الأحد، 1 سبتمبر 2013

توقيت ضرب أمريكا لسوريا.. مصالح أم مبادئ؟!

توقيت ضرب أمريكا لسوريا.. مصالح أم مبادئ؟!


01-09-2013

بقلم: د. صلاح الدين سلطان
يتردد السؤال الحائر المتحشرج في الصدور والغصة في الحلوق: لماذا تضرب أمريكا وحلفاؤها سوريا الآن؟ وهل الموضوع سببه المصالح الخاصة للغرب، أم المبادئ والقيم الأخلاقية والإنسانية؟

وسوف أجيب عن هذا السؤال بلغتين ديانة وسياسة: لغة الديانة لتقنع المؤمنين بالقرآن تأسيسًا، ولغة السياسة لمن تغريهم وتقنعهم الوقائع والأرقام، وإن كانت هذه اللغة مفيدة للمؤمنين ترسيخًا لا تأسيسًا؛ وفق قوله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم لما طلب: (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (البقرة: من الآية 260).

أولاً: لغة الديانة لأصحاب الإيمان بالوحي الرباني
سوف أورد هنا نصوصًا قطعية الدلالة والثبوت معًا مما لا يختلف في فهمها اثنان ولا تنتطح فيها عنزان، حول تصور قرارات غير المسلمين عامة نحو المسلمين إلا استثناءات تذكر في موضع آخر.

من هذه النصوص ما يلي:
1.                       قوله تعالى (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (البقرة: 105)، وقد جاءت الصيغة حصرية بأدق وأحكم عبارات اللغة العربية، وهي ما يسميها الأصوليون "النكرة في سياق النفي تُعمّ"، بمعني أن كلمة "خير" نكرة مسبوقة بالنفي في أول الآية بكلمة "ما" وزادت كل عناصر التوكيد بالحرف "من" يعني لا يتمنى الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين جنس الخير مهما قل للمسلمين.

2.                       قوله تعالى (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) (البقرة: من الآية 217)، أيضا جاءت كلمة "لا يزالون" لتدل على الاستمرار مع أنه من الأفعال النادرة التي تفيد الاستمرار حتى لو جاء في الماضي "لا زال" فأورده الله تعالى بالمضارع المفيد قطعا الاستمرار في الماضي والحاضر والمستقبل، وهذا الإصرار جماعي وليس فرديا، ويقاتلونكم وليس فقط يفتنونكم، أو يجهدونكم أو يضايقونكم، بل هو القتال بكل ما تعنيه كلمة الله تعالى، والغاية والمقصد الواضح الجلي هو"حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا" واستطاعوا تفيد بذل أقصى ما لديهم من قوة ليردونا عن ديننا، فالحرب هنا قطعية على المسلمين لإسلامهم.

3.                       قوله تعالى (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ) (التوبة: 8)، وهنا بشكل قطعي يبين ربنا أن المشركين جميعا ومنهم أهل الكتاب إذا تغلبوا وصارت لهم الدولة والجولة، والريادة والقيادة، والسطوة والقوة، لن يراعوا فيكم عهدا ولا ميثاقا، ولا خلقًا ولا رحمة، ولا عطفًا ولا شفقة، بل يحذرنا الله من معسول الكلام منهم، فننخدع بهم كما يحدث من غالبية أمتنا عندما تدعُ القرآن وراءها ظاهريا، لكن هؤلاء لو حاولوا إرضاءنا بكلمات ووعود فإن الله تعالى علام الغيوب يخبرنا أن قلوبهم تأبي أن تميل إلينا، إباءً لا يستطيعون تحويل قلوبهم نحونا كمسلمين.

4.                       قوله تعالى (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (التوبة: 32)، يخبرنا الله هنا في سورة التوبة أنهم "يريدون" بالفعل المضارع الذي يفيد بدلالة قطعية الاستمرار أن يطفئوا نور الله وهو الإسلام، فالحرب هنا واضحة على الإسلام نفسه، وهنا نجد أن التعبير يدل على فعل مضاد للإسلام للإجهاز عليه، إطفاءً كاملاً، ويتكرر المعنى نفسه في سورة الصف في قوله تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (الصف: 8)، والفرق أن آية الصف أضافت إلى الفعل الحادث في الحال لإطفاء نور الله في سورة التوبة بأن هناك مخطط إضافي للمستقبل للقضاء على الإسلام، يتضح ذلك من لام الغائية والمقاصدية في الكلمة "ليطفئوا"، وبجمعهما نتيقن في كل لحظة أن هناك فعلاً منهم الآن لإطفاء نور الله، كما أن هناك مخططًا مستقبليًّا لذلك لكن الله طمأننا أنه فعل أهوج لن يصل لقصده؛ حيث يستحيل إطفاء نور الله بالأفواه، والوعد قطعي أن الله سيحفظ دينه بقوله تعالى: (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) (التوبة: من الآية 32) في التوبة، (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ) (الصف: من الآية 8) في الصف بما يطمئن الوَجِلين على هذا الدين.

5.                       قوله تعالى (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) (البقرة: 120)، وهنا تتضح أهداف ومقاصد الحرب منهم بما لايدع للشك مجالاً إلا لدى من لا يصدقون كلام الله تعالى كفرًا وعنادًا؛ حيث يبين الله تعالى أن اليهود والنصارى لن يرضوا عنا بأية تنازلات إلا برٍدَّتنا عن ديننا لو تمكّنوا من ذلك، فلو خضعت لهم كل رقابنا، ومنحناهم كل ثرواتنا وأرضنا، بل لو سلمناهم أطفالنا ونساءنا- لاقدر الله- فلن يرضوا إلا بشيء واحد هو الارتداد عن الإسلام العظيم.

والحق أن النصوص كثيرة وغفيرة لكني أردت أن أورد غيضًا من فيض، ويكفي لصاحب الإيمان بالله ربًا، وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا أن تتلُوَ له آية واحدة ليقول بملء القلب واللسان: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) (البقرة: 285).

فإن قيل أينفي هذا ما ورد بسورة الممتحنة (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة: 8)، أن منهم من لم يقاتلونا ولم يخرجونا من ديارنا، فأقول: إن الله تعالى عبَّر بالحرف "لم" وليس "لن" كما عبر مراراعن استمرار قتالهم حتى يردونا عن ديننا، وعدم الرضا إلا بالردة عن ديننا، وهنا نجمع بين النصين بأن من رضخ وتابع النظام العام ولم يقاتل لعدم القدرة أو الخوف من قوة المسلمين فهؤلاء يجب لهم البر في أعلى الدرجات، والقسط في الحد الأدنى ، وهو إغراء لهم أن يعيشوا بين المسلمين دون مؤامرات فينالون من المسلمين البر والعدل.

ومن صفات اليهود في السنة النبوية المكر والخداع وسوء الأدب والكذب والحقد والكراهية والغرور والتكبر، وغير ذلك من صفات يمكن مراجعتها بأدلتها في كتاب (اليهود في السنة المطهرة) للدكتور/ عبدالله بن ناصر بن محمد الشقاري، ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما بالسند إلى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر يهودي برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السام عليك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وعليك", فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تدرون ما يقول"؟ قال: "السام عليك", قالوا يا رسول الله, ألا نقتله؟ قال: "لا". قال: "إذا سلم عليكم أهل الكتاب, فقولوا: وعليكم".

إذن النصوص الشرعية من قرآن وسنة صحيحة قد تضافرت على أن المشركين لو حكموا وتغلبوا لن يرقبوا فينا إلاًّ ولا ذمة ولا عهدًا ولا ميثاقًا.

فهل يظن مسلم مؤمن بما أنزل الله من كتاب محكم وسنة صحيحة أن أمريكا وحلفاءها جاءوا من أجل عيون الشعب السوري المنكوب من جزار الأسد؟
يا قوم بقية من عقل أودين!
ثانيًا: لغة السياسة لمن يؤمن بالواقع ولغة الأرقام

وهنا أُقدِّم مدخلاً سريعًا مفاده أن د. محمد مرسي رئيس جمهورية مصر حدثني في لقاء أوائل يونيو 2013م أنه رفض 3 مرات طلب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ضرب أمريكا لسوريا؛ لأنه توقع ضرب الجيش والشعب السوري معًا دون المساس ببشار ونظامه؛ وذلك خشية نجاح المقاومة، فيسيطرون على السلاح السوري، ويتحقق الخطر على بني صهيون، ونكون قد هدمنا الجيش السوري القوي، وأنهكنا الشعب السوري، ولم نحقق مصلحة لسوريا ولا الأمة العربية بل المصلحة العليا لـ"إسرائيل" فقط، وهذه أهم مصلحة للغرب كله.

أما الجوانب التي تؤكد أن ضرب سوريا الآن هي مصالح لهم لا مبادئ وقيم الإنسانية فمنها ما يلي:
1.                 منذ سنتين ونصف قتل جزار الأسد وشبيحته في سوريا فوق الـ200 ألف، وليس كما يعلن 100 ألف، وجَرح قرابة المليون، وشَرَّد خارج سوريا ثلاثة ملايين، وشرَّد في الداخل سبعة ملايين، وحطم جزار الأسد كل مقومات البلد فلماذا الآن برز الملف السوري على السطح؟! هل لأجل المبادئ أم المصالح؟!

2.                 إن حوادث القتل بالكيماوي حدثت بسوريا من قبل 63 مرة، وهي- رغم بشاعتها- أكثر رحمة للفريسة من القتل بالمنشار الكهربائى، كما رأينا مرارًا، والأكثر بشاعة هو هتك عرض البنت والزوجة والأم والأخت أمام الآباء والأبناء والأزواج والإخوة، وبعد هتك العرض تقتل الفريسة وأهلها بعد تناوب الأعداد الغفيرة على المسكينة التي لم تجد عربيًّا شهمًا في النظام العربي أو الإسلامي أو الإنساني ينقذها، وكل حالة قتلت لها قصة ليست فقط مؤلمة بل مهينة للكيان الإنساني، وكلنا رأى وسمع عن سلخ الجلود وقطع الأعضاء التناسلية للرجال، وفصل الرءوس عن الأجساد ذبحا مرة بالسكين وأخرى بالمنشار، وقد زرت- مع وفد من رابطة علماء أهل السنة- اللاجئين السوريين بالأردن في مخيم بالرمثة على الحدود مع سوريا من ناحية درعا، فقال أحد اللاجئين: قتلوا ولدي أمامي بالرصاص لأنه فقط هتف بعد صلاة الجمعة مع الكثير مستعدين للخروج سلميًّا بعد الصلاة، ودفنتُ ولدي، وفي الجمعة التالية خرج ولدي الثاني بعد الصلاة مع الشباب، وأمسكه شبيحة الأسد وذبحوه بالسكين أمامي كالنعاج، وقالوا نحن تكرَّمنا عليك الأسبوع الماضي فسلّمناك جثة أخيه لكنا اليوم لن نعطيك الجثة بل سنأخذه لنقطعه إربًا ونرميه في القمامة؛ لتكونوا عبرة لغيركم، لكن الشعب السوري الأبي تحدى أهل العار والشنار والمنشار وضرب الكيماوي والنار وأكمل المشوار، ولو ذكرت شواهد محدودة فلا يكفيني سِفر كامل لهذه المخازي الرهيبة التي قام بها جزار الأسد؛ مما يوجب- من الأيام الأولى- تحركًا عمليًّا حربيًّا للجامعة والجيوش العربية، والأحلاف العسكرية وهيئة الأمم لو كانت لها مبادئ عربية أو إسلامية أو حتى إنسانية.

3.                 يجب أن يكون ردع الظالم مع أول استغاثة كما كان العرب في الجاهلية يدينون بقول الشاعر قريط بن أنيف:
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم        قاموا إليه زرافات ووحدانا
لا يسألون أخاهم حين يندبهم         في النائبات على ما قال برهانا

والأمر يشبه في إغاثة الملهوف ونجدة الضعيف مثل المصاب في حادث يحتاج إلى طبيب لوقف النزيف المنهمر فورًا، فليس من المعقول أن يترك الطبيبُ المصابَ ينزف حتى يموت ثم يأتي الطبيب ليكتب شهادة الوفاة، أو قبل الموت ليكون مشلولاً مدى الحياة!!!

والسؤال الهام جدًّا لماذا فجأة انتفض الأطباء النبلاء في أمريكا وبريطانيا وفرنسا والأحلاف لضرب سوريا؟

هل هذا شهامة لإنقاذ الغلابة المستضعفين في سوريا؟ فلماذا كانت الشهامة في إجازة طوال سنتين ونصف؟!!! فلو كانت المسألة متعلقة بالمبادئ لدى أمريكا أو بريطانيا والحلفاء أو ما يسمى بالمجتمع الدولي لتحرك ضمير العالم منذ صرخات الأطفال والنساء والشباب والعجزة منذ شهر مارس 2011م لكن أصحاب المبادئ والقيم لا يصابون بحالة من تخدير الوعي الأخلاقي، ثم تحدث لهم إفاقة مفاجئة فينتصرون للغلابة، ربما جاءوا – في زعمهم – لكتابة شهادة الوفاة للثورة السورية بكل نبوغها وتضحياتها.

5- هل الكارثة في القتل بالكيماوي أنه كبير عدديا هذه المرة؟ والجواب لا يمكن طبعا، لأن هناك أياما سوداء وليالي ظلماء قُتل فيها أكثر من ألف وخمسمائة، وأقسم لي أحد العلماء السوريين فقال: والله، لقد كانوا يقولون في القنوات قُتل في قريتنا خمسون، وبيدي مع جيراني دفنَّا في اليوم نفسه ثلاثمائة، ودفنّا بعض الشهداء في أماكنهم لأن الشبيحة كانوا يتربّصون بنا، وما الفرق بين أن تقتل ألفا دفعة واحدة أو على ثلاثة أيام متفرقة؟! العرب تقول: تعددت الأسباب والموت واحد.

5- هل يئست الجامعة العربية من تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك منذ بدئها، ومنظمة التعاون الإسلامي منذ تأسيسها، والأنطمة العربية من الحلول السياسية أو العسكرية في سوريا فقدمت شكوى لمجلس الأمن وهيئة الأمم فسارعوا لنجدة أهلنا المظلومين في سوريا؟ طبعًا لا، فأمريكا وحلفاؤها هذه المرة لا تنتظر قرار هيئة الأمم ولا مجلس الأمن والبند السابع ولا العاشر، وإنما الأمر يبدو من خلال تحليلي القادم هو خطة أمريكية لأجل مصالحها مع الصهاينة لا الغلابة في سوريا.

6- هل يفترق الإنسان في مصر عن سوريا؟! وفيهما عن فلسطين أو العراق أو أفغانستان أو بورما أو السودان أو الصومال أو .... ؟! فلماذا لم يتحرك المجتمع الدولي وأمريكا وحلفاؤها نحو ردع الانقلابيين بمصر الذين قتلوا في الأسبوع نفسه على الأقل 5000 وأصيب 15000 بطريقة بشعة جدًّا فيها قتل وحرق للجثث وتجريف لها ضمن القمامة، و.... ؟! ولماذا لم يتحرك هذا الضمير المخدر إلى اليوم، مع أن الأعداد أكثر وطريقة القتل أبشع، فما الفرق بين قتلى مصر وسوريا عند أصحاب المبادئ الإنسانية؟!!!

7- كثيرًا ما سُئلت: متى تتدخل أمريكا وحلفاؤها والمجتمع الدولي كما يسمونه في الملف السوري فكان جوابي دوما عندما يقترب الثوار من النصر، وعندما أجد استغرابا أقول هل نسيتم بسرعة الواقع المعاصر جدًّا؟! والأمثلة كثيرة منها ما يلي:
§  ظل الاتحاد السوفيتي يقتل بشراهة واستعمل الكيماوي كثيرا حتى قتل في أفغانستان مليون شهيد، وجرح ملايين، وشرد الشعب كله، ولما اقتربت كتائب المجاهدين من النصر على السوفييت دخلت أمريكا من خلال الباكستان والسعودية وآخرين، وعقدوا مؤتمر "جنيف" تحت ستار مغشوش يسمى: نجدة الشعب الأفغاني المظلوم، وحرَّشوا بين قادة وقبائل الجهاد، واليوم يحكمهم عميل أمريكي مائة بالمائة وأفغانستان محتلة من الأمريكان، ولا يتحدث أحدٌ عن طائراتهم التي تفعل الشيء نفسه الذي يقوم به جزار الأسد، فمن يحتاج أكثر أن يقف المجتمع الدولي ضده أكثر، حاكمٌ مُختلٌ يقتل شعبه؟ أم وافدٌ محتلٌ يستعبد شعبًا وأرضًا بأكملها؟ كلاهما يجب أن يذهبا للجحيم، المحتل ثم المختل.

§  ظل علي عزت بيجوفيتش رئيس البوسنة يصرخ في العالم- المسمى تجاوزًا المتحضر- مما يفعله الصليبيون الصرب في المسلمين في البوسنة والهرسك، وقتلوا 250 ألفًا، وجرحوا وشردوا الشعب كله، وهتكوا عرض 200 ألف امرأة مسلمة ولم يرحموا من السِفاح والاغتصاب الطفلة بنت ال 6 سنوات أو العجوز بنت التسعين، ونشر التليفزيون الألماني صور الأطفال البوسنويين يضعهم الصرب في خلاطات الأسمنت لفرمهم عجينة بشرية، ولم تتحرك ضمائر أمريكا بقيادة كلينتون ولا حلفائها إلا عندما نقلت المخابرات الأمريكية والغربية أن المسلمين يتقدمون وسيهزمون الصرب، وآنئذ ذهب علي عزت بيجوفيتش للخليج وفي الرياض وقال: لا أريد منكم رجالاً ولا جيوشًا، أسعفوني فقط بنصف مليار دولار لأشتري سلاحًا كي أحسم المعركة، وكان في استطاعة الملك فهد- آنئذ- أو أي أمير أن يُخرج "الفكة" من الجيب الصغير لحسم  المعركة إسلاميًّا وإنسانيًّا، لكن الجميع تجرد من الرجولة والإنسانية، وتركوا أمريكا تتدخل بعقد مؤتمر "دايتون" ولما زرتُ المدينة لمؤتمر إسلامي في أمريكا، قلت: هنا ذُبح الجهاد البوسني بيد أمريكية غربية، وتخاذلٍ عربيٍّ يندى له جبين الإنسانية خجلاً، وآخر زياراتي لسراييفو كانت يوم 25 / 6 / 2013م ورأيت إلى الآن الكنائس لم يصبها المسلمون برصاصة حيث كان المسلمون يحرسونها- وقت هدير الحرب- رغم كل المذابح ضدهم، ولا تزال البوسنة مخطوفة غربيًا في جميع النواحي.

§  والأمر نفسه بكل مآسيه تكرر في الصومال، حتى إذا نجح الإسلاميون في تحقيق الأمن، واشتغل مطار مقدشيو بعد 18 عاما من التوقف، وبدأت بشائر النصر على الأرض دخلت أمريكا وحلفاؤها فأعادت الفتنة حية متوقدة، وقتلت الحلم الإسلامي لبلد يحتفظ أهله بأرقى صور الالتزام والاعتزاز بالإسلام، وقد عايشتُ الصوماليين في أمريكا خاصة في كولمبس- أوهايو، وأحسبهم من أفضل شعوب الأرض، لكن أمريكا وحلفاءها قتلوا حلم الاستقرار ولايزالون يخنقونهم ويسرقون مواردهم الثرية، ويتركوهم يلتصقون بالتراب من الفقر والمسكنة.

§  وأخيرًا هذا الانتصار التاريخي لثورة 25 يناير في مصر لكن المؤامرة الصهيوأمريكية والخليجية كذيل يغطي نفقات الباشوات الصهيوأمريكان والعملاء في مصر، وكان السيسي كما أعلن– في حوار معه- في "الواشنطن بوست" يتصل يوميًّا وينسق دومًا مع وزير الدفاع الأمريكي، للانقلاب على رئيس مصر المنتخب د. مرسي، وإنهاء كل مكاسب ثورة 25 يناير من برلمان ومجلس شورى، ورئاسة مدنية لأول مرة في تاريخ مصر بإشراف الجيش والقضاء ومؤسسات حقوق الإنسان في العالم، ودستور مصري صاغه 200 من خيار العلماء والقانونيين، وتحاوروا مع كل المحافظات والمهن أكثر من 20 ألف ساعة من الحوار الجاد، وصوَّت عليه 64% من الشعب المصري، كل هذا هدَّه وقوَّضه السيسي بدعم كامل من أمريكا وبني صهيون والخليج إلا من رحم الله، وهاهم يرون ماذا فعل الجيش والشرطة والبلطجية في المتظاهرين السلميين، من قتل الآلاف وحرقهم وتجريفهم وتزوير شهادة وفاتهم، وقاموا بما فعله هتلر من الوسائل الثلاثة: القتل والحرق والخنق كما قال د. سيف الدين عبد الفتاح على قناة "الجزيرة" يوم 27/ 8 / 2013م، وزادوا عيه تزوير شهادات الوفيات أنها انتحار.

فهل نتصور– بعد هذا كله- أن أمريكا اليوم فاقت من غيبوبة إنهاك الشعوب الإسلامية قتلاً وحرقًا وخنقًا إما بيدها أو بيد عملائها، والأمر يصل إلى أن يعد أوباما منذ سبع سنوات أن يغلق سجن "جوانتنامو" الشاهد الكبير على اختراق الأمريكان كل قوانين حقوق الإنسان منذ قامت، ويغدر في وعده حتى اليوم، ويكفي أن نقرأ للمفكر الأمريكي "نعوم تشومسكي" كتابه الذي تُرجم في الرباط بعنوان: "ماذا يريد حقيقة العم سام؟" وفيه يذكر من الوقائع التاريخية التي تجعل أمريكا- وهي بلده- الدولة الأولى التي تخرق وتدمر وتحرق الإنسان وحقوقه في العالم، وما بشار والسيسي إلا من سلالة التربية الأمريكية التي تستهين بحقوق الإنسان وحياته بل قيمته.                                                             

اربطوا هذا بتصريح الوليد بن طلال يوم 20/8/2013م : "لو أردنا- يقصد الحلفاء دوما أمريكا والسعودية- إسقاط نظام الأسد لما احتاج غير أسبوع"، لماذا لم يحدث يا سادة أن تحركت النخوة العربية والإسلامية عند السعودية، والنخوة والمبادئ الإنسانية لدى الأمريكان وحلفائهم لتخليص الشعب السوري المسكين من جزَّاره الأسد؟!!!

والجواب على السؤال بعد هذا العرض المسهَب للقارئ، المقتضَب من الكاتب، هو أن الأسباب والمقاصد الرئيسة من ضرب سوريا من أمريكا وحلفائها في هذا الوقت ما يلي:
المقصد الأول: مصلحة إسرائيل في تحطيم الجيوش والشعوب المجاورة معا، ومنع وصول الثوار إسلاميين أو غيرهم إلى مقدرات الجيش السوري فيمثل تهديدا للكيان الصهيوني المحتل، وهي مسألة يقينية لا تحتاج لحصيف متمرس بالسياسة، ولا عريق في التحليلات السياسية، لأن الأمر كما يقول المتنبي:
وليس يصح في الأذهان شيء     إذا احتاج النهار إلى دليل

وقد دأب رؤساء أمريكا والمرشحون للرئاسة جيلا وراء جيل أن يؤكدوا أن أمن "إسرائيل" من أمن أمريكا، ولم يغب رئيس أمريكي واحد عن المؤتمر السنوي لمنظمة "إيباك" رأس الحربة في جمع كل المنظمات الصهيونية والصليبية الداعمة للكيان الصهيوني داخل المجتمع الأمريكي، ولولا الدعم المفتوح والمفضوح من أمريكا لما استطاع الكيان الصهيوني أن يتعمق ويتوسع أو يبقى على قيد الحياة، أو أن يضرب مصر في 56م، 67م، وتقف الحرب سنة 73م بعد الجسر الجوي من الدعم الأمريكي بكل أنواع السلاح؛ حتى قال الرئيس السادات في مجلس الشعب بعد 6 أيام من الانتصارات: "نعلن وقف القتال لأني وجدتني أحارب أمريكا وليس إسرائيل"، وكارتر هو الذي دفع السادات تلبية للصهاينة بقيادة "مناحم بيجين" في زيارة القدس، والكنيست الصهيوني، وتمت معاهدة "كامب ديفيد" برعاية أمريكية كاملة لصالح بني صهيون ومن يومها صارت مصر قزمًا بين العرب، ذليلة متسولة من كل الأمم حتى انعقد آنئذ مؤتمر القمة العربية في الزيتونة وقال نزار قباني عن السادات بحضور الرؤساء العرب:
من ذا يصدق أن مصر تهوَّدت    فصلاتها عبرية وإمامها كذاب

وفوجئنا أن الكل تهوّد، وصلاتهم عبرية، والجميع يكذب بسبب الدور المصري من مبارك وعمر سليمان لتركيع كل العرب للصهيوأمريكان.

وما الجولات الأمريكية المكوكية بين رام الله والعواصم العربية والكيان الصهيوني إلا لخدمة الاستيطان والتهويد وتأمين الصهاينة من أسود الفلسطينيين والإسلاميين وأحرار العرب الذي يحبون التراب الفلسطيني مسلمين أو غير مسلمين.

المقصد الثاني: تنشيط اقتصاد أمريكا من فاتورة الحرب التي سيدفعها طغاة الخليج، والشواهد على ذلك كثيرة منها:
§  يقول الرئيس الأمريكي "نيكسون" في كتابه: "الفرصة السانحة" ص 47: "إن واجب الأمريكان أن يصححوا خطأ الرب- تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا– لأنه أودع البترول والمعادن النفيسة والموارد الضرورية لدى العرب وهم قوم همجيون متخلفون رجعيون دمويون، فنحن يجب أن نأخذ هذه الموارد كي نصنع بها الحضارة، ونعمِّر بها الأرض" فنحن لا نستحق لدى الرئيس الأمريكي "نيكسون" هذه النِعم الربانية، ووظيفة أمريكا هي تصحيح خطأ الرب الذي وضعها عندنا بسلبها وإعادة نُخالتها لنا بالدولار، وأغلى الأسعار؛ لامتصاص كل نِعم الله لدينا.

§  لما هاج أعضاء الكونجرس على الرئيس "بوش" الأب: لماذا نضحي بالجنود الأمريكان من أجل الشيوخ العرب - في عاصفة الصحراء أو المجد لعذراء بقيادة شوارسكوف لتحرير الكويت من العراق - فردَّ الرئيس "بوش": "نحن لا نُضحي أبدا بالجندي الأمريكي من أجل الشيوخ العرب، بل من أجل الشيوخ الأمريكان"، ولا عزاء في الأغبياء، أو كما كتب المستشار علي جريشة- رحمه الله- كتابًا بعنوان: "عندما يحكم الغباء"، أو كما يقول المفكر الإسلامي الكبير ا.د. محمد عمارة، في تعليقه على بعض تصرفات المخدوعين: انتهى الدرس ياغبي.

§  الاقتصاد الأمريكي اقتصاد عسكري، فلا تستطيع شركة كبيرة أن تحتفظ بوجودها واستمراها ونموها إلا إذا ارتبطت بعقد دسم مع وزارة الدفاع، حتى شركات صناعة السيارات تبني مصانعها بحيث يمكنها بمرونة أن تتحول عند اندلاع أية حرب إلى إنتاج السلاح، بدلاً من السيارات، ويُدفع لها كل عام نظير ذلك، وأمريكا تعاني الآن جدًا اقتصاديًّا فمجموع الدْين الداخلي والخارجي لأمريكا 16ترليون دولار، يعني 16 ألف ألف مليار، وكان المحللون الاقتصاديون يقولون إن اقتصاد أمريكا سيبدأ في سرعة الانهيار لو وصل الدين إلى 7 ترليون، وطبعا البركة في دول الخليج التي تعطي للاقتصاد الأمريكي عناصر البقاء والاستمرار مرة بدفع فواتير الحرب على إيران، أو تحرير الكويت – طبعا من العرب فقط – ثم الهزات الاقتصادية المفتعلة والتي خسر فيها العرب 5 آلاف مليار، صُبت في جيب اللاعب بنا في أمريكا والكيان الصهيوني لكن قومنا إما يعرفون الحقيقة فهم خونة، أو لا يعرفون فهم أغبياء، كما قالت العرب:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة        وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

وطبعًا تسيطر أمريكا على عقود الحماية في أكثر دول الخليج، وقد دفع قادة الخليج للشركات الأمريكية في خلال 3 سنوات ما يفوق الـ500 ملياردولار لشراء أسلحة، مع بقاء كل عوامل التحكم بأمريكا ونسخة للربيبة "إسرائيل"، وهناك مورد ثري جدا للاقتصاد الأمريكي وهو فرض السلع الأمريكية على الدول العربية، وبالأسعار التي يفرضها السيد المطاع الذي يعلِّم العالم العربي لعبة الديناصور– وهو أمريكا– الذي يستطيع بذيله فقط أن يسقط حكمًا شوريًا منتخبًا من مكاسب ثورة كبيرة في حجم الثورة المصرية، ليرتدع الجميع ويبقى تحت الحذاء الأمريكي خادمًا مطيعًا لمِّيعًا لهذا الحذاء إن أكرمه سيده بهذا الشرف.

المقصد الثالث: إنجاح الانقلاب في مصر وإلهاء العالم عن مجازر ومحارق الانقلابيين الدمويين:
إن سرعة التوجه لسوريا في هذا الوقت يثير علامات استفهام كبرى في المشهد المصري؛ حيث لوحظ أن مصر لم ترضخ للطلبات الأمريكية في جوانب كثيرة لا وقت لتفصيلها، فرئيسنا د. مرسي قد زار الصين خصم أمريكا الأول اقتصاديًّا، وزار روسيا خصم أمريكا الأول سياسيًّا وتاريخيًّا، وزار البرازيل وهي حديقة أمريكا الخلفية، وزار جنوب إفريقيا واتفق على خط بري من القاهرة إلى "كيب تاون"، وزار السودان واتفق على 2 مليون فدان لزراعة القمح لتحقيق وصية الشيخ الشعراوي: "من لم يكن طعامه من فأسه فلن يكون قراره من رأسه"، وزار دولا عدة ليس منها أمريكا كزيارة رسمية وليس لهيئة الأمم، واتفق مع تركيا وقطر والهند والصين و... على عقود اقتصادية عالية المستوى تكنولوجيا واقتصاديا، وحث الفلاحين على زراعة القمح، فاستغنينا في عام واحد عن 30% من استيراد القمح من أمريكا، وبدأنا نصنع السيارة المصرية 100%، وانتهينا تمامًا من تصنيع "الآي باد" " إيثار"، وبدأنا ننقب عن المعادن النفيسة في منخفض القطارة وغيرها، وبدأنا نشم عبير الخلاص من القيد الأمريكي في التبعية الاقتصادية والهيمنة السياسية، وتركيع المنطقة العربية للإملاءات الصهيوأمريكية، رغم المعوقات الهائلة لإفشاله من الجيش والشرطة والقضاء والإعلام، وزاد الطين بلَّة أن يعلن المجلس التنسيقي للعلماء من القاهرة يوم 3 شعبان 1434هـ الموافق 11/6/2013م، وجوب إعلان الجهاد إنقاذًا لسوريا، وقابلهم فخامة الرئيس محمد مرسي بريادة العلامة د.القرضاوي مع علماء من 16 دولة، وبعدها يعقد مؤتمر مصري شبابي في استاد القاهرة حضره نصف مليون على الأقل، وبرعاية كاملة من فخامة الرئيس محمد مرسي، وأَعلن فيه: "لبيكِ يا سوريا، حيَّ على الجهاد، طَرد السفير السوري، لا مكان لحزب الله في سوريا، جمع تبرعات لسوريا" فكانت هذه هي القشّة التي قصمت ظهر البعير أو الحقير، وسرّعت الخطوات الصهيوأمريكيليجية التي بدأت من أول يوم غادر فيه أحمد شفيق معتمرًا- كما ذكر– إلى القصور الإماراتية مع المندوب الصهيوني السامي دحلان، والممول الرئيسي محمد بن زايد، فكان لا بد من تسريع الخطى من خلال حركة تمرد التي أسّستها المخابرات وموّلها الخليج وسويرس، واكتمل المشهد بهذا الانقلاب، وظنوا أن الأمر سيدين ويرضخ لهم بين عشية أو ضحاها وتعود الهيمنة الصهيوأمريكية، لكن اعتصام رابعة والنهضة وميادين مصر قلَبَ الموازين، وغيَّر الخطة فكان لابد من نحر المعتصمين وذبح المرابطين، وحرق جثث "الخوارج!" بفتاوى علماء السلطة وعملاء الشرطة، لكن الشعب تضاعفت مسيراته، وتنوعت نشاطاته فلابد من إلهاء العالم عن هذا المارد حتى نسكته فلعلهم أوعزوا إلى بعض عملائهم في الجيش السوري المخترَق طبعا فضرب عيارا زائدا عن المرات الـ63 الماضية من الضربات الكيماوية فمات ربع العدد الذي قُتل في مصر، ولم تحرّق أجسامهم كما حرِّقت في مصر، ولم يُجرفوا بالجرافات الميري في الجيش والشرطة، ولم يُمنع الآباء من استلام الجثث حتى يكتبوا إقرارا أن ابنهم بعد أن قتل نفسه رميا بالرصاص ثم  حرَق نفسه على أساس أن الشهيد حيٌّ فيستطيع "أنه يُولَّع في نفسه" وهكذا غابت المبادئ السامية لتعلو المصالح الدنيئة تأمينا للصهاينة أولا، وللهيمنة الأمريكية في العالم العربي ثانيًا، والتغطية على مخازي الانقلاب لعله ينجح يومًا ما ثالثًا.

ويطيب لي غرسًا للأمل واستمرارًا في الانتفاضة في مواجهة الظالمين أن أُذكّر بآيات وحديثٍ نبويٍّ:
1.                       قال تعالى: (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ، فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) (إبراهيم: 46-47).

2.                       قال تعالى: (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ) (النحل: 26).

3.                        روى البخاري ومسلم بسندهما أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قال: "مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ، وإنما أنَا قاسِمٌ واللهُ يُعْطِي، ولن تزالَ هذه الأمةُ قائمةً على أمرِ اللهِ، لا يَضُرُّهم مَن خالفهم، حتى يأتيَ أمرُ اللهِ".

فأرجوكم معشرَ المسلمين وأحرارَ العالم صدِّقوا العليم الخبير سبحانه، والنبي محمدا صلى الله عليه وسلم، فإن لم تفعلوا فاقرأوا حقائق التاريخ، فأمريكا لم ولن تسعَ يوما لمصلحة العرب والمسلمين أو الإنسانية، بل هي تعمل بداخلها وفقا للمبادئ والمصالح معًا سياسة، أما خارجها فتتحرك وفقا لمصالح الهيمنة والسلب والنهب، وتمكين الصهاينة من هدم الأقصى وتهويد القدس وتهجير العرب، فإياكم أن تستمروا في التصفيق للمارينز الأمريكان على أرضنا العربية والإسلامية، اطردوهم أعزكم الله، وإلا فلا عزاء في الشعب السوري والمصري والعربي والإسلامي، لا أولاً ولا آخرًا.

يا قوم انتفضوا ضد أمريكا و"إسرائيل" وعملائهم في العالم العربي كله، فالأمر أخيرًا كما يقول الشاعر عبد الرحيم محمود:
ونفسُ الشريف لها غايتان      بلوغُ المنايا ونيلُ المُنى
فإما حياةُ تسرُّ الصديقَ      وإما مَماتٌ يُغيظ العِدا

ولله وحده الأمر كله، علانيته وسره، وهو نِعم المولى ونعم النصير.

أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق