواجهة الشرق/الغرب" للكاتب إرنست ميكيلبورج ، أو كتاب "جواسيس المجال الغيبى : التاريخ السرى للتجسس خارج نطاق الإدراك الحسى الأمريكى" للكاتب جيم شنابل ، اللذان يكشفان عن أثر هذا المجال إلى جانب غيره كثير فى إنهيار الإتحاد السوفييتى. وهو المجال الذى قام فيه كلا من المخابرات الحربية والمخابرات المركزية الأمريكية من محاولات مزهلة من التجسس والتى تورط فيها أيضا جيمى كارتر ورونالد ريجان وجورباتشوف والبابا يوحنا بولس الثانى الذى قام بالإعداد لثورة ليخ فاونسا فى بولندا ، التى كانت بمثابة الضربة القاضية على الإتحات السوفييتى.

تعليقات وأطر ميشيل بوتيه :
فى الفصل 10/10ـ11 من تجليات يسوع نراه يقول عن كتبه : "لغتهم ستكون بلا تصنع ؛ وهوامشها ستكون خالية من أى لغو ؛ وكلمتى (...) خالية من أية قيود كالتى يضعها المتفلسفون". و"ما من أحد سيقف أبدا أمام الخطاة ليضيف إلى كلامى". فما الذى فعله بوتيه ؟ إن ما أضافه على الهوامش وفى الأطر يتعدى بكثير حجم التجليين المزعومين. بل إن تجليات الله التى يزعمها مكتوبة بأسلوب لا يمكن فهمه بحيث تصبح قراءة تعليقاته إجبارية. وهذه الملاحظات تتعارض كلية مع مطلب يسوع، وتثقل من النص ، وتجعله أشبه ما يكون بما فعلته الكنيسة بالكتاب المقدس بفرض وجهة نظرها وإعادة صياغة ما قامت به من تحريف. والأكثر من ذلك ، أن هذه التعليقات والأطر حول النص ، المزعوم التنزيل، تلعب دورا أساسيا للإضافات التى يُدخلها ميشيل بوتيه خاصة فيما يتعلق بالجانب السياسى الذى قال عنه منذ البداية أنه غير وارد.

الجانب السياسى :
من كل ما يتضمنه النصان من معطيات سياسية لا بد من الإشارة إلى ثلاث نقاط منها لنوضح الخلفية الأمريكيةـ الفاتيكانية بهذه النصوص لنرى إلى أى مدى هى نصوص موجهة من جهة ما : 
1 ) ـ فى إطار من كتاب التجلى الإلهى رقم 15 صفحة 114 نطالع : "لقد رأينا فى إنجيل آريس التنبؤ مقدما بخمسة عشر عاما ، بإنهيار الكتلة االشيوعية (28/20 و 31/5)، وهو إحتمال لم يكن من الممكن تصوره سنة 1974.

ونطالع بعد ذلك بقليل (34/4ـ9) الإعلان عن السلام مقدما وقبل حدوثه بسنتين بين الإتحاد السوفييتى ومؤمنوا أفغانستان والنصر الذى حققوه على الجيش السوفييتى ، وكان أقوى الجيوش آنذاك". 
[ولا داعى للإشارة هنا إلى الكذب والتحيز فى هذين الخبرين ، فالجميع يعرف من هم الذين ضرّبوا محاربو الأفغان وكيفية إقتلاع الإتحاد السوفييتى !]
2 ) ـ فى الكتاب الإلهى فقرة 25 صفحة 126 نطالع : "25/2 : سربل وموسى = (كتبتها كما سمعتها) مصر (جبل موسى ، جبل سيناء) .. فرينت يروشاليم = مصر ستهزم إسرائيل إن لم يتم السلام بسرعة بين البلدين. 
[النص يبحث عن إنقاذ إسرائيل رغم كل جرائمها منذ تم غرسها. واللغة العربية كلها أخطاء. وهذا الإله التابع لبوتيه لا بد وأن يكون إله وضيع التعصب صهيونى النزعة وشديد التحيّز لكى يحاول إنقاذ إسرائيل على حساب فلسطين والفلسطينيين. فالعالم أجمع يعرف قصة جبروتها منذ تم غرسها غير الشرعى حتى يومنا هذا].
3 ) ـ فى إطار من الكتاب الإلهى صفحة 25 ، نطالع : "يوم 27 أكتوبر طلب الله من شاهد إنجيل آريس أن يكتب للرئيس المصرى أنور السادات وإلى رئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجن يرجوهما لإبرام السلام. ولم ترد تل أبيب أبدا على هذا النداء. وبالعكس من ذلك ، فإن سفير مصر فى باريس تحدث هاتفيا فى الصباح الباكر من يوم 9 نوفمبر 1977 ليخبر ميشيل بوتيه بأن الرئيس أنور السادات سيصل إلى إسرائيل عما قليل. وبالفعل هبطت طائرة الرئيس المصرى تل أبيب فى المساء". واللهم لا تعليق !!
وبخلاف هذه النقاط الثلاث الكاشفة نورد عدة جُمل على سبيل المثال لتوضيح أن النص بكله يتضمن العديد من المواضيع السياسية. فنطالع فى 35/11 : "كل المؤمنون مطالبون بتغيير العالم" ؛ "ستقيم تحالفا مع جماعات المعبد اليهودى، ومع الذين يسلمون أمرهم لله، ولن تستبعد أبنائى الذين ليسوا غرباء بالنسبة لك" ؛ و "دعوة هذا العالم الذى يعتبر نفسه عصريا (...) أن ينتقل إلى عالم جديد" (إطار صفحة 43) ؛ "التفكير فى التوابع الوخيمة التى يمكن أن تقع فى مهمة غير منطقية، مثلما حدث فيما مضى من تلاميذ أو رسل الأناجيل، الذين راحوا يبشرون الوثنيين والبرابرة بدلا من تبشير إسرائيل، الأمة المعدّة لإتمام تحقيق الكلمة" (إطار صفحة 53) ! "هذا العالم يجب أن يتغير، وأن يتخلى عن النظام الذى اختاره آدم" (إطار صفحة 86) ؛ "التحالف الذى يجب أن يتم مع اليهود والمسيحيين والمسلمين (35/11)، عائلة أبراهام [سيدنا إبراهيم]، الذين سينتهى بهم الأمر لتقبل هذا التحالف، ومن المهم توخى الحذر وطلب النصيحة" (35/10 ، إطار صفحة 87). 
ووفقا لهذه التجليات فقد تمت ترقية ميشيل بوتيه : هامش صفحة 137 : "33/12 : ما يكتبه ميكال فى نطاق رسالته كأن الخالق هو الذى كتبه" ؛ هامش صفحة 143 : "39/16 ميكال هو فى آن واحد صديق الخالق وصديق البشر" ؛ صفحة 140 ، 36 ، الإله يقر لميشيل بوتيه قائلا : "أنت شرفى" !! وأن يصل الغرور إلى هذا الحد فذلك الشخص بحاجة إلى شئ آخر غير إتّباعه !

عملية إخراج هذه الألاعيب :
إن عدد الطبعات، والطبعات بلغتين ، ونشر الدوريات ، والكتب ، ومواقع الإنترنت ، ومواقع متعلقة بالطباعة ، والمكتبة الخاصة بها ، والتسويق فى المكتبات ، وتحركات حجاج بلدة آريس ، وفروعها فى العديد من البلدان الفرنسية والأوروبية، وكم المراسلات الخ ، إضافة إلى حساب خاص فى سويسرا بالفرنك السويسرى (تهرب ضريبى ؟) ، كل ذلك لا يمكن أن يتم فى وضح النهار دون موافقة "ضوء أخضر" من جهة ما ، وخاصة أن يتم كل ذلك دون أية إدانة من الفاتيكان ، الذى هو فى واقع الأمر جزء من هذه اللعبة. فالثابت يقينا أن كل مؤسسة الفاتيكان تعمل من أجل النظام العالمى الجديد عن طريق هيئة الأمم ، وهناك مواقف يوحنا بولس الثانى سنة 1986 ؛ وبنديكت السادس عشر سنة 2005 ، والبابا فرانسيس ، أكثر من مرة ، وسوف يذهب ليلقى كلمة هناك يوم 25 سبتمبر الحالى. وثلاثتهم أعربوا صراحة وطالبوا بنظام عالمى جديد.

تلخيص وتعليق : 
إن حياة ميشيل بوتيه تتضمن الكثير من الظلال والغرابة وعلامات الإستفهام ، فهو يقوم بدور أشبه ما يكون بالدور الذى اداه البولندى ليخ فاونسا فى المجال السياسى والذى ساهم فى إنهيار الإتحاد السوفييتى ، وهو ما كان مجمع الفاتيكان الثانى قد قرره سنة 1965. كما أن تعامله مع البابا الزائف كليمنت الخامس عشر ، فى المجال الغيبى، له علاقة بالتجليات وهو الشكل الذى وصف به يسوع الذى تجسد له ليدلى بأفكاره أو ما اُعد له ليكتبه. فبما أن المجال الذى يتناوله هو الدين فكان لا بد له من اللجوء إلى مجال يعتمد على الغيب، فالغيبيات بأنواعها كانت أفضل وسيلة يقوم من خلالها بالدور الذى عليه القيام به. أما أن الهوامش والأطر التى يكتبها على جانب الصفحة فهى تسهل له عملية إبلاغ البرنامج المسند إليه.
إن الإسلام لم يتم إختياره وإبراز أهميته وقيمه حبا فى الإسلام ، بل على العكس من ذلك ، فمنذ بداية إنتشاره دأبت الكنيسة العنصرية على محاربته بكافة الوسائل حتى يومنا هذا. ومنذ مجمع الفاتيكان الثانى الذى قرر إقتلاع الإسلام تزايدت الحرب الضارية عليه. والتاسع من سبتمبر 2001 ، تلك المسرحية المصنوعة محليا، قد سمحت لهم بالتلفع بشرعية دولية لإقتلاعه مع العمل على تجريحه والإقلال من شأنه وشأن كل ما هو مسلم أو عربى. 
وحيث أنه من الصعب أو من المحال إبادة مليار ونصف المليار من المسلمين ، فإن الحرب "الأمريكيةـ الفاتيكانية" على الإرهاب المصطنع قد حصدت عدة ملايين فى افغانستان والعراق وليبيا وسوريا أو اليمن وغيرها كثير فى البلدان ذات الأغلبية المسلمة. والأكثر من ذلك ، إن ما يتم فى الواقع هو محو كل الآثار التى تشهد على عظمة حضارة الإسلام. تلك الحضارة التى كانت بمثابة المشعل الحقيقى الذى نهض على أفضاله الغرب العنصرى المتعصب. فما كان منه إلا التصرف كالكلب المصروع الذى يعض اليد التى امتدت إليه. وكذلك محو كل الأدلة الشاهدة على ما نقلته المسيحية الوليدة من الحضارات القائمة لتسهيل غرسها فى كل بلد.
كما أن تحويل بلدة آريس إلى "القدس الجديدة" لم يتم إختيارها عشوائيا كمقرٍ أساسى لمجرد ظهور العذراء المتعدد هناك منذ سنة 1947 ، أو لأنه مجرد مكان معد لإستقبال ظواهر وتجليات جديدة ، وإنما لأنه خلال تلك الموجة الهادمة لكل الآثار الإسلامية والعربية ، من المعد له أن يتم هدم المسجد الأقصى الذى يزعمون زورا أنه بنى على معبد يهودى لا يوجد عليه أى دليل ، وبذلك سيكون للأتباع الجدد لهذه البدعة قبلتهم الجديدة التى يتوجهون إليها فى بلدة آريس !
إن الإنجيل الذى يقوم بدور سياسى عنصرى يهدف إلى تغيير شامل للمجتمع الدولى لإغراقه فى النظام العالمى الجديد ، يمكن أن يكون أى شئ سوى إنجيل دينى. ولا شك فى أن كتاب "تجليات آريس" هو جزء من تلك الخطة الشيطانية الهادفة إلى إقتلاع الإسلام والمسلمين : فلقد بدأ إقتلاع جزء منهم بالحروب المفتعلة الدائرة حاليا، وجزء آخر بالهدم الإجرامى المتعمد ، والجزء المتبقى بإمتصاصه فى الديانة الجديدة للنظام العالمى الجديد.

أ. د. زينب عبد العزيز
6 سبتمبر 2015




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق