الخميس، 16 يناير 2025

السّعادة المفقودة في حياة النّاس!

 

السّعادة المفقودة في حياة النّاس!

أستاذ علوم سياسية واستشرافية

السعادة ليست اللّذَّة تلك التي قد تحصل عليها للحظات في حياتك بعد الظَّفر ببعض الشَّهوات من مِلكِكَ للأشياء أو الزّوجات أو الأبناء أو الطّعام ثم ما تلبث أن تفقدها لفترات طويلة أو يتبعها مُنغِّصات تُكدِّر عليكَ حياتَكَ؛ إنّما السّعادة عُمْرٌ تامّ وكامل،


ولن تحصل عليها إلا بسبيل واحد وهو البيعة التّامَّة والكاملة لله.

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ}.


والبيعة لا تعنى الموت ولا التّخلُّص من المال، ولا التوقُّف عن تلبية رغباتك، ولا حتى قضاء وطرًا من شهواتك، ولا توقُّفكَ عن العمل،


ولا غيرها من الممارسات الحياتيّة؛ وإنّما فعل كلّ ذلك وفق ما شرع الله.

وبالبيعة تتخلَّص من الخوف على الثَّمرات، لأنّ سرّ التّعاسة يسبق كلّ عمل بالخشية من عدم فلاحه أو تلف ثمراته وعدم تحقيق النّتائج المرجوّة منه؛

وتلك الثّمرات والنّتائج بالطبيعة تخلّصكَ من تحمُّل مسؤوليّاتها، لأنّها لمَن بِعتَ له -سبحانه وتعالى- كمَن يعمل بشركة يتمنٍى لها الرّبح، ولكنّه لن يتحمّل خسائرها.

بِعْ لتسعد في الدُّنيا والآخرة

فحقيقة البيعة وبمعناها العميق التخلُّص من تحمُّل مسؤولية الثّمرات ونتائج الأفعال والأقوال، وهذا الحمل الثّقيل هو سرّ تعاسة ابن آدم في الدُّنيا؛


فالمؤمن الذى باع لن يموت إلا بأجله، ولن يتوقّف عن ممارسة حياته، وقضاء شهوته، وتلبية غرائزه،

ولكنّها وفق ما شرع له، وبالقدر الذي لا يتجاوز الحلال.

قال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۖ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}

[سورة هود: 108].

جاء في التفسير 👈 وأمّا الذين رزقهم الله السّعادة فيدخلون الجنة خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض،

إلا الفريق الذي شاء الله تأخيره، وهم عصاة الموحِّدي

فإنّهم يبقون في النار فترة من الزمن، ثم يخرجون منها إلى الجنة بمشيئة الله ورحمته،ويعطي ربّك هؤلاء السُّعداء في الجنة عطاء غير مقطوع عنهم.


وأمّا الذين سعدوا أي: الذين بايعوا وباعوا في الدُّنيا فسعدوا في الدنيا، وسعادتهم لا تنقطع بالموت، ولا بعده خلافًا لعُصاة المؤمنين.


بِعْ لتسعد في الدُّنيا والآخرة

ولهذا هؤلاء الذين باعوا لا ينتقَص من سعادتهم شيء في الدُّنيا سواء في مرض أو فقر أو غربة أو عاشوا تحت بطن الأرض وفي قبضة أعدائهم،

لأنّ السّعادة كلِبَاس للرّوح تلبسه عند صدق البيع والبيعة مع الله، وهي كحفلة تتويج لتلك الرّوح التي انتصرت،وتعيش بعد البيع كأي آدَميّ آخر، وتفعل ما يفعلونه، ولكنّها ليست مثلهم؛ والبيع لا يمنع المرض ولا الفقر ولا الغنى ولا الغربة ولا أيّ ممّا قد يصيب ابن آدم من الآفات،

ولكنّها تجعل كلّ تلك الأمور في نصابها تصيب جسد هو في الحقيقة يموت كلّ يوم في نومه مكرهًا أو مجبولًا أو مختارًا لا فرق،

ويصيب ابن آدم في عمره مرّات بالآفات التي تبلغه لحظة الموت ثمّ يلطف به الله، ويحييه ويعيد له عافيته،ليدرِّبه على البيع لله، ويهون أمر البيع عليه، لأنّه كالفِطام للطّفل من رضاع مرضعته.

فيا عبد الله بِعْ، لتسعد في الدّنيا والآخرة؛ فالبيع لا يعني الموت أو الإقدام عليه، فكم من بائعٍ عاش مائة عام في السّعادة بعد البيع؛ فالبيع بالعودة لأحكام الطُّفولة بلا مسؤولية عن ثمار التّصرُّفات والأعمال، وهي السّعادة التامّة في الدّنيا،

وليس هناك صورة للسّعادة غير الطّفولة، ولن تحصل عليها إلا ببيع النّفس والمال لله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق