معارك سيد قطب 2/2 “في ميادين التفكير والتكفير”
رئيس الهيئة العالمية لأنصار النبيﷺ ، وعضو مجلس الأمناء بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.الحاكمية والجاهلية هما السبب الرئيس فيما يوجّه للأستاذ سيد قطب من نقد أو بخس، نظرًا لتركيزه على مصطلح الحاكمية، وإبرازه لقضية الجاهلية، وبعض هؤلاء المخالفين حسن النية، لكنه أُتي من قلة بضاعته في اللغة العربية وآدابها، لاسيما وهو يقرأ لرجل أجمع المحب والكاره على ريادته الأدبية، وأنه من أساطين النقد الأدبي في عصره، فقد كان من أبرز مريدي الأستاذ الكبير عباس العقاد والمدافعين عنه، بل والمتعصبين له، فقد قال في معرض حديثه عن إمارة الشعر: “أمير الشعراء وصف لا يطلق على العقاد”، في إشارة منه إلى أنه أكبر من هذا اللقب!
والأستاذ سيد قطب من أوائل من نوهوا بموهبة الكاتب الكبير نجيب محفوظ، وكتب عن نبوغه مبكرًا أربع مقالات، كان الثاني منها عن رواية “خان الخليلي”، وهو منشور في عدد مجلة الرسالة 649 الصادر في 10 ديسمبر 1945، وعبر فيه عن حماسه لنجيب محفوظ وفنه، وبشر بموهبة الفنان الروائي الذي عانى من صمت نقدي طويل، وجاء في ظل حالة من الإهمال الشامل له ولأدبه الروائي، استمرت منذ الثلاثينيات حتى أوائل الأربعينيات. ودشن سيد قطب مرحلة الانتباه إلى محفوظ في بداية الأربعينيات، كما ذكر الأستاذ رجاء النقاش في كتابه “في حب نجيب محفوظ”، وذكر فيه أن المقال الثالث كتبه سيد قطب عن رواية “القاهرة الجديدة” ونشره في مجلة الرسالة أيضًا في ديسمبر 1946 ضمن ثنايا العدد 704.
نجيب محفوظ يتغزل في كتاب التصوير الفني في القرآن
ومجلة الرسالة نفسها نشرت في العدد (616) الصادر في 23 إبريل 1945 مقالًا جميلًا مفصلًا للكاتب نجيب محفوظ، تغزّل فيه في كتاب الأستاذ سيد قطب “التصوير الفني في القرآن”، ووصف الكتاب بقوله: “إنه فتح الله عليك من سحر هذا الفيض الإلهي”، وأضاف بأن القرآن “بارك مجهودك فرفعك إلى مرتقى يتعذر أن يبلغه ناقد بغير بركة القرآن”. وكتب نجيب محفوظ أيضًا عن مكانة سيد قطب الأدبية، وذلك بعد أن زاره عقب خروجه من المعتقل بعفو صحي عام 1964، قبل أن يُعاد اعتقاله ويحكم عليه بالإعدام. ومما جاء في الشهادة التي كتبها محفوظ عام 1966: “ذهبت إليه رغم معرفتي بخطورة الزيارة وما يمكن أن تسببه لي من مشاكل أمنية.. ورغم الخلاف الفكري بيننا، أعتبره -أي قطب- صديقًا وناقدًا أدبيًا كبيرًا، وكان له فضل السبق في الكتابة عني، ولفت الأنظار إليّ في وقت تجاهلني فيه النقاد الآخرون”.
ومن العجيب أن الغلاة من الأدباء والدعاة لا يروق لهم ذكر ذلك أو التنويه به، حيث يرى جفاة الدعاة أن سيد قطب أعلى منزلة وأرفع درجة، فقد غادر ساحة الأدباء إلى محيط العلماء، وليس في حاجة إلى تزكية من روائي. وغلاة الأدباء لا يرون لسيد قطب منقبة أو مزية بعدما أصبح واحدًا من رموز الإسلاميين ومنظرًا لهم، وهذا حال المتطرفين في كل حين. وهذا يذكرني بأمر اتفق الإخوان المسلمون ودولة الضباط على إخفائه، ولكل وجهة هو موليها، حول انتماء جمال عبد الناصر للإخوان المسلمين ومبايعته رسميًا في عام 1944م، واستمرار التعاون بينهم حتى إزاحة الملك فاروق في 1952م، ثم انقلب عليهم بعد ذلك، واستمرت ثنائية العداوة بين خلفاء الطرفين حتى الآن. وبقيت المعلومة مكتومة من الطرفين، فالناصريون لا يقبلون أن تكون هذه بداية الزعيم الملهم، والإخوان يرونها الخديعة الكبرى والمحنة العظمى التي تعرضوا لها في مسيرتهم، وقبل أن يلتئم الجرح لُدغوا من نفس الجحر حتى أدمنوا سم الأفاعي!
هذا بالنسبة للحاكم والحاكمية عند سيد قطب. أما مصطلح الجاهلية الذي يتكرر في كلامه، فقد سعى خصومه لإثبات لوازمه على الأستاذ سيد، وتحميله هو سوء فهمهم لمراده وأبعاد خطابه، وأبرزوا المصطلح وكأنه من ابتكار سيد قطب، وأنه ينطوي على تكفير المجتمع من خلال هذا الوصف، من باب أن الإسلام يقابل الجاهلية. والحقيقة أن المصطلح تكرر في القرآن الكريم أربع مرات، وسيد قطب يرى أن كل مجتمع له سمات تميزه وعلامات تدل عليه. فإذا كان الأذان هو شعار الإسلام، فإن السفور أو الربا هو شعار الجاهلية. وليس وجود صورة أو صفة من صفات الجاهلية يعني أن المجتمع صار مرتدًا، وأن أفراده من الكفار.
فقد قال رسول الله ﷺ لصاحبه أبي ذر الغفاري عندما غلبته العصبية: “إنك امرؤ فيك جاهلية”. وأضاف رسول الله ﷺ في خطبة الوداع الربا إلى الجاهلية، فقال: “ألا إن ربا الجاهلية موضوع”. ولم يقل أحد بكفر المرابي إلا من قال بكفر مرتكب الكبيرة كالخوارج.
المرات الأربعة التي ذكر القرآن فيها مصطلح الجاهلية، حددت الأركان الأربعة التي يقوم عليها الفساد، ويترتب عليها هلاك الأمم:
فساد العقيدة والقلب
قال الله تعالى:
{وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ۗ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ ۖ …} [آل عمران: 154]
فساد الحكم والقضاء
قال الله تعالى:
{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [النساء: 50]
فساد الأخلاق والقيم
قال الله تعالى:
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]
فساد العنصرية والتعصب
قال الله تعالى:
{إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الفتح: 26]
الجاهلية
كلما فشت هذه السمات في مجتمع من المجتمعات، اقترب من صورة الجاهلية التي عادت ملامحها بين الناس، وكلما رقت علاقة المجتمع بالدين وأحكامه، قويت صلته بصفات الجاهليين وأفعالهم. فإن الحكم بغير ما أنزل الله ارتكاس في حمأة قوانين الجاهلية، وظهور السفور ورفض الحشمة من المقاصد التي تقاتل عليها الجاهلية الحديثة، وشيوع العنصرية هو مقياس تمكن العصبية الجاهلية في المجتمعات الحالية. هذا هو ملخص ما استخلصه سيد قطب من مصطلح الجاهلية في سياقاته القرآنية.
الأستاذ سيد قطب مجدد في عالم الفكر، والأفكار ميدانها الأخذ والرد، وعرضة للصواب والخطأ:
من ذا الذي ما ساء قط… ومن له الحسنى فقط؟
ولكن الخطأ في أن يُلتمس للبرءاء العيب، ويُعابون بما هم منه براء. فإن إلصاق تهمة تكفير المجتمع بالأستاذ سيد ظهرت في حياته ونفاها جازمًا بقوله:
“إننا لم نكفّر الناس، وهذا نقل مشوه، إنما نحن نقول إنهم صاروا من ناحية الجهل بحقيقة العقيدة وعدم تصور مدلولها الصحيح، والبعد عن الحياة الإسلامية إلى حال تشبه المجتمعات في الجاهلية، وأنه من أجل هذا لا تكون نقطة البدء في الحركة هي قضية إقامة النظام الإسلامي، ولكن تكون إعادة زرع العقيدة والتربية الأخلاقية الإسلامية.. فالمسألة تتعلق بمنهج الحركة الإسلامية أكثر مما تتعلق بالحكم على الناس”.
ونقل عنه هذا الكلام وأمثاله عدول ثقات، ممن صحبوا سيد قطب وعاشوا معه، ومنهم من يعيش بيننا حتى الآن، وممن كتب ردود الأستاذ سيد قطب على نسبته للتكفير السيدة زينب الغزالي في حوار لمجلة المجتمع عام 1982م، والأستاذ عبد الحليم خفاجي في كتابه “عندما غابت الشمس”، كما ذكره الأستاذان سيد نزيلي وأحمد عبد المجيد لجريدة الشعب في نوفمبر 1986م.
شبهة جماعات التكفير
بقيت شبهة أن بعض جماعات التكفير اعتمدت في أفكارها على كتابات سيد قطب. والرد على ذلك من وجهين:
الأول: أن صاحب الفكر المتطرف اعتمد أيضًا على آيات قرآنية أساء تفسيرها، وأحاديث نبوية لم يُدرك حقيقة معانيها، وكذلك طوّع سطور سيد قطب لتوافق هواه.
الثاني: من عبقرية سيد قطب المتفردة أن القارئ يرى نفسه في كلماته، ويجد قلبه بين سطوره. وكل صاحب علم أو فكر يرى أن سيد يكتبه هو، ويعبر عما يجيش في حناياه، وكم من معنى تردد في النفس وانعقد اللسان عن صياغته، وجدته مع النظرات الأولى في صفحات “الظلال”، وعندها يهتف كل مطالع قائلًا: هذا ما كنا نبغ.
عاش سيد قطب ستين سنة، ومر على إعدامه مثلها، وكان في الستين الثانية أرفع ذكرًا وأعظم أثرًا، وتحقق ما رثى به نفسه عندما قال: “إن كلماتنا ستبقى ميتةً لا حراك فيها هامدةً، أعراسًا من الشموع، فإذا متنا من أجلها انتفضت وعاشت بين الأحياء، كل كلمة قد عاشت كانت قد اقتاتت قلب إنسان حي فعاشت بين الأحياء”.
رحم الله من عاش سيدًا وبقي قطبًا.
الحاكمية والجاهلية هما السبب الرئيس فيما يوجّه للأستاذ سيد قطب من نقد أو بخس، نظرًا لتركيزه على مصطلح الحاكمية، وإبرازه لقضية الجاهلية، وبعض هؤلاء المخالفين حسن النية، لكنه أُتي من قلة بضاعته في اللغة العربية وآدابها، لاسيما وهو يقرأ لرجل أجمع المحب والكاره على ريادته الأدبية، وأنه من أساطين النقد الأدبي في عصره، فقد كان من أبرز مريدي الأستاذ الكبير عباس العقاد والمدافعين عنه، بل والمتعصبين له، فقد قال في معرض حديثه عن إمارة الشعر: “أمير الشعراء وصف لا يطلق على العقاد”، في إشارة منه إلى أنه أكبر من هذا اللقب!
والأستاذ سيد قطب من أوائل من نوهوا بموهبة الكاتب الكبير نجيب محفوظ، وكتب عن نبوغه مبكرًا أربع مقالات، كان الثاني منها عن رواية “خان الخليلي”، وهو منشور في عدد مجلة الرسالة 649 الصادر في 10 ديسمبر 1945، وعبر فيه عن حماسه لنجيب محفوظ وفنه، وبشر بموهبة الفنان الروائي الذي عانى من صمت نقدي طويل، وجاء في ظل حالة من الإهمال الشامل له ولأدبه الروائي، استمرت منذ الثلاثينيات حتى أوائل الأربعينيات. ودشن سيد قطب مرحلة الانتباه إلى محفوظ في بداية الأربعينيات، كما ذكر الأستاذ رجاء النقاش في كتابه “في حب نجيب محفوظ”، وذكر فيه أن المقال الثالث كتبه سيد قطب عن رواية “القاهرة الجديدة” ونشره في مجلة الرسالة أيضًا في ديسمبر 1946 ضمن ثنايا العدد 704.
نجيب محفوظ يتغزل في كتاب التصوير الفني في القرآن
ومجلة الرسالة نفسها نشرت في العدد (616) الصادر في 23 إبريل 1945 مقالًا جميلًا مفصلًا للكاتب نجيب محفوظ، تغزّل فيه في كتاب الأستاذ سيد قطب “التصوير الفني في القرآن”، ووصف الكتاب بقوله: “إنه فتح الله عليك من سحر هذا الفيض الإلهي”، وأضاف بأن القرآن “بارك مجهودك فرفعك إلى مرتقى يتعذر أن يبلغه ناقد بغير بركة القرآن”. وكتب نجيب محفوظ أيضًا عن مكانة سيد قطب الأدبية، وذلك بعد أن زاره عقب خروجه من المعتقل بعفو صحي عام 1964، قبل أن يُعاد اعتقاله ويحكم عليه بالإعدام. ومما جاء في الشهادة التي كتبها محفوظ عام 1966: “ذهبت إليه رغم معرفتي بخطورة الزيارة وما يمكن أن تسببه لي من مشاكل أمنية.. ورغم الخلاف الفكري بيننا، أعتبره -أي قطب- صديقًا وناقدًا أدبيًا كبيرًا، وكان له فضل السبق في الكتابة عني، ولفت الأنظار إليّ في وقت تجاهلني فيه النقاد الآخرون”.
ومن العجيب أن الغلاة من الأدباء والدعاة لا يروق لهم ذكر ذلك أو التنويه به، حيث يرى جفاة الدعاة أن سيد قطب أعلى منزلة وأرفع درجة، فقد غادر ساحة الأدباء إلى محيط العلماء، وليس في حاجة إلى تزكية من روائي. وغلاة الأدباء لا يرون لسيد قطب منقبة أو مزية بعدما أصبح واحدًا من رموز الإسلاميين ومنظرًا لهم، وهذا حال المتطرفين في كل حين. وهذا يذكرني بأمر اتفق الإخوان المسلمون ودولة الضباط على إخفائه، ولكل وجهة هو موليها، حول انتماء جمال عبد الناصر للإخوان المسلمين ومبايعته رسميًا في عام 1944م، واستمرار التعاون بينهم حتى إزاحة الملك فاروق في 1952م، ثم انقلب عليهم بعد ذلك، واستمرت ثنائية العداوة بين خلفاء الطرفين حتى الآن. وبقيت المعلومة مكتومة من الطرفين، فالناصريون لا يقبلون أن تكون هذه بداية الزعيم الملهم، والإخوان يرونها الخديعة الكبرى والمحنة العظمى التي تعرضوا لها في مسيرتهم، وقبل أن يلتئم الجرح لُدغوا من نفس الجحر حتى أدمنوا سم الأفاعي!
هذا بالنسبة للحاكم والحاكمية عند سيد قطب. أما مصطلح الجاهلية الذي يتكرر في كلامه، فقد سعى خصومه لإثبات لوازمه على الأستاذ سيد، وتحميله هو سوء فهمهم لمراده وأبعاد خطابه، وأبرزوا المصطلح وكأنه من ابتكار سيد قطب، وأنه ينطوي على تكفير المجتمع من خلال هذا الوصف، من باب أن الإسلام يقابل الجاهلية. والحقيقة أن المصطلح تكرر في القرآن الكريم أربع مرات، وسيد قطب يرى أن كل مجتمع له سمات تميزه وعلامات تدل عليه. فإذا كان الأذان هو شعار الإسلام، فإن السفور أو الربا هو شعار الجاهلية. وليس وجود صورة أو صفة من صفات الجاهلية يعني أن المجتمع صار مرتدًا، وأن أفراده من الكفار.
فقد قال رسول الله ﷺ لصاحبه أبي ذر الغفاري عندما غلبته العصبية: “إنك امرؤ فيك جاهلية”. وأضاف رسول الله ﷺ في خطبة الوداع الربا إلى الجاهلية، فقال: “ألا إن ربا الجاهلية موضوع”. ولم يقل أحد بكفر المرابي إلا من قال بكفر مرتكب الكبيرة كالخوارج.
المرات الأربعة التي ذكر القرآن فيها مصطلح الجاهلية، حددت الأركان الأربعة التي يقوم عليها الفساد، ويترتب عليها هلاك الأمم:
فساد العقيدة والقلب
قال الله تعالى:
{وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ۗ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ ۖ …} [آل عمران: 154]
فساد الحكم والقضاء
قال الله تعالى:
{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [النساء: 50]
فساد الأخلاق والقيم
قال الله تعالى:
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]
فساد العنصرية والتعصب
قال الله تعالى:
{إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الفتح: 26]
الجاهلية
كلما فشت هذه السمات في مجتمع من المجتمعات، اقترب من صورة الجاهلية التي عادت ملامحها بين الناس، وكلما رقت علاقة المجتمع بالدين وأحكامه، قويت صلته بصفات الجاهليين وأفعالهم. فإن الحكم بغير ما أنزل الله ارتكاس في حمأة قوانين الجاهلية، وظهور السفور ورفض الحشمة من المقاصد التي تقاتل عليها الجاهلية الحديثة، وشيوع العنصرية هو مقياس تمكن العصبية الجاهلية في المجتمعات الحالية. هذا هو ملخص ما استخلصه سيد قطب من مصطلح الجاهلية في سياقاته القرآنية.
الأستاذ سيد قطب مجدد في عالم الفكر، والأفكار ميدانها الأخذ والرد، وعرضة للصواب والخطأ:
من ذا الذي ما ساء قط… ومن له الحسنى فقط؟
ولكن الخطأ في أن يُلتمس للبرءاء العيب، ويُعابون بما هم منه براء. فإن إلصاق تهمة تكفير المجتمع بالأستاذ سيد ظهرت في حياته ونفاها جازمًا بقوله:
“إننا لم نكفّر الناس، وهذا نقل مشوه، إنما نحن نقول إنهم صاروا من ناحية الجهل بحقيقة العقيدة وعدم تصور مدلولها الصحيح، والبعد عن الحياة الإسلامية إلى حال تشبه المجتمعات في الجاهلية، وأنه من أجل هذا لا تكون نقطة البدء في الحركة هي قضية إقامة النظام الإسلامي، ولكن تكون إعادة زرع العقيدة والتربية الأخلاقية الإسلامية.. فالمسألة تتعلق بمنهج الحركة الإسلامية أكثر مما تتعلق بالحكم على الناس”.
ونقل عنه هذا الكلام وأمثاله عدول ثقات، ممن صحبوا سيد قطب وعاشوا معه، ومنهم من يعيش بيننا حتى الآن، وممن كتب ردود الأستاذ سيد قطب على نسبته للتكفير السيدة زينب الغزالي في حوار لمجلة المجتمع عام 1982م، والأستاذ عبد الحليم خفاجي في كتابه “عندما غابت الشمس”، كما ذكره الأستاذان سيد نزيلي وأحمد عبد المجيد لجريدة الشعب في نوفمبر 1986م.
شبهة جماعات التكفير
بقيت شبهة أن بعض جماعات التكفير اعتمدت في أفكارها على كتابات سيد قطب. والرد على ذلك من وجهين:
الأول: أن صاحب الفكر المتطرف اعتمد أيضًا على آيات قرآنية أساء تفسيرها، وأحاديث نبوية لم يُدرك حقيقة معانيها، وكذلك طوّع سطور سيد قطب لتوافق هواه.
الثاني: من عبقرية سيد قطب المتفردة أن القارئ يرى نفسه في كلماته، ويجد قلبه بين سطوره. وكل صاحب علم أو فكر يرى أن سيد يكتبه هو، ويعبر عما يجيش في حناياه، وكم من معنى تردد في النفس وانعقد اللسان عن صياغته، وجدته مع النظرات الأولى في صفحات “الظلال”، وعندها يهتف كل مطالع قائلًا: هذا ما كنا نبغ.
عاش سيد قطب ستين سنة، ومر على إعدامه مثلها، وكان في الستين الثانية أرفع ذكرًا وأعظم أثرًا، وتحقق ما رثى به نفسه عندما قال: “إن كلماتنا ستبقى ميتةً لا حراك فيها هامدةً، أعراسًا من الشموع، فإذا متنا من أجلها انتفضت وعاشت بين الأحياء، كل كلمة قد عاشت كانت قد اقتاتت قلب إنسان حي فعاشت بين الأحياء”.
رحم الله من عاش سيدًا وبقي قطبًا.


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق