عسكر وفقهاء سلطان وإعلام مخطط
وائل قنديل
قلت، قبل أقل من أسبوع: "يبدو أن أدوات التفزيع محلية الصنع لم تعد ناجعة وناجزة، فلجأت سلطة الانقلاب إلى استيراد شحنات هائلة من الإجراءات المخيفة، أو المثيرة، لأعنف موجات القلق"
والآن، أعادت بريطانيا فتح سفارتها، ودول أخرى ستفعل الشيء نفسه، والدب الروسي في طريقه للقاهرة، غير أن إعلام الانقلاب لايزال يثغو بقصة المؤامرة الدولية والمخطط الأجنبي للنيل من مصر.
إذن، لا جديد.. هو النقل الحرفي من سفر الخوف والفزع، جوقة الترويع لم تتغير، الوجوه ذاتها، من دون تغيير أو تبديل في المفردات، لقطع الطريق على أولئك الذين حدثتهم أنفسهم بإحياء ذكرى "معرة مجلس الوزراء"، وكيف افترس الجنود البواسل أجساد المتظاهرات والمتظاهرين على الإسفلت.
من ذاكرة تلك الأيام الكئيبة ديسمبر/ كانون أول 2011، وجدت هذه السطور، واكتشفت أننا ما زلنا نعيش في تلك اللحظة البائسة:
الموضة الآن على معظم القنوات الحكومية وبعض الخاصة "إعلام مخطط"، مع حضور بسيط لـ"إعلام منقط"، وأحياناً "مرقط"، ذلك أن الحديث لا يتوقف عن ذلك المخطط الجهنمي الذي اخترعه مصدر أمني مسؤول لإحراق الوطن، وإسقاط الدولة في 25 يناير المقبل.
المتحدثون طوال الوقت وجوه قديمة بالية، اشتهرت لسنوات في الخدمة في بلاط مبارك والقذافي، والأسد الصغير وقبله الأسد الكبير، وفى فترات الركود، لم يكن يمانع أحد منهم في الذهاب إلى الجنادرية.. غالبيتهم قومجيون محترفون، منهم من بقي متشبثاً بمؤخرة عربة القذافي حتى احترقت بقائدها، مردداً الكلمات ذاتها التي يرددها، الآن، عن مؤامرة الناتو الدولية لإسقاط مصر وتقسيمها.
يرغون ويزبدون بما يُملى عليهم من الغرف السرية، ويرددونه وكأنه اليقين.. لا شك أنك تحفظ وجوههم وأدوارهم جيداً، من كثرة ما قاموا بها، فهم من عينة "ممثل الدور الواحد" كان المخلوع يرصهم أمامه في افتتاحات معرض الكتاب، ويخص كلاً منهم بإفيه ثقيل الظل، أو وصلة تريقة، فيخرج ليروي ما جرى له من السيد الرئيس، مختالاً وسعيداً بأن سيادته ذكر اسمه.
هؤلاء هم أبطال فيلم "المخطط" الآن، لا تقشعر جلودهم، وهم يرون فتاة مصرية تُسحل وتُعرّى بواسطة الجنود، بل ويدعي بعضهم بوقاحة أن لقطات السحل والتعرية مفبركة، لكنهم ينتحبون ويذرفون دموعاً صناعية، عندما يكلفونهم بالحديث عن "الأمن القومي" ومخططات إسقاط الوطن.
في مقابل هؤلاء القومجيين المحترفين، لا أستطيع أن أخفي تقديري واحترامي الشديد للمتحدث باسم الجبهة السلفية، وقد اختلفت مع الخطاب السياسي لسلفيين كثيراً، وسنختلف مستقبلاً بالتأكيد، لكني لم أجد أروع مما قاله الشيخ خالد سعيد، تعليقاً على سحل وتعرية إحدى المتظاهرات، حيث قال "أصابني شعور عجيب ومخزٍ مازال يلاحقني، حتى الآن، يوجعني ويؤلمني ويؤنب ضميري ويهين كرامتي، ومن سكت على تعريتها هو ديوث لا يغار على أهله ودينه.
منْ كشف عورة أخواتنا هل العسكر أم فقهاء السلطان؟، وهل يحرم على المسلمة كشف وجهها فقط، ويحل لجنود المجلس كشف الباقي، وهل عرض المسلمة لا يساوي شيئاً، إن لم تكن كما نريد؟
إن هؤلاء الديوثيين الذين شككوا في الفتاة، وقالوا لماذا لبست كذا، ولم تلبس كذا تحت عباءتها، وكأنه يتسلى بما ظهر منها، حتى راح يناقش تفاصيله، حتى كاد يقول: وما لون كذا وكذا ولماذا لم يكن لونه كذا، أخزاكم الله من مخانيث، مشكلة يحار في حكمها الفقهاء.
وآخرون من الخانعين تساءلوا لماذا ذهبت هناك، ولم تمكث في بيتها، وكأن هذا الغبي لم يعقل أنها لم يملأ الرجال عينها، فراحت تسد مسدهم، ولم يسأل نفسه كيف يستنكر عليها نزول الميادين، ولا يستنكر على ولاة أمره تعريتها، وهتك عرضها!!
ولا أدري كيف يكون شيخاً، ولا عالماً، أو ينتسب إلى دين الله أصلاً من ليس له غيرة، ولا نخوة، ولا شهامة ولا نصرة؟! ولا كيف يكون إسلام من غير مروءة، ولا رجولة؟!
انتهى الاقتباس، ولا أملك إلا أن أقول الله يفتح عليك يا شيخ خالد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق