الجمعة، 3 يونيو 2016

زنجبار... البحث عن أمة

زنجبار... البحث عن أمة

 منى عبد الفتاح2016-06-03
زنجبار المعروفة بأرض القرنفل تجربة ماثلة وذكرى مريرة مغروسة في خاصرة العالم العربي والإسلامي. 
أدت عوامل تقسيم وتأثير، على مستوى الدين واللغة والثقافة، إلى ذبول حضارتها واستبدال لغتها العربية بالسواحلية لغةً رسميةً، بالإضافة إلى الإنجليزية.

يتوزع سكان هذه البلاد (حوالي مليون شخص 98% منهم مسلمون) في 52 جزيرة تحول اسمها من "بلاد إفريقيا الشرقية" إلى زنجبار، منذ سقوط الحكم العربي فيها، عام 1964، وضمها مع منطقة تنجانيقا لتكون ما تعرف الآن تنزانيا.

لا يجد الباحث عن تاريخ هذه الدولة ما يشفي الغليل وسط غياب التدوين الذي لم يبق منه إلا حقيقة باهتة، وهي أنّ دخول الإسلام إلى تلك البلاد كان عن طريق الهجرات العربية والشيرازية إلى شرق القارة الإفريقية، في نهاية القرن الأول الهجري في عهد الدولة الأموية. 
وعندما حاول الحجاج بن يوسف الثقفي في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان ضمّ عُمان إلى الدولة الأموية، رفض الأخوان الحاكمان آنذاك، سليمان وسعيد ابنا الجلندى. فأرسل الحجاج إلى عُمان جيشاً كبيراً، ما كان منهما إلّا أن يخرجا بمن تبعهما من قومهما إلى زنجبار الحالية، ويحكمانها حوالي ألف عام.

ولو كان هناك من حنين على مستوى التاريخ إلى زنجبار فإنّ هناك حنيناً آخر تمثّل في نظم الشاعر السوداني محمد المكي إبراهيم قصيدته الرمزية ذائعة الصيت "بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت":
 "من اشتراك اشترى فوح القرنفل/ من أنفاس أمسية/ أو السواحل من خصر الجزيرة/ أو خصر الجزيرة من موج المحيط/ وأحضان الصباحية/ من اشتراك اشترى/ للجرح غمداً وللأحزان مرثيهة/ من اشتراك اشترى منّى ومنك/ تواريخ البكاء وأجيال العبودية / من اشتراك اشترانى يا خلاسية".
وتجيش قصة زنجبار في الخاطر، لأنّها نموذج لتلك البلاد التي تستثير انتباه العالم الخارجي، بوصفها موطناً لخليط من التطورات الحضارية. 
وفي الوقت نفسه، تعاني من قصور التواصل مع أمّةٍ، انتمت إليها في اللغة والدين. ويترجم هذا الغبن شعورٌ يتيم برز على مدى التاريخ في نفوس أهل الهويات المختلطة، في بحثهم عن الأمة الأصل. كما تُستثار زنجبار بمسألة العلاقة بين العروبة والأفريقانية، وذلك لاهتمام العلماء في مجالاتٍ عديدة، كالسياسة والتاريخ والأجناس، وقد سعى هؤلاء العلماء، بكل جد، إلى محاولة إزالة اللبس عن هذا القطر المتراصّة جزره.
تشكلت الصورة المشوشة عن زنجبار في ظروف متواترة من الصراعات والنزاعات، وبوصف 
بعدها، فقد تشكلت مكاناً مناسباً للتلوين برمزية الرغبة البدائية الأولى، فقد تشبّعت بهذا المعنى الرمزي عند بداية ابتعاد الرحالة عنها، لا مع إقبالهم عليها. وهذا يعني أنّ الرحالة غير المحايد بالفعل أعطى صورةً ذاتيةً أكثر مما هي موضوعية. وبذلك، نأى عن أن يكون جغرافياً مشغولاً بالمظهر الخارجي للمكان إلى أقصى حد ممكن. فعندما يتحدّث، وينقل سيرة رحلاته، فهو يعني، بشكل كبير، إقليماً مهمشاً ودائرة مغلقة، تُنسج حولها الأساطير وتُصدّق. كما أنّ معظم النخب العربية المثقفة لم تنتبه إلى أهمية المعالجة التاريخية والتحليل الاجتماعي للعلاقات العربية الإفريقية، بل تبنى معظمهم أخطاء الأنماط المطروحة من المراحل السابقة، أو التي روّجتها المدارس الاستشراقية والأنثروبولوجية عن الشعوب، وتطوراتها وأهدافها.
كما يمكن أيضاً العثور على مثل هذه الصورة عند الحدود التي رسمها رحالةٌ كثيرون، مثل ابن بطوطة وغيره، حيث ارتسمت صورة لرحلاته في تلك الأنحاء، وما جاورها، في أذهان القدماء، باعتبارها بلاد الظلام، بناءً على حكمٍ اختزالي، وتكونت صورته بشكل متدرج إلى أن تلونت في أعين الرحالة من كل الأجناس، بصورةٍ تحكّمت فيها الموجهات والمؤثرات الدينية والثقافية، بل ذهبت إلى إقترانها بجملةٍ من النواقص الدينية والأخلاقية واللونية.
يقدّم هذا النموذج الزنجباري مثالاً تاريخياً، مثل غيره من المناطق، أو التمازج، كالأمازيغية المغاربية أو العراقية الآشورية، لكنه، في الوقت نفسه، يقدم مادة حية للبنية الاجتماعية المعبرة، استناداً إلى نوعٍ من التمثيل الذي تقدمه وتغذيه الروايات الثقافية والدينية والتاريخية والجغرافية والفلسفية والأدبية، للآخر الموسوم بالدونية والاختلاط. وهو تصورٌ ينهض على التمايز والتراتب والتعالي. وبرواياتٍ كثيرةٍ تعمل على تراكم الصور النمطية المتخيلة الناتجة عنه في مخيلتنا تكون قد قادتنا قريباً جداً من العصر الوسيط، ونظامه القيمي المعياري.
وعليه، على الرغم من سيادة عصر العلم والتكنولوجيا وثورة المعلومات، لا تزال شعوب كاملة تعيش على أسطورة أدغال بلاد قصّرت في معرفتها، كما قصّرت في حمايتها من قبل، ولا تزال العناصر الأسطورية قائمةً في الأذهان، ولا تزال الأساطير عناصر إلهام تنسج وتوظف للتعمية، وليس للتسلية. إذن، يجب أن نستقصي كل التفاعلات المعاصرة، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أنّه، مع العصر الحديث، هذا لم تفلح مجتمعاتنا الشرق أوسطية في التخلص من مؤثرات الماضي، بل إنّ الحداثة والعولمة بذرت خلافاً جديداً تمثله مفاهيم التمركز والتفوق ومحاولة سيطرة نموذج ثقافي على حساب آخر، فصارت تنبعث اليوم مفاهيم جديدة، تأخذ صورة إشكاليات الهوية والخصوصية والأصالة، فيما يعيش مثل المجتمع الزنجباري، بنصفيه العربي والإفريقي، زمنين متناقضين في القيم والثقافة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق