مصر تتحدث عن كلبها
وائل قنديل
في مقابل عشرات الساعات من البث الفضائي المكثف، عن قتل كلب في حي شبرا، أمر النائب العام المصري بحظر النشر في جريمة قتل محامٍ داخل قسم شرطة على أيدي ضباط الداخلية.
هل خاف النائب العام على مشاعر المصريين من مشاهدة صور شهيد قسم المطرية، مقطوع اللسان، مشوه الجسد، ولم يخف عليهم من "فيديو" ذبح وتقطيع الكلب، الذي تسابقت المواقع الإلكترونية والفضائيات في عرضه؟
احسب عدد الساعات المخصصة لنقل الوقفة الاحتجاجية التي منحت وزارة الداخلية تصريحاً بها للغاضبين من أجل الكلب، والمساحة الزمنية الشاسعة التي خصصتها برامج المساء، لمناقشة مأساة الكلب، واستضافة "المتكالبين" للحداد عليه، مقارنة بما خصصوه لفاجعة تعذيب المحامي، وقتله، والتمثيل بجسده؟
هل قادك "الريموت كونترول" لحظة إلى برنامج يستضيف ذوي المحامي السعيد، أو أصدقاءه أو زملاءه أو جيرانه؟
هل اهتمت وسيلة إعلامية واحدة بهذه الأم البسيطة التي تخيلت أن أهل الرحمة والإنسانية يمكن أن يرأفوا بحال طفلها الرضيع الذي لا يجد العلاج، فقررت أن تحمله، وتذهب إلى حيث وقفة ذوي الأحاسيس المرهفة؟
هل سعى أحد إلى استضافة السيدة التي عقرتها ألسنة حداد حين اقتربت من "وقفة الكلب"، واتهمتها بأنها ممولة ومدفوعة لإفساد كرنفال الحزن الفخيم الذي أقامه أعضاء نادي الجزيرة، ملتقى الباشوات والبكوات وبقايا طبقة النصف في المائة؟
هل فكرت وسيلة إعلامية في استضافة المصور الصحافي الذي سجل بالكاميرا مفارقة الاستشراس على أم الرضيع المريض، من أهل الرهافة واللطافة، اللاتي قدمن فاصلاً من النحيب الأنيق على ضياع الإنسانية وذهاب الرحمة؟
ذهب المصور "محمد أوكسجين" لتغطية وقائع الوقفة التي دعيت إليها وسائل الإعلام المحلية والعالمية كافة، فلفته مشهد سيدة شابة تقترب، طالبة العون والغوث، لإنقاذ حياة رضيعها، فكان ما كان، وتحولت الأم إلى عميلة مدسوسة للتشويش على المناسبة الجليلة، غير أن الأهم، هنا، أن المصور الصحافي تم القبض عليه، وتوقيفه، والتحقيق معه، ومساءلته على تصوير الحدث، قبل أن تطلق السلطات سراحه فيما بعد.
تطورت قصة الكلب من كونها حادثة بشعة عبرت، لتصبح مشروعاً وطنياً للثرثرة والإلهاء وصرف الناس عن متابعة متلازمة الفشل والاستبداد والقمع التي تغرق فيها مصر، التي تهرب من أي إجراء، من شأنه أن يجعلها دولة، بالمفهوم الحقيقي للدولة.
وفي اللحظة التي غرق الناس في "حديث الكلب" عمداً، كانت سلطة الانقلاب تمرر، برشاقة، عملية الهروب والتفلت من استحقاق الانتخابات النيابية، وتشكيل برلمان، في الموعد الذي قطعه النظام على نفسه، كما مرت الصواعق القضائية، المتمثلة في قرار وضع المقاومة الفلسطينية على لائحة الأعداء، بحكم تصنيف حركة حماس "إرهابية"، وقبل ذلك الحكم بسجن النشطاء الذين تظاهروا عند مجلس الشورى، في تزامن عجيب مع قرارات تبرئة من تبقى من رموز دولة مبارك داخل السجون، والبدء في إدخال مهزلة الإعدامات الجماعية حيز التنفيذ.
نجح مدير مدينة الملاهي المنصوبة في مصر، منذ عامين، في أن يجعل القضية الأولى على مائدة الجدل، الآن، هي مع الكلب، أم ضد الكلب؟
وبينما يشتعل الاشتباك حول هذه المعضلة، يستمر الجنرال ممسكاً بكل السلطات، هو الحاكم، وهو المعارضة، هو القضاء، والبرلمان والدستور والقانون..هو الكل.. أو اللاشيء!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق